إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / أزمة لوكيربي




الأمين خليفة فحيمة
سطح الطائرة ومقدمتها
عبدالباسط المقراحي
عضد مثبت في شجرة





الفصل السابع

الفصل السابع

إصدار الحكم وردود الأفعال

          أصدرت المحكمة الاسكتلندية بهولندا، في 13 يناير 2001، في كامب زايست، المؤلفة من ثلاثة قضاة، يرأسهم لورد سازرلاند، حكمها ببراءة الأمين خليفة فحيمة، وأطلقت سراحه. فيما أدانت عبدالباسط المقراحي، بتفجير طائرة "بان أمريكان"، وأمرت بسجنه مدى الحياة (مدة لا تقل عن عشرين عاماً). وقد اختتم القضاة الثلاثة، التقرير الخاص بحيثيات حكمهم الواقع في 82 صفحة، بما يلي: "ندرك أن هناك تحفظات وعدم يقين بالنسبة لبعض جوانب القضية، وندرك أيضاً أن انتقاد أجزاء الأدلة يكمل بعضها الآخر، وفي المقابل إهمال الأجزاء، التي لا تبدو مكملة يشير إلى احتمال الخروج من الأدلة، باستنتاجات هي في الواقع ليست مبررة. لكننا بعد تمحيص الأدلة كلها، آخذين بعين الاعتبار التحفظات، والجوانب المثيرة للتساؤلات، وكذلك مرافعات المحامين، مقتنعون بأن الأدلة على شراء ملابس من مالطة، ووجود تلك الملابس في حقيبة، ونقل الحقيبة من مالطة إلى لندن، والتّعرف على المتهم الأول (وإن لم يكن حاسماً)، وتنقلاته باسم مستعار، وقت الكارثة، أو نحوه، والظروف الأخرى، مثل علاقته بالسيد بوليير، وبأعضاء في هيئة أمن الجماهيرية، أو في الجيش الليبي، الذين اشتروا موقتات "إم إس تي - 13"،مقتنعون بأن هذه الأدلة مجتمعة هي مقنعة. لا شيء في الأدلة أثار لدينا شكوكاً معقولة، فيما يتعلق بمسؤولية المتهم الأول. وعليه خلصنا إلى أنه مذنب".

حيثيات الحكم

          ذكر رئيس القضاة، لورد رونالد ساذرلاند، في حيثيات الحكم عن ملابسات كارثة الرحلة الرقم 103 لشركة "بان أمريكان"، تحميل الإدعاء الليبيين، عبد الباسط المقراحي والأمين خليفة فحيمة، مسؤولية دس شحنة متفجرة في متن الطائرة. وقد ثبت أن تحطم الطائرة، كان نتيجة "انفجار"، وأنه لم يكن هناك خلاف (بين الإدعاء والدفاع) في أن المسؤول عن الانفجار "مُذنب بجريمة القتل"، لكن الخلاف أمام المحكمة يتعلق، هل بإمكان الإدعاء أن يُثبت، بما لا يدع مجالاً للشك، أن أياً من المتهمين، أو كلاهما معًا، مسؤول "عمدًا"عن زرع الشحنة المتفجرة، في الطائرة المنكوبة؟

          ثم تناول عمليات جمع حُطام الطائرة، وطريقة تجميع الأدلة، وكيف تبين للمحققين أن الشحنة المتفجرة، كانت موضوعة "في جسم الطائرة"، وهو أمر "نُقبل صحته". وأشار إلى أن المحققين حددوا، أيضاً، أن الشحنة المتفجرة كانت موضوعة في حاوية معدن من "ألومنيوم"، عثر فيها على بقايا مادة بلاستيكية متفجرة. ثم انتقل ساذرلاند إلى تحديد أنواع بقايا ملابس عُثر عليها، تحمل علامة "صنع في مالطة"، وأغراض كانت في حقيبة "سامسونايت" بنية اللون، تبين للمحققين أن عليها أثار مادة متفجرة. وتحدث، أيضًا، عن عثور المحققين على جزء صغير من جهاز إلكتروني، تبين أنه يعود إلى جهاز راديو ـ مسجلة، من نوع "توشيبا". وأشار إلى أن المحققين انتقلوا إلى ألمانيا الغربية، لمعرفتهم أن أجهزة أمنها كانت صادرت في أكتوبر 1988م، أجهزة تفجير موضوعة في آلات تسجيل، من نوع "توشيبا"، كانت في حوزة أعضاء جماعة فلسطينية. ونقل عن أحد الشهود أنه تبين للمحققين، أن أجهزة "توشيبا"المصادرة في ألمانيا، تختلف عن بقايا الجهاز، الذي عُثر عليه، ضمن حطام طائرة "بان أمريكان".

          وشرح ساذرلاند كيف انتقل المحققون إلى مالطة، في أغسطس 1989م؛ وكيف حددوا مصدر الملابس من "متجر ماري" (في منطقة سليما)، وتملكه عائلة جوشي، وقال : إن أحد أصحاب المتجر، أنتوني جوشي، أدلى بإفادة للمحققين شرح فيها ما يتذكره، عن رجل "يعتقد أنه ليبي"اشترى من محله ثيابًا، لم يهتم بمقاسها، قبل فترة قصيرة من كارثة لوكيربي. وشرح ساذرلاند طريقة العثور على بقايا جهاز توقيت المتفجرة، وكيف تبين أنه من نوع "أم. أس. تي. 13"، وهو أمر دفع بالمحققين إلى الانتقال إلى سويسرا، حيث استمعوا إلى إفادات إدوين بوليير، وإروين ميستر، الشريكين في شركة "ميبو"، التي تُصنّع أنواعًا مختلفة من الإلكترونيات.

          وقال القاضي: "إن الأدلة التي عُرضت علينا، حتى هذه المرحلة، تؤكد لنا ـ بما لا يدع مجالاً للشك ـ أن الكارثة كانت نتيجة حشوة متفجرة، موضوعة ضمن جهاز راديو/ آلة تسجيل، من نوع "توشيبا"، موضوع (بدوره) في حقيبة "سامسونايت" بنية اللون، تحوي ملابس تم شراؤها من محل "ماري هاوس" بمالطة، وأن الانفجار سببه جهاز توقيت "أم. آس. تي. 13".

          ثم انتقل ساذرلاند إلى شرح كيفية انتقال حقيبة "السامسونايت"من مالطة، إلى فرانكفورت، ثم إلى لندن، قبل انفجارها في الجو فوق لوكيربي. وركز في هذا المجال على معلومات مأخوذة من أجهزة كمبيوتر، تسجل وجهة الحقائب لدى نقلها في المطارات. وقال إن القضاة مقتنعون بأن الحقيبة مصدرها مالطة، على الرغم من جهود الدفاع إلقاء ظلال من الشك، حول المصدر، الذي جاءت منه الحقيبة المفخخة.

