إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إدارة مياه النيل كمحدد للتعاون والصراع بين دول الحوض





موقع سد النهضة
نهر النيل
متوسط الموارد المائية لنهر النيل
مشروعات إثيوبيا المائية
المشروعات المائية المقترحة بين مصر والسودان لزيادة إيراد النهر
التوغل الأمريكي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التدخل الأوروبي بدول حوض النيل والقرن الأفريقي
التغلغل الإسرائيلي بدول حوض النيل

نهر عطبرة
المشروعات المائية على نهر النيل
البحيرات العظمى
الدول المتشاطئة على البحيرات
الروافد المغذية للبحيرات
تصريفات نهر النيل
دول الهضبة الاستوائية
دول حوض النيل
حوض البحيرات العظمى



الفصل الأول

المبحث الثاني عشر

مستقبل العلاقات والسيناريوهات المستقبلية

نتيجة فشل مفاوضات مؤتمر شرم الشيخ بمصر، في أبريل 2010، في الوصول إلى اتفاق نهائي، أو التوصل إلى حل للخلاف بشأن المادة مثار الجدل، أدى ذلك إلى إثارة المخاوف حول مستقبل مبادرة حوض النيل، والتعاون الجماعي بين دول حوض نهر النيل، بصفة عامة؛ إلا أنه يمكن القول بأن الخلافات الحالية ما هي إلا امتداد للخلافات السابقة حول اتفاقيات مياه النيل القائمة، وليست شيئاً جديداً.

وهذا أمر في حد ذاته يخفف من حدة التشاؤم في عدم الوصول إلى حلول يتوقف عليها مستقبل العلاقات؛ ولكن ما يدعو إلى الاطمئنان استمرار التعاون بين دول الحوض، وبصفة خاصة مصر، التي لم تتوقف عن مد العون والمساعدة لهذه الدول، وكذلك استمرار التنسيق والتكامل بين الموقفين المصري والسوداني على الرغم من ظروف السودان الصعبة قبل فترة الانفصال وما تلاها، وقيام دولة جنوب السودان.

كما يمكن ملاحظة تواصل زيارات الوفود بين دول الحوض، في إطار من العمل التعاوني التفاوضي.

أولاً: إطار العمل التعاوني التفاوضي حتى عام 2011، ومستقبل العلاقات

يمكن تقسيم هذه الفترة إلى مرحلتين:

·   المرحلة الأولى: هي المرحلة التي سبقت فترة توقيع الدول الخمس على الاتفاقية، في عنتيبي، في مايو 2010، بخمس سنوات، أي منذ عام 2005. وقد تميزت بمحاولة السير قدماً نحو توقيع الاتفاقية الإطارية وإزالة المعوقات، التي تمنع موافقة لأعضاء عليها وتوقيعها، ورفع اللجنة التفاوضية الأمر إلى المجلس الوزاري لدول الحوض.

·   المرحلة الثانية: هي المرحلة التي تلت توقيع دول المنابع الخمس، ومحاولتهم الضغط على مصر والسودان لإجبارهما على القبول. ويظهر في هذه المرحلة التحول المصري نحو التهدئة وإعادة دراسة الموقف وتقويمه، والتأكيد على التكامل المصري ـ السوداني، ثم التحول نحو استخدام القوى الناعمة للدبلوماسية الشعبية، بعد قيام الثورة الشعبية المصرية، في يناير 2011.

1. المرحلة الأولى: الفترة من مايو 2005 حتى مايو 2010 (توقيع الاتفاقية)

أ. أول مايو 2005

عُقدت اجتماعات اللجنة التفاوضية السادسة لمبادرة آلية حوض النيل، في كمبالا بأوغندا، لمناقشة الإطار القانوني المؤسس لاتفاقية جديدة، تحكم علاقات دول الحوض. واتُفق على أن ترفع اللجنة التفاوضية تقريراً بنتيجة عملها على مدار عامين، إلى المجلس الوزاري لدول الحوض.

ب. 30 – 31 مارس 2006 (أديس أبابا)

تم عقد مؤتمر غير عادي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، لمجلس وزراء دول حوض النيل، برئاسة وزير الموارد المائية برواندا، وذلك فيما يتعلق بمفاوضات العمل التعاوني. وقد أكد الوزير الرواندي على ضرورة الإسراع للتوصل إلى نتائج، خاصة بعد مرور ثلاث سنوات على تشكيل لجنة المفاوضات. كما أكد الوزير الإثيوبي للموارد المائية في هذا الاجتماع على أن بلاده تراعي الالتزام التام تجاه مبادرة حوض النيل، لتصل إلى حل دائم للموضوعات المعلقة بالإطار القانوني. وقد أعرب وزراء الموارد المائية في كل من مصر والسودان والكونغو الديموقراطية عن تفاؤلهم فيما يتعلق بالاتفاقية الموقعة بين دول الحوض بعد سنوات من المباحثات المتعثرة.

ج. 2 – 3 مايو 2006 (بوروندي)

استضافت حكومة بوروندي هذا الاجتماع، الذي ضمّ الدول النهرية العشر لحوض النيل. وقد اهتم هذا الاجتماع بأطر العمل القانوني، ووضع اللوائح القانونية.

د. مايو 2006 (رواندا)

عقد الاجتماع في بجمبورا، عاصمة رواندا، ووافقت دول الحوض في هذا الاجتماع على الاتفاقية الإطارية الجديدة للمياه، عدا إثيوبيا، التي أبدت اعتراضها على ثلاث نقاط، هي: الإخطار المسبق، والأمن المائي، والمصطلحات الفنية. وقدمت مصر عدة مقترحات لإثيوبيا لتدرسها، تمهيداً للوصول إلى اتفاق نهائي بشأنها.

هـ. 24 – 25 يونيه 2007 (أوغندا)

عُقد الاجتماع الخامس عشر بعنتيبي بأوغندا. وقد اجتمع مجلس وزراء النيل للتأكيد على إزالة الصعوبات، التي تؤجل الوصول لاتفاق الإطار القانوني لإنشاء مفوضية حوض النيل، التي ستحل محل مبادرة حوض النيل NBI؛ ومازالت المسائل المعلقة بين دول الحوض، تحول دون الوصول للاتفاق النهائي.

و. 22 مايو 2009 (كينشاسا)

عُقد الاجتماع في كينشاسا بالكونغو الديموقراطية، وحضره وزراء الموارد المائية في كل من الكونغو ومصر وإثيوبيا ورواندا والسودان وتنزانيا وأوغندا، ووفد حكومي لكينيا، كما حضره مندوبان عن الجهات المانحة (البنك الدولي، والسويد)، وأعضاء اللجنة التفاوضية، وأعضاء اللجنة التنفيذية. وقد نوقشت بعض البنود الخاصة بالاتفاقية الإطارية (14ب/8ب/34ب). وقد أصرت مصر على عدم التوقيع على الإطار القانوني، إلا بعد إجراء التعديلات اللازمة فيما يتعلق بالأمن المائي والإخطار المسبق والحقوق التاريخية.

