إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



ملحق

ملحق

التعاون الإستراتيجي بين الصين وإسرائيل

تمتلك إسرائيل سجلاً حافلاً من التحالفات يؤكد نظرية الولاء للأقوى التي بدأت منذ عهد بريطانيا العظمى، حيث ظفروا بوعد بلفور، في 2 نوفمبر 1917، وهو الحدث الذي أقر لأول مرة ما يسمى بحق اليهود في إقامة دولة على أرض فلسطين، ولم يهدأ الحليف البريطاني حتى الإعلان عن قيام هذه الدولة، في 15 مايو 1948.

في ظل تعقد الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط وعدم استقرار الدولة العبرية بالقدر الكافي، عمد الإسرائيليون إلى استقطاب دولة عظمى أخرى لجانبهم، هي فرنسا، التي انضمت لبريطانيا، كما وضح خلال العدوان الثلاثي ضد مصر، عام 1956، وهو العدوان الذي أكد لإسرائيل أن الحليفين البريطاني والفرنسي غير قادرين على ضمان مصالحها، وعندئذ جاء الدور على القوة العظمى الجديدة “الحصرية فيما بعد”، فتوثق التحالف الإسرائيلي ــ الأمريكي، الذي جنت إسرائيل ثماره الأولى، في حرب يونيه 1967.

العلاقات الدبلوماسية

كانت إسرائيل أولى دول منطقة الشرق الأوسط، وسابع دولة في العالم، اعترفت بالصين الشعبية، في وقت لم تعترف فيه الدول العربية بالدول الشيوعية الجديدة، ومع ذلك اتسمت العلاقات الدبلوماسية بين الصين وإسرائيل لفترة طويلة بالبطء الشديد والتوتر في بعض الأحيان، وشهدت صعوداً وهبوطاً في كثير من الأحيان بسبب الموقف الصيني من الصراع العربي ــ الإسرائيلي.

ففي 9 يناير 1950، بعث وزير الخارجية الإسرائيلي "موشيه شاريت"، لرئيس وزراء الصين "زو أنلاي"، برقية تهنئة أعلن فيها أن حكومة إسرائيل تعترف بالصين، دون أن تتضمن البرقية عرضا بتبادل العلاقات الدبلوماسية خشية إثارة الحليف الأمريكي. وكانت الصين أعلنت، في عام 1949، أي قبل صعود الشيوعيين لسدة الحكم، أنها ستقيم علاقات دبلوماسية مع أي دولة تقطع علاقاتها مع تايوان، وأنها ستصنف تلك الدولة صديقة، وبناء عليه، لم تعترف إسرائيل بتايوان ولم تقم علاقات معها، واعترفت في المقابل بالصين الشعبية وأيدت انضمامها للأمم المتحدة.

حاولت إسرائيل في ذات الوقت إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، التي أوضحت لإسرائيل أن إقامة علاقات دبلوماسية مع الصين ليس عملاً غير لائق فحسب، وإنما سيعد مساعدة لدولة معادية؛ فأيدت إسرائيل قرار الأمم المتحدة، لسنة 1950، الذي يدين الاعتداء الصيني على كوريا الشمالية، وأيدت أيضاً فرض مقاطعة سلاح على الصين.

رداً على ذلك، وافقت الصين على عدم دعوة إسرائيل لمؤتمر باندونج (النواة الأولى لنشأة حركة عدم الانحياز)، الذي عقد في إندونيسيا، في 18 أبريل 1955، بحضور وفود من 29 دولة أفريقية وآسيوية، وشارك فيه الرئيس المصري "جمال عبدالناصر".

أصدر المؤتمر مجموعة من القرارات لصالح القضايا العربية، وأعربت فيه الصين عن تضامنها مع الفلسطينيين. وارتكز الموقف الصيني حيال الصراع العربي ــ الإسرائيلي في حينه على أن استمرار الصراع يرجع إلى تدخل القوى العظمى الأجنبية، ومن ثم تتخذ بكين موقفا محايدا حيال هذا الصراع.

