إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو)





أماكن الاستعمار الفرنسي والإسباني
الحدود المغربية "المغرب الكبير"
الحرب الجزائرية ـ المغربية

ولايات المغرب العربي
الأهمية الاقتصادية للصحراء الغربية
المدن ومراكز التوطن الرئيسية
التقسيم الإداري والجغرافي
الدولة البربرية بشمال أفريقيا
الحدود التقريبية للمغرب العربي
الفتوحات الإسلامية من 22 – 64 هـ
الفتوحات الإسلامية من 69 – 92 هـ
توزيع المجموعات القبلية
تقسيم الصحراء الغربية
حدود موريتانيا والصحراء الغربية



الأكــــراد

المبحث الثالث

تطور النزاع حول إقليم الصحراء الغربية

أولاً: تباين مفهوم حق تقرير المصير بين أطراف النزاع

1. مفهوم المملكة المغربية لحق تقرير المصير

أكدت المغرب، دوماً، أنها كانت صاحبة المبادرة الأولى لإدراج المشكلة الصحراوية في جدول أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، ولذلك فهي لا ترى وجود تناقض بين فلسفة الأمم المتحدة، فيما يتعلق بإنهاء الاستعمار بصورة عامة، وفي الصحراء الغربية بصورة خاصة، وبين السياسة، التي دعت إليها المملكة المغربية؛ من أجل تحرير الصحراء الغربية من الاستعمار الأسباني، كما ترى الحكومة المغربية أن إقرارها بحق تقرير المصير للصحراء الغربية لا يعني التخلي عن جزء من أراضيها، بل هو إصرار على استرداد كل أراضيها، ومن ثم، فإن مساهمتها في صياغة قرارات الأمم المتحدة، منذ عام 1965 والخاصة بحق تقرير المصير، تعني إعادة دمج الصحراء الغربية بأراضي المملكة المغربية، كما أنه لا يوجد شك في أن أطرف النزاع في هذه المشكلة هما أسبانيا والمغرب فقط ، ولذلك فهي ترى أن التطبيق السليم لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 1514/15، والقرارات الأخرى التالية لها، وذات الصلة بالمشكلة، يكمن في الجمع بين مبدأي إنهاء الاستعمار واحترام وحدة المغرب وسلامتها الإقليمية. ولقد حددت المغرب أربعة شروط لإجراء الاستفتاء لتحقيق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، تمثلت في الآتي:

أ. انسحاب القوات الأسبانية وجهازها الإداري.

ب. وجود قوات الأمم المتحدة في الإقليم.

ج. إدارة الأمم المتحدة للإقليم.

وأضافت المغرب شرطاً أساسياً لصيغة الاستفتاء، وهو أن يكون هذا الاستفتاء بهدف تحديد رغبة شعب الصحراء في البقاء تحت سلطة أسبانيا أو الاتحاد مع المملكة المغربية ، وقد استندت المملكة المغربية إلى العديد من الحجج في مطالبتها بالصحراء الغربية، تمثلت في التاريخ المشترك، والامتداد الجغرافي لهذا الإقليم، وكذلك الصلات الدينية والحقوق التاريخية المشتركة، إضافة إلى لجوء بعض الشخصيات الصحراوية إلى المغرب معلنين بيعتهم للملك الحسن الثاني، خاصة بعد إعلان جبهة البوليساريو الحرب عام 1973. ولذلك كانت موافقة المملكة المغربية على إجراء الاستفتاء في إقليم الصحراء الغربية لا تعبر عن تغيير في السياسة المغربية، بقدر ما تعبر عن الاستجابة لظروف خارجية، أدت إلى الموافقة على إجراء الاستفتاء، وكان من أهم هذه الظروف تأخير قبول الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية في منظمة الوحدة الأفريقية، حيث كانت جميع المؤشرات تؤكد وجود تأييد أفريقي متزايد لها.

2. مفهوم الجمهورية الجزائرية لحق تقرير المصير

استند المفهوم الجزائري لحق تقرير المصير إلى العديد من قرارات الأمم المتحدة، ومنها القرار الرقم 1514، الصادر عن الدورة الرقم 15 للجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي يؤكد حق الشعوب في تقرير مصيرها، والإقرار بحريتهم الكاملة في اختيار وضعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كذلك استند إلى القرار الرقم 3229/20 الذي يؤكد ضرورة اتخاذ الخطوات العاجلة، في الأقاليم التي لم تحقق استقلالها، لتحويل السلطة إلى شعوب هذه الأقاليم، بدون شروط أو تحفظ في التعبير، وبكل حرية من دون النظر إلى المعتقد أو اللون أو الجنس، لكي يمكنهم الحصول على الاستقلال التام، واستندت الجمهورية الجزائرية أيضاً إلى أن الصحراء الغربية هي أحد الأقاليم، التي لا تتمتع بالحكم الذاتي، ومن ثم يتعين على الدولة القائمة بالإدارة، وفقاً للفصل الحادي عشر من ميثاق الأمم المتحدة، أن تسير بها نحو الاستقلال، من خلال ممارسة سكانها لحق تقرير المصير ، كذلك بُني المفهوم الجزائري على قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة أرقام 2591/24، 2711/25، 2984/27، 3163/28، والتي تقر بوجوب ممارسة سكان الصحراء لحقهم في تقرير مصيرهم، من خلال الاستفتاء ، على أن تقوم الدولة القائمة بالإدارة، بالتشاور مع الحكومة المغربية والموريتانية، وأي طرف آخر، بتقرير الإجراءات لإجراء هذا الاستفتاء.

وعلى رغم أن الجزائر قد أيدت مسعى المغرب، فيما طلبته من محكمة العدل الدولية، فإنها، بعد صدور حكم المحكمة في 16 أكتوبر 1975، تمسكت برؤية المحكمة من حيث عدم ثبوت وجود أي رابطة من روابط السيادة الترابية بين الصحراء الغربية، وبين أي من المملكة المغربية أو الجمهورية الموريتانية، وإذا كان تنظيم المغرب للمسيرة الخضراء قد شكل ضغطاً على أسبانيا، نتج عنه توقيع اتفاق مدريد الثلاثي، الذي تضمن تقسيم الصحراء الغربية بين المملكة المغربية والجمهورية الموريتانية، على رغم ذلك فإن الموقف الجزائري كان معارضاً لاتفاق مدريد ووصفه بأنه انتقاض لقرار مجلس الأمن ، ولقد سلمت الحكومة الجزائرية مذكرة إلى الأمين العام، وضحت فيها عدم اعترافها باتفاقية مدريد، وأعلنت أن الإطار الوحيد والمقبول، لتصفية الاستعمار في الصحراء، يجب أن يكون تحت إشراف الأمم المتحدة، وعلى أساس مبدأ حق تقرير المصير . وترى الحكومة الجزائرية أن المملكة المغربية لها مطامع بإنشاء إمبراطورية كبرى، تمتد من طنجة إلى طامبوكتو، وإلى سان لوي في السنغال، كما تضم جزءاً من الجزائر ومالي، إضافة إلى الصحراء الغربية والجمهورية الموريتانية، حتى تصل إلى مصب نهر السنغال.

وتفسر الجزائر سياسة المملكة المغربية تجاه مشكلة الصحراء الغربية في الآتي:

أ. سياسة التوسع على حساب الشعوب الأخرى.

ب. إعطاء تفسيرات خاصة لمسألة تصفية الاستعمار، وتطبيق مبدأ تقرير المصير.

ج. عدم الاعتراف بجبهة البوليساريو، واعتبارها حركة غير شرعية، ولا تمثل سكان الصحراء الغربية.

د. عدم الاعتراف بالحدود الموروثة عن الاستعمار.

هـ. اعتماد سياسة التعنت ضد القوى الوطنية المغربية، التي تؤيد مبدأ تقرير مصير سكان الصحراء الغربية.

وقد ركزت السياسة الجزائرية على محورين أساسيين تمثلا في:

المحور الأول: إقناع المجتمع الدولي بضرورة العدول عن التسوية، التي تم التوصل إليها، وتطبيق مبدأ حق تقرير المصير على سكان الصحراء، وتكثيف الحملات الدبلوماسية لدى الدول والمنظمات الدولية؛ لدفعها إلى الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية.

المحور الثاني: التركيز على موريتانيا، من خلال تقديم الدعم المادي والعسكري لجبهة البوليساريو؛ لإرغامها على العدول عن موقفها المؤيد للمغرب، حيال مشكلة الصحراء .

