إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مصالح جمهورية الصين الشعبية وأهدافها في منطقة الشرق الأوسط، والرؤية المستقبلية لدورها حتى عام 2030






منطقة الشرق الأوسط



الفصل الأول

المبحث السادس

الرؤية المستقبلية لجمهورية الصين حتى عام 2030

لماذا تعد الصين هي قصة العالم الكبرى؟ الواقع أنه بغض النظر عما انتهى إليه القرن الماضي، على صعيد تحطيم الدول ونشوء دول أخرى، وتحطم الأيديولوجيات وازدهار غيرها، إلا أن المؤرخين المستقبليين ترنو أنظارهم إلى اتجاه إقليم معين، يرون فيه كل تباشير المستقبل المزدهر، ألا وهو الإقليم الآسيوي، وحاضرته الكبرى الصين، الموعودة بأكبر نصيب فيما يبدو من ذلك الازدهار، الذي ربما قادها إلى ما يشبه مجدها الماضي.

غداً يصبح الاسم الأكبر في هذه الدنيا هو اسم الصين، ذلك أن خُمس سكان العالم يسكنون هناك، وهؤلاء يكونون 1.4 مليار نسمة، كلهم إلا هامشاً محدوداً منهم لا يُذكر، أفراد عمليون ألفوا خشونة العمل الشاق المنتج، وبلادهم غنية بكل المصادر الطبيعية، ذات القيمة الفائقة. ولحسن حظهم انحسرت الآن ظلال الايدولوجيا الشيوعية المتطرفة، وكذلك انتهت عهود أمراء الحرب، وعهود الإقطاع، وجميع العقبات التاريخية الأخرى.

حسب تقارير البنك الدولي، فإن نحو 170 مليون صيني خرجوا من إسار الفقر خلال العشرين سنة الماضية، وهذا أكبر رقم لمجموعة بشرية تتحرر من الفقر خلال أي فترة أخرى من تاريخ الإنسان، وهكذا استيقظت الصين أخيراً من الكوابيس المزعجة، وهذه مجرد علامات اليقظة، وربما الانتفاض، فكيف بالسير الحثيث، أو القفز الأعظم إلى الإمام.

باستخدام مقاييس متنوعة للقوة الشرائية، يتبين لنا أن الصين أصبحت الآن، إما القوة الثانية في العالم، أو الثالثة على أسوأ تقدير، على الرغم من أن المواطن الصيني لا ينال من كدحه ذاك أكثر من 530 دولاراً في العام (بالمتوسط)، أي ما يوازي مستوى الدخل السنوي للمواطن في إريتريا أو زيمبابوي، أو ما يعادل ثٌمن متوسط الدخل السنوي للمواطن في المكسيك. ولكن كثيراً من الاقتصاديين يعتقدون أن معدل الدخل السنوي الفردي في الصين، يمكن أن يتضاعف مرتين أو ثلاث أو خمس مرات أو ربما أكثر، خلال العشرين عاماً المقبلة.

المعدل الحالي تضاعف ست مرات خلال العشرين عاماً الماضية، وإذا كان ذلك قد حدث على الرغم من الظروف السيئة نسبياً، فماذا يمنع من حدوث ذلك في المستقبل، في ظل تحسن مطرد لكل الظروف والمعطيات.

أولاً: عواقب النجاح والفشل

1. إن نجاح المطامح والمجهودات النهضوية الجبارة أو فشلها لن يؤثر على الصين وحدها، وإنما على كل فرد في أنحاء المعمورة، بصورة يصعب تقديرها وحسابها.

2. إن أسعار الطعام والطاقة عبر العالم ستشهد ارتفاعاً واضحاً، وسيؤثر النجاح الصيني سلباً على الوضع البيئي العالمي.

3. أما إذا فشلت الصين في تحقيق استقرارها ونهضتها، فإن ذلك سينعكس أيضاً، وبصورة فظيعة ومريعة على بقية العالم. فالصين ليست كبقية الأقطار الفقيرة التي تعاني من حالة عدم الاستقرار، وأنها قطر يملك ترسانة من الأسلحة النووية، ولها مخزون غير معروف القدر من الأسلحة الكيميائية، والبيولوجية. ويوم تدخل الصين في دورة تمزق. أو حرب أهلية، وتفقد السيطرة على تلك الأسلحة المرعبة، فإن ذلك سيكون وبال على الإنسانية بأسرها.

