إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



الفصل الأول

المبحث الأول

الأهمية الإستراتيجية للصين

تُعد الصين قوة إقليمية كبيرة، فمن المنتظر أن يشهد هذا القرن نمواً صينياً متدرجاً، لتصبح قوة عظمى بالمعايير العالمية، فهي لديها المقومات والإمكانات التي تحقق لها ذلك، بما تملكه من حضارة تعد من أقدم الحضارات في العالم. إن الصين اليوم مثل التنين الذي أستيقظ بعد قرون من السبات، ثم أفاق فجأة وهو يرى العديد من الأمم تطأ بأقدامها على ذيله، ومع كل الأحداث التي مرت بها الصين على مدار مائتي عام مضت، حرصت على أن ترتقي بأساليب سلمية، بوصفها المخطط الرئيس المنتظر للنظام العالمي الجديد في هذه الفترة، حيث إن التاريخ سوف يحدد العلاقة التي تنشأ بين القوى الدولية الكبرى الحالية، وبين القوى الدولية الكبرى البازغة، إذ إن الصينيين لديهم شعور قوى بأنهم في النهاية قد انضموا للعالم الحديث، وهو عالم الدول المتقدمة.

أولاً: الأهمية الجيوبوليتيكية والجيوإستراتيجية من منظور جغرافي كالتالي[1]

الصين تمثل الكتلة الجغرافية الرئيسة "المتكاملة" في منطقة شرق آسيا، ومن ثم تزداد الأهمية الإستراتيجية من جانب العامل الجغرافي. وهي أكبر دولة في قارة آسيا مساحة وسكاناً، ولذا فإن حجم تأثير الكتلة الحيوية على مستوى القارة كبير، ويتزايد ذلك على مستوى الأقاليم ومنطقة جنوب شرق آسيا وما حولها.

أتاح موقع الصين سيطرتها على بحر الصين الشرقي، وبحر الصين الجنوبي، وإطلالة على المحيط الهادي من خلال سواحل تمتد 18 ألف كم، صالحة لإقامة الموانئ التجارية والصناعي. وتتحكم الصين من موقعها المطل على بحر الصين الجنوبي والشرقي في خطوط الملاحة البحرية المتجهة إلى دول اقتصادية صناعية مهمة، مثل اليابان وكوريا الجنوبية، والقادمة من جهات مختلفة من العالم، وأهمها ناقلات النفط القادمة من الشرق الأوسط.

تتحكم الصين في مضيق تايوان والذي يربط بين بحر الصين الجنوبي وبحر الصين الشرقي والذي تمر به الخطوط الملاحية البحرية وإمدادات الطاقة لليابان وكوريا الجنوبية.

ثانياً: الأهمية السياسية للصين

قامت الثورة الصينية على المبادئ الشيوعية، وبعد سنوات أخذت السلطات في تطعيم هذه المبادئ وتعديلها بأفكار الزعيم "ماوتسى تونج"، بعدها شعرت القيادة بأن هناك انحرافاً عن المبادئ الشيوعية والمادية، فبدأت ما سمته" الثورة الثقافية" بدعوى المحافظة على المبادئ الاشتراكية، حيث تسلم الدفة مهندس الإصلاحات الزعيم "دينج زياو بنج"، عام 1978، وقد بلغ السبعين، ولكنه على الرغم من تقدم سنة كان له فكر ومطامح متجددة.

بناء على المستجدات التي انطوت عليها البيئة الدولية، أجرت الصين بعض التعديلات على سياستها الخارجية لاستمرارها قوة فاعلة إقليمياً ودولياً، كالآتي:

1. تطوير علاقاتها مع الدول العظمى والكبرى والمتقدمة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، واليابان، والاتحاد الأوروبي، وتحظى العلاقات الصينية الأمريكية بأهمية خاصة ولذلك ما يبرره، فرغبة الصين في زيادة الانفتاح على العالم الخارجي يستلزم مزيداً من التعاون مع الدول الغربية وأن يتبلور هذا التعاون حول قيادة هذه الدول من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.

