إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



الفصل الأول

المبحث الرابع

مصالح الصين وأهدافها في الشرق الأوسط

تُعد منطقة الشرق الأوسط من أكثر المناطق حساسية في العالم بأسره، لعوامل إستراتيجية عديدة، ومما يزيد من أهميتها وحساسيتها أنها تحتوي على مصالح متشابكة أو متعارضة للقوى الكبرى والعظمى، ومن بينها جمهورية الصين الشعبية، حيث أصبحت المنطقة محل الاهتمام، وبؤرة التركيز الرئيسة لنشاط هذه القوى، إذ تحتوي على نحو ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط الخام، إلى جانب العديد من الثروات.

العلاقات الودية بين الصين والدول العربية تعود إلى قديم الزمان، وقبل أكثر من ألفي عام ربط طريق الحرير القديم الصين بالدول العربية ربطاً وثيقاً، وترك تراثاً نفيساً يجسد مجد الحضارتين الصينية والعربية، ولبُعد المسافة بينهما استعملت الصين مجازاً للبُعد والاستحالة والمشقة، إذ حث الرسول e صحابته على طلب العلم ولو في الصين، وما تدل مقولته e إلا على تلك العلاقة الوطيدة التي تجمع بين الصين والدول العربية منذ القدم.

في السنوات الأخيرة أخذ يتجلى بمزيد من الوضوح طموح الصين الى لعب دور أكبر في الشرق الأوسط وفي القارة الأفريقية، لضمان احتياجات اقتصادها من النفط والغاز، وتأمين المتطلبات الاقتصادية الأخرى، وربما المطامح السياسية أيضاً. وتستخدم الصين لبلوغ اهدافها الإستراتيجية مختلف السبل والوسائل، ابتداء من الاستثمارات والجهود الدبلوماسية، وانتهاء بصفقات السلاح. ويلفت الانتباه بهذا الشأن خصوصاً نشاط الصينيين في ،السودان الذي تحول بمنتهى السرعة إلى أحد المصادر الرئيسة لتصدير النفط إلى الصين.

على الرغم من العلاقات التاريخية الموغلة في القدم، والتي تعود لعدة قرون خلت، إلا أن منطقة "الشرق الأوسط" لم تكن يومًا ما محور اهتمام في الإستراتيجية الصينية كما هي عليه اليوم، كما أن دول المنطقة من جانبها لم تنظر إلى الصين لاعباً دولياً يمكن الاعتماد عليه، إذ ظل الدور الصيني محدوداً وهامشياً، يقتصر على التبادلات التجارية والثقافية، ولم تسعَ بكين إلى وجود فعلي، أو إلى إقامة مناطق نفوذ لها في المنطقة، أسوة بالقوى الدولية الأخرى.

كانت الصين دائمًا تنظر إلى الشرق الأوسط بثرواته وموقعه الإستراتيجي على أنه "منطقة تشابك" في الصراع المحتدم والمتواصل بين القوى الدولية المتنافسة على مناطق النفوذ، وترى أن حسم الصراع لصالح أية قوة دولية سيتحدد في رمال هذه المنطقة الملتهبة.

بعد تأسيس جمهورية الصين الشعبية، عام 1949، ظل اهتمام الصين في المنطقة مُنصب على البحث عن شرعيتها وتوسيع دائرة الاعتراف الدبلوماسي بها، في منطقة كانت معظم دولها تعترف بتايوان، لهذا ركزت الدبلوماسية الصينية في بداياتها على محاولة الدخول إلى المنطقة من بوابة الوقوف إلى جانب حركات التحرر الوطني، والسعي للحيلولة دون خضوع المنطقة لهيمنة شاملة من قِبل القوى الخارجية، وظل السلوك الصيني يقوم على أسس "المبادئ الخمسة للتعايش السلمى"، التي أطلقها الزعيم الراحل "شوان لاي"، وظلّت بكين متمسكة بشعار "مشكلات الشرق الأوسط يجب أن تُحل عن طريق شعوب المنطقة وبعيدًا عن أية تدخلات خارجية".

لم يرق مفهوم "الأمن القومي الصيني" إلى درجة "حماية المصالح"، وظل محكوماً لعدة عقود، منذ تأسيس الجمهورية، بقناعة راسخة تقتصر على "حماية الحدود"، أو ما يُطلق عليه نظرية "سور الصين العظيم"، وهو كناية عن التقوقع داخل الحدود، والابتعاد عن لعب أي دور حيوي خارج هذه الأسوار. ولكن مع التطورات الأخيرة يبدو أن الصين شرعت في توسيع رؤيتها لمفهوم الأمن القومي، آخذة في الحسبان النمو المتسارع لاقتصادها، واتساع رقعة المصالح الصينية في الخارج، وبروز "أمن الطاقة"، بوصفه أحد أهم مرتكزات الأمن القومي، الذي يضمن استمرار عجلة الاقتصاد الصيني بالدوران، وتبعًا لذلك يبدو أن اهتمام الصين بمنطقة الشرق الأوسط سيكون أكبر من السابق، لكن دون الانخراط الفاعل في قضاياها، مراعاة للأسس التي تحكم سياستها الخارجية، لأنها أهم مصدر من مصادر الطاقة في العالم، كما أنها أحد أهم الأسواق الاستهلاكية.

ويمكن القول حاليًا إن ميزان التبادل التجاري مع أية دولة، هو المقياس الوحيد لمستوى تطور العلاقات مع الآخرين، من وجهة النظر الصينية، وهيمنت العلاقات الاقتصادية على معظم تحركات الصين وسلوكها الدبلوماسي في منطقة الشرق الأوسط، في تأكيد على تصدر هذه العلاقة أولويات صناع القرار في الصين.

أولاً: مصالح وأهداف جمهورية الصين الشعبية في المجال السياسي

طرحت الصين ثلاثة مبادئ أساسية للتعامل مع الاضطرابات السياسية والامنية التي تمر بها معظم دول الشرق الأوسط، تمثلت في الاتي:

·   استبعاد استخدام القوة.

·   الالتزام بميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية.

·   أن تكون المساعدات الخارجية للدول ذات طبيعة بناءة.

وبناء على ذلك تم تحديد الاتي:

1. تتجه الصين في مجال سياستها الخارجية إلى تنشيط تحركاتها تجاه الشرق الأوسط، خلال المرحلة الحالية لمزاحمة الولايات المتحدة الأمريكية في الهيمنة والسيطرة على منطقة الشرق الأوسط، من خلال المنح والمساعدات.

2. السعي للحصول على دعم الدول العربية لسياستها الرامية أن تظل تايوان تابعة للوطن الأم.