وقد انقسمت دول حوض النيل في هذا الاجتماع إلى فريقين؛ دول المنابع السبع، في ناحية، ومصر والسودان، في ناحية أخرى. وفي 5 يوليه 2009، أصدرت الدول المشتركة بياناً حددت فيه موقفها من نتائج الاجتماع، وقررت الدول السبع المضي في إنشاء مفوضية حوض النيل، اعتباراً من أغسطس 2009، من دون الرجوع إلى مصر والسودان، وأن القرار سوف يكون بالأغلبية.

ز. 27 يوليه 2009 (الإسكندرية)

هو اجتماع استثنائي لمجلس وزراء الموارد المائية لحوض النيل الشرقي (إثيوبيا، ومصر، والسودان)، لتنسيق المواقف فيما بينها، ومحاولة التوصل إلى صيغة توافقية للخروج برؤية موحدة تجاه القضايا الخلافية، كما يهدف إلى نزع فتيل الأزمة التي حدثت في كينشاسا، ووضع حل من خلال التعاون بين كل من اللجنة الاستشارية ولجنة التفاوض. ويُلاحظ الآتي:

(1) تأكيد وزير الموارد المائية الإثيوبي على أهمية دعم مبادرة حوض النيل، والتغلب على التحديات التي تواجهها، والعمل على تبديد المخاوف التي أثارتها دول المنابع، وكذلك حث مصر وتشجيعها على ضخ المزيد من الاستثمارات في المشروعات الإثيوبية.

(2) تأكيد الجانب المصري على أن مصر لا تنوي الانسحاب من مبادرة حوض النيل، وأن جميع الخلافات يمكن حلها بالتفاوض، وأن مصر لا تمانع في إقامة أي مشروعات في دول المنابع ما دامت لا تؤثر على حصتها المائية، كما أنها تتمسك بحقوقها التاريخية المكتسبة.

ح. الاجتماع غير العادي لمجلس وزراء النيل بشرم الشيخ، في 13 أبريل 2010

رفضت المطالب المصرية المتعلقة بعدم إقامة دول المنابع مشروعات لتنظيم المياه واستغلالها، إلا بعد التنسيق مع مصر. واتخذت دول المنابع موقفاً يصر على التوقيع على الاتفاق الإطاري، ابتداءً من 14 مايو 2010، بوضعه الحالي. وردت مصر بالدفوع القانونية التي يؤكدها القانون الدولي، وأنها ترفض هذا الإجراء وتتمسك بالاتفاقيات القائمة، وأن يستمر التفاوض مع دول المنابع للوصول إلى صيغة توافقية.

انتهى اجتماع شرم الشيخ ببيان يحدد مواقف كل من دول المنابع ومصر والسودان، دون الوصول لقرارات. وأكدت مصر والسودان أنهما في حالة توقيع دول المنابع منفردة، فإنهما يحتفظان بحقهما في اتخاذ التدابير المناسبة للحفاظ على مصالحهما القومية.

ط. التوقيع المنفرد على الاتفاقية، في عنتيبي، في 14 مايو 2010

في هذا الاجتماع المنفرد، وقعت أربع دول من دول المنابع، هي إثيوبيا، ورواندا، وتنزانيا، وأوغندا، على الاتفاقية الإطارية، دون التوافق على نقاط الخلاف مع مصر والسودان؛ بينما أعلنت كينيا أنها ستوقع عندما تكون مستعدة. ثم تلا ذلك بعدة أيام توقيع كينيا.

وقد أعلن وزير الموارد المائية الإثيوبي في هذا الاجتماع، أن دول المنابع تريد أن تسهم في مشروعات للري والطاقة، تستشير فيها مصر والسودان؛ ولكن من دون أن تمارسا حق الاعتراض (الفيتو)، طبقاً لبنود اتفاقية عام 1929.

كما أبدى الوزير التنزاني استعداد بلاده لقبول دعوة مصر إلى عقد اجتماع دول الحوض في القاهرة، لاستكمال المفاوضات.

2. المرحلة الثانية: الفترة بعد مايو 2010 وحتى نوفمبر 2011

أ. في أبريل 2011، أرسلت مصر وفداً شعبياً لأوغندا يضم 48 عضواً من القوى السياسية والشعبية، وكان الوفد قد حصل على وعد من الرئيس الأوغندي "يوري موسيفيني" بعدم التصديق على الاتفاقية الإطارية، لإفساح مجال الحوار مع القاهرة. وزار الوفد إثيوبيا بعد زيارته لأوغندا.

ب. قرر رئيس الوزراء الإثيوبي "ميليس زيناوي" تأجيل التصديق على الاتفاقية لدول حوض النيل، والتي رفضتها مصر والسودان، إلى حين انتخاب برلمان ورئيس جديد في مصر.

ج. زيارة وفد شعبي مصري لإثيوبيا، وخلال اللقاء بالوفد صرح رئيس الوزراء الأثيوبي، أن السدود التي تقيمها إثيوبيا، وخاصة سد الألفية، لن تُستخدم في ري الأراضي الإثيوبية؛ ولكن ستُستخدم لإنتاج الطاقة الكهربائية، ولن تؤثر على حصة مصر في مياه النيل.

د. اختُتم، في 11 نوفمبر 2011، الاجتماع العادي التاسع عشر، والذي عُقد تحت شعار: حوض النيل ضرورة للتعاون، والذي أقر موازنة العام المالي 2011/2012. ورفض الاجتماع إعادة النظر في الاتفاقية الإطارية، على الرغم من أنه قرر مراجعة الآثار القانونية والمؤسسية للاتفاقية في اجتماع استثنائي، يُعقد في أكتوبر 2012 في كيجالي برواندا، واتفق على نقل الرئاسة الدورية من إثيوبيا إلى كينيا لعام واحد. وتباينت الآراء في الآتي:

(1) دول أعالي النيل أبرزت أن الاتفاقية الإطارية الشاملة تمثل أساساً عملياً لإنشاء مفوضة للنيل، من أجل حماية المكتسبات، والتوجه للمرحلة القادمة.

(2) توجهت دول أعالي النيل لمصر والسودان باقتراح، أن تعيدا بعناية وبشكل شامل بحث موقفيهما من نقط الخلاف، وأن تكونا أكثر تصالحية لتجاوز هذا الخلاف.

(3) تركز الموقف المصري ـ السوداني على ضرورة الاعتماد على التجارب الدولية لإيجاد حل للمسائل المعلقة، وشددتا على التزامهما الثابت بالتعاون مع الدول المتشاطئة.

هـ. ذكرت صحيفة الإثيوبيان هيرالد الإثيوبية اليومية، أنه تقرر عقد اجتماع استثنائي لدول مبادرة حوض النيل، في أكتوبر 2012 في كيجالي برواندا، لمراجعة الآثار القانونية والمؤسسية للاتفاقية الإطارية الشاملة، وأن مصر والسودان طلبتا عقد هذا المؤتمر الاستثنائي.