          وأقر القاضي بأن المسؤولين في مطار فرانفكورت، كانوا تلقوا تحذيرات من محاولات لتمرير آلات تسجيل مفخخة، من نوع "توشيبا"، إلى إحدى الطائرات. وقال إن التحذير الأول والأساسي، صدر بعد عملية "أوراق الخريف"، ضد أعضاء الجبهة الشعبية ـ القيادة العامة"، في حين أن التحذير الثاني كان يشير إلى احتمال أن تنقل امرأة من هلسنكي، جهاز تسجيل مفخخ".

          وبعد فرانكفورت، انتقل القاضي إلى عرض الإجراءات الأمنية، في مطار لوقا المالطي. فقال إن المطار صغير، والإجراءات الأمنية فيه، ليست متطورة. ثم انتقل القاضي إلى تحديد الأدلة، ضد المتهم الأول المقراحي، وقال إنها تعتمد على ثلاثة شهود أساسيين، هم: عبد المجيد الجّعايكة، وإدوين بوليير، وأنتوني جوشي.

          وأعاد التذكير بعمل الجعايكة في الاستخبارات الليبية، وتعريفه بالمسؤولين عن هذا الجهاز الأمني (مثل عبد الله السنوسي، وعز الدين الهنشيري، وسعيد رشيد، وناصر عاشور)، وعن اتصاله بالسّفارة الأمريكية في مالطة في 1988م، عارضًا خدماته. وقال إن القضاة يوافقون على الرأي القائل بأن الجعايكة كان "يُضخم" للأمريكيين وضعه داخل الاستخبارات الليبية، لكنه قال: إن الجعايكة أخبر الأمريكيين، عندما سألوه في أكتوبر 1988م عن إمكان إخفاء الليبيين متفجرات في مالطة، أن ثمانية كيلوجرامات من المتفجرات جاء بها المقراحي إلى مالطة، في 1985م، وأنها كانت مخفية في جارور مكتب، وأنه طلب منه المساعدة في نقلها إلى المكتب الشّعبي الليبي. وأن الجعايكة أخبر الأمريكيين لاحقًا في 1991م، أن فحيمة هو مَن أخبره أن المقراحي جاء بالمتفجرات إلى مالطة. وأقر القاضي بأن ثمة تناقضًا في إفادة الجعايكة في هذا المجال. ثم تحدث عن أقوال الجّعايكة في شأن مشاهدته المقراحي وفحيمة، مع حقيبة "سامسونايت"في مطار مالطة، يوم 20 ديسمبر، عشية كارثة لوكيربي. وقال إن القضاة لا يمكنهم الوثوق بأقوال الجعايكة، في هذا المجال.

          ثم تناول القاضي مسألة ثالثة أثارها الجعايكة، وهي أن الاستخبارات الليبية كانت تُناقش في 1986م، إمكان نقل حقيبة مفخخة إلى "طائرة بريطانية"، وأنه تبين لليبيين أن ذلك ممكناً، وأنه ناقش الأمر مع المقراحي في مالطة، وأن الأخير رد عليه بأن "لا تستعجل الأمر". وقال القاضي إن المحكمة لا يمكنها، أيضًا، قبول رواية العميل الليبي، في هذا الخصوص. وأضاف أن القضاة يقبلون فقط معلومات الجعايكة، عن هرمية جهاز الأمن الليبي.

          ثم انتقل رئيس القضاة، ساذرلاند، إلى موضوع شركة "ميبو"، وجهاز التوقيت "أم. أس. تي 13"فقال: إن بوليير وميستر أسسا الشركة في بدايات السبعينيات في زيوريخ، وإنها كانت تُنتج خصوصًا أجهزة إلكترونية، وأجهزة تجسس، وأن بوليير كان يتعامل مع الحكومة الليبية بشأن أجهزة أمنها، في وقت حصول كارثة لوكيربي. وقال إن القضاة استمعوا إلى إفادات ثلاثة شهود، في شأن نشاطات شركة "ميبو"، وتحديدًا أجهزة التوقيت، التي تصنعها من نوع "أم. أس. تي. 13"، و"إن شهادات الثلاثة، خصوصًا بوليير، أظهر أنهم لا يمكن الوثوق بهم". التي جاء فيها: أن شهادة بوليير "ناقضت نفسها أكثر من مرة". وأشار القاضي إلى أقوال بوليير، أنه عندما عاد من ليبيا إلى زيوريخ، يوم 20 كانون الأول 1988م، اكتشف أن جهاز توقيت ـ كان يحاول بيع أصناف منه إلى الليبيين ـ كان موضوعًا على توقيت تاريخ وقوع كارثة لوكيربي (بعد ذلك بيوم). فقال القاضي إن بوليير كان يكذب، إذ إن جهاز التوقيت، الذي تحدث عنه "من نوع أوليمبوس، ولا يُظهر تاريخ الأيام". لذلك، فإن القضاة يرفضون ما ورد في شهادة بوليير، بخصوص لقائه عميلاً للاستخبارات الأمريكية، أمام مقر شركته في زيوريخ، وكذلك قوله: إن هذا "الرجل الغامض"، طلب منه أن يكتب رسالة إلى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، يُورط فيها ليبيا في قضية لوكيربي.

          وقال القاضي إن بوليير لم يقل للمحققين، والشرطة السّويسرية، أنه باع في 1985م خمسة أجهزة توقيت من نوع "إم.إس.تي 13."، إلى جهاز الأمن الألماني الشرقي "ستازي"، سوى في أواخر العام 1993م. ولذلك، فإن القضاة يرفضون روايته هذه، بل إن بوليير نفسه "لا يصدقها". ومع ذلك فالقضاة يقبلون بعض ما ورد في شهادة بوليير، على الرغم من رفضهم قبول أجزاء كبيرة منها. وذكر القاضي، تحديدًا هنا، أجهزة توقيت "إم. إس. تي 13"، والاختبارات، التي أجراها الليبيون، في صحراء سبها.

          ثم تحدث القاضي عن شهادة جوشي، وكيف أنه أخبر المحققين بملامح الشّخص، الذي اشترى منه الملابس، وكيف أنه حدد ذلك الشخص، من خلال صور عُرضت عليه، بأنه محمد أبو طالب (الفلسطيني المسجون في السويد)، وكيف غير رأيه لاحقًا، ليقول إنه المقراحي، وهو أمر تمسّك به عندما شاهد المتهم الأول في المحكمة. وقال القاضي إنه وزميليه لاحظوا أن جوشي كان صادقًا في شهادته، ولم يزعم أنه متأكد "مائة في المائة"، من أن المقراحي، هو الذي اشترى منه الملابس.