3. المشاركة الصينية في عملية التسوية السلمية للصراع العربي/ الإسرائيلي، في أعمال عدد من اللجان المنبثقة عن مؤتمر مدريد، في إطار المفاوضات متعددة الأطراف.

4. الحرص على استثمار علاقاتها المتميزة بالأطراف العربية كافة، لتطوير التعاون الثنائي معها في المجال السياسي، وتستضيف منتدى التعاون الصيني العربي، بهدف تفعيل الشراكة الاستراتيجية بعيدة المدى.

5. تعتمد موقفاً متوازناً تجاه قضية الجزر الإماراتية، حفاظا على مصالحها مع طرفي النزاع، وتحث الطرفين على تسوية القضية بالطرق الدبلوماسية وفي إطار إقليمي.

6. رأت الصين أن تحقيق هذه المصالح سوف يأتي من خلال إقامة علاقات دبلوماسية وسياسية واقتصادية مع دول منطقة الشرق الأوسط، وبناء عليه فقد نفذت الآتي:

أ. وقعت وزارة الخارجية الصينية والأمانة العامة لجامعة الدول العربية، مذكرة تفاهم بإنشاء اّلية للمشاورات الصينية العربية، تشتمل على الآتي:

(1) توسيع وتعزيز نطاق التقاء المصالح المشتركة للجانبين.

(2) بحث سبل التشاور والتنسيق في إطار المؤتمرات والمحافل الدولية.

(3) تبادل وجهات النظر والمواقف بشأن القضايا الإقليمية والدولية، فضلاً عن الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

(4) بحث سبل انشاء وسائل جديدة لتطوير ودعم علاقات التعاون بين الصين والدول الأعضاء في جامعة الدول العربية في كافة المجالات.

ب. إصدار مجلس جامعة الدول العربية عدداً من القرارات بشأن العلاقات العربية الصينية، كالتالي:

(1) قرار المجلس الرقم 5809، لسنة 1998، والقرار الرقم 5863، لسنة 1999.

(2) قرار المجلس الرقم 5910، لسنة 1999، والقرار الرقم 5972، لسنة 2000.

(3) قرار المجلس الرقم 6024، لسنة 2000.

ثانياً: موقف جمهورية الصين الشعبية من أهم القضايا في الشرق الأوسط

لفترة طويلة، ورغم تأييد الصين لتسوية تاريخية للصراع العربي/ الإسرائيلي، إلا أنها كانت تتعمد الابتعاد عن الدخول في تفاصيل هذه العملية. كان الموقف الغالب للصين هو التأييد عن بُعد لكل ما هو متصل بالمفاوضات العربية/ الإسرائيلية، دون التدخل المباشر في تفاصيلها، مع الاستمرار في نسج علاقات قوية مع كل أطراف الصراع، دون الانحياز لأحد في مواجهة آخر.

خلال مؤتمر أنابوليس، الذي عُقد في نوفمبر 2007، لإحياء عملية تفاوض فلسطينية ــ إسرائيلية، طرح وزير خارجية الصين رؤية شاملة لما رأى أنه تعزيز أسس السلام في الشرق الأوسط، تضمنت خمسة مبادئ، كالآتي:

1. احترام التاريخ، والعمل من أجل حل القضايا المتعلقة بالحدود واللاجئين وموارد المياه، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة، تقوم على أساس خارطة الطريق ومبادرة السلام العربية.

2. نبذ العنف وإزالة العقبات، ومواصلة الالتزام الصارم بمحادثات السلام، فالقوة لا يمكنها أن تحقق سلاماً دائماً.

3. دفع محادثات السلام بطريقة كلية ومتوازنة، وتوفير البيئة المؤدية إلى محادثات سلام.

4. إعطاء أولوية للتنمية وتعزيز التعاون، من أجل تدعيم أساس محادثات السلام.

5. بناء توافق وزيادة الإسهامات وتعزيز مساندة عملية السلام.

تبنت الصين مواقف الحياد التام تجاه الحل وتهدئة للصراعات في منطقة الشرق الأوسط. وفي عام 1984، أي بعد عامين من اجتياح إسرائيل للبنان، عام 1982، أعلنت الصين عن عقد أول صفقة كبرى لتصدير السلاح وتبادل الخبراء بينها وبين إسرائيل، لتعلن للعالم العربي أن مجال تكنولوجيا السلاح هو القاعدة الصلبة لتوثيق علاقاتها مع إسرائيل.

امتنعت الصين عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن الرقم 678، لسنة 1991، أثناء حرب الخليج الثانية، الذي نص على قيادة الولايات المتحدة الأمريكية للمجتمع الدولي لاستعادة الأراضي الكويتية من العراق، ولم يكن الموقف الصيني مرضياً لدول الخليج العربي، التي قبلت القرار لشعورها بالخطر على سلامة أراضيها.

إن الصين في المسألة الإيرانية تدعو إلى التزام الطرق الدبلوماسية، وتعارض بشدة فرض عقوبات على إيران، ومنع المصارف الأجنبية من التعامل مع المصرف المركزي الإيراني، قبل تقديم أدلة دامغة على أن إيران تقوم بتطوير أسلحة نووية. والصين في هذا الشأن توازن بين مصالحها مع طهران، التي تحصل منها على 11% من إجمالي وارداتها النفطية، بما يمثل نحو 22% من مبيعات النفط الإيراني، ومصالحها مع الولايات المتحدة الأمريكية شريكها التجاري الأكبر، والدول العربية النفطية المزود الرئيس لها في احتياجاتها النفطية. وفي هذا الإطار كان الاهتمام المتزايد للدبلوماسية الصينية في أعلى مستوياتها بمنطقة الخليج، وزيارة رئيس الوزراء الصيني "وين جيا باو" للمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، في يناير 2011.

بالرغم من التراجع في العلاقات بين الدول العربية والصين، خلال فترة الثمانينيات من القرن العشرين، إلا أنه في عام 1990، أقامت المملكة العربية السعودية علاقات دبلوماسية مع الصين، وأقدمت الصين على اتخاذ خطوات ايجابية على المسار العربي/ الإسرائيلي، بمشاركتها في خمس لجان لخفض التوتر بالنسبة لقضية المياه، إلا أن الموقف السياسي بدا هامشياً إذا ما قورن بالاهتمام الاقتصادي الصيني تجاه منطقة الشرق الأوسط.

