إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



ملحق

ملحق

الصين والأبعاد الإستراتيجية لعلاقاتها مع أفريقيا

ليس هناك شك في أنّ الأبعاد الإستراتيجية للعلاقات بين الصين وأفريقيا تأتي في مرتبة متأخرة، من حيث الأسبقية، بعد الأبعاد الاقتصادية والتجارية، إذا نظرنا لهذه الأبعاد الاستراتيجية من مَنظور ضيّق بحسبانها تتعلق فقط بالجوانب السياسية والعسكرية والأمنية لهذه العلاقات. إلا أنّ الأبعاد الاستراتيجية سوف تحتلّ المرتبة الأولى بلا منازع في أولويات هذه العلاقات إذا نظرنا إليها على أنها تعبير عن محصّلة المصالح الشاملة التي يمكن لكل من الصين وأفريقيا أن تحقّقها من وراء العلاقات القائمة بينهما.

فإذا كانت أولويات الصين، فى علاقاتها مع أفريقيا، تتركّز على ضمان وارداتها من الطاقة والمواد الخام من أفريقيا، وفتح الأسواق الأفريقية أمام البضائع الصينية، وتعزيز المكانة العالمية للصين، وتطويق نفوذ تايوان فى أفريقيا، فإنّ هذا النوع من الأولويات لا يُعد شأناً تجارياً أو سياسياً محضاً، وإنما هو في الوقت نفسه شأن استراتيجي بحكم ما يعبّر عنه من مصالح كبرى للجانب الصيني، كما أنّ رغبة الأفارقة في الاستفادة من الصين مصدّراً للاستثمارات والتكنولوجيا الحديثة والمساعدات التنموية هو بالمثل شأن استراتيجي، وليس مجرد مصالح اقتصادية أو تجارية محدودة.

ومن ثم، فإنه على الرغم من غلبة الجوانب الاقتصادية والتجارية على العلاقات بين الصين وأفريقيا، فإنّ تلك الجوانب بحد ذاتها تنطوي على أبعاد إستراتيجية بالغة الأهمية. ناهيك عن أنّ هناك، على ما يبدو، إدراكاً متبادلاً من الجانبين الصيني والأفريقي لتوسيع نطاق هذه العلاقات والوصول بها إلى مستوى “شراكة إستراتيجية كاملة” وفق ما أشار إليه الإعلان الصادر عن المنتدى الصيني ــ الأفريقي، في نوفمبر 2006، سعياً إلى تبنّي منهج صيني ــ أفريقي مشترك لمواجهة تهديدات الأمن العالمي.

ويركّز هذا المقال على تقديم رؤية كلية للأبعاد الإستراتيجية للعلاقات بين الصين وأفريقيا تقوم على التعامل مع الأبعاد السياسية والاقتصادية والتجارية لهذه العلاقات بوصفها أبعاداً مترابطة، لا يتحرك كل منها بمفرده في فراغ، وإنما تكمل بعضها البعض وفق حسابات المصالح الخاصة بكل طرف من الطرفين، مع التركيز في هذا الصدد على الجوانب المتعلقة بالدور الصيني في مجالات الأمن والاستقرار في أفريقيا، ودورها في توريد الأسلحة للعديد من الدول الأفريقية، بالإضافة إلى اهتمام الصين بكسب تأييد الدول الأفريقية لها بشأن المسألة التايوانية، علاوة على تحليل الرؤية الصينية - الأفريقية المشتركة بشأن تطورات النظام العالمي، فضلاً عن تحليل إمكان استفادة أفريقيا من النموذج الصيني نموذجاً ملائماً لها في مجال التنمية، وبديلاً عن النموذج الرأسمالي الذي ثبت فشله في العديد من الحالات الأفريقية.

الإطار الاستراتيجي للعلاقات الصينية ــ الأفريقية

شهدت السياسة الصينية إزاء أفريقيا عدداً من التحوّلات الرئيسة على مدى نصف القرن المنصرم. وارتبطت هذه التحولات بعوامل السياسة الصينية من ناحية، وبالمتغيرات السائدة على الساحة الدولية من ناحية أخرى، بحيث يمكن القول إنّ هناك ثلاث مراحل رئيسة للسياسة الصينية إزاء أفريقيا على مدى العقود الخمسة الماضية، تبدّلت فيها السياسة الصينية ما بين الاهتمام المكثف بالقارة الأفريقية، واعتبارها “منطقة مصالح استراتيجية” في الستينيات والسبعينيات، ثم الإهمال الملموس من جانب الصين للقارة الأفريقية منذ أواخر السبعينيات وحتى أوائل التسعينيات، ثم معاودة الصين عقب ذلك اهتمامها بأفريقيا بدرجة كبيرة.