اعتمد الصينيون منذ مؤتمر باندونج توجها أكثر عدائية نحو إسرائيل، منذ عام 1955 فصاعدا، حيث وطدت الصين علاقاتها مع الدول العربية ووقفت إلى جوار القضية الفلسطينية وتزايد نقدها لإسرائيل، حتى تبنى الصينيون الموقف العربي تماماً، في عام 1964، حينما أقاموا علاقات مع منظمة التحرير الفلسطينية. ويعود ذلك إلى احتدام الصراع بين الصين والاتحاد السوفيتي في نهاية الخمسينيات إذ وجدت الصين نفسها في مواجهة ضد القطبين العالميين الأكبر، ودفعت بجهودها لدول العالم الثالث لاستقطاب حلفاء ضد الدول الغربية، وأيدت ثورات التحرير القومية، انطلاقاً من أن ذلك سيقود على المدى الأبعد إلى صعود نظم موالية للصين.

منذ العام 1964، قدم الصينيون مساعدات مالية وعسكرية وتوصيات ثورية للفلسطينيين، حيث صنفوا إسرائيل ذراعا إمبريالياً للغرب في الشرق الأوسط، وهكذا أصبحت دائرة الصراع تجمع بين العرب والصين من ناحية، وإسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية من ناحية أخرى.

في تلك الأثناء لم يكن للصين علاقات خارجية في المنطقة إلا مع مصر، ووجدت أن عدوها الأساس هو الاتحاد السوفيتي، وسعت للتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1971، انضمت الصين للأمم المتحدة، وبدأت في بناء شبكة علاقات مع الدول الغربية.

للمرة الأولى تلتقي المصالح الإسرائيلية ــ الصينية، في السبعينيات؛ فكلاهما له مصلحة في التقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وكبح جماح الاتحاد السوفيتي، الذي رأت الصين أنه يشكل خطراً على العالم، فيما أرادت إسرائيل التخلص منه لأنه يؤيد الدول العربية ويساعدها.

من هنا اتخذت إسرائيل العديد من الخطوات لتعزيز علاقاتها مع الصين:

1. صوتت لصالح قبول الصين بالأمم المتحدة.

2. فتحت قنصلية اقتصادية في هونج كونج.

3. توجهت لزعماء أجانب في الصين لطرح مسألة العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والصين.

بعد قبول الصين عضواً في الأمم المتحدة، أرسل السفير الإسرائيلي "أبا إيبان"، برقية تهنئة للصين، لكن الأخيرة رفضت البرقية استناداً للموقف الصيني الذي مفاده أنه بغير الوصول إلى حل للمشكلة الفلسطينية، فلن تقيم الصين علاقات مع إسرائيل.

استمرت الصين في مواقفها المؤيدة للعرب بعد حرب 1973، وصوتت لصالح تعيين مراقب لمنظمة التحرير الفلسطينية بالأمم المتحدة، وكذا صوتت في عام 1975 لقرار الجمعية العامة بمساواة الحركة الصهيونية بالعنصرية، ما جعل إسرائيل تغلق القنصلية في هونج كونج.

لم تغير الصين مواقفها حيال إسرائيل بعد رحيل "ماوتسي تونج"، عام 1976، ووضعت شروطاً لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، كان أهمها: ضرورة الانسحاب الإسرائيلي من المناطق المحتلة وإعادة حقوق الفلسطينيين، والتراجع عن السياسة العدوانية التوسعية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة.

مع مطلع الثمانينيات كانت التغيرات تعصف بالمنطقة وبشكل العلاقات الخارجية الصينية أيضاً، فبدأ الحديث عن التسوية السلمية للصراع العربي ــ الإسرائيلي، في وقت كان الإصلاح الاقتصادي في الصين يزيد من ثقة قادتها على تطبيق سياسة خارجية أكثر انفتاحا، كما بدأ يتلاشى الخطر السوفيتي مع غرقه في المستنقع الأفغاني واتخاذ حكومة رونالد ريجان خطوات متعددة لمواجهة الاتحاد السوفيتي (أطلق عليه ريجان مملكة الشرور) أدت إلى إضعافه كثيرا.

ورأى الصينيون أنهم إن أرادوا المشاركة في العملية السلمية، فعليهم إقامة علاقات مع إسرائيل، ولذا قبلوا بطلب تل أبيب إعادة فتح القنصلية في هونج كونج، عام 1983، وجرى افتتاحها فعلياً، عام 1985، في خطوة نحو فتح الطريق أمام توطيد العلاقات الدبلوماسية.