و. طلبت جمهورية جنوب السودان العضوية الكاملة في مبادرة حوض النيل؛ فهي حضرت كمراقب في الاجتماع الوزاري لدول حوض النيل التاسع عشر (نوفمبر 2011). وأن ممثل جنوب السودان قدم طلباً بالفعل لكي تكون بلاده جزءاً من عملية التفاوض، وأن جنوب السودان سيعمل في إطار مبادرة حوض النيل.

ز. استمراراً للتعاون مع دول حوض النيل، أهل قطاع التدريب بوزارة الري والموارد المائية المصرية الكوادر الأفريقية، في إطار دعم التعاون بين مصر ودول حوض النيل. وعقد قطاع التدريب 19 دورة تدريبية. وفي يونيه 2011، عقدت الدورات وحضرها 19 متدرباً من دول الحوض في مجالات الإدارة المائية على المستوى الحقلي، وأنه في إطار التعاون بين الوزارة والجامعة الأمريكية بمصر، تحت مظلة المجلس الاستشاري الهولندي، عقدت الوزارة دورة تدريبية لدعم وتنمية القدرات والمهارات الإدارية لعدد 28 متدرباً.

ح. أوصى المشاركون في ورشة عمل مصر ودول حوض النيل، بأهمية دعم رجال الأعمال المصريين ليكون لهم دور فعال في تنمية الدول الأفريقية، والمساهمة في تنمية متوازنة داخل أفريقيا، والحد من التدخلات الخارجية داخل القارة، وكذلك أوصى بالمساعدة على إيجاد حل لتفاقم أزمة اللاجئين الأفارقة.

ط. خلال اجتماع وزير التعليم العالي المصري مع سفير كينيا بالقاهرة، لدعم التعاون في مجال التعليم العالي، وافق وزير التعليم المصري على تقديم 60 منحة تعليمية، إضافة إلى استعراض ملامح المبادرة التي سيجري تنفيذها بالتعاون مع وزارة الخارجية المصرية، من خلال الصندوق المصري للتعاون الفني مع أفريقيا، ويتمثل في إنشاء فروع للجامعات المصرية بدول حوض النيل، وإجراء دراسات مشتركة بين الجامعات، وكذا تبادل أعضاء هيئات التدريس.

ي. خلال ندوة عُقدت بمركز البحوث والدراسات الأفريقية بجامعة القاهرة، نفى سفير إثيوبيا بالقاهرة أن لبلاده علاقة مع إسرائيل لضرب مصالح مصر، أو أنها تتآمر على مصالح مصر المائية. وأكد سعي بلاده لإقامة تعاون حقيقي مع مصر. وحول التأثيرات البيئية للمشروعات المائية التي تقيمها إثيوبيا، أكد أن بلاده أكثر دولة تضررت بتعرضها للمجاعة، ووصف ما تنشره المنظمات الحقوقية في كينيا بهذا الخصوص بأنه أكاذيب. وفيما يتعلق باللجنة الثلاثية، التي دعا الرئيس الإثيوبي "زيناوي" لعقدها لدراسة تأثير إنشاء سد النهضة على مصر والسودان، أكد أن التأخير كان من جانب السودان، ولكنها تمارس عملها الآن، وأكد أن إثيوبيا لها علاقات متوازنة مع الجميع.

ك. بحثت اللجنة العليا لمياه النيل بوزارة الري المصرية، في اجتماعها بالقاهرة في 30 أكتوبر 2011، مستقبل التنمية في دول حوض النيل. كما بحثت المشروعات التنموية والاستثمارات المصرية في دول الحوض. وعرض وزير الري والموارد المائية، خلال الاجتماع، الذي حضره وزراء الكهرباء، والتخطيط والتعاون الدولي، والتعليم العالي، والبحث العلمي، والنقل، والزراعة، والموارد المائية، مجموعة من التقارير المتعلقة بمستقبل عملية التنمية بدول الحوض، والعلاقات المائية وجوانبها السياسية والمائية والقانونية، والموقف الراهن من الاتفاق الإطاري، وجهود الإعداد للمشاركة في الاجتماع الاستثنائي المقرر لدول الحوض في ديسمبر القادم بنيروبي. كما بحث الاجتماع التحضير لاجتماع اللجنة الثلاثية المصرية والسودانية والإثيوبية، المعنية ببحث الآثار المترتبة على إنشاء سد النهضة، وكيفية تلافي أي آثار سلبية على دولتي المصب (مصر والسودان). وأشار وزير الري لدعوة مصر لاستضافة أعمال اللجنة الثلاثية في أقرب وقت. وأكد الاجتماع على أهمية إيجاد أطر للتعاون والمصالح المشتركة، لبناء علاقات سليمة في جميع المجالات، ومن بينها الربط الكهربائي لدول الحوض. وأكد رئيس الوزراء المصري "د. شرف" على ضرورة التعاون الإقليمي لتحقيق مكاسب تنموية حقيقية لدول الحوض الأخرى، وحرص مصر على مساندة دول حوض النيل في تنمية مواردها، بوصف نهر النيل رافداً للتنمية.

ل, في إطار تفعيل التعاون بين مصر وجنوب السودان (الدولة الجديدة المزمع ضمها للمبادرة الإطارية الشاملة لحوض النيل)، وفي إطار التعاون المصري ـ الجنوب سوداني، استردت استراحة الري بمنشأة الري المصري في ملكال بجنوب السودان، وقد أُجريت اتصالات مع كبار مسؤولي حكومة جنوب السودان، الذين تدخلوا لإعادتها إلى الري المصري.

م. في بارقة أمل لحل الخلافات، وجهت إثيوبيا الدعوة رسمياً لوزراء المياه في مصر والسودان لزيارة أديس أبابا، خلال شهر نوفمبر، لعقد اجتماع خاص لمناقشة سبل دفع وزيادة مجالات التعاون المشترك بين دول حوض النيل الشرقي في المشروعات المائية والإدارة المتكاملة، وبحث سبل الخروج من الأزمة بين دول حوض النيل، وإعادة الحوار والتفاوض حول النقاط الخلافية في الاتفاقية الإطارية التي وقعتها دول المنابع بشكل منفرد. وكذا التحضير للاجتماع الاستثنائي لوزراء مياه الحوض، المزمع عقده في كيجالي برواندا في شهر ديسمبر. كما سيبحث الاجتماع دراسة الآثار المترتبة على إقامة سد النهضة الإثيوبي والسدود الأخرى المزمع إقامتها بإثيوبيا قرب الحدود السودانية، وما ينجم عنها من أضرار على دولتي المصب (مصر والسودان). ومن المتوقع أن يُطلع وزير المياه الإثيوبي نظيريه المصري والسودان على كل الدراسات والتصميمات الفنية التي أُعدت، خاصة فيما يتعلق بتنظيم حركة فيضان النيل وسريانه، وحماية السدود التي تليها من مشكلات الإطماء، لإزالة المخاوف لدى دولتي المصب، من الآثار الضارة المتربة على إنشاء هذه السدود.