2. اتجاه الصين إلى تدعيم علاقاتها ببلدان العالم الثالث، وبناء علاقات تقارب وتعاون مثمرة مع كثير من الدول النامية في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، كما انتهجت الصين سياسة حسن الجوار مع الدول المحيطة بها، فاستأنفت علاقاتها مع إندونيسيا، ودعمت العلاقات مع سنغافورة وبروناي، وقامت بتطبيع العلاقات مع فيتنام والفيليبين، وأقامت علاقات طيبة مع باكستان، وحسنت علاقاتها مع الهند، ثم قامت بتعزيز علاقاتها مع الكوريتين الشمالية والجنوبية ومنغوليا، وأخيراً مع الجمهوريات الجديدة في آسيا الوسطى، وكذا معظم دول الشرق الأوسط، وبخاصة الدول العربية وإسرائيل.

وبصفة عامة نرى أن الصين أصبحت تتبنى موقفا إيجابياً إزاء حقيقة بناء نظام عالمي جديد، وأبدت القيادة الصينية استعدادها للتعاون مع دول العالم كافة، من أجل إرساء أسس هذا النظام، والرغبة في إصلاح الأمم المتحدة، لتواكب النظام الجديد.

وبمراجعة هذه التعديلات التي جرت على السياسة الخارجية للصين، يتضح أن هذا التوجه الجديد يتمثل في توفير مناخ مستقر للصين على المدى الحالي والبعيد، من شأنهما ضمان تحديث الصين والعمل على مواجهة التحديات الخارجية المتمثلة في الثورة التكنولوجية والعلمية من جهة، والمنافسة الاقتصادية من جهة أخرى، ما يؤهلها في هذا القرن لتكون دولة عظمى عالمياً.

ثالثاً: الرؤية الصينية للتعامل مع القضايا الدولية والإقليمية

1. القضية الفلسطينية

أ. تساند وتدعم دعماً إيجابياً القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتؤيد الجهود السلمية كافة لتسوية القضية ولها مبعوث خاص بالشرق الأوسط.

ب. تسعى الى إقامة علاقات متوازنة مع الأطراف العربية وإسرائيل، للحفاظ على مصالحها مع الجانبين[2].

ج. تطالب بضرورة استمرار المباحثات الفلسطينية ــ الإسرائيلية، والتركيز خلالها على القضايا الجوهرية للوضع النهائي، مع أهمية تناول أي مؤتمر للسلام مسارات التسوية كافة بلا استثناء، بما في ذلك المسارين السوري واللبناني.

د. تطالب كل من فتح وحماس بتوحيد الصف الفلسطيني ونبذ الخلاف، من أجل تحقيق المصلحة العليا الفلسطينية، وتدعم الجهود المصرية في هذا المجال.

2. الملف السوري

عارضت قرار الحرب ضد سورية في مجلس الأمن باستخدام حق الفيتو، بالتعاون مع روسيا، وتؤيد الجهود الدولية والإقليمية كافة لاستعادة الاستقرار بسورية، وعدم التدخل في شؤونه الداخلية.

3. تجاه السودان (دارفور)

أ. ترتبط بعلاقات متطورة مع السودان خاصة في مجالات التنقيب عن النفط، والمشروعات المائية (تشارك في بناء سد مروي)، إلى جانب كونها المصدر الرئيس لتزويد القوات السودانية بنظم التسليح البرية ــ الجوية.

ب. تعارض المساعي الأمريكية التي تهدف إلى الانفراد بصياغة مستقبل الأوضاع في السودان.

ج. ترفض إصدار قرارات من مجلس الأمن لفرض عقوبات على السودان، ارتباطا بمصالحها في السودان "النفط".

د. التأكيد على ضرورة إقامة السلام الشامل والعادل الذي يحقق مصالح الأطراف كافة، مع الحفاظ على وحدة السودان، من خلال السعي لإيجاد حل سياسي لقضية دارفور، وتفعيل آليات التعاون بين الأطراف المعنية كافة.