إن المحللين السياسيين المتشائمين يرسمون صوراً قاتمة للمحيط الهادي، يوم تنهض الصين، وتشتبك في صراع عسكري مع الهند، طلباً لتحديد من هو الأقوى، ومن هو السيد المطاع في جنوب آسيا. ويوم تشتبك في حرب مع اليابان تصفية لحساباتها التاريخية معها، أيام كانت اليابان تستبيح الصين، وتنهب خيراتها، وتقتل جموع الصينيين كأسراب الذباب. ويوم تشتبك في صراع أو حرب مع فيتنام وإندونيسيا حول ملكية الجزر النفطية، ويوم تصارع روسيا حتى تنتزع منغوليا وسيبيريا، والموانئ التي لا تزال الصين تعتقد أنها جزء لا يتجزأ من جغرافيتها. كل هذه احتمالات واردة على الرغم من أن تاريخ الصين تاريخ سلمي ولا توجد سوالف تاريخية توسعية للصين، ولكنها قد تخوض حروباً مستقبلية مثل هذه، ليس بإيحاء التوسع، وإنما بتسويات الحرب العادلة.

هذا إذا ما تضاعفت أقدار القوة الصينية. أما إذا قُدر للصين، أن تدخل مرحلة فوضى عارمة، فقد تتمزق كما يتنبأ البعض إلى أربع دويلات معينة، وهنا لا يمكن التحكم في علاقات تلك الدويلات مع بعضها البعض، الأمر الذي ستنجم عنه مآس ما عرف لها تاريخ الإنسان من مثيل.

في تقرير صدر من الأكاديمية الصينية للعلوم في الصين، ويفرد رؤية متفائلة للبلاد بعد 50 عاماً، تعتمد فيه التوقعات على أن الصين تمر بمرحلة انتقال من مجتمع زراعي أساساً إلى مجتمع اقتصادي قائم على العلم والمعرفة، مع الحفاظ على معدل نمو قوي يصل إلى نسبة 9%. مشيراً إلى أن الصين متخلفة عن الولايات المتحدة الأمريكية بنحو 100 سنة، وأن تحقيق الأهداف سيكون تحدياً، وأن التحضر السريع يمكن أن يجلب الويلات البيئية. اتفق المراقبون في الولايات المتحدة الأمريكية على أن الصين لديها الإمكانات لتحقيق هذه الرؤية الاقتصادية، وأفرد "البنتاجون" الصين بوصفها البلد الوحيد ذا القدرة على الظهور منافساً عسكرياً، وحذر الساسة الأمريكيين أن اقتصاد الصين سوف يتفوق على الولايات المتحدة الأمريكية، بحلول عام 2050، وسوف تتمكن الصين من استئصال الفقر وتأسيس نفسها قوة عالمية.

إذا كان يمكن الحفاظ على معدل 9% الحالية للنمو الاقتصادي، فإنه يتنبأ بان متوسط الدخل للفرد في الصين سيرتفع إلى 1300 دولار (750 جنيه إسترليني)، أي نحو عشر مرات قدر المستوى الحالي، بحلول عام 2050.

وفي تقرير منفصل، لمجلس الدولة الصيني (لمجلس الوزراء)، أعلنت عن خطط لزيادة الاستثمار في الطاقة النظيفة والطاقة، بحلول عام 2030، ليتحقق الاكتفاء الذاتي للصين.

ثانياً: الدور الذي تلعبه الشركات متعددة الجنسيات والعابرة للقارات في مستقبل الصين

منذ لقاء "هنري كيسنجر" وزير الخارجية الأمريكي بكل من "ماوتسي تونج" و"شو إين لاي" في بكين، في عام 1972، أصبحت الصين تنفتح بزاوية تنفرج باستمرار على العالم أجمع، وخاصة على العالم الأمريكي، مركز القوة السياسية والتكنولوجية الأهم في العالم.

وعقب موت "ماو" ازداد انفراج زاوية الإطلالة الصينية على العالم. ومنذ يوم أن وصل "دنيج شياو بينج" إلى السلطة، توطدت سياسة الإصلاح الاقتصادي والانفتاح الخارجي، وأصبحت الدراسات الصينية من أروج دراسات العلوم السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية، وإن كانت الدراسات الأولى تُعد خطيرة ومشبعة بنكهة أيديولوجية عدائية صارخة، إلا أن خط تلك الدراسات أصبح يجنح نحو الموضوعية.