وبهذا بدأت العلاقات الدبلوماسية غير الرسمية، ونسيت الصين الشروط السابقة لإقامة علاقات مع إسرائيل، ورفضت مشروعا عربيا لاستبعاد إسرائيل من الأمم المتحدة. وفي عام 1987 جرى التوقيع على اتفاق تبادل معلومات مع وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، وأقيمت جمعية اقتصادية لتنمية التجارة بين إسرائيل والصين. وفي عام 1988 عقد لقاء آخر غير رسمي بين وزيري خارجية إسرائيل والصين، ووافقت الصين على فتح مكتب في بكين للدراسات الأكاديمية وتبادل المعلومات. وبدورها، وافقت إسرائيل على فتح الصين مكتباً سياحياً صينياً في تل أبيب لمساعدة السياح الإسرائيليين الذين يأتون إلى الصين، وكلاهما عمل بصفة مكتب اتصال غير رسمي بين الدولتين.

ولأن إسرائيل تعمدت تسريب معلومات حول تلك العلاقات، فقد ثار غضب الصينيين الذين ما كان بوسعهم إلا تقليل حجم المعاملات خشية انقلاب الحليف العربي، حتى نشبت مظاهرات الطلاب في ميدان “تيان إن مين” في يونيو 1989، وقمع الجيش الصيني المظاهرات بوحشية، وفي أعقاب ذلك فُرضت على الصين عقوبات مشددة، بما في ذلك العقوبات العسكرية؛ فانتهزت إسرائيل الفرصة ولم تنضم لفرقة الإدانة، وانتهزتها فرصة سانحة للاتجار في السلاح مع الصين.

وكان التحول الأكبر، عام 1989، حيث شهد تطورات كبيرة في العلاقات بين الصين وإسرائيل، وبدأ مكتب السياحة الصيني في العمل بتل أبيب، كما أعلن الرئيس الصيني خلال زيارته للمنطقة أن الصين تعترف بحق إسرائيل في الوجود، واعترف بوجود علاقات غير رسمية مع إسرائيل. وفي العام ذاته، أقامت السعودية علاقات دبلوماسية مع الصين، لتصبح إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي ليس لديها علاقات دبلوماسية رسمية مع الصين.

في عام 1991 زار "رؤوفين ميرحاف" رئيس القنصلية الإسرائيلية في هونج كونج، بكين، واستضيف في وزارة الخارجية الصينية، وبعد شهور من ذلك زار وزير الخارجية في ذاك الوقت بنيامين نتنياهو الصين، وأعلن عن بدء العلاقات الدبلوماسية مع الصين.

وبعد انعقاد مؤتمر مدريد للسلام، وتحديدا عام 1992، أقامت الدولتان علاقات دبلوماسية كاملة، وجرت الزيارات الدبلوماسية على المستويات الرفيعة، وبلغت أقصاها بزيارة الرئيس الصيني لإسرائيل، عام 2000، كما وقعت الدولتان العديد من اتفاقيات الشراكة.

كان من أسباب إقامة الصين لعلاقات طبيعية مع إسرائيل التطورات في الشرق الأوسط وتغير موقف منظمة التحرير الفلسطينية من إسرائيل. كما أنه بعد مؤتمر مدريد، وانتهاء الحرب الباردة، بدأت الكثير من دول العالم الثالث إقامة علاقات مع إسرائيل.

العلاقات العسكرية

أصبح المجال العسكري والصفقات العسكرية هما القاعدة الصلبة التي شُيِّد فوقها صرح العلاقات الإسرائيلية ــ الصينية، وهنا لا بد من إلقاء نظرة سريعة على الخطوط العريضة لهذا التعاون في ضوء التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية والمجلات الغربية المختصة في الشؤون العسكرية والدفاعية، إذ قدمت إسرائيل ــ حسب تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية ــ معلومات متقدمة للغاية إلى الصين عن أجهزة التوجيه بالصواريخ بصفة عامة وصاروخ "باتريوت" بصفة خاصة.

