إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إدارة مياه النيل كمحدد للتعاون والصراع بين دول الحوض





موقع سد النهضة
نهر النيل
متوسط الموارد المائية لنهر النيل
مشروعات إثيوبيا المائية
المشروعات المائية المقترحة بين مصر والسودان لزيادة إيراد النهر
التوغل الأمريكي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التدخل الأوروبي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التغلغل الإسرائيلي بدول حوض النيل

نهر عطبرة
المشروعات المائية على نهر النيل
البحيرات العظمى
الدول المتشاطئة على البحيرات
الروافد المغذية للبحيرات
تصريفات نهر النيل
دول الهضبة الاستوائية
دول حوض النيل
حوض البحيرات العظمى



الفصل الأول

المبحث الثالث

المعاهدات والاتفاقيات بين دول الحوض المنظمة للاستخدام

إن الشراكة في استخدام المياه هي المبدأ الذي تعارفت عليه شعوب حوض نهر النيل منذ حقبة قديمة؛ إذ لم تكن هناك دولة تدعي ملكية النهر وتمنع الآخرين من استخدامه.

وقد عانت دول الحوض من الاحتلال الأجنبي؛ ولكنه خلال فترة الاحتلال عمل على تنظيم استخدام مياه نهر النيل، وبطبيعة الحال فقد وَقَّع نيابة عن الدول الواقعة تحت الاحتلال بعض الاتفاقيات والمعاهدات لتنظيم استخدام المياه.

وبعد فترة الاستقلال، قامت الدول المستقلة إما باستكمال تنظيم استخدام مياه النهر، طبقاً للاتفاقيات الموقعة خلال الفترة السابقة على استقلالها، أو بتوقيع اتفاقيات بعد استقلالها مع باقي دول الحوض، لتحقيق أفضل استفادة ممكنة من النهر، أو بغرض إقامة منشآت مائية عليه.

أولاً: الاتفاقيات والمعاهدات الموقعة خلال الحقبة الاستعمارية

تتناول هذه الاتفاقيات الوضع الإقليمي والجغرافي للدول المتعاقدة. والدول الموقعة عليها تكون دولاً أوروبية من أصحاب المستعمرات، ووقعت هذه المعاهدات باسم الدولة أو الإقليم الأفريقي الخاضع لحكمها.

ومن مبادئ العرف والفقه الدوليين، أن مثل هذه الاتفاقيات الخاصة بالوضع الإقليمي والجغرافي، تشكل التزاماً وقيداً على إقليم الدولة المتعاقدة، وأن انتقال السيادة عن ذلك الإقليم لا تمس منها شيئاً، وأن القانون الدولي يعترف باستمرار سريان مفعول هذه الوثائق، ووفقاً لقواعد توارث الدول، وتبعاً للالتزامات ذات الطبيعة الإقليمية والجغرافية، التي التزمت بها الدول الداخلة في هذه الاتفاقيات.

وقد أكد هذا المبدأ ما جاء باتفاقية فيينا لسنة 1978، بشأن التوارث الدولي والمعاهدات. وتنص المادتان (11) و(12) من تلك الاتفاقية على أن المعاهدات الخاصة برسم الحدود الدولية أو الوضع الجغرافي والإقليمي، لا يمسها التوارث الدولي.

وتظل تلك المعاهدات سارية المفعول، وتظل تمثل التزاماً وقيداً على الدولة الوارثة، إذ لا يمكن تعديلها أو إلغاؤها إلا باتفاق الدول الموقعة عليها، أو وفقاً للإجراءات المنصوص عليها في اتفاقية فيينا عن قانون المعاهدات لسنة 1969.

وفيما يلي أهم الاتفاقيات الموقعة خلال الحقبة الاستعمارية، وأبرز ما تضمنته من التزامات بين أطرافها.

1. بروتوكول عام 1891

وُقع هذا البروتوكول بين بريطانيا وإيطاليا، في 15 أبريل 1891، وهو خاص بتحديد مناطق نفوذ كلٍ منهما في دول حوض النيل، الواقعة في إقليم شرق أفريقيا وحتى البحر الأحمر. ويتضمن هذا البروتوكول الآتي:

البند الثالث: ينص هذا البند بأن لا تُنشئ إيطاليا أي أعمال على نهر عطبرة، من شأنها أن تعوق انسياب المياه إلى نهر النيل.