3. تقييم المواقف لدول الحوض

يمكن القول إن مواقف دول الحوض تباينت فيما بينها، ويمكن تقسيمها إلى الآتي:

·   دول طالبت بضرورة التغيير وعدم الاعتراف بالمعاهدات والاتفاقيات السابقة، ووضع إطار جديد يكفل إعادة التوزيع للحصص.

·   دول تمسكت بالاتفاقيات والمعاهدات القانونية السابقة، وتعارض إعادة توزيع الحصص.

·   دول وقفت على الحياد، حيث إن مصالحها المائية لن تتأثر في الحالتين، وتسعى المجموعتان السابقتان لاستقطابها، كلُ إلى جانبها.

أ. الدول الرافضة للاتفاقيات السابقة (إثيوبيا ـ تنزانيا ـ أوغندا ـ كينيا).

(1) ترفض أغلب دول المنابع، خاصة إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا وكينيا، الاعتراف بالاتفاقيات السابقة، وخاصة اتفاقيتي عام 1929 وعام 1959.

(2) اتسمت تصرفات هذه الدول بالريبة والشك وانعدام الثقة، كما اتسمت المفاوضات مع الدول الموافقة على الاتفاقيات بالاتهامات المتبادلة والتجريح، واتخذت مواقف متعسفة دون إبداء أسباب مقنعة أو حجج مقبولة.

(3) الدول الرافضة كان يهمها في المقام الأول التوصل إلى اتفاقية متعددة الأطراف، تتضمن إعادة تقسيم مياه النيل بين دول الحوض.

(4) رفضت دول المنابع مبدأ الحقوق المكتسبة، وركزت على إيجاد بديل لهذا المبدأ، وهو الاستخدام المنصف والمعقول.

(5) ركزت كل من إثيوبيا وتنزانيا وكينيا وأوغندا على المطالبة بحقها في استخدام الموارد المائية المشتركة، مع وضع إطار قانوني للاستخدامات المستقبلية.

(6) اقترحت دول المنابع صياغة غامضة فيما يتعلق بالأمن المائي، ما يعطيها الحق في استخدام مياه النيل دون موافقة دولتي المجرى والمصب.

(7) يتضح من طبيعة الخلاف أن أكثر الدول تشدداً، هي إثيوبيا وكينيا وتنزانيا، وإلى حد ما أوغندا.

(8) أن الدول الداعية للتوقيع المنفرد، دون الأخذ في الاعتبار وجهة النظر لدولتي المصب، هي إثيوبيا وتنزانيا وكينيا وأوغندا، ثم انضمت إليهم رواندا، ربما بسبب الخلافات السياسية السابقة مع مصر.

ب. الدول المتمسكة بالاتفاقيات والمعاهدات (مصر والسودان)

(1) تتمسك مصر والسودان بالاتفاقيات والبروتوكولات والمذكرات المتبادلة، لأنها الإطار القانوني المتفق عليه بين دول الحوض، طبقاً لقواعد القانون الدولي والعرف الدولي، واتفاقية فيينا.

(2) خلال مرحلة عمل مجموعة الخبراء (1997 – 2000)، أعدت مجموعة الخبراء تقريراً تضمن مشروعاً للإطار القانوني والمؤسسي، تحفظت على عدد من مواده مصر والسودان، وكذلك إثيوبيا، أي أن موقف مصر والسودان واضح، منذ الفترة من عام 1997 وحتى عام 2000، وأيدتها إثيوبيا الرافضة الآن للاتفاقيات السابقة.

(3) نجحت مصر في إدراج مفهوم "الأمن المائي"، ليكون مقبولاً من جميع دول الحوض، ومخرجاً للخلاف حول موضوع الاتفاقيات القائمة، وللتوفيق بين المواقف المتعارضة بين دول المنابع ودولتي المصب، والمجرى حول الاتفاقيات القائمة، والتي تتمسك بها مصر والسودان، ولا تعترف بها أغلب دول المنابع، ما يعني أن مصر والسودان لهما مواقف مرنة وغير متسلطة تدعو للخروج من الأزمة.

(4) إن النص في المادة 14 من مشروع الاتفاقية الإطارية، الذي شابه الغموض، لم تكن مصر والسودان على استعداد لقبول هذه الدرجة من الغموض، وقد اقترحتا تعديلاً في النص لإزالته.

(5) أظهرت المفاوضات المطولة حول الاتفاقية أن دولتي المصب والمجرى غير معنيتين بإعادة النظر في تقييم المياه طبقاً لاتفاقية عام 1959، وإنما كان يعنيها التوصل لاتفاقية تتضمن المبادئ الأساسية للقانون الدولي المنظمة للتعاون والعلاقات بين دول الحوض.

(6) أظهرت المفاوضات أن مصر والسودان تدافعان عن الوضع القائم، وترفضان التفاوض من جديد حول الإطار القانوني لاستخدام المياه.

(7) ترى مصر والسودان أن صياغة الفقرة (ب) من المادة 14 المقترحة من دول المنابع، تستخدم صياغة غامضة، ما يعطيها الحق في استخدام مياه النيل دون موافقة دولتي المصب والمجرى، وهذا الحق هو حق ثابت ومقرر بنصوص الاتفاقيات الموقعة سابقاً، وطبقاً لقواعد القانون الدولي والعرف الدولي المستقر.

(8) أن الموقف المصري ـ السوداني يُبنى على فكرة وجود محرض خارجي، وخاصة إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية؛ فثمة مؤشرات عديدة تُشير إلى وجود دور إسرائيلي بمساعدة أمريكية، نجح في تأمين سيطرتها على بعض مشروعات الري في منطقة البحيرات.

ج. الدول التي تمسكت بحيادها في قضايا الخلاف (رواندا ـ بوروندي ـ الكونغو ـ إريتريا)

(1) من أصحاب هذا المبدأ كل من رواندا وبوروندي والكونغو وإريتريا، لأن هذه القضية لا تعنيهم كثيراً، وخاصة من حيث استخدام مياه النيل في الزراعة، وهو الاستخدام الأكثر إثارة للخلاف.

(2) حاجة الكونغو ورواندا وبوروندي تكاد تكون معدومة للزراعة المروية، أما إريتريا فحاجاتها الحالية مغطاة، بل إن هناك فائضاً إضافة إلى أنها ما زالت حتى الآن في وضع المراقب، ما يعني محدودية دورها في الاتفاقية الإطارية.

(3) تنبع أهمية كل من رواندا وبوروندي والكونغو الديموقراطية، أن لهم عضوية كاملة، ويحق لهم التصويت على القرارات، ومن ثم يُخشى من محاولة استقطابهم لصالح دول المنابع.