          وتحدث القاضي عن "الدفاع الخاص"، الذي قدمه الدفاع في بداية المحاكمة. وقال: زعم الدفاع أن جبهة النضال الشعبي الفلسطيني، و"القيادة العامة"، متورطتان في حادثة لوكيربي، وكذلك برويز طاهري (أحد شهود الإدعاء العام). ولكن محامي الدفاع تخلّوا عن اتهام طاهري، في مرافعاتهم الختامية.

          ثم قال إن الاتهام الخاص بتورط "القيادة العامة"، يقوم على أساس عملية "أوراق الخريف" الألمانية، التي يتبيّن من خلالها أن أعضاء هذه المجموعة الفلسطينية، كان يمكن أن يفجروا طائرة مدنية، من خلال جهاز تفجير مخفي في آلة تسجيل، وقال إن الأمن الألماني عثر مع حافظ دلقموني، زعيم خلية "القيادة العامة" في فرانكفورت، وأعضاء مجموعته، على أجهزة توقيت وتفجير وأسلحة وجداول مواعيد سفر طائرات شركة "لوفتهانزا"، وجدول واحد لطائرة "بان أمريكان". لكنه أشار إلى أن أجهزة توقيت الخلية الفلسطينية، تختلف عن جهاز "أم أس تي 13"، إذا إنها تعمل بحسب ارتفاع الجو. واستبعد القاضي أن تكون خلية دلقموني، (الذي سجن 15 سنة لإدانته بتفجر قطار في ألمانيا في 1987م) استطاعت تجميع أعضائها، وتنفيذ الهجوم على طائرة "بان أمريكان"، بعد شهرين فقط من اعتقالها، ومصادرة معداتها في عملية "أوراق الخريف". ثم تحدث عن شهادة أبو طالب وقال : إن القضاة مقتنعون بأن لا دخل له بلوكيربي.

          وانتقل القاضي إلى شرح الأدلة المقدمة ضد فحيمة، وتحديدًا ما ورد في مفكرته المصادرة في مالطة، التي ورد فيها "أحضر إشارات (تاغ) Tags من الخطوط المالطية"، وإشارة أخرى إلى أنه نفذ ذلك بالفعل OK. وقال إن محامي فحيمة، ريتشارد كين، جادل بأن موكله، لو كان بالفعل من أحضر إشارات "Tags" للمقراحي، من أجل نقل الحقيبة عبر "الخطوط المالطية"إلى فرانكفورت، فإن ذلك لا يُثبت أن الهدف من ذلك التصرف هو تفجير طائرة الـ "بأن أمريكان". لهذا، قال القاضي إن الإدعاء تنازل في المحاكمة، عن إصراره على أن فحيمة مسؤول في الاستخبارات الليبية، وتمسك فقط بعلاقاته بالمقراحي. وقال: إن القضاة لا يمكنهم قبول شهادة الجعايكة ضد فحيمة، ولا يمكنهم اعتبار مزاعم الإدعاء، في شأن تصرفات فحيمة، سوى إنها "استنتاج". ولذلك لم يجد القضاة أدلة كافية، على تورط فحيمة في قضية تفجير الطائرة، ويقررون على هذا الأساس تبرئته.

          وانتقل القاضي بعد ذلك إلى المقراحي، وقال: إن القضاة رفضوا قبول ما ورد في مفكرة فحيمة، وعلى هذا الأساس لا يمكنهم قبول ما ورد فيها كدليل إدانة ضد المقراحي. لكن المقراحي زُوّد في عام 1987م بجواز سفر، بناءً على طلب من الاستخبارات الليبية، باسم أحمد خليفة عبد الصمد، وأن المتهم زار دولاً عدة بهذا الجواز، ومن بين تنقلاته يوم 20/21 ديسمبر 1988م، زار مالطة.

          وأشار إلى أن من العوامل المهمة ضد المقراحي، شهادة غواشي ضده، وأن القضاة يقبلون أن المقراحي عضو في الاستخبارات الليبية"، بل هو مسؤول رفيع فيها"، وأنه تولى مسؤوليات عدة، بينها مسؤول أمن الطائرات، وأنه شارك في عمليات شراء أسلحة للقوات المسلحة الليبية، وأن له علاقة ببوليير (ليس بالضرورة في خصوص شراء أجهزة "أم. أس. تي 13"، وبشركة "ميبو". ولفت القاضي النظر إلى أن المقراحي نفى في مقابلة تليفزيونية، علاقته بـ"ميبو"(مع بيار سالينجر)، ونفى أيضًا أنه زار مالطة عشية تفجير الطائرة، وأنه أستخدم جوازًا مزورًا باسم عبدالصمد. وقال: "إننا لا نقبل نفيه".

          وهكذا أعلن رئيس المحكمة، اللورد ساذرلاند، بالحكم، حيث برأ قضاة المحكمة الثلاثة الأمين خليفة فحيمة، من تهمة المشاركة في تفجير طائرة الـ"بان آم"الأمريكية فوق لوكيربي باسكتلندا عام 1988م، لكنهم أدانوا مواطنه عبد الباسط المقراحي، بعقوبة السجن المؤبد. وكان رئيس المحكمة، قد أجاب عندما سأله كاتب المحكمة، عما إذا كان القضاة الثلاثة قد توصلوا إلى حكمهم، في التهم الموجهة ضد المقراحي (المتهم الأول) بقوله "نعم". ثم سأله عما إذا كان الحكم بالإجماع أم بالأغلبية، فرد القاضي "بالإجماع". ثم سأل كاتب المحكمة، رئيس المحكمة عن الحكم بحق فحيمة فرد: "البراءة"، وعن السؤال بشأن "الإجماع" أو "الأغلبية" رد القاضي: "بالإجماع". ثم طلب الادعاء إنزال العقوبة الإلزامية المنصوص عليها في القانون الاسكتلندي لـ"جريمة القتل"، وهي السجن المؤبد ضد المقراحي. ثم سأل القاضي محامي المقراحي، بيل تيلور، إن كان لديه ما يقدمه من مبررات لتخفيف الحكم، فقال تيلور: إن موكله مصر على براءته من التهمة، وأنه سينتظر صدور نص الحكم (الوثيقة) ليعلق.

          وختم القاضي إعلان الحكم قائلاً: "ليس في الأدلة ما يدع مجالاً للشك في شأن إدانة المتهم الأول، وعلى هذا الأساس نجده مذنبًا، بما ورد في الاتهام ضده (القتل) ".