وبقية البنود الأخرى لا تركز على مسألة تنظيم المياه، بل تركز على حقوق رعاياهما وتكريس الاحتلال للأراضي، والإشراف على ممرات البحر الأحمر، وهو أمر لا يدخل في صلب موضوع تقاسم المياه أو استغلالها أو إدارتها.

والبند الثالث، الخاص بمسألة المياه، لا يزال ساري المفعول طبقاً لمفهوم التوارث الدولي للمعاهدات، ووفقاً لقواعد القانون الدولي. كما يتضمن الالتزام بعدم القيام بأي أعمال على نهر عطبرة تؤثر على انسيابه، وتعوق تدفق المياه إلى نهر النيل، ومن ثم تؤثر على حصة مياه كل من السودان ومصر.

نخلص من ذلك بأن جوهر بروتوكول عام 1891، يُلزم أطرافه، وكذا الوارثين لهذا الالتزام، بعدم إقامة أو تنفيذ أي مشروعات على حوض نهر عطبرة تؤثر على حقوق السودان ومصر، وإنما يتم ذلك بالتشاور المسبق، كما أوضحت ذلك قواعد القانون الدولي واتفاقية فيينا.

2. معاهدة عام 1902

وُقعت بين بريطانيا والإمبراطورية الإثيوبية، في أديس أبابا، في 15 مايو 1902، وذلك لترسيم الحدود وتحديدها بين كل من إثيوبيا والسودان.

في البند الثالث من المعاهدة، تعهد الإمبراطور "منليك الثاني"، إمبراطور إثيوبيا، في هذه الاتفاقية، ما لا يصدر تعليمات أو يسمح بإصدارها فيما يتعلق بأي شيء أو عمل في النيل الأزرق أو نهر السوباط أو بحيرة تانا، من شأنه أن يسبب إعاقة سريان المياه إلى نهر النيل، ما لم توافق حكومة بريطانيا والسودان على ذلك مسبقاً. وهذا يعني صراحة النص على الإخطار المسبق في حالة إنشاء أي مشروعات مائية. ومع أن الهدف الأساسي من الاتفاقية هو ترسيم الحدود بين كل من الإمبراطورية الإثيوبية والسودان، إلا أنها حددت في البند الثالث التزامات إثيوبيا المائية قبل الحكومة البريطانية والسودان، ومن ثم تجاه مصر أيضاً، التي كانت واقعة تحت الاحتلال البريطاني ولم تحصل على استقلالها بعد.

3. اتفاقية عام 1906 (بين بريطانيا والكونغو)

وقعت بين كل من بريطانيا ودولة الكونغو، في لندن، في 9 مايو 1906. نص البند الثالث على تعهد حكومة الكونغو المستقلة بألا تقيم، أو تسمح بإقامة، أي أشغال على نهر السمليكي ونهر سانجو، يكون من شأنها خفض كمية المياه التي تتدفق في بحيرة ألبرت المغذية لنهر النيل، إلا بعد الاتفاق مع حكومة السودان. ويلاحظ أن الاتفاق في أصله كان يركز على قضايا الحدود في مناطق نفوذ كل من فرنسا وإنجلترا وبلجيكا. أما تنظيم استغلال المياه، فقد ذكر ضمن الاتفاقية مع تحديد عدم إمكانية التأثير على حصة المياه للسودان، ومن ثم مصر.

وقد أشارت الاتفاقية إلى حل القضايا الخلافية لحدود دولة الكونغو المستقلة، من طريق محكمة لاهاي للتحكيم، في حالة عجز الأطراف عن الاتفاق.

4. اتفاقية عام 1906 (بين فرنسا وبريطانيا وإيطاليا)

 يختلف هذا الاتفاق عن الاتفاق الموقع بين بريطانيا والكونغو في العام نفسه. وُقع هذا الاتفاق بين الدول الاستعمارية فرنسا وبريطانيا وإيطاليا، في 13 ديسمبر 1906، ويتعلق بمصالح الدول الثلاث في إثيوبيا.