تفاقمت شدة الخلاف بين أكبر دولتين شيوعيتين في العالم: الاتحاد السوفيتي السابق والصين الشعبية، وكان من مصلحة الصين كبح توغل موسكو في شرق آسيا، ونظراً لأن إسرائيل تقف في وجه التوغل السوفياتي في الشرق الأوسط، فإن الصين وجدت نفسها تقف إلى جانب إسرائيل. شهدت السبعينيات أول اتصال رسمي معلن بين إسرائيل والصين، وكان ذلك عام 1978، عندما اجتمع مندوب الصين الدائم في الأمم المتحدة مع وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلية؛ إضافة إلى عديد من جولات الحوار التي عقدت بين البلدين في هونج كونج أدت في نهاية المطاف إلى إنشاء مكتب تمثيلي لأكاديمية العلوم الإنسانية الإسرائيلية في بكين، في فبراير 1989، في الوقت الذي فتحت الصين فيه مكتبا سياحيا لها في تل أبيب يقوده دبلوماسي من وزارة الخارجية الصينية.

وفي مطلع التسعينيات، ومع التغيرات المتسارعة التي عصفت بالأوضاع الإقليمية والدولية، التي أهمها تفكك المنظومة الاشتراكية وانهيار الاتحاد السوفياتي، وانعقاد مؤتمر مدريد، وتحول النظام الدولي من ثنائي القطبية إلى أحاديها، وانطلاقا من مصالح كل منهما وأهدافه أقيمت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، في يناير 1992، وجاء ذلك نتيجة عديد من اللقاءات التي تمت بين كبار المسؤولين والمشاورات الماراثونية التي جرت بين الطرفين في ثمانينيات القرن الماضي.

على الصعيد الإسرائيلي عملت إسرائيل بكل ثقلها لفتح ثغرة في سور الصين العظيم والحصول على اعتراف من أكبر دولة بشرية في العالم والتأثير في سياستها تجاه الصراع العربي ــ الإسرائيلي، خاصة كبح التعاون العسكري الصيني ــ العربي؛ الحصول على حيز أكبر في السوق الصينية؛ خاصة في مجال التعاون العسكري والتكنولوجي. والأهم هو ما بدأت تلمسه إسرائيل من فتور في حرارة الدعم الغربي لسياستها، وسعي واشنطن إلى تحديد خطوط حمراء لإسرائيل ينبغي ألا تتعداها، وعليه تعمل إسرائيل على إعادة تعريف علاقاتها الإستراتيجية مع واشنطن في ضوء المعطيات الدولية والإقليمية الجديدة، وإيمانها المطلق بأن الصين هي المنافس الأبرز للولايات المتحدة لتصبح القوة الأعظم في العالم.

أما على الصعيد الصيني فقد كان الهدف الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا المتطورة التي لا تستطيع الحصول عليها من أمريكا والغرب، إلى جانب الاتصالات والزراعة ونظم الري الحديثة، حيث تعد إسرائيل من أكثر الدول تقدما في هذه المجالات، واستخدام النفوذ الإسرائيلي في الدول الغربية، ولا سيما في الولايات المتحدة للحصول على تقنيات عسكرية أمريكية غربية متقدمة من إسرائيل، في الوقت الذي تفرض فيه أمريكا والغرب حظر نقل الأسلحة للصين التي تسعى إلى تحديث قواتها العسكرية.

وخلال السنوات الماضية من عمر العلاقات الدبلوماسية الإسرائيلية - الصينية، أصبحت المشاورات السياسية والاجتماعات السنوية بين وزيري خارجية البلدين منتظمة ومبرمجة، وجرى التوقيع على عديد من الاتفاقيات التعاونية. ففي نوفمبر 2005، اعترفت إسرائيل رسميا بمكانة الصين سوقاً اقتصادية، وفي يناير 2007، وقع الجانبان خلال زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت للصين اتفاقية بين الإدارة الوطنية الصينية للجودة والإشراف والتفتيش والحجر الصحي وبين وزارة الزراعة والتنمية الريفية الإسرائيلية بشأن متطلبات الحجر الصحي عند تصدير الحمضيات الإسرائيلية للصين، ومذكرة التفاهم بين حكومة بلدية بكين ووزارة الصناعة والتجارة والعمل الإسرائيلية حول التعاون في الشؤون المائية، وبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري الإسرائيلي ــ الصيني 3.876 مليار دولار أمريكي، عام 2006، احتلت الصادرات الصينية منها 2.561 مليار دولار أمريكي، والواردات 1.314 مليار دولار أمريكي. بينما عام 2007، بلغ إجمالي حجم التبادل التجاري بين البلدين 5.306 مليار دولار أمريكي، بلغت الصادرات الصينية منها 3.655 مليار دولار أمريكي والواردات 1.651 مليار دولار أمريكي.