4. تأثير مواقف الدول على مستقبل العلاقات

أ. من وجهة نظر دول المنابع

اتخذت دول المنابع، خاصة دول الحوض الإستوائي (كينيا ـ تنزانيا ـ أوغندا)، ودول الحوض الشرقي ممثلاً في إثيوبياً، موقفاً متشدداً في مواجهة الموقف المصري ـ السوداني المشترك، ما يعني زيادة الفترة الزمنية للأزمة لتلاشي الخلاف، وعودة العلاقات إلى مستوياتها الطبيعية.

فقد صدرت تصريحات لمسؤولي هذه الدول اتسمت بالعدائية، ويتضح ذلك من الآتي:

(1) أن وزير الري التنزاني هو الذي تلا البيان الصحفي المعبر عن موقف دول المنابع، وكان أول الرافضين للمقترح المصري بإعلان رئاسي بإنشاء مفوضية حوض النيل، وذلك خلال اجتماع شرم الشيخ 2010.

(2) تصريح رئيس الوزراء الإثيوبي، حيث أعلن أن مصر لا تستطيع منع إثيوبيا من إقامة سدود على النيل، وأن مصر لديها أفكار قديمة، وأن هذه الظروف تغيرت للأبد.

(3) تصريحات وزيرة الري الكينية، في 19 مايو 2010، في مؤتمر صحفي، حيث أعلنت أن اتفاقية عام 1929 قد عفا عليها الزمن، ولا يوجد شيء يمكنه منع دول المنابع من استخدام المياه كما تريد.

قد تكون هذه الآراء المتشددة معبرة عن موقف سياسي لدولها، وفي هذه الحالة ستتأثر العلاقات بين دول المنابع، من جهة، وبين مصر والسودان، من جهة أخرى. وهذا سيؤدي إلى مزيد من التشدد في المواقف، ما يعني طول فترة الأزمة واستفحالها، وما يعني بعدم إمكانية الحل في القريب العاجل.

وقد تكون هذه الآراء الصادرة عن مسؤولي دول المنابع ليست معبرة عن موقف سياسي للدول، إنما هي إحدى آليات التفاوض بتعلية سقف المطالب، لتحقيق أقصى استفادة ممكنة، أي لا تعدو أن تكون مناورات تفاوضية سياسية. ومن هنا ينبغي استمرار التعاون لتحقيق المصالح المشتركة لدول الحوض.

ب. وجهة نظر دولتي المجرى والمصب (مصر والسودان)

لجأت مصر والسودان إلى التهديد بالانسحاب من الاتفاقية، وهذا يُعد ورقة ضاغطة في مواجهة تشدد المواقف لدول المنابع، إذ هما الوحيدتان اللتان تملكان الإمكانيات الفنية والبشرية القادرة على ضبط قياسات النهر، وإدارة موارده بكفاءة؛ ومن ثم فإن هذا التشدد لن يؤثر على العلاقات بين دول المنابع وكل من مصر والسودان إلا في فترة محدودة، ستنتهي لاحتياج دول المنابع إلى خبرة الدولتين في إدارة موارد النهر.

وقد استخدمت مصر الدبلوماسية الشعبية (القوى الناعمة)، وذلك في زيارة وفد شعبي يمثل القوى السياسية، إلى كل من إثيوبيا وأوغندا، بعد ثورة 25 يناير 2011. وأدى ذلك إلى تليين المواقف الرسمية للدولتين، وتأجيل النظر في وجهات الاختلاف حتى الانتهاء من الانتخابات البرلمانية والرئاسية المصرية، ما يعطي مزيداً من الوقت لتقييم المواقف ومراجعة الحسابات.

ويُعد التنسيق المصري ـ السوداني، والخروج بمواقف موحدة مع وجود بدائل، خير سبيل لعبور الأزمة، وتحقيق أفضل النتائج خلال المفاوضات.

ولا بد من ضرورة استمرار التعاون، وهذا ما أعلنته مصر والسودان، من أنه على الرغم من الاختلاف، إلا أن التعاون في إطار مبادرة حوض النيل لازال قائماً، وهذا يعني إعطاء الفرصة لدول المنابع لمراجعة مواقفها ومحاولة تحسين المواقف التفاوضية، وتقريب وجهات النظر.

ثانياً: تأثير انفصال جنوب السودان على مستقبل العلاقات

استمرت أعمال القتال بين جونب السودان وشماله، فترة قاربت خمسين عاماً، استُخدمت فيها القوات المسلحة للطرفين، ممثلين في الجيش السوداني وجيش الجبهة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرنق، ثم خلفه سيلفاكير، إلى أن اتفقت الآراء على الجلوس إلى طاولة المفاوضات.

ووفقاً لاتفاق السلام الشامل، الذي وقعته حكومة السودان والحركة الشعبية لتحرير السودان، في 9 يناير 2005، عاش جنوب السودان فترة انتقالية مدتها ست سنوات، انتهت في عام 2011. وبعدها أصبح من حق الجنوب إجراء استفتاء لتقرير مصيره، ليظل جزءاً من السودان الموحد أو ليصبح دولة مستقلة.

1. الانفصال وتحقق الاستقلال

أظهرت النتائج الاستفتاء تصويت الناخبين في الجنوب بنسبة تصل إلى 98% تقريباً لصالح الانفصال، بينما بلغت النسبة في الشمال أكثر من 55% من جملة المصوتين، وهذا يعني أن 97.75% صوتوا لصالح الانفصال، مقابل 2.25% لصالح الإبقاء على وحدة السودان.

أعلنت دولة جنوب السودان، في 9 يوليه 2011، رسمياً استقلالها عن السودان، لتكون بذلك أحدث دولة في العالم نشأت إثر تقسيم أكبر دولة في أفريقيا مساحة، وذلك إثر استفتاء تقرير المصير. وقد أُعلن الاستقلال أمام عشرات من رؤساء الدول والشخصيات العالمية البارزة، وفي حضور الرئيس "عمر البشير" رئيس جمهورية السودان، وذلك في 2 أغسطس 2011. وجاء إعلان الاستقلال مؤكداً على الطبيعة الديموقراطية والتعددية العرقية والدينية للدولة الجديدة، فضلاً عن التزامها بعلاقات ودية مع كافة البلدان.

يعني هذا الاستقلال ظهور دولة جديدة في حوض النيل، وهي دولة جنوب السودان، كدولة مستقلة عن السودان، وبذلك يبلغ عدد أعضاء دول الحوض 11 دولة بعد انضمامها عام 2011، وهي تشغل حالياً صفة مراقب، وقد قدمت طلباً لحصولها على العضوية الكاملة بوصفها دولة منابع، وفي الوقت نفسه دولة معبر، وينتظر الاستجابة والموافقة على طلبها للعضوية الكاملة.

2. أثر استقلال جنوب السودان على الوضع القانوني والمعاهدات المائية لحوض نهر النيل

أ. الوضع القانوني

لا شك أن استقلال جنوب السودان وميلاد دولة جديدة، سوف يؤثر على الوضع القانوني لحوض نهر النيل، في ظل مطالبات دول المنابع المتزايدة واحتجاجها على الاستخدامات الحالية، والمطالبة بإعادة التقسيم والمحاصصة.