ردود الأفعال العربية والعالمية على إصدار الحكم

          خرج آلاف الليبيين في مظاهرة في شوارع طرابلس، احتجاًجا على حكم الإدانة، الذي أصدرته المحكمة الاسكتلندية الخاصة في هولندا، بحق عبد الباسط المقراحي. ووصفوا الحكم بالابتزاز، داعين رئيس المحكمة إلى "الانتحار". وتجمع المتظاهرون أمام مكتب منظمة الأمم المتحدة في العاصمة الليبية، حيث شوهد شاب وهو يحز رقبته بشفرة، قبل أن يهوي على الأرض، والدم يسيل من رقبته، وحمل إلى داخل سيارة إسعاف، ونقل بسرعة إلى المستشفى. وقال شهود عيان آخرون، إن اثنين آخرين من المتظاهرين حزا رقبتيهما بالطريقة نفسها، إظهاراً للغضب، مما يصفه المحتجون بأنه حكم إدانة بإيعاز من الولايات المتحدة. ورفض مسؤول التعليق على الفور على حالة هؤلاء الأشخاص. وقال أحد المتظاهرين، واسمه علي العريف (63 سنة) إن الرجال الثلاثة حزوا رقابهم ليظهروا للعالم أن الدم الليبي يبذل رخيصًا، في سبيل الدفاع عن البلاد وكرامة الشعب.

          كما انفجرت المظاهرات في شوارع طرابلس، في 6 فبراير 2001، وتجمع الآلاف في الساحة الخضراء دعماً للزعيم القذافي واصفين حكم المحكمة بأنه مهزلة وردد المتظاهرون شعارات ضد الظلم الواقع على وطنهم ومنها "شرعية الأمم المتحدة هي شرعية الذل "و" ونرفض الحكم السياسي "ولتسقط أمريكا ولتسقط بريطانيا "ولا اله إلا الله... أمريكا عدو الله "وحاول متظاهرون آخرون اقتحام السفارة البريطانية تعبيراً عن غضبهم، إلا أن قوات الشرطة استخدمت القنابل المسيلة للدموع ومنعتهم من اقتحام السفارة كما ألقـت القـبض على حوالي 30 شاباً واحتجزهم لاستجوابـهـم.

          وفور صدور الحكم، جددت ليبيا نفي علاقتها، بتفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكيربي. وقالت إن مواطنها عبدالباسط المقراحي سيستأنف ضد قرار إدانته، وألمحت إلى أنها ستطالب بتعويضات، عن فرض العقوبات والحصار عليها، منذ سنوات طويلة. ونفى أبو زيد دوردة، مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، تورط ليبيا في تفجير الطائرة، وقال: "إن ليبيا كدولة، لا شأن لها إطلاقاً بهذه المسألة". أما الأمين المساعد للشؤون الإعلامية، في اللجنة الشعبية للاتصال الخارجي والتعاون الدولي، حسون الشاوش، فدعا إلى ضرورة رفع العقوبات نهائياً وفوراً، بعد صدور حكم المحكمة. وشدد على أن بلاده ستطالب بتعويض عن الخسائر، التي مُنيت بها نتيجة العقوبات الدولية، التي فرضها عليها مجلس الأمن، في قضية قانونية لا علاقة لهذا المجلس بها.

          وقال الزعيم الليبي معمر القذافي، في حديث صحفي بثه التليفزيون الليبي والمصري على الهواء مباشرة "، يوم 5 فبراير 2001، إن عبدالباسط المقراحي رهينة "لدى القضاء الاسكتلندي واصفاً الحكم بالمهزلة. وأكد الزعيم الليبي " إن عبدالباسط بريء، ولم يتم التوصل إلى أي أدلة ضده، ونحن نعتبره مخطوفاً ورهينة، بغية إرهاب الشعب الليبي وابتزازه". وشدد القذافي على أن الحكم في تفجير لوكيربي " حكم سياسي، وليس قضائياً"، وإنه جاء نتيجة إدانة سياسية لليبيا، من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، لـ"حفظ ماء الوجه"، بعدما عملا على إظهارها مركزاً للإرهاب. وأضاف "إن الذين استبعدوا عن المسؤولية في تفجير لوكيربي، سيأتي الدور عليهم في قضية تفجير أخرى، أو أي مبرر آخر، لأننا جميعاً في خندق واحد". واشترط لتعويض عائلات ضحايا لوكيربي، أن تقدم تعويضات إلى "كل ضحايا الولايات المتحدة". وأختتم القذافي كلمته بإصراره على أن تكون ليبيا مركز التحرر في العالم، وليس مركزاً للإرهاب، و"سنستمر في ذلك بإدانة أو غير إدانة".

          وقد أرسل الزعيم الليبي معمر القذافي برسائل إلى رؤساء وأمناء، كل من منظمتي الوحدة الأفريقية، والمؤتمر الإسلامي، ودول عدم الانحياز، ورؤساء دول كل من الصين، وروسيا، وفرنسا، ورئيس المفوضية الأوروبية، أوضح فيها أن سياسة الضغط والابتزاز، التي تقوم بها الولايات المتحدة وبريطانيا، ليست في مصلحة السّلام وتعزيز العلاقات الدولية، وأن كل من واشنطن ولندن مازالتا ترفضان طلب ليبيا بمحاكمة منفذي ومدبري الغارات على ليبيا، في منتصف أبريل عام 1986م، وترفضان أي محاولة قانونية لمعالجة هذا الموقف.

          ولعل أشد ردود الفعل أثراً، كانت تلك التي عانى منها عبدالباسط المقراحي، الذي بدأ يوم 7 فبراير 2001، إضراباً عن الطعام، احتجاجاً على إدانته. وقالت عائشة زوجه، إنه أبلغها بإضرابه عن الطعام احتجاجاً وتعبيراً عن مدى الظلم الواقع عليه، وللفت انتباه العالم إلى هذا الظلم. وإنها حاولت إثناؤه عن ذلك لكنه أصر على الاستمرار في إضرابه عن الطعام، مما دفع ابنته الكبرى غادة إلى الانضمام إليه وأضربت هي الأخرى عن الطعام. وقد أنهى المقراحي، يوم 8 فبراير 2001، إضرابه عن الطعام، بعد ضغوط أسرته وابنته عليه.

          وقال الرئيس الأمريكي بوش، بعد وقت قصير من صدور الحكم: "إنني أقدر تقديراً عالياً المحكمة الاسكتلندية، لاتخاذها قرارها وإدانتها عضواً في الاستخبارات الليبية لتفجيره طائرة "بان إم" عام 1988، وأقدّر العمل الذي قام به فريق الحكومة الأمريكية، الذي أسهم في صدور حكم الإدانة. وقال ريتشارد باوتشر، المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية: "يتعين على الحكومة الليبية أن تتحمل المسؤولية، عن عمل المسؤولين الليبيين". كما أعلن الرئيس بوش أن الولايات المتحدة "ستمارس ضغوطًا" على ليبيا، لتعترف بمسؤولياتها في اعتداء لوكيربي وتوافق على دفع تعويضات لعائلات الضحايا. وقال للصحافيين، في بداية اجتماع في البيت الأبيض مع أعضاء في الكونغرس: "أريد طمأنة عائلات الضحايا، بأن الولايات المتحدة ستواصل ضغوطها على ليبيا، لتقر بمسؤوليتها عن هذا العمل، وتعويض العائلات".

          أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش أن الولايات المتحدة لن ترفع الحظر على ليبيا، ما لم تعترف بمسؤولياتها في قضية لوكيربي، وتعرب عن أسفها عن ذلك. وأن العقوبات ستبقى قائمة حتى يقبل الليبيون، ليس دفع تعويضات عن اعتداء لوكيربي فحسب، بل ليقروا أيضًا بمسؤوليتهم، وتقديم اعتذار.

          كما رحّبت الحكومة الفرنسية بالحكم الصادر في قضية لوكيربي، وأعربت عن رغبتها في مواصلة "تطبيع" العلاقات بين باريس وطرابلس. وقال متحدث باسم الخارجية الفرنسية: "إننا نرحب بالحكم، فنحن نفكر في عائلات الضحايا، وشدد على أن العدل قد أُحل، كما حدث في قضية يوتا".

          أما الحكومة البريطانية، فطالبت ليبيا بدفع تعويضات لأسر الضحايا. وقال ناطق باسم رئيس الوزراء البريطاني، توني بلير: "إن إدانة مواطن ليبي بتفجير الطائرة، تؤكد شكوكنا الطويلة بأن مسؤولين ليبيين، كانوا وراء تفجير لوكيربي، وأن ليبيا يجب أن تقبل تحمل المسؤولية، وتلتزم بدفع التعويضات اللازمة.

          وأضاف "أننا ننتظر من الآن وصاعدًا أن تتحمل السلطات الليبية كامل المسؤولية عن العمل الذي ارتكبه أحد موظفيها الذي صدر حكم بحقه في اعتداء لوكيربي". وقال المتحدث باسم رئيس الوزراء البريطاني للصحافيين "إن ليبيا يجب أن تتقبل تحمل المسؤولية ودفع التعويضات اللازمة"، كما نتوقع منها أن تدفع التعويض الذي ستقرره المحاكم"وتابع أنه يعتقد أن المحاكم قضت بدفع 700 مليون دولار في هذه القضية وأردف قائلاً "نحن نأمل أن يتم دفع هذا المبلغ على الأقل".

          أعلنت الخارجية البريطانية، أنه لا مجال لآية وساطات أخرى في قضية لوكيربي، معتبرة أن الاتصالات في الأمم المتحدة، بين بريطانيا وأمريكا من جهة، وليبيا من جهة أخرى، هي "الإطار الوحيد"لتسوية الملفات العالقة، بين الجانبين".

          وفي الأمم المتحدة أعلن سفير سنغافورة إلى الأمم المتحدة، كيشور محبوباني، أن الدول الأعضاء في المجلس ليست مستعجلة لرفع العقوبات المفروضة على ليبيا وقال: "يجب أن لا نتسرع" بل أن تتم الأمور بتأنٍ، وهذا هو شعوري عندما تحدثت إلى الجميع". كما أعرب كوفي أنان، الأمين العام للأمم المتحدة، عن أمله في أن يندمل جرح أهالي وأصدقاء ضحايا لوكيربي. وقال في بيان صدر في نيويورك: "إن العدالة أخذت مجراها، ويتعين احترام الشّرعية الدولية، والعملية القانونية".

          بينما دعا الدكتور عصمت عبد المجيد، الأمين العام لجامعة الدول العربية، في بيان، إلى رفع العقوبات الدولية عن ليبيا. وقال: "على مجلس الأمن اتخاذ الإجراءات الفورية لرفع العقوبات نهائيًا عن ليبيا في أقرب فرصة، تقديرًا للموقف الليبي، وما أظهره من مرونة في التعامل مع أزمة لوكيربي. وفي الوقت نفسه غادر الدكتور عصمت عبد المجيد الأمين العام لجامعة الدول العربية القاهرة إلى نيويورك عبر باريس، لمطالبة الأمم المتحدة برفع العقوبات عن ليبيا بعد صدور الحكم في تفجير الطائرة الأمريكية فوق لوكيربي. وكانت الجامعة العربية طلبت من مجلس الأمن "الرفع الفوري"للعقوبات المفروضة على ليبيا. من جهة أخرى، أكد الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد السعودي تأييد المملكة لرفع العقوبات نهائيًا عن ليبيا.

          وفي بكين دعت الحكومة الصينية إلى رفع العقوبات عن ليبيا. وصرح الناطق باسم وزارة الخارجية زهو بانزاو " بأننا نأمل في أن تسعى الأسرة الدولية إلى رفع العقوبات بالكامل عن ليبيا، لإحلال السّلام والاستقرار الإقليمي. واعتبر زهو، الذي أشار إلى أن قضية لوكيربي تعود إلى أكثر من عشر سنين، أن "العقوبات تسببت بخسائر كبيرة، وولدت شعورًا بالمرارة، لدى الشعب الليبي".

          وفي باريس، أعربت الحكومة الفرنسية عن رغبتها في مواصلة، "تطبيع"العلاقات بين باريس وطرابلس، وأعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية، أن "القرارات الصادرة عن مجلس الأمن الدولي، طالبت بمحاكمة المشتبه فيهما الليبيين، وقد تم تحقيق هذا الهدف" وقال: إن "قيام مجلس الأمن الدولي في الخامس من أبريل 1999م، بتعليق العقوبات المفروضة على ليبيا، في أعقاب الحلول التي تم التوصل إليها في قضية لوكيربي، أفسح المجال أمام تطبيع تدريجي، وعلى مراحل، للعلاقات بين فرنسا وليبيا، لا سيما في المجال الاقتصادي والفني، ونحن نأمل في استمرار هذا التطور".

          كما عقد أبو زيد عمر دوردة، ممثل الجماهيرية لدى الأمم المتحدة، يوم 3 فبراير 2001، اجتماعاً مع سفراء مجموعة دول عدم الانحياز في مجلس الأمن. وأوضح السفير الليبي أنه قدم إلى مجموعة عدم الانحياز، التي تضم تونس ومالي وجامايكا وسنغافورة وبنجلاديش وكولومبيا، الاتفاقات التي تم الوصل إليها بواسطة الأمم المتحدة، بين السلطات القانونية في ليبيا والولايات المتحدة وبريطانيا. وقدم أيضًا إلى المجموعة صورة من رسالة وجهها الأمين العام للأم المتحدة، كوفي أنان، إلى الزعيم الليبي، العقيد معمر القذافي. وأكد أبو زيد دوردة قائلاً: "إننا أوضحنا إلى مجموعة عدم الانحياز، أن رفع العقوبات عن ليبيا أمر ليس له أي علاقة، بالحكم النهائي للمحكمة.