ففي المرحلة الأولى، اهتمّت الصين بالقارة الأفريقية لأنها منطقة مصالح إستراتيجية، في إطار الصراع الأيديولوجي العالمي بين الكتلة الاشتراكية والكتلة الغربية. وخلال عقدَي الستينيات والسبعينيات، ركّزت الصين في سياستها الأفريقية على دعم نُظُم الحكم الاشتراكية في أفريقيا، مع تأكيد انتماء الصين إلى العالم الثالث بحسبان نفسها دولة نامية.

وخلال هذه المرحلة، نشب الخلاف الأيديولوجي الشهير بين موسكو وبكين منذ بداية الستينيات حول تفسير النظرية الماركسية ــ اللينينية، واتهام الصين للاتحاد السوفييتي السابق بأنه انحرف عن هذه النظرية، وخاصة فيما يتعلق بالموقف من حركات التحرر الوطني والثورة في البلاد النامية والمتخلفة. وبدأت السياسة الصينية عقب ذلك تركز بشدة ليس فقط على التصدي للنفوذ الغربي في أفريقيا والعالم الثالث، ولكن أيضاً التصدي لهيمنة القوتين العظميين معاً على الساحة الدولية.

ولهذا، فإنّ السياسة الصينية في أفريقيا منذ الستينيات كانت انعكاساً مباشراً للصراع الأيديولوجي بين الصين والاتحاد السوفيتي السابق، وتمحورت السياسة الصينية على معاداة السوفييت والتصدّي لنفوذهم في أفريقيا، والعمل على إفشال أيّ تحرك لهم في القارة، وهو ما دفع الصين إلى تأييد أيّ بلد وأيّة حركة أفريقية، طالما أنّ موسكو لا تؤيّدها، بغض النظر عن المنطلق الفكري والانتماء السياسي وطبيعة العلاقات الدولية لهذا البلد أو تلك الحركة.

بدت تلك السياسة الصينية واضحة وقتذاك في تأييد الصين لخصوم الاتحاد السوفيتي السابق في الصراعات الأفريقية، لا سيما في حالتَي الحرب الأهلية في كل من نيجيريا وأنجولا، حيث دعمت الصين الحركة الانفصالية في بيافرا في نيجيريا لمجرّد أنّ موسكو كانت تدعم الحكومة الاتحادية، كما دعمت الصين حركة يونيتا المعارضة في أنجولا في حربها الضارية والطويلة ضد نظام الحكم المدعوم من الاتحاد السوفيتي السابق.

منذ منتصف السبعينيات، دخلت السياسة الصينية في أفريقيا مرحلة جديدة، شهدت خلالها تحولات كبرى في فترة ما بعد وفاة "ماو تسي تونج"، عام 1976، حيث جرى التركيز بعد ذلك على تنفيذ عملية إصلاح داخلي واسعة في الصين، لا سيما في المجال الاقتصادي، بقيادة دينج شياو بينج، الذي وصل إلى الحكم ببرنامج اقتصادي يركز على نقطتين رئيستين هما: فكرة التحديث الاشتراكي، وتطبيق فكرة اقتصاد السوق الاشتراكي.

كان من الطبيعي في ظل هذه الأولويات أن تتخلى القيادة الصينية عن أفكار الصراع الأيديولوجي المزدوج، سواء ضد المعسكر الرأسمالي الغربي، أو ضد الاتحاد السوفييتي السابق. وفقدت أفريقيا قدراً كبيراً من مكانتها وأهميتها لدى الصين خلال تلك الفترة، وشهدت تلك الفترة تراجعاً كبيراً في النشاط الدبلوماسي والاقتصادي والتجاري للصين في القارة الأفريقية. ومنذ بداية التسعينيات، بدأت مرحلة جديدة، عاودت الصين فيها الاهتمام مجدداً بالقارة الأفريقية.