تبلورت رؤية الصين للمحافظة على مصالحها خاصة النفطية لاستكمال التقدم في نهضتها الاقتصادية، في عدة نقاط أهمها الآتي:

1. تركيز أعمال الدبلوماسية الصينية على دول الخليج العربي، اتضح ذلك في الزيارات المتعددة التي نفذها كبار المسؤولين الصينيين، كزيارة الرئيس الصيني الحالي "هو جنتاو" للملكة العربية السعودية، عامي 2004 و2006، وزيارة رئيس الوزراء الصيني "وين جيا باو" للمملكة العربية السعودية وقطر والإمارات، في يناير 2011.

2. تركيز العمل الدبلوماسي في اندفاع شركات النفط الصينية إلى الحصول على حقوق الاستثمارات في النفط العربي، والإسهام في أعمال تطوير الحقول النفطية.

3. تحفيز الصين للدول الخليجية للاستثمار في قطاعي تنمية النفط وتسويقه.

وعلى الرغم من ذلك لم تكن الخطوات السابقة لها انعكاس إيجابي على تطور العلاقات العربية الصينية في المجال السياسي، وخاصة في النطاق الدولي.

ثالثاً: موقف جمهورية الصين الشعبية من التطورات الاخيرة في الشرق الأوسط

اقتضى السلوك البراجماتى للسياسة الخارجية الصينية الصمت حيال أحداث العالم العربي بداية، وأعرضت عن الاعتراف بأن هذه الأحداث ثورات، وهي تقف مع النظم أيا كانت، مادامت في السلطة، ثم تنسحب عنها إلى تأييد المعارضة والتوافق معها حين تنتقل هذه المعارضة الى السلطة.

ولم يكن هذا جديداً عليها، ففي أحداث الثورة الإيرانية كانت الصين تقف إلى جانب الشاه، وتقف سلبياً تجاه الثورة. ومع نجاح الثورة الإيرانية في الإطاحة بنظام الشاه، أخذت الصين تفتح أبوابها للثورة الايرانية الوليدة، ثم غدت أكبر موردي الأسلحة لإيران في حربها ضد العراق، وكان موقفها الرسمي حيال هذه الحرب أنها تقف على الحياد، وعلى مسافة متساوية من الجانبين المتصارعين، مطالبة كليهما بوقف الحرب وتسوية النزاعات عبر الحوار والتفاوض.

فسر الموقف الصيني الصامت حيال أحداث الربيع العربي في بدايته، بأنه خشية انتقال عدوى هذه الأحداث إلى الصين، وهى مهيأة لها بحكم استمرار تسلط الحزب الشيوعي الصيني على مجريات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وخنق الحريات والفساد واسع النطاق، وسوء توزيع الثورة والدخل، وهو التفسير الذى تعزز في الإجراءات التي نفذتها الحكومة الصينية على مستوى حظر مواد الانترنت، مثل عبارة زهرة الياسمين رمز الثورة التونسية ومصر، ولكن حين نجحت المعارضة في تونس ومصر، سعت الصين إلى تحسين صورتها لديهما، فمنحت تونس هبة مالية بقيمة 40 مليون يوان، واستقبل اتحاد الصناعات المصري وفداً صينياً يضم ممثلين عن الشركات والمؤسسات التمويلية، لإبداء الرغبة في التعاون في المجالات الاقتصادية بين البلدين

مثلت الانتفاضة الليبية التحدي الأكثر تعقيداً للقادة الصينيين، نظراً لوجود علاقات معقدة بينهما إلى حد ما على مدار السنين، ومن ناحية أخرى توجد علاقات تجارية تجمع البلدين في المجال الاستثماري، إذ استثمرت شركات صينية بكثافة في ليبيا، على الرغم من أن القيمة الإجمالية لهذه الأصول تتضاءل بالمقارنة مع المقتنيات ذات الصلة بالطاقة من الشركات الغربية، ومع ذلك كان هناك وجود كبير للصينيين، خاصة في البنية التحتية والخدمات، وأكدت البيانات الصينية الرسمية عن أسفها لتوجيه ضربة عسكرية ضد ليبيا، وأن الصين لا توافق دائماً على استخدام القوة في العلاقات الدولية، مشيراً إلى أنها تحب احترام سيادة ليبيا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها. ولكن ما أن نجحت الثورة الليبية حتى اعترفت الصين بالمجلس الوطني الانتقالي الليبي، وعادت إلى الحياد مرة أخرى تجاه الأحداث الأخيرة في ليبيا والعراق.

جاء الموقف الصيني باستخدامها حق النقض الفيتو لثلاث مرات منذ اندلاع الثورة السورية، وتناول مجلس الأمن لها، ليحقق أسلوب دبلوماسية الحضور السياسي للصين في المنطقة، لاعباً دولياً يملك أدوات ترجيح كفة على أخرى، وفي هذا الإطار أيدت الصين مشروعاً روسياً يدين جميع الأطراف السورية المتنازعة لاستخدامها العنف، ويدعو إلى حوار سياسي مباشر لتسوية الأزمة، وأعلنت الصين معارضتها مبدأ تدويل الأزمة السورية، وأنها ترى أن الحل الأمثل من طريق الحوار بين أطراف الصراع. كما أعربت مرارً عن معارضتها تغيير النظام السياسي في سورية بالقوة العسكرية، سواء المدعومة من الخارج، أو عبر التدخل الخارجي المباشر.

رابعاً: مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في المجال الاقتصادي

تُعد العوامل الاقتصادية واحداً من المحددات الرئيسية والمهمة في صياغة العلاقات الإقليمية والدولية في منطقة الشرق الأوسط بصفة عامة، والمنطقة العربية بصفة خاصة، حيث تُعد هذه المنطقة نموذجاً لتداخل العلاقات السياسية والاقتصادية، وتوظيف البعد الاقتصادي لتحقيق مكاسب سياسية، وخلق شبكة من المصالح والتحالفات المالية والاقتصادية، يجري استخدامها في عمليات التوجيه، والتأثير في القرار السياسي لبعض الدول.

تُعد سياسة الصين تجاه الشرق الأوسط بقضاياه ومشكلاته وفرصه الاقتصادية الرائعة، نموذجاً حياً للطريقة التي تفكر بها الصين لتأمين مصالحها الحيوية، كما تعكس العلاقة الوثيقة بين متطلبات التنمية في الداخل، والنفاذ إلى أسواق الخارج.

تطورت العلاقات الاقتصادية الصينية مع دول منطقة الشرق الأوسط كالآتي:

1. احتلت قضية الإصلاح والتنمية والاقتصاد أهمية كبرى في الصين منذ بدء تنفيذ سياسة الانفتاح الاقتصادي، عام 1978، بحسبان أن الاقتصاد والتنمية أكبر ضمانات للاستقرار ووحدة الوطنية الصينية والممر نحو صعود الصين، ونفاذها نحو القطبية. وفي هذا الإطار تبادلت الصين ودول منطقة الشرق الأوسط عديد من الخبرات والتجارب في هذا المجال.