وعندما أصبحت الصين تلوح قطراً يزداد قوة وثروة مع كل عام جديد، ويفرض نفسه في مدارات السياسة العالمية، أصبح على الدارسين الأمريكيين أن يتعاملوا مع تلك التطورات بمنتهى الجدية، لا سيما وأن الأمر أصبح يتطلب مراقبة نمو الصين الاقتصادي والعسكري مراقبة وثيقة، وإعداد دراسات متوالية عنه، والتنبؤ قدر الإمكان بمستقبله.

كانت الصين هي الحريصة على فتح أبوابها في وجه الغرب، ودوافعها إلى ذلك كانت اقتصادية إلى حد بعيد، أما الولايات المتحدة الأمريكية فلم تكن أقل حرصاً إن لم تكن أشد على الانفتاح على الصين، لكن دوافعها كانت سياسية في المقام الأول.

كان هدف الصين تحديث الاقتصاد والتكنولوجيا. أما هدف الولايات المتحدة الأمريكية فكان يتخلص في إبعاد الصين أكثر عن الاتحاد السوفيتي خلال سنوات الحرب الباردة. ثم دارت سنوات ربع القرن الماضي، فإذا أهداف الولايات المتحدة الأمريكية تنقلب تماماً لتصبح اقتصادية الطابع، بعد أن فقدت قضايا الاستراتيجية القديمة أهميتها.

أصبحت الشركات متعددة الجنسيات وعابرة القارات، وهي شركات أمريكية في الأصل وذات نفوذ في أروقة السياسة في واشنطن، أصبحت تلك الشركات هي التي تصوغ سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين.

تركت تلك الشركات للحكومة الأمريكية، في الكونجرس، والبيت الأبيض، ووزارة الخارجية، حق الحديث المكرر عن حقوق الإنسان في الصين، وعن حاجة الصين إلى أن تخطو بخطوات أسرع في سبيل الديموقراطية... الخ، لكن جوهر سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين أصبحت اقتصادية، تصوغها وتتبناها وتدفع بها إلى حيز التنفيذ تلك الشركات الأمريكية العملاقة، التي تستثمر في الصين ليكشف صراحة عن ارتباط تلك الشركات حتمياً بالصين.

ثالثاً: الصين قوة فضائية كبيرة

شهد العقد الأخير تقدماً كبيرا في النشاط الفضائي في دول جنوب وجنوب شرق آسيا، سواء في إنتاج الأقمار الصناعية وخدماتها، أو في إطلاق المركبات الفضائية، وهو ما يرشح تلك المنطقة لتصبح قوة فضائية عالمية منافسة للولايات المتحدة الأمريكية. تمثل الصين واليابان والهند قوي فضائية صاعدة ومتنافسة على نحو يعبر عن تحول للقوة الاقتصادية والجيوسياسية باتجاه آسيا، وبروز توجهات عسكرية واستراتيجية لاستخدام الفضاء الخارجي. وينعكس ذلك على نمط علاقات هذه الدول إقليمياً ودولياً، وعلى طبيعة دورها في مستقبل النظام الدولي.

أكدت الصين، في وثيقة أصدرتها عام 2002، أن الهدف من برنامجها الفضائي هو الحفاظ على مصالحها القومية، وتنفيذ إستراتيجيتها في التنمية، وتنفيذ سياسة دفاعية قوية، واستكشاف الفضاء لتوظيفه لخدمة الأغراض السلمية، والخوف من تمكن الولايات المتحدة الأمريكية من الاستعداد لحروب الفضاء في المستقبل.

تعتزم الصين إقامة قاعدة لها دائمة على سطح القمر، والقيام بتطوير أنظمة التشويش والتعطيل لأنظمة تحديد المواقع، وبناء وتصميم مركبات تعمل بوصفها جسماً طفيلياً لتدمير تكنولوجيا الأقمار الصناعية، فضلاً عن تدعيم إمكاناتها في مجال إطلاق الأقمار الصناعية المختلفة.