هـ. تشارك في القوة المشتركة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي بدارفور.

4. الأزمة النووية الإيرانية

تؤيد دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية والجهود الأوروبية لتسوية أزمة البرنامج النووي الإيراني بالطرق الدبلوماسية، ورفض التصعيد بالعمل العسكري تجاه إيران، كما امتنعت عن التصويت على قراري مجلس الأمن الدولي 1737 و1747، اللذين فرضت بموجبهما عقوبات تجاه إيران بشأن برنامجها النووي، في حين صوتت لصالح القرار الرقم 1803.

5. تجاه أفغانستان

ترى أهمية التعاون في الحفاظ على قوة الدفع لإعادة الإعمار والبناء، للحد من إمكان عودة أفغانستان لتشكل بؤرة لإيواء الإرهاب وتصديره، خاصة مع مواجهة النظام الأفغاني العديد من التحديات والمصاعب التي تحد من استعادة الاستقرار للساحة الأفغانية.

6. تجاه تطوير التعاون العربي/ الصيني

أ. تحرص على استثمار علاقاتها المتميزة بكافة الأطراف العربية، لتطوير التعاون الثنائي معها بالمجالات كافة السياسية والاقتصادية والعلمية والثقافية والعسكرية، وفي هذا المجال تستضيف الصين منتدى التعاون الصيني/ العربي بمشاركة العديد من ممثلي مختلف القطاعات من الدول العربية، رجال أعمال ــ قطاع حكومي ــ منظمات أهلية، بهدف تفعيل الشراكة الإستراتيجية بعيدة المدى بينهما.

ب. تركز تركيزاً رئيساً على توسيع مجالات التعاون الاقتصادي مع دول مجلس التعاون الخليجي، وزيادة حجم استثماراتها وصادراتها بالمنطقة، في مواجهة تنامى نفوذ القوى الدولية الأخرى.

ج. تكثف جهودها لزيادة حجم صادراتها العسكرية (مدفعيات ــ ذخائر) لدول الخليج، خاصة دولة الإمارات العربية المتحدة والكويت.

د. تعتمد الصين موقفاً متوازناً تجاه قضية الجزر الإماراتية، حفاظاً على مصالحها مع طرفي النزاع، الإمارات العربية وإيران، وذلك بحث الطرفين على تسوية القضية بالطرق الدبلوماسية وفي إطار إقليمي.

7. تجاه قضايا الإصلاح بالمنطقة

ترى أن خطط الإصلاح الديموقراطي المطروحة من جانب الولايات المتحدة الأمريكية والأطراف الدولية بالمنطقة، تستهدف في جوهرها التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، وهو ما قد يؤدي الى نتائج عكسية.

8. تجاه أزمة البرنامج النووي الكوري الشمالي

تُعد الحليف الأول والمساند، بأسلوب غير مباشر، بالإضافة إلى إسهامها الفعال في جهود تسوية أزمة البرنامج النووي الكوري الشمالي، من خلال المباحثات السداسية، وبما أسهم في التوصل الى اتفاق فبراير 2007، الذي تعهدت بموجبه كوريا الشمالية بتفكيك برنامجها النووي، مع تأكيد اتفاقها مع باقي الأطراف المعنية بالأزمة على ضرورة إخلاء شبه الجزيرة الكورية من أسلحة الدمار الشامل، وعبرت عن قلقها ازاء إطلاق ناجح لصاروخ عابر للقارات يحمل قمراً صناعياً إلى مداره، في ديسمبر 2012، ودعت حليفتها إلى الالتزام بقرارات الأمم المتحدة.