2. تصاعد دور العوامل الاقتصادية في العلاقات الدولية وارتباطها بالأمن القومي للصين، وكذلك لدول منطقة الشرق الأوسط، كما أن السلام والتنمية هما أحد أهداف السياسة الخارجية الصينية.

3. خلال سياسة الانفتاح التي اتبعتها كل من الصين والدول العربية، حقق التعاون الاقتصادي التجاري بين الصين والدول العربية إنجازات مثمرة، في العقد الأول للقرن الحادي والعشرين، تضاعف حجم التبادل التجاري بين الصين والدول العربية نحو ثماني مرات، وقفز من 20.3 مليار دولار، عام 2001، إلى 145.4 مليار دولار، عام 2010. وعلى الرغم من التحديات الناجمة عن الأزمة المالية العالمية والتغيرات الكبيرة في المنطقة، حافظ التعاون الاقتصادي والتجاري الصيني العربي على زخم النمو القوى، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين الجانبين 195.9 مليار دولار، عام 2011، بزيادة 34.7% بالمقارنة مع العام السابق، كما حقق الجانبان تقدماً مستمراً في التواصل والتعاون في مجالات الثقافة والتعليم والإعلام.

4. شهد الحوار والتعاون الجماعي بين الصين والدول العربية، تطوراً كبيراً حقق منتدى التعاون الصيني العربي تقدماً مستمراً، وأنشئت أكثر من عشر آليات للتعاون على التوالي، من بينها الاجتماع الوزاري، واجتماع كبار المسؤولين، ومؤتمر رجال الأعمال، وندوة العلاقات الصينية العربية، والحوار بين الحضارتين الصينية والعربية، ومنتدى التعاون الصيني العربي في مجال الإعلام... إلخ، ما دفع بقوة التعاون المشترك بين الصين والدول العربية في المجالات كافة، ولعب دور متزايد الأهمية في توجيه العلاقات الصينية العربية ودفع تطورها.

5. إن المساواة والثقة المتبادلة سياسيا والتعاون والفوز المشترك اقتصادياً، والتواصل والاستفادة المتبادلة ثقافياً أساس مهم، وتجارب رائدة للعلاقات الصينية العربية في عملية تطوير العلاقات مع الدول العربية، وظلت الصين حكومة وشعباً تحترم حق الدول العربية في اختيار طرق التنمية والإصلاح، التي تتناسب مع ظروفها الوطنية وبإرادتها المستقلة، وتلتزم بإجراء التعاون العملي والنزيه مع الدول العربية، على أساس المساواة والمصالح المتبادلة والانفتاح والشفافية، وتعمل على دفع الحوار الحضاري والتواصل الإنساني بين الجانبين بروح من الانسجام والتسامح.

خامساً: أبرز المصالح لدول الشرق الأوسط للتعاون مع جمهورية الصين الشعبية

تتعدد المصالح لدول الشرق الاوسط التي تسعى لتحقيقها على مختلف المستويات وفي مختلف المجالات، ولكن على صعيد توقع الدعم الصيني، فإن أبرز هذه المصالح يتمثل فيما يلي:

1. تشجيع التنمية الاقتصادية والاجتماعية بما يحقق استقراراً سياسيا، ويعالج نسبة كبيرة من مشكلات الفقر والبطالة في معظم البلاد العربية.

2. تطوير دور العرب في رسم مستقبل الشرق الأوسط وسياسات النظام الدولي، لبناء نظام دولي يتمتع بالنزاهة والعدالة، وأن يتحقق للعرب مقعد دائم في مجلس الأمن الدولي.

3. دعم الموقف العربي والفلسطيني بالضغط على إسرائيل، للتجاوب مع الحقوق الفلسطينية والعربية، وخاصة تلك المتعلقة بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي ووقف عدوانه على الشعب الفلسطيني.

4. تطوير التعاون العربي/ الصيني في مجالات الأمن في الخليج، بما يحقق التوازن مع التواجد الأمريكي والأوروبي، ويحقق الأمن لدول الخليج، ويحافظ على حماية مصادر الطاقة فيه لحماية الحضارة الإنسانية والتطور الصناعي الدولي، وبما يحقق النماء والاستقلال في دول الخليج.

5. الاستفادة من تطور القوة الاقتصادية الصينية ونفوذها السياسي في تحجيم اتجاهات الهيمنة في السياسة الأمريكية المعاصرة، خاصة في سياسات النظام الدولي تجاه الشرق الأوسط.

6. المساعدة في تطوير الصناعة والتكنولوجيا في الوطن العربي، بما يحقق اقتصاداً صناعياً متنامياً، ويطور استخدامات التكنولوجيا فيها، ويوطن الصناعات التكنولوجية.

7. الاستفادة من تجربة الصين في تحقيق معدلات مرتفعة للتنمية الاقتصادية، ومعالجة مشكلتي الفقر والبطالة في الوطن العربي.

8. الاستفادة من القدرات والخبرات العسكرية الصينية في تطوير القدرات العسكرية العربية، التقليدية منها وغير التقليدية، لدعم اتجاه التوازن الإستراتيجي للعرب مع إسرائيل، وكذلك في مجال تكنولوجيا التصنيع العسكري.

سادساً: المصالح والأهداف الاقتصادية الصينية في منطقة الشرق الأوسط

1. النفط

يُعد الشرق الأوسط المصدر الأساس للنفط والغاز للصين ولمدة طويلة، إذا يزود الشرق الأوسط الصين بنحو 45 % من احتياجاتها النفطية في الوقت الراهن، ويقدر أنه في عام 2015، سيرتفع الاعتماد الصيني على نفط الشرق الأوسط إلى نسبة 70% من احتياجاتها الضرورية، وتُعد الصفقات الصينية الكبرى في مجالي النفط والغاز، مع كل من المملكة العربية السعودية وإيران وقطر، عنصراً أساسيا في التحركات الصينية في الاقليم.

2. الممرات

تأمين ممرات النفط الدولية، لا سيما القادمة من الشرق الأوسط، ويبدو هذا الاهتمام جلياً فيما أكده الكتاب الأبيض عن الطاقة، الصادر عام 2007، من أن حماية البيئة السياسية السليمة الأمنة والمستقرة، وحماية السلم العالمي والاستقرار الإقليمي، هما الشرطان المسبقان لتحقيق أمن الطاقة العالمية، وأنه على المجتمع الدولي أن يعمل على حماية استقرار الأوضاع في الدول المنتجة للطاقة، والدول المسؤولة عن نقل الطاقة، على وجه الخصوص الدول المنتجة للنفط في منطقة الشرق الأوسط، وضمان أمن وسلامة ممرات الطاقة الدولية.