تأثرت هذه العودة الصينية بمتغيرات البيئة الدولية من ناحية، وبالأولويات الملحّة في السياسة الصينية من ناحية أخرى. وانعكست متغيرات البيئة الدولية في أنّ انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق جعل العودة الصينية لأفريقيا ترتكز ارتكازاً شبه كامل على أسس اقتصادية ــ تجارية بحتة، وليس على أسس أيديولوجية كما كان الحال في السابق.

فرضت أولويات السياسة الصينية نمطاً محدداً لعلاقات الصين مع أفريقيا يتمثّل في شيوع معادلة ثابتة لهذه العلاقات تقوم على أنّ الاقتصاد الصيني ينمو بمعدلات متسارعة، وبات في حاجة متزايدة لموارد الطاقة والمعادن والمواد الخام، وأصبحت الصين من ثم في حاجة ملحّة لاستيراد النفط والمواد الخام من أفريقيا، لا سيما أنّ القارة الأفريقية تضم عدداً من منتجي النفط الكبار على الساحة الدولية، مثل نيجيريا وأنجولا والسودان والجابون، كما أنّ أفريقيا هي القارة الأغنى باحتياطيات المعادن المختلفة في العالم. وتحتاج الصين أيضاً لأفريقيا سوقاً لمنتجاتها، استناداً إلى أنّ الاقتصاد الصيني هو بالأساس اقتصاد موجَّه للتصدير، ويحتاج إلى أسواق واسعة للتسويق.

منتجاته المتنوّعة

ارتكزت معادلة العلاقات الصينية ــ الأفريقية على استيراد الصين للنفط والمواد الخام من أفريقيا، في مقابل تصدير السلع المصنَّعة، مع توجيه بعض الاستثمارات الصينية إلى بعض الأسواق الأفريقية، لا سيما في مجال النفط والنشاط التعديني، فضلاً عن توسّع الصين في سياسة الإقراض غير المشروط للعديد من الدول الأفريقية بما يخدم تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري بين الجانبين.

لا ينفي ما سبق أنّ العلاقات بين الصين وأفريقيا في طورها الراهن، الذي بدأ مع مطلع تسعينيات القرن الماضي، تشتمل أيضاً على مجالات أخرى تتعلق بالتعاون الدفاعي وصادرات السلاح، فضلاً عن الاهتمام بالقضايا السياسية التي تهمّ كِلا الطرفين، لا سيما في ظل اهتمام الصين بالحصول على مساندة أفريقية ودولية قوية لموقفها من مسألة تايوان، علاوة على اهتمام الجانبين الصيني والأفريقي بالعمل على إصلاح هيكلية النظام الدولي، بما يحقق مصالح الدول كافة، ومن دون ارتهان العلاقات الدولية لسياسات القوة والهيمنة، التي تمارسها القوة العظمى الوحيدة في العالم الولايات المتحدة الأمريكية، أو بعض الدول الحليفة والصديقة لها. ولكنّ الملاحظ من تطورات العلاقات بين الصين وأفريقيا أنها كانت في الأغلب نتاج لمبادرات الجانب الصيني، بينما كان الموقف الأفريقي عبارة عن ردود أفعال فقط.

كما يبدو أنّ تعاون أفريقيا مع الصين يأتي في الأغلب عندما تنعدم أو تتضاءل الخيارات والبدائل أمام الدول الأفريقية المعنيّة، أي حينما تعجز عن التعاون مع أطراف غربية بشأن القضايا محل الاهتمام، ما يعني إجمالاً أنّ أفريقيا ظلّت تتعامل مع الصين بوصفها مجرد بديل أخير للحصول على أشياء يصعب نيلها من أطراف أخرى، سواء في مجالات التعاون الاقتصادي أو التبادل التجاري أو مبيعات السلاح.

الصين وقضايا الأمن والاستقرار في أفريقيا

تستحوذ قضايا الأمن والاستقرار على مكانة محوريّة في العلاقات بين الصين وأفريقيا، بحكم حساسية هذه النوعية من القضايا للقارة الأفريقية، بسبب كثرة الصراعات الداخلية والإقليمية فيها، علاوة على تفاقم الأزمات الاقتصادية في العديد من دولها، جنباً إلى جنب مع ازدياد مشكلات الفقر وتراكم الديون الخارجية، وهي متغيّرات لا تتسبّب فقط في نشوب صراعات داخلية في العديد من الدول الأفريقية، ولكنّ الأهم من ذلك أنها تُعيق فرص التنمية والأمن والاستقرار في تلك الدول. وللتعامل الفاعل مع هذه المتغيرات.