تعد الصين ثالث بلد في العالم يبعث بالإنسان خارج الأرض، بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ويقدر أنها من الممكن أن تصبح قادرة على إرسال رواد فضاء للقمر، بحلول عام 2025، واستكشاف كوكب المريخ، وكوكب الزهرة، بحلول عام 2035، وبحلول ذلك الوقت ستكون الصين واحدة من الأمم الأكثر تقدماً في العالم في مجال استكشاف الفضاء والتكنولوجيا.

يمثل برنامج الفضاء الصيني تحدياً للولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان. ورغم أن الصين تتخلف عن مواكبة التقدم الأمريكي في الفضاء بما يزيد على أربعة عقود، فإنها تسير بخطي سريعة للحاق بالتفوق الأمريكي، وسد الفجوة بينها وبين روسيا. وتدرك الصين أن وضعها في القرن الحادي والعشرين يتطلب قدرة هائلة على امتلاك القوة الفضائية، التي تؤهلها لأن تصبح قوة عظمي في المستقبل، حيث سيصبح التفوق في مجال الفضاء معيار التفوق في القرن الجديد، كما كانت القوة البحرية هي معيار القوة في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والقوة الجوية في القرن العشرين.

رابعاً: السيناريوهات المحتملة لمستقبل الصين في حدود عام 2030

1. اقتصادياً

بدراسة الصورة المستقبلية للتوازن والترتيب بين القوي الاقتصادية الكبرى‏. وبناء على مستويات النمو المقارنة كان من المفترض أن تبدأ الصين في اللحاق بالولايات المتحدة الأمريكية من زاوية حجم الناتج المحلي الإجمالي، بعد الربع الأول من القرن الحادي والعشرين‏.

نهوض الصين والأفول الأمريكي واشتعال المنافسة الاقتصادية بين القوي الكبرى، والاستمرار القوي للنهوض الصيني رغم الأزمة الاقتصادية العالمية‏، والتراجع الأمريكي المستمر‏، واندلاع حرب العملات بين الشركاء الاقتصاديين الكبار‏، ‏وتصاعد الدعوات لإصلاح النظام النقدي الدولي الفاسد فعلياً والمعتمد على الدولار، الذي لا يملك أسس الاستمرار بصفة عملة احتياط دولية‏، كل ذلك مؤشرات مهمة على المستوى العالمي.

مع كل هذه المؤشرات أصبح من الضروري إعادة الحسابات من جديد حول صورة الترتيب الاقتصادي العالمي حتى نصيغ إستراتيجيتنا الاقتصادية وحتى السياسية، بناء على صورة مستقبلية صحيحة عمن سيملك القوة الاقتصادية التي تشكل الأساس المتين للقوة الشاملة لأي دولة‏.‏ وتشير بيانات البنك الدولي إلى أن الدخل القومي الإجمالي الحقيقي المحسوب وفقاً لتعادل القوى الشرائية‏،‏ بلغ في عام ‏2008،‏ نحو ‏14724‏ مليار دولار في الولايات المتحدة الأمريكية‏،‏ ونحو ‏7961‏ مليار دولار في الصين‏،‏ ونحو ‏3339‏ مليار دولار في الهند‏.‏ وانطلاقاً من هذا الحجم للناتج في كل دولة من الدول الثلاث‏،‏ يمكن تقدير الناتج المستقبلي لكل منها، بناء على متوسط معدل النمو السائد فعلياً، والمتوقع في هذه الدول الثلاث‏.‏

وفقا لبيانات صندوق النقد الدولي، فإنه خلال الفترة من عام ‏1989‏ -‏1998‏، بلغ متوسط معدل النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي الأمريكي نحو ‏3%‏ سنوياً‏، ‏ ونحو ‏2.5%‏ سنوياً، خلال الفترة من عام ‏1999‏ - 2010، وحتى قبل الأزمة المالية والاقتصادية الأمريكية، التي انفجرت عام ‏2008، ‏ فإنه بلغ نحو ‏2.5%‏، خلال الفترة من عام‏ 2000‏ -  2007. ومن ثم فإننا لو أخذنا معدل ‏3%‏ متوسطاً لمعدل النمو الحقيقي للناتج الأمريكي، خلال الثلاثين عاماً القادمة‏، ‏ فإننا نكون منصفين أكثر مما ينبغي بشأن التقديرات المستقبلية لحجم هذا الناتج. وبناء على حجم الدخل القومي الإجمالي الأمريكي، عام ‏2008، ‏ ومعدل نمو حقيقي بنسبة ‏3%‏ سنوياً‏، ‏ فإن هذا الناتج سيبلغ، في عام ‏2021، ‏ نحو ‏21.6‏ تريليون دولار بالأسعار الثابتة لعام ‏2008 (التريليون يساوي ألف مليار‏)، ‏ وسيبلغ نحو ‏33.6‏ تريليون دولار، عام ‏2036، ‏ ونحو ‏43.9‏ تريليون دولار، عام 2045‏.