لذلك وطبقاً لقواعد القانون الدولي، فإن انفصال جنوب السودان ونشوء دولة جديدة يتلخص في موقفين، طبقاً للقواعد والأعراف المستقرة للقانون الدولي.

(1) أولهما: أن الدولة الجديدة يمكنها اقتسام التزامات الدولة الأصل، طبقاً لقاعدة التوارث الدولي، ومن ثم، فإن اقتسام جنوب السودان حصتها المائية خصماً من حصة السودان، سيتم إما بشكل منفرد مع السودان، أو بالاتفاق مع مصر، نتيجة وجود اتفاقية عام 1959 بين مصر والسودان الموحد قبل الانفصال. وهذا يعني أن السودان الموحد السابق سوف يقتسم حصته المائية فقط بينه وبين دولتي شمال السودان وجنوب السودان الوليدة.

(2) ثانيهما: يمكن لجنوب السودان، كدولة مستقلة، المطالبة بإعادة التفاوض حول التقاسم والمحاصصة، للحصول على حصتها من المياه بناءً على حقها الطبيعي، كدولة مستقلة في السيادة على مواردها الطبيعية بعد استقلالها وانفصالها عن السودان الأم. وإذا حدث هذا فهو –بداهة- سيؤثر على الحصة المائية لكل من مصر وشمال السودان، لزيادة الدول أعضاء الحوض بانضمام دولة جنوب السودان.

ب. المعاهدات المائية

إن منطقة جنوب السودان كانت إحدى مصادر المياه بالسودان الموحد، نظراً لتساقط الأمطار بغزارة، إضافة إلى وجود الخزانات السطحية والروافد المغذية لنهر النيل، حيث تسهم منطقة جنوب السودان بأمطاره وهضابه المرتفعة، في تكوين بحيرات صغيرة متفرقة تغذي نهر النيل. وبانفصال الجنوب وتكوين دولته المستقلة، أصبحت هذه المناطق المغذية لنهر النيل داخل حدود دولة جنوب السودان، لهذا تغيرت جغرافية المنطقة لتكون كالآتي:

·   أصبحت دولة شمال السودان دولة معبر فقط.

·   أصبحت دولة جنوب السودان دولة معبر، إضافة إلى كونها إحدى دول المنابع.

وعلى الرغم من تأثير الانفصال على شمال السودان، لأن دولة الجنوب كانت أحد مصادر المياه للسودان الموحد، بوصفها تمد النهر بكميات كبيرة كمنابع داخلية، إلا أنه من الملاحظ أن محادثات السلام، وما تلاها من مفاوضات تقاسم الثروة، لم تدرج أي بنود بشأن المياه وكيفية تقاسمها، وعلى هذا لا يمكن التكهن بما سوف يكون عليه موقف دولة جنوب السودان من الالتزامات القائمة الآن حول حوض النيل ومياهه.

إن أثر استقلال جنوب السودان، طبقاً لما استقر عليه من إجراء استفتاء حق تقرير المصير، يجعل الدولة الجديدة غير ملتزمة بالمعاهدات السابقة، بل إن حق تقرير المصير يُنشئ ما يُعرف بالدولة: ذات السجل النظيف، حيث إن القانون الدولي وضع استثناء على قاعدة توارث المعاهدات، طبقاً لمعاهدة عام 1978، فحواه أن الدولة الوليدة نتيجة الاستفتاء على تقرير المصير، لا تتوارث المعاهدات.

وبناءً على ما سبق، فإن دولة جنوب السودان سوف تتصرف بناءً على مطالبها واحتياجاتها من المياه، ومن المرجح أن اقتسامها المياه مع السودان الأم، إضافة إلى مواردها الذاتية، يحقق لها كميات مياه أكثر من احتياجاتها الفعلية، ولكن بزيادة احتياجاتها مستقبلاً، فإنها ستتوجه إلى المطالبة بإعادة التفاوض لتقاسم المياه.

أما أثر استقلال جنوب السودان على الاتفاقيات الخاصة بتنظيم المياه وإدارتها، أي اتفاقية مبادرة حوض النيل والاتفاقية الإطارية، فإن قيامها كدولة بعد استقلالها، في يوليه 2011، سيجعلها تسعى إلى الانضمام إلى عضوية هذه المبادرات والاتفاقيات، وتعديل موقفها من صفة المراقب، التي حصلت عليها، إلى وضع العضوية الكاملة، وهذا سيؤثر، بلا شك، على نسب التصويت داخل دول الحوض، إضافة إلى أنه يرتب حقوقاً والتزامات إضافية، نتيجة ازدياد الدول الأعضاء عضواً جديداً.

إن انضمام دولة جنوب السودان سيؤثر على المواقف الخلافية، أو الحالية، الناشبة بين دول المنابع ودولتي المصب، طبقاً لما ستتخذه الدولة الجديدة من الانحياز لأيهما؛ لدول المنابع بوصفها إحدى دوله، أو لدولتي المصب بوصفها دولة معبر لها خصوصيتها، كونها كانت إحدى أجزاء دولة السودان الأم.

3. تأثير الاستقلال على علاقات جنوب السودان مع دول الحوض

تتشارك دولة جنوب السودان في حدودها مع ست دول أفريقية، هي أوغندا، وكينيا، وإثيوبيا، وأفريقيا الوسطى، والكونغو الديموقراطية، وشمال السودان. ويرى المحللون أن علاقات دولة الجنوب ستتجه نحو كل من دول شرق أفريقيا ومجموعة الجنوب الأفريقي. وتمثل أوغندا وكينيا وإثيوبيا، الحلفاء الطبيعيين، وذلك لوجود روابط قوية بينهم كانت قائمة قبل الاستقلال. ويمكن إيضاح ذلك كالآتي:

أ. أوغندا

ارتبطت أوغندا بعلاقات قوية مع قادة الجنوب، الذين لجأوا إليها واحتضنتهم خلال فترة حربهم كحركة شعبية ضد السودان، وكانت أوغندا أحد المعاقل التي انطلقت منها الحركة سياسياً وعسكرياً، بل كانت أوغندا الدولة الداعمة لخيار الانفصال في المجتمع الدولي، ومنذ توقيع اتفاقية السلام عام 2005، تحركت أوغندا للسيطرة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً على الجنوب.

ب. كينيا

بعد سقوط نظام منجستو في إثيوبيا، وطرد الحركة الشعبية منها، كانت كينيا هي الدولة ذات الدور الكبير في دعم الحركة الشعبية سياسياً، ومن المتوقع أن ينمي جنوب السودان بعد استقلاله علاقاته مع نيروبي، تقديراً لدورها مع الحركة الشعبية؛ فضلاً عن أهميتها في شرق أفريقيا، واحتمال توجهها لإنشاء خط لنقل البترول الخام عبر أراضيها بديلاً عن اعتمادها على موانئ شمال السودان.

