إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



الفصل الأول

المقدمة

لقرون طويلة وقفت الصين بوصفها الحضارة الرائدة، تفوق العالم في الفنون والعلوم. وفي وقت مبكر من القرن العشرين، وبالتحديد عام 1920، عانت الصين الاضطرابات الأهلية والمجاعات الكبرى والهزائم العسكرية والاحتلال الأجنبي. وبعد الحرب العالمية الثانية أنشأ الشيوعيون النظام الاشتراكي، تحت قيادة "ماوتسي تونج". ولضمان سيادة الصين، فرض ضوابط صارمة على الحياة اليومية للشعب الصيني، ما أودي بحياة عشرات الملايين من الصينيين.

جاء عام 1978، ومعه خليفة ماو، "دينج شياو بينج"، وهو صاحب نظرية الإصلاح والانفتاح، وتركزت أولويات الصين على التنمية الاقتصادية الموجهة نحو السوق، والتي حققت نمواً اقتصادياً يُعد معجزة، حيث تضاعفت التنمية الاقتصادية أربع مرات، حتى عام 2000، وصعدت الصين الى المرتبة الثانية اقتصادياً، متخطية اليابان التي جلست في المرتبة الثانية لأكثر من عشرين عاماً، إذ تحسنت مستويات المعيشة للشعب الصيني، الذي ظل يعاني من الفقر والجوع لعصور كثيرة. وبالرغم من التقدم الاقتصادي، مازالت الحياة السياسية داخل الصين تعاني من ضغوط وضوابط الحزب الأوحد "الحزب الشيوعي الحاكم"، حيث تري النخبة السياسية أنه أفضل اختيار لبقاء تماسك جمهورية الصين.

في عصر الهيمنة الأمريكية على العالم، ومع غياب القطب الآخر الذي يحدث التوازن، بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، تتجه الأنظار للبحث عمن يمكن أن يكون المنافس لتلك القوة المهيمنة على النظام العالمي، ويكاد يكون هناك شبه إجماع على أن الصين هي التي تملك المقومات التي تؤهلها لكي تتبوأ هذه المكانة، فمن الناحية البشرية يبلغ عدد سكان الصين ملياراً وثلاثمائة مليون نسمة، وهو يوازي أربعة أضعاف عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية. ومن الناحية العسكرية يُعد الجيش الصيني أكبر جيش في العالم، حيث يبلغ تعداده أربعة ملايين جندي، كما تحتل الصين المرتبة الثالثة في الإنفاق العسكري، بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية. (اُنظر جمهورية الصين الشعبية)

يُعد الاقتصاد الصيني أكبر اقتصاد حقق نمواً في التاريخ المنظور خلال الخمسة والعشرين عاماً الماضية، حيث حقق سنوياً نمواً يراوح ما بين 8.5 - 11%، واستطاعت الحكومات الصينية خلال تلك السنوات تخليص ثلاثمائة مليون صيني من الفقر، كما أن الصين تحتفظ بثاني أكبر احتياطي عالمي من العملات الأجنبية، على رأسها الدولار الأمريكي. كما يُعد معدل النمو الاقتصادي أكبر تحدٍ تواجهه الصين لتلبيه احتياجات المجتمع الصيني، والحفاظ على تماسك ووحده الصين دولةً واحدةً.

تدل مسيرة التنمية، بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، وخاصة على مدى أكثر من 30 سنة، منذ بدء عملية الإصلاح والانفتاح، على أن الصين هي عضو مهم في المجتمع الدولي، ومسهم إيجابي في تعزيز العدالة والإنصاف في النظام السياسي والاقتصادي الدولي، ومن المنتظر أن يشهد هذا القرن نمواً صينياً متدرجاً، لتصبح قوة عظمى تنافس الولايات المتحدة الامريكية، وإن اختلف المحللون على المدى الزمني لتحقيق هذا الهدف.

في ظل هذه المعلومات الإستراتيجية يحاول العرب رسم مستقبل أفضل لعلاقاتهم بالدول الكبرى الفاعلة في النظام الدولي، وتأتي الصين ضمن أفضل البدائل المطروحة على السياسة العربية الخارجية، من منطلق المصالح والأهداف المشتركة، بالرغم من التحفظات الأيديولوجية التي كانت لبعض من الدول العربية على الصين، والخوف من انتشار الشيوعية في الوطن العربي، إلا أن ذلك لم يحل دون تنامي هذه العلاقات على مختلف المستويات، ومع إعلان الصين مبدأ المصلحة والمنفعة المتبادلة في العلاقات الخارجية، ونفور الرأي العام العربي من السياسة الخارجية الأمريكية الداعمة لإسرائيل على حساب الحق العربي المشروع، ورفض كلٌّ من العرب والصين الهيمنة الأمريكية، فإننا نجد شبه تطابق في وجهات النظر بين الجانبين، وتبقى الآليات والمحاور هي المطلوبة لتنمية وتفعيل العمل العربي الصيني المشترك.

أصبحت الصين تبدي اهتماماً متزايداً بدعم اقتصادها وحل مشكلاتها الإقليمية، وتطبيق سياسة الانفتاح في المجالين الدبلوماسي والاقتصادي على منطقة الشرق الأوسط، لخدمة أهدافها ومصالحها لتحقيق غاياتها وتفعيل كيانها في العالم.

العلاقات العربية الصينية المشتركة ودورها المستقبلي في العلاقات الدولية يستلزم وضوحاً في الرؤية وثباتاً في المنطق، مع تطوير مستمر لتلك العلاقات دون محاولات التشويه والتشكيك لكلا الطرفين، حيث تدرك الصين الأهمية الجيوإستراتيجية للمنطقة العربية، وأنها هي الممر الأفضل لضمان خروج الصين من المحيط الإقليمي الآسيوي، في حال ما رغبت في الوصول إلى القطبية، وأن هذه المصلحة ليست الوحيدة للمصالح والاهداف الصينية في المنطقة العربية، بل تأتي مصلحة تحقيق أمن الطاقة الصيني على رأس أولوياتها، في المنظور القريب والمتوسط، داخل المنطقة العربية.