بالمقابل ووفقا لصندوق النقد الدولي أيضا‏، ‏ فإن متوسط معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي للصين، بلغ نحو ‏9.8%‏ سنوياً، خلال الفترة من عام ‏1989‏ - ‏1998، ‏ وبلغ ‏10.1%‏ سنوياً، خلال الفترة من عام ‏1999‏ - 2010‏. وبناء على حجم الدخل القومي الصيني، عام ‏2008‏، والمشار إليه آنفاً‏، ‏ وبناء على معدل نمو حقيقي يبلغ ‏8%‏ فقط، وهو أقل كثيراً من المعدلات الفعلية التي تحققها الصين‏، ‏ فإن الدخل القومي الإجمالي الحقيقي للصين بالأسعار الثابتة لعام ‏2008، ‏ سيبلغ نحو ‏21.8‏ تريليون دولار، عام ‏2021، ‏ متجاوزاً نظيره الأمريكي لأول مرة في العصر الحديث‏، وفي عام ‏2036‏ سيبلغ الناتج القومي الصيني ‏69‏ تريليون دولار، متجاوزا ضعف نظيره الأمريكي‏، ‏وفي عام ‏2044‏، سيبلغ نحو ‏127.8‏ تريليون دولار، بما يساوي ثلاثة أضعاف الناتج القومي الأمريكي في العام نفسه. ومن المرجح أن تحقق الصين هذه التجاوزات قبل التواريخ المذكورة لأنها تحقق بالفعل معدلات للنمو أعلى من المعدل المتوسط، الذي اعتمدنا عليه في الحسابات لتفادي أي تأثيرات ناتجة عن أي ظروف طارئة باستثناء الحروب الكبرى‏.

حتى الاقتصاد الهندي الذي يحقق، منذ عام ‏2003‏، معدلات نمو مرتفعة‏، ويتجاوز معدل نموه ‏8%‏ في المتوسط سنوياً في الوقت الراهن‏، ‏ فإنه لو حافظ على هذا المعدل فإن الناتج القومي الهندي بالأسعار الثابتة، لعام‏ 2008، ‏سيبلغ نحو ‏39.1‏ تريليون دولار، عام ‏2040، ‏ متجاوزاً نظيره الأمريكي الذي سيبلغ نحو ‏37.9‏ تريليون دولار في العام المذكور‏.

فيما يتعلق بالحجم والنوع للصادرات التي تبين القدرة التنافسية للاقتصاد في علاقاته الدولية‏،‏ فإن الصين تتصدر دول العالم من زاوية قيمة صادراتها، وتليها ألمانيا، وتأتي الولايات المتحدة الأمريكية في المرتبة الثالثة في الوقت الراهن‏.‏ وحتى الصادرات عالية التقنية‏،‏ فإن بيانات البنك الدولي في تقريره عن مؤشرات التنمية في العالم‏،‏ تشير إلى أن صادرات الصين من تلك السلع بلغت ‏381.4‏ مليار دولار، عام ‏2008،‏ مقارنة بنحو ‏231.1‏ مليار دولار للولايات المتحدة الأمريكية في العام نفسه‏.‏ وحتى لو كان قسماً كبيراً من الصادرات الصينية عالية التقنية يجري إنتاجه من خلال شركات أجنبية تعمل في الصين‏،‏ فإنها في النهاية موجودة في الصين، التي وضعت شروطاً للاستثمارات الأجنبية لديها، تكفل لها السيطرة على الحلقة التكنولوجية‏.‏