في البند الرابع جاءت الإشارة إلى موضوع المياه، إذ نص البند على ضرورة تشاور الدول الثلاث في حالة حدوث أي نزاعات أو قلاقل للإمبراطورية الإثيوبية، تؤثر على المصالح البريطانية ومصر فيما يتعلق بمياه النهر وروافده. ويعني هذا الحفاظ على الحقوق المائية المصرية في حوض نهر النيل بوجه خاص.

وقد ذُكر ذلك صراحة في البند الرابع (أ)، فيما نصه:

"مصالح بريطانيا العظمى ومصر في حوض النيل، بوجه خاص ما يتعلق منها بتنظيم مياه هذا النهر وروافده، مع مراعاة المصالح المحلية على النحو الواجب، ومع حفظ المصالح الإيطالية المذكورة في الفقرة (ب) خاصة بإريتريا والصومال.

5. المذكرات المتبادلة عام 1925، بين بريطانيا وإيطاليا

في عام 1925، تبدلت المذكرات بين المملكة المتحدة وإيطاليا، بشأن الامتيازات المتعلقة بإقامة خزان على بحيرة تانا، وخط حديدي عبر إثيوبيا من إريتريا إلى الصومال الإيطالي. وفيما يلي جزء من نص الخطابات المتعلقة بنهر النيل.

أ. من السفير البريطاني في روما إلى رئيس مجلس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية، في 14 ديسمبر 1925

"تذكرون جيداً الأهمية الحيوية لمصر والسودان في الحفاظ على حجم المياه المخصصة لأغراض الري، بل زيادته إذا أمكن. وهي التي يتيحها لهذين البلدين كل من النيل الأزرق والنيل الأبيض وروافدهما. كما أن التخطيط جارٍ لمشروعات مختلفة لهذا الغرض، ونحيطكم علماً بالمفاوضات التي تجريها في أديس أبابا حكومة صاحب الجلالة، وتعمل بصفتها وكيلة عن حكومة السودان، ومراعية في هذا بشأن المصالح المصرية للحصول على امتياز من حكومة الحبشة لبناء خزان على بحيرة تانا، من أجل تخزين مياهها كي تستخدم في النيل الأزرق".

وفي فقرة أخرى: "وعلى ذلك فهي سترحب (بريطانيا) بالتأييد الذي تعرضه إيطاليا، بشرط أن يتسنى قبوله دون الإضرار بالمصالح الهيدرولية الغالبة لكل من مصر والسودان التي لم يفت الحكومة الإيطالية (أن تعترف بها).

ب. من رئيس مجلس الوزراء الإيطالي ووزير الخارجية، إلى السفير البريطاني في روما، في 20 ديسمبر 1925

يُلاحظ أن الفقرة الأخيرة نصت على: "تتعهد الحكومة الإيطالية من جانبها، اعترافاً منها بالحقوق الهيدرولية الأولى لكل من مصر والسودان، بعدم إجراء أية أشغال على المياه الرئيسية للنيل الأزرق والنيل الأبيض وروافدهما وفروعهما، يكون من شأنه أن تعدل بصورة ملموسة تدفقها إلى النهر الرئيسي (نهر النيل).

وإنني ألاحظ أن حكومة صاحبة الجلالة البريطانية تنوي بصدق احترام الحقوق التابعة لسكان الأراضي المجاورة في المياه، وهي الأراضي التي تقع ضمن النفوذ الاقتصادي الإيطالي المطلق، وفي المفهوم أنه ينبغي رسم إطار إنجاز المشروع الذي يعتزم تنفيذه قدر الإمكان، وبما يتفق والمصالح الغالبة لكل من مصر والسودان، بحيث يُرضي بصورة ملائمة احتياجاتها الاقتصادية".

6. اتفاقية مياه النيل لسنة 1929

تم الاتفاق بين الحكومة المصرية والمملكة المتحدة، الراعية لمصالح السودان وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حالياً)، بموجب خطابات متبادلة، في 7 مايو 1929، بين رئيس وزراء مصر والمندوب السامي البريطاني بالقاهرة.

