إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إدارة مياه النيل كمحدد للتعاون والصراع بين دول الحوض





موقع سد النهضة
نهر النيل
متوسط الموارد المائية لنهر النيل
مشروعات إثيوبيا المائية
المشروعات المائية المقترحة بين مصر والسودان لزيادة إيراد النهر
التوغل الأمريكي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التدخل الأوروبي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التغلغل الإسرائيلي بدول حوض النيل

نهر عطبرة
المشروعات المائية على نهر النيل
البحيرات العظمى
الدول المتشاطئة على البحيرات
الروافد المغذية للبحيرات
تصريفات نهر النيل
دول الهضبة الاستوائية
دول حوض النيل
حوض البحيرات العظمى



الفصل الأول

المبحث السابع

مشروعات التعاون قبل مبادرة حوض النيل

dتناول هذا المبحث الجهود التعاونية التي بذلتها دول الحوض من أجل إدارة المياه وتقسيمها، في إطار يتجاوز نقاط الخلاف، والعمل سوياً من أجل تبادل المنافع وتحقيق أقصى استفادة من مياه النهر. وقد بدأت جهود التعاون بإنشاء الهيئة الفنية الدائمة، ثم تلاها تطوير مشروعات التعاون بصور أخرى على مدى السنين، تحقيقاً واستمراراً للتعاون الفني بين دول الحوض.

أولاً: الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل

أنشأت مصر والسودان بروتوكولاً خاصاً لإنشاء الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل، بوصفها طرفا اتفاقية عام 1959.

وقد انصب عمل هذه الهيئة الفنية على تحقيق التعاون الفني بين البلدين، وكذا عمل الدراسات والبحوث الخاصة باستغلال مياه نهر النيل. وعلى الرغم من دعوة مصر والسودان بقية الدول بالانضمام، إلا أنها كلها رفضت الاعتراف بالاتفاقية الثنائية بين مصر والسودان. وكانت نظرة باقي الدول ترى أن وجود الخبراء المصريين والمكاتب الفنية المصرية بأراضيها يمثل تهديداً لأمنها القومي، إذ قد يكون هؤلاء الفنيون المصريون تابعين لأجهزة المخابرات المصرية، إضافة إلى أن هذا الوجود يعزز السيطرة المصرية على ملف المياه.

وعلى هذا فإن الهيئة الفنية، طبقاً لاتفاقية عام 1959، لم تضم دول المجرى الأعلى، وحتى السودان العضو الوحيد، إضافة لمصر، فقد مارس أعمالاً عطلت من أعمال اللجنة المشتركة، مثل مصادرة استراحات الري المصرية وطرد الخبراء المصريين، وتعطيل عمل اللجنة المشتركة.

لهذا فشلت الهيئة في تنفيذ البرامج والخطط، منذ اتفاقية عام 1959 وحتى عام 1980، وهي التي كانت تهدف إلى تحقيق التطلعات لمقاومة فترات الجفاف، نتيجة لاستمرار التخزين في السد العالي وتعلية خزان أسوان، مع وجود الخزانات السودانية سنار والرصيرص وجبل الأولياء.

خلال الفترة من عام 1991 – 1993، وكنتيجة لتأثر العلاقات المصرية ـ السودانية، عوّق تنفيذ الاتفاقية، ولم تؤتِ الغرض منها. فقد استولى السودان على مكاتب الري المصري على طول النهر وروافده في الأراضي السودانية، وخاصة في كل من ملكال وجوبا وواو والخرطوم وسنار وجبل الأولياء، مع تأميم الممتلكات المصرية في السودان، التي شملت الجامعة والمدارس واستراحات الري.

إن الهيئة الفنية المشتركة الدائمة لمياه النيل، كمؤسسة مشتركة بين مصر والسودان، كان منوطاً بها إدارة النهر، وجمع المعلومات، والإشراف على السياسة التخزينية في أسوان والسد العالي، وتشييد أي أعمال على مجرى النهر، وقسمة المياه بين البلدين، فشلت في أن تمد نفوذها خارج إطار عضويتها الثنائية. وقد كان الطموح والتصور المصري أن يمتد دور الهيئة الفنية ليشمل دولاً ليست طرفاً في اتفاقية عام 1959، فأصبحت قاصرة على مصر والسودان فقط، وليس كياناً تنظيمياً لكل حوض النهر.