ج. إثيوبيا

اتخذ قادة الحركة الشعبية من أديس أبابا قاعدة انطلاق للتمرد على حكومة السودان المركزية، ولهذا لا تنسى الحركة لإثيوبيا هذا الدور، ويتلخص الموقف في الآتي:

(1) جنوب السودان: ترى أن إثيوبيا أدت دوراً رئيسياً في تسليح وتدريب وتأمين الجيش الشعبي، ولهذا لن تتردد في دعم إثيوبيا في أي قضايا خلافية (وهذا يعزز الموقف الإثيوبي في مواجهة مصر والسودان بشأن قضايا المياه).

(2) إثيوبيا: إن الموقف الإثيوبي يرفض فكرة الانفصال، نظراً لتخوفها من تكرار السيناريو على أراضيها، إلا أن هذا الانفصال وقع بالفعل، ولهذا فهي تعمل على تلاشي أضراره.

د. مصر والسودان

إن مستقبل العلاقات مع شمال السودان سيتحدد طبقاً للمفاوضات حول القضايا العالقة، وما يمكن أن تُسفر عنه نتائجها، وهذا ما سيتأكد على طاولة المفاوضات.

أما مصر، فقد أدركت أن جنوب السودان عمق إستراتيجي لها فيما يتعلق بمصادر المياه، في مواجهة دول المنابع، لذلك طورت سياساتها تجاه الجنوب، وعملت على بناء علاقات إستراتيجية، مع البدء في تقديم مساعدات في مجالات تنمية وإدارة الموارد المائية، ومجالات الطاقة والكهرباء، والصناعة، والبترول، والثروة الحيوانية، والقطاع التعليمي والطبي.

إن تنمية العلاقات هي المرحلة الأولى التي يمكن البناء عليها لإقامة شراكة إستراتيجية تضم، كلاً من مصر وشمال وجنوب السودان، في مواجهة دول أعالي النهر.

ثالثاً: التصورات (السيناريوهات) المستقبلية لتحقيق الأمن المائي

في ظل عدم تلافي أسباب الخلاف بين دول أعالي النيل، وهي دول المنابع، ودولتي المصب (مصر والسودان)، فإنه لا يمكن الحكم على حل الأزمة قريباً؛ ولكن يمكن التنبؤ ببعض السيناريوهات الخاصة بكيفية التصرف في المواقف المختلفة. ومما يزيد الأمر تعقيداً انقسام السودان إلى دولتين، شمال السودان وجنوب السودان، ولكل منهما توجهاته وحساباته الخاصة بموضوع المياه.

وعلى هذا، يمكن تصور السيناريوهات المستقبلية كالآتي:

·   سيناريوهات خاصة بالعلاقات المائية الممكنة ما بين شمال السودان وجنوب السودان، كدولتين مستقلتين.

·   سيناريوهات خاصة للعلاقات المائية بين مصر ودولة شمال السودان.

·   سيناريوهات خاصة بالعلاقات المائية بين مصر ودولة جنوب السودان.

·   سيناريوهات خاصة بموقف مصر والسودان كوحدة واحدة (شماله وجنوبه)، مع دول المنابع الأخرى.

1. سيناريوهات العلاقات المائية بين دولتي جنوب السودان وشمال السودان

أ. اقتسام دولة جنوب السودان للحصة المقررة للسودان الموحد سابقاً

في هذه الحالة، سيكون اقتسام المياه مناصفة بين دولتي شمال السودان وجنوب السودان.

(1) التصور الأول: حالة الاكتفاء المائي لدولة جنوب السودان

(أ) تكتفي دولة جنوب السودان بكمية المياه التي تحصل عليها من الحصة المقررة أصلاً للشمال، نظراً لتوافر كمية المياه نتيجة سقوط الأمطار بغزارة على الجنوب، ووجود وفرة في المياه نتيجة الخزانات أو البحيرات الموسمية داخل أراضي جنوب السودان، وسيادة الدولة على مواردها الطبيعية.

(ب) يؤدي عدم المطالبة بمياه إضافية من حصة السودان إلى استقرار الأوضاع بين دولة شمال السودان ودولة جنوب السودان، وكذلك استقرار الأوضاع مع مصر نتيجة عدم تأثرها بالتقاسم الجديد، حيث لا يؤثر على كمية المياه الواردة إليها، ولا ينتقص من حصتها المقررة.

(2) التصور الثاني: مطالبة دولة الجنوب بزيادة حصتها من المياه

في حالة عدم اكتفاء دولة جنوب السودان بكمية المياه الناتجة عن اقتسامها الحصة مع دولة شمال السودان، فإنها ستلجأ لطلب المزيد من المياه.

(أ) يُحتمل لجوء دولة جنوب السودان للمطالبة بإعادة المحاصصة وإعادة تقسيم موارد النهر، وذلك بتأييدها لدول المنابع المطالبة بإعادة التقسيم.

(ب) ستؤثر هذه المطالبة على حصص كل من مصر والسودان، وفي هذا ستتخذان موقفاً متشدداً ضد دولة جنوب السودان، أسوة بما هو متبع مع دول المنابع الأخرى؛ ذلك أن مبدأ إعادة التقسيم ترفضه كل من مصر والسودان، استناداً إلى مبدأ الحقوق التاريخية.

(3) رد الفعل المصري ـ السوداني المتوقع

يُحتمل أن تتوجه إرادة الدولتين إلى تعظيم مواردهما من المياه المتاحة، وذلك بالاشتراك مع دولة جنوب السودان في تعظيم الموارد وتقليل الفواقد، ومن خلال العمل معاً بطرح مشروعات مشتركة، مثل استكمال قناة جونجلي، وكذا الاستفادة من المياه المتواجدة بمستنقعات مشار وبحر الغزال وبحر الزراف، بإقامة مشروعات مائية لتصريف مياه المستنقعات في الممر الأصلي، وتجفيف مناطق المستنقعات، وإعادة تقسيم الموارد المضافة بين كل من دولة جنوب السودان ودولة شمال السودان ومصر. (اُنظر جدول مصدر الموارد المائية من أحواض التصريف بإثيوبيا)

2. التصورات الخاصة بالعلاقات المائية بين مصر ودولة شمال السودان، بعد استقلال الجنوب

أ. التصور الأول: محاولة استقطاب دولة جنوب السودان إلى جانب الموقف المصري ـ السوداني

(1) بعد استقلال جنوب السودان، فإن توجهها المحتمل سيكون تجاه دول الشرق والجنوب الأفريقي، نظراً لاحتضانهم للحركة الشعبية لتحرير السودان، وكذا لطول مدة الخلافات مع شمال السودان، ما أدى إلى المطالب بحق تقرير المصير والانفصال.

(2) ضرورة استقطاب السودان ومصر لدولة جنوب السودان ومحاولة ضمها لصفهما في الموقف الموحد، الذي تتخذانه في مواجهة مطالب دول المنابع.