وفي عام 2007 وقعا "خطة تنفيذ الاتفاقية الثقافية للفترة 2007 – 2010 بين حكومة جمهورية الصين الشعبية وحكومة دولة إسرائيل". وتقتضي المحافظة على 100 طالب إسرائيلي وافد إلى الصين سنويا، و100 طالب صيني في إسرائيل. ففي مايو 2007، افتتح "يوم الثقافة الصينية في إسرائيل، وأقيم معهد كونفوشيوس في جامعة تل أبيب.

وبلغ حجم التجارة الصينية ــ الإسرائيلية 7.65 مليار دولار أمريكي، عام 2010، أي نحو 150 ضعف الرقم، عام 1992، عندما أقامت الدولتان العلاقات الدبلوماسية بينهما.

أصبح المجال العسكري والصفقات العسكرية هما القاعدة الصلبة التي شُيِّد فوقها صرح العلاقات الإسرائيلية - الصينية، وهنا لا بد من إلقاء نظرة سريعة على الخطوط العريضة لهذا التعاون في ضوء التقارير التي نشرتها الصحف الإسرائيلية والمجلات الغربية المختصة في الشؤون العسكرية والدفاعية، فقد قدمت إسرائيل - حسب تقرير لوكالة المخابرات الأمريكية - معلومات متقدمة للغاية إلى الصين عن أجهزة التوجيه بالصواريخ بصفة عامة وصاروخ "باتريوت" بصفة خاصة.

وبحسب وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" قررت الحكومة الإسرائيلية أخيرا إنفاق نحو 28 مليون دولار أمريكي من أجل مساعدة شركات التصدير الإسرائيلية على تعزيز علاقاتها التجارية مع كل من الصين والهند. يذكر أن أوروبا والولايات المتحدة كانتا من قبل أكبر سوقين للصادرات الإسرائيلية. لكن مع كفاح هاتين السوقين للتعافي من الأزمة الاقتصادية العالمية، لعام 2008، حول عديد من الشركات الإسرائيلية اهتمامها تجاه الشرق من أجل استمرار أعمالها. وخلال زيارة أجراها وزير التجارة الصيني "تشن ده مينج" أخيرا لإسرائيل، قال: "إن الصين ترى فرصة كبرى في تعاونها مع إسرائيل"، مضيفا "إن مجالات التعاون توسعت توسعاً كبيراً من الزراعة إلى الطاقة المتجددة، والطب البيولوجي، والإلكترونيات، والاتصالات، وتحلية مياه البحر".

أخيراً فإن مستقبل العلاقات بين إسرائيل والصين يشكل تحديا استراتيجيا وتطورا مهما، خصوصا في ظل تراجع الدور الأمريكي. العلاقات الصينية ــ الإسرائيلية رغم أنها مرشحة لمزيد من النمو خلال الفترة المقبلة لأسباب اقتصادية وأمنية تخص البلدين، فإن هذه العلاقات أيضا معرضة للتراجع والانتكاس، بسبب تشابكها وتأثرها بالعلاقات الوثيقة بين واشنطن وتل أبيب، فإذا كانت إسرائيل بحاجة إلى الصين، فإنها أكثر احتياجا إلى الولايات المتحدة، التي تعتمد هي عليها بشدة".

الموضوع الثاني في شبكة العلاقات الإسرائيلية – الصينية هو الصادرات العسكرية الإسرائيلية للصين. وقد بدأت تلك العلاقات بشبكة الاتصالات التي أقامها رجل الأعمال الإسرائيلي "شاؤول أيزنبيرج" مع القيادة الصينية في عقد السبعينيات من القرن الماضي ونجاحه في إقناع الصينيين بشراء تكنولوجيا عسكرية من إسرائيل؛ حيث نجح أيزنبيرج في إقناع الصين -التي كانت في خضم بناء البنية التحتية- باستيراد تكنولوجيا متقدمة في المجالين المدني والعسكري من إسرائيل.

وفي عام 1979، استطاع أيزنبيرج عقد لقاء سري بين قادة شركة الصناعات العسكرية الإسرائيلية ونظرائهم في الصين، ومهد بذلك الطريق أمام عدة صفقات سلاح كبرى، الأمر الذي كان له الفضل في تكوين علاقات جيدة بين الدولتين حتى اليوم.