حين بدا أن الإمبراطورية الأمريكية تفرض قواعدها ونموذجها على العالم اقتصادياً وسياسيا بصورة مباشرة، أو من خلال المؤسسات الدولية السياسية والاقتصادية، التي حققت ما تريده الإمبراطورية الأمريكية منذ عقدين من الزمن‏، ‏ وعندما بدا أنها تعزز سيطرتها العالمية من خلال استعادة النموذج الاستعماري بالغزو العسكري لبلدان أخرى، بصورة خارجة على القانون الدولي والمؤسسات الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الأمريكية، مثل مجلس الأمن الدولي، مثلما حدث في الغزو الأمريكي للعراق، عام 2003‏. عندما بدا كل ذلك مكملاً لصورة الإمبراطورية الأمريكية المهيمنة عالمياً‏، ‏ كان في الحقيقة وعلى العكس من تصور الإدارة الأمريكية الذكية ومنظريها المحليين في مصر وبلدان أخرى‏، ‏ يشكل بداية النهاية لهذه الإمبراطورية التي لا تقرأ دروس التاريخ، والتي تغرق بالفعل في مستنقع أفعالها اقتصادياً.

يرى العالم أن آسيا ستتمتع بقوة أكبر من الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 2030. ويتوقع التقرير الاستخباراتي الأمريكي احتمال أن يشهد عام 2030، تفوقاً كبيراً للدول الآسيوية، وعلى رأسها الصين على اقتصادات الدول الغربية. ما يعني أن الصين يمكنها أن تحل محل الولايات المتحدة الأمريكية قوة عظمى.

إن تفوق الناتج القومي للصين على الولايات المتحدة الأمريكية ليس تقييماً جديداً، والحديث يجري عن هذا الموضوع منذ سنين، وكثرت هذه التوقعات من خلال مؤشرات عديدة. فالصين قادرة على اللحاق بالولايات المتحدة الأمريكية، إذا ما قارنا حجم الاقتصاد، وسوف تتقدم عليها. ولكن مؤشر الناتج القومي لكل فرد سيكون أقل من الولايات المتحدة الأمريكية، أي أن مستوى معيشة المواطن في الصين والهند، سيكون أقل من مستوى المعيشة في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى في عام 2030.

2. سياسياً وامنياً

أحد المشاهد المطروحة لمستقبل التحالفات الأوراسية، هو مشهد نشوء كتلة أوراسية تضم الصين والهند وروسيا، وهو المشروع الذي سبق أن أشار إليه "بريماكوف" رئيس وزراء روسيا الأسبق.

المشروع الهندي الكبير مع الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن المشهد الأكثر احتمالاً هو مشهد التصادم التدريجي بين المحور الأمريكي ــ الياباني ــ الهندي ــ من ناحية، والصين من ناحية أخرى، وهو مشهد يتسم بالأرجحية لعدة اعتبارات، أهمها أن الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في عدم إعطاء الصين الفسحة الزمنية التي تحتاج إليها لالتقاط الأنفاس، وتحقيق رحلة الصعود، وتقوم تدريجياً ببناء حلقة من مناطق التمركز حول الصين، تتمثل في وجودها العسكري في آسيا الوسطى، على مقربة من حدود الصين الغربية، وهى موجودة بالفعل في اليابان والمحيط الهندي على حدود الصين الشرقية، وعلى حدودها الغربية في قيرغيزستان.

وهناك من المؤشرات من تصريحات القادة الأمريكيين ما يدل على أن وتيرة هذا الصدام في تصاعد مستمر، وتستخدم الولايات المتحدة الأمريكية أوراقاً متعددة في هذه العملية، كورقة حقوق الإنسان في الصين، وورقة كوريا الشمالية. وبدأت في استخدام الورقة النفطية للضغط على المصالح النفطية الصينية في الخارج.

ومن ثم فإن الصراع العالمي القادم سيكون الأرجح صراعاً أمريكيا يابانياً هندياً، في مواجهة الصين، وسيكون هذا الصراع مفروضاً على الصين، وربما تنجح الصين في تأجيل هذا الصراع لأطول فترة زمنية ممكنة، ولكن ربما لا تنجح في ذلك إذا ضغطت الدولتان على الصين في ملف كوريا الشمالية، ومحاولة استهدافها عسكرياً، ذلك أن من يسيطر على كوريا الشمالية يهدد أمن الصين مباشرة، ولذلك ربما كانت كوريا الشمالية شرارة الصراع القادم، وليس تايوان.

كذلك يحتمل تبلور هذا الصراع في شكل الضغط القوى على المصالح النفطية الصينية، في أفريقيا ومنطقة الخليج العربي، أو يكون تهديداً مباشراً لطرق نقل هذا النفط عبر البحار الدولية.