(3) يُتصور أن يكون هذا الاستقطاب بربط دولة جنوب السودان، بكل من مصر والسودان بالآتي:

(أ) مشروعات مشتركة خاصة بالبنية الأساسية والطاقة والكهرباء، والمشروعات الزراعية، ومشروعات الثروة السمكية.

(ب) ضرورة تنشيط التبادل التجاري لتحقيق مطالب أهل الجنوب، وسهولة حصولهم على المنتجات السودانية والمصرية، حيث إنهما الأقرب لها، ويستتبع ذلك الاهتمام بإنشاء شبكة طرق برية وسكك حديدية، وتنفيذ معاهدات جمركية تضمن الحماية من التجارة المنافسة.

(ج) إيجاد منح دراسية بالجامعات المصرية لتوفير الكوادر بجنوب السودان، ولخلق جيل جديد يتقارب وجدانياً مع مصر في المستقبل القريب.

(4) يتيح هذا الاستقطاب المحافظة على الحقوق المائية المصرية ـ السودانية المكتسبة، في مواجهة دول المنابع.

(5) يؤمن هذا الاستقطاب والتقارب الموافقة على إقامة مشروعات مشتركة لتعظيم الموارد المائية، من كمية الفواقد في جنوب السودان.

ب. التصور الثاني: حالة اختيار دولة جنوب السودان اتخاذ موقف دول المنابع

(1) في حالة اتخاذ دولة جنوب السودان موقف يتسق مع دول المنابع في مواجهة الموقف المصري ـ السوداني، فإن الموقف يصبح الأشد صعوبة لكل من مصر وشمال السودان، ومن ثم يلزم العمل في تنسيق كامل ما بين مصر وشمال السودان للخروج من الأزمة.

(2) ضرورة العمل على تحييد بعض دول المنابع الأقل تشدداً، مثل رواندا وبوروندي والكونغو الديموقراطية، وذلك بتقديم كل أوجه الدعم في مجال البنية الأساسية والخدمات الصحية والتعليمة، مع المساهمة في إنشاء المشروعات التنموية الصناعية والزراعية، لضمان كسب أصواتهم عند التصويت على أي قرارات قد تؤثر على حصة مصر المائية.

(3) يمكن لمصر أن تنسق مع شمال السودان ، أو أن تعمل منفردة في دولة الجنوب، بسبب الحساسية السياسية بين كل من جنوب السودان والسودان الموحد سابقاً، نظراً لممارساته في الجنوب، وفي هذه الحالة تعمل مصر جاهدة على ربط مشروعاتها التنموية بدولة جنوب السودان، وخاصة مشروعات الربط الكهربائي، والمعاونة في المجال الطبي والتعليمي، والمساهمة في مشروعات البنية الأساسية، حتى يمكنها استقطاب دولة الجنوب في اتجاه المواقف المصرية (وهي بطبيعة الحال متسقة مع الموقف السوداني).

3. التصورات الخاصة بالعلاقات المائية بين مصر ودولة جنوب السودان

يتوقف هذا التصور على موقف دولة جنوب السودان، والذي لم يتضح حتى الآن، ذلك أن قضية المياه تعد من القضايا العالقة مع دولة شمال السودان، والمتفق على التفاوض بشأنها خلال المرحلة التالية للاستقلال؛ ولكن يمكن تصور الآتي:

أ. التصور الأول: في حالة قبول جنوب السودان لحصة المياه الناتجة عن تقاسم حصتها مع السودان الأم

(1) في هذه الحالة لن يؤثر ذلك على حصة مصر المائية، ويكون الدور المصري قائماً على زيادة أواصر التعاون مع جنوب السودان كدولة عمق إستراتيجي.

(2) تشجيع الاستثمارات المصرية في جنوب السودان لفتح أسواق مصرية بها، وزيادة الشراكة التجارية لتعميق أواصر التعاون.

ب. التصور الثاني: في حالة عدم قبول دولة جنوب السودان للتقاسم مع شمال السودان، ومطالبتها بزيادة حصتها

في هذه الحالة يكون اللجوء إلى التصور الثاني، والذي أوضحتاه في البند (1)، والخاص بالعلاقات المائية بين دولتي جنوب وشمال السودان.

4. التصورات الخاصة بموقف مصر والسودان (شماله وجنوبه) مع دول المنابع الأخرى

إن هذا الموقف يعني أن كلاً من مصر ودولة جنوب السودان ودولة شمال السودان، سيتخذون موقفاً موحداً في مواجهة دول المنابع.

ويقتضي هذا تنسيقاً في مواقف الدول الثلاث، في مواجهة موقف دول المنابع. ويعني هذا زيادة القدرة التفاوضية للدول الثلاث، في مواجهة دول المنابع.

ومن هذا المنطلق يتضح أن ثمة تصورين أساسيين، هما:

أ. التصور الأول: في حالة وجود مواقف تعاونية

عند وجود الرغبة في التعاون والتقريب ما بين المواقف، فإن وقوف ثلاث دول تتخذ موقفاً متسقاً، إنما يعني زيادة في القدرة التعاونية. وعلى هذا يمكن التعبير عن هذا التعاون في إقامة مشروعات مشتركة مع دول الحوض الأخرى، لزيادة موارد النهر وتقليل الفواقد، ومن ثم زيادة الحصص المائية لكل دول الحوض، وليس بعضها.

يلزم لذلك التفكير في المشروعات التي تعمل على تنمية الحوض الجنوبي أولاً، إذ لا تشترك دولة جنوب السودان في الحوض الشرقي، ولضمان استمرار الموقف التعاوني لها، أن يتم البدء في مشروعات الرؤية المشتركة، أو مشروعات الحوض الجنوبي أولاً.

ب. التصور الثاني: في حالة وجود مواقف صراعية

ويُقصد بذلك أن تتسق مواقف كل من مصر ودولتي السودان (شماله وجنوبه) في مواجهة دول المنابع الأخرى، مع قبول دولة جنوب السودان للاتفاقيات الموقعة مع السودان الموحد.

(1) يُفترض، أولاً، تقليل حدة الصراع والتوجه في اتجاه مجالات التعاون.

(2) في حالة فشل تقليل حدة الصراعات والتوجه نحو مجالات التعاون، فيُفترض اتخاذ مواقف أكثر تشدداً في مواجهة دول المنابع، ذلك أن حق كلٍ من مصر والسودان (شماله وجنوبه) ثابت، طبقاً للاتفاقيات والمعاهدات المبرمة وقواعد القانون والعرف الدولي. ويمكن اللجوء إلى قواعد القانون الدولي، مثل الوساطة، والتوفيق، والمساعي الحميدة، أو اللجوء إلى محكمة العدل الدولية. ولا يُخشى من ذلك، حيث إن قواعد القانون الدولي وأحكام المحكمة الدولية في القضايا المشابهة تدعم الحقوق الثابتة للدول الثلاث في مواجهة دول المنابع.