أ. الكتاب الموجه من رئيس وزراء مصر إلى المندوب السامي البريطاني بالقاهرة

وُجه هذا الخطاب من "محمد محمود" باشا، رئيس وزراء مصر، في 7 مايو 1929، إلى المندوب السامي بالقاهرة "سيلوين لويد". ويحوي هذا الخطاب آراء الحكومة المصرية فيما يختص بمسائل الري. وأهم ما ورد بالخطاب، لخدمة سياق البحث، هو الآتي:

(1) "إن تعمير السودان يحتاج إلى مقدار من مياه النيل، أعظم من المقدار الذي يستعمله السودان الآن؛ ولذلك فإن الحكومة المصرية مستعدة للاتفاق مع الحكومة البريطانية على زيادة المقدار، بحيث لا تضر تلك الزيادة بالحقوق الطبيعية والتاريخية في مياه النيل، وبشرط الاستيثاق بكيفية مرضية من المحافظة على المصالح المصرية".

(2) "إن المفتش العام لمصلحة الري المصرية في السودان، أو معاونيه، تكون لهم الحرية الكاملة في التعاون مع المهندس المقيم لخزان سنار، لقياس التصرفات المائية، حتى تتحقق الحكومة المصرية من أن توزيع المياه وموازنات الخزان جارية طبقاً لما تم الاتفاق عليه".

(3) "ألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية، أعمال الري أو توليد قوى".

(4) "إذا قررت الحكومة المصرية إقامة أعمال في السودان على النيل أو فروعه، أو اتخاذ أي إجراء لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر، تتفق مقدماً مع السلطات المحلية).

ب. رد خطاب المندوب السامي البريطاني على خطاب رئيس وزراء مصر

أرسل المندوب السامي البريطاني، في رده في 7 مايو 1929، على رئيس الوزراء المصري "محمد محمود باشا"، وأكد فيه الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل، وفيما يلي أهم ما ورد بنص الخطاب.

"إن مرمى هذا الاتفاق وجوهره هو تنظيم الري على أساس تقدير لجنة النيل. إن حكومة جلالة ملك بريطانيا، سبق لها الاعتراف بحق مصر الطبيعي والتاريخي في مياه النيل، وأقرر أن حكومة جلالة الملك تعتبر المحافظة على هذه الحقوق مبدأً أساسياً من مبادئ السياسة البريطانية، وأن هذا المبدأ وتفصيلات الاتفاق ستنفذ في كل وقت، أياً كانت الظروف التي تطرأ فيما بعد".

7. اتفاق عام 1934

وقعت هذه الاتفاقية في لندن، بين بريطانيا، نيابة عن تنجانيقا (تنزانيا)، وبلجيكا، نيابة عن رواندا وبروندي، في 23 نوفمبر 1934، بشأن نهر كاجيرا، وهو أحد روافد بحيرة فيكتوريا.

تنص المادة الأولى: "على أن الطرفين المتعاقدين يتعهدان بأن يعيدا إلى نهر كاجيرا قبل أن يصل إلى الحدود المشتركة لكل من تنجانيقا ورواندا وبروندي، أية كميات من المياه يكون قد تم سحبها منه، لأغراض توليد الكهرباء".

وتنص المادة السادسة: "إلزام الدولة التي تود استخدام مياه نهر كاجيرا في أغراض الري، بأن تخطر الدول الأخرى بفترة ستة أشهر مسبقاً، وذلك لأجل إعطاء مهلة كافية لإبداء أية اعتراضات من أجل دراستها".

ويتضح من هذه الاتفاقية تأكيدها على شرط الإخطار المسبق.

8. المذكرات المتبادلة بين حكومة المملكة المتحدة والحكومة المصرية، عام 1949، بشأن خزان أوين

تُبدلت المذكرات بين مصر وبريطانيا، نيابة عن أوغندا، عام 1949، وما تلاها، بشأن اشتراك مصر في بناء سد وخزان على شلالات أوين، بغرض توليد الكهرباء لصالح أوغندا، وتعلية الخزان لرفع منسوب المياه وتخزينها لصالح مصر والسودان.

أ. خطاب الخارجية المصرية، في 19 يناير 1949، إلى وزارة الخارجية البريطانية

 أشار هذا الخطاب إلى طلب حكومة أوغندا، نظراً لحاجتها الملحة للطاقة الكهربائية، إنشاء محطة توليد كهرباء من شلالات أوين، على أن يجري تصميم الخزان وتركب توربينات تكفل توليد طاقة قدرها 90 ألف كيلووات.