خامساً: الاحتمالات الجيوسياسية الدولية

تنطلق التقارير عن الوضع الراهن، وتسرد سيناريوهات متوقعة كالآتي:

1. السيناريو الأول

يظهر أن الولايات المتحدة الأمريكية ستتجاوز مشكلاتها وستكون في طليعة دول العالم، كما هي الآن، وستهيمن عليه.

2. السيناريو الثاني

عدم تجاوز الولايات المتحدة الأمريكية لمشكلاتها، ولن تبقى مهيمنة على العالم، ويتكون لدينا عالم متعدد الأقطاب، تسوده المنافسة والصراع واللا استقرار.

3. السيناريو الثالث

يقول إن الولايات المتحدة الأمريكية ستتجاوز مشكلاتها جزئياً، وسيتقلص نفوذها، ولكنها لن تكون الدولة الأقوى في العالم.

4. في أحد السيناريوهات الأخرى

من المنتظر، في عام 2030، بزوغ حلف آسيوي جديد، أو الصين بمفردها، ستحكم العالم في مقابل احتمال ضعيف لاستمرار قيادة واشنطن للنظام العالمي، في حال انفجرت حرب باردة بين القوى الآسيوية الصاعدة، أهمها الصين والهند. كما أن التاريخ نفسه من المتوقع أن يسجل انفجار الطبقة الوسطى في العالم، وانتشار قوى جديدة بعيدة عن الغرب، مع ارتفاع احتمالات صراعات داخلية في الدول.

حدد تقرير المخابرات الأمريكية "البديلين العالميين لقيادة الولايات المتحدة الأمريكية للعالم مستقبلاَ"، وقدم مفاتيح الاتجاهات العليا التي ستشكل مستقبل النظام الدولي، حيث توقع أن الصين ستصبح أكبر اقتصاد في العالم، والهند ستصبح أكبر محرك لنمو الطبقة المتوسطة على الأرض.

5. وجود سيناريوهات لارتفاع الصراع بين عدد من القوى الأسيوية

من المحتمل أن يتعرض السلام الإقليمي للخطر. وأن مستقبل القيادة الأمريكية للنظام الدولي سيشهد اختبارا أكثر حسماً أمام مستقبل نفوذ آسيا، التي تضم عمالقة ناشئة، مثل الهند وإندونيسيا، وستكون الصين منافساً كاملاً للولايات المتحدة الأمريكية، مع خطورة ميل كبير لمركز الاقتصاد الدولي وانتقاله من المحيط الأطلسي إلى المحيطين الهندي والهادئ. وهناك أربعة مسارات يمكن أن تتخذها آسيا في العقدين المقبلين.

من المنتظر تعدد الأقطاب التي ستنمو داخل القارة الآسيوية، وتكون خارج السيطرة الأمريكية والغربية، وهناك عدة مسارات:

أ. المسار الأول: ظهور تجمع أو حلف آسيوي يضم العمالقة الناشئة، كالصين والهند وإندونيسيا.

ب. المسار الثاني: نشوب حرب باردة آسيوية جديدة بين هذه القوى.

ج. المسار الثالث: حرب باردة بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، على مستوى النفوذ في العالم.

د. المسار الرابع: تحول القوة الآسيوية إلى مملكة الطبقة الوسطى.

وبشكل أكثر تحديدا، هناك ثلاثة أشكال من التعددية القطبية في آسيا:

أ. الشكل الأول نظام متعدد الأقطاب متعاون، للمنافسة مع الولايات المتحدة الأمريكية، التي هي أقوى قوة.

ب. الشكل الثاني عبارة عن نظام متعدد الأقطاب تنافسي بشكل أساس، مركز على الصين، والتي هي أقوى قوة.

ج. الشكل الثالث الذي يخيف الولايات المتحدة الأمريكية، هو تشكل القوى في آسيا في تجمع دول قوية متعددة، تتحالف على التعاون بدلاً من المنافسة.