9. تجاه العلاقات مع اليابان

ترى القيادة الصينية أن فترة الاحتلال الياباني للصين ودول جنوب شرق آسيا لازالت تلقى بانعكاساتها السلبية على علاقات البلدين[3]، وعلى الرغم من ذلك تسعى الصين خلال الفترة الحالية لاحتواء الموقف مع اليابان ودعم العلاقات الثنائية، خاصة بالمجال الاقتصادي والسياسي، إذ قدم الرئيس الصيني في زيارة لليابان، في 6 مايو 2008، تعد الأولى منذ عشر سنوات.

على النقيض من ذلك قامت بتنفيذ طلعة جوية، في ديسمبر 2012، بطائرة أبحاث على جزر سنكاكو المتنازع عليها بين البلدين، في ذكرى مجازر اليابان إبان الاحتلال الياباني للصين. وردت اليابان بإرسال ثلاث طائرات حربية ما أعاد أجواء التوتر إلى المنطقة والعلاقات بين البلدين.

10. تجاه قضية إصلاح المنظمة الدولية وتوسيع مجلس الأمن الدولي

أ. التأكيد على أن تطوير المنظمة الدولية يجب أن يُلبي متطلبات تلازم مسألتي التنمية والأمن، مع تأييدها لتوسيع عضوية مجلس الأمن من حيث المبدأ، بهدف إعطاء تمثيل أكبر للدول النامية.

ب. تعارض حصول اليابان على مقعد دائم بمجلس الأمن الدولي حال توسيعه، في ضوء تقديرها أن انضمام اليابان لعضوية المجلس من شأنه إعادة توزيع موازين القوى بالمجلس لصالح المعسكر الغربي، الذي ستنحاز اليابان إلى جانبه ارتباطاً بعلاقاتها الإستراتيجية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية.

ج. أعربت الصين عن دعمها الضمني لموقف مصر بشأن الانضمام لعضوية مجلس الأمن، بالتأكيد على أنها لن تقف عقبة أمام دور أكبر الدول العربية والأفريقية على الساحة الدولية.

رابعاً: الأهمية الاقتصادية للصين

تُعد الصين من الدول الكبرى المصدرة في العالم، وتسببت في إغراق الأسواق الأمريكية والأوروبية، وكذلك الأفريقية والآسيوية ودول أخرى بالبضائع، ونذكر الصور التي بثتها وسائل الأعلام، أواخر عام 2005، حيث الحاويات تكدست في مواني الدول وهي محملة بالمنتجات الصينية، وأهمها الملابس، ما أدى إلى مفاوضات شاقة بين الطرفين.

وتمتاز البضائع الصينية بالجودة ورخص الثمن، وقدرتها على المنافسة، ومن ثم غزو الأسواق الخارجية، حيث لا يكاد يخلو متجر في دول العالم، الصناعية منها أو النامية، من هذه البضائع، وأما للولايات المتحدة الأمريكية، فإنها تعانى من عجز تجاري لصالح دول عدة مثل كندا، اليابان والاتحاد الأوروبي، ولكن عجزها التجاري مع الصين هو الأضخم والأسرع في النمو والزيادة لصالح الصين، كما أن الصين تحقق فائضاً تجارياً لصالحها مع دول الاتحاد الأوروبي، وهو ما يقارب 50 مليار يورو سنوياً، وهذا كله دلالة على ضخامة هذا الاقتصاد ونموه، والدليل الأبرز والأهم أن الناتج المحلى الإجمالي لعام 2012، وصل إلى 11،3 تريليون دولار، أي ما يعادل 72،32 تريليون يوان. في حين بلغ معدل النمو السنوي 10،3% لعام 2010، ومعدل النمو 9،2% لعام 2011م.

إن الانتعاش الاقتصادي الذي تزخر به الصين، والذي نقلها من دولة نامية متخلفة إلى دولة صناعية منتجة، تعود أسبابه إلى سياسة الإصلاح والقوانين التي جعلت منها ملاذاً للاستثمارات الخارجية، علاوة على التفوق بالنسبة لليد العاملة الرخيصة والمدربة، والبنية التحتية الحديثة، وفوائد التكافؤ والتكامل هو الآن ميزة تنافسية تعلو على ميزة القرب الجغرافي التي تتمتع به بلاد مثل المكسيك، والتي كانت تعتمد على المزج بين الموقع الجغرافي وميزتها بوصفها عضواً في "النافتا".