3. مفهوم الجمهورية الموريتانية لحق تقرير المصير

عندما طلبت المملكة المغربية الاستشارة من محكمة العدل الدولية، ساندت الجمهورية الموريتانية هذا الطلب، إلا أنها اعترضت على أسئلة الاستفتاء، فطالبت بأن يشمل حق تقرير المصير سؤالاً ثالثاً، وهو العودة إلى الوطن الموريتاني، ولذلك تم تسليم مذكرة للأمم المتحدة في 20 أغسطس 1974، أكدت فيها موريتانيا أن الصحراء الخاضعة للإدارة الأسبانية هي جزء من الأراضي الموريتانية، وأنها لم تفوض أحداً بالتفاوض، نيابة عنها مع الدولة، التي تدير الإقليم، ومع صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وقعت اتفاقية مدريد الثلاثية، في 14 نوفمبر 1975، بين المغرب وموريتانيا وأسبانيا، وفي 14 أبريل 1976 وقعت اتفاقية ثنائية بين موريتانيا والمغرب لتقسيم الصحراء بينهما، إلا أن تركيز جبهة البوليساريو لعملياتها العسكرية ضد موريتانيا، أدى إلى قيام الحكومة الموريتانية بطلب المساعدة العسكرية من المغرب وفرنسا، وعلى رغم نجاح جبهة البوليساريو في هجماتها وتهديدها للأمن والاستقرار الموريتاني، فإن موريتانيا لم تعدل عن موقفها وتعاونها مع المغرب. ومع تزايد الاضطرابات الموريتانية الداخلية، وتعدد الانقلابات العسكرية ، وقعت اتفاقية الجزائر، بين موريتانيا وجبهة البوليساريو، في أغسطس 1979، والتي أكدت إنهاء حالة الحرب بين موريتانيا وجبهة البوليساريو، وانسحاب القوات الموريتانية من وادي الذهب، وبعد ذلك دخلت الحكومة الموريتانية في مفاوضات مع المغرب، فتم الاتفاق على انسحاب القوات المغربية من الأراضي الموريتانية، وفضلت موريتانيا عدم التدخل في مشكلة الصحراء، والابتعاد عن أي نزاعات حيال هذه المشكلة.

4. المفهوم الأسباني لحق تقرير المصير

كيفت الحكومة الأسبانية موقفها، من مبدأ حق تقرير المصير، مع تطور الأحداث السياسية والمتغيرات، التي تطرأ على العلاقات بين دول المغرب العربي، ففي إحدى المراحل، أيدت أسبانيا حق تقرير المصير لشعب الصحراء، مؤكدة أن أساس إنهاء الاستعمار في الصحراء هو قيام السكان الأصليين بممارسة حقهم في تقرير مصيرهم، وفقاً لمبادئ وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، الرقم 1514/15، وفي مرحلة أخرى، عندما أيدت الأمم المتحدة تطبيق هذا المبدأ، تراجعت أسبانيا، بحجة عدم أهلية السكان وعدم استعدادهم، وكذلك عدم رغبة زعماء قبائل الصحراء في عدم التعجل بالتنفيذ. وعندما تعاونت أسبانيا مع الجماعة الصحراوية، وضمنت أن مصالحها ستتحقق عبر هذه الجماعة، عملت على بناء تنظيم سياسي صحراوي، بهدف منحه الاستقلال، استناداً إلى إقرار الجماعة الصحراوية عام 1974 للنظام الأساسي، الذي يقضي بإقامة حكم ذاتي، وعندما تقدمت كل من المغرب وموريتانيا بطلب الحصول على الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية، تراجعت أسبانيا عن فكرة الاستفتاء، على أن تمنح الإقليم حكماً ذاتياً، لذلك كان الموقف الأسباني متردداً، وكان تمسكها بمبدأ حق تقرير المصير والشروع في بناء دولة صحراوية، من خلال التنظيم السياسي للجماعة الصحراوية، ما هو إلا عوامل، كانت تستغلها للحفاظ على مصالحها في الإقليم.

ثانياً: الحركة الوطنية الصحراوية

خلال سنوات الاحتلال الأسباني للصحراء الغربية، والتي بدأت في أوائل القرن وانتهت عام 1976، لم تكن الصحراء جرداء سياسياً. على العكس تماماً، كانت هناك الحركة السياسية والانتفاضة الوطنية في الصحراء. وعلى الرغم من قلة عدد السكان بالنسبة إلى المساحة الشاسعة، وعلى الرغم من أنهم ـ في معظمهم ـ بدو رحل يصعب عليهم التماسك الحضري في حركة واحدة أو سلسلة مترابطة، فإن الحافز الوطني كان دائماً مشتعلاً ضد الاحتلال الأسباني، تقوده القبائل الصحراوية الغربية الأصل، وهي حوالي 1700 قبيلة يتزعمهم قبيلة الرقيبات، التي تعتبر أكبر وأقوى هذه القبائل، وكانت أهم هذه الثورات، التي قامت بها القبائل الصحراوية، هي ثورة 1934، وثورة 1957 ، وقد شهد عقد السبعينيات تطوراً مثيراً في مسار الحركة الوطنية الاستقلالية بالصحراء، إذ برز على السطح حادثان مهمان:

1. شهدت الصحراء انتفاضة شديدة الغليان ضد الاحتلال، خاصة في مدينة العيون عام 1970، تماثل انتفاضتي عامي 1943 و1957، إن لم تكن أشد. وكانت بقيادة صحفي سابق هو "البصير ولد سيدي إبراهيم"، الذي اعتقله الأسبان وقتها، ثم استُشهد فيما بعد. ولقد استطاعت هذه الانتفاضة الدامية أن تحرك كثيراً من الأحداث، وأن تدفع بها إلى تطورات أعمق، وأن تبلور الحركة الوطنية، من مجرد "هبّات" فجائية، إلى حركة أكثر تنظيماً، تمهد لمرحلة تطور جديدة.

2. في عام 1970، أُعلن عن تشكيل منظمة سرية جديدة في الصحراء، تعمل لمقاومة الممثل الأسباني، هي منظمة (موريهوب) أي الرجال الزرق.

وعملياً تعد الموريهوب أول منظمة سياسية صحراوية يسارية، حتى ذلك الوقت. فلقد تأسست بدعم جزائري مباشر، واستطاعت أن تمد تعاونها إلى قلب أسبانيا، حيث وجدت مساندة سياسية من الحزب الشيوعي الأسباني، وكذلك تعاونت مع حركة استقلال جزر الكناري، وكان مقر الحركة الأخيرة، مثل مقر الموريهوب، في الجزائر.

وقد بنت الموريهوب فلسفتها السياسية على عدة مبادئ، أهمها:

·   الاستقلال التام وقطع كل تعاون مهما كان نوعه مع أسبانيا.

·   لا تقارب أو تعاون من أي شكل مع المغرب وموريتانيا.

·   إقامة دولة مستقلة في الصحراء ذات حكم ديموقراطي تقدمي شعبي.

غير أن تطور الأحداث في قضية الصحراء، وتسابق الزمن، واحتدام الصراع بين "الأطراف المعنية" الجزائر والمغرب وموريتانيا، من جهة، ونضوج الحركة الوطنية في الصحراء، وتعمق مفاهيمها، واستفادتها من التجارب، من جهة أخرى، ساعدت على بروز عنصر جديد، قلب موازين القوى في صراع الصحراء، وهو ظهور الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، في مايو 1973.

وقد تعددت التنظيمات السياسية، التي كانت سائدة في الصحراء الغربية، منذ عام 1960، وتمثلت في الآتي:

1. مجلس الأربعين

 تم إنشاؤه عام 1960، ويتكون من 41 عضواً، وهم من شيوخ القبائل، ويختص هذا المجلس بحفظ الأمن، وإعلان الحرب ضد المعتدين، وعقد الصلح مع المتحاربين، كما يقوم المجلس بتعيين القضاة، الذين يكونون من كبار العلماء والفقهاء وينظرون في الخصومات والنزاعات بين سكان المنطقة.

2. المنظمة الطليعية لتحرير الصحراء

تأسست عام 1966، بهدف تكوين جبهة ثورية، طالبت بتكوين إدارة صحراوية قادرة على تسيير البلاد والعمل على تحديد توقيت انسحاب القوات الأسبانية من إقليم الصحراء، وكذلك طالبت بالمساواة بين الأسبان والصحراويين في الحقوق والمطالب، كما كان هدفها حل الجمعية الصحراوية، وإجراء انتخابات حرة، ووقف الهجرة الأسبانية، ولذلك قامت أسبانيا بإجراءات قمعية ضد الصحراويين.

3. حزب الإسلام

وتأسس هذا الحزب عام 1965، وتحددت مبادئه في التحرر بالسلاح، والانضمام إلى المملكة المغربية، مع الاحتفاظ بحقوق كاملة لسكان الإقليم الصحراوي، وأثار هذا المبدأ خلافات حادة داخل الحزب، وحًسم الخلاف لصالح الاستقلال التام عن الاستعمار الأسباني على أنه مرحلة أولى.

4. حركة المقاومة لتحرير الأقاليم الواقعة تحت السيطرة الأسبانية

وعرفت هذه الحركة سابقاً، باسم حركة الرجال الزرق، التي أنشأتها المغرب عام 1961، وكانت تهدف إلى توحيد الصحراء مع المغرب، إلا أنها غيرت مقر قيادتها إلى الجزائر ثم بلجيكا، ثم استقرت عام 1975 بالمغرب . واصطدمت بالقوات الأسبانية عدة مرات، وانفصل عن هذه الحركة مجموعة من أصل مغربي طالبوا بالاندماج مع المغرب، في إطار حزب جبهة التحرير والوحدة.