شهدت أفريقيا خلال السنوات الخمس السابقة عملية إعادة هندسة واسعة للترتيبات المنظمة للتعاون الجماعي الأفريقي، عبر الانتقال من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي، وما صاحب ذلك من إنشاء مؤسسات جديدة معنيّة بتحقيق الأمن والاستقرار في أفريقيا، يأتي في مقدمتها مجلس السلم والأمن الأفريقي، فضلاً عن شيوع روح جديدة في مختلف مجالات العمل الأفريقي المشترك بشأن تسوية الصراعات الجارية في أفريقيا، بجعل ذلك نقطة انطلاق حيوية لدفع جهود التنمية ليس فقط في الدول المعنية، ولكن أيضاً على امتداد القارة الأفريقية ككل. في ظل هذا الوضع، دأبت الصين دوماً على تأكيد مشاركتها الفاعلة في جهود تعزيز الأمن والاستقرار في القارة الأفريقية، وتركّز في هذا الإطار على ثلاثة عناصر رئيسة تتمثل في:

الأول: حرص الصين على المشاركة في عمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام في القارة الأفريقية، حيث شاركت الصين منذ بداية التسعينيات في نحو 12 عملية من هذا النوع، سعياً منها للمشاركة الفعّالة في تسوية الصراعات وحل المشكلات المعقدة في أفريقيا.

الثاني: تعزيز علاقات التعاون العسكري مع أفريقيا بوصفها إحدى أهم مجالات السياسة الصينية في أفريقيا، لا سيما في مجالات: تبادل التكنولوجيا العسكرية، والتدريب العسكري، والمساعدات العسكرية، حيث يقوم الموقف الصيني على أنّ التعاون مع أفريقيا في هذه المجالات يزيد من قدرة الدول الأفريقية في مجالات حفظ الأمن والاستقرار.

الثالث: تنشيط التعاون الصيني ــ الأفريقي في مجال تبادل المعلومات الاستخبارية واستكشاف طرق ووسائل أكثر فاعلية لتوثيق العلاقات في مجال مكافحة الإرهاب وتهريب الأسلحة الصغيرة وتهريب المخدرات والجرائم الاقتصادية المتعددة الجنسية، إذ إن هذا النوع من التعاون أصبح يستحوذ على أهمية متزايدة على الساحة الدولية في مرحلة ما، بعد هجمات 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأمريكية، والتي دشّنت الإرهاب على أنه أبرز تحدٍّ للأمن والسلم الدوليَّين.

الإشكالية التي تواجه التعاون بين الصين وأفريقيا في هذه المجالات تتمثل في أنّ تركيز الصين الرئيس على المجالات الاقتصادية والتجارية لعلاقاتها مع الدول الأفريقية إنما يحدّ في نهاية المطاف من حجم الإسهام الذي تقدّمه الصين في مجالات تحقيق الأمن والاستقرار في أفريقيا، علاوة على أنّ الصين لم تستطع، برغم تطورها الاقتصادي الضخم، أن تطور جهازها الدبلوماسي على نحو يجعله قادراً على التحرك بصورة ديناميكية للتعامل مع الأزمات والقضايا الكبرى على الساحة الدولية، بما في ذلك اقتراح المبادرات اللازمة في مجال تسوية الصراعات وإرساء ترتيبات أمنية فعّالة في مناطق الصراع.

مبيعات السلاح الصينية في أفريقيا

تُعد مبيعات السلاح واحدة من المكوّنات الرئيسية للعلاقات بين الصين والعديد من دول القارة الأفريقية، بحكم ما يحققه من مكاسب متعددة للطرفين. فبالنسبة للصين، تُعتبر مسألة تصدير الأسلحة والمعدات العسكرية مسألة تجارية بحتة، كما تندرج صفقات الأسلحة والمعدات العسكرية الصينية في الكثير من الأحيان ضمن إطار صفقات متكافئة مع دول أفريقية، تقدّم الصين بموجبها السلاح في مقابل النفط أو المواد الخام.