          وبين دوردة أن قرار مجلس الأمن نص على أن العقوبات، يتم رفعها بعد 90 يومًا من تسليم المشتبه فيهما بحادثة تفجير طائرة "بان أمريكان". وشدد قائلاً "إن رفع العقوبات لا يمكن ربطه بالمحكمة، ولا بالنتيجة، التي خرجت بها".

          وقد أكد الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، انتهاء مهمته في الملف الليبي، وأن "ما تبقى عائد إلى مجلس الأمن". وأشار إلى التقرير، الذي قدمه إلى المجلس العام الماضي، ووصفه بأنه "التقرير النهائي، الذي عليّ أن أقدمه إلى المجلس، في الشأن الليبي". وزاد: "إن المسؤولية الأخرى الوحيدة عليّ، كأمين عام بموجب ذلك القرار، هي ضمان تعيين مراقبين لأحوال السجين في اسكتلندا (المقراحي)، للتأكد من أنه يتلقى العناية طبقًا للقانون الدولي، وما تبقى عائد إلى مجلس الأمن". وقال أنان: "علينا أن نقبل الواقع بأن ليبيا، في نهاية المطاف، تعاونت من خلال تسليم الشخصين، مما شكل خطوة كبيرة، لم يكن واردًا إجراء المحاكمة بدونها ولما كنا حيث نحن اليوم".

          كما ذكرت منظمة الوحدة الأفريقية، في بيان لها حول الحكم، أن أمينها العام، سليم أحمد سليم، دعا إلى الرّفع الفوري والدائم للعقوبات الاقتصادية المفروضة على ليبيا، بعد صدور الحكم في قضية لوكيربي. وقال سليم "إن مجلس الأمن الدولي يجب أن يتخذ الإجراءات المناسبة، من أجل رفع فوري، وبطريقة دائمة، للعقوبات على الجماهيرية العربية الليبية، التي تعاونت بشكل كامل طبقًا لقرارات مجلس الأمن". ودعا البيان إلى إيجاد حل سلمي وعادل، يستند إلى القانون الدولي للأزمة، بين ليبيا وكل من الولايات المتحدة وبريطانيا.

          وقد أكدت مصر وسورية دعمها ومساندتها لليبيا ضد ما وصفته بمحاولات الابتزاز، التي تتعرض لها. وطالبت بالرفع الفوري للعقوبات المفروضة على طرابلس، بعد صدور قرار المحكمة. كما أكدا ضرورة الرفع الفوري للحصار المفروض على الشعب الليبي الشقيق، لانتفاء مبررات استمراره، بعد صدور قرار المحكمة". وأعربت معظم الدول العربية عن أملها في أن يتوقف العمل نهائيًا بالعقوبات الموجهة ضد الشعب العربي الليبي، "ولاسيما إنها تطبق بمعايير مزدوجة، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بقضية الشرق الأوسط".

          أصدر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية بيان أكد فيه أن الحكم الصادر ضد عبدالباسط المقراحي له توجه سياسي ضد مصالح الشعب الليبي، ودعا مجلس الوحدة الاقتصادية العربية المجتمع الدولي بضرورة رفع العقوبات فوراً دعماً للاستقرار والتنمية للشعب الليبي وشعوب المنطقة العربية.

          ووجه رئيس حركة دول عدم الانحياز، سفير جنوب أفريقيا، دوميساني كومالو، في 9 فبراير 2001، رسالتين إلى كل من رئيس مجلس الأمن لشهر فبراير، مندوب تونس، السفير سعيد بن مصطفى، والأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، أكد فيها ارتياح الحركة لوفاء ليبيا لكل التزاماتها، وفقاً لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. وطالب مجلس الأمن بأن ينظر بسرعة، في اعتماد قرار في شأن رفع العقوبات على ليبيا فوراً.

          كما التقى الرئيس السابق لجنوب أفريقيا نيلسون مانديلا في طرابلس عائلة عبدالباسط المقراحي وأقربائه وأكد لهم أنه "سيبذل قصارى جهده للتوصل إلى نتائج إيجابية، ومحاولة الإفراج عنه".

          كذلك، قرر مجلس الأمن، في 13 فبراير 2001، تأجيل مناقشاته بشأن مشروع قرار يدعو لإلغاء العقوبات المعلقة، المفروضة على ليبيا. وقال متحدث باسم الخارجية البريطانية: إن حكومته متمسكة بأن تنفذ ليبيا ما هو مطلوب منها، في قرارات مجلس الأمن، وفي مقدمتها "قبول المسؤولية"عن كارثة لوكيربي. كما شدد المسؤول البريطاني على أن المطلوب من ليبيا، سيبقى قائمًا بصرف النظر عن نتيجة الاستئناف، الذي تقدم به المقراحي. ورداً على هذا الموقف البريطاني المتعسف، قال روبرت بلاك، الخبير في القانون الاسكتلندي، إن هذا الموقف أقل ما يوصف به إنه "هراء". وأضاف: إن محاكمة لوكيربي انعقدت لغرض محدد هو إثبات براءة الليبيين من عدمها، والاتفاق الخاص بشأنها يتضمن بنودا تتعلق بمرحلة الاستئناف، ومن ثم فإن إسقاط التهمة عن المقراحي، في حال نجاح الاستئناف، سيعني إسقاط التهمة عن ليبيا نفسها.

          وقد جاء في تقرير المراقب الدولي، هانز كوشلر، الأستاذ الجامعي، الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة، كوفي أنان، لمراقبة سير محاكمة لوكيربي أن بعض جوانب المحاكمة، كانت "إساءة لقضية العدالة الجنائية الدولية"وغلبت الاعتبارات السياسية على التقييم القانوني الصرف، في هذه القضية.