5. حزب الاتحاد الوطني الصحراوي

تأسس هذا الحزب تحت إشراف الحكومة الأسبانية في أكتوبر 1974، إذ سعت الإدارة الأسبانية لمد سيطرتها على كل أنحاء الصحراء الغربية، بهدف تحضيرها لتسلم السلطة، في أعقاب الانسحاب الأسباني من الصحراء؛ لكي تستطيع، من خلال هذا الحزب، المحافظة على مصالحها الاقتصادية والتجارية، وانضم لهذا الحزب، أعضاء الجماعة الصحراوية، وبعد حل هذا الحزب، انضم معظم قادته إلى جبهة البوليساريو.

6. الجماعة الصحراوية

منذ عام 1958، بدأت الخصوصية الصحراوية تتضح معالمها في إطار العلاقات الثنائية الأسبانية ـ الصحراوية. وفي عام 1961 قامت أسبانيا بإصدار وثيقة، تعتبر فيها الساقية الحمراء ووادي الذهب جزءاً من أسبانيا، وفي خطوة تالية قامت الإدارة الأسبانية، في عام 1967، بإنشاء الجماعة الصحراوية، التيتضم زعماء القبائل الصحراوية، في الساقية الحمراء ووادي الذهب ومدينة العيون والداخلة، وزعماء البطون والفروع الكبرى لكل قبيلة، وبذلك وصل عدد أعضاء هذه الجماعة 102 عضواً، وتحدد مهمة الجماعة في تمثيل السكان المحليين، في علاقاتهم مع الإدارة الأسبانية، والإشراف والسيطرة على العلاقات القبلية، وكان السبب الأساسي لتكوين هذه الجماعة، هو توفير التغطية القانونية اللازمة لاستمرار النفوذ الأسباني في الصحراء الغربية، وذلك من خلال استيعاب جميع الحركات والاتجاهات والأحزاب، داخل هذه الجماعة؛ لتكون تحت السيطرة الأسبانية .

ثالثاً: الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ـ البوليساريو

ظهرت الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، بعد المذابح الأسبانية ضد شعب الصحراء، عام 1970، حيث عُقد المؤتمر التأسيسي الأول، بتاريخ 10 مايو 1973، على الحدود بين موريتانيا والصحراء، وأعلن فيه ميلاد جبهة البوليساريو ، على أنقاض كل التنظيمات السياسية القائمة، في ذلك الوقت، والتي سبقت الإشارة إليها. إذ استطاعت الجبهة أن تضم إلى صفوفها جميع المناضلين في الصحراء، وكذلك كل التنظيمات السياسية فيها، ولذلك أصبحت جبهة البوليساريو هي التنظيم الوحيد الممثل لشعب الصحراء. وقامت على أهداف ومبادئ أكثر تحديداً ووضوحاً. وركزت في هدف رئيسي، هو الاستقلال التام للصحراء، بعيداً عن أسبانيا والمغرب وموريتانيا. وبنت أساليبها على أساس العمل السياسي والعسكري المنظمَيْن. وتحددت الأهداف السياسية للكفاح المسلح في الآتي:

1. عروبة الصحراء، بإرجاعها إلى أصلها العربي، رداً أولياً على الاستعمار الأسباني، الذي حاول، بمختلف الأساليب الاستعمارية، إلحاق الأراضي الصحراوية، تعسفاً، بالأراضي الأسبانية.

2. الرد على الإهمال العربي، سواء من قِبَل الأنظمة العربية المجاورة، في شمال أفريقيا، أو من قِبَل الأنظمة العربية، التي تبتعد مسافات بعيدة عن الإقليم.

وعلى رغم أن جبهة البوليساريو قد تكونت في موريتانيا، فإن التطور الأساسي في الحركة، بعد أن حقق زعماء الجبهة اتصالهم وتفاهمهم مع الجزائر، باعتبارها دولة تقدمية، تناصر حركات التحرر العربية والأفريقية، دفع قيادات الجبهة، منذ عام 1974 إلى التوجه إلى الجزائر، التي رحبت بهم. وتميزت هذه المرحلة بأنها المنطلق الوحدوي لشعب الصحراء في مواجهة الاستعمار، وارتكزت انطلاقة الجبهة، خلال هذه المرحلة، على الآتي:

1. أن المنطقة الممتدة من جبل طارق إلى نهر السنغال تطل على المحيط الأطلسي، أي أنها حكماً يجب أن تخضع لسياسة الحلف الأطلسي، والساقية الحمراء ووادي الذهب تعتبر نقطة التلاقي في شمال غرب أفريقيا، ومن ثم، هي نقطة التماس بين الوطن العربي والقارة الأفريقية.

2. نظراً للأهمية الإستراتيجية لإقليم الصحراء، عسكرياً واقتصادياً، فإن بقاءه تحت سيطرة الاستعمار والإمبريالية سيكرسه مركزاً لمراقبة شعوب المنطقة وكل تحركاتها، هذا فضلاً عن الناحية الاقتصادية المتمثلة في وجود الموارد الطبيعية في الصحراء.

3. الانتماء إلى الوطن العربي، والإيمان بأن الشعب في الساقية الحمراء ووادي الذهب هو شعب عربي، وسيبقى، كما كان قديماً، منارة جديدة في النضال ضد الوجود الاستعماري في المغرب العربي.

كان يوم 20 مايو 1973 بداية مرحلة الكفاح المسلح لجبهة البوليساريو، وركزت، خلال هذه المرحلة، على التنسيق بين أجهزة التنظيم، التي بدأت تسير في خطها الطبيعي، وعلى رغم كل الجهود، التي بذلتها جبهة البوليساريو، كان هناك نقص ملحوظ في الإمكانيات والقدرات العسكرية، إذ وصل أعضاء جيش التحرير الشعبي إلى خمسة وأربعون مقاتلاً ، وإلى جانب النقص في أعداد الجبهة العسكرية، وكذلك في سلاحها، كان لجبهة البوليساريو معارضة إقليمية شديدة، فبدلاً من الدعم والمساندة المنتظرة في كفاحها، قامت الحكومة الموريتانية بحرمان شعب الصحراء من مساعدتها، أما الحكومة المغربية، فقد ذهبت إلى أبعد من ذلك، فمارست الضغوط على المواطنين اللاجئين إلى المغرب لأسباب سياسية؛ ليكونوا آلة سياسية تخدم أهدافها ، كما أعلنت جبهة البوليساريو أن تدخلات الجيش المغربي ضد الشعب الصحراوي قد تعددت، ووصلت إلى درجة الإبادة للصحراويين، وفور إعلان الجبهة عن أهدافها وبيانها السياسي، في أغسطس 1974 ، بدأ الاستعمار الأسباني في مقاومتها ومطاردتها داخل الأراضي المغربية والموريتانية. وأدى ذلك إلى انتشار عمليات الجبهة، التي انتشرت على طول الأراضي الصحراوية، خاصة بعد الدعم والتأييد الذي قدمته الحكومة الجزائرية للجبهة من أراضيها، وهذا ما مكنها من خوض عمليات متصلة. ومع تزايد حدة المقاومة، التي أصبحت الخيار الوحيد لشعب الصحراء، الذي ساند الجبهة، انضمت كل التنظيمات السياسية إليها. ومع تزايد المقاومة، اضطرت الحكومة الأسبانية إلى إعلان نيتها في إجراء استفتاء في الصحراء الغربية، خلال عام 1975 بإشراف الأمم المتحدة، وبالفعل بدأت الإدارة الأسبانية بإجراء تعداد لسكان الصحراء.

رأت جبهة البوليساريو أنه ليس من الضروري إجراء الاستفتاء؛ لأن حركتهم تمثل شعب الإقليم، ولكنهم يقبلون إجراء الاستفتاء، تحت إشراف الأمم المتحدة، بشروط تمثلت في الآتي:

1. الانسحاب المسبق للإدارة الأسبانية وإحلال إدارة وطنية مؤقتة محلها.

2. الانسحاب المسبق لجميع القوات الأسبانية واضطلاع جيش التحرير التابع لجبهة البوليساريو بالدفاع والأمن في الإقليم، تحت ضمانات الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.

3. عودة المنفيين واللاجئين السياسيين.

كما أعلنت الجبهة ضرورة مشاركتها لأي هيئة تقوم بالتحقق من هوية الأشخاص، على أن تكون المعايير التي تسود الإحصاء (أو الاستفتاء) هي:

1. انتماء الأشخاص لمجموعة عائلية موجودة داخل الإقليم.

2. عزم هؤلاء الأشخاص على العودة والحياة المستمرة في الإقليم، بغض النظر عن نتيجة التصويت.

وعلى رغم أن تقرير لجنة تقصي الحقائق، الذي قدمته للأمم المتحدة في 15 أكتوبر 1975، قد أوصى بإجراء الاستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة، فإن البعثة ذكرت، في تقريرها، أن غالبية سكان الصحراء الغربية، قد عبروا عن رغبتهم في الاستقلال ومعارضتهم للمطالب الإقليمية المغربية والموريتانية ، إذ أعرب سكان الصحراء عن أملهم في مساعدة الأمم المتحدة، ومنظمة الوحدة الأفريقية، وجامعة الدول العربية، لهم على نيل استقلالهم.