وشهد عقد التسعينيات تغيرا في أنماط التجارة العسكرية بين إسرائيل والصين؛ ففي أعقاب انهيار الكتلة السوفيتية، والمذبحة التي ارتكبها الجيش الصين في ميدان "تيان آن مين"، عام 1989، فرضت الولايات المتحدة مقاطعة عسكرية على الصين. وفي المقابل جددت الصين وروسيا علاقاتهما، وأصبحت روسيا المورد الرئيس للسلاح للصين، حتى اندلع التصعيد العسكري بين الصين والولايات المتحدة بسبب مشكلة تايوان (1995-1996)، وكانت النتيجة تراجع طلب الصينيين للمنتجات الإسرائيلية وتصعيد معارضة الولايات المتحدة للتصدير العسكري من إسرائيل للصين.

في عام 1999، كشفت الصحافة الإسرائيلية النقاب عن معلومات تتعلق بصفقة الفالكون، وبحسب الصفقة كانت إسرائيل ستزود الصين بأربع طائرات فالكون، ورأى الأمريكيون أن حصول الصين على طائرة الفالكون سيخل بالتوازن العسكري على حدود تايوان وسيضر بأداء الجيش الأمريكي في المنطقة؛ الأمر الذي دفع الولايات المتحدة لمعارضة الصفقة بشدة, واعتقدت إسرائيل أنها ستستطيع الصمود أمام ضغوط الولايات المتحدة ووعدت الصين بإتمام الصفقة، لكنها أعلنت في النهاية إلغاءها، عام 2000.

وفي عام 2003 قررت إسرائيل تعليق عقود تصدير السلاح للصين والتعهد للولايات المتحدة بأنها لن تبيع سلاحا يشكل خطرا على الولايات المتحدة، لكن الاتفاق لم يشمل حظر بيع الطائرات الصغيرة من دون طيار من نوع RP، الأمر الذي تسبب في أزمة طاحنة مع الولايات المتحدة، في نهاية 2004.

كانت إسرائيل باعت للصين، عام 1999 – بعلم الولايات المتحدة - 100 طائرة صغيرة من دون طيار من نوع هيربي، والتزمت إسرائيل بتوفير قطع غيار لها وصيانة لمدة عشر سنوات؛ مما أثار غضب الأمريكيين، خاصة أن الصينيين طلبوا قطع غيار للطائرات، ورأت الولايات المتحدة أن الهدف من ذلك هو تطوير الطائرات وليس مجرد الصيانة فقط.

في أعقاب إلغاء الصفقة، برزت التوقعات الإسرائيلية بتردي العلاقات مع الصين، ورجح الخبراء الإٍسرائيليون أن الصين ستوقف أنشطة الشركات الإسرائيلية على أراضيها، وستجمد فرص التجارة العسكرية المستقبلية مع إسرائيل، وستواصل نشر السلاح في الشرق الأوسط، لكن الواقع كان مغايرا، حيث واصلت الصين التعاون مع إسرائيل في المجالات التي وجدت أنها مفيدة بالنسبة لها. وعلى سبيل المثال، طلبت الصين من إسرائيل إصلاح الطائرة الصغيرة من دون طيار “هيربي”، والتي كانت قد اشترتها منها قبل سنوات.

أخيراً، جاء رئيس هيئة أركان الجيش الصيني الجنرال "شين بينفدي" إلى تل أبيب، في زيارة غير معلنة، في 14 أغسطس 2011، التقى خلالها كبار العسكريين وعقد عديداً من الاتفاقيات، وهي الزيارة الأولى لمسؤول صيني كبير، بعد زيارة أجراها قائد القوات البحرية الصينية لتل أبيب، في مايو 2011، وهذه الزيارات تعكس وجود نوايا صينية إسرائيلية لتعزيز العلاقات رغم المعارضة الأمريكية، خاصة بعد تزويد تل أبيب بكين بوسائط التكنولوجيا العسكرية المتطورة، هذه الزيارات تأتي أيضا في ظل مرحلة التراجع الأمريكي، ومرحلة حساسة من العلاقات الصينية الأمريكية كشفتها زيارة أوباما الآسيوية أخيرا، فيما تؤكد المعلومات وجود تعاون علمي وتقني وثيق بين الصين وإسرائيل، جعل عديدا من الخبراء يؤكدون أن إسرائيل تخطط للمستقبل، وهي لا تتجاهل الحقائق الكونية بتراجع النفوذ الأمريكي.