إن الباحث في الاقتصاد الصيني يمكنه التنبؤ بأهمية هذا البلد ودوره الفاعل بوصفه قوة اقتصادية مؤثرة على الساحة الدولية، وبما ينعكس على القدرات الأخرى العسكرية والسياسية منها إيجاباً، ويعزز مكانة الصين الدولية، وأن ما نشهده هو النمو المستمر والمذهل لقوة عالمية متميزة بمصادر واسعة ومتنوعة، وقدرة تكنولوجية ومعلوماتية. إن تأثير صعود الصين على دول العالم سيكون ملموساً ومؤثراً على الدول النامية أو الصناعية على السواء، ما سيجعل من تطوير إستراتيجياتها لمواجهة هذا التأثير والتعامل مع هذا المارد الصيني ضرورة ملحة.

عموما ينسب الاقتصاديون النمو السريع للاقتصاد الصيني إلى عاملين رئيسين؛ معدلات الاستثمار العالية (وتقف وراءها الادخارات الداخلية والاستثمارات الأجنبية)، والنمو السريع في حجم الإنتاج، وهما عاملان مرتبطان أحدهما بالآخر، حيث قاد الإصلاح الاقتصادي إلى فعالية مهمة في القطاع، دفعت إلى تسريع مصادر الاستثمارات ومضاعفتها، حيث بقي الاقتصاد الصيني قوياً حتى في وجه الأزمة الاقتصادية التي عصفت باقتصاديات شرق وجنوب شرق آسيا خلال عامي 1997 و1999. وحسب تقديرات البنك العالمي كانت الصين سابع أكبر اقتصاد عالمي وراء الولايات المتحدة الأمريكية، واليابان، وألمانيا، وفرنسا، والمملكة المتحدة، وإيطاليا، وهي اليوم ثالث أكبر اقتصاد عالمي.

خامساً: الأهمية العسكرية للصين

لدى الصين جيش قوى يُعد من أكبر جيوش العالم، كما يعد أكبر قوة عسكرية في آسيا بعد روسيا الاتحادية، ويمتلك قدرة نووية تمكنه من ردع أي هجوم خارجي، ويعمل على تطوير الأسلحة والمعدات التقليدية أو الفوق تقليدية، إلى جانب ذلك انعكس التحديث على الجيش الصيني، حيث تم بناء عدد كبير من الغواصات التقليدية، وتطوير الأسلحة النووية. إذ قامت الصين، منذ مطلع الثمانينيات، على إجراء تجاربها الأولى على الصواريخ العابرة للقارات (سبعة آلاف ميل بحري)، والقادرة على حمل رؤوس نووية، وتحسين القدرة في مجال إطلاق الأقمار الصناعية. كما بدأت عام 1982، إجراء تجارب على الغواصات الحاملة للصواريخ الإستراتيجية، علماً بأن أغلب الأسلحة النووية الصينية منصوبة براً. كما شمل التطوير القوات البرية والبحرية والجوية، حيث جرى تزويدها بالأسلحة الحديثة.

تسعى الصين للانفتاح على العالم للحصول على أحدث التقنيات التكنولوجية، بغض النظر عن الأيدولوجيات من منطلق السعي إلى تحديث الصناعة العسكرية، لذا فهي تعمل بالتعاون في مجال التصنيع المشترك، أو الحصول على تكنولوجيا التسلح الحديثة من الشرق والغرب، خاصة روسيا الاتحادية وباكستان وإسرائيل.

تُعد الصين، في الوقت الحالي، أحد المصادر الرئيسة في سوق السلاح العالمي، فهي تقع في شريحة أكبر سبع دول مصدرة للسلاح في العالم، بعد الشريحة الأولى التي تحتكرها الولايات المتحدة الأمريكية، ما يمنحها ثقلاً عالمياً وإقليمياً.