ثانياً: تجمع الأندوجو

وكنتيجة لفشل الجهود المصرية ـ السودانية في إقناع بقية دول الحوض بالانضمام إلى اتفاقية عام 1959، عبر اللجنة الفنية المشتركة، ظهرت الرغبة في إقامة منتدى الأندوجو، على ضوء إقرار خطة عمل لاجوس عام 1980.

وتعني "الأندوجو"  الإخاء باللغة السواحيلية، الأكثر تداولاً في كينيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا وأجزاء من بوروندي، إضافة إلى الكونغو وجنوب السودان..

وكان الهدف من هذا التجمع التعاون، ليس فقط في موضوع مياه نهر النيل، ولكن من أجل التعاون الاقتصادي الكامل في جميع المجالات، على نمط التجمعات الاقتصادية الأخرى، بحيث يكون نهر النيل هو القاسم المشترك لجميع الدول الأعضاء.

عقدت مجموعة "الأندوجو" اجتماعات سنوية على مستوى وزراء الخارجية والوزراء المعنيين بالتعاون الدولي والتخطيط. فقد عُقدت سبعة اجتماعات منذ إنشاء التجمع، عام 1983، كالآتي:

1. عُقد الاجتماع الأول في الخرطوم، في الفترة من 2 – 4 نوفمبر 1983، شارك فيه وزراء خارجية مصر، والسودان، وأوغندا، والكونغو، وأفريقيا الوسطى.

2. عُقد الاجتماع الثاني في كينشاسا بزائير، في الفترة من 3 – 4 ديسمبر 1984، وانضمت رواندا إلى التجمع بصفة مراقب.

3. عُقد الاجتماع الثالث في القاهرة، في الفترة من 7 – 9 أغسطس 1985، حضره الدول الست السابقة، وكل من بوروندي، وتنزانيا بصفة مراقب.

4. عُقد الاجتماع الرابع في كينشاسا، في الفترة من 19 – 21 مايو 1987، وحضرته كل مصر، والسودان، وأفريقيا الوسطى، وأوغندا، وزائير كأعضاء عاملين، وحضرته كل من رواندا، وبوروندي، وتنزانيا بصفة مراقبين.

5. عُقد الاجتماع الخامس في القاهرة، في الفترة من 31 أكتوبر حتى 2 نوفمبر 1988، وفيه انضمت بوروندي كعضو أصلي، وشاركت ثلاث منظمات هي اللجنة الاقتصادية لأفريقيا التابعة للأمم المتحدة، واتحاد جمعيات الطرق الأفريقية، ومنظمة تنمية حوض نهر كاجيرا، فضلاً عن منظمة الوحدة الأفريقية. كما اشترك أيضاً ممثلو أربع منظمات أخرى، هي برنامج الأمم المتحدة للتنمية، والاتحاد الأفريقي للموصلات السلكية واللاسلكية، والاتحاد الأفريقي للسكك الحديدية، والمكتب الأفريقي للعلوم والتربية.

6. عُقد الاجتماع السادس في أديس أبابا، خلال شهر فبراير 1990، وفيه انضمت بوروندي للعضوية الكاملة بدلاً من مراقب، ولم يتبق إلا تنزانيا كعضو مراقب، وكينيا وإثيوبيا خارج إطار المجرى.

7. عُقد الاجتماع السابع في أديس أبابا، في 27 فبراير 1991، وكان هذا الاجتماع هو الاجتماع الأخير.

ويُعد هذا التجمع خطوة حقيقية نحو التكامل الأفريقي والتعاون في مختلف المجالات. كما شمل الحوار في هذه الاجتماعات موضوع التعاون في مجال مياه النيل، وتوجيه الدعوة لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية لتمويل مشروعات حوض النهر، لتنمية الموارد المائية، وتحقيق الاستخدام الأمثل للمياه.

كما نوقش، أيضاً، الاستمرار في مشروعات الدراسات الهيدرومترولوجية للبحيرات الاستوائية، إضافة إلى ما يساعد على تنمية القارة في مجالات البنية الأساسية، وخاصة في مجالات الطرق والسكك الحديدية، والنقل النهري والجوي، والطاقة، والموارد المائية، والاتصالات، والتبادل التجاري.

وعلى الرغم مما تحقق من تجربة تجمع الأندوجو، بفعل الاجتماعات المتكررة، من تبديد حالة عدم الثقة بين الدول الأعضاء، إلا أن التجمع فشل في تحقيق التكامل بين دول الحوض، كما فشل في تحقيق التعاون المنشود بين أعضائه.