أتبع ذلك الخطاب خطاب آخر، في فبراير من العام نفسه، أوضح الآتي: "إن سياسة الري المصرية تقوم على أساس إنشاء عدة مشروعات للتحكم في مياه النيل، تشمل التخزين السنوي، وتكوين احتياطي في بحيرة فيكتوريا، ولذلك فإنه من المصلحة المتبادلة لكل من مصر وأوغندا أن تتعاونا في بناء الخزان عند مخارج بحيرة فيكتوريا، لأغراض الري في مصر، وتوليد الطاقة الكهربائية لصالح أوغندا".

وترى الحكومة المصرية أنه ينبغي إشراكها في تصميم الخزان، وفي تشغيل المستودع بعد إتمامه، وأن تشارك في تكاليف البناء والمصروفات السنوية.

 ب. خطاب السفارة البريطانية إلى الحكومة المصرية، في 30 مايو 1949

يتلخص ما ورد بالخطاب في الآتي:

أن الحكومة المصرية والحكومة البريطانية، وفقاً لروح اتفاق مياه النيل لعام 1929، اتفقتا فيما بينهما على بناء خزان عند شلالات أوين.

أُعدت التصميمات والمواصفات الخاصة بالتشاور بين وزارة الأشغال المصرية والسلطات الأوغندية، وأن يمثل مصر مهندس مصري مقيم خلال فترة التشييد، ويتبعه عدد من الموظفين المصريين.

اتفقت الحكومتان المصرية والأوغندية على أن تتولى الحكومة المصرية تنظيم تدفق المياه من خلال الخزان، بناءً على تعليمات المهندس المصري المقيم، الذي تعينه الحكومة المصرية.

إن أي خلاف ينشأ بشأن ضبط المياه أو توليد الكهرباء، يكون البت فيه من طريق المناقشة والتسوية في روح من التعاون الودي. وفي حالة عجز التسوية للأمر، يُحال إلى التحكيم وفقاً للترتيبات التي يجري الاتفاق عليها بين الحكومتين.

ثانياً: الاتفاقيات الموقعة ما بعد الاستقلال، اعتباراً من عام 1953

بعد ثورة 1952 في مصر، وقيام حكومة وطنية، استمرت الخطابات المتبادلة بشأن خزان أوين بأوغندا، وتلا ذلك اتفاق عام 1959، مع السودان عند التنسيق لبناء السد العالي في أسوان. ويُلاحظ أن هذه الفترة تلاها استقلال معظم الدول الأفريقية، خاصة في الستينيات، وتطلب العمل التنسيق في إطار مشروعات تعاونية، وغلب على التعاون المائي صورة من التعاون الفني في إطار جماعي. وفيما يلي أهم ما تم خلال هذه الفترة.

1. خطاب السفارة البريطانية في القاهرة، في 5 يناير 1953، إلى وزارة الخارجية المصرية

ويختص هذا الخطاب بالتنسيق بشأن تحمل الحكومة المصرية للتكاليف والتعويضات، طبقاً لما تم الاتفاق عليه في مرحلة سابقة. وأهم ما ورد بالخطاب الآتي:

تتحمل الحكومة المصرية جزءاً من تكلفة الخزان، الذي يتطلب رفع منسوب مياه بحيرة فيكتوريا، لاستخدامها لتخزين المياه.

تتحمل الحكومة المصرية التعويضات الخاصة بالمصالح التي ستتأثر من تنفيذ المشروع، وكذلك تكاليف ما يلزم من أشغال لإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل بدء تشغيل المشروع.

تدفع مصر لمجلس كهرباء أوغندا 980 ألف جنيه، كتعويض عن الخسارة المترتبة على فقدان قدر من الطاقة الكهربائية عند شلالات أوين (نتيجة مناسيب التخزين).

2. اتفاق عام 1959 للانتفاع الكامل بمياه النيل بين مصر والسودان

وقعت اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه نهر النيل، في 8 نوفمبر 1959 بالقاهرة، وذلك لضمان أقصى استغلال لمياه النيل للبلدين، وضبط وزيادة إيراده، واستغلال المياه الناتجة عن إقامة السد العالي في أسوان، وخزان الرصيرص في السودان.