في حال بقاء الريادة الأمريكية سيكون خاضعاً للتعددية القطبية، التي تعني أن النظام متعدد الأقطاب سيكون مزيجاً من التعاون والتنافس والترابط مع الولايات المتحدة الأمريكية، استمرار هذا النمط يفترض استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في المشاركة الكاملة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

سيناريو قيادة الصين للعالم مع تعدد الأقطاب، هذا النظام متعدد الأقطاب سيكون جوهرياً تنافسياً ومتناقضاً، مع استمرار الولايات المتحدة الأمريكية في السيطرة على النفوذ البحري والإقليمي، وضمان غلبة ديناميكيات التوازن لها. أما الصين فستصبح القوة الاقتصادية الأولى.

مثل هذا السيناريو هو الأكثر احتمالاً في حالة فك الارتباط بين دول آسيا، أو تقلص النفوذ الأمريكي في آسيا. أما سيناريو التجمع أو التكتل الآسيوي فهذا من شأنه أن يدعم النظام الليبرالي في آسيا، وتحقيق الوفاق الإقليمي الذي يقود إلى التحرر السياسي في الصين، ما يجعل من الممكن زيادة التعاون الديموقراطي على أساس من الشفافية والثقة، وظهور مؤسسات إقليمية فعالة. ومثل هذا الأمر يكون أكثر استدامة إذا شمل الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من استبعاد هذا وهناك ثلاثة أشكال لثنائية قطبية السيادة كالآتي:

أ. الشكل الأول، الذي يبدو ممكناً هو سيناريو انقسام آسيا إلى كتلتين تنافسيتين، واحدة تقودها الولايات المتحدة الأمريكية، والأخرى تقودها الصين.

ب. أما الشكل الثاني، فيصور إمكان نشأة تجمع أمريكي ــ صيني بقيادة الصين، ضد أي قوى كبرى ناشئة أخرى.

ج. وفي الشكل الثالث الأخير لرسم أقطاب حكم العالم إمكان حصول تفاهم بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، على التعاون الثنائي القطبي في المنطقة.

إلى ذلك لا يستبعد حصول حرب باردة بين القطبين المتوقعين لسيادة العالم، أي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين، فتكون بذلك الولايات المتحدة الأمريكية ضد الصين، وسيكون بذلك النظام العالمي ثنائي القطب يرتكز على الكتل المتنافسة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

سيناريو القطب الواحد سيكون ممكناً في حالة واحدة، وهي سيادة الصين التي يمكن أن تقلل من دور وشأن الدول الأخرى، وتستثني بشكل فعال الولايات المتحدة الأمريكية من لعب دور قيادي في المنطقة الآسيوية على الأقل. ويصف التقرير أن إمكان تحول آسيا إلى "المملكة الوسطى" أو مملكة الطبقة الوسطى، يمكن أن يحولها إلى قطب واحد يسيطر على العالم انطلاقاً من بكين، وستكون الولايات المتحدة الأمريكية مستبعدة عملياً من آسيا. أما الدول الكبرى الإقليمية فستجد مصالحها تابعة للسيادة الصينية.

6. على صعيد تولى زعامة العالم

أهم توقعات التغيرات على صعيد سيادة العالم ستكون بهذا الترتيب الزمني، بداية من عام 2015، وستكون على الأرجح المتغيرات الآجلة الاستراتيجية خصوصاً المتعلقة بنفوذ آسيا مستقبلاً، على هذا النحو في ترتيب تنازلي:

أ. تعدد الأقطاب بسيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ب. حرب باردة بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

ج. تعدد الأقطاب بقيادة الصين.

د. حرب باردة بين دول آسيا والصين.

هـ. تفاهمات بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، وعصر المملكة الوسطى.

من المنتظر أن يكون دور الولايات المتحدة الأمريكية في قيادة العالم رهن خيارات وظروف مختلفة. فأمام واشنطن خيار تعزيز وجودها في آسيا بالوجود العسكري المستمر، والقيادة الدبلوماسية الاقتصادية، وهذا الخيار سيكون مرتبطاً بقدرة الولايات المتحدة الأمريكية على تنشيط مواردها والدفاع عن حلفائها، وتعميق الشراكة الاستراتيجية مع الهند، وطبيعة علاقتها مع الصين.

الخيار الثاني أمام الولايات المتحدة الأمريكية فيما يتعلق بزعامة العالم، فسيتشكل وفقاً للمتغيرات الحاسمة الأخرى كنطاق وتيرة التغيير السياسي الداخلي في الصين، وسرعة صعود الهند اقتصادياً وعسكرياً، ومستقبل اليابان والتحالف بين الولايات المتحدة الأمريكية واليابان.