3. الاستثمارات

اجتذاب الاستمارات المتبادلة مع بلدان الشرق الأوسط، لا سيما في ظل تنامى الفوائض المالية لدى الدول الشرق أوسطية المنتجة للنفط.

4. الاستفادة من الخبرة في مجال التكنولوجيا المتطورة

إلى جانب الاتصالات والزراعة ونظم الري الحديثة، والحصول على تقنيات عسكرية غربية متقدمة، في الوقت الذي تفرض فيه الولايات المتحدة الأمريكية والغرب حظر نقل الأسلحة للصين، التي تسعى إلى تحديث قواتها العسكرية.

5. على مستوى التعاون والتبادل والدعم

يمكن للدول العربية أن تقدم خدمة للصين في تحقيق العديد من مصالحها وأهدافها الاقتصادية، ومن أبرز ذلك:

أ. التعاون الاقتصادي على صعيد فتح الأسواق العربية، وتطبيق أنظمة الإعفاءات الجمركية المتبادلة مع الصين.

ب. استفادة الصين من النفط والغاز العربي (الطاقة)، دون المرور عبر معبر السياسة الأمريكية أو الغربية.

ج. دعم الصين قوة دولية اقتصادياً وسياسيا في منظومة النظام الدولي، خاصة في ظل النفوذ الهائل لتكتل الدول الصناعية الثمانية في التجارة والاقتصاد والسياسة الدولية، إذ للصين أي دور فيها.

سابعاً: التعاون الصيني الشرق أوسطي في المجال الاقتصادي

تسعى الصين بقوة لتأمين احتياجاتها من النفط والغاز من الدول العربية، في ظل نمو حجم الطلب على الطاقة، والذى يبلغ نحو 4% سنوياً، وهو الأمر الذى يجعل الصين أكثر اهتماماً بتطوير علاقاتها مع الدول العربية والشرق أوسطية، خاصة دول الخليج العربية، والسودان، وهى الدول المنتجة والمصدرة للطاقة، في حين تُعد الأسواق الخليجية مهمة للصين لارتفاع القوه الشرائية بها، حيث تُعد سوقاً استهلاكية ضخمة، في حين تُعد مصر وإيران وتركيا أسواقاً ضخمة من حيث عدد السكان، ولتعدد الأنشطة المتبادلة وكثرتها بين الصين ودول منطقة الشرق الأوسط. وفيما يلي نستعرض جزءاً من النشاط في المجال الاقتصادي:

1. أسست الشركة السعودية الوطنية للنفط "آرامكو السعودية"، واحدة من أكبر منتجي النفط والكيماويات في العالم، شركتها الفرعية "آرامكو آسيا" في بكين، لتقديم خدمات تسويق النفط الخام والمواد الكيماوية، وتنسيق المشروعات المشتركة والمشتريات، والبحوث والتطوير، وإدارة المشاريع. وتمتلك شركة آرامكو آسيا حالياً أسهماً في مشروعين مشتركين في الصين، هما شركة "فوجيان" للمصافي والبتروكيماويات، وشركة "سينوبك سنمي" المحدودة للنفط، وتُعد الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط الخام في العالم، بينما تُعد المملكة العربية السعودية أكبر مورد للصين، وتدير شركة آرامكو السعودية أكبر احتياطات مؤكدة من النفط الخام التقليدي، ويقدر بنحو 259.1 مليار برميل.

2. لتعزيز دور الصين في تنمية الزراعة، بدخول المزيد من الاستثمار الصيني الى مجال الزراعة في السودان الغنية بالموارد الزراعية، كانت الصين والسودان أسستا مركزاً نموذجيا للتعاون الزراعي الصيني ــ السوداني في الفاو بولاية القضارف السودانية، عام 2011، من أجل تحسين سلالات المحاصيل الزراعية وتربيتها وتعميمها في أنحاء البلاد، ودخل هذا المشروع فترة التعاون الأساس المستمرة لثلاث سنوات، مع إدخال العديد من السلالات الجديدة للقطن والقمح والذرة والفول ودوار الشمس.

3. أطلق بنك دبي التجاري خدمة مصرفية جديدة مصممة خصيصاً لتوفير متطلبات مجتمع الأعمال الصيني وأفراد الجالية الصينية في دولة الإمارات من الخدمات المالية، ليصبح بذلك أول مؤسسة مالية في الخليج العربي توفر مثل هذه المنصة الشاملة، أن تطوير خدمة "تيينلنك" المصرفية الجديدة يأتي تماشياً مع النمو الكبير في المبادلات التجارية بين الإمارات والصين، وتحول الإمارات إلى مركز إقليمي متنامي الأهمية للشركات الصينية، التي تستهدف منطقة جغرافية واسعة، تشمل منطقة الشرق الأوسط، وشبه القارة الهندية، والجمهوريات السابقة في دول الاتحاد السوفيتي (السابق)، والعديد من دول القارة الأفريقية، إذ تلبى خدمة "تيينلنك" متطلبات الشركات المملوكة للصينيين في دولة الإمارات، التي يقدر عددها بنحو خمسة آلاف شركة، وأفراد الجالية الصينية الذين يصل عددهم إلى نحو 300 ألف شخص.

4. أقامت الصين 16 منطقة للتعاون الاقتصادي والتجاري على المستوى الوطني خارج البلاد، في الشرق الأوسط وأفريقيا ومناطق أخرى، وتعد منطقة شمال غرب السويس للتعاون الاقتصادي والتجاري الأولى من نوعها في منطقة الشرق الأوسط، إذ استوعبت المنطقة 38 مؤسسة، حتى نهاية عام 2011، وبدأت تظهر منافعها الاجتماعية والاقتصادية بعد أكثر من ثلاث سنوات. وحتى نهاية عام 2011، وصل حجم الاستثمارات التراكمية في المنطقة إلى 49.405 مليون دولار أمريكي، حيث أظهرت الأرقام الإحصائية لشركة "تيدا" للاستثمارات الصينية والأفريقية، والمسؤولة عن تنمية منطقة شمال غرب خليج السويس، أن حجم الاستثمارات في المنطقة بلغ 72% من إجمالي الاستثمارات الصينية في مصر، عام 2011، وساهمت منطقة شمال غرب السويس في النمو الاقتصادي، سواء للصين أو لمصر، والحد من الفائض التجاري بين الصين وأفريقيا.