لم تتوافر لتجمع الأندوجو قوة الدفع اللازمة للانتقال من مرحلة تعاونية لأخرى، بل إن الهدف الرئيسي للتجمع، وهو إنشاء جماعة مشتركة لضبط النهر ومشروعاته الكبرى، ظل غير موجود في جدول اجتماعاته الدورية بصورة كبيرة. وعلى الرغم من ذلك فإن هذا التجمع قد مهد الطريق لإقامة لجنة التعاون الفني لدعم التنمية وحماية بيئة حوض النيل، وهو ما يُعرف بمشروع التكونيل.

ثالثاً: الهيدرومت

يُقصد به الدراسة المائية للمناسيب والتصرفات، وكذلك دراسة الأرصاد الجوية. ويأتي هذا في إطار الاهتمام بالتخزين المستمر في البحيرات الاستوائية، حيث هطلت الأمطار بمعدلات عالية في أوائل الستينيات، أدت إلى فيضانات وكوارث هائلة، وغرق المحاصيل والأراضي في هضبة البحيرات.

ولذلك عمدت مجموعة من الدول، هي مصر، والسودان، وكينيا، وأوغندا، وتنزانيا، في بداية عام 1967، وبمعونة من برنامج الأمم المتحدة للتنمية، إلى زيادة وتنشيط جميع القياسات والبيانات المائية. ووقعت الدول الخمس المشتركة في المشروع، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ومنظمة الأرصاد الجوية العالمية، اتفاقاً أُقيمت بموجبه محطات رصد في مجمعات الأمطار الرئيسية (بحيرات فيكتوريا، وكيوجا، وألبرت). وقد حظي بتمويل دولي من العديد من الدول المانحة، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الأرصاد العالمية. وقد تم هذا المشروع على ثلاثة مراحل، هي:

·   الأولى من عام 1967 وحتى عام 1972، بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

·   الثانية من عام 1976 وحتى عام 1980، بتمويل من برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.

·   الثالثة من عام 1981 وحتى عام 1992، بدعم من الدول المتشاطئة.

لم يقتصر هدف المشروع على القياسات المائية فقط، بل تعرض إلى موازنات البحيرات، ودراسة التبخر، وتدريب الفنيين من الدول المشتركة، وعمل نموذج رياضي لمشروعات أعالي النيل.

بعد أن اجتمعت لجنة مشروع الهيدروميت في أوغندا، عام 1992، بهدف مراجعة وتقييم المشروع، تم الاتفاق على إعداد وثيقة جديدة للتعاون، أُنشئ بمقتضاها لجنة فنية لتجمع "التكونيل" من ممثلي هذه الدول.

رابعاً: مشروع التكونيل Tecconile

يُعد فشل تجمع الأندوجو في خلق كيان موحد وتوقفه، وتقييم مشروع الهيدروميت، اتجهت دول الحوض إلى البُعد عن نظام المحاصصة. واستقرت المباحثات على وضع نظام يعني بالتعاون الفني لحماية بيئة الحوض، وسُمي هذا النظام بـ"اللجنة الفنية لتدعيم التنمية وحماية البيئة في حوض النيل". وشُكلت اللجنة من ستة ممثلين، وقعت على اتفاقية التكونيل في كمبالا، عام 1992، وهي مصر، والسودان، وتنزانيا، ورواندا، وأوغندا، والكونغو، بينما بقيت دول أخرى بصفة مراقب، هي إثيوبيا، وإريتريا، وكينيا، وبوروندي. وتم الاتفاق على أن تُجدد الاتفاقية كل ثلاث سنوات.

كانت الأهداف بعيدة المدى للتكونيل مساعدة الأقطار المشاركة، في تنمية واستخدام موارد النهر المائية، والمحافظة عليها بطريقة متكاملة ومستدامة، عبر تعاون على مستوى الحوض.

أما الأهداف قصيرة المدى، فكانت مساعدة الدول المشاركة في إعداد خطط مائية رئيسية وإدماجها في خطة تنمية عمل وادي النيل، ومساعدتها في إقامة بنية أساسية، وبناء القدرات والتقنيات المطلوبة لإدارة الموارد المائية لدول الحوض.