وبعد إعلان محكمة العدل الدولية لرأيها الاستشاري، في 17 أكتوبر 1975، طلبت الأمم المتحدة من أسبانيا، أن تعلن انسحابها من الصحراء، ونقل إدارتها إلى الأمم المتحدة حتى يتم تحديد رغبات شعب الصحراء، إلا أن المغرب رفضت ذلك، وانطلقت المسيرة الخضراء، وبعد ذلك وقع اتفاق مدريد الثلاثي، فأعلنت جبهة البوليساريو معارضتها لهذا الاتفاق، وكان الرد الصحراوي عليه، من خلال اجتماع مدينة القلتة، الذي عُقد في 28 نوفمبر 1975 وحضره 68 عضواً من أعضاء الجمعية العامة الصحراوية، وثلاثة أعضاء صحراويين في البرلمان الصحراوي ـ الكورتس ـ وأصدروا وثيقة نصت على:

1. أن الطريق الوحيد لاستشارة الشعب الصحراوي هو تمكنيه من تقرير مصيره بنفسه، والحصول على استقلاله، من غير أي تدخل أجنبي، مهما كان نوعه، ولكون الجمعية لم تنتخب ديمقراطياً من قِبَل الشعب الصحراوي، فإنها لا تستطيع أن تقرر مصيره.

2. ن الجمعية العامة، بإجماع أعضائها، تقرر حل نفسها نهائياً، حتى لا تستغل أسبانيا هذه المؤسسة لخدمة مصالحها وأهدافها.

3. إن السلطة الشرعية والوحيدة للشعب الصحراوي هي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، المعترف بها من قِبَل الأمم المتحدة.

4. في إطار حل يقوم على أساس الوحدة الوطنية، وخارج على أي تدخل أجنبي، أسس مجلس وطني صحراوي مؤقت.

5. نحن الموقعين وثيقة مدينة قتلة؛ نؤكد من جديد، تأييدنا غير المشروط للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي.

6. نؤكد، من جديد، إصرارنا على استمرار الكفاح من أجل عز وطننا حتى الاستقلال التام، والحفاظ على وحدته الترابية.

وهكذا نجد أن البوليساريو لم تنشأ في فراغ، لكنها برزت فوق أرضية سياسية محددة وسابقة على نشأتها هي، فاكتسبت منها وتعلمت من دروس نجاحها المحدود وفشلها اللامحدود، فسارعت البوليساريو خلال سنوات انطلاقها الأولى إلى التركيز على وضع "برنامج سياسي واضح المعالم" وعلى تحديد الهدف الإستراتيجي لها، واللجوء إلى أساليب الوصول إلى هذا الهدف، سواء كان أسلوباً سياسياً أو عسكرياً أو كان مزيجاً بينهما، مثل كل حركات التحرير.

فقد انطلقت الحركة في ظل ظروف محلية وإقليمية ودولية مميزة، ساعدت، في معظمها، على إعطاء الانطلاق دفعة قوية، وساعدت على إعلاء مكانة هؤلاء الصحراويين، فوضعتهم في صفوف المناضلين من أجل الحرية، وربطت حركتهم بحركة التحرر العالمي والنضال ضد الاستعمار.

انطلقت حركة البوليساريو، بينما كانت الجزائر في عز نشأتها السياسية، لا عبر أفريقيا فحسب، بل في العالم الثالث ومجموعة عدم الانحياز، وفي العالم كله، من خلال مبادرات سياسية بارزة، قادها رئيسها الراحل هواري بومدين. وكانت أبرز ملامح هذه السياسة هي تبني الجزائر رسمياً لحركات التحرر في العالم الثالث، ومساندتها لها، كذلك انتهاجها خطاً راديكالياً مع قضايا التحرر والاستقلال السياسي والاقتصادي، ومع الكفاح المسلح ضد الامبريالية العالمية، وبقايا التراث الاستعماري، والنهب المنظم لثروات الشعوب.

لقد وجدت البوليساريو أحضاناً دافئة في الجزائر، التي منحتها المأوى المؤقت ـ في صحراء تندوف، ومنحتها الدعم السياسي والمالي والعسكري، بكل أبعاده، منطلقة من موقفين: الأول هو ما يمليه التوجه الجزائري من مناصرة حركات التحرير وحق تقرير المصير، والثاني هو موقف الجزائر تجاه المغرب، ورغبتها في حرمانه من ضم الصحراء الغربية، حتى لا تكون عمقاً إستراتيجياً ومخزوناً إضافياً للعرش المغربي. ولا جدال أن حسابات موازين القوى الإقليمية في شمال أفريقيا، تفرض على الجزائر أن تطوق سلطة هذا العرش وتقلص نفوذه لصالحها، بحيث تتحول الصحراء الغربية إلى دولة مستقلة، تصبح بشكل من الأشكال "مجالاً حيوياً" للجزائر، وتسمح لها بمد خط سكك حديدية مباشر يربط الجنوب الجزائري الغني بالمعادن والغاز والبترول، بشواطئ المحيط الأطلسي، ليكون أقصر طريق بين المناجم والحقول البترولية وموانئ التصدير إلى أوروبا وأمريكا.

ثم إن البوليساريو انطلقت في مرحلة "انطلاقة" العقيد معمر القذافي إلى أفريقيا، حين شكلت ثورة الفاتح من سبتمبر الليبية عامل جذب شديد لعدد كبير من الثوار، والمتمردين، والساخطين ضد نظم حكم مختلفة. وجاءت حركة البوليساريو ليجد القذافي فيها نموذجاً فريداً من "العمل الثوري"، ولتجد هي فيه نموذجاً فذاً "للقائد الثوري". وسرعان ما تلاقت الأهداف.

رابعاً: فلسفة قائدها

إن فيلسوف البوليساريو وقائدها الأول "الولي مصطفى السيد" لم يعش طويلاً، ولم تسمح الظروف له بتعميق فكره، ويخط للحركة سياستها. والملامح الأولى تقول إنه وُلد في عام 1948 بمنطقة بئر الحلو بالصحراء الغربية، لوالدين ينحدران من قبيلة الرقيبات، ونزحت أسرته من بير كلو شمالاً، حتى استقرت في طان طان بجنوب المغرب. وفي مدارس المغرب تدرج الولي مصطفى في الدراسة، بعد أن تعلم قليلاً في زوايا الصحراء وطان طان وحفظ بعضاً من القرآن الكريم.

واستطاع الولي مصطفى، على رغم فقر أسرته، أن يلتحق بكلية الحقوق في جامعة المغرب، ودرس في فرع العلوم السياسية بها، بعد أن تنقل في مدارس طان طان ومراكش وتارودانت والرباط، وعانى كثيراً من الطرد من الدراسة لمواقف خاصة به، يقول عنها "محمد الأمين"، رئيس وزراء الجمهورية الصحراوية، ورفيق الولي منذ الطفولة: "منذ حداثته لم يؤمن، في يوم من الأيام، بأنه مواطن مغربي، وحتى عام 1973 لم يتقن اللهجة المغربية، على رغم أنه جاء إلى المغرب صبياً، فكان بين جميع أصدقائه ورفاقه في المدرسة، محط الأنظار، لأنه لا يتكلم اللجهة المغربية، في حين كان يجيد اللغة العربية إجادة كبيرة ويتقن اللهجة المحلية الحسانية (الصحراوية)، وكان دائماً يؤكد أن شعبنا لا علاقة له بالشعب المغربي إلا من حيث انتماؤه للعروبة والدين ووحدة المصير".

وترجع ثقافة الولي مصطفى للغة العربية لشغفه بالقراءة. كان يركز قراءاته على مؤلفات مصطفى لطفي المنفلوطي، وطه حسين، والعقاد، وإحسان عبدالقدوس، وتوفيق الحكيم، وشعراء المهجر، وكل الكتب التي كتبها السيد قطب.

وقد تميزت فترة دراسته بالمغرب بعدة أشياء، منها:

1. أنه كان شديد الانتماء إلى العروبة بشكل عام، ولذلك عمد إلى دراسة آداب اللغة العربية ومتابعة الحركة الثقافية في المشرق العربي عامة، وفي مصر خاصة، وشغف بالقراءة لكبار كتابها كما سلف البيان.

2. أنه كان حركياً نشطاً، فقد فكر في عامي 67/1968 في إقامة اتحاد لطلاب الصحراء الدارسين بالمغرب، واتصل بعديد من التنظيمات والاتجاهات الطلابية في المغرب، وفي مدريد، ثم في بيروت.

3. أنه لهذا السبب تعرض لمصاعب كثيرة، بعد مشاركته في اجتماعات ومظاهرات طلابية معارضة، فاعتقل أكثر من مرة في الفترة بين 1971 ـ 1972.

4. وعلى رغم ذلك، ثبت أنه لم ينضم إلى أي حزب سياسي من الأحزاب المغربية، سواء المؤيدة للحكم أو المعارضة، وإن كان من الثابت أيضاً، أنه اتصل بعدد منها لمعرفة اتجاهاتها حول قضية الصحراء.

ومن ذلك، نستنتج أن الولي مصطفى السيد، كان منذ البداية في صف استقلال الصحراء، وقيام دولة مستقلة فيها، وهو الهدف الذي سعى إليه منذ تأسيس الخلية الأولى المحدودة، التي قادت، فيما بعد، حركة البوليساريو، منطلقة شرقاً، من طان طان في الغرب إلى تندوف داخل الحدود الجزائرية.

خامساً: الخلية الأولى للبوليساريو والكفاح المسلح

وقد بنت الخلية الأولى ـ التي تأسست في عام 1971 تحت وطأة انتفاضة البصير في عام 1970 ـ حركتها السرية، في خطواتها الأولى، على أساس جس نبض عدد من قيادات القبائل الصحراوية والشخصيات الوطنية، التي تسكن في المغرب وأوروبا، في ظل جو شديد الحذر والسرية، خوفاً من الاحتلال الأسباني من ناحية، والسلطات المغربية من ناحية أخرى.

وقد أدت مرحلة 1970-1972 التحضيرية، إلى إعداد المسرح السياسي والعسكري؛ لتشكيل الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب (البوليساريو)، وانتهت هذه المرحلة بعقد المؤتمر التأسيسي الأول، في العاشر من مايو 1973، على الحدود الموريتانية، وحضره عدد محدود جداً من الأعضاء، نظراً للإجراءات الأمنية الشديدة، التي كانت أسبانيا تطبقها آنذاك. وصدر عن المؤتمر بيان سياسي يعلن:

·   انطلاق جبهة البوليساريو بصفتها حركة تحرير للصحراء الغربية.

·   أن هدف الجبهة هو تحرير الصحراء من الاحتلال الأسباني وقيام دولة مستقلة.

·   وأن أسلوب العمل هو إتباع أسلوب الكفاح الثوري المسلح، إذ إن الأسلوب السياسي لن يجدي كثيراً في مواجهة أسبانيا والمغرب وموريتانيا.

وبالفعل انتقلت الجبهة إلى الكفاح المسلح، فلم يكد يمر سوى عشرة أيام على المؤتمر التأسيسي، حتى قامت البوليساريو بعمليتها العسكرية الأولى، فنفذت الخلية العسكرية الأولى المكونة من 45 مقاتلاً، أول عملية عسكرية يوم 20 مايو 1973، عند موقع "الخنقة" القريبة من حدود المغرب مع الصحراء، كما حددتها السلطات الأسبانية، وكانت العملية تحت قيادة الولي مصطفى السيد نفسه، الذي وقع في قبضة الجيش الأسباني، ثم نجح في الهرب من سجنه، وعاد مرة أخرى للحركة قائداً لها، حتى قُتل في هجوم كان يقوده بنفسه أيضاً، داخل الحدود الموريتانية قرب مدينة "تجكجا"، التي تبعد عن نواكشوط حوالي 200 كيلومتر، وكان ذلك في التاسع من يونيه 1976. وقد أمرت السلطات الموريتانية بوضع جثته في ميدان رئيسي بالعاصمة لمدة أسبوع، ردعاً لكل من ينضم إلى البوليساريو.

ومن خلال قراءة متأنية لوثائق البوليساريو، التي تضم خطب ومراسلات "الولي مصطفى"، نستطيع أن نحدد المعالم التالية للخلفية السياسية والفكرية لقائد الحركة، فهو يقول:

عن الانتماء العربي: "نحن شعب كسائر الشعوب النابعة من أصل عربي، ومن الجزيرة العربية، التي مرت بمراحل البداوة والفلاحة والتنظيمات السياسية الممثلة في الدول. نحن شعب خرجنا من الجزيرة العربية يحمل راية الدين الإسلامي، مثل سائر الجيوش العربية والإسلامية، التي خرجت لهداية البشرية جمعاء إلى الطريق السوي، والقضاء على عبودية الإنسان واستعباده من كائنات أخرى أحط من أن تكون معبودة. إننا نعتمد ـ في مواجهة الاستعمار الأسباني ـ على الأساس الأصلي، الذي أتينا منه والذي أتينا من أجله، اللغة العربية والدين الإسلامي".

وعن حتمية انطلاق الثورة: "إن الاستعمار عبر مائة عام والأنظمة الرجعية، التي تقف بجانبه، كانت تركز على أساس محو صبغة الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب. لقد قسمونا إلى جنسيات متعددة، وقبائل متعددة، وقسموا القبيلة إلى عروش متعددة، وقسموا العائلات إلى اتجاهات متعددة. كانت هذه هي ظروف انطلاقة الثورة في عام 1973. كذلك حطموا مكتسباتنا الوطنية وثرواتنا. كانت لدينا ثروات حيوانية ذهبت حرب 1956 و1959 بأكثر من 75% منها، وأرجعونا بلا ممتلكات، وعندما رجعنا إلى المدن، وجدناها تحت الأيدي الأجنبية، التي كانت تخطط لإبقائنا شعباً متسولاً".

"إن الإمبريالية حاولت الانتباه إلى القارة الأفريقية والتعويض عن خسائرها في الهند الصينية، لتحرز مكاسب في أفريقيا، إذ في عام 1973 أعلنا الثورة الشعبية، ولم تمنعنا الظروف الصعبة داخل الوطن، من إعلان ثورة شعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب".

وعن مرتكزات نجاح الثورة: "الثورة أعلنت في الساقية الحمراء ووادي الذهب لأنه لا يوجد شعب. حتمياً موجود هذا الشعب بكيانه له حضارته ومبادئه وأفكاره وتنظيماته، على رغم خطط الاستعمار والرجعية وعلى رغم الجنسيات المتعددة والقبائل المتعددة".

النقطة الأخرى التي كانت عاملاً مشجعاً لإعلان الثورة في الساقية الحمراء ووادي الذهب، هي موقف ثورة الفاتح من سبتمبر في ليبيا، والقوة الثورية التاريخية في الجزائر. أما النقطة، التي كنا نحسب عليها وخاب حسابنا وأملنا مع الأسف خلال السنوات الماضية، فهي نقطة التنظيمات التقدمية الشعبية في المغرب وموريتانيا وتونس. إن التنظيمات الثورية في المغرب استأجرها النظام المغربي، وزعماء الثورة في المغرب حملوا حقائب الملك ليؤيدوا غزوهم للساقية الحمراء ووادي الذهب".

عن موقع البوليساريو في الصراع الإقليمي والدولي: "الصراع الآن صراع في البداية ما بين الشعب العربي في الساقية الحمراء ووادي الذهب، وبين الأنظمة الغازية وأنظمة الاحتلال، التي يتزعمها المغرب وموريتانيا. الصراع في المنطقة هو صراع بين مكافحي الشعوب في المغرب العربي، وبين مستعبدي هذه الشعوب. وهو صراع بين القيادة الثورية في الجزائر وليبيا، وبين القيادات الرجعية في المغرب وموريتانيا وتونس. إذن الصراع بالنسبة للمغرب العربي هو صراع بين دعاة العبودية، دعاة الاستغلال، العملاء للقوات الأجنبية والإمبريالية، وبين الوطنيين، الذين نبعوا من القاعدة الشعبية والذين دافعوا من أجل القاعدة الشعبية في المغرب العربي".

عن الوحدة: يقول الولي مصطفى السيد: "قال جمال عبدالناصر، في عام 1953، كان الخيار بين وحدة مصر والسودان مع بقاء الاستعمار، أو استقلال السودان، ففضلت الرأي القائل باستقلال السودان، لأن الاستقلال هو الطريق الطبيعي إلى الوحدة الصحيحة، لأننا فعلاً شعب واحد…".

"إنه المنطق، الذي لا يقبل أن يرفع شعار الوحدة بين الشعوب وهي مستعمرة. وأن الوحدة شيء حتمي واختياري، ولاسيما في ظل أنظمة تقدمية، تؤمن وتدافع عن هذه الوحدة. أما الوحدة تحت ظل الاستعمار أو من نصبهم للقضاء على تطلعات الشعوب، فإنها وحدة على حساب الشعوب، ولن تكون في صالحها. ولاسيما تلك الوحدة المزعومة، التي حاول حكام المغرب وموريتانيا تضليل الرأي العام العربي بها".

هكذا كان يتكلم فيلسوف البوليساريو، الولي مصطفى السيد، وهو بهذا كان يتبنى فكراً محدداً ووجهات نظر واضحة، حددت معالم تطوره الأيديولوجي، وكذلك تطور الحركة، التي يقودها، ومن خلال وثائق البوليساريو.

سادساً: التطور الأيديولوجي للبوليساريو

إذا كانت أفكار القائد لا تكفي وحدها لتحديد أيديولوجية البوليساريو، فإن التطور الأيديولوجي قد برز واضحاً من خلال الوثائق التاريخية، والمؤتمرات السياسية للبوليساريو.

فمنذ المؤتمر التأسيسي الأول (في 10 مايو 1973)، حتى أوائل الثمانينات، حدثت تطورات هامة في المفهوم السياسي للحركة، وإن كان مبدأ تحرير الصحراء الغربية تحريراً كاملاً، وإقامة الدولة المستقلة عليها، ظل هو المبدأ المحوري، الذي دارت حوله كل الأفكار والسياسات والتطورات.

وعلى رغم أن حركة البوليساريو قد أصدرت أول نشرة تنظيمية لها، في أكتوبر 1973، تحت اسم "20 مايو"، وكانت في بداية إصدارها تُنسخ باليد ليتناقلها أعضاء التنظيم، فإن الحركة كان ينقصها الكثير، خاصة التنظير الفكري المتكامل، والبرنامج السياسي الواضح المعالم، والأطر التنظيمية المحكمة، فضلاً عن قلة التمويل والتسليح ووسائل الاتصال.

كما أن ردود فعل الوطن العربي والعالم في معظمه، كان سلبياً إلى حد كبير، على قيام حركة البوليساريو في سنتها الأولى. إذ استطاع التعتيم الإعلامي وضعف النشاط الإعلامي للبوليساريو معاً، أن يثيرا جواً من الحذر والريبة، حول هذه الحركة الجديدة المطالبة باستقلال الصحراء. وإن كانت هذه الريبة وهذا التعتيم قد كُسر، نوعاً ماً، خلال انعقاد مؤتمر عدم الانحياز، في سبتمبر 1973 بالجزائر، وهو أول تجمع دولي هام تُثار فيه قضية استقلال الصحراء الغربية، بشكل يخدم البوليساريو الناشئة.

سابعاً: المؤتمر العام الثاني لجبهة البوليساريو (25-31 أغسطس 1974)

في ظل هذه الظروف، كانت قيادة الحركة تعد لترسيخ أقدامها السياسية والعسكرية والفكرية. ولقد جاءت هذه الخطوة، من خلال عقد المؤتمر العام الثاني لجبهة البوليساريو، الذي عُقد في الفترة من 25-31 أغسطس 1974، وسُمي مؤتمر الشهيد "عبدالرحمن ولد عبدالله".

وفي هذا المؤتمر، حققت البوليساريو خطوة إلى الأمام، في المجالات الفكرية والتنظيمية على السواء، حيث طرحت برنامج عمل وطني متكاملاً، إلى حد كبير، يوضح تطورها الأيديولوجي في عام عملها الثاني. وقد انقسم هذا البرنامج إلى قسمين أساسيين، هما:

1. برنامج قصير المدى

ويُعتبر هذا البرنامج مرحلياً، ويتضمن 7 نقاط كالتالي:

أ. تسييس الجماهير الصحراوية وتنظيمها وتأطيرها، داخل تنظيم الجبهة الشعبية للبوليساريو.

ب. تعبئة الجماهير تعبئة مستمرة لمسايرة كل التطورات.

ج. تقوية الصلات بين الجبهة وبين حلفائها على المستويات القومية العربية، والأفريقية، والدولية.

د. تدعيم أجهزة الجبهة، خاصة الأجهزة الحساسة.

هـ. تقوية أسس الجبهة الداخلية لمواجهة كل الاحتمالات.

و. خلق موازنة على الساحة الوطنية.

ز. وضع القوى الوطنية والديموقراطية ـ ولاسيما في الدول المجاورة ـ أمام مسؤولياتها التاريخية، في الدفاع عن الثورة الشعبية في ضمان استمرارها.

2. برنامج بعيد المدى

ويتضمن هذا البرنامج 16 نقطة، هي:

أ. التحرير الوطني الشامل من كل أشكال الاستعمار، والوصول إلى الاستقلال الكامل.

ب. بناء نظام جمهوري وطني له برنامج وحدوي مفتوح.

ج. خلق الوحدة الوطنية الحقيقية.

د. ضمان الحريات الأساسية للمواطنين.

هـ. بناء اقتصاد وطني متكامل، يقوم على تأميم الثروات المعدنية، والتصنيع، والتطوير الزراعي، والاهتمام بالثروة الحيوانية، وحماية الثروة البحرية.

و. تعبئة الجماهير وتحرير مبادراتها؛ لتلعب الدور الحاسم في البناء الاقتصادي.

ز. توزيع الثروات توزيعاً عادلاً، ومحو الفوارق بين الريف والمدن.

ح. القضاء على كل أنواع الاستغلال.

ط. ضمان العيش الكريم لكل فرد في الشعب.

ي. توفير السكن لكل أفراد الشعب.

ك. العناية بالعائلة، ورفع مستواها في كل المجالات.

ل. تحقيق كل الحقوق الأساسية والاجتماعية للمرأة، وفتح المجال أمامها.

م. القضاء على رواسب الانحلال الخلقي والاجتماعي.

ن. المحافظة على الحضارة والتراث الديني.

س. تطبيق وتعميم التعليم الإلزامي، ومجانية التعليم في كل مراحله، وفرض ثقافة وطنية قومية، وتعريب التعليم في كل المراحل.

ع. محاربة الأمراض، وبناء المستشفيات، ومجانية التطبيب.

ثامناً: سياسة الجبهة تجاه العالم الخارجي

كما حدد المؤتمر الثاني للجبهة سياستها تجاه العالم الخارجي، في الآتي:

1. التعامل مع الجميع على أساس المبادئ الخمسة الأساسية للتعايش السلمي.

2. الثورة الصحراوية جزء من الثورة العربية، ومن حركات التحرر الوطني الديموقراطي العالمية.

3. تعتبر التعاون مع الثورة الجزائرية، في مرحلة انتقالية، عنصراً أساسياً لضرب المؤامرات على العالم الثالث.

4. مساندة كل الشعوب المكافحة ضد الاستعمار بشكليه القديم والجديد، والإمبريالية، والصهيونية، والتمييز العنصري.

وهكذا جاء برنامج العمل الوطني المنبثق عن المؤتمر العام الثاني للبوليساريو، ليعطينا الملامح الفكرية والسياسية لهذه الحركة، وليحدد خطواتها وأفكارها تحديداً أدق مما جاء في برنامجها الأول، الذي صدر عند الانطلاق في مايو 1973. كما أن آثار ثورة 23 يوليه المصرية، وثورتي الجزائر وليبيا، قد حفرت معالم برنامج العمل الوطني للبوليساريو، ولا غرابة في ذلك، فكما أسلفنا، فإن القيادات الأولى لهذه الحركة ـ خاصة الولي مصطفى السيد ـ قرأ وتفَتَّح على زخم هذه الثورات وانتشار مبادئها.

بدأت المواجهات العسكرية، إثر حلول القوات المغربية ـ الموريتانية مكان القوات الأسبانية، التي غادرت الإقليم يوم 27 فبراير 1976، ولقد زادت حدة التوتر، عقب إعلان البوليساريو عن قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية ، من إذاعة الجزائر (اُنظر ملحق إعلان قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية). وخلال انعقاد المؤتمر الشعبي الثالث للجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب، في الفترة 26-30 أغسطس 1976، تم إعلان دستور الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، وتحول التنسيق الجزائري مع جبهة البوليساريو، إلى إستراتيجية شاملة للتحرك ضد التحالف المغربي الموريتاني دبلوماسياً، وإعلامياً، وعسكرياً، حيث قدمت الجزائر كل إمكانياتها إلى الجبهة، إضافة إلى تمكن جبهة البوليساريو من تنظيم قاعدة جماهيرية، وبناء قدراتها العسكرية؛ لاستكمال حرب الاستنزاف ضد المملكة المغربية وموريتانيا، وشهد عام 1976 العديد من عمليات جيش التحرير الشعبي الصحراوي، من خلال الهجوم الخاطف والموسع على كل الجبهات، وأصبحت كل نقطة تحتلها القوات المغربية الموريتانية هدفاً لهجمات جبهة البوليساريو. ومع نهاية عام 1976، كانت الجبهة قد استكملت بناء جيش التحرير الشعبي الصحراوي، واتخذ هذا الجيش إستراتيجية حرب العصابات، داخل الأراضي المغربية والموريتانية، وخاصة على طرق إمداد القوات.

وتميز نشاط البوليساريو، في الفترة التالية لإعلان حكومتها المؤقتة، بعنصرين هما:

1. تكثيف العمليات العسكرية الهجومية ضد القوات المغربية والموريتانية، والقيام بهجمات واسعة وجريئة، على مواقع حساسة. مثل الهجوم على عين بنتيلي، وعلى مواقع الفوسفات في بوكراع، ومناجم الحديد الموريتانية في الزويرات.

2. تدعيم القبضة التنظيمية داخل البوليساريو، وفي هذا الصدد، استعانت الحركة بالنموذج الليبي في تنظيم "المؤتمرات الشعبية". ومنذ ذلك الوقت (عام 1976) والمؤتمرات الشعبية هي "الوحدة السياسية" السائدة في عمل البوليساريو.

خلال إحدى هذه العمليات، التي سُميت بعملية نواكشوط الأولى، قتل الولي مصطفى السيد، قائد الحركة وفيلسوفها، بالقرب من مدينة أكجوجت، يوم 9 يونيه 1976، وكان مقتله دافعاً على تركيز الهجوم على موريتانيا، خاصة المنشآت الاقتصادية، حيث أدى مقتل الولي مصطفى السيد إلى زيادة تعاضد الجبهة الداخلية لشعب الصحراء، على عكس ما كانت تعلنه المغرب وموريتانيا وفرنسا ، فانعقد المؤتمر الثالث للجبهة، الذي سُمي "مؤتمر الشهيد الولي"، خلال الأسبوع الأخير من أغسطس 1976، وقد جاء ليبلور، بشكل حاسم، الجانب النظري في أيديولوجية البوليساريو، والجانب التنظيمي لها أيضاً، تحت شعار "لا سلام ولا استقرار قبل العودة والاستقلال التام".

وقد استطاع المؤتمر الثالث، من خلال وثائقه الأساسية، التي أصدرها، أن يحدد بدقة ووضوح، الفلسفة السياسية للبوليساريو، فأعطى من خلال بيانه السياسي تقويماً محدداً للأوضاع الداخلية في الجمهورية الصحراوية ـ في ظل تطور الأحداث الأخيرة، وللأوضاع العسكرية، التي طرأت بعد انسحاب أسبانيا، تحت شعار "التصعيد البطولي للمقاومة الجريئة للثوار"، وللأوضاع الخارجية، رابطاً تطور قضيته بقضايا التحرر الوطني في العالم بصفة عامة، وفي الوطن العربي بصفة خاصة.

ثم أقر المؤتمر الثالث برنامج عمل جديداً، منطلقاً من برنامج العمل الوطني الصادر عن المؤتمر الثاني، وقُسِم هذا البرنامج إلى ستة أجزاء تشمل: المبادئ الأساسية، والثقافة، والسياسية الداخلية، والاقتصاد، والدفاع، والسياسة الخارجية.

إلا أن الخطوة الأساسية، التي قام بها المؤتمر الثالث للبوليساريو في طريق التطور الأيديولوجي، تمثلت في إصداره "لدستور الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية". وتضم وثيقة الدستور، مقدمة و31 مادة، موزعة على أبواب.

تقول المقدمة: الجمهورية العربية الصحراوية حصيلة الكفاح البطولي والتاريخي للشعب الصحراوي للحفاظ على استقلاله الوطني، ووحدة ترابه، وتجسيد لإرادته في الحياة الحرة الكريمة، وذلك انسجاماً مع قرارات الهيئات الدولية، التي تعترف بحقه الثابت في تقرير مصيره واستقلاله، وتلتزم بمواثيقها.

والشعب الصحراوي شعب عربي أفريقي مسلم، يتبنى سياسة عدم الانحياز، ويطمح إلى وحدة شعوب الوطن العربي والقارة الأفريقية، كما يؤمن، إيماناً عميقاً، بتضامن نضال شعوب العالم، لفرض نظام دولي عادل، يساهم في تشييد إنسانية تسودها العدالة، وتربط بين كل أممها علاقات طيبة ونزيهة.

ثم تمضي مواد الدستور، الأولى والثانية والثالثة والرابعة، تحدد "هوية" الشعب والنظام، بأن الجمهورية جزء من الوطن العربي، وعضو في الأسرة الأفريقية، تنتمي إلى العالم الثالث، وتدين بالإسلام مصدر القوانين، وتتحدث العربية، وتؤمن بوحدة المغرب العربي، وتعمل لتحقيق الاشتراكية، وتطبيق العدالة الاجتماعية.

وتتحدث المادتان السادسة والسابعة عن المساواة في الحقوق والواجبات، وكفالة حرية الرأي والتعليم والعلاج. وتؤكد المادة الثامنة أن الملكية العامة للشعب، بينما الملكية الخاصة غير المستغِلة مصونة. وتضمن المادة العاشرة حق اللجوء السياسي.

ثم يأتي الباب الثاني من المادة 12 إلى المادة 20، لينظم شكل الحكم، ابتداء من مجلس قيادة الثورة، الذي هو أعلى سلطة تنفيذية، ويرأسه الكاتب العام للجبهة، إلى مجلس الوزراء، إلى الجيش الشعبي الوطني الصحراوي. أما الباب الثالث، فهو لتنظيم السلطة التشريعية، من خلال المجلس الوطني الصحراوي. والباب الرابع للسلطة القضائية. والباب الخامس والأخير للأحكام الانتقالية.

وعلى رغم أن البوليساريو عقدت عدة مؤتمرات، بعد المؤتمر الثالث، وأصدرت خلال الأعوام الأربعة التالية لهذا المؤتمر، عدة وثائق هامة، فإن المؤتمر الثالث "مؤتمر الشهيد الولي مصطفى"، بوثائقه الأساسية، خاصة برنامج العمل الوطني والدستور، سوف يظل علامة بارزة في مسار التطور السياسي والأيديولوجي للحركة، ذلك أنه استطاع أن يبلور ـ نظرياً وعملياً ـ الفكر السياسي الأساسي للبوليساريو، وهو الفكر، الذي نشأ مع "الولي مصطفى السيد" في المؤتمر التأسيسي الأول، وتبلور إلى حد كبير في المؤتمر الثاني، ونضج إلى مرحلة متقدمة في المؤتمر الثالث، الذي كان أول مؤتمر عام يغيب عنه "الولي مصطفى السيد، فقد قتل على أيدي الموريتانيين، قبل انعقاده بحوالي شهر.

وقام جيش التحرير الشعبي الصحراوي بعمليات هجومية موسعة، منذ نهاية عام 1976، حتى أواخر عام 1978، وكان منها عمليات نواكشوط والزويرات في مايو 1977، وكان مقاتلو جبهة البوليساريو قد انتشروا بعملياتهم حتى عمق الأراضي المغربية والموريتانية، وكل الأراضي الصحراوية، وأدى ذلك إلى تصعيد القوات المغربية والموريتانية عملياتها لمواجهة جيش التحرير الصحراوي، إلا أن قوات جبهة البوليساريو تمكنت من استعادة مدينة حوذة في 27 سبتمبر 1977 ، كما شهدت مدينة أفار يوم 7 نوفمبر 1977، هجوماً شنته قوات البوليساريو، ووضح خلالها وجود قوات فرنسية تقوم بتقديم دعمها للقوات الموريتانية، خاصة في مجال المخابرات والاستطلاع، وتمكنت قوات البوليساريو، خلال معركة إطار، من أسر 8 جنود فرنسيين، و185 جندياً موريتانياً، وأدى ذلك إلى إعلان فرنسا عن تدخلها العسكري المباشر، خاصة بعد تعرض مصالحها الاقتصادية في الزويرات للتهديد . وعلى إثر التدخل الفرنسي المباشر، قامت الأمم المتحدة بالتدخل لإطلاق سراح الأسرى الفرنسيين، في نهاية عام 1977، ومع تصعيد القوات المغربية والموريتانية والفرنسية عملياتهم ضد جبهة البوليساريو، كان رد القوات الصحراوية حاسماً، من خلال هجوم موسع، بدأ في يناير 1978 في مناطق لمسبيد، تم خلاله مهاجمة مواقع عسكرية مغربية في أهم مدن جنوب المغرب، وفي أعقاب الانقلاب الموريتاني، الذي أطاح نظام حكم المختار ولد داده، في 10 يوليه 1978، أعلنت جبهة البوليساريو عن وقف إطلاق النار مع موريتانيا، وتلا ذلك توقيع اتفاق بين الطرفين، أعلنت فيه موريتانيا عن سحب قواتها من أراضي الصحراء الغربية، كما اعترفت موريتانيا بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، وأعلن المغرب عن أن القطاع الموريتاني في الصحراء أصبح يخضع للسيطرة المغربية، حيث دخلته القوات المغربية ، وصارت بذلك المواجهة في هذا القطاع بين القوات المغربية وجبهة البوليساريو، حيث قامت قواتها بمهاجمة بير أنزران، في منتصف عام 1979، والتي كانت تمثل نقطة اتصال حيوية بين القوات المغربية والموريتانية، وكذلك تمت مهاجمة مدينة المحبس، التي تقع على الحدود المغربية الجزائرية، وأدت هذه العمليات إلى تغير الإستراتيجية العسكرية المغربية، منذ أوائل عام 1980، بهدف استعادة السيطرة على الجنوب المغربي واسترجاع المواقع، التي استولت عليها جبهة البوليساريو.

بدأ المغرب في إتباع إستراتيجية عسكرية جديدة، وهي إستراتيجية الجدران، حيث تمت إقامة قواطع رملية يصل ارتفاعها إلى 2-3 م، ويوجد أمامها حقول ألغام بعمق 30 مً، وأمام هذه الألغام، أسلاك شائكة بعمق يصل إلى 300 م، وامتدت هذه الجدران من جبال الواركزيز في شمال شرق الصحراء الغربية، مروراً بمنطقة جديرة والحوزة، ثم مدينة سمارة لتمر بمنطقة بوكراع، حتى ميناء بوجدور على المحيط الأطلسي، كما أقيم جدار مكمل في الجنوب لتوفير الحماية للقوات الموجودة في مدينة الداخلة، وبلغ الطول الكلي للجدار الدفاعي حوالي 1500 كم، ويتكون من نقاط ارتكاز ودشم دفاعية على مسافات بين 5-6 كم، توجد فيها قوات مغربية ذات تسليح متقدم، يعتمد على القوات الميكانيكية، وتهدف هذه الجدران إلى الحد من حرب العصابات، التي كانت تقوم بها جبهة البوليساريو، وأجبرت هذه الجدران قوات جيش التحرير الصحراوي على تغيير أساليب قتالها، فاعتمدت على أسلوب الاستنزاف، من خلال الهجمات الدائمة على القوات الموجودة خلف هذه الجدران الدفاعية.

في عام 1981، أعلن الملك الحسن الثاني عن موافقته على إجراء الاستفتاء في الصحراء الغربية، وتمثل رد فعل جبهة البوليساريو، في إعلانها أن المبادرة المغربية ما هي إلا محاولة لإضفاء الصبغة الشرعية على الاحتلال العسكري المغربي للصحراء، وترى الجبهة أن تدخلات وحدات الجيش المغربي ضد الشعب الصحراوي قد تزايدت عبر الحدود، وأن هذه الوحدات تقوم بحملات إبادة موجهة ضد الصحراويين، تجاوزت الحدود، وإذا كانت المغرب قد اعتمدت على أسانيد تاريخية في تبرير تمسكها بالصحراء على أنها جزء من الأراضي المغربية، فإن جبهة البوليساريو تعتمد، أيضاً، على وقائع تاريخية لتبرير موقفها من حق تقرير المصير، وتستند إلى المعاهدة الموقعة بين السلطان محمد بن عبدالله وملك أسبانيا، عام 1667 ، والتي تم فيها وصف سكان الصحراء بالجماعات المتوحشة والمفترسة، والتي لا مأوى لها، ومن ثم يشعر المغاربة بوجود فوارق بينهم وبين الصحراويين. أما فيما يتعلق بأوجه الشبه والاختلاف بين الصحراويين والموريتانيين، فترى جبهة البوليساريو وجود فوارق كبيرة، حيث إنهم لم يكونوا في يوم تحت السلطة السياسية، حيث كان المغرب يحكم بالأمراء، فيما كان للصحراويين نوع من الديموقراطية القبلية أسموها مجلس الأربعين، وهذه العلاقة خلقت في نظر الصحراويين نوعاً من التضامن والالتقاء، وليس حق الاغتصاب. كذلك رأت جبهة البوليساريو أن الدول المجاورة للجمهورية الصحراوية العربية الديموقراطية، تفرض على محكمة العدل الدولية مفهوماً خاطئاً، تمثل في أنه توجد علاقات سيادة على الصحراويين منذ قرن من الزمان، إلا أن الجيران العرب يستغلون ذلك لتبرير مطامعهم التوسعية، ولقد أكدت محكمة العدل الدولية وجهة نظر البوليساريو، وأن الصحراء لم تكن عليها أي سيادة من طرف أي من الدول العربية المجاورة، سواء كانت المغرب أو موريتانيا.

وتستند جبهة البوليساريو في مطالبها الاستقلالية، وحقها في تقرير المصير، على العديد من قرارات الهيئات الدولية والإقليمية، والتي تتمثل في الآتي:

1. القرار الصادر عن مجلس وزراء خارجية منظمة الوحدة الأفريقية في يونيه 1972، والذي عبر عن تضامنه مع سكان الصحراء الخاضعة للنفوذ الأسباني، وطالب أسبانيا بأن توجد مجالاً من الحرية والديموقراطية، بما يُمَكِّن شعب الصحراء من التمتع بحقه في تقرير المصير والاستقلال، في أقرب وقت، وطبقاً لميثاق منظمة الأمم المتحدة.

2. القرار الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 14 ديسمبر 1972، والذي يؤكد الحق الثابت لسكان الصحراء في تقرير المصير والاستقلال، كما يؤكد هذا القرار مشروعية كفاح الشعوب المستعمرة، وتضامنها، ومساندتها لسكان الصحراء في كفاحهم من أجل حق التمتع بحق تقرير المصير والاستقلال، ومطالبة كل الدول بتقديم العون المادي والمعنوي الضروري لهذا الكفاح.

3. القرار الذي اتخذه مؤتمر قمة دول عدم الانحياز، في سبتمبر 1973، والذي عبر عن تضامن دول عدم الانحياز مع سكان الصحراء الخاضعين للنفوذ الأسباني، وتشبث هذه الدول بمبدأ تقرير المصير، ورغبتها في أن يطبق هذا المبدأ في إطار، يضمن لسكان الصحراء الخاضعة للنفوذ الأسباني، التعبير الحر والحقيقي عن إرادتهم، طبقاً للتوصيات المناسبة للأمم المتحدة.

وطالبت جبهة البوليساريو الأمم المتحدة، منذ عام 1975، بتأكيد الحق الثابت للشعب الصحراوي في الاستقلال، وأن تتحول السيادة والسلطة من الدولة الأسبانية المستعمرة إلى الممثلين الحقيقيين للشعب الصحراوي، كما حذرت الجبهة جيران الصحراء من أي محاولة غير شرعية للتدخل في الشؤون الداخلية لشعب الصحراء، الذي له الحق في اتخاذ الإجراءات الممكنة لإعادة سيادته والدفاع عن وحدة أراضيه. ولقد ضمت جبهة البوليساريو العديد من التيارات السياسية، وآمنت قيادتها بمبادئ مختلفة، فكان منها الناصرية، والجزائرية، والقذافية، والماركسية، والمادية، أما فيما يتعلق بالجمهورية الصحراوية واستقلالها، فلقد تحدد الهدف السياسي والعسكري، منذ عام 1979، فعلى الصعيد السياسي أعلنت لجنة الحكماء الأفارقة ـ بناء على تكليف من منظمة الوحدة الأفريقية ـ اعترافها بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي، وطالبت أيضاً بتشكيل قوة أفريقية لحفظ النظام في الصحراء، حتى تقرير المصير، ورفض المغرب هذا القرار، وخلال المعركة السياسية، التي أدارتها جبهة البوليساريو، اعترفت حوالي سبع عشرة دولة رسمياً بالجمهورية الصحراوية، وأوفد بعضها سفراء. أما على الصعيد العسكري فقد تحولت جبهة البوليساريو إلى أقوى المنظمات المسلحة في الشمال الأفريقي، في منتصف الثمانينيات، حيث أمكنها تجنيد حوالي 20-25 ألف مقاتل، كما أنها تمكنت من تطوير أساليب القتال والتخطيط وإدارة العمليات، وأمكنها استخدام الأسلحة المتقدمة، خاصة الصواريخ أرض/ أرض، وأرض/ جو، والمدفعية المتوسطة، وقصيرة المدى. ولقد كان للجزائر وليبيا دور أساسي في هذا الدعم العسكري، بالإضافة إلى وجود دعم كوبي فيتنامي.

          وفي إطار هذه التطورات المساندة لجبهة البوليساريو، سواء كانت إقليمية أو دولية، كانت هناك ردود فعل جوهرية لدى الرأي العام العالمي، حيث حصلت الجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، على عضوية منظمة الوحدة الأفريقية عام 1984، خلال القمة الأفريقية، التي عُقدت في أديس أبابا، وأدى ذلك إلى قيام المغرب بتجميد عضويتها في منظمة الوحدة الأفريقية، وتركزت رؤية جبهة البوليساريو للسلام في الشروط، التي أعلنتها، وهي:

1. اعتراف المغرب بحق تقرير المصير للصحراويين.

2. تنفيذ القرارات الدولية، خاصة تلك التي أصدرتها مؤتمرات القمة الأفريقية، وعدم الانحياز، والجمعية العامة للأمم المتحدة.

3. انسحاب الجيش المغربي من كل الصحراء.

4. وقف عمليات الاعتقال والمطاردة، التي تشنها حكومة المغرب.

5. خول الحكومة المغربية في مفاوضات مباشرة مع ممثلي البوليساريو؛ لتسوية الخلافات بينهما.

وبالرغم من أن موقف جبهة البوليساريو، تجاه مشكلة الصحراء، كان يعبر عن ثبات السياسة، التي اتبعتها، بهدف إقامة دولة صحراوية مستقلة ذات سيادة، فإنها قامت ببعض المساعي لإقامة اتحاد مع موريتانيا أو المغرب، إلا أن جميع محاولاتها كانت تُرفض . ولذلك يعتبر أكبر إنجاز سياسي حققته جبهة البوليساريو، هو إعلان قيام الجمهورية العربية الصحراوية، كما أنها حصلت على اعتراف العديد من الدول الأفريقية، وحصلت الجمهورية الصحراوية على اعتراف 40 دولة، كانت إيران وكوبا وزيمبابوي وجبهة الصمود العربية آخرها، خلال اجتماعها بطرابلس في أبريل 1980. وهكذا بدأ الاعتراف الشرعي بجمهورية الصحراء يتدعم ويقوى. كما انضمت إلى منظمة الوحدة الأفريقية.