أبرز التحديات التي تواجه تعميق التعاون الصيني الشرق أوسطي

1. عدم وجود سياسة خارجية محددة أو رؤية إستراتيجية للدول الشرق أوسطية، مع اعتماد سياستها الخارجية على ردود الأفعال، واقتصارها على قرارات شخصية لا تراعى المصالح العامة للدولة.

2. ضعف التعاون الثقافي الإعلامي، والذي لا يرقى بتاتاً إلى مستوى العلاقات والمصالح الاقتصادية بين الطرفين والعلاقات التاريخية القديمة.

3. قلة عدد الباحثين بالشأن الصيني في دول الشرق الأوسط، نسبة إلى المختصين في الشأن الأمريكي والأوروبي، بالإضافة إلى قلة انتشار معاهد تعليم اللغات الصينية لدول الشرق الأوسط.

4. تردد الصين في إنشاء علاقات إستراتيجية على شكل تحالفات، خوفاً من أن يحدث تحركها رد فعل سلبي لدى الولايات المتحدة الأمريكية، فتدخل معها في دائرة صراع قبل أن تتهيأ لهذا الوضع.

ثامناً: المصالح والأهداف الأمنية والعسكرية الصينية في منطقة الشرق الأوسط

لطالما كانت الصين متحفظة من الناحية العسكرية، فكان الاهتمام الصيني ينصب بداية على الوضع الداخلي الاقتصادي والسياسي، لكن بعد أن بلغ الاقتصاد الصيني مرحلة متقدمة وضعته في مصاف الدول الكبرى، من حيث أرقام الدخل والادخار والاحتياطات الأجنبية من العملة الصعبة والتجارة الدولية، فلا بد أن تواكب القوة العسكرية الصينية الوضع الاقتصادي الذي يحتاج إلى تدعيم عسكري. فعلى الرغم من أولوية الأداة الدبلوماسية في تحقيق الأهداف والمصالح القومية للصين، إلا أنه أصبح هناك قناعة جازمة لدى قادة الصين بأن الأداة العسكرية أصبحت آلية محورية في لعب دور رئيس في دعم الأهداف والمصالح القومية للصين وتأكيدها.

رغم أن الصين تُعد إحدى القوى العالمية الواعدة والمؤثرة على الساحة الدولية إلى حد كبير، إلا أنها لم تصل بعد لنقطة التكامل في قدراتها الشاملة، خاصة من منظور قدرتها التكنولوجية والعسكرية رغم الجهود الكبيرة المبذولة لتطويرهما، ففطنت الصين إلى صغر حجم مشاركتها في سوق السلاح الدولية، وتمشياً مع سياسة الانفتاح وتطوير الفكر الاقتصادي الصيني، فقد واكبه تطور مماثل في الصناعات العسكرية الصينية حتى يمكنها أن تحصل على نصيبها من سوق السلاح العالمي، أدى ذلك إلى الانفتاح للحصول على التقنيات الحرجة والحديثة، من منطلق السعي لتحديث صناعاتها العسكرية، من خلال التعاون على عدة مسارات، مسار التصنيع المشترك، ومسار الحصول على تقنيات التسلح الحديثة من الشرق والغرب، خاصة روسيا الاتحادية والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، وذلك من أجل نقل التقنيات المتقدمة، ثم توطينها وصولاً إلى تقنية صينية.

أكد نائب مدير مكتب الشؤون الخارجية لوزارة الدفاع الصينية، الجنرال "تشيان لي هوا"، قائلاً: "مازالت بلادنا تواجه تحديات خارجية معقدة في الوقت الحالي والمستقبل، على حد سواء، فعلينا تعزيز علاقاتنا العسكرية مع الخارج للارتقاء بمستوى التعاون العسكري، وتوسيع مجالات التعاون العسكري الدولي، ومواصلة الإصلاحات في بعض المجالات لتحفيز حيوية الدبلوماسية العسكرية، وإطلاق الدبلوماسية العسكرية ذات الخصائص الصينية، واستخدام ذلك لحماية سيادة الدولة وأمن الوطن والحفاظ على مصالحه".

بناءً على ذلك تكمن المصالح والأهداف الصينية في منطقة الشرق الأوسط في المجال الأمني والعسكري، في التعاون مع دول المنطقة بحاجتها إلى التكنولوجيا العسكرية المتقدمة، وتطوير وتنمية التعاون العسكري العربي الصيني، ودعم التصنيع الحربي والتصنيع المشترك للأسلحة وقطع الغيار، للاستفادة من السوق العربية لتصريف منتجاتها، في إطار العلاقات المتبادلة.

1. التعاون الأمني والعسكري الصيني مع المملكة العربية السعودية

بدأت العلاقات الصينية ــ السعودية، في منتصف وأواخر الثمانينيات، عبر صفقات عسكرية وتجارية، تضمنت تزويد المملكة العربية السعودية بصواريخ بالستية متوسطة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية، ويبلغ مداها ثلاثة آلاف كم، وهي قادرة نظرياً على الوصول إلى معظم مناطق الشرق الأوسط، وبناء عدة منصات صواريخ في جنوب الرياض.

في عام 1991، ساعدت الصين المملكة العربية السعودية على تطوير رؤوس حربية كيماوية. وفي عام 1992، ورد العديد من التقارير الأمريكية عن قيام الصين بمساعدة المملكة على تطوير قدراتها النووية. وتُعد المملكة العربية السعودية من أكثر بلدان العالم شراء للأسلحة، وهي الأولى بالتأكيد في منطقة الشرق الأوسط.

التعاون الإستراتيجي السعودي الصيني، الذي ينص على أن تقوم المملكة العربية السعودية بزيادة حجم صادرات النفط للصين، لكي تقوم الصين ببناء مخزون إستراتيجى. هذا دور المملكة العربية السعودية، أما دور الصين أن تقوم ببيع ونقل التكنولوجيا العسكرية للمملكة العربية السعودية، لكي تبنى صناعة عسكرية خاصة استناداً على التكنولوجيا الصينية، وتهدف الصين من تشكيل هذا الحلف لتأييد سياساتها بخصوص استعادة المناطق الصينية المقتطعة منها، وخاصة جزيرة "تايوان"، بالإضافة إلى محاولة تشكيل تكتل جديد في مواجهة تكتل حلف شمال الأطلسي.