وبدأ الإنشاء، عام 1993، وقد اشتمل هيكله التنظيمي على مجلس وزراء، ولجنة فنية، وسكرتارية. وأنجز عدة أنشطة من بينها إعداد أطلس للموارد المائية، وتدريب الفنيين بدول الحوض على موضوعات نظم المعلومات الجغرافية، وإعداد النماذج الهيدرولوجية، إضافة إلى إقامة مؤتمرات لتبادل الرأي والخبرة حول موضوعات المياه لنهر النيل. وعُقد المؤتمر الأول في أسوان، ثم استمر عقد المؤتمرات سنوياً في دول الحوض.

وتلخصت أهداف المؤتمرات في الآتي:

1. التقاء خبراء المياه في دول الحوض، والخبراء الدوليين، ومنظمات التمويل الخارجي، لمناقشة موضوعات محددة تتصل بتنمية حوض النيل.

2. مناقشة الإستراتيجيات الوطنية لإدارة موارد المياه، وبرامج العمل، وتنسيقها في إطار خطة متكاملة لتنمية حوض النيل.

3. بحث الخيارات لإطار تعاوني ومؤسسي، والآليات المناسبة لحوض النيل.

4. تبادل التجارب والمعلومات المتعلقة بتنمية الموارد المائية.

5. مراجعة تقدم وإنجازات المؤتمرات السابقة.

في عام 1995، كان أهم نشاط اطلع به التكونيل، هو تبني خطة عمل لحوض النيل، بدعم من الوكالة الكندية للتنمية الدولية، شملت 21 مشروعاً، وقُدرت تكلفتها بحوالي 100 مليون دولار، وكان من بينها مشروعات خطة العمل لإدارة متكاملة، والتخطيط للموارد المائية، وتنمية الموارد البشرية، وحماية البيئة.

وفي مارس 1997، قبل البنك الدولي طلب مجلس وزراء الحوض، لتنسيق الدعم الخارجي لتمويل وتنفيذ خطة عمل حوض النيل، في شراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والوكالة الكندية للتنمية الدولية، مع إجراء عملية مراجعة واستشارة لخطة العمل. ونوقشت مسودة العمل، في يناير 1989، في القاهرة، بحضور ممثلي دول الحوض، وكان الاتفاق على فكرتين، هما الرؤية المشتركة والعمل على الأرض.

ويعني ذلك تحقيق تنمية اجتماعية واقتصادية مستدامة، من طريق الاستغلال العادل للموارد لحوض النهر، وأن يكون تحقيق ذلك من طريق العمل في جميع الحوض وأحواضه الفرعية وفي دوله، بحيث تأتي المشروعات بنتائج ملموسة.

وفي فبراير 1998، عُقد مؤتمر النيل السادس، في كيجالي برواندا، ونُوقشت مسائل زيادة السكان وأثرها على استدامة الموارد المائية في حوض النهر، والتدهور البيئي، ورفع كفاءة استخدام المياه وغيرها. وخلال هذا المؤتمر أظهرت كل من إثيوبيا، وتنزانيا، حاجتها المتزايدة للمياه نتيجة زيادة عدد السكان، وتدعيمها للزراعة المطرية بالزراعة المروية. واقترحت إثيوبيا إبرام اتفاقيات جديدة لتقاسم المياه على أساس الإنصاف.

في 26 يونيه 2000، عُقد مؤتمر النيل الثامن، في أديس أبابا، وفيه أظهرت إثيوبيا معاناتها بسبب الاعتماد على الزراعة المطرية، وطالبت بمطالبها السابقة نفسها، وهي بالتقاسم المنصف والعادل للمياه.

ويلاحظ أن العمل يتم على مستوى الحوض ككل في مشروعات التنمية المشتركة، إلا أن البنك الدولي أبدى فكرة العمل في الأحواض الفرعية، لأجل ضبط جريان النهر وزيادة معدلات التخزين. ويُعتقد أنه بهذا الإجراء أمكن التغلب على اختلاف الرأي بين دول أعلى النهر وأسفله، حيث كانت دولتا أسفل النهر (مصر والسودان) تصران على موافقة كل دول الحوض على المشروعات، وكانت دول أعلى النهر ترى أن ذلك وسيلة تستخدمها دول أسفل النهر لتعوق حصول دول أعلى النهر على التمويل اللازم، لمشروعاتها الخاصة بتنمية الموارد المائية. لذلك بحث مجلس وزراء الحوض، في مارس 1998 بدار السلام بتنزانيا، إنشاء لجنة فنية استشارية للتوصية بالإجراءات اللازمة. وكانت التوصية هي إنشاء آلية جديدة تسمى مبادرة حوض النيل.