من أبرز التوجهات الصينية الحالية في مجال الإنفاق، بناء جيش أصغر، ولكنه أكثر كفاءة، وبلغت ميزانية الجيش، عام 2011، نحو تريليون دولار، أي إنها ثاني دولة على مستوى العالم في ترتيب الإنفاق العسكري، بعد الولايات المتحدة الأمريكية.

تولى القيادة الصينية اهتماماً متزايداً بقدرات الجيش الصيني، وتحويله من جيش تقليدي يعتمد على الكم إلى، جيش محترف حديث يعتمد على الكيف. ويجري ذلك وفق إستراتيجية وخطة طويلة المدى، تزود مختلف وحداته بالأسلحة المتطورة، وتحاول الصين تقليل الاعتماد على المصادر الخارجية، وأهمها روسيا، من خلال التصنيع وتطوير ترسانتها العسكرية، والدخول في اتفاقيات تعاون ثنائية لنقل التكنولوجيا العسكرية، وخاصة مع إسرائيل، الأمر الذي أثار حفيظة الولايات المتحدة الأمريكية في مناسبات عدة.

إن الجيش الصيني قوة إقليمية يحسب لها حساب إذا ما قورنت بجيوش العالم والدول المجاورة، إذا استثنينا اليابان التي تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية وترتبط معها باتفاقيات عسكرية وترسانة تسليح أمريكية. إن ما يميز الجيش الصيني قدرته على شن حرب طويلة المدى اعتماداً على القدرات الذاتية، واستمرار القيادة الصينية في زيادة الإنفاق العسكري سوف يجعل منها خلال العقود القادمة قوة عسكرية كبرى، إذا استمرت على النهج الحالي في تطوير الجيش الصيني وتحديثه، وسيكون متغيرا رئيساً في تحديد الاستقرار والأمن الإقليمي في القرن الواحد والعشرين، ويجعل منه قوة عصرية أكثر حداثة قادرة على شن حروب سريعة، وعلى درجة عالية من الشدة ضد خصوم ذات تكنولوجيا عالية. ويبدو حالياً أن الترسانة العسكرية الصينية موجهة للتحضير لأي طارئ، بما في ذلك إمكانية تدخل الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وأغلب الملاحظين للسياسات الدولية الآسيوية يتفقون على أن التوجه الاستراتيجي والواقع العسكري لجمهورية الصين الشعبية سيكون متغيراً رئيساً في تحديد الاستقرار والأمن الإقليمي، في القرن الواحد والعشرين.

منذ عقد التسعينيات، باشرت الصين إصلاحات شاملة للمؤسسات العسكرية، مركزة على تحسين معايير التدريب، واكتساب نظم تسليحية جديدة داخلية وخارجية، خصوصاً النظم الروسية.



[1] الجيوبوليتيكية: علم يتأسس على استخدام العوامل الجغرافية للدولة في تحقيق مزايا سياسية وعسكرية أو الإدارة السياسية للدولة من منطلق موقعها، وبما يعود عليها بمزايا أفضل، والجغرافيا هنا تتحدد في أهمية الموقع إقليمية ودولياً والمقومات التي تميزه.

الجيوإستراتيجية: تعني استخدام المزايا الجغرافية التي يحققها موقع الدولة بالنسبة للدولة الأخرى وإمكاناتها وما تملكه من ثروات

[2] مرت العلاقات الصينية ــ الإسرائيلية بمرحلة توتر، عام 2002، نتيجة لإلغاء صفقة النظام الرادارين الفالكون الإسرائيلي، بضغوط أمريكية، وتمكن الجانبان من تجاوز خلافاتهما بذات الشأن، عقب تقديم إسرائيل تعويضاً للصين عن إلغاء الصفقة.

[3] تبدي الصين تحفظاً تجاه الإعلان الياباني / الأمريكي لمضيق تايوان هدفاً إستراتيجياً للبلدين.