العلاقات الاقتصادية

منذ عام ،1989 سعت إسرائيل لإقامة علاقات اقتصادية مع الصين، وجاء ذلك في أعقاب سياسة الانفتاح الصيني على العالم، حيث بادرت حكومة إسرائيل في هذا العام بعرض المساعدة في مجالات تنمية القرى والري وإقامة الصوبات الزراعية. وفي تلك الفترة، اشترى الصينيون معدات زراعية من إسرائيل وبعثت إسرائيل عددا من الخبراء الزراعيين للصين، نظرا لأن الأخيرة كانت في حاجة ماسة للتنمية الزراعية لتغطية احتياجات التعداد السكاني المتضخم فيها.

بيد أن العلاقات في مجال الصناعة كانت محدودة في تلك الفترة، ولم تعمل في السوق الصينية إلا بضع شركات إسرائيلية فقط، وهذا نظرا لضعف الإمكانات الإسرائيلية في هذا المجال مقارنة بالصين.

ومع إقامة علاقات رسمية دبلوماسية بين الدولتين، عام 1992، وقع الطرفان مجموعة من الاتفاقيات التجارية الثنائية، من أبرزها:

1. اتفاق الدولة الأولى بالرعاية (أكتوبر 1992): أعطت الصين لإسرائيل في هذا الاتفاق مكانة الدولة الأولى بالرعاية، بحيث تُحِصل من إسرائيل أقل نسب جمارك ممكنة مقارنة

2. اتفاقية الملاحة البحرية (مارس 1994): يتيح هذا الاتفاق لشركتي الملاحة في الدولتين (شركتا الملاحة الإسرائيلية “تسيم”، والصينية COSCO) العمل في مجال نظيرتها، وفتح مكاتب، وإدارة أعمال الملاحة دون الحاجة لإشراك جهة محلية. وفي عام 2001 حصلت شركة تسيم على موافقة لتوفير خدمات لوجيستية.

3. اتفاق الملاحة الجوية (مارس 1994): في إطار هذا الاتفاق يعمل الخط المنتظم لشركة العال الإسرائيلية بين تل أبيب وبيونج يانج.

4. اتفاق منع ازدواج الضريبة (أبريل 1995): يمنع هذا الاتفاق دفع ضريبة مزدوجة للأفراد والشركات على أرباحهم في الصين وإسرائيل.

5. اتفاقية تشجيع وتأمين الاستثمارات (أبريل 1995): يهدف الاتفاق لحماية استثمارات الشركات التجارية بين الدولتين، وتسوية النزاعات، وتوفير العملة الصعبة.

6. اتفاقية التعاون المالي “البروتوكول المالي” (أبريل 1995): الهدف من تلك الاتفاقية هو الدفع بعجلة التجارة بين الدولتين عن طريق السماح لشركات صينية بالحصول على قروض طويلة الأجل عند عقد صفقات مع مصدرين إسرائيليين في مجالات رؤوس الأموال وإقامة البنى التحتية. ويمنح البروتوكول شركات إسرائيلية إمكان المشاركة في مشروعات وصفقات مع هيئات وشركات حكومية تريد التصدير للصين. وينص اتفاق الإطار على حصول الشركة الصينية على اعتماد بنكي لـ 10 سنوات بفائدة مدعومة بنسبة 2,5% مع إمكان التمويل لخمس سنوات.

7. اتفاقية التعاون في مجال البحث والتنمية الصناعية (2000): وهي الاتفاقية التي أتاحت دعم الدولتين لأي مشروع تشارك فيه شركتان إحداهما صينية والأخرى إسرائيلية، بحيث تقيم الشركتان تعاونا صناعيا بدعم من الهيئات المعنية: في إسرائيل مكتب كبار العلماء بوزارة الصناعة والتجارة والتشغيل، وفي الصين وزارة التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي.

8. اتفاق التعاون المالي (نوفمبر 2004): طرأ على الاتفاق الأول بعض التغييرات منها: زيادة حجم التعاملات فيالبروتوكول الأول، وإتاحة إمكانية تمويل جديدة مدتها 7 سنوات بفائدة 3.2%.