          وأكد كوشلر في تقريره، أن مدة الحجز غير العادية للمتهمين، من وقت وصولهما إلى هولندا، في 5 أبريل 1999م، إلى بداية المحاكمة في 3 مايو،2000، شكلت مشكلة خطيرة فيما يتعلق بحقوق الإنسان الأساسية، للمواطنين الليبيين، وذلك بموجب المستوى الأوروبي العام، وعلى وجه الخصوص بنود حقوق الإنسان في المعاهدة الأوروبية. "وعمومًا فان الملابسات السياسية الضخمة المرتبطة بالقضية، والاعتبارات الأمنية الخاصة، المتعلقة بالطبيعة السياسية للقضية، أضرت بحقوق المتهمين، خصوصًا فيما يتعلق بمدة الحبس الإداري". وعن سير المحاكمة وعدالتها، قال كوشلر: "كانت هناك مشكلة كبيرة تمثلت في وجود ممثلين، على الأقل، لحكومة أجنبية، داخل قاعدة المحكمة طيلة مدة المحاكمة، إذ كان هناك شخصان من مكتب المدعي العام، التابع لوزارة العدل الأمريكية، يجلسان إلى جوار فريق الادعاء طيلة الوقت. ولم يكونا مسجلين في أي من وثائق المعلومات الرسمية، المتعلقة بالأطراف المشتركة في المحاكمة، التي أعدّها قسم خدمات المحكمة الاسكتلندية. ومع هذا فقد شوهدا يتبادلان الحديث مع هيئة الادعاء، أثناء انعقاد جلسات المحاكمة، وكانا يقومان بفحص البيانات، وتمرير الوثائق. وكان هذا الأمر لمراقب محايد، يراقب سير المحاكمة من صالة الزوار، يعطي الانطباع بأنهما مشرفان يتوليان المهام الأساسية المتعلقة بإستراتيجية الادعاء، وتحديد نوعية الوثائق التي يمكن أن تُكشف للمحكمة، والاحتفاظ بأجزاء من المعلومات المتعلقة بوثائق معينة بعيدًا، وعدم كشفها للمحكمة". وظهر هذا جلياً عندما تعلق الأمر ببرقيات وكالة الاستخبارات المركزية، المتعلقة بأحد شهود الادعاء الأساسين، (عبد المجيد جعايكة). وأضاف: "في البداية أصرت هيئة الادعاء على استبعاد تلك البرقيات، باعتبار أنها ليست ذات علاقة بالقضية، ولكنه ثبت أنها كانت ذات علاقة كبيرة، عندما كُشف عنها أخيرًا (على الرغم من أن الكشف كان جزئيًا)، وذلك تلبية للتحرك، الذي قام به فريق الدفاع في هذا الاتجاه. وبصرف النظر عن هذا الجانب خاصة، الذي أضر كثيرًا باستقامة وأمانة كل تلك الإجراءات القانونية، فقد بات واضحًا أن وجود ممثلين لحكومات أجنبية في قاعة المحكمة الاسكتلندية (أو في أي محكمة في ذلك الخصوص)، إلى جوار هيئة الادعاء، يعوق تحقيق استقلالية وسلامة وعدالة الإجراءات القانونية، ولا يتوافق مع الأسس القانونية العامة المتعلقة بسير المحاكمة وعدالتها".

          وأكد كوشلر أن الجهود كانت تبذل دائمًا، "من أجل حجب معلومات أساسية عن المحكمة، وكان من أبرزها محاولات حجب برقيات وكالة الاستخبارات المركزية المتعلقة بالعميل الليبي المزدوج السابق عبدالمجيد جعايكة.. وكان واضحًا أن المحكمة اكتفت بما قُدم لها، وقبلت الوضع، وهذا أمر يصعب فهمه على مراقب محايد. وربما كانت هناك معلومات أخرى ذات علاقة بالقضية، قد أخفيت عن المحكمة".

          وفي السّياق نفسه أشار كوشلر إلى إعلان الادعاء العام رسميًا، "بأنه تم تسلم معلومات مهمة جديدة من حكومة أجنبية (لم يسمها)، تتعلق بقضية الدفاع، ولم يتم الكشف عن مضمون تلك المعلومات على الإطلاق، ولم تقدم أي حكومة أجنبية الوثائق، التي طلبت منها بتاتًا. ونظرية الدفاع البديلة ـ التي تقود إلى استنتاجات الادعاء ـ لم يتم التحقيق فيها بالجدية اللازمة". ونتيجة لهذه الحالة، فانه قد توصل إلى الاستنتاج، "بأنه ربما يكون قد سُمح ولو بطريقة غير مباشرة ـ لحكومات أجنبية، أو لوكالات حكومية (سرية)، بأن تقرر ـ إلى حد كبير ـ نوع الأدلة، التي تقدم للمحكمة.

          واستغرب كوشلر استراتيجية الدفاع، الذي أسقط فجأة "دفاعه الخاص"، وقرر عدم استدعاء أي شاهد، بالرغم من تصريحاته الطموحة، التي أطلقت في بداية المحاكمة. وقال إنه يعتبر موقف الدفاع، "غير مفهوم تمامًا".

          ولاحظ كوشلر أن هناك نمطًا كان سائدًا في المحاكمة، تمثل في أن كل الأشخاص الذين قدمهم الادعاء كشهود أساسيين، قد ثبت أنهم يفتقدون المصداقية إلى حد كبير. "وفي بعض الحالات قدّم بعضهم أكاذيب مكشوفة للمحكمة، خصوصًا السيد (أدوين) بوليير، والسيد الجعايكة، حيث جاءت أقوالهما مليئة بالتناقضات والتضارب، وعدم الربط المنطقي. كما جاءت أقوال شهود آخرين متناقضة، مما خلق ارتباكًا يصعب معه الاستخلاص والفهم الواضح، لأي جزء من أقوالهم.. وعليه فان اختيار أجزاء من أقوالهم لتأسيس حكم قضائي، لا يكون ثمة مجال للشك فيه، يُعد أمرًا اعتباطيًا، وغير منطقي".

          وخلص كوشلر إلى أن أجواء سياسة القوة الدولية، "كانت حاضرة في كل جوانب قرار قضاة المحكمة. وعلى الرغم من التحفظات العديدة الواردة من المحكمة، حول توضيح قرارها بنفسها، فان قرار إدانة المتهم الأول (المقراحي)، لم يكن مفهومًا، خاصة في ضوء اعتراف القضاة أنفسهم، بأن تعرف صاحب المتجر المالطي على المتهم الأول لم يكن أكيدًا، وأنه كانت هناك جملة من الأدلة المتناقضة. كما جاء حكم المحكمة مفتقدًا للربط المنطقي، والمصداقية القانونية، وذلك حينما شطب قضاة المحكمة أحد أهم عناصر الاتهام، وهي البيان الخاص بأن المتهمين الاثنين قاما في 21 ديسمبر 1988م بحمل حقيبة إلى داخل مطار مالطة"، يزعم الادعاء أنها استخدمت لإخفاء قنبلة بداخلها، فجرّت طائرة الـ "بان أم". لذا فإن رأي المحكمة جاء مفتقدًا للربط المنطقي، في جانب أساسي: "فقد وجدت المحكمة المتهم الأول (مذنبًا)، والمتهم الثاني (غير مذنب)".