2. التعاون الأمني والعسكري الصيني مع دولة السودان

دعمت الصين الحكومة السودانية، التي لجأت إليها طلباً للسلاح، وقدمت بكين للحكومة السودانية أسلحة مصنعة في الصين، في مقدمتها الدبابات والقاذفات، والأسلحة المضادة للطائرات، والطائرات العمودية، والمدافع الرشاشة، وراجمات الصواريخ، والذخائر. كما ساعدت الخرطوم على إنشاء مصانع للأسلحة الصغيرة المعروفة باسم مصانع التصنيع العسكري، لتواجه بها الحاجة الى السلاح، بعد فرض حصار اقتصادي على السودان يحظر عليه بموجبه استيراد الأسلحة من الدول الغربية.

ترسم الصين أهدافها الاستثمارية الثنائية على المستوى الاقتصادي والسياسي والعلاقات البينية التي تقيمها مع الدول الأفريقية، وفق خبراء مختصين في الشأن الصيني، على مرسوم صيني رسمي، صدر عام 2006، يحمل عنوان "السياسة الصينية تجاه أفريقيا"، ويحدد هذه المرسوم أهداف الصين في خلق شراكة إستراتيجية جديدة مع دول القارة، وتشترط هذه السياسة أن ترسى العلاقات الرسمية الصينية مع دول القارة على التزامٍ وتعهدٍ بمبدأ الصين الواحدة في التعاون مع جمهورية الصين الشعبية، أي عدم الاعتراف بتايوان، بجعل ذلك المبدأ هو حجر الأساس الذى تقوم عليه تلك العلاقات الثنائية. والملاحظ أنه مع زيادة الاستثمارات الصينية في صناعة النفط بالسودان، يزداد التعاون العسكري بين الدولتين.

3. التعاون الأمني والعسكري الصيني مع بعض الدول العربية

أ. منذ عام 2005، زار وزراء الدفاع ورؤساء أركان الحرب العامة ورؤساء هيئات الأركان المشتركة من مصر وسلطنة عمان وتونس وغيرها، الصين، وفي المقابل رد قادة الجيش الصيني بزيارات مماثلة إلى الدول العربية، ممثلة بالكويت والمملكة العربية السعودية وقطر وغيرها. كما أقام الجيش الصيني آلية لتبادل زيارات كبار الضباط مع سورية ومصر والأردن ولبنان، وذكر "تشيان" نائب رئيس اللجنة العسكرية التابعة للجنة المركزية للحزب الشيوعي، أن التبادل العسكري رفيع المستوى يعزز العلاقات بين الصين والدول العربية، ويرسى أساساً للتبادل والتعاون العسكري بين الطرفين، كما يسهم في دفع التطورات متعددة المستويات والمجالات للعلاقات العسكرية الثنائية.

ب. بفضل دفع التبادل رفيع المستوى يلتحق كثير من الطلبة العرب الوافدين بجامعة الدفاع الوطني لجيش التحرير الشعبي الصيني وغيرها من الجامعات العسكرية والمعاهد الفنية، لإعداد الأكفاء المتخصصين للدول العربية، فضلاً عن ذلك، أجرت بعثات الجامعات العسكرية العربية من عمان والإمارات والمملكة العربية السعودية وسورية والأردن ومصر، نشاطات تعليمية متبادلة في جامعة الدفاع الوطني الصينية، وجامعة الهندسة لجيش التحرير الشعبي الصيني وغيرهما.

ج. في عامي 2009 و2010، أقام الجيش الصيني مع الجيشين المصري والإماراتي آلية للتشاور حول أمور الدفاع والأمن، يتبادل الجانبان بموجبها الآراء بصورة دورية حول الوضع الأمني الإقليمي والدولي، والعلاقات العسكرية الثنائية، وغيرها من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك.

د. يتمتع التبادل العسكري بين الصين والدول العربية بدرجة من التكامل كبيرة تخدم مصالح شعوب الجانبين، ويشير تاريخ هذه العلاقات العسكرية إلى أن الجيوش بمختلف توجهاتها ونظم مجتمعاتها وجنسياتها يمكنها أن تعزز التعاون والتضامن، على أساس المساواة والمصالح المتبادلة، وتسهم في المحافظة على السلام والاستقرار الدائمين في العالم.

4. التعاون الأمني والعسكري الصيني مع إسرائيل

شهد عام 1980، أول صفقة علنية بينهما، ليصبح المجال العسكري هو القاعدة الصلبة التي تنمو من خلاله باقي المجالات. في هذا الإطار بدأ تطور ونمو العلاقات بين البلدين، بدءاً من هذا العام. ففي نوفمبر 1980، زار وفد إسرائيلي الصين لدراسة بيعها تقنيات متقدمة.

في عام 1983، شاركت عناصر عسكرية إسرائيلية في تحديث بعض قطاعات الجيش الصيني، واكب ذلك عقد الصين صفقة عسكرية مع إسرائيل قيمتها مليار دولار، حصلت بموجبها على 54 طائرة من نوع كافير، وعلى عدد من الدبابات الميركافا، وصواريخ جبرائيل، ومعدات إلكترونية مختلفة، بالإضافة للخبراء العسكريين الإسرائيليين.

في عام 1984. أُعلن أن عقوداً عسكرية أخرى تزيد قيمتها على ثلاثة مليارات دولار عُقدت بين البلدين.

في عام 1985، عقدت صفقة أخرى بين البلدين، غيرت إسرائيل بموجبها عدداً من مواسير الدبابات الصينية B-62، لتعمل بالمدفع 105 مم الإسرائيلي.

في عام 1986، أنتجت الصين الصاروخ المضاد للدبابات SL-8 بفضل التقنية الإسرائيلية. وفي العام نفسه طورت إسرائيل المقاتلة الصينية F-8، كما جرى الاتفاق بينهما على تحديث الدبابة الصينية T-59 بالاستفادة من تقنية الدبابة ميركافا، وكذلك عملت إسرائيل بمساعدة الصين على تطوير وبناء غواصة تقليدية من نوع Song.

استمرت العلاقات في التطور التدريجي إلى أن شهدت طفرة كبيرة، خلال الخمس السنوات الماضية، تركزت في تطوير تصنيع التقنية للطائرات المقاتلة والغواصات ونقلها بخبرة إسرائيلية، والتعاون في مجال تصنيع الصواريخ البالستية من حيث المدى وأنواع الوقود وإمكانات التتبع، ونقل الخبرة الإسرائيلية، والمعاونة في تطوير منظومات التسليح ذات التقنية المتقدمة، خاصة بالنسبة لاستخدامات الليزر والذخائر الذكية.

