إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إدارة مياه النيل كمحدد للتعاون والصراع بين دول الحوض





موقع سد النهضة
نهر النيل
متوسط الموارد المائية لنهر النيل
مشروعات إثيوبيا المائية
المشروعات المائية المقترحة بين مصر والسودان لزيادة إيراد النهر
التوغل الأمريكي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التدخل الأوروبي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التغلغل الإسرائيلي بدول حوض النيل

نهر عطبرة
المشروعات المائية على نهر النيل
البحيرات العظمى
الدول المتشاطئة على البحيرات
الروافد المغذية للبحيرات
تصريفات نهر النيل
دول الهضبة الاستوائية
دول حوض النيل
حوض البحيرات العظمى



الفصل الأول

المبحث العاشر

مواقف الاختلاف قبل اتفاقية إطار التعاون (اتفاق عنتيبي)

ظل موقف دول أعالي النهر مستمسكاً بعدم وجود إطار قانوني ملزم يحكم قسمة المياه، بين الدول المتشاطئة في الحوض، وأن اتفاقيات الحقبة الاستعمارية إنما جاءت إقراراً لحقوق الدول الاستعمارية وتحقيقاً لمصالحها، ولم تكن في صالح دول الحوض، وأن هذه الاتفاقيات أُقرت خلال فترة الاحتلال، ولم تتوافر الإرادة الوطنية للقبول أو الرفض.

وقد جاءت اتفاقية عام 1929، بصفة خاصة لصالح القوى الاستعمارية؛ ولكن بعد إنهاء الاحتلال، أفادت منها مصر والسودان فقط، دون دول الحوض.

وقد تفاقمت أوجه الاختلاف على نحو ينبغي معه إعادة التفاوض لإعادة التقسيم والمخاصصة، على أسس تراعي الحقوق الحالية دون غيرها، وهذا ما ترفضه كل من مصر والسودان؛ لأنه يؤثر على مصالحها المائية، بل يهددها.

أولاً: مواقف دول المنابع

من الثابت أن دول المنابع تتخذ موقفاً موحداً تجاه مصر والسودان، لتحقيق مصالحها في مواجهة التكتل المصري ـ السوداني؛ ولكن في حقيقة الأمر، فإن بعضاً من دول المنابع تتمتع بالوفرة المائية، ويقل اعتمادها على مياه نهر النيل، ومن ثم فإنها تتخذ موقفاً متسامحاً تجاه مصر والسودان. ورؤيتها في اتخاذ هذا الموقف أنها غير مضارة، ولم تتأثر مصالحها حتى الآن، بل إن مصالحها ستظل في مأمن إلى فترة مستقبلية.

وقبل التطرق إلى موقف دول المنابع وعرضها وتفنيدها، فمن الأوفق إيضاح وجهة نظر اتُخذت خلال فترة توحد تنجانيقا وزنجبار، وظهور تنزانيا وحصولها على الاستقلال، وهو ما يُعرف بمبدأ "نيريري".

1. مبدأ نيريري

توحدت تنزانيا عقب الاستقلال، عام 1964، وانتهجت المنهج الاشتراكي، واتجهت للنهوض بالزراعة وتنميتها؛ فازداد احتياجها للمياه، خاصة من بحيرة فيكتوريا، حيث يقع الجزء الأكبر من البحيرة في أراضيها. ووجدت تنزانيا أن المعاهدات، التي وُقعت خلال الحقبة الاستعمارية، إنما تحقق مصالح هذه الدول، كما ترعى مصالح كل من مصر والسودان، المستعمرتين الرئيسيتين المخصصتين لزراعة القطن لمصانع بريطانيا.

وعلى هذا وجدت تنزانيا أن هذه المعاهدات الاستعمارية إنما جاءت محققة لمصالح بريطانيا، ومجهضة لآمالها في التوسع الزراعي تحقيقاً لمتطلبات الغذاء لسكانها ذوي الازدياد المضطرد، ولأهمية هذا القطاع الذي يحقق 85% من قيمة صادراتها.

ولهذا أعلن الرئيس "جوليوس نيريري" موقف تنزانيا السياسي والقانوني حيال التعامل مع اتفاقيات الحقبة الاستعمارية، وذلك أثناء إلقاء خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في 30 نوفمبر 1961. وقد عُرف ذلك الموقف بما يُسمى: مبدأ نيريري.