على الجانب الأفريقي، فإنّ الدول التي تستورد الأسلحة الصينية هي في الأغلب دول تعاني من صراعات داخلية أو إقليمية، وتجد صعوبة في الحصول على احتياجاتها من الأسلحة والمعدات العسكرية من الدول الغربية، بسبب الحظر التقليدي الذي تفرضه تلك الدول على مناطق الصراع، وتمتنع بموجب ذلك عن بيع السلاح للأطراف المتورّطة في تلك الصراعات، حتى لا يؤدي ذلك إلى تأجيجها وتصاعدها، كما تمتنع تلك الدول أيضاً عن بيع الأسلحة لنظم الحكم التي تصنفها "نظماً استبدادية"، حتى لا تستخدم تلك الأسلحة لقمع شعوبها. ولذلك تلجأ تلك الدول للحصول على احتياجاتها التسليحية من الصين، لأنها قد تكون البديل الوحيد المتاح في بعض الحالات، فضلاً عن أنّ الأسلحة الصينية تمتاز برخص أسعارها مقارنة بنظيرتها الغربية، حتى وإن كانت أقل تطوراً من الناحية التكنولوجية.

في جميع الأحوال، فإنّ هناك قدراً كبيراً من الترابط والتداخل بين مبيعات السلاح الصينية لأفريقيا، وبين المصالح الاقتصادية للصين في العديد من دول القارة الأفريقية، ويبدو هذا الارتباط واضحاً في أنّ مبيعات السلاح تساعد في توثيق العلاقات بين الجانبين، كما وجدت الصين في بعض الحالات أنّ الاكتشافات البترولية التي عثرت عليها شركاتها في أفريقيا تتطلّب منها تأمين مناطق عمل تلك الشركات، ما يدفعها لإرسال مدرّبين عسكريين صينيين إلى تلك الدول لمساعدة قوّاتها على القيام بمهام حفظ الأمن والاستقرار، فضلاً عن مساعدتها لتلك الدول في تعزيز قدراتها في المجالات الأمنية والدفاعية.

هذه العوامل سالفة الذكر جعلت الصين واحدة من كبار مصدّري الأسلحة التقليدية لدول القارة الأفريقية. ويشير جوشوا إيزمان وجوشوا كيرلانتزيك، على سبيل المثال، إلى أنّ الصين احتلّت مرتبة ثاني أكبر مصدّر للسلاح لأفريقيا بعد روسيا الاتحادية خلال الفترة ما بين 1996 - 2003، متقدّمة في ذلك على كل من الولايات المتحدة ودول أوروبا وغيرها من المورّدين الكبار للأسلحة التقليدية حول العالم.

تجيء زيمبابوي في مقدّمة الدول الأفريقية المستوردة للسلاح من الصين. ففي أبريل 2005، حصلت زيمبابوي على ست طائرات نفّاثة خاصة بالعمليات القتالية المنخفضة الحدّة، كما تولت الصين تركيب نظام راداري في قصر الرئيس "روبرت موجابي"، في ضواحي هراري، عام 2004، واشترت زيمبابوي من الصين، في أواخر عام 2004، نحو 12 مقاتلة نفّاثة و100 عربة عسكرية، في صفقة قيمتها نحو 420 مليون دولار، وظلّت هذه الصفقة سرية للتحايل على القيود التي تضعها لجنة المشتريات الحكومية في زيمبابوي، والتي تلزم الحكومة بألا يتجاوز إنفاقها العسكري حدود 136 مليون دولار سنوياً. كما تذكر بعض المصادر أنّ الصين قايضت، في مايو 2000، شحنة من الأسلحة الصغيرة في مقابل ثمانية أطنان من عاج الفيل من زيمبابوي.

وبالمثل، أصبحت الصين أكبر مورّد للأسلحة إلى السودان، حيث حصلت السودان من الصين على دبابات وطائرات مقاتلة وقاذفات وطائرات عمودية وبنادق آلية وقاذفات قنابل يدوية. وكان من المفارقات الغريبة أنّ الصين باعت الأسلحة والمعدات العسكرية لكل من إثيوبيا وإريتريا أثناء حربهما الدامية، التي استمرت خلال الفترة من 1998 - 2000، حيث باعت الصين لهما أسلحة تقدَّر قيمتها بنحو مليار دولار، كما تواصل الصين تعاونها مع الدولتين في مجالات التدريب العسكري ومشتريات السلاح.