وبموجب هذه الاتفاقية قُسم المتوسط السنوي للتصريف للنهر عند أسوان، وقدره 84 مليار م3، بين البلدين، على أساس أن حصة مصر 55.5 مليار م3، وحصة السودان 18.5 مليار م3 في السنة.

اعترفت اتفاقية عام 1959، بحقوق دول الحوض الأخرى، حيث رتبت أمر مواجهة هذه الحقوق، بأن تبحث الدولتان مطالب هذه الدول وتتفقا على رأي موحد بشأنهما، وإذا أسفر البحث عن إمكان قبول أية كمية من إيراد النهر، فإن هذا القدر محسوباً عند أسوان يُخصم مناصفة بينهما.

في حالة زيادة متوسط الإيراد للنهر، فإن هذه الزيادة تُقسم مناصفة بين الجمهوريتين، إضافة إلى الحصة المقررة لكل منهما.

توافق حكومة الجمهورية العربية المتحدة على أن تدفع لحكومة السودان مبلغ خمسة عشر مليون جنيه مصري، تعويضاً شاملاً عن الأضرار التي تلحق بالممتلكات السودانية نتيجة التخزين في السد العالي لمنسوب 182 م، وتتعهد حكومة السودان باتخاذ إجراءات ترحيل سكان حلفا وغيرهم، مِمنَ ستغمر المياه أراضيهم بمياه التخزين.

تتولى جمهورية السودان، بالاتفاق مع مصر، إنشاء مشروعات زيادة إيراد النهر، بمنع الضائع من المياه في مستنقعات بحر الجبل وبحر الزراف وبحر الغزال وفروعه، ونهر السوباط وفروعه، وحوض النيل الأبيض، ويكون صافي فائدة هذه المشروعات موزعة مناصفة، ويسهم كل منهما في جملة التكاليف بهذه النسبة أيضاً.

إنشاء هيئة فنية دائمة من كل من الدولتين، بعدد متساوٍ، وتكوّن عقب توقيع الاتفاق (لتحقيق التعاون الفني وضبط النهر وزيادة إيراده، وإجراء البحوث والدراسات).

3. اتفاقية عام 1991، الموقعة بين كل من مصر وأوغندا

وهي بخصوص توسعات خزان أوين بأوغندا، وهي خطابان متبادلان بين كل من نائبة رئيس الوزراء ووزيرة الشؤون الخارجية بأوغندا، ووزير الدولة للشؤون الخارجية بمصر. والخطابان موقعان في 5 مايو 1991، ويتلاحظ الآتي:

إن اتفاقية عام 1991، وقعت بعد استقلال أوغندا، وأكدت فيها على احترامها لما ورد باتفاقية عام 1953، والتي وقعتها بريطانيا نيابة عنها في فترة ما قبل الاستقلال. وهذا يعني –دون شك- أن أوغندا المستقلة احترمت اتفاقية وقعت قبل الاستقلال، وهذا يسري كذلك على ما قبلها من اتفاقيات، وخاصة اتفاقية عام 1929، التي وقعتها بريطانيا نيابة عنها، وكذلك نيابة عن كينيا وتنزانيا الواقعتين تحت الاحتلال البريطاني في ذلك الوقت، لأن اتفاقية عام 1953 اعترفت باتفاقية عام 1929، كأساس لها.

إن اتفاقية عام 1991، التي وقعتها أوغندا بعد استقلالها، نصت على أن السياسة المائية لبحيرة فيكتوريا، ومن ثم ضبط النهر، تجري مناقشتها ومراجعتها بين الدولتين (مصر وأوغندا)، حتى لا يؤثر ذلك على حصة المياه المصرية، ما يعني اعترافاً من أوغندا بضرورة التشاور مع مصر بخصوص السياسة المائية، وكذلك بعدم التأثير على احتياجات مصر المائية. وهذا يعني ضرورة ثبات السياسة المائية، واتخاذ القرارات الخاصة بها في صور مشتركة، أو بشكل من أشكال التعاون الفني، لعدم التأثير على الاحتياجات المائية لأطرافها، إضافة إلى أن ذلك يعني ضمنياً عدم التأثير على الحقوق والاحتياجات المائية لباقي دول الحوض.