          وهذا غير مفهوم تمامًا لأي مراقب عاقل، لا سيما أن الاتهام في أصله بني على اشتراك الشخصين المتهمين في الفعل في مالطة"وأضاف :إن قرار المحكمة "جاء مؤسسا بكامله، على أدلة ظرفية، وعلى سلسلة من الاستنتاجات والاستدلالات المشكوك فيها، وفي هذا الإطار نرى أن قرار الإدانة للمتهم الأول جاء اعتباطيًا، وغير عقلاني".

          وانتهى كوشلر في تقريره، إلى أن هذه الحقائق جعلته يستنتج أن قرار المحكمة النهائي، "ربما حكمته اعتبارات سياسية، وجاء نتيجة لتأثير واضح، مارسته بعض الأطراف من خارج الإطار القضائي".

أهم الندوات التي ناقشت الحكم

          وقد نظمت الجامعة العربية للعلوم بتونس، ندوة عن لوكيربي، في 16 فبراير 2001، أكد فيها الخبيران في القانون الدولي، الدكتور توفيق بوعشبة، المستشار القانوني للصليب الأحمر الدولي، وأستاذ القانون بالجامعة التونسية، مع الدكتور إدموند جوف، أستاذ القانون الدولي في جامعة باريس، أن هناك مخالفات قانونية وقعت في محاكمة الليبيين المتهمين في كارثة لوكيربي. واتفقا على أن المحكمة لم تأخذ بمبدأ قرينة البراءة، في تعاملها مع المواطنين الليبيين، وأنها ألصقت بهما التهمة قبل أن تحاكمهما، وهو ما يتعارض مع التشّريعات القديمة والحديثة. فالإنسان يبقى بريئًا حتى تثبت إدانته، وهو الأمر الذي تنص عليه المادتان،11 14 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. وأضاف الدكتور توفيق بوعشبة إن هناك خروقات قانونية، ارتكبت أثناء المحاكمة، منها عدم تمتع المتهمين بقرينة البراءة، إضافة إلى فك المحكمة الارتباط بين المتهمين في الحكم الذي أصدرته، في حين أنه جرى تقديمهما ومعاملتهما على أساس تورطهما، في جريمة واحدة.

          وكذلك، نظمت الجامعة العربية واتحاد المحامين العرب، ندوة دولية عن: "لوكيربي بين القانون والسياسة"، في 8 أبريل، طالبت مجلس الأمن برفع العقوبات عن ليبيا فوراً، والعمل على الإفراج عن عبد الباسط المقراحي. وأكدت التوصيات، التي صدرت تحت عنوان "إعلان القاهرة"، عن دعم الموقف القانوني في قضية لوكيربي، وتغليبه على الجانب السياسي، والموقف المتعنت من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، ومحاولة إيجاد حل سريع وعادل، يراعي أحكام القانون والحقوق الأساسية للإنسان، مع الإدراك لفداحة الأضرار الإنسانية والمادية، التي لحقت بالشعب الليبي، والشعوب المجاورة، بفعل عقوبات فُرضت خلال عقد من الزمان، جعلت من ليبيا رهينة من دون مبرر.

          وأعرب رجال القانون والسياسة، من مختلف قارات العالم المشاركون في الندوة، في إعلانهم، عن بالغ القلق إزاء سير القضية أمام المحكمة الاسكتلندية في هولندا، والمناخ الإعلامي المغرض، الذي تمت فيه المحاكمة، وطريقة تشكيل المحكمة، وسير أعمالها، والحكم الذي انتهت إليه، وجوانب القصور فيه، لاسيما في ضوء ما استمعنا إليه من تقارير مهمة مقدمة من قانونيين، عرب وأجانب، ومراقبين دوليين معينين من قبل الأمين العام للأم المتحدة، بشأن المحاكمة وإجراءاتها، وجوانب القصور التي تضمنتها.

          كما أقيمت ندوة حول محاكمة لوكيربي، في كلية الدّراسات الأفريقية والشرقية بجامعة لندن، في 28 مارس 2001، ترأسها المحامي الجزائري سعد جبار، وشارك فيها البروفيسور روبرت بلاك، أستاذ القانون الاسكتلندي في جامعة أدنبره، والبروفيسور تيم نبلوك، من جامعة اكسيتر، وجورج جوفي، من مركز دراسات شمال أفريقيا التابع لجامعة كمبريدج، بحضور السفير الليبي في لندن، محمد بلقاسم الزوّي، وعدد كبير من المهتمين بالشأن الليبي. وفي بداية الندوة كشف روبرت بلاك، عن وجود أدلة جديدة، من عملاء حاليين وسابقين لوكالة الاستخبارات المركزية، حصل عليها الدفاع يمكن أن تثار خلال الاستئناف، وأن هناك أدلة جديدة أيضاً حول آلية تفجير طائرة الـ (بان آم). وأكد أستاذ القانون الاسكتلندي هشاشة الأدلة، التي قدمها الادعاء، مع أن القضاة الاسكتلنديين الثلاثة قبلوها على علاتها. وتحدث البروفيسور تيم نبلوك عن العقوبات، التي فرضت على ليبيا بسبب أزمة لوكيربي، وقال إنه يخالف الرأي القائل بأن هذه العقوبات كانت مجدية، لأنها أرغمت ليبيا على تسليم مواطنيها إلى هولندا، لمحاكمتها أمام محكمة اسكتلندية. وأشار إلى أن التسوية تمت ليس بسبب العقوبات، بل بسبب التّغير الذي طرأ على الموقف البريطاني والأمريكي وقبول لندن وواشنطن فكرة المحاكمة في هولندا.

          وتناول جورج جوفي مستقبل العلاقات بين ليبيا والغرب، خاصة علاقاتها مع أمريكا. وقال إن أمام طرابلس مسار طويل، وصولاً إلى التطبيع، وأن من السذاجة الاعتقاد بأن قضية لوكيربي، نُظرت في إطار قانوني مستقل وشفاف. واستدرك: "لا أقول أن القضاة كانوا مسيسين، لكن الظروف، التي أحاطت بالمحاكم،ة كان لها دورها في تحديد نتيجتها".

          وأخيراً، فقد ذكر ناطق باسم محكمة أدنبره العليا للقضاء، أن محامي عبد الباسط المقراحي كانوا قد منحوا مهلة إضافية، لتقديم مبررات استئناف الحكم بإدانة موكلهم، وقال: "مُنح المحامون مهلة لستة أسابيع، ابتداء من 21 مارس. وأعلن المقراحي في السابع من فبراير أنه سيستأنف الحكم بإدانته، ومنح مهلة قانونية مدته ستة أسابيع، بدءاً من ذلك التاريخ ليقدم الأسباب الكاملة للاستئناف مكتوبة.