تذكر بعض المصادر أنّ الصين باعت في الخفاء الأسلحة لكل من بوروندي وتنزانيا، حيث انكشف أمر إحدى الصفقات بين الصين وبوروندي، عام 1995، حينما رفضت تنزانيا تفريغ شحنة أسلحة صغيرة زنة 152 طن، في موانئها، كانت قادمة من الصين لحساب بوروندي، كما تشير بعض التقارير إلى أنّ تنزانيا ذاتها حصلت في الخفاء على العديد من شحنات الأسلحة الصينية باعتبارها معدّات زراعية. وتقدّم الصين أيضاً مساعدات عسكرية في مجالات التدريب العسكري لغينيا الاستوائية.

تواجه مبيعات السلاح الصينية لأفريقيا انتقادات واسعة من جانب الدول الغربية، لأنها تجري وفق حسابات تجارية بحتة، ولا تراعي البتة ما يتعلق بحقوق الإنسان أو بفرض حظر على واردات السلاح إلى مناطق الصراع، سواء كانت إقليمية أو داخلية. وتـُنتقد الصين بأنها تبدو مستعدة لبيع السلاح لمَن يطلبه، أيّاً كان، ما دام قادراً على سداد قيمته، إما بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وبغض النظر عن المجالات التي سوف يُستخدم فيها هذا السلاح، ما يعني أنّ هذه السياسة الصينية تتسبّب في تأجيج تلك الصراعات وتصعيدها، كما أنها تتيح فرص البقاء للنظم القمعية الاستبدادية.

هذه الانتقادات يُرَدّ عليها بأنّ الولايات المتحدة الأمريكية والغرب كله يعتمد معايير مزدوجة في هذا المجال، حيث يفرض حظراً على واردات السلاح لبعض الدول محل الصراع، ويطالب الدول الأخرى بالالتزام بهذا الحظر، بينما هي نفسها تصدر الأسلحة المتطورة لدولة استعمارية وعدوانية، مثل إسرائيل، تستخدمها في التنكيل بالشعب الفلسطيني، وفي العدوان على الدول المجاورة، لاسيما لبنان، من دون أن تفكر في فرض حظر على صادراتها من الأسلحة إليها، ما يضعف كثيراً من صدقية اتهاماتها للصين بشأن مبيعات السلاح، طالما أنه ليست هناك منهجية شاملة ومُتَّفَق عليها على المستوى الدولي بشأن هذه المسألة.

المسألة التايوانية في العلاقات الصينية الأفريقية

تُعد مسألة تايوان واحدة من محدِّدات السياسة الصينية في أفريقيا، حيث تسعى الصين لتوظيف علاقاتها السياسية والاقتصادية الجيدة مع العديد من دول القارّة لمحاصرة تايوان، ومنعها من الحصول على الاعتراف الدبلوماسي من دول القارة، بالإضافة إلى ضمان مساندة الدول الأفريقية للموقف الصيني في حالة اتجاه تايوان مستقبلاً نحو الاستقلال، أو الحصول على الاعتراف الدولي من خلال الأمم المتحدة. ولا بُدَّ من الإشارة هنا إلى أنّ مشكلة تايوان برزت في سياق الحرب الأهلية الصينية، في أواخر الأربعينيات، بين قوّات الوطنيين (الكومنتانج) بقيادة "شيانج كاي شيك"، وبين قوّات الشيوعيين بقيادة "ماوتسي تونج".

ففي أعقاب انتصار الشيوعيين، في منتصف عام 1948،، هربت بقايا قوات الكومنتانج والقادة السياسيون وأعداد كبيرة من المواطنين إلى جزيرة تايوان الصينية (التي كانت تُعرَف قديماً بجزيرة فورموزا). وأنشأ الصينيون الفارّون جمهورية جديدة في تلك الجزيرة عُرفت باسم (الصين الوطنية)، وظلّت القيادة السياسية للكومنتانج تزعم أنها الحكومة الشرعية لكل الصين، وحصلت على دعم واسع في هذا الصدد من جانب الولايات المتحدة الأمريكية ودول الكتلة الغربية.