9. اتفاقية السياحة ADS (أكتوبر 2007): تمثل تلك الاتفاقية اعترافا صينيا بإسرائيل هدفاً سياحياً معتمداً للسياح الصينيين.

10. اتفاقية التعاون في مجال البحث والتنمية الصناعية مع مقاطعة جيانجسو (سبتمبر 2008): الهدف من هذه الاتفاقية هو السماح للشركات الإسرائيلية والصينية التي تريد تنفيذ مشروع بحث وتنمية صناعية مشترك بتقديم طلب للحصول على تمويل (كل طرف من دولته) بحسب المعايير المعمول بها في تلك الدولة، والتي تصل لإجمالي 3 ملايين دولار (1,5 مليون دولار لكل طرف).

تطور العلاقات التجارية بين الصين وإسرائيل

بعد استعراض هذا المسار من العلاقات المختلفة بين الصين وإسرائيل، يمكن القول إن الطريق لأن تكون الصين، كما يرغب الإسرائيليون، حليفا إستراتيجيا أول لإسرائيل لا يزال في بدايته، وأن على الدول العربية والإسلامية الانتباه إلى هذا التنامي الكبير في العلاقات بين الدولة التي يرى الكثيرون أنها “القطب العالمي القادم” وبين إسرائيل التي احترفت قراءة المتغيرات جيدا وإدارة علاقاتها مع الكبار من خلال نظرية “الولاء للأقوى”؛ فإسرائيل هدفها الأبعد هو تجهيز البديل للحصان الأمريكي المتعثر لضمان تفوقها على الدول العربية والإسلامية مستقبلا.

وتجدر الإشارة أخيرا إلى التوصيات التي خلص إليها الباحثون الإسرائيليون ورجالات الفكر الإستراتيجي في مؤتمر هرتسيليا التاسع فيما يتعلق بالسبل للدفع بالعلاقات مع الصين وتجهيزها كحليف إستراتيجي جديد، حيث أوصوا بالآتي:

1. إقامة زيارات رسمية رفيعة المستوى بشكل أكثر كثافة، وتأكيد مدى أهمية إسرائيل في استقرار وأمن المنطقة.

2. ضرورة تعيين شخصيات سياسية مرموقة في السفارة الإسرائيلية بالصين (على مستوى السفراء بالولايات المتحدة)، وليس مجرد شخصيات دبلوماسية، نظرا لأهمية الصين في المرحلة القادمة.

3. استغلال الأشخاص الذين كانت تربطهم علاقات بالصين بسبب خبرتهم في التعامل مع تلك المنطقة من العالم، فضلا عن الصينيين الذين يولون أهمية كبيرة للعلاقات الشخصية.

4. تعزيز التعاون التكنولوجي مع الصين وجذب الاستثمارات، من خلال تدخل عناصر دبلوماسية وسياسية إسرائيلية، الأمر الذي من شأنه أن يسفر عن عقد صفقات ويتيح استغلال المجال الاقتصادي لتحقيق أهداف سياسية. وأهم المجالات في هذا الصدد هي تكنولوجيا الاتصالات، واستغلال مصادر الطاقة، وتحلية مياه البحر، ومكافحة التصحر، والزراعة. كما يؤكد الخبراء ضرورة المشاركة في مشروعات البنى التحتية والمناقصات العامة في الصين.

5. إيجاد سبل لتعزيز التعاون الاستخباراتي بين إسرائيل والصين، مع دفع الصين لزيادة مشاركتها في الجهد الدولي لمكافحة الإرهاب الإسلامي.

6. الحذر في التعاون الأمني مع دول أخرى في شرق آسيا للحيلولة دون الإضرار بمصالح الصين، حيث يجب عدم إقامة علاقات عسكرية مع تايوان، ودراسة وضع العلاقات بين الصين والهند قبل عقد اتفاقات أمنية كبيرة مع الهند، حتى تستغل إسرائيل ذلك ورقة مساومة في اتصالاتها مع الصين حول انتشار السلاح الصيني في دول الشرق الأوسط.

7. إقامة علاقات مستمرة بين الجامعات والهيئات السياسية ومراكز الأبحاث الإسرائيلية ونظيرتها في الصين.