وأورد المبدأ أن تنزانيا ستلتزم باتفاقية عام 1929، لفترة سماح لا تتجاوز العامين، وخلال هذه الفترة ينبغي إبرام اتفاقية بديلة، وإذا لم يحدث ذلك خلال فترة العامين، فإن تنزانيا تعد اتفاقية عام 1929 لاغية من جانب واحد.

أدى هذا الموقف إلى توتر العلاقة بين مصر وتنزانيا؛ ولكن ما زاد من هذا التوتر صدور تقرير أشار إلى أن تنزانيا لن تنتظر أحداً لاستغلال مياه النيل وفقاً لرؤيتها، بغياب الإطار القانوني الذي ينظم المحاصصة، فضلاً عن موقفها المعروف بمبدأ نيريري، وما صاحبه من عدة دعاوى تعالت بين دول أعالي النهر، بضرورة مواءمة مواقفها لتتسق مع السياسات المائية، التي نادى بها البنك الدولي، واقتراحات بعض الدول بضرورة تسعير وبيع المياه لمصر والسودان. وأيدت أوغندا تنزانيا في اجتماع التكونايل عام 1996، والذي طلبت فيه تنزانيا رسمياً بأن تدفع مصر مقابلاً مالياً لقاء المياه التي تتلقاها.

2. موقف دول الهضبة الإثيوبية

أ. إثيوبيا

نظراً للظروف الطبوغرافية بالهضبة الإثيوبية، ما يجعلها كثيرة الهضاب والمرتفعات، فإن سهولها الوسطى لا تجد كفايتها من المياه، ولذلك اتجهت لزيادة مواردها المائية لري هذه السهول والنظر في زراعتها واستغلالها، لسد الحاجة الغذائية؛ ولهذا فإن منطلقاتها تنبع من الآتي:

(1) رفضت إثيوبيا مبدأ الحقوق المكتسبة، التي اشترطت عليها الحصول على إذن مسبق من مصر والسودان لإقامة أي مشروعات أو أعمال على النهر، وذلك منذ جلاء القوى الاستعمارية. فتقدمت أثيوبيا بمذكرة رسمية، في 26 فبراير 1956، تضمنت النص باحتفاظها بحقها في استخدام مياه النيل. وقوبلت تلك المذكرة بمعارضة مصرية، لتمسكها بسريان الاتفاقيات الاستعمارية، وردت إثيوبيا بتشدد مدعية ملكيتها للمياه التي تنبع من أراضيها استناداً إلى نظرية السيادة المطلقة. وأكدت إثيوبيا في مذكرتها الرسمية، التي وُزعت على الدول، في سبتمبر 1957، على احتفاظها في المستقبل باتخاذ التدابير اللازمة فيما يتعلق بمصادر المياه.

(2) رفضت اتفاقية قسمة المياه بين مصر والسودان، عام 1959، لأنها لم تُستشار فيها، وأن القسمة تمت بين دولتين من دول أسفل النهر (مصر والسودان). كما عارضت بناء السد العالي، وقدمت احتجاجاً رسمياً بذلك.

(3) في عام 1976، أصدرت وزارة الخارجية الإثيوبية مذكرة رسمية، وزعتها على الدول الأعضاء بمنظمة الوحدة الأفريقية، مستنكرة إنشاء مصر مشروعات كبيرة دون إخطار دول أعالي النهر.

(4) أعلنت عام 1981، البدء في تنفيذ مشروع عملاق لإقامة ما يزيد عن 40 سداً وقناة، بدعم أمريكي، وآخر إسرائيلي.

(5) خلال مؤتمر النيل، الذي عُقد بأديس أبابا عام 1997، قدمت أثيوبيا ورقة عمل انتقدت فيها الاتفاقيات الاستعمارية، والاتفاقية المصرية السودانية لعام 1959، ودعت إلى إلغاء هذه الاتفاقيات، ونادت بإجراء مفاوضات سياسية، من أجل الوصول لاتفاقيات جديدة.