ونجحت تايوان في بادئ الأمر في الحصول على اعتراف دولي واسع، وأقامت علاقات دبلوماسية واسعة على امتداد الكرة الأرضية، كما كانت تستأثر بمقعد الصين الدائم في مجلس الأمن الدولي، حتى عام 1971. وفي المقابل، اعتمدت الصين منذ فترة مبكرة سياسة مناهضة تماماً لهذا الوضع، ترتكز على ثلاث ركائز رئيسة، تتمثل في التأكيد الدائم على أنّ تايوان جزءٌ لا يتجزّأ من الصين، مع رفض الاعتراف بهذا الوضع الانفصالي الواقعي لتايوان، ورفض إقامة علاقات دبلوماسية مع الدول التي تعترف بتايوان، والاحتفاظ بالخيارات كافة في إعادة تايوان إلى الوطن الأم، بما في ذلك إمكان اللجوء إلى استخدام القوة العسكرية "لتحرير" تايوان.

نجحت الصين بالفعل في الحصول على الاعتراف التدريجي من جانب المجتمع الدولي بشرعية الحكم الشيوعي في الصين، بل ونجحت الصين، عام 1971، في الحصول على مقعد تايوان في مجلس الأمن الدولي، بل إنّ إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "جيمي كارتر" أقامت علاقات دبلوماسية مع الصين، عام 1979. وفي الوقت الحالي، تركّز الصين على ضَمّ تايوان إليها وفق الصيغة نفسها التي نفّذتها مع هونج كونج، أي وفق مبدأ (دولة واحدة ونظامان)، بحيث تُضم تايوان إلى الصين، مع الحفاظ على نظامها السياسي والاقتصادي القائم حالياً. ولكنّ الصين في المقابل ترفض رفضاً باتاً أيّ أطروحات بشأن استقلال تايوان، أو حتى توسيع نطاق علاقاتها الدبلوماسية مع العالم الخارجي.

على مستوى القارة الأفريقية، كانت مصر هي الدولة الأفريقية الأولى التي نقلت اعترافها الدبلوماسي من تايوان إلى الصين، في عام 1956، وكان ذلك بداية لعلاقات قوية متشعّبة بين الدولتين، ثم أدركت الصين بعد ذلك أهمية توسيع نطاق سياستها في القارة الأفريقية من أجل محاصرة النشاط الدبلوماسي لتايوان، جنباً إلى جنب مع العمل على الحصول على الاعتراف الدبلوماسي من أكبر عدد ممكن من الدول الأفريقية.

تصاعدت المنافسة بين الصين وتايوان، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، على كسب الاعتراف الدبلوماسي من الدول الأفريقية. ونشطت الصين لتوظيف علاقاتها واستثماراتها الضخمة في أفريقيا لتعزيز فرصها في التنافس مع تايوان، وركّزت على إقناع الأفارقة بسياستها القائمة على مبدأ “صين واحدة”. ونجحت الصين بالفعل في الحصول على هذا الاعتراف من ست دول أفريقية جديدة، من خلال تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة لها، إذ نقلت كلٌّ من ليسوتو والنيجر اعترافهما الدبلوماسي من تايوان إلى الصين، عامي 1994 و1996 على التوالي، ثم قامت كلٌّ من أفريقيا الوسطى وغينيا بيساو وجنوب أفريقيا بنقل اعترافهم الدبلوماسي من تايوان إلى الصين، في عام 1998، ثم قامت ليبيريا أيضاً، عام 2003 بنقل اعترافها الدبلوماسي إلى الصين، وذلك قبل فترة قصيرة من قيام الجيش الصيني بالبدء في مساعدة حكومة ليبيريا في تنفيذ مشروعات مائية في البلاد.

الأكثر من ذلك أنّ بعض المحلّلين الغربيين يذهبون إلى أنّ الصين تسعى إلى القيام بخطوات استباقيّة عبر حشد التأييد من جانب أكبر عدد ممكن من الدول حول العالم، بما في ذلك في أفريقيا، تحسُّباً لاحتمال أن تُقدِم تايوان على إعلان استقلالها الكامل في أيّ وقت، وتسعى في هذا الإطار للحصول على الاعتراف من الأمم المتحدة لهذا الاستقلال. وإذا نجحت الصين في الحصول على تأييد دوليّ كافٍ لموقفها، فإنها تستطيع أن تمنع تايوان في مثل هذه الحالة من الحصول على الاعتراف الدولي، سواء من جانب الأمم المتحدة، أو على مستوى العلاقات الثنائية، بل إنّ نجاح الصين في الحصول على تأييد دولي واسع لموقفها سوف يردع تايوان أصلاً عن القيام بمثل هذه الخطوة.