أثمر ذلك عن عدد من مشروعات التعاون العسكري الرئيسة، كالتعاون المشترك عام 1997، لتصنيع طائرة مقاتلة صينية F-10 بالاستفادة من تقنية الطائرة لافي، وتعاون مشترك عام 1998، لإنتاج طائرة مماثلة للطائرة الروسية MiG-29 والطائرة FC-1، بعد إدخال تعديلات إسرائيلية عليها. كما عملت إسرائيل، عام 1999، على تجهيز طائرة روسية اليوشن IL-76 لتحويلها إلى طائرة إنذار مبكر (بقيمة 250 مليون دولار)، وكذلك التعاون في تطوير نظام رادار فالكون.

5. التعاون الأمني والعسكري الصيني مع إيران

بدأت العلاقات العسكرية بين البلدين بعد أن توجهت إيران إلى الصين، بهدف تعظيم قدراتها العسكرية، بعد تعرضها لخسائر كبيرة وجسيمة خلال حربها مع العراق، في ظل حظر قطع الغيار، نتيجة اقتصار معظم التجهيزات الإيرانية على النوع الأمريكي. فاستجابت الصين لهذا التوجه وعملت على مساعدة إيران.

جاءت الصين في المركز الثاني بعد روسيا في توريد السلاح إلى إيران، طوال الفترة من عام 1995 إلى عام 2005، إذ وردت الصين 18% من احتياجات إيران العسكرية، كما قدمت خبرات عملية نادرة لمصانع السلاح الإيرانية.

استمرت الصين في تزويد إيران بالمساعدات اللازمة في مجال تكنولوجيا الصواريخ، كما زودتها بالمعدات اللازمة لتطوير مصانع الأسلحة والذخيرة الإيرانية، فضلاً عن المساعدات ونقل الخبرات في المجال النووي.

تاسعاً: المصالح والأهداف الاجتماعية الصينية في منطقة الشرق الأوسط

تمثل الصداقة بين الشعوب إحدى حقائق السياسة الدولية، رغم أنها لا تعد من الحقائق المادية الملموسة التي تقاس من خلالها قوة الدولة، ولكن بالنسبة للعلاقات الصينية الشرق أوسطية، فإن الصداقة تُعد أحد أعمدة الحركة للصين، وهي أحد مصادر القوة لدول الشرق الأوسط، إذ أثبت التاريخ هذه الحقائق.

بدأت جمعية الصداقة الصينية العربية، في ديسمبر 2001، تحت رئاسة "تيمور دمواتى"، وهو من إحدى قوميات الصين الإسلامية، وكان يشغل منصب نائب رئيس المجلس الوطني لنواب الشعب، وكان الهدف وراء ذلك هو الدفاع عن الوجه العربي في الشارع الصيني، بعد أن تأثر عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، وهدفها اظهار وجه آخر للعالم العربي في الصين، وربط هاتين الثقافتين العريقتين ببعضهما، كما كانتا مترابطتين تاريخياً، خصوصاً مع الإمبراطورية العربية.

تحرص الجمعية على زيادة التبادل التجاري، والثقافي، والاستثماري بين المنطقتين العربية والصينية، كما تأمل في أن تصبح هناك مواءمة بين المدن العربية والصينية، وتم الإعلان عن تدشين الجمعية في العاصمة الصينية بكين بحضور وفد من المسؤولين والسفراء العرب والصينيين، وممثلين من دول إسلامية عديدة، وإرسال وفد من الصينيين والعرب ليجوبوا الصين، ثم المرور بآسيا الوسطى، ومن ثم إلى المناطق العربية كلها.

1. التعاون الصيني في المجال الاجتماعي والثقافي والإعلامي

أ. التعاون الصيني في المجال الثقافي والحوار الحضاري

(1) الاتفاق على مواصلة الجهود الصينية العربية لتطوير التعاون والتواصل الثقافي وتعزيزه على المستوى الثنائي ومتعدد الأطراف.

(2) إقامة الفعاليات الثقافية مثل المعارض والعروض الفنية والأيام والأسابيع الثقافية، بحسبان أنها تسهم في تدعيم التعارف والصداقة بين الشعبين الصيني العربي.

(3) وضع خطة عمل لاستخدام وسائل التقنية والمعلومات الحديثة في تحويل الثقافة التقليدية إلى ثقافة إلكترونية، وتأسيس مكتبة إلكترونية صينية عربية على شبكة الإنترنت، لتقديم معلومات في شتى المجالات عن الجانبين.

(4) وضع برنامج لترجمة أهم المصنفات لدى الجانبين من مختلف جوانب المعرفة، من وإلى اللغتين الصينية والعربية.

(5) إقامة تعاون مشترك بين المؤسسات والهيئات الثقافية من الجانبين (اتحاد الكتاب والمؤلفين والناشرين والمكتبات الثقافية)، ووضع برنامج لتبادل الزيارات، والتعاون في مجال الآثار تنقيباً وبحثاً وتنسيقاً.

ب. التعاون في المجال الإعلامي

(1) التعاون بين الجانبين في مجال الإعلام والنشر وتعزيز التواصل، من خلال تبادل الزيارات المشاركة في الاجتماعات الدولية ذات الصلة، وتقديم التسهيلات للصحفيين المعتمدين بين الجانبين.

(2) عقد ندوة التعاون الإعلامي الصيني العربي، لتوثيق أواصر التفاعل بين الجانبين.

(3) تشجيع تبادل المواد والبرامج الإعلامية المسموعة والمرئية والمكتوبة بانتظام.

(4) التعاون بين المؤسسات الإعلامية الصينية والعربية، والعمل على تعزيز التعاون في المجالات التقنية والمهنية واللغوية بين محطات الإذاعة والتلفزيون في الجانبين.

ج. التعاون في مجال التعليم العالي والبحث العلمي

(1) تبادل المعلومات بين الجامعات العربية ومؤسسات البحث العلمي العربي والجامعات الصينية، فيما يخص:

(أ) الأبحاث الجارية فيها ووسائل تطبيق نتائجها في مختلف الميادين.

(ب) الكتب والدوريات الصادرة عن هذه الجامعات.

(2) الزيارات العلمية لأساتذة الجامعات ولطلبة الدراسات العليا بين الجانبين.

(3) التعاون في مجال البحوث العلمية بين الجامعات ومراكز البحث العلمي العربية والجامعات الصينية.

(4) التعاون في مجال إعداد الكوادر وتبادل الأساتذة والطلاب بين الجانبين.

(5) زيادة عدد المنح الدراسية التي يمنحها كلا الجانبين لاستضافة خبراء الجانب الآخر وباحثيه، ولا سيما لطلبة الدراسات العليا في الجامعات والمعاهد العليا، ومراكز البحث العلمي في كل منهما.

(6) دعم التعاون الثنائي والتبادل العلمي والتعليمي بين الجهات الرسمية والجامعات الصينية والدول العربية في إطار منتدى التعاون العربي الصيني.