إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو)





أماكن الاستعمار الفرنسي والإسباني
الحدود المغربية "المغرب الكبير"
الحرب الجزائرية ـ المغربية

ولايات المغرب العربي
الأهمية الاقتصادية للصحراء الغربية
المدن ومراكز التوطن الرئيسية
التقسيم الإداري والجغرافي
الدولة البربرية بشمال أفريقيا
الحدود التقريبية للمغرب العربي
الفتوحات الإسلامية من 22 – 64 هـ
الفتوحات الإسلامية من 69 – 92 هـ
توزيع المجموعات القبلية
تقسيم الصحراء الغربية
حدود موريتانيا والصحراء الغربية



الأكــــراد

 

المبحث السابع

موقف البوليساريو والجوار وردود الفعل السلبية

أولاً: موقف البوليساريو من عمليات تحديد الهوية

بعد الاتفاق الأخير، على إجراء استفتاء، في 7 ديسمبر 1998، في الصحراء، وبدء عمليات تحديد الهوية، اتهمت الأطراف الأخرى البوليساريو، بعدم التعاون في إنجاح خطة المنظمة الدولية لإجراء الاستفتاء، وهي الخطة، التي وجدت طريقها، مجدداً، إلى التنفيذ، منذ اتفاق هيوستون، تحت إشراف جيمس بيكر، والذي تضمن اتفاق الطرفَين (المغرب والبوليساريو) على امتثال التزاماتها، فيما يتعلق بعملية تحديد الهوية، وإعادة اللاجئين إلى وطنهم، والسجناء والمحتجزين، وإبقاء القوات، الخاصة بكلٍّ من الطرفَين، منحصرة. وكذلك قواعد السلوك لحملة الاستفتاء. وكان واضحاً، كذلك، أن بعثة المينورسو الدولية (هيئة مراقبة وقف إطلاق النار والإشراف على استفتاء الصحراء)، ارتكبت بعض الأخطاء، التي اعترفت ببعضها، إضافة إلى ما لاحظه المواطنون الصحراويون، من أن هناك قلة من موظفي المينورسو، لا يلتزمون بالحياد في أداء مهمتهم.

إن التطورات، التي عبّر عنها المغرب، رسمياً، لسفراء الدول المعتمدين، آخرها أن شيوخ البوليساريو، يواصلون الرفض الممنهج لطالبي التسجيل النهائي، والتابعين للفروع، التي ينتمي إليها هؤلاء الشيوخ أنفسهم، عملاً على استفزاز المغرب، ودفعه إلى وقف عملية تحديد الهوية. كما تبين أن هذا السلوك، المخالف لاتفاق هيوستون، تأكد وتجسد في حضور مسؤولين كبار للبوليساريو، إلى جانب هؤلاء الشيوخ. ويتعلق الأمر، بصفة خاصة، بثلاثة من مسؤولي البوليساريو، هم: إبراهيم غالي، ومحمد سالم ولد السالك، ومحمد الأولالي عقيق. وهم، على التوالي، وزير الدفاع، ووزير الخارجية، ومدير الأمن العسكري للبوليساريو، وقد ندد المغرب بحضور هؤلاء المسؤولين؛ لأن حضورهم، يعرقل المسلسل، ويحُول دون استمراره في ظروف من الهدوء والسكينة المطلوبة، ويشكل، استطراداً، حملة استفتائية سابقة لأوانها، واستفزازاً للأمم المتحدة، والمغرب، والسكان المعنيين بالأمر.

ولا شك أن المغرب، شعباً وحكومة، معني بالإعداد لتنظيم الاستفتاء في الصحراء الغربية؛ فهو الذي بادر إلى قبول الاستفتاء، مثلما كان موقفه منه ثابتاً، وهو الذي أدى إلى الوصول، في آخر المطاف، إلى اتفاق هيوستون، الذي يستمسك المغرب بكل تفاصيله ويلتزم تنفيذه كاملاً. وكانت اتصالات جيمس بيكر، قد انتهت إلى الأخذ بوجهة نظر المغرب، الذي يعدّ الإحصاء، الذي أجرته أسبانيا في الإقليم، سنة 1974، لم يكن عملية تقنية، بقدر ما كان تصرفاً سياسياً، ضد حقوق المغرب المشروعة، من طرف المستعمر الأسباني، في ذلك الوقت.

وقد أدى الأخذ بوجهة نظر المغرب، إلى المعايير الخمسة، التي حددتها الأمم المتحدة، منذ عهد أمينها العام بيريز دي كويار، لتحديد هوية المرشحين للاقتراع يوم السابع من ديسمبر 1998، وهم :

1. الأشخاص الواردة أسماؤهم، في قائمة إحصاء 1974م المنقحة.

2. الأشخاص الذين كانوا يعيشون في الإقليم كأفراد قبيلة صحراوية، وقت إجراء إحصاء 1974، ولكنه لم يشملهم.

3. أفراد الأسْرة، من الدرجة الأولى، من المجموعتَين، الأولى والثانية (الأب والأم والأبناء).

4. الأشخاص الذين هم من أب صحراوي، مولود في الإقليم.

5. أفراد القبائل الصحراوية، المنتمية إلى الإقليم، الذين أقاموا بالإقليم فترة ست سنوات متعاقبة، أو فترة متقطعة، تبلغ اثنَي عشر عاماً، قبل الأول من ديسمبر 1974.

ويعني تحديد المعايير الخمسة، اعترافاً ضمنياً من المنظمة الدولية، في مخططها لتسوية مشكلة الصحراء، بأن إحصاء 1974، ناقص ومملوء بالثغرات. فقد حرمت أسبانيا الأشخاص، المنتمين إلى القبائل الصحراوية، والمشكوك في ولائهم للمغرب، من التسجيل، مثلما حرمت أهل الصحراء، الذين نزحوا إلى الشمال، في فترات متقطعة، بسبب أزمات سياسية، وأخرى اقتصادية، اقتضتها ظروف الجفاف، وندرة المراعي، في الماضي.

وللتدليل على ذلك، نُذكر أن عدد الذين سيُستَدْعَون، طبقاً لآخر تقرير، قدمه كوفي عنان إلى مجلس الأمن، غير معروف، على وجه الدقة. وفي رأي كثير من المراقبين، أن عدد الصحراويين، المرشحين للاقتراع، يصل إلى مائة وخمسين ألف شخص. ويؤيد السيد إدريس البصري ذلك، بينما يذهب آخرون إلى أن عدد الصحراويين، يفوق هذا العدد. وتشير كل الدلائل إلى صحة ذلك؛ فقد تجاوز عدد الذين حُددت هويتهم، 80 ألف شخص، حتى الآن. منهم 60 ألفاً، جرى تسجيلهم خلال المرحلة الأولى، التي كانت قد بدأت عام 1994. وسجِّل، منذ استئناف مسلسل تحديد الهوية، في الثالث من ديسمبر الماضي، أكثر من 20 ألف شخص.

وعندما بدأت قوائم الصحراويين، الذين حُدَّدت هويتهم، تتزايد بهذا الشكل، بدأت البوليساريو خطتها، الرامية إلى عرقلة السير السليم لعمليات تحديد الهوية. وتفسير ذلك، أن البوليساريو، كانت تريد ألاّ يتعدى عدد الذين لهم حق الاستفتاء، سبعين ألف شخص؛ ومن ثَم، إقصاء عشرات الآلاف، ممن يستوفون المعايير الخمسة، المعروفة، لتحديد الهوية.

ومن العراقيل، التي تُتهم البوليساريو بوضعها، تبديل الأسماء وأماكن وتواريخ الميلاد، فضلاً عن الغياب المتكرر، غير المبرر، لشيوخ البوليساريو؛ مما يؤخر بشكل مُنّظم، ولأيام، عدم تسجيل مئات الأشخاص المتحدرين من أصول صحراوية، والذين يجدون أنفسهم مجبرين على الاحتجاج بقوة، على هذه الممارسات. والهدف من خطة نسف عملية تحديد الهوية، هو إقصاء شرائح كبيرة من القبائل التي أبعدت إلى شمالي المملكة المغربية، في أعقاب عمليات المقاومة، ضد تكالب الجيشَين، الفرنسي والأسباني، عليها، في أواخر الخمسينيات.

ولمواجهة ما يراه المغرب، ضد "إستراتيجية العرقلة"، عمد إلى التشبث بمواقف يراها مشروعة، نابعة من تفسيره لاتفاق هيوستون. فالسلطات المغربية، تقدّم، منذ استئناف عملية تحديد الهوية، كامل الدعم والمساعدة، المطلوبَين من المينورسو، وتحترم دورها المحدد بكل دقة. كما أن ممثلي الإرادة الوطنية والمنضبطين حريصون، أشد الحرص، على أن يكونوا المساعدين المخلصين لإرادة المجتمع الدولي، تماشياً مع التوجيهات العليا للسلطات المغربية.

وتعترف السلطات المغربية بحق كل فرد، يستوفي صفة لاجئ، في العودة إلى وطنه، للمشاركة، من دون ضغوط، في الاستفتاء المرتقب، وتجعل، من هذا الحق، مبدأ أساسياً راسخاً. كما هيأت للمشاركين في مراكز تحديد الهوية، من الطرف الآخر، كل وسائل الحياة الطيبة، في مساكن فخمة، على عكس ما يعانيه المشاركون في المراكز المماثلة، في مخيمات تندوف، في الجزائر، من عوامل طبيعية صعبة، ومناخ سيكولوجي سيئ.

وقد أكد السيد إدريس البصري، أن المغرب واع لكل ما يجري، وهو مع ذلك، يسير في المخطط الدولي للاستفتاء في الصحراء، ويعطي كل ذي حق حقه، مثلما يحرص تماماً على استكماله في أحسن الظروف. وأوضح أن هناك مخالفات، من بعض المنتمين إلى المينورسو، وأنه سيبلغ الأمم المتحدة، في الوقت الملائم، مجمل الانتهاكات، التي وقعت في مرحلة تحديد الهوية.

وأشار إلى أن المغرب، قدّم، بهدوء، احتجاجاً إلى الأمم المتحدة، على سلوك إبراهيم غالي، وزير الدفاع للبوليساريو، الذي أرسلوه، بصفة مراقب، إلى مركز تحديد الهوية، في سمارة، التي سبق أن هاجمها، قبل إنشاء الجدار الأمني، وقتل الكثير من سكانها، وخطف رهائن منها، ثم جاء إلى المغرب، ليثير شعور المواطنين.

ثم أكد أن المغرب، يلتزم باتفاق هيوستون، على الرغم من المخالفات الجسيمة له. وأعرب عن أمله، أن يعالجها تشارلز دنبر الرئيس الجديد للجنة، والذي يخلف النرويجي إيريك يانش، رئيساً للمينورسو.

ويدرك محاورو إدريس البصري، أنهم أمام شخص ملم، تماماً، بملف الصحراء، ومدافع صلب عن حقوق المغرب. وسيكون، على دنبر، التعامل معه، وسط اهتمام خاص لعدد من القوى، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية وأسبانيا وفرنسا. وهذه الدول لن تتخلى عن مسؤولياتها. وهناك، في الأمم المتحدة، سيفكر كوفي عنان، ومجلس الأمن، وهما مدركان تماماً لواجب الحياد العادل، والمسؤولية الملقاة على عاتقهما، في هذه المغامرة المحفوفة بالأخطار. ويتعين على المينورسو، أن تضطلع بدورها، ولا شيء سواه، فهي الضامن والمراقب الأمني، في الصحراء الغربية، أمام الأعين اليقظة.

ومثلما اتُهمت البوليساريو، بعرقلة العملية، من قبل، حين سحبت شيوخ القبائل، الذين يمثلونها، فإنها تُتهم، هذه المرة، بالسعي إلى نسف العملية تماماً. ويذكر بعض المحللين المتبنين وجهة النظر المغربية، دلائل على هذا السعي منها أن عملية تحديد الهوية، من طرف البوليساريو، توقفت، خلال الأسبوع الأخير من ديسمبر 1997. ثم توقفت، في مخيمات تندوف، منذ 29 ديسمبر 1997، حتى 4 يناير 1998، بدعوى انعدام وسائل نقل طالبي التسجيل النهائي. وتوقفت جلسة تحديد الهوية، في طانطان، في 7 يناير 1998، لتنبيه شيخ البوليساريو، لحبيب سلامي جمعة، الذي اعترف، بأن 133 من المسجلين، من بينهم 127، لا توجد أسماؤهم في إحصاء 1974. ثم توقفت العملية، في جميع مراكز تحديد الهوية (ستة مراكز)، في 12 يناير 1998، بغية حصول وفد البوليساريو على الإعفاء من شكليات المراقبة المعتادة، عند الوصول إلى مطار العيون (كبرى مدن الصحراء)، أو في أثناء المغادرة.

هذه أمثلة من وسائل البوليساريو، في عرقلة عملية تحديد الهوية. وهي جزء من الخطة القائمة على ركائز ثلاث: الرفض المنهجي لطالبي التسجيل النهائي، والتابعين للفروع، التي ينتمي إليها شيوخ البوليساريو أنفسهم؛ وتغيير تواريخ وأماكن الميلاد؛ وانتحال هوية الآخرين. ويكفي أن يُعرف، أن هؤلاء الشيوخ، الذين يتصرفون تحت ضغوط إدارة البوليساريو، قد رفضوا، خلال يناير 1998، 3438 من طالبي التسجيل النهائي، من بين 3916، الذين استُمِع إليهم، أي نسبة 82.29% .

ويمضي المحلل قائلاً: يتبين بجلاء، أن البوليساريو، تحاول تقليص كشوف المقترعين إلى درجة منخفضة، برفض التعرف بالصحراويين الحقيقيين، الذين لم يغادروا أراضيهم، ويمارسون حياتهم العادية. والهدف من ذلك استفزاز المغرب، أملاً في أن يلجأ هؤلاء إلى وقف عملية تحديد الهوية، فيتعطل الاستفتاء؛ وتعبيراً، في الوقت نفسه، عن الحقد الدفين على الصحراويين، الذين يستمسكون بهويتهم المغربية، وبالولاء للعرش المغربي.

والجدير بالذكر، أن هناك ستة مراكز لتحديد الهوية: اثنان منها في العيون، وواحد في سمارة، وواحد في طانطان، وأخر في جليم، في الأقاليم الجنوبية للمغرب (وهي تمثل أكثر من 82% من مساحة الصحراء). والمركز السادس في منطقة تندوف الجزائرية، حيث توجد مجتمعات البوليساريو. وستضاف، قريباً، ثلاثة مراكز أخرى جديدة: منها اثنان في شمالي المغرب، والثالث في الجنوب. وفي كل مركز يوجد أربعة أطراف، أولها المينورسو (هيئة الإشراف على وقف إطلاق النار والاستفتاء)، وتقدم طاقمَين. وثانيها المغرب والبوليساريو، ويقدم كلٌّ منهما مراقبين. وثالث الأطراف، هو اثنان من شيوخ القبائل؛ أحدهما مغربي، والثاني من البوليساريو. والرابع مراقب من منظمة الوحدة الإفريقية. وليس للمراقبين حق التدخل، إلا إذا كان هناك سبب لذلك.

وتمر عملية تحديد الهوية بثلاث مراحل، هي:

المرحلة الأولى: تجري خارج القاعة. وتتعلق بإعداد الأشخاص للمرور بالمرحلة الثانية، التي يجري، خلالها، التعرف بالأشخاص، واستخراج البطاقات الخاصة بهم، ثم توجيههم إلى مكتب آخر، لأخذ بصماتهم وصورهم الفوتوغرافية.

والمرحلة الثانية: تجري داخل المركز، حيث يدخل الشخص، ليجيب عن الأسئلة الموجهة إليه، عن اسمه الكامل، وتاريخ ومكان مولده. ونوع المعيار، المرشح على أساسه.

والمرحلة الثالثة: هي التوجه نحو الشيوخ، للإدلاء بشهادتهم، في شأن الشخص المرشح. ويدوّن المراقبون معلوماتهم، في كشوف خاصة، معدَّة لهذا الغرض. ثم ترفع النتيجة إلى رئيس اللجنة، بعد توقيع الشيخَين. ويتغير الشيوخ حسب المطلوب تحديد هويتهم، تبعاً لقبائلهم وأفخاذها.

وقد لوحظ أن مراقبي البوليساريو، يوجهون شيوخهم بالإشارات، وكلها تعني الرفض المبيت، سعياً إلى تحديد الهيئة الناخبة على هواهم. كما لوحظ أن أغلبية شيوخهم، لا تنطبق عليهم المعايير المحددة لشيوخ القبائل المعتمدين، بل هم أقرب إلى العسكريين، الذين يمتثلون الأوامر الصارمة، الصادرة إليهم. وأغلبهم يخرج من مركز التسجيل، ليعتذر لأبناء عمومته وأخواله، عن إنكاره معرفتهم، في الداخل. وأغلبهم يعترفون بأنهم مرغمون على هذا السلوك الشائن. وكان من بين المراقبين، في سمارة، إبراهيم غالي، وزير الدفاع لدى البوليساريو، الذي حضر خصيصاً للضغط على ممثليه في اللجنة، لكي ينكر معرفته بكل المتقدمين، مما أذهل اللجنة نفسها. كذلك الحال في طانطان، حيث أوفدت البوليساريو محمد السالم ولد السالك، وزير التعليم، الذي كوفئ، فيما بعد، بتعيينه وزيراً للخارجية، جزاء تأثيره في شيوخ البوليساريو، لرفض أغلبية المسجلين. وكان 4600 شخص، قد تم استدعاؤهم، وأنكر شيوخ البوليساريو التعرف بالأغلبية العظمى منهم، تنفيذاً لإيماءات ولد السالك، الذي أقام أسبوعَين كاملَين، عقد خلالهما ثلاثة لقاءات مع عائلته .

ويخلص المحلل، إلى أن البوليساريو طرقت كل السُبُل، محاولة منها، ألا يتجاوز عدد المصوتين أربعة وسبعين ألف شخص، على أساس الإحصاء الأسباني، عام 1974. وعندما أصبحت غير بعيدة كثيراً عن هذا الهدف، أصدرت أوامرها إلى شيوخها، باللجوء إلى كل المبررات والخدع، لمنع عشرات الآلاف من الصحراويين، من إثبات حقهم في التصويت في الاستفتاء. ويكاد شيوخ البوليساريو، كما يذكر بعض ممثلي المينورسو نفسها، يطير صوابهم، لأن عدد المرشحين للتصويت كبير، بالفعل؛ إذ يتعين استدعاء العشرات من أفخاذ القبائل. كما لا يزال يتعين مثول عشرات الآلاف من الصحراويين، من داخل الصحراء وخارجها، أمام لجان تحديد الهوية .

كما اتُهمت المينورسو، بارتكاب أخطاء في هذا السياق، من ذلك، أنها سمحت لإبراهيم غالي، أحد وزراء البوليساريو، بإثارة شعور المواطنين في السمارة. وقد اعترفت المينورسو بأن اسمه، كتب خطأ، ودخل المنطقة تحت اسم آخر، وعلى هذا الأساس، تقبلت الشكوى المغربية، وردت عليها بالطريقة الدبلوماسية، التي أرضت المغرب. والتي هي، في الوقت نفسه، اعتراف ضمني بأن خطأ قد وقع، وأنه غير متعمد. وكذلك، من أخطاء المينورسو، أنها توجه إلى بعض الأشخاص الدعوات، للمثول أمام لجان تحديد الهوية، قبل اجتماعها بأربع وعشرين ساعة، مع أن المتفق عليه، أن توجه هذه الدعوات قبل أسبوع من الاجتماع، بالنظر إلى طبيعة الصحراء، والمسافات الشاسعة، التي تفصل بين مدنها ونجوعها.

وكانت السلطات المغربية، قد أبدت، في مذكرة رسمية إلى ممثل كوفي عنان، مجموعة من الملاحظات، إثر تعيين إبراهيم غالي مراقباً، في مركز تحديد الهوية، في السمارة. وجاء في المذكرة: "كما تعلمون، فإن السيد إبراهيم غالي، يُعَدّ، حالياً، من طرف البوليساريو، وزيراً للدفاع. وله ماضٍ، لا يؤهله لأداء هذه المهمة. كما أن إبراهيم غالي، كان مصدر عمليات القمع الدموية المدبّرة، ضد السكان في مخيمات تندوف، إثر الانتفاضة، التي جرت هناكْ. لذلك، فإن حضوره، من طبيعته أن يحرج ويرعب شيوخ البوليساريو، في أثناء أداء شهاداتهم، والذين، من الواجب عليهم، أن يتصرفوا بكل استقلالية وحسن نية" .

ومضت المذكرة تقول، إن هذا الزعيم العسكري، كان قد نظم حملة ضد السكان في مدينة السمارة، في أكتوبر 1979 (لم يكن الجدار، الذي يحمى الجزء الآهل بالسكان، من الأقاليم الجنوبية، قد بني بعد). هذه الحملة، صاحبها احتجاز رهائن، من بين السكان المدنيين. وانطلاقاً من هذه المعطيات، فإن حضوره، في مدينة السمارة، يُعَدّ استفزازاً للسكان، والمؤهلين، والجنود، والسلطات المغربية. وأضافت المذكرة، أن إرسال هذا الشخص، يُعَدّ، كذلك، عرقلة لروح مسلسل التسوية (الدولية)، واتفاق هيوستون؛ لأنه يمثل حملة سابقة لأوانها، في عملية الاستفتاء. كما أن تعيين إبراهيم غالي، ملاحظاً، لا يعد عملاً تقنياً منعزلاً، ولا قيمة له؛ وإنما هو عمل، يندرج في إطار استراتيجية عامة، تهدف إلى تكثيف الاستفزازات، وتشويه مسلسل تحديد الهوية، وإيجاد جو من القلق والتوتر، الذي سيؤثر، لا محالة، في حسن سير هذه العملية .

ثم قالت المذكرة، وفي السياق نفسه، سبق للبوليساريو، أن عينت وزير التعليم، الذي أصبح، حالياً، وزيراً للخارجية، ملاحظاً، في مركز تحديد الهوية، في مدينة طانطان، حيث أثر حضوره بشكل جلي، في شيخ البوليساريو، الذي بادر إلى إبعاد عدد كبير من المؤهلين، المنتمين إلى عرشه نفسه (فرع القبيلة). وإذا أضيفت هذه التصرفات، إلى تلك، التي لوحظت في مراكز تحديد الهوية المفتوحة، في مخيمات تندوف، في الجزائر، حيث لجأت البوليساريو، إلى عمليات تزوير الأسماء، وتواريخ الميلاد، بهدف إشراك أشخاص، ليس لهم الحق في التصويت، فمن الطبيعي أن عملية تحديد الهوية، ستنأى عن الموضوعية والصفاء.

واختتمت المذكرة، بأن السلطات المغربية، المتشبثة بالتطبيق الصادق لمسلسل التسوية، واتفاق هيوستون، لها ثقة كبيرة بإحساسكم الكبير بالمسؤولية، وبالإجراءات، التي ما فتئتم تتخذونها، بهدف حماية عملية تحديد الهوية من كل الدسائس والأخطار.

والشكاوى المقدمة إلى كوفي عنان، وإلى ممثلي الأمم المتحدة، وإلى رؤساء مراكز تحديد الهوية، كثيرة جداً. وهي موجهة من مجموعات قبلية متعددة، ومن أفراد، أنكر البوليساريو انتماءهم إلى قبائلهم. ومنها، على سبيل المثال، شكوى ضد شيخ البوليساريو، سويلم إبراهيم محمد، من فرع قبيلة سلام، والذي تميز بموقف سلبي، خلال عمليات تحديد الهوية، في مركز السمارة، حيث رفض، خلال الأيام 22 و23 و24 يناير 1998، الاعتراف بـ 2800، من طالبي التسجيل، على الرغم من انتمائهم إلى فرع القبيلة.

وهذا التصرف مماثل لتصرف الشيخ آل لال بوشعب، الذي شارك في أعمال لجنة تحديد الهوية، في مركز طانطان. كذلك، كان من المثير، أن عبدتي سيدي محمد عبدالجليل، من قبيلة أولاد بوسبع، تميز، خلال كل مراحل تحديد الهوية، بمواقف سلبية، في مركز العيون، بدعوى عدم التعرف بجميع طالبي التسجيل، الذين تقدموا أمام اللجنة، في أواخر ديسمبر 1997؛ فمن بين 414 من طالبي التسجيل، المنتمين، بالفعل، إلى فرع القبيلة، لم يعترف إلا بـ 269 شخصاً.

وإضافة إلى الشكاوى، فإن شيوخ القبائل، يعقدون اجتماعات خاصة، لمتابعة انتهاكات البوليساريو لاتفاق هيوستون. وقد أصدرت قبيلة (أيت لحسن)، من أشهر قبائل الصحراء، بياناً، وقعه كل شيوخها، ويكشف حقائق مهمة. فقد جاء فيه: تلبية لنداء الأمم المتحدة وإيماناً بجسامة المسؤولية، الملقاة على كاهل كل المنحدرين من الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، توجه أفراد قبيلة أيت لحسن، إلى مكاتب تحديد الهوية، في كلٍّ من طانطان والعيون. ومنذ الوهلة الأولى، تبين، بجلاء، موقف ممثلي البوليساريو، المناهض لتسجيل أي فرد من هذه القبيلة.

إن هذه المواقف تُعَدّ إجحافاً بحق قبيلتنا، وتمييزاً خطيراً بين القبائل الصحراوية، وتصرفاً طائشاً، غير مقبول؛ لأنه إذا ما استمر، سيؤدي، في النهاية، إلى بطلان دور الأمم المتحدة، واستحالة استمرارها في أداء دورها، المتمثل في إعطاء الحق لكل القبائل الصحراوية، واشتراكها في عملية الاستفتاء، بدون إقصاء أو تمييز. إن موقف البوليساريو، اليوم، يذكرنا بمواقف سبقت، وكانت هي السبب الرئيسي لتوقف عملية تحديد الهوية، قبل هيوستون.

والبيانات المماثلة كثيرة، كلها تدعو المينورسو لتصحيح الأوضاع، والحذر من التصرفات، التي تريد البوليساريو، منها، جر الأمم المتحدة إلى التخلي عن حقوق قبائل صحراوية، في مصلحة قبائل أخرى، ينتمي إليها قادة البوليساريو. أما بالنسبة إلى الشكاوى الرسمية للسلطات المغربية، إلى الأمم المتحدة، فإنها تنبه المنظمات الدولية إلى أن الأخطاء، التي ارتكبت، يجب ألا تتكرر؛ لأن الأمم المتحدة، لا تستطيع أن تأخذ على عاتقها، مسؤولية مخالفات، يرتكبها أعضاء من المينورسو. واستطراداً، فإن التحرك المتوقع، يهدف إلى حمل الأمم المتحدة، على التصرف السليم، لتطبيق اتفاق هيوستون، الذي يستمسك به المغرب.

أخيراً، فإن الواضح أن البوليساريو، تريد عرقلة عمليات تحديد الهوية، المقرر ختماً لها يوم 31 مايو 1998. ولكن العملية، لن تصل إلى نهايتها في الموعد المحدد لها، مما يدفع مجلس الأمن، إلى تغيير مواعيد كل الإجراءات اللاحقة؛ ومما يعني، كذلك، مزيداً من النفقات المالية الضخمة، ومزيداً من الوقت، ومزيداً من التعاسة للمحاصرين في مخيمات تندوف، في الجزائر، من الصحراويين.

الواضح، كذلك، أن اليأس يكمن وراء هستيرية التنكر للقبائل، التي تنتهجها البوليساريو. وقد كشف عن ذلك حديث أدلى به أحد مسؤوليها، وهو رئيس وزراء ما يسمى بالجمهورية الصحراوية، إلى مجلة "جون أفريك"، قال فيه، إنه في حالة ما إذا كانت نتائج الاستفتاء في مصلحة الوحدة الترابية للمغرب، فسيذهب هو إلى مكان آخر.

وعقبت جريدة "الاتحاد الاشتراكي" المغربية، على ذلك، بقولها: "إن الذي يجرؤ على بتر قطعة من جسد أمه، لا يمكن أن يجيش صدره للجزء المبتور" . ورأت الجريدة، أن قياديي البوليساريو، لا يدركون أن الإنسان، الذي اختار وحدة بلاده، وقام ببتر أي جزء فيها، لن يذهب، بعد الاستفتاء، مهما كانت نتائجه، إلى أي مكان آخر؛ لأنه لن يشارك في الاستفتاء، من أجل الذهاب أو المجيء، بل فقط من أجل إغلاق ملف، لم يعرف الذين فتحوه، كيف يغلقونه.

ثانياً: الموقف المغربي

ظلت المملكة المغربية، حتى مطلع عام 2000، متشددة تجاه الجبهة، ومتمسكة بالاستفتاء، الذي هو أساس التسوية، التي اقترحتها الأمم المتحدة ؛ على أن يشارك فيه جميع المنحدرين من الصحراء الغربية. وقال وزير الداخلية المغربي، في هذا السياق: "إن من باب العدل والإنصاف، أن يؤخذ، بعين الاعتبار، الانتماء القبلي، كما تراه القبائل الصحراوية، وليس كما ينظر إليه إحصاء المستعمر". ومن ثم، كان المغرب يشدد على الأهمية الحاسمة لإجراءات تحديد الهوية، وضرورة ضمان حيادها وموضوعيتها وإنصافها. ومن هذا المنطلق، أعربت الحكومة المغربية عن استغرابها، وخيبة أملها في نتائج تحديد الهوية الثاني، المنتهي في يناير 2000؛ ووصفتها بأنها غير مطابقة للواقع، وتعطي صورة عن الإجحاف، الذي لحق آلاف المواطنين، من أفراد الجماعات القبلية الثلاث .

على الرغم من أن لقاءات، جمعت الطرفين، من قبل، في التسعينيات؛ فإن المغرب، ما كان يعترف بالجبهة، ولا يرى لها حقاً؛ بل كان الملك الحسن الثاني، يسميهم "جماعة من أبنائنا، الذين غرر بهم" . وتعاملت الرباط، بحذر، مع قادة الجبهة. من ذلك، ما نشر في 17 أبريل 2000، وهو أن الحكومة المغربية، قررت منع عددين من جريدتي "لو جورنال" و"الصحيفة"، الأسبوعيتين، الصادرتين في باريس، من دخول المغرب؛ إثر نشرهما حديثاً صحافياً مع محمد عبدالعزيز، زعيم جبهة البوليساريو، والمسمى برئيس الجمهورية الصحراوية. وجاء ذلك في بيان، صادر عن وزارة الاتصال المغربية، أكد حرص الحكومة على تأمين الحريات العامة، وحرية الصحافة؛ إلاّ أنه أشار إلى أن الحكومة حريصة، كذلك، على التصدي، بصرامة، لكل استهتار بمشاعر الشعب المغربي، في غمرة تعبئته وراء قائد البلاد، وحامي وحدتها الترابية. ووصف البيان الظروف، التي تمر بها قضية الصحراء، بـ "المنعرج الحاسم"؛ إلاّ انه أكد سعي الحكومة المغربية إلى إغلاقه، نهائياً، بتكريس الاعتراف الدولي بحق الشعب المغربي المشروع في وحدة ترابه، وحماية سيادته على كل أجزاء ترابه الوطني.

ويتهم المغرب الجبهة بسوء النية، والمماطلة بتنفيذ الاستفتاء. فجاء عن أحمد السنوسي، ممثل المغرب لدى الأمم المتحدة: "أن المغرب، الذي دعا إلى تنظيم الاستفتاء، سيواصل المطالبة بتصحيح النقاط الواجب تصحيحها، وتقويم المواقف، التي ينبغي تقويمها؛ إذا ما كان يراد تنظيم استفتاء عادل، ونزيه". وقال: "إن المماطلات والمناورات، التي يلجأ إليها خصومنا، للحيلولة دون استكمال مخطط التسوية، الذي يجب أن يعرف بوضوح ـ إرادة للعرقلة. وإن الأمم المتحدة، ربما اقتنعت بالرغبة الصادقة للمملكة، وسوء نية المخاطبين الآخرين، الذين يواصلون وضع العراقيل في وجه المخطط الأممي" .

وأعلن وزير خارجية المغرب، مرة أخرى، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الخامسة والخمسين، المنعقدة في 13 سبتمبر 2000، دعم بلاده أي مبادرة، يقدم عليها الأمين العام؛ على الرغم من تشبثها بمسلسل التسوية. غير أنه أكد أن التسوية، يجب أن تتم داخل إطار السيادة والشرعية، وإجماع المغاربة. وهذا ما كان أعلنه، في 30 يونيه 2000، الملك محمد السادس .

وطلب المغرب، من لجنة القضايا السياسية الخاصة وتصفية الاستعمار، أن تمتنع عن بحث قضية الصحراء؛ لأنها ليست قضية استعمار، ولا سيما بعد أن فُوِّض إلى مجلس الأمن متابعة تنفيذ الاستفتاء .

وأبدى المغرب اهتماماً كبيراً بالمبادرة، التي أطلقها في شأن التفاوض المباشر مع الطرف الآخر. ففي 6 أكتوبر 2000، عقدت لجنة الداخلية، والجهات، والجماعات المحلية، والبلديات؛ ولجنة الخارجية، والحدود، والمناطق المحتلة، والدفاع الوطني، في مجلس المستشارين؛ والفرقة الثانية، داخل مجلس النواب المغربي، اجتماعاً مشتركاً، لدراسة المبادرة. وجاء الاجتماع، بطلب من الحكومة المغربية. وحضره وزيرا الخارجية والداخلية.

كما وجدت المبادرة تجاوباً دولياً واسعاً، وتأييداً كبيراً، من عدد من الدول، والاتحاد الأوروبي .

وفي 10 مارس 2001، أُعلن أن المغرب، سيقدم، قريباً جداً، إلى الأمم المتحدة، مقترحاته في شأن إيجاد صيغة حكم جهوي، ولا مركزي للأقاليم الصحراوية؛ يمكن أبناء المنطقة من تسيير شؤونهم المحلية، في إطار اللامركزية والديموقراطية. أعلن ذلك للصحفيين عبدالرحمن اليوسفي، الوزير المغربي الأول، على هامش مؤتمر نسائي، عقد في مدينة العيون. وهي المرة الأولى، التي يتحدث فيها مسؤول مغربي كبير، عن حكم جهوي، لحل مشكلة الصحراء، بدلاً من الحكم الذاتي.

ومصطلح الحكم الجهوي مأخوذ من نظام الجهات، الذي نص عليه دستور 1996؛ وأصبح المغرب، بموجبه، يتكون من 16 جهة. وهذا يعني أن الحل السياسي، من وجهة نظر الحكومة المغربية، لا يخرج عن إطار السيادة المغربية على المحافظات الصحراوية.

ولكن المغاربة، مع طرحهم الحل السياسي، لا يستبعدون الإجراء العسكري، أو ما يسمونه بالدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، وسيادته على الأقاليم الصحراوية المسترجعة؛ كما جاء في حديث وزير الثقافة والاتصال المغربي إلى الصحفيين، والمنشور في 8 أكتوبر 2000.

ولا يقتصر ذلك على الصعيد الرسمي، فقد دعا الأمين العام للكونفيدرالية الديموقراطية للشغل، إلى حل النزاع، الذي يراه مفتعلاً، لأهداف استعمارية. وأكد أن المغرب مستعد للقتال في سبيل الحفاظ على وحدته الترابية، والوطنية؛ وأن هذا القتال، سيكون ضد الإمبريالية، والصهيونية، وصنائعهما؛ مبيناً أن مشروع الاستفتاء، ذهب مع العهد القديم، وأن لا طريق غير القتال .

كما صدر، في فبراير 2001، العدد الحادي عشر من مجلة "نوافذ"، الفصلية، خاصاً بملف قضية الصحراء؛ لتجديد التفكير فيها، وفي المشكلات، التي تحيط بها، وإبرازها إعلامياً. وكتب فيه نخبة من المفكرين والمهتمين بالموضوع .

وفي 23 مارس 2001، عقد حزب الاستقلال ندوة، لمناقشة تطورات موضوع الصحراء، شارك فيها محمد بوستة، وزير الخارجية المغربي السابق، مقترحاً تنظيم استفتاء في الدستور، في شأن نظام الجهات؛ بهدف وضع آلية، دستورية ودولية، لفض نزاع الصحراء، وحمل الجزائر المسؤولية التاريخية عن استمرار نزاع الصحراء؛ إذ قال إنها والجبهة، تتعاملان، سلباً، مع كل اقتراح، يتقدم به المغرب لفض النزاع؛ مشيراً بذلك إلى مبادرة الرباط، في شأن التفاوض.

وتحدث في الندوة، كذلك، محمد اليازعي، وزير الإسكان والبيئة، نائب الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي، فقال: "إن على المغاربة، اتخاذ كل الاحتياطات، والاستعداد لكل الخيارات، بما فيها الخيار العسكري" .

وفي 31 مارس 2001، نقلت الجرائد عن عبدالرحمن اليوسفي، قوله إن حل قضية الصحراء، يكمن في الاتجاه نحو الاندماج الديموقراطي لكل السكان الصحراويين، المتشبثين بوحدة التراب المغربي، والراغبين في العمل، يداً بيد، مع إخوانهم في الأقاليم الأخرى، لمواجهة التحديات المستقبلية .

ولوزير الداخلية المغربي السابق السيد إدريس البصري، رأي مختلف؛ إذ يرى أن الاتفاق ـ الإطار، قد يؤدي إلى استقلال الصحراء الغربية عن بلاده. وشكك في نيات الأمم المتحدة إزاء مستقبل الصحراء الغربية، زاعماً أن الاتفاق ـ الإطار، الذي اقترحته الأمم المتحدة، سيفتح الباب أمام توترات دامية، في الصحراء الغربية، يُجهل مآلها.

وقال البصري، في مقال نشرته جريدة "دومان" المغربية، إن مصدر التوتر، هو حال الشك المحيطة بطبيعة الاتفاق ـ الإطار؛ والتساؤلات المرتبطة بسلوك المتحدرين من أصول صحراوية، الذين يفوق عددهم 551 ألفاً، والذين رفضت الأمم المتحدة قبولهم في أعمال تحديد الهوية؛ إضافة إلى أهلية المشاركين في الاستفتاء، الذي يتحدث عن الاتفاق، بعد خمس سنوات من الحكم الذاتي في الصحراء.

وأضاف أن كل هذه العناصر، لا تدعو إلى التفاؤل؛ وتدع احتمال معاودة سيناريو تيمور الشرقية مفتوحاً؛ متسائلاً عما إذا كانت الولايات المتحدة، وفرنسا، بكونهما راعيتَي الاتفاق، ستتورطان في الرمال المتحركة. لكنه أضاف أن حال التوتر، التي ستسود الصحراء، ستقود إلى التفكير في أن استقلال الصحراء أمر حتمي.

وهذه هي المرة الأولى، التي يتحدث فيها البصري، منذ أن أقاله الملك محمد السادس، في نوفمبر 1999، عن قضية الصحراء، التي تولى إدارتها، بيد من حديد، نحو ربع قرن. وعدَّ الوزير السابق الاتفاق ـ الإطار خدعة من الأمم المتحدة؛ للإسراع في حسم ملف، تستمر تداعياته، منذ أكثر من 25 عاماً. وأشار إلى أن إعلان الجزائر، وجبهة بوليساريو، رفضهما الاتفاق، خلال مفاوضات وايومينج، برعاية بيكر، هو مناورة، لكسب أفضل المواقع، في سبيل الحصول على استقلال الصحراء. ورأى أن إشارة مجلس الأمن إلى سيادة المغرب على الإقليم، مدة خمس سنوات؛ والضمانات الدولية لتعزيز تلك السيادة، هي وهمية؛ مبرراً ذلك بالصيغة، التي سوّت بها الأمم المتحدة، نزاعات مماثلة عبر العالم، آخرها تيمور الشرقية. وقال إن التعاطي الراهن للأمم المتحدة مع قضية الصحراء، ينافي ميثاق سان فرانسيسكو، الذي يقضي باحترام استقلال الدول الأعضاء ووحدتها؛ مذكراً بأن منح أقلية من السكان الموجودين على أرض أجنبية (تندوف جنوب شرقي الجزائر)، حكماً ذاتياً، يشير إلى ممارسات قديمة، سعت إلى فرض الحماية على الدول ذات السيادة، على أبواب النظام العالمي الجديد. وأعرب عن اعتقاده، أن منح الولايات المتحدة، وفرنسا، صلاحيات رعاية الاتفاق ـ الإطار، هو من تدخل القوى الكبرى في الشؤون الداخلية؛ ما دام ثلث تراب المغرب، سيخضع للرقابة الدولية. وتوقع أن تعمد بوليساريو، خلال الفترة الانتقالية، المحددة بخمس سنوات، إلى إحداث القلاقل في الصحراء؛ لحض المجتمع الدولي على تغيير خطة الحكم الذاتي، نحو الحصول على الاستقلال .

وكان المندوب المغربي، قد سئل، في وقت سابق، (يونيه 2001)، عن موقف الجزائر والجبهة. فأجاب بأن لا أحد يطلب منهما الموافقة على الاتفاق، وإنما البدء بالتفاوض في بديل سياسي من خطة التسوية. وقال: إننا لا ندعو إلى التخلي عن خطة التسوية، وإنما أن نضعها جانباً؛ ريثما نجرب، ونمتحن حلاً سياسياً؛ فإذا تعذر الحل، بعد أشهر، رجعنا إليها .

مع استمرار تدني الوضع في الصحراء الغربية، وتعثر الأمم المتحدة في إيجاد حل سياسي يوافق عليه أطراف المشكلة، وخاصة بعد وضوح عدم إمكان إجراء الاستفتاء، بدأ البحث عن حل سياسي، ولذلك عُرض مشروع الحكم الذاتي (الاتفاق/ الإطار) في 29 يونيه 2001، بهدف تشجيع الأطراف المتنازعة لبدء مرحلة من المفاوضات دون إعلان التخلي النهائي عن خيار الاستفتاء، ورغم أن الاتفاق حقق بعض المطالب المغربية وأهمها السيادة الإقليمية، كان هناك بعض الاعترضات، تمثل أهمها في الاعتراض على نتائج لجنة تحديد الهوية، كذلك عدم وضوح أبعاد العلاقات بين البرلمان المغربي والجمعية التشريعية في إقليم الصحراء، كذلك دور كل من السلطة المركزية في الرباط والسلطة المحلية في (إقليم الصحراء الغربية) إضافة إلى مشكلات إعادة انتشار القوات المغربية وآليات تدخلها ضد المحاولات الانفصالية، سواء من داخل الإقليم أو خارجه، وأسلوب استغلال ثروات الإقليم، كذلك عدم وضوح إجراءات الاستفتاء، والوضع بعد المرحلة الانتقالية (5 سنوات) وخاصة ما ينعكس على السيادة المغربية على إقليم الصحراء.

من الواضح أن الأسس التي يقوم عليها موقف المغرب من مشكلة الصحراء الغربية تتمثل في أن المشكلة تتعلق بأرض مغربية انتُزعت من الاستعمار بعد مواجهة طويلة، سواء قبل احتلالها أو بعد استرجاع المغرب لاستقلاله الوطني، وذلك عبر مراحل توجت بجلاء الاستعمار في 1976، لكن استرجاع المغرب لأقاليمه الصحراوية وُوجه باعتراض من الجزائر التي ترى أن استرجاع المغرب للصحراء الغربية يؤثر على التوازن الاستراتيجي في المنطقة. كما تفضل المغرب التسوية الثنائية، وخاصة بعد وضوح تنامي دور الولايات المتحدة الأمريكية بشأن مشكلة الصحراء، حيث إن الدور الأمريكي المحتمل سيفقد الأطراف المعنية حرية الحركة.

وبإعلان المغرب مؤخراً استعدادها للتفاوض مباشرة مع جبهة البوليساريو، فإن ذلك يعني الرغبة المغربية في معرفة مدى استقلال قرار الجبهة، وخاصة أن أبناء الإقليم الحقيقيين يدركون أن مصلحتهم في الحوار المباشر مع المغرب، وأن البوليساريو فصيل سياسي مكانه في التعددية المغربية، كما أن الديموقراطية المغربية تستوعب البوليساريو بوصفها حركة سياسية، خاصة أن المغرب قد اختار أن يكون تنظيمه الداخلي يقوم على أساس اللامركزية، كما يرى المغرب أن الاستفتاء بصيغته القديمة غير واقعي ووضح ذلك من خلال "جيمس بيكر" الذي وجد أن الحل الثالث الذي يقوم على أساس الحكم الذاتي في إطار سيادة مغربية هو الحل الأمثل.

ثالثاً: الموقف الجزائري

تعد الجزائر، هي الداعم الرئيسي لجبهة البوليساريو. وفي كثير من التصريحات، يرى المغاربة، أن خصمهم في النزاع، هو الجزائر؛ وما الجبهة إلاّ صنيعة من صنائعها؛ كما جاء في حديث العاهل المغربي إلى مجلة "تايم" الأمريكية، في يونيه 2000 . وقد استطاعت الجزائر، عام 1982، ضاغطة على المنظمة الإفريقية، أن تنتزع اعترافها بالجمهورية، وقبولها عضواً فيها؛ ما دفع المغرب إلى الانسحاب من المنظمة. ولم يستأنف نشاطه فيها، إلاّ إبان المؤتمر الأوروبي ـ الإفريقي، في القاهرة، بعيد انسحاب الجبهة منه.

مع بدء تحريك عملية الحل السياسي لمشكلة الصحراء الغربية من خلال مشروع (الاتفاق/ الإطار) في 29 يونيه 2001، رفضت الجزائر المشروع رفضاً قاطعاً مؤكدة احتواءه العديد من نقاط الضعف والاختلال، حيث يهضم جبهة البوليساريو حقوقها، وخاصة في عملية اختيار الهيئة التنفيذية، كما رأت أن المشروع يعزز عملية اندماج الإقليم في المغرب، ويرسخ الاحتلال غير المشروع للأراضي الصحراوية.

يتضح من خلال مذكرة الجزائر للأمين العام للأمم المتحدة للرد على مشروع (الاتفاق/ الإطار) وجود توزيع للأدوار بين الجزائر وجبهة البوليساريو، حيث ظهر أن الجزائر أصبحت طرفاً مباشراً في النزاع، ونائبة عن جبهة البوليساريو، ولقد فُسر لجوء الجزائر للرد على مشروع الأمم المتحدة على أنه جاء في إطار مواجهة الضغوط الخارجية التي أصبحت تواجهها الجزائر لقبول التسوية السياسية لمشكلة الصحراء الغربية، وإذا كانت الجزائر قد انتقدت بشدة نشر مذكرتها ضمن تقرير الأمين العام، واتهمت الأمانة العامة بالخروج عن الحياد والموضوعية، وعدم الاهتمام بمطالب جبهة البوليساريو واعتراضات الجزائر، ومن ثَم، فقدت صدقيتها، بينما عدت قرار مجلس الأمن متوازناً.

من الواضح أن الأسس التي يقوم عليها الموقف الجزائري بشأن مشكلة الصحراء الغربية هي أسس الشرعية الدولية التي أقرت إجراء استفتاء حر وديموقراطي لتحديد رغبة الصحراويين بين الانضمام إلى المغرب أو إعلان الصحراء الغربية دولة مستقلة، وستوافق الجزائر على أي حل يقبله طرفا المشكلة، ورغم أن زيارة الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة" لمخيمات الصحراويين أثناء احتفالات البوليساريو، تعبر عن مدى تأييد الجزائر لموقف البوليساريو، إلا أنها سارعت إلى الإعلان عن أن هذا الموقف بعيد عن العداء للمطامح المغربية، وخاصة بشأن سبتة ومليلة.

رابعاً: الموقف الموريتاني

تدرجت علاقات الرباط ونواكشوط، بين الوفاق والتوتر، في ضوء الموقف من قضية الصحراء. ففي السنوات الأولى لاندلاع النزاع، أبرم البلدان اتفاقاً عسكرياً، مكن القوات المغربية من الانتشار في الصحراء؛ لحماية الحدود، وصد هجمات مقاتلي بوليساريو.

لكن الانقلاب، الذي قاده الرئيس الموريتاني السابق، مصطفى ولد السالك، على الرئيس مختار ولد دادة، ألقى بظلاله على علاقات البلدين. وزاد في تصعيد التوتر، أن الرئيس ولد هايدلا، الذي أطاح نظام ولد السالك، اعترف بالجمهورية الصحراوية. لكن علاقات البلدين تحسنت، منذ مجيء الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الذي انضم إلى جهود وفاقية، سادت المنطقة، وأدت إلى تأسيس الاتحاد المغاربي، عام 1989، في قمة مراكش، على خلفية وفاق مغربي ـ جزائري، طبع حكم الرئيس الجزائري السابق، الشاذلي بن جديد؛ والملك الراحل، الحسن الثاني.

ومن أسباب التوتر اشتراك الجزائر، وتونس، وموريتانيا، في اجتماع طارئ للاتحاد المغاربي، من دون التشاور مع الحكومة المغربية، فاحتج عليه المغرب.

كذلك كان من آثار ذلك التوتر، قلق السلطات الموريتانية من الوضع، الذي وصلت إليه مشكلة الصحراء؛ لأنها تخشى من تزايد أعداد اللاجئين، الفارين من الصحراء، إلى المناطق الشمالية منها، وهذا ما يهدد بتغيير التركيبة العرقية للسلالات فيها، بسبب حدوث زواجات، بين الموريتانيين وسكان الصحراء. والجزائر نفسها، تعاني استمرار مشكلة الصحراء الغربية من دون حل، لأنها تضار من عملية تجارة الأسلحة وتهريبها، بين اللاجئين، في المخيمات الموجودة في موريتانيا؛ وهو ما تستفيد منه عناصر جبهة الإنقاذ الإسلامية المسلحة، في الجزائر، في الإخلال بالأمن والاستقرار، منذ عام 1992.

وكانت موريتانيا قد عُدَّت عضواً مراقباً في خطة الاستفتاء، في الصحراء، التي أقرتها الأمم المتحدة، عام 1991. لكنها تحولت، في اقتراحات الحل السياسي، الذي يرعاه الوسيط الدولي، جيمس بيكر، شريكاً، إلى جانب الجزائر؛ كونها تؤوي آلاف الصحراويين، المنتشرين في المحافظات الشمالية.

وبدا أن نواكشوط، اختارت دعم صيغة الحل الثالث، بعد مشاركتها في مفاوضات متعددة، في لندن وبرلين، ثم وايومينج، أخيراً. إذ أعلن وفدها إلى المفاوضات دعم جهود الوسيط بيكر، في مقابل تردد الجزائر وجبهة بوليساريو في ذلك؛ وإن تردد أن الأطراف الأربعة، سيلتقون، في جولة مقبلة من المفاوضات، قبل نهاية ولاية مينورسو، في نهاية نوفمبر المقبل.

وأوردت وسائل الإعلام، أن العاهل المغربي، الملك محمد السادس، بدأ، في 10 سبتمبر 2001، زيارة إلى دولة موريتانيا، هي الأولى في نوعها، في تاريخ علاقات البلدين، منذ عام 1969، تاريخ اعتراف الرباط بالجمهورية الموريتانية.

ورجحت مصادر دبلوماسية، في الرباط، أن يستعرض الملك محمد السادس مع الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطايع، الأوضاع في منطقة الشمال الإفريقي، وتطورات قضية الصحراء، وآفاق البناء المغاربي المتعثر، والقضايا الإفريقية، والاتحاد الإفريقي، الذي لم ينضم المغرب إلى عضويته، بسبب انضمام الجمهورية الصحراوية؛ إضافة إلى ملفات، إقليمية ودولية، ذات علاقة بالشرق الأوسط، والحوار الإفريقي ـ الأوروبي.

وقال السيد حسن أوريد، الناطق باسم القصر الملكي، إن البلدين يحدوهما التوجه نفسه، في ما يخص بناء الاتحاد المغاربي، لرفع كل التحديات، التي تواجه المنطقة؛ ما يعني التركيز في ملف الصحراء، والخلافات بين المغرب والجزائر.

مع عرض مشروع (الاتفاق/ الإطار) بواسطة الأمم المتحدة في 29 يونيه 2001، أعلنت جبهة البوليساريو رفضها للمشروع، حيث أعلنت تمسكها بخطة الاستفتاء لسكان الصحراء الغربية، وخاصة أن الجبهة رأت في مشروع التسوية نهاية سياسية حتمية لها، حيث كشف المشروع عن عجز بنيوي لديها يحول دون تمكنها من الدخول إلى إقليم الصحراء والتكيف مع الأوضاع والتطورات الجديدة.

تتعدد الأسس التي يقوم عليها الموقف الموريتاني من قضية الصحراء، فمنها ما هو تاريخي، ومنها ما هو سياسي، فبالنسبة للإقليم الذي يُطلق عليه البيضان ويمتد من الساقية الحمراء شمالاً، إلى أندر جنوباً، وأزاواد شرقاً، تحكمه ثقافة ولغة ومشاعر واحدة، ونمط الحياة في هذه المنطقة واحد، واللهجة الحسانية هي لهجة الجميع، وأن الذين يعبرون عن المشاعر بنفس الوسيلة الفنية (الموسيقى البيظانية)، كذلك ظل الإقليم جزءاً من موريتانيا، ولم يُفصل بينهما إلا عام 1900 حين تقاسمت فرنسا وإسبانيا المنطقة، فكان إقليم الصحراء تحت السيطرة الإسبانية، بينما كانت موريتانيا تحت الاحتلال الفرنسي.

بدأ النزاع الموريتاني المغربي على الصحراء الغربية في فترة لاحقة وعندما عرضت المشكلة على محكمة العدل الدولية خلصت المحكمة إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره، ومن خلال ما بذلته الدبلوماسية من جهود اتفقت المغرب وموريتانيا على تقسيم الصحراء بينهما، وأدى ذلك إلى دخول الجزائر طرفاً مباشراً في الصراع، وإذا كانت موريتانيا قد دخلت في حرب للدفاع عن حقها في إقليم الصحراء، إلا أن الموقف الموريتاني كان، وما زال، مع تقرير المصير، وجبهة البوليساريو ترفض الحكم الذاتي، ومن ثم ربما يكون التقسيم هو الحل، ولكن السؤال المشكل هو ما هي الأطراف التي ستقتسم إقليم الصحراء؟ فالمغرب لن يقبل التقسيم مع الجزائر أو مع جبهة البوليساريو، ولذلك يتوقف حل المشكلة من وجهة نظر موريتانيا على توافر شرطين، هما:

1. توصل القطبين الرئيسين في الصراع إلى قناعة تجعلهما يعطيان الأسبقية لمصالح شعوبهما وشعوب المنطقة.

2. أخذ الدول الكبرى القضية بأسلوب جدي وفرضها حلاً عادلاً على الجميع.

خامساً: ردود الفعل السلبية

وتعدى الأمر ذلك، إلى الاتحاد المغاربي، الذي تكون سنة 1989، من الدول المغاربية الخمس (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، وموريتانيا)؛ إذ انعكس هذا الموقف المتأزم على المغرب والجزائر، بسبب مشكلة الصحراء الغربية؛ وعلى الاتحاد المغاربي، فأوقف مسيرته، بعد أن طلب المغرب، رسمياً، في ديسمبر 1995، من الجزائر، بوصفها رئيس الدورة للاتحاد، آنذاك، وقف مؤسسات الاتحاد في الوقت الراهن، وذلك، رداً على الموقف، الذي اتخذته الجزائر، في شأن الإسراع في مسلسل تحديد الهوية للصحراويين، المؤهلين للإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء، المزمع إجراؤه في الصحراء الغربية. فقد رأت الحكومة المغربية، أن الحكومة الجزائرية، خرجت عن حيادها في مشكلة الصحراء؛ بينما المفترض أن المشكلة، لا تخص إلا المغرب والبوليساريو، وما على الأطراف الأخرى، خاصة دول المغرب العربي، إلاّ التزام جانب الحياد، وألاّ تنحاز إلى أي طرف من طرفَي المشكلة. والخطوة الجزائرية، التي استفزت الحكومة المغربية، هي الرسالة، التي بعثت بها الجزائر، في 6 ديسمبر 1995، إلى مجلس الأمن، تعترض فيها على أمور، تتعلق بعملية تحديد الهوية في الصحراء الغربية، ولهذا أصبحت الجزائر، في نظر المغرب، غير محايدة، بل هي منحازة إلى البوليساريو؛ فضلاً عمّا انتاب العلاقات الجزائرية ـ المغربية، من فتور وتوتر.

وتحاول الجزائر دعم الجبهة، في مختلف الأوساط. من ذلك تشكيل لجنة التضامن مع الشعب الصحراوي، التي سعى إليها برلمانيون، وممثلون لعدة منظمات جزائرية، منها: المرصد الجزائري لحقوق الإنسان، وجمعية التضامن مع المرأة الريفية، واتحاد العمال، واتحاد الطلاب، وجمعية متقاعدي الجيش الجزائري .

وانتقد المغاربة، في الحكومة والمعارضة، هذه الخطوة، ورأوا فيها تعبيراً عن رد فعل، إزاء الانتكاسة، التي تواجهها جبهة البوليساريