إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو)





أماكن الاستعمار الفرنسي والإسباني
الحدود المغربية "المغرب الكبير"
الحرب الجزائرية ـ المغربية

ولايات المغرب العربي
الأهمية الاقتصادية للصحراء الغربية
المدن ومراكز التوطن الرئيسية
التقسيم الإداري والجغرافي
الدولة البربرية بشمال أفريقيا
الحدود التقريبية للمغرب العربي
الفتوحات الإسلامية من 22 – 64 هـ
الفتوحات الإسلامية من 69 – 92 هـ
توزيع المجموعات القبلية
تقسيم الصحراء الغربية
حدود موريتانيا والصحراء الغربية



الأكــــراد

المبحث السادس

عمل الأمم المتحدة وأزمة تحديد الهوية

أولاً: أزمة تحديد الهوية

أصبح تحديد الهوية للصحراويين، الذين يحق لهم الاشتراك في استفتاء تقرير المصير، في الصحراء الغربية، هو الموضوع الرئيسي للخلافات بين طرفي النزاع، المغرب والبوليساريو، وبينهما وبين الأمم المتحدة. وهو موضوع قديم، تضمنه تقرير بيريز دي كويلار، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، الذي حظي، حين وضع، عام 1991، بموافقة الجميع؛ لكنه أصبح، بعد ذلك، مثاراً للخلاف.

وكان الأساس، وحجر الزاوية، في موضوع تحديد الهوية، هو الإحصاء السكاني، الذي أجرته أسبانيا في الصحراء الغربية، عام 1974، وهو الإحصاء، الذي يحدد عدد سكان المنطقة بـ 74 ألف مواطن صحراوي. وكان طبيعياً، أن يضاف، إلى هذا العدد، نسبة معقولة، من الأشخاص، الذين ولدوا في الصحراء الغربية، خلال الفترة الماضية.

إلا أن هذا الإحصاء، لم يلبث أن دب الخلاف حوله، من جديد؛ فالبوليساريو رأت، في البداية، أنه أقلّ من الواقع السكاني في الصحراء الغربية، وزعمت أن العدد، كان يقارب المليون نسمة. وهو ما ردّ عليه المغرب، بأن البوليساريو، تُدخِل، بهذا الزعم، أعداداً من المهاجرين، غير الشرعيين، جاؤوا إلى الصحراء من الدول الأفريقية المجاورة. لكن البوليساريو نفسها، عادت وتمسكت بالإحصاء الأسباني، وأصرت على أن يكون هو الأساس الوحيد المقبول، لتحديد من له حق الاشتراك في التصويت؛ مع تسليمها، بأن هذا العدد، في إحصاء 1974، يمكن أن يضاف إليه، نسبة ما بين 10% أو 15% من مجمله، وهم الذين ولدوا في الصحراء، منذ عام 1974.

وشكك المغرب في حجية إحصاء 1974، وأورد العديد من الحجج والبراهين على رأيه هذا، الذي استمده مما ورَد في مقدمة الإحصاء نفسه، ومن وثائق أسبانية، تؤكد ذلك. كما أكد المغرب رأيه، وعززه بالأسانيد، أن آلاف الصحراويين، قد اضطروا إلى مغادرة المناطق الصحراوية، عام 1958، بعد المجازر، التي ارتكبتها القوات، الأسبانية والفرنسية، في ما عرف، آنذاك، باسم عملية المكنسة؛ وأن هؤلاء الفارين، لجؤوا إلى شمالي المغرب، قبل إجراء هذا الإحصاء؛ واستطراداً، فإن الإحصاء لم يشملهم، بينما هم صحراويون، لهم الحق في التصويت، في أي استفتاء، يجري في الصحراء. وقدم المغرب قوائم، تضم نحو 120 ألف فرد. وقد سلم بمبدأ عدم حجية الإحصاء الأسباني، عام 1974، مشروع بيريز دي كويلار، الذي وافق عليه الجميع، سنة 1991.

وعندما بدأت عمليات تحديد الهوية، استقدم المغرب هؤلاء الهاربين من سكان الصحراء، وضرب لهم الخيام، ووفّر وسائل المعيشة، في مناطق العيون وسمارة والداخلة. وهذا ما رفضته البوليساريو، وثارت عليه، زاعمة أن أي استفتاء، يجري على هذا الأساس، هو استفتاء، لا يخص شعب الصحراء، وإنما يخص شعباً آخر. بينما تمسك به المغرب، في حزم، حتى بعد أن حاول الدكتور بطرس غالي، الأمين العام للأمم المتحدة، آنذاك، أن يقرّب بين وجهتَي النظر المتضاربتَين ـ باقتراح حل وسط، يأخذ في الحسبان عدة معايير، كثبوت تسجيل الراغبين في المشاركة في الاستفتاء، وتدوينهم في لوائح الإحصاء الأسباني، سنة 1974؛ وأن يثبت تحدّر طالب التسجيل، من أب، ولد في الصحراء، أو أن يكون من عائلة صحراوية معروفة، أقامت بالصحراء مدة ست سنوات متصلة، أو اثنتَي عشرة سنة متقطعة. إلا أنه لم يقدر لهذا الحل الوسط، أن يجد مجالاً للتطبيق، لاختلاف الطرفَين المتنازعَين، المغرب والبوليساريو، في ما يراه كلٌّ منهما الحل الأمثل، من وجهة نظره.

وتعددت وتنوعت محاولات الأمين العام للأمم المتحدة، لإيجاد صورة من صور التوافق، تسهل للجان تحديد الهوية عملها، فاقترح أن تضم لجان تحديد الهوية ممثلين (لأفخاذ القبائل)، في منطقتَي تندوف والعيون. وكان الهدف من هذا الاقتراح، أن تكون شهادة شيوخ القبائل، هي تزكيه للأشخاص، المتقدمين إلى هذه اللجان، لتسجيل أسمائهم، والذين لم تتهيّأ لهم الوثائق المطلوبة، أو اعتراها نقص أو غموض. لكن هذا الحل التوفيقي، لم ينجح؛ لغياب شيوخ القبائل التابعين للبوليساريو، عن حضور اجتماعات لجان تحديد الهوية، وهذا ما عطل عمل اللجان، وحال دون استمرار نشاطها؛ وكانت البوليساريو، ترى أن مقاييس تحديد الهوية، المقررة من طرف الأمم المتحدة، هي صيغ تخدم مصالح المغرب، لتمكنه من إضافة عشرات الآلاف من الأشخاص، الذين يقول إنهم غادروا الصحراء الغربية إلى شمالي المغرب. وهو ما تردّ عليه المغرب بحجة داحضة، هي أن محمد عبدالعزيز، رئيس الجمهورية العربية الصحراوية، هو نفسه من هؤلاء الصحراويين، الذين ولدوا في المغرب، من أسْرة، هاجرت إلى الشمال المغربي.

وإزاء ذلك، حاول الأمين العام، أن يجد مخرجاً آخر للمأزق، وذلك بأن يصبح من الممكن، أن تباشر لجان تحديد الهوية عملها، سواء حضر أحد الشيوخ الممثلين للبوليساريو، أم لم يحضر، للحفاظ على استمرارية عمل اللجان، وهو حل يوافق عليه المغرب، وترفضه البوليساريو.

وقد دعمت الجزائر موقف البوليساريو، في هذا الصدد، فبعث وزير خارجيتها، في ديسمبر 1995، بمذكرة إلى مجلس الأمن، يعبّر فيها عن رفض حكومته التدابير الجديدة، ويبدي قلقها إزاء آفاق وإجراءات، تتضمن أخطاراً جديدة، تحدق بمستقبل عملية التسوية، ومستقبل السلم والاستقرار في المنطقة. أما جبهة البوليساريو، فقد بعثت، هي الأخرى، برسالة إلى رئيس مجلس الأمن، تقول فيها: "إن جبهة البوليساريو، لا يمكن أن تشارك في عملية تحقيق الهوية، على أساس المقاييس الجديدة، ولا يمكنها أن تعترف بالنتائج المترتبة عليها، وترى أن تطبيق مثل هذا الحل التقريبي، يعني تنظيم استفتاء لشعب آخر، غير الشعب الصحراوي".

وهكذا، يعود الموضوع إلى نقطة الصفر. المغرب لا يقبَل إجراء الاستفتاء، إلا على أساس مشروع الأمم المتحدة، الذي قبِله الجميع، من دون زيادة أو نقصان؛ وإلاّ فإنه في أرضه، يدافع عنها، إذا وقع عليه اعتداء. وكذلك رفضت البوليساريو الحلول التوفيقية. واضطر الأمين العام للأمم المتحدة، أن يوصي، في تقرير، قدّمه إلى مجلس الأمن، في النصف الأول من مايو 1996، بتعليق عملية تحقيق الهوية للناخبين، المشاركين في الاستفتاء، حتى يبرهن الجانبان، المغرب والبوليساريو، على استعدادهما لتنفيذ المخطط الدولي، موضحاً أن تعليق عملية تحقيق الهوية، سيؤدي إلى انسحاب أعضاء لجانها، باستثناء مجموعة محدودة، ستبقى للإشراف على إغلاق المراكز، وجمع المعلومات.

وقد ردت البوليساريو، على ذلك، برسالة بعثت بها إلى مجلس الأمن، تهدد فيها، بشر العواقب في المنطقة، إذا ما عطلت عملية تسجيل الناخبين في لجنة تحديد الهوية. وواكب هذا التهديد، تهديد آخر، من البوليساريو نفسها، بأنها ستعود إلى العمل المسلح، إذا لم تؤخذ وجهات نظرها في الحسبان.

ثانياً: عمل الأمم المتحدة

اهتمت الأمم المتحدة، ممثلة في أمانتها العامة، ومجلس الأمن، بقضية الصحراء. واتخذت مساعيها لحل القضية، عدة مسارات؛ فهناك بعثتها إلى الصحراء، "مينورسو"، وهي البعثة الثانية الباقية على رأس العمل، للمنظمة الدولية في إفريقيا، بعد بعثة "ميثول" إلى ليبيريا. وقد بدأت عملها عام 1991، ومقرها في مدينة العيون، كبرى مدن الصحراء. ويراوح عدد أعضائها بين 600 وثلاثة آلاف، حسب الحاجة، من مراقبين عسكريين، ورجال أمن وموظفين مدنيين. وكان مقرراً لها، أن تنجز عملها في اثني عشر أسبوعاً؛ ولكنها ما برحت تسعى إلى إنجازه، حتى الآن.

وتعمل البعثة على مراقبة وقف إطلاق النار، المبرم بين المغرب وجبهة البوليساريو، عام 1990؛ فضلاً عن إشرافها على مجريات الاستفتاء، في الصحراء. وتشير تقارير المراقبين، إلى أنها أكثر بعثات الأمم المتحدة، العاملة في إفريقيا، أمناً؛ فمقرها يعمل في ظل الأمن والسلام، وأعضاؤها أقلّ تعرضاً للأخطار، في ظل احترام وقف إطلاق النار. وكان الفوج الأول من أعضائها، يتوجسون خوفاً من العمل في منطقة صحراوية، في إفريقيا؛ ولكن المملكة المغربية، تحملت نفقات هذه البعثة، من مأكل، ومسكن، ووقود.

ووصفت الجرائد مهمة البعثة، بأنها عطلة أحلام، مدفوعة الثمن من عرق دافع الضرائب المغربي، ومن ميزانية الأمم المتحدة؛ فأعضاؤها يقيمون بفنادق راقية، من مثل فندق المسيرة، والهاردور، في مدينة العيون؛ وفنادق أخرى في مدن السمارة، وبوجدور، وكليم، والداخلة، وطانطان؛ وكلها فنادق ذات خمسة نجوم، تضم موائدها ما لذّ وطاب من الفواكه، واللحوم البرية والبحرية. وقد ضاق كثيرون منهم بالإقامة فيها، فجعلوا يستأجرون منازل في المدينة، أكثر راحة، لاستقبال ضيوفهم وعائلاتهم. وتزوج بعضهم مغربيات، ومنهم من أشهر إسلامه. ويتقاضى الواحد من أعضاء هذه البعثة، فضلاً عن الراتب، الذي تدفعه إليه بلده، ستين دولاراً، إن كان يعمل داخل التراب المغربي، في الصحراء؛ وتسعين دولاراً، إن كان يقيم بالجزائر، حيث معسكرات جبهة البوليساريو. كما تتكفل المنظمة الدولية برحلات سياحية إلى أغادير، وجزر الكناري، القريبة من الشواطئ المغربية .

وتشير التقارير، إلى أن جملة ما أنفقته هذه البعثة، في السنوات الخمس الأولى من عمرها، بلغ 225 مليون دولار؛ وارتفع إلى 600 مليون دولار، عندما أكملت عامها التاسع؛ وأن المنظمة، تنفق، شهرياً، 4.1 مليون دولار. زد، على ذلك، ما تكبدته المغرب من نفقات، تصل إلى 150 مليون دولار، منذ انطلاقة عمل البعثة؛ وهو مبلغ ضخم، ولكنه يبقى قليلاً، مقابل السلام، الذي حققته البعثة، بإقرارها وقف إطلاق النار والمحافظة عليه .

ويشغل البعثةَ مسألةُ تحديد هوية الصحراويين، الذين يحق لهم الاقتراع في الاستفتاء المزمع إجراؤه. وقد نشرت، في 17 يناير 2000، الجزء الثاني من قائمة مستحقي التصويت، متضمنة 2130 اسماً، من مجموع 50 ألف شخص، تقدموا بطلبات حق التصويت. وستُضم هذه القائمة إلى المجموعة الأولى، التي حددت هويتها، في المرحلة الأولى، وتَضُم 84251، من مجموع 147 ألفاً. وتبدأ لجنة تحديد الأسماء، بعد نشرها القوائم، بالاستماع إلى الاستئناف، في مراكزها، في المغرب، وأراضي الصحراء، وموريتانيا، ومعسكرات اللاجئين في تندوف.

ويتولى مجلس الأمن مهمة تمديد فترة عمل البعثة، كلما انتهت؛ آملاً الوصول إلى حل قريب. وشهد المجلس، في أواخر مايو وأوائل يونيه 2000، أول مرة، خلافات في تمديد ولاية القوات الدولية في الصحراء؛ فقد نشر، في 2 يونيه 2000، أن مشاورات، استمرت ثلاثة أيام، تمخضت قرار، بأغلبية اثني عشر صوتاً، يمدد ولايتها لمدة شهرين، تنتهي يوم 31 يوليه 2000. ودعا القرار طرفَي النزاع (المغرب والجبهة)، إلى تقديم مقترحات جديدة إلى المبعوث الشخصي للأمين العام؛ بغية الوصول إلى تسوية المشكلات المتعلقة بالاستفتاء، كما طلب منهما تلمّس جميع السبل، من أجل الوصول، سريعاً، إلى حل دائم للخلاف.

وكان مثار الخلاف، بين أعضاء المجلس، تلك الفقرة، التي أشارت إلى نتائج المباحثات، التي جرت في مايو 2000، في لندن، بين المغرب والجبهة؛ إذ كانت الجبهة تطلب، من مجلس الأمن، إصدار قرار فني، يمدد ولاية بعثة الأمم المتحدة، من دون الإشارة إلى نتائج تلك المباحثات. وتبنت ناميبيا وجهة نظر الجبهة، محاولة إقناع المجلس بإلغاء تلك الفقرة، وأيدتها مالي وجامايكا. وكان تقرير الأمين العام، الذي قدمه إلى المجلس، غير متفائل؛ إذ اعترف بوصول خطة التسوية، إلى ما يشبه الطريق المسدود، بعد مباحثات لندن؛ وبأن تنفيذ تلك الخطة، قد تعرقل، سنة بعد سنة، بسبب خلافات أساسية بين الطرفين.

كما أن لغة القرار، كانت مثار خلاف، كذلك؛ تلك اللغة، التي تُلوِّح بإلغاء خيار الاستفتاء في تحديد مصير الصحراء، داعية إلى البحث عن بديل آخر؛ وهذا ما جعل سفير ناميبيا يحتج على ذلك، قائلاً‌: "إن الاستفتاء، يبقى هو الآلية الملائمة لحل سلمي، وشامل، في منطقة الصحراء الغربية" .

وفي 25 يوليه 2000، مدد مجلس الأمن فترة ولاية "مينورسو"، ثلاثة أشهر أخرى، تنتهي في 31 أكتوبر 2000. وجاء التمديد، وفق القرار الرقم 1309، بإجماع الأعضاء الخمسة عشر، الذين كرروا دعمهم للجهود، التي تبذلها الأمم المتحدة، من أجل تنظيم الاستفتاء؛ ولكنهم دعوا المغرب والجبهة، مجدداً‌، إلى إيجاد حل سياسي، يقبله الطرفان.

ثم قرر مجلس الأمن تمديد ولاية البعثة "مينورسو"، أربعة أشهر أخرى، تنتهي في 28 فبراير 2001، متوقعاً أن تواصل أطراف النزاع، تحت إشراف جيمس بيكر، محاولة إيجاد حل للمشكلات، المتعلقة بتنفيذ مخطط التسوية؛ ومحاولة الاتفاق على إيجاد حل سياسي، يقبله طرفا النزاع.

ثم جاء التمديد التالي، مدة شهرين، تنتهي في 30 أبريل 2001. وبرز تفضيل الأمم المتحدة، البحث عن حل سياسي، في اتجاه آخر، غير الاستفتاء؛ وذلك لتعقّد المشكلات المرتبطة بتنفيذ مخطط التسوية، وتعددها.

وذكر ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة، أن من بين هذه المشكلات، قضية عودة الصحراويين المحتجزين في "تندوف"، وتحرير السجناء المغاربة المعتقلين فيها، وتطبيق البروتوكولات المتعلقة بالطعون، وغير ذلك. ولاحظ الدبلوماسي المغربي، أن المجلس يستعيد المصطلحات الواردة في قراره السابق، الصادر في أكتوبر 2000؛ إذ يطلب من الطرفين، أن يواصلا محاولة حل مختلف المشكلات، التي تعوق تطبيق مخطط التسوية؛ ومحاولة الاتفاق على تسوية سياسية للنزاع، يقبلها كلاهما.

وفي نهاية أبريل 2001، اتخذ المجلس قراراً جديداً، في شأن تمديد ولاية بعثة الأمم المتحدة، في الصحراء الغربية، حتى 20 يونيه 2001، متوقعاً من الطرفين، أن يواصلا محاولة حل المشكلات المتعددة، المتعلقة بتنفيذ خطة التسوية، تحت رعاية المبعوث الشخصي للأمين العام؛ ومحاولة الاتفاق على حل سياسي، يقبله الطرفان. ويؤكد، من جديد، دعمه الكامل للجهود المستمرة، التي تبذلها بعثة الأمم المتحدة، لتنفيذ خطة التسوية، والاتفاقات، التي اعتمدها الطرفان، في شأن إجراء استفتاء حر، ونزيه، ومحايد، من أجل تقرير شعب الصحراء الغربية مصيره. ويطلب مجلس الأمن، في كل مرة، من الأمين العام، أن يقدم تقويماً للوضع، قبل انتهاء المدة المقررة؛ ما يُبقي الموضوع مفتوحاً لاتخاذ قرار جديد.

وجاء قرار مجلس الأمن الرقم (1359)، في 29 يونيه 2001، ممدداً فترة ولاية البعثة، حتى 30 نوفمبر 2001:

إن مجلس الأمن، إذ يشير إلى جميع قراراته السابقة، في شأن الصحراء الغربية، ولا سيما القرار 1108 (1997)، المؤرخ 22 أيار/ مايو 1997، والبيان الصادر عنه، في 19 آذار/ مارس 1997، (S/PRST/1997/16).

وإذ يشير، كذلك، إلى قراره 1308 (2000)، المؤرخ 17 تموز/ يوليه 2000، والمبادئ ذات الصلة، الواردة في الاتفاقية المتعلقة بسلامة موظفي الأمم المتحدة، والأفراد المرتبطين بها، والصادرة في 9 كانون الأول/ ديسمبر 1994.

وإذ يؤكد، من جديد، الأحكام الواردة في الفقرة 2، من المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة.

وقد نظر في تقرير الأمين العام، المؤرخ 20 حزيران / يونيه 2001 (S/2001/613).

وإذ يعرب عن تأييده الكامل لدور المبعوث الشخصي، ولما يضطلع به من أعمال.

وإذ يعيد تأكيد دعمه الكامل للجهود، التي تبذلها، حالياً، بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية؛ لتنفيذ خطة التسوية، والاتفاقات، التي اعتمدها الطرفان، لإجراء استفتاء حر، ونزيه، ومحايد؛ لتقرير مصير شعب الصحراء الغربية.

وإذ يأخذ في الحسبان المقترحات الرسمية، التي قدمتها جبهة البوليساريو، لتذليل العقبات، التي تحول دون تنفيذ خطة التسوية، الواردة في المرفق الرابع لتقرير الأمين العام.

وإذ يأخذ في الحسبان، كذلك، مشروع الاتفاق الإطاري، في شأن مركز الصحراء الغربية، والوارد في المرفق الأول لتقرير الأمين العام، والذي ينص على تفويض قدر كبير من السلطة، ولا يستبعد تقرير المصير، بل ينص عليه.

وإذ يأخذ في الحسبان، كذلك، مذكرة الحكومة الجزائرية، في شأن مشروع مركز الصحراء الغربية، والواردة في المرفق الثاني لتقرير الأمين العام.

وإذ يعيد تأكيد التزامه بمساعدة الطرفين، على التوصل إلى حل عادل، ودائم، لمسألة الصحراء الغربية.

1. يقرر، على نحو ما أوصى به الأمين العام، في تقريره، المؤرخ 20 يونيه 2001، تمديدَ ولاية بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، حتى 30 نوفمبر 2001.

2. يؤيد، تأييداً كاملاً، الجهود، التي يبذلها الأمين العام، لدعوة جميع الأطراف إلى الاجتماع مباشرة، أو من خلال مباحثات غير مباشرة، تحت رعاية مبعوثه الشخصي. ويشجع الطرفين على مناقشة مشروع الاتفاق ـ الإطار، والتفاوض في شأن أي تغييرات محددة، قد يودان إدخالها على هذا المقترح؛ وكذلك على مناقشة أي مقترح آخر، لإيجاد حل سياسي، قد يقدمه الطرفان، من أجل التوصل إلى اتفاق يقبلانه.

3. يؤكد أنه سيُنظر في المقترحات الرسمية، التي قدمتها جبهة البوليساريو، لتذليل العقبات، التي تحول دون تنفيذ خطة التسوية، في الوقت، الذي تجري فيه المناقشات، المشار إليها أعلاه.

4. يشير إلى أنه، وفقاً لقواعد المشاورات، التي حددها المبعوث الشخصي، لن يُتفق على أي شيء، إلى حين الاتفاق على كل شيء. ويؤكد، من ثم، أن الطرفين لن يمسَّا، بدخولهما في هذه المفاوضات، بمواقفهما النهائية.

5. يحث الطرفين على حل مشكلة الأشخاص، الذين لم يُعرف مصيرهم، ويدعوهما، بموجب القانون الإنساني الدولي، إلى الوفاء بالتزاماتهما، بإطلاق جميع المحتجزين منذ بداية الصراع، من دون مزيد من التأخير.

6. يطلب إلى الأمين العام، أن يُعد تقويماً للوضع، قبل نهاية الولاية الحالية؛ ويقدم، حسب الاقتضاء، توصيات، في شأن الولاية المقبلة للبعثة، وتشكيلها.

7. يقرر إبقاء المسألة قيد النظر.

ثالثاً: الأمانة العامة للأمم المتحدة وقضية الصحراء

واكبت قضية الصحراء فترة عمل عدد من أمناء الأمم المتحدة، أهمهم: دي كويلار، بطرس غالي، كوفي أنان، وقبلهم كورت فالدهايم، الذي أوقفت الجمعية العامة، في عهده، التحضير للاستفتاء؛ وطلبت، عام 1974، من محكمة العدل الدولية، فتوى في شأن النزاع الصحراوي. وأعد الأمين العام ـ كورت فالدهايم آنذاك ـ مشروع تسوية سياسية، بين الأطراف المعنية، لكنه تخلى عنه؛ إذ إن وجهة الأحداث تغيرت، باتفاقية مدريد، في 14 نوفمبر 1975، تلك الاتفاقية، التي ألغت الوجود الاستعماري الأسباني في الإقليم، وعقدت من غير رعاية الأمم المتحدة ؛ ما أغضب أمينها العام، وجعله يعارض أي تدخل للمنظمة في تنفيذها.

ولكن المنظمة، وجدت نفسها مقحمة في الموضوع، مضطرة إلى إصدار التوصيات تلو التوصيات، على أيام دي كويلار، الذي ألف كتابه "رحلة من أجل السلام"، وعبر فيه عن قناعته الذاتية بأن الاستقلال عن المغرب، لا يشكل مستقبل سكان الصحراء الغربية. وقال: "كيفما كانت طريقة إحصاء سكان الصحراء، فلن يتجاوز عدد هؤلاء السكان 150 ألف نسمة... ولا توفر هذه الأرض الفقيرة، الآن، آفاقاً اقتصادية؛ إذا ما كان يجب عدها دولة مستقلة". وقال: "إن حلاً سياسياً مقبولاً، يتم بموجبه إدماج الصحراء في المغرب، بوصفها منطقة مستقلة، كان من شأنه أن يجنب سقوط العديد من الأرواح، ويوفر الكثير من الأموال".

وعلَّل حكمه هذا، بأن القيادة السياسية للبوليساريو، بعيدة عن أن تكون في المستوى المطلوب؛ وبعض عناصرها، ليسوا من أصول صحراوية. وتحدث عن زعيمها، محمد عبدالعزيز، قائلاً: "ما يثير الدهشة، أن هذا الرجل، الذي يدعي أنه زعيم لما كان يسمى، من قبل، بالصحراء الأسبانية، لا يتحدث اللغة الأسبانية. فقد كانت محادثتنا تتم، دائماً، باللغة الفرنسية. وكنت كلما نطقت جملة بالأسبانية، اختلطت عليه الأمور".

وسوغ حكمه، كذلك، بأن المغرب، حسَّنَ مواقفه تجاه البوليساريو، على الصعيد العسكري؛ وأنفق الكثير في سبيل التنمية؛ وسيحصل على دعم واسع لفكرة اندماج الإقليم في المغرب. وذكر أن الملك الحسن، كان مقتنعاً بأن هذا ما سيكون، إذا نظم الاستفتاء .

هذا هو انطباع الأمين العام الأسبق عن القضية، ووجهة نظره فيها.

وفي فترة بطرس غالي، طال النقاش في المعايير، التي تحدِّد هوية الصحراويين المُسْتَفْتَين. وكاد صبر الأمم المتحدة ينفد؛ فطرح الأمين العام، على مجلس الأمن، عدة خيارات، منها: سحب بعثة "مينورسو"، والإبقاء على مراقبي وقف إطلاق النار فقط.

وفي عهد الأمين العام الحالي، كوفي أنان، ازدادت الأمم المتحدة تبرماً بطول النقاش، وعدم التقدم في طريق الاستفتاء . وعين كوفي أنان وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق، جيمس بيكر، ممثلاً شخصياً له في قضية الصحراء؛ لإيجاد حل للعراقيل، التي ظلت تؤخر تنظيم استفتاء تقرير المصير. وفي كل مرة، قدم فيها الأمين العام تقريره إلى مجلس الأمن، كان يشير إلى هذه العراقيل، داعياً إلى إيجاد حل سلمي.

وقال، في تقريره، الذي قدمه في 13 يوليه 2000: "إن المفاوضات تراجعت إلى الوراء، خصوصاً بعد الجولة، التي عقدت بين المغرب والجبهة، في 28 يونيه 2000". وأردف قائلاً: "إن كلا الطرفين يصر على إحراز تقدم في المفاوضات، وإنهما لا يبدوان راغبين في البحث عن حل، يَحصُل فيه كل واحد منهما على بعض الشيء مما يريد". وأضاف: "يبدو أن الطرفين غير قادرين على التخلي عن عدائهما المتبادل، للشروع في مفاوضات الحل السياسي؛ لإنهاء النزاع. ولا يبدو أي طرف منهما راغباً في تقديم أي اقتراحات جدية؛ لردم الهوة بينهما". وشدد على ضرورة الوصول إلى تسوية سلمية للنزاع، قائلاً: "من الواضح، أن الوصول إلى حل سلمي، هو أمر مرغوب فيه؛ لأن فشل العملية، من شأنه أن يقود إلى تجديد العمليات العسكرية؛ وهذا أمر ينبغي تجنبه، بأي ثمن".

ويرى المراقبون، أن تقرير الأمين العام، هو بمنزلة تهيئة الأطراف المتنازعة لقبول حلول أخرى، غير الاستفتاء؛ وهو ما أشارت إليه وسائل الإعلام، فيما بعد، بالحل الثالث. وملخصه إعطاء حكم ذاتي للإقليم، في إطار السيادة المغربية. ثم إجراء الاستفتاء، في خلال خمس سنوات.

وفي 24 يونيه 2001، نشر اقتراح الأمين العام لاتفاق الإطار في الصحراء. ونصه:

"تكون السلطة، في الصحراء الغربية، على الشكل الآتي:

1. يمارس سكان الصحراء الغربية، من طريق هيئات، تنفيذية وتشريعية وقضائية، سلطة مطلقة على إدارة الحكم، المحلي والإقليمي، والموازنة، والضرائب، واتخاذ القوانين، والأمن الداخلي، والرعاية الاجتماعية والثقافية، والتعليم، والتجارة، والنقل، والزراعة، والتعدين، ومصائد الأسماك، والصناعة، والسياسات البيئية، والإسكان، والتنمية الحضرية، والمياه، والكهرباء، والطرقات، والبنية الأساسية الأخرى.

2. تمارس المملكة المغربية السلطة المطلقة على العلاقات الخارجية (بما في ذلك تعيين الحدود، البحرية والجوية والبرية، وحمايتها بجميع الوسائل الملائمة)؛ وكل المسائل المتعلقة بإنتاج الأسلحة، والمتفجرات، وبيعها، وحيازتها، واستخدامها؛ والمحافظة على السلامة الإقليمية من محاولات انفصالية، من داخل الإقليم أو خارجه.

إضافة إلى ذلك، يكون العلم، والعملة، والجمارك، ونظام البريد، والاتصالات، المعمول بها في المملكة، هي نفسها المعول بها في الصحراء. ويمكن المملكة، ومع احترام كل المهام الموصوفة في الفقرة (2)، أن تعين ممثلين، للعمل لها في الصحراء الغربية.

3. تناط السلطة التنفيذية في الصحراء الغربية، بهيئة تنفيذية، تنتخب بأصوات الأشخاص، الذين تم تحديدهم كمؤهلين للتصويت، من لجنة تحديد الهوية، التابعة لبعثة الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية؛ وهم المدرجة أسماؤهم في قوائم الناخبين المؤقتة، المنجزة في تاريخ 30 كانون الأول/ ديسمبر 1999، من دون إثارة أي طعون أو اعتراضات أخرى. ولكي يكون الشخص مؤهلاً للتصويت، كما هو مذكور آنفاً، يجب أن يكون اسمه مدرجاً في القوائم المؤقتة المذكورة للناخبين. وتنتخب الهيئة التنفيذية لمدة أربع سنوات. وبعد ذلك، تنتخب الهيئة التنفيذية إداريين للدوائر التنفيذية، لمدة أربع سنوات. وتناط السلطة القضائية بالمحاكم، التي تقتضيها الحاجة. ويتم اختيار القضاة من المعهد الوطني للدراسات القضائية، على أن يكونوا من الصحراء الغربية. وتكون هذه المحاكم، هي المرجع في ما يتعلق بالقانون الإقليمي.

وكي يكون الشخص مؤهلاً لانتخاب أعضاء الجمعية التشريعية، يجب أن يكون قد بلغ الثامنة عشرة من العمر؛ وأن يكون مقيماً بشكل متواصل بالإقليم، منذ 31 أكتوبر 1998؛ أو شخصاً، أدرج اسمه في قائمة الإعادة إلى الوطن، في 31 أكتوبر 2000.

4. يجب أن تحترم كل القوانين، التي تقرها الجمعية التشريعية؛ وكل القرارات، التي تصدر عن المحاكم المشار إليها في الفقرة (3) أعلاه؛ وأن يراعى دستور المملكة المغربية، خصوصاً بالنسبة إلى حماية الحريات العامة.

وتجري كل الانتخابات والاستفتاءات، المشار إليها في هذا الاتفاق، في إطار الضمانات الملائمة؛ وتمشياً مع قواعد السلوك، التي وافق عليها الطرفان، عام 1997؛ إلاّ إذا تعارض ذلك مع أحكام القواعد السابقة.

5. لا يمكن المملكة المغربية، والهيئات، التنفيذية والتشريعية والقضائية، التابعة للسلطة في الصحراء الغربية، والمشار إليها أعلاه، أن تقوم، من جانب واحد، بتغيير وضع الصحراء الغربية أو إلغائه. ويجب أن توافق الهيئة التنفيذية، والجمعية التشريعية، في الصحراء الغربية، على أي تغييرات أو تعديلات لهذا الاتفاق. ويطرح وضع الصحراء الغربية على استفتاء للناخبين المؤهلين، في تاريخ، يتفق عليه الطرفان، في هذا الاتفاق، خلال فترة السنوات الخمس، التي تلي اتخاذ الإجراءات الأولية لتنفيذ هذا الاتفاق. ولكي يكون الناخب مؤهلاً للتصويت في هذا الاستفتاء، يجب أن يكون مقيماً دائماً بالصحراء الغربية، طيلة السنة، التي تسبق الاستفتاء.

6. يعرض الأمين العام وساطته ومساعيه الحميدة، لمساعدة الطرفين في هذا الاتفاق على تنفيذه، أو تغييره.

7. يوافق الطرفان على تنفيذ هذا الاتفاق، بسرعة؛ ويطلبان مساعدة الأمم المتحدة، لهذا الغرض" .

وبادر جيمس بيكر إلى جولات واسعة، وجهود كبيرة، خلال عام 2000، للخروج بالأزمة إلى حل، يرضي أطرافها؛ إذ أعلن أنه سيزور الرباط والجزائر ونواكشوط وتندوف؛ لمقابلة المسؤولين فيها، واستكشاف سبل تحقيق حال دائم، وعاجل، ومتفق عليه، يوضح حقوق كل من هذه الأطراف والتزاماته، في الصحراء. واستهل جولاته، في 8 أبريل، بزيارة الجزائر؛ وهي الجولة الأولى له، منذ توقيع اتفاق "هيوستون"، نهاية عام 1997؛ ذلك الاتفاق، الذي أعقبته انطلاقة جديدة لتنفيذ خطة الاستفتاء، تم على أثرها تحديد هوية أكثر من 80 ألف شخص؛ غير أن حدة الخلافات بين الطرفين المتنازعين، حدت من سير الاستفتاء. وتكتسب هذه الجولة أهميتها، من كونها أتت في ظل الملك الجديد للمغرب (محمد السادس)، وشروعه في تنفيذ فكرة انتخاب المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية، الذي تمثل فيه كل الفاعليات المحلية، في المحافظات الصحراوية.

بدأ بيكر جولته بالجزائر، حيث قال، عند وصوله: "إنه جاء للاستماع إلى الأطراف المعنية بالنزاع، وإخراج مسلسل السلام في الصحراء من الجمود". ونقلت عنه إذاعة الجزائر، أنه متفائل تجاه إيجاد حل للقضية؛ وأنه سيطرح على الأطراف المعنية مقاربة جديدة، لتجاوز الخلافات بين الطرفين، من أجل الوصول إلى تسوية نهائية في الصحراء. وتركزت مباحثاته، في الجزائر، في القضايا المتعلقة بمشاكل الصحراء، وسبل تطبيق مسلسل الاستفتاء .

لم يستطع بيكر مقابلة الرئيس الجزائري؛ لأنه اعتذر بأنه سيحضر جنازة الرئيس التونسي الراحل، الحبيب بورقيبة؛ فقصرت مباحثاته على وزير الدفاع، أحمد أويحيى .

غادر بيكر الجزائر إلى مخيمات الجبهة، في تندوف. وحل، بعدها، في الرباط، في 10 أبريل 2000. وقال، في تصريح صحفي، إن جولته "في المغرب، تهدف إلى بحث الوسائل الكفيلة بتجاوز العراقيل، التي تعوق تطبيق مخطط التسوية الأممي في الصحراء... وإيجاد حل أو تسوية، من شأنها أن تشجع السلام والاستقرار في المنطقة، وتعبد الطريق أمام تعزيز وحدة المغرب العربي". ووصف المشكلات، التي تواجه تطبيق المخطط الأممي، بأنها "فعلية، ومعقدة". وكرر ما ذكره في الجزائر، من أنه جاء للاستماع للأطراف. وقال: "إن الفكرة الوحيدة، التي لدي، هي أنه إذا كانت هناك وسيلة لتطبيق المخطط، فعلينا أن نعتمدها. أما إذا لم تكن هناك وسيلة، فعلينا الاستمرار في البحث عن مقاربات جديدة، يتعين علينا اعتمادها، من أجل التوصل إلى حل نهائي، ومقنع، لهذه المسألة" .

وكان مقرراً له أن يزور موريتانيا. ولكن وسائل الإعلام، نشرت أنه لن يستطيع ذلك؛ لظروف صحية. وشرح بيكر، في مأدبة عشاء، أقامها تكريماً له الوزير المغربي الأول، قبيل مغادرته الرباط، الوضع الحالي لملف الصحراء. وأوضح أن هناك صعوبات هائلة، تعترض تطبيق مخطط التسوية، الذي وضعته الأمم المتحدة. وختم حديثه، متشائماً: "في اعتقادي، لن نصل إلى أي نتيجة".

وغادر الرباط، متجهاً إلى مدريد، حيث التقى وزير خارجيتها، وأعلن أن خطة السلام، لا تزال حية؛ إلاّ أنها تواجه، حالياً، مشكلات كبيرة، ينبغي تجاوزها؛ وأنه لا توجد خطة بديلة. وختم جولته بباريس.

وفي 14 مايو 2000، رعى بيكر اجتماعاً للأطراف المتنازعة في "لانكاستر هاوس"، بلندن، بدعوة من الأمين العام للأمم المتحدة؛ في محاولة لاستكشاف حل للنزاع. وساد الاجتماعات تكتم شديد؛ ولكن المراقبين، كانوا يتوقون أن تحسم المباحثات مصير مخطط التسوية: إما المضي قدماً فيها، وإما إعلان نهايتها وفشلها. كما يتوقعون أن يقدم بيكر مبادرة جديدة، أسمتها الأوساط، الصحفية والدبلوماسية، بالحل الثالث.

ورأس وفد المغرب إلى الاجتماع، محمد بن عيسى، وزير الخارجية والتعاون. وضم الوفد أحمد الميداوي، وزير الداخلية؛ وأحمد السنوسي، مندوب المغرب لدى الأمم المتحدة؛ والسفير محمد لو ليشكي، منسق العلاقات بين المغرب وقوات "مينورسو"؛ وإبراهيم حكيم، وزير خارجية البوليساريو الأسبق؛ وعمر الحضرمي، رئيس الأمن العسكري السابق للجبهة؛ مع ثلة من السياسيين. وتبين طبيعة تشكيل الوفد المغربي، ما يوليه المغرب من أهمية لهذا الاجتماع.

أما وفد الجبهة، فكان برئاسة محفوظ علي بيبا، وهو ابن عم أحد أعضاء وفد المغرب؛ وعضوية محمد حداد؛ وإبراهيم غالي، وزير الدفاع الأسبق للجبهة؛ وبوخاري أحمد؛ وكلهم أعضاء في الأمانة الدائمة للجبهة؛ مع مستشار زعيم الجبهة، وممثلها في لندن.

وحضرت الجزائر، بصفة مراقب. ورأس وفدها أحمد أويحيى، وزير العدل. وعلقت وكالة الأنباء الأسبانية على رئاسة أويحيى لوفد الجزائر، بأنه كان قد عمل في أجهزة الاستخبارات الجزائرية؛ وأنه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالقيادة العسكرية؛ ما يثبت اهتمام القوات المسلحة الجزائرية بكل ما يمت بصلة إلى موضوع الصحراء. ومثَّل موريتانيا، التي حضرت بصفة مراقب، مثل الجزائر، ولد أبو بكر أمين، المستشار في رئاسة الجمهورية.

وفي 16 مايو 2000، نشرت وسائل الإعلام، أن المباحثات، لم تتمكن من كسر حالة الجمود، التي تعتري ملف الصحراء. واضطر بيكر إلى اختتامها، في يومها الأول، بعد خمس ساعات من المناقشات، بين الأطراف المتنازعة؛ بينما كان مقرراً لها أن تستمر يوماً ثانياً . ولم يدل بيكر بتصريحات صحفية. كذلك التزمت الوفود الصمت، حيال نتائج المباحثات، خلا وفد الجبهة، الذي قال رئيسه: "لم نلمس أي شيء، على الرغم من الجهود، التي قام بها بيكر". وأضاف: "أن بيكر، طلب من المغرب، وجبهة البوليساريو، عرض اقتراحيهما عليه؛ بغية محاولة كسر الجمود، الذي يعرفه مخطط التسوية في الصحراء؛ وأن كلا الطرفين، اكتفى بشرح موقفه؛ وأن الاجتماع، لم يتطرق إلى قضايا محددة". ونفى أن يكون بيكر قد عرض حلاً ثالثاً، على أطراف النزاع. وأشار إلى اعتزام المبعوث الدولي جمع الأطراف، مرة أخرى، في وقت، يحدد لاحقاً.

ورأى المراقبون، أن فشل هذه المباحثات، جاء ليؤكد وصول مخطط التسوية إلى طريق مسدود.

ثم إن بيكر دعا الطرفين، بعد ذلك، إلى تقديم حلول، يمكن الاتفاق عليها، خلال شهر يونيه 2000. وأيد الأمين العام دعوته هذه.

وفي 28 يونيه، عقدت جولة ثانية من المباحثات، في لندن، بين المغرب والجبهة. وسط أجواء متشائمة، ترتاب في نجاح تنظيم الاستفتاء، وتطبيق مخطط التسوية. وينتظر، من الطرفين المتنازعين، تقديم اقتراحاتهما، في شأن الاستمرار في تنظيم الاستفتاء. وتوقع بعض المراقبين، أن تكون هذه الجولة من المباحثات، هي المناسبة، التي يعلن فيها بيكر استحالة تطبيق مخطط التسوية؛ إذا لم تتفق الأطراف على حل؛ ومن ثم، يقدم إليهم الحل الثالث، الذي ترفضه الجبهة رفضاً باتاً.

ومثّل، أطراف، النزاع في الاجتماع، الوفودُ نفسها، التي شاركت في الاجتماع الأول؛ غير أن الجزائر، اكتفت بحضور الجلسة الافتتاحية للمفاوضات؛ ما جعل الجبهة تحتج على حضور الوفد الموريتاني.

وذكر مصدر دبلوماسي غربي، في لندن، أن بيكر قدم في هذا الاجتماع أربعة أطر، لحل أزمة الصحراء:

1. استمرار السيادة المغربية على الصحراء.

2. الاستقلال أو الانفصال عن المغرب.

3. متابعة حل نزاع الصحراء، من طريق مخطط التسوية.

4. الحل السياسي والتفاوض فيه.

وشرع المصدر يحلل هذه الأطر، مبيناً أن الحلين، الأول والثاني، غير معقولين؛ ولا بد من حل وسط. فالجبهة لا تقبل الحل الأول، كما أنه لا يمكنها إقامة دويلة في المنطقة؛ لأنه لا أحد في العالم، لديه، الآن، توجهات لقبول قيام دويلات جديدة. وأشار المصدر إلى أن الانفصال أو الاستقلال، أصبح غير مقبول، لدى الأمريكيين والأوروبيين، ولاسيما بعد تجربة تيمور الشرقية المريرة.

أما الحل الثالث، فقد أصبح مستبعداً؛ للتباعد بين وجهتي نظر طرفي النزاع؛ ومن ثم، يبقى الحل الرابع، هو الخيار الأفضل.

وتمخض الاجتماع، على فشله، عن تكوين لجنة تقنية، لبحث مسألة عودة اللاجئين، وقضايا الطعون، يُفترض أن تجتمع في جنيف، خلال شهري يوليه وأغسطس؛ وهذه اللجنة، ليس لها صفة سياسية، أو إلزامية، وسيكون أعضاؤها من التقنيين فقط. كما أنه لن يكون هناك اتصال مباشر بين الطرفين؛ وإنما سيكون الاتصال بين كل طرف، على حدة، والأمم المتحدة. ويرى المراقبون، في اجتماع اللجنة، مسعى من مساعي بيكر الأخيرة، لإنقاذ مخطط التسوية في الصحراء.

وفي 22 يوليه 2000، أشارت وسائل الإعلام إلى: "فشل اجتماع جنيف بين المغرب والبوليساريو"، وأن الوفد المغربي، غادر اجتماع يوم 20 يوليه، عندما بدأ التطرق إلى قضية ملتمسات الطعن في صيغ قوائم الاستفتاء. هذه رواية ممثلي الجبهة. واكتفى المكتب الإعلامي للأمم المتحدة، بإعلان انتهاء اللقاء، من دون تفصيل ما دار فيه. وكذلك صمت ممثلو المغرب.

غير أن منسق الجبهة، أطلع الصحافة على ما دار في الاجتماع. وأكد أن الوفد المغربي، لم يعد إلى طاولة المناقشات، في أعقاب فترة فاصلة، سبقت التمعن في قضية ملتمسات الطعن؛ وأن وفد الجبهة، انفرد في معالجة هذه القضية مع ممثلي الأمم المتحدة. وعلل ممثلو المغرب ذلك، فيما بعد، بأنهم ينتظرون توصيات من عاصمتهم؛ وعادوا إلى مقر الاجتماع، بعد إغلاق قضية ملتمسات الطعن.

ويرى منسق الجبهة أن المباحثات، لم تحقق أي أهداف ملموسة، في الموضوعات المطروقة؛ وأنه لا يرجو شيئاً من انعقاد اجتماع مقبل ذي طابع تقني .

وفي 14 سبتمبر 2000، نشرت وسائل الإعلام، أن جولة جديدة من المفاوضات، بين المغرب والجبهة، يشرف عليها جيمس بيكر، ستعقد في برلين، يومي 28 و29 سبتمبر؛ وذلك في محاولة جديدة للتغلب على الصعاب، التي تقف في وجه الاستفتاء. وقد عقدت جولة المفاوضات، في التاريخ المعلن؛ وغابت عنها موريتانيا.

وعقد الجانبان المتنازعان اجتماعين، تحت إشراف بيكر؛ لم يحضرهما الوفد الجزائري. ولكن وفد المغرب، اجتمع مع الوفد الجزائري، منفرداً، مرتين. كما اجتمع الوفد الجزائري مع بيكر. وقد استمر الاجتماع الأول، بين المغرب والجبهة، من الساعة العاشرة والربع، حتى الثانية بعد الظهر، بتوقيت برلين. قدم بيكر، من خلاله، عرضاً، تحدث فيه مع طرفي النزاع، عن سبل التغلب على المشكلات، التي تعوق تطبيق مخطط التسوية. وبعد ذلك، عرض كل طرف موقفه من قضية الطعون المعهودة، في مسألة تحديد الهوية، وقضية عودة اللاجئين من مخيمات تندوف، وموضوع الأسرى لدى الطرفين.

وفي هذا الاجتماع الثاني، قدم بيكر عرضاً، يتألف من جانبين؛ يتصل الأول بمحاولة التغلب على الصعاب، ويتصل الثاني بإيجاد حل سياسي لنزاع الصحراء.

وابتدر ممثلو الجبهة الحديث، فرفضوا العرض الثاني، المتصل بالحل السياسي رفضاً قاطعاً، مجددين تمسك الجبهة بمخطط التسوية السلمي؛ على الرغم مما يكتنفه من صعاب، وما ينفق فيه من أموال.

أما المغرب، فقد اتخذ، للمرة الأولى، موقفاً محدداً من مسألة إيجاد حل سياسي؛ إذ فتح آفاق التعاون، لإيجاد حل سياسي، يحفظ للمملكة المغربية سيادتها ووحدة راضيها؛ وذلك في إطار اللامركزية، وفق مبادئ الديموقراطية (الانتخابات)، ومراعاة خصوصية المنطقة.

ودعا المغرب الجبهة، عقب الاجتماعين، إلى الدخول في مفاوضات، لحل النزاع. وقال المندوب المغربي، مخاطباً جيمس بيكر: "جواباً على دعوتكم للبحث عن حل دائم، ونهائي، لقضية الصحراء، وفق مقتضيات قرار مجلس الأمن، الرقم 1309؛ فإن المغرب، يود أن يعبر لكم، عن استعداده للدخول مع الطرف الآخر، في حوار صادق، وصريح، فيما يتعلق بالخلاف، الذي يعترضنا منذ قرابة 25 سنة" .

أكد حديثَ المندوب المغربي، بيان، صادر عن وزارة الخارجية والتعاون المغربية، في يوم الاجتماع نفسه، 29 سبتمبر، جاء فيه: "نود أن نؤكد، من جديد، عن نيتنا واستعدادنا لاستنفاد كل الوسائل، من أجل التوصل إلى حل دائم، ونهائي؛ يأخذ بعين الاعتبار، في وقت واحد، مصالحنا العليا في وحدتنا الترابية، وسيادتنا، وكذلك خصوصيات المنطقة؛ في نطاق احترام المبادئ الديموقراطية واللامركزية، التي نرغب في تطويرها، ووضعها حيز التطبيق، بدءاً من منطقة الصحراء، العزيزة على قلوب كل المغاربة، والمملكة المغربية" .

وجاءت المبادرة المغربية إلى التفاوض، استجابة لدعوة الأمم المتحدة، مكسبة الموقف المغربي مرونة أكثر؛ لأنه كان يرفض مبدأ التفاوض، من قبل .

وقد اعتمد الأمين العام المبادرة المغربية، في تقريره الصادر في 26 أكتوبر 2000؛ فأوصى باعتماد السيادة المغربية أساساً لإيجاد حل تفاوضي للقضية. كما أوصى بأن يدخل المغرب، في مفاوضات مباشرة مع الجبهة، من أجل تحويل بعض سلطاته ومهامه الحكومية، إلى جميع الصحراويين الساكنين في المنطقة. ويفسر المراقبون ذلك، بأنه دعوة من الأمين العام، إلى إقامة ضرب من اللامركزية الموسعة في الصحراء. غير أنه اشترط أن يأخذ المغرب بهذا الحل، في غضون أربعة أشهر؛ وإلا عاد الجميع إلى مخطط التسوية، الذي وضعته الأمم المتحدة .

كما لاحظ الأمين العام عمق الهوة، بين طرفي النزاع؛ تلك الهوة، التي أظهرتها، وأثبتتها اجتماعات لندن وبرلين. فقال، في تقريره: "إن مبعوثي الشخصي، يرى؛ وأشاطره الرأي، أن عقد اجتماعات أخرى للطرفين، بحثاً عن حل سياسي، أمر لا يمكن أن ينجح؛ بل قد يكون ذا نتائج عكسية؛ إلاّ إذا قامت الحكومة المغربية، بصفتها القوة الإدارية في الصحراء، بالتخلي عن بعض سلطاتها لجميع السكان، والسكان السابقين في المنطقة" .

وبات المبعوث الشخصي مقتنعاً بفشل مخطط التسوية الأممي؛ وذلك للصعوبات الكبيرة، التي تقابله في مسألة تحديد الهوية، والاستفتاء. ومن ذلك، أن عدد الطعون، التي تقدم بها الصحراويون المغاربة، تزيد على 130 ألف طعن؛ فضلاً عن كون المغرب، يلح على تحديد هوية جميع الصحراويين المغاربة، الذين بلغ سنهم 18 سنة، منذ 1991، حين اتُّفق على خطة التسوية؛ والمراوح عددهم بين 35 و40 ألف شخص.

ومنها، أن مخطط التسوية، ينص على عودة جميع سكان مخيمات البوليساريو، في تندوف، جنوب غرب الجزائر، الذين يعدهم المغرب محتجزين، إلى التراب المغربي. وهو الأمر، الذي يلح عليه المغرب لغرض التصويت في الاستفتاء، الذي كان مقرراً داخل الأقاليم الصحراوية؛ بينما ترغب الجبهة في إجرائه، شرق الجزائر، أي داخل الأراضي الجزائرية .

ويسعى المبعوث الشخصي، في مشاوراته مع أطراف النزاع، إلى إبراز الصعوبات، التي تعترض الاستفتاء. ويركز في نتيجة الاستفتاء الملزمة، في حال إجرائه؛ فهي إما الاندماج في المغرب، وهو ما يرفضه الطرف الآخر؛ وإما الاستقلال عن الرباط، وهذا ما يرفضه المغرب. ومن ثم، لا يقدم الاستفتاء حلاً للقضية؛ بل إن الحل السياسي، في رأيه، وفق صيغة الحكم المحلي الموسع، يجنب الطرفين أي نوع من الخسارة أو الإحراج .

ودافع جيمس بيكر، مجدداً، عن الاتفاق، في رده على تقرير، نشرته مجلة "الإيكونوميست"، في شأن هذا الاتفاق، فقال: "إن الأمم المتحدة، لن تتخلى عن خطة التسوية؛ على الرغم من تقديمها مشروع الاتفاق ـ الإطار". ونبه إلى أن مشروع الأمم المتحدة، ينص على إجراء استفتاء، بعد خمس سنوات من ممارسة الصحراويين حكماً ذاتياً، في إقليمهم؛ وأن الصحراويين أنفسهم، وليس المغرب، هم من سيتولون مسؤولية تطبيق القانون والأمن الداخلي، في الأقاليم الصحراوية، خلال فترة السنوات الخمس .

عادت جهود المبعوث الخاص لأمين عام الأمم المتحدة، إلى دائرة الضوء، بعد شهرَين من اجتماع مجلس الأمن (29 يونيه)، واستماعه إلى تقرير الأمين العام، وإقراره مشروع الاتفاق ـ الإطار؛ على أن يكون قابلاً التفاوض فيه، وإدخال التعديلات، التي تتفق عليها الأطراف المعنية؛ مع إبقاء مشروع التسوية بالاستفتاء، قيد النظر والتفاوض. فأجرى المبعوث الخاص محادثات، في مزرعته، في باينديل، في ولاية وايومينج، بدأت في 27 أغسطس، واستمرت ثلاثة أيام؛ للبحث في موضوع الاتفاق ـ الإطار .

واختتمت المفاوضات بإعلان غامض، يتعهد درس خيارات جديدة لحل النزاع الصحراوي. وحضرها ممثلون عن الجبهة والجزائر وموريتانيا؛ وغاب عنها وفد المغرب، الذي أوضح أحد مسؤوليه، أن بلاده لم تشارك في المباحثات؛ لأنها موافقة، سلفاً، على الاقتراح؛ على الرغم من تحفظها من بعض بنوده.

في عام 2000 أجرت الأمم المتحدة تقييماً شاملاً لتسع سنوات من محاولة تنفيذ مخطط التسوية، وخلص تقييم الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن كافة الجهود التي بُذلت من أجل التوفيق بين أطراف المشكلة باءت بالفشل، ولقد حسم تقرير "كوفي أنان" لمجلس الأمن يوم 22 يونيه 2001 حالة التردد التي طبعت النقاش الأممي حول المشكلة منذ 26 فبراير 2000، حينما تبين للمنظمة أن نجاح فرص إجراء الاستفتاء أصبحت شبه معدومة، وأنه من الأفضل البحث عن حل سياسي، واعتمد هذا الخيار رسمياً، مع محاولة تجاوز العقبات التي تحول دون تطبيق الاستفتاء، وشكلت الاستجابة القوية للمغرب لهذا الخيار عاملاً مشجعاً لصالح الاعتماد النهائي لمشروع الحكم الذاتي، إلا أن الموقف المتشدد للبوليساريو والجزائر إزاء ذلك الاختيار أدى بمجلس الأمن إلى صياغة قرار توفيقي يعطي الأولوية لبحث مشروع الحكم الذاتي وتشجيع الأطراف عليه، دون أن يعلن المجلس التخلي عن خيار الاستفتاء.

تمثلت الخلفيات الكامنة في المشروع الأممي التوفيقي في الآتي:

1. الحيلولة دون الرجوع لخطة الاستفتاء، حيث إن المشروع الأممي يحسم الجدل والتردد بين خطة الاستفتاء ومشروع الحكم الذاتي، وخاصة أن خطة الاستفتاء قد تؤدي إلى إما الاندماج الكلي للصحراء الغربية في المغرب أو الانفصال الكامل للصحراء عنها، بينما الحكم الذاتي يعد حلاً وسطاً بينهما، وكان احتمال ارتداد جبهة البوليساريو نحو الاستفتاء أمراً وارداً.

2. تمكين "جيمس بيكر" (الوسيط الدولي) من التفاوض حول مشروع الحكم الذاتي، فقد سبق لبيكر في مايو 2001 عرض المشروع، ورأت فيه الجزائر مقترحاً غير رسمي، بينما رفضت البوليساريو مناقشته.

3. العمل على إزالة الحواجز النفسية تجاه مشروع الحل السياسي، والتي كانت بسبب الاعتقاد بقيام الأمم المتحدة بتسويق المشروع المغربي، وهي تهمة حالت دون النقاش الجدي للمشروع، وخاصة من جانب البوليساريو.

4. إدماج بعض المطالب الجزئية لمختلف الأطراف والتوفيق بينها، بما يحقق ترضية نسبية للجميع، وشجع على بدء المفاوضات.

تأسيساً على ما سبق أقدم "جيمس بيكر" على طرح مشروع اتفاق/ إطار للحكم الذاتي، تبناه "كوفي أنان" دعمه مجلس الأمن في قراره الصادر يوم 29 يونيه 2001، ليكون أساساً لإجراء المفاوضات بين الأطراف، ينجم عنها تحديد موقف الصحراء الغربية في المستقبل، ولقد تضمن الاتفاق/ الإطار على الآتي:

1. تمكين سكان الصحراء الغربية من ممارسة السلطة الكلية في قضايا الحكم المحلي والميزانية والضرائب والأمن الداخلي والخدمات الاجتماعية والتعليمية، بالإضافة إلى الجوانب التجارية والزراعية والمعادن والصيد والصناعة والبيئة، من خلال ثلاثة أجهزة تتمثل في سلطة تشريعية وهيئة تنفيذية تنتخب انتخاباً غير مباشر، وهيئة قضائية على أن تكون المحاكم المرجع فيما يتعلق بالقانون المحلي.

2. تتحدد اختصاصات الحكومة المركزية في الرباط بمسؤوليتها عن العلاقات الخارجية بما فيه الاتفاقيات الدولية، والأمن الداخلي، والدفاع الخارجي وحماية الحدود، والمسائل المتعلقة ببيع وإنتاج وشراء السلاح واستخدامه، والحفاظ على السلامة الإقليمية من محاولات الانفصال، بالإضافة إلى العلم المغربي، والعملة، والجمارك، ونظم البريد، والاتصالات.

3. احترام القوانين الصادرة عن الجمعية التشريعية لدستور المغرب والقوانين المكملة، إلا إذا تعارضت مع قواعد السلوك التي اتفق عليها الطرفان عام 1997، والتي تنظم العملية الانتخابية والاستفتاء.

4. عدم الإعلان من جانب واحد عن أي تغيير أو إلغاء لوضع الصحراء الغربية، على أن يتم استفتاء بعد خمس سنوات لتقرير وضع الصحراء الغربية، على أن يكون الجزائر وموريتانيا شاهدين، وكل من فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية بمثابة ضامنتين لتعزيز التسوية وتنفيذ الاتفاق.

أصدر مجلس الأمن قراره بتدعيم مقترح "كوفي أنان" الداعي لمباحثات جديدة مباشرة أو غير مباشرة بين أطراف المشكلة، كما صدرت الموافقة على تمديد بعثة المينورسو Minurso خمسة أشهر تنتهي في 30 نوفمبر 2001، ودُعي الأطراف إلى مناقشة مشروع الاتفاق/ الإطار حول وضع الصحراء الغربية، الذي عدَّه مجلس الأمن نقلاً جوهرياً للسلطة إلى سكان إقليم الصحراء، كذلك لم يلغ قرار مجلس الأمن إمكان بحث المقترحات التي تقدمت بها جبهة البوليساريو من أجل تجاوز العقبات التي تحول دون تنفيذ خطة الاستفتاء الأصلية.

رابعاً: موقف أطراف المشكلة من مشروع الاتفاق/ الإطار

رغم تأكيد قرار مجلس الأمن على أن المفاوضات بين أطراف المشكلة بشأن مشروع الاتفاق/ الإطار لا يعني أن الأطراف اتخذت المواقف النهائية للمشروع، وإلزام كلٍ من الجزائر والبوليساريو بالتخلي عن موقفهما المتشبث بالاستفتاء، ولذلك انقسمت مواقف الأطراف بين القبول المبدئي والرفض المختلف والمتفاوت في حدته، وتمثلت مواقف الأطراف في الآتي:

1. موقف المغرب من مشروع الاتفاق/ الإطار

رغم أن المشروع حقق بعض المطالب المغربية، وأبرزها مسائل السيادة والعلاقات الخارجية، إلا أنه كان هناك بعض التوجسات المرتبطة بنتائج لجنة تحديد الهوية، حيث بلغت الطعون المقدمة من جانبها ما يزيد عن (120) ألف طعن، كذلك اعترض المغرب على عدد من النقاط المبهمة وأهمها حدود التداخل والعلاقة بين السلطة المركزية والسلطة المحلية، وكذلك العلاقة بين البرلمان المغربي والجمعية التشريعية المحلية، وقضايا إعادة انتشار الجيش المغربي والآليات الكفيلة بتدخله لمنع المحاولات الانفصالية من داخل الإقليم أو خارجه، ومسألة إعادة اللاجئين، وتدبير عائدات ثروات المنطقة، فضلاً عن الغموض القائم بشأن ما بعد المرحلة الانتقالية، ولذلك وجدت المغرب أن الاعتراف الوارد بالسيادة في مشروع الاتفاق/ الإطار ليس اعترافاً نهائياً، بل يشكل مخرجاً مؤقتاً لاحتواء المشكلة مرحلياً.

2. موقف جبهة البوليساريو من مشروع الاتفاق/ الإطار

أعلنت الجبهة رفضها مسبقاً، قبل دراسة المشروع، ولم ترد عليه، كذلك أعلنت أن تنفيذ خطة الاستفتاء ما تزال ممكناً رغم الصعوبات التي تواجهها.

3. موقف الجزائر من مشروع الاتفاق/ الإطار

رفضت الجزائر المشروع، وأعلنت عن وجود بعض جوانب الضعف والاختلال فيه، كونه يدعم مشروع الاندماج مع المغرب، ولا يتوافق مع دور الأمم المتحدة في تصفية الاستعمار وتقرير المصير، ويحرم جبهة البوليساريو من حق الإدلاء برأيها، كذلك رأت أن المشروع لا يتسم بالصدقية بعد أن أكد احترام الدولة القائمة بالإدارة (المغرب) في الإقليم، إضافة إلى خلط المشروع بين سكان الإقليم والصحراويين وإعطاء الأفضلية لسكان الإقليم، معتبرة أن ذلك يعزز الطرح الاندماجي للإقليم في المغرب، ويرسخ الاحتلال غير المشروع لإقليم الصحراء الغربية، وفقاً للمذكرة الجزائرية التي قدمتها إلى الأمين العام للأمم المتحدة.

4. تقويم الوضع بعد إعلان أطراف المشكلة لاعتراضهم

من الواضح وجود تباين كبير بين مواقف أطراف المشكلة، وكان الاعتراض الأكبر من جانب الجزائر، ولذلك اتسم رد "كوفي أنان" بالعنف على الموقف الجزائري، حيث رأى أن الادعاء بتحيز الاتفاق لفكرة الاندماج هو ادعاء غير حقيقي، وخاصة أن انتخاب الهيئة التشريعية سيكون من بين قوائم لجنة تحديد الهوية، كما أن استخدام الجزائر للفظ الشعب الصحراوي ليس قانونياً حيث تستخدم الأمم المتحدة لفظاً من قُبيل "سكان الصحراء الغربية" أو "الصحراويون الغربيون"، ومن ثم أغفلت مذكرة الاعتراض الجزائرية جزءاً كبيراً من سكان إقليم الصحراء الغربية الذين اختاروا البقاء في الإقليم، كما أن الموقف الجزائري أغفل مسألة الاستفتاء حول الوضع النهائي للصحراء.

إذا كان الموقف الجزائري قد اتهم الأمانة العامة للأمم المتحدة بالخروج عن الحياد والموضوعية وإهمال مقترحات جبهة البوليساريو واعتراضات الجزائر، ومن ثم، فقدت صدقيتها، إلا أن جبهة البوليساريو عدت المشروع نهاية سياسية لها، وخاصة مع وضوح عدم قدرتها على التكيف مع التحولات الإقليمية والدولية، ومن ثم فإن المشكلة تكون قد انتقلت لمرحلة جديدة تختلف عن المراحل التي عرفتها حتى نهاية القرن العشرين.

خامساً: مجلس الأمن وخطة تسوية مشكلة الصحراء الغربية في 11 يوليه 2003

صدَّق مجلس الأمن في 11 يوليه 2003 على مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة الأمريكية بشأن خطة لحل مشكلة الصحراء الغربية، وكان قد قام بإعداد الخطة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة "جيمس بيكر" وتنص على أن يتم تحديد الوضع النهائي للصحراء خلال خمس سنوات عبر الاستفتاء، ولقد أعلنت كل من الجزائر وجبهة البوليساريو موافقتهما مبدئياً على نص قرار مجلس الأمن، إلا أن المغرب عبَّر عن تحفظاته بشأن المشروع، وخاصة أنه لم يحظ إلا بتأييد أربعة أعضاء من أصل 15 عضواً في مجلس الأمن، كذلك أقر مجلس الأمن تمديد مهمة بعثة الأمم المتحدة للاستفتاء حول الصحراء الغربية، التي كان من المقرر أن تنتهي في 31 يوليه 2003.

ولقد شكل القرار حلاً وسطاً يجمع بين خطة التسوية التي اقترحها "جيمس بيكر"، ومواصلة الجهود مع الأطراف المعنية للتوصل إلى اتفاق عام، ولقد ركز القرار على الآتي:

1. الدعوة إلى حكم ذاتي لسكان إقليم الصحراء لفترة تراوح ما بين 4 – 5 سنوات.

2. الاستفتاء لتحديد مصير سكان الإقليم بعد هذه الفترة.

3. دعوة الأطراف الأربعة المعنية بالمشكلة إلى العمل مع الأمم المتحدة وإلى العمل فيما بينهم باتجاه الموافقة على خطة السلام.

4. دعوة جبهة البوليساريو لإطلاق سراح المغاربة المحتجزين لديها تنفيذاً للقانون الإنساني الدولي.

 في 22 أكتوبر 2003 أعلن مصدر رسمي مغربي رفض التأويل المغلوط للأمين العام للأمم المتحدة بشأن القرار الأخير لمجلس الأمن الرقم 1495 الصادر في 30 يوليه 2003 حول تسوية النزاع في الصحراء الغربية، حيث لم يوضع في الاعتبار مضمون نص القرار أو الإجراءات التحضيرية التي أدت لتبنيه، حيث إنه بمقتضى الفقرة الأولى من قرار مجلس الأمن فإن دعم المجلس لمشروع "جيمس بيكر" سيبقى رهناً باتفاق الطرفين.

سادساً: تطور دور الأمم المتحدة بشأن مشكلة الصحراء الغربية خلال الفترة (2004-2005)

في تقرير لمجلس الأمن قدمه "كوفي أنان" يوم 22 يناير 2004، طلب "كوفي أنان" من مجلس الأمن منح المغرب فرصة أخيرة بشأن مشكلة الصحراء الغربية، كما اقترح تمديد بعثة الأمم المتحدة في المنطقة لمنح المغرب وقتاً أطول للنظر في حل ترعاه المنظمة الدولية، وكانت الأمم المتحدة قد احتفظت بقوة مراقبة في منطقة الصحراء الغربية لمدة 25 عاماً تقريباً، إلا أنها لم تحقق نتائج إيجابية.

وفي منتصف يناير 2005، رفع "كوفي أنان" تقريراً إلى مجلس الأمن أعرب فيه عن قلقه بشأن احتمال تدهور الأوضاع في الصحراء الغربية، إذا لم يتم التوصل لحل سياسي لإنهاء المشكلة، كما رحب تقرير الأمين العام بنجاح برنامج تبادل الزيارات الأسرية الذي سمح به للاجئين المقيمين في مخيمات تندوف بالجزائر وفي مدن الصحراء الغربية.

ولقد أشار تقرير الأمين العام للأمم المتحدة إلى أن جبهة البوليساريو أفرجت عن أسرى حرب مغربيين تحت رعاية لجنة الصليب الأحمر الدولية، وفي ذات الوقت أشار التقرير إلى احتجاز جبهة البوليساريو 410 من أسرى الحرب المغاربة الذين ظل بعضهم رهن الاحتجاز لفترة طويلة، كما وضح التقرير تزايداً كبيراً في عمليات تهريب المهاجرين عبر الصحراء الغربية، وخاصة خلال عامي 2003، 2004.

سابعاً: تطور دور الأمم المتحدة في مشكلة الصحراء الغربية عام 2006

حذر الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره (S/2006/249) المقدم إلى مجلس الأمن بتاريخ 18 أبريل 2006 حول الوضع في الصحراء الغربية، من تدنٍّّ محتمل للوضع القائم في الإقليم، حيث قد يصل إلى تهديد للسلم والاستقرار العالميين، ولقد ركز التقرير على تحليل وضع وقف إطلاق النار بين الجانبين (المغرب ـ جبهة البوليساريو) منذ 6 سبتمبر 1991، وذلك من خلال المراقبة التي تقوم بها بعثة المينورسو على طرفي حزام الدفاع الذي يُقسم الصحراء الغربية من الشمال إلى الجنوب، وكذلك الأخطار التي يواجهها سكان الصحراء بسبب الألغام، ولقد تطرق التقرير إلى إجراءات بناء الثقة بين السكان الصحراويين في المناطق التي يسيطر عليها المغرب، وكذلك اللاجئين في مخيمات تندوف (الجزائر)، كذلك قدم تحليلاً لوضع حقوق الإنسان بالمنطقة الصحراوية وخاصة نقص الضمانات الإجرائية في سير محاكم العدل المحلية.

كما استند التقرير على التقييم المقترح الذي تقدم به المبعوث الشخصي للأمين العام (السفير فان فالسوم) في محاولة لمواجهة الجمود الذي تواجهه مشكلة الصحراء الغربية، ولقد تحدد أسباب الجمود في الآتي:

1. نزاع الصحراء الغربية لا يحظى بالأولوية في المفكرة السياسية لغالبية الدول الأعضاء في الأمم المتحدة.

2. غالبية الدول تعمل للحفاظ على علاقات جيدة مع المغرب والجزائر.

3. لا توجد دولة مستعدة للضغط على المغرب من أجل أن يتخلى عن مطالبه في الصحراء الغربية.

4. لا توجد دولة تعترف بسيادة المغرب على الإقليم.

وفي هذا الإطار يرى المبعوث الشخصي ضرورة بدء الأطراف للمفاوضات المباشرة دون شروط مسبقة، على أن يكون الهدف النهائي منها تحقيق ما عجز مجلس الأمن من الوصول إليه والمتمثل في الحل السياسي العادل والدائم والمقبول من الطرفين، ويتضمن الإرادة الحرة لسكان الصحراء الغربية.

أصدر مجلس الأمن قراره الرقم 1675، في 28 أبريل 2006، والذي أعلن فيه دعمه لطرفي النزاع من أجل حل سياسي يفضي إلى تقرير مصير الشعب الصحراوي، في إطار تسوية تتوافق مع أهداف الأمم المتحدة ومبادئها، كذلك شدد المجلس على ضرورة الاحترام التام للاتفاقات العسكرية التي توصلت إليها بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء تقرير مصير الصحراء الغربية، وذات الصلة بوقف إطلاق النار، ودعا المجلس دول المنطقة الأعضاء في الأمم المتحدة إلى التعاون الكامل مع المنظمة للخروج من المأزق الحالي.

كذلك طلب مجلس الأمن من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير شامل حول الوضع القائم بالصحراء الغربية قبل انتهاء مدة عمله بالمنظمة الدولية، إضافة إلى ضرورة اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتمكين بعثة المينورسو من تأدية مهامها بالتعاون مع الأمم المتحدة، وتنفيذ استراتيجيات التنمية والآليات المناسبة لتفادي أي شكل من أشكال التجاوزات، وكذلك قرر مجلس الأمن تمديد مهمة المينورسو حتى 31 أكتوبر 2006.