ب. إريتريا

نالت إريتريا استقلالها حديثاً، بالانفصال عن إثيوبيا، عام 1993، بعد نضال طويل. ويوجد بين الدولتين صراع حدودي وليس على المياه، وليست لإريتريا مطالب حول حوض النيل. ويوجد بأريتريا منابع نهري الفاشي وعطبرة، كما أنها تستفيد من مياه نهر تنسي، وهو نهر موسمي تستفيد من مياهه خلال الخريف لجفافه في فترة الصيف. ومن ثم، فإن موقفها لا يمكن أن يعد مؤثراً على الحقوق المصرية ـ السودانية.

3. مواقف دول الهضبة الاستوائية

أ. موقف الكونغو

تضمن دستور الكونغو عند الاستقلال، عام 1960، نصاً على أن المعاهدات والاتفاقيات الدولية المبرمة قبل ذلك التاريخ ستظل نافذة ما لم تُعدل بتشريع وطني. ولم يصدر تشريع وطني لتعديل اتفاقيات المياه، علماً بأن إحدى مواد الاتفاقية، التي وقعتها بريطانيا بناءً على السلطة الاستعمارية البلجيكية للكونغو عام 1956، حرمت الكونغو من الحق في إجراء أي تغيير لمجرى الماء المنساب إلى بحيرة ألبرت، أو إقامة أي إنشاءات عليه للاستفادة من مياه نهر السمليكي، إلا بعد الاتفاق مع حكومة السودان.

ب. موقف أوغندا

انتهجت أوغندا، منذ استقلالها، مبدأ نيريري بمنح الدول الأعضاء فترة سماح لمدة عامين، من أجل التوصل إلى اتفاق بديل. ويُلاحظ تأرجح الموقف الأوغندي؛ فهي ترفض سريان اتفاق عام 1929، كما ترفض الاعتراف بالاتفاقية الثنائية بين مصر والسودان عام 1959، وتلتزم باتفاق عام 1950 الخاص بإنشاء سد أوين مع مصر ومشروعه الكبير الذي مولته مصر. إلا أن موقفها الحالي أوضحه الرئيس "موسيفيني" في تصريحه: "إن على مصر أن تكف عن مطالبة دول أعالي النهر باحترام اتفاقية عام 1929 الاستعمارية"، وكذلك تصريحه أيضاً: "لم يعد ممكناً أن تستمر مصر في احتكار استخدام مياه النيل". ودعا إلى النظر في الاتفاقية التي تمنح مصر السيطرة على النهر.

ج. موقف تنزانيا

يتبنى الموقف التنزاني أن الاتفاقيات، التي تستند عليها كل من مصر والسودان (اتفاقية عام 1929، واتفاقية عام 1959) غير قانونية، وتدعو إلى الحوار مع دول الحوض للوصول لاتفاقية جديدة تُقسم مياه النهر فيها على نحو متساوٍ. وإلى حين الوصول لهذا الاتفاق، فإنها ترى أن لها الحق في استغلال مواردها المائية التي تقع داخل إقليمها بما يتفق ومفهوم مبدأ السيادة المطلقة، مع الأخذ في الاعتبار أهمية التعاون والتخطيط الجماعي لصالح كل دول الحوض.

د. موقف كينيا

انتهجت كينيا النهج التنزاني نفسه، متوافقة مع مبدأ نيريري، مع الدعوة إلى اتفاق جديد وشامل لقسمة المياه. إلا أن الموقف الكيني اتضح صراحة خلال اجتماعات وزراء الموارد المائية لدول حوض النيل، في أديس أبابا في ديسمبر 2003، حيث انسحبت وزيرة الموارد المائية الكينية من الاجتماعات احتجاجاً على إصرار مصر والسودان على التمسك بالحقوق المكتسبة، وصرحت بالآتي: "إن الاتفاقية تتعارض مع أحد قضايا الأمن القومي لدول المنطقة (البحيرات)"، مشيرة إلى موقف كينيا تجاه الاتفاقيات، تم الإعلان عنه فور استقلال البلاد عام 1963، وأن بلادها، في السنوات الأخيرة، أوقفت وصف الاتفاقية بعدم الشرعية، وحاولت، مستندة إلى علاقاتها المتميزة مع مصر، إحداث إصلاحات وتعديلات أساسية في الاتفاقية.

هـ. موقف رواندا وبوروندي

ترى الدولتان أن الإفادة من مياه النيل من خلال المبادرات الجماعية، هي أفضل طريق لتجنب الصراع.

وقد أعلنت رواندا أنها  ستحدد قرار قبولها أو رفضها المعاهدات، بناءً على الممارسة الدولية. ولم يقم دليل على نقضها للاتفاقيات.

أما بوروندي، فقد التزمت بمبدأ إعطاء فترة سماح، لإعادة التفاوض للوصول إلى اتفاقية مرضية لها. ويُلاحظ أن بوروندي ينبع اهتمامها بالنيل نتيجة التزايد السكاني بما يفوق مساحتها، وإمكانية البلاد على استيعاب هذه الزيادة، ومن هنا تنبع أهمية الاستفادة من النهر لإحداث التنمية الاجتماعية والاقتصادية.

وقد نسقت الدولتان جهودهما مع كل من أوغندا وكينيا وتنزانيا لتشكيل جبهة لإعادة التفاوض على قسمة المياه، وإقرار اتفاقية مائية جديدة.

ثانياً: الموقف المصري والسوداني

تتفق كلاً من مصر والسودان على أن اتفاقيات مياه النيل مشروعة، وأن حقوقهما ثابتة، ويتخذان موقفاً واحداً منسقاً تجاه دول المنابع، ويعتمدان في تأكيد وإثبات المشروعية وإثبات الحقوق على مبدأين أساسيين، هما

·   مبدأ التوارث الدولي للمعاهدات.

·   مبدأ الحقوق التاريخية المكتسبة.

1. النظرة المصرية ـ السودانية لمبدأ التوارث الدولي للمعاهدات

لم تكن ثمة نظرية متكاملة تحكم موضوع التوارث الدولي للمعاهدات، إلا أن الجهود الدولية، وخاصة لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحدة، أسفرت عن توقيع معاهدة خاصة تحكم هذا الشأن، وهي اتفاقية فيينا لخلافة الدول في المعاهدات الدولية، الموقعة في 23 أغسطس 1978.

ويُلاحظ أنه حتى قبل إبرام اتفاقية فيينا، جرى العمل الدولي على تطبيق أحكام التوارث الدولي في المعاهدات التي تجوز الخلافة فيها (على الرغم من عدم وجود اتفاقية موقعة)، وهي المعاهدات التي تتضمن حقوقاً والتزامات دولية، مثل الاتفاقيات الخاصة بتنظيم استغلال الأنهار الدولية والممرات المائية، وكذا المعاهدات المنشئة للحدود وتعيينها وتخطيطها، إلا أنه الآن يتمسك بما جرى عليه العمل الدولي قبل توقيع الاتفاقية، وكذا نص الاتفاقية الموقع عليها في 23 أغسطس 1978.

وينطلق موقف دول المصب من حق الرد على جميع دول المنابع لحوض النيل، التي تدعو إلى بطلان اتفاقيات مياه النيل، وإلى وجوب التزام هذه الدول بالاتفاقيات الموقعة، وفقاً للمادتين (11) و(12) من معاهدة فيينا لعام 1978، حول مبدأ توارث الدول للاتفاقيات الموقعة سابقاً. ويؤكدا الموقف الثابت لدولتي المصب أن هذه الاتفاقيات تعد سارية من وجهة نظر القانون الدولي، ولا يستطيع طرف أن يتحلل منها طبقاً لاتفاقية فيينا، مثلها مثل اتفاقيات الحدود المستقرة والمقبولة من جميع أطرافها، على الرغم من توقيعها سابقاً.

وفي هذا السياق، يمكن الاستشهاد بما أكده الدكتور "صلاح الدين عامر" أستاذ  القانون الدولي بجامعة القاهرة: "إن القول بأن اتفاقيات مياه النيل السابقة اتفاقيات استعمارية لا أساس لها من القانون، فهذه اتفاقيات دولية نافذة، وأساس نفاذها أن هناك نوعية من الاتفاقيات الدولية استثنت من أي أثر يمكن أن ينال منها، وهي اتفاقيات الحدود، أي ذات الطبيعة العينية، ومنها المتعلقة بالأنهار والمياه، وهذه الاتفاقيات تسري في مواجهة الدولة الخلف، حتى ولو كانت أبرمتها دولاً استعمارية، وهذا المبدأ مقرر بموجب المادة (12) من اتفاقية فيينا بشأن توارث المعاهدات الدولية. وقد أقرت محكمة العدل الدولية، في حكم حديث لها، عام 1997، في نزاع بين المجر وسلوفاكيا، هذا المبدأ، وبموجب ذلك أقرت أنه أصبح جزءاً من القانون الدولي العام العرفي الملزم لجميع الدول، بغض النظر عما إذا كانت من أطراف اتفاقية فيينا بشأن المعاهدات أم لا، وبالتالي فإن جميع دول حوض النيل ملزمة بالاتفاقيات السابقة".

إن الموقف المصري ـ السوداني بشأن اتفاقيات مياه النيل التي وقعت على مدار قرن من الزمان ينطلق من الحقائق التالية:

أ. أن اتفاقيات مياه النيل تكمل بعضها بعضاً، وتؤكد الاتفاقيات الحديثة منها على ما ورد بالاتفاقيات التي سبقتها.

ب. لم يحدث قط أن ألغت أية اتفاقية من اتفاقيات مياه النيل الحديثة أو القديمة، أية اتفاقيات أخرى سبقتها، ولم يحدث قط أن عارضت أية اتفاقية ما ورد في اتفاقية أخرى سبقتها.

ج. أن مبدأ توارث المعاهدات هو من مبادئ القانون الدولي والأعراف الدولية، ويُطبق على اتفاقيات الأنهار المشتركة، في كل دول العالم.

د. أن تضمين القانون الدولي لمبدأ توارث المعاهدات والاتفاقيات في الأنهار المشتركة، وعدم السماح بإلغاء تلك الاتفاقيات أو تعديلها، هو أمر منطقي وإنساني، قبل أن يكون قانوناً دولياً، إذ يحافظ على حياة واستقرار الشعوب، ولا يُعرضها لهزات تنموية واقتصادية.

2. النظرة المصرية ـ السودانية لمبدأ الحقوق التاريخية المكتسب

يعني هذا المبدأ احترام الكيفية التي جرى بها العمل في اقتسام واستخدام مياه النهر الدولي، فيما بين الدول المشاركة في مجراه، بشرط أن يكون هذا الاقتسام والاستخدام حدث لفترة طويلة دون اعتراض دول النهر الأخرى.

تستند مصر والسودان في تأكيد حقوقهما في مياه نهر النيل إلى مبدأ الحق التاريخي المكتسب، بوصفه أحد المبادئ التي يؤكدها الفقه الدولي، وتؤكده مجموعة الوثائق الدولية التي أبرمت مع سلطات الدول المشاركة في حوض النيل.

إن حقوق مصر والسودان من مياه النيل يكفلها، على المستوى القانوني، بعض الاتفاقيات، منذ القرن التاسع عشر، واستقر بناءً عليها نوعان من الحقوق:

·   الأول: الحقوق المكتسبة التي تكونت عبر فترة طويلة من الزمان.

·   والثاني: الحقوق التاريخية التي لم ينازعها عليها أحد إلا مؤخراً.

إن قواعد هلسنكي، لعام 1966، بشأن تقاسم مياه الأنهار الدولية المشتركة، كانت حريصة على إدراج معيار الاستخدامات السابقة والحالية والمستقبلية، كأحد معايير تقسيم الأنصبة المائية بين الدول المنتفعة في حوض النهر الدولي، وهو ما ينطبق على الحالة المصرية ـ السودانية.

وأخيراً، فإن قضية تقاسم مياه النيل هي إحدى القضايا الخلافية، حيث تتعمد بعض دول المنابع إثارتها من وقت لآخر، الأمر الذي يؤدي إلى نوع من التعاملات الإقليمية الصراعية؛ إلا أن الحقوق المائية المصرية ـ السودانية تُعد من الثوابت التي لا تقبل المساومة، وتكفلها مبادئ القانون الدولي والعرف الدولي العام، استناداً إلى مبدأي التوارث الدولي للمعاهدات والحق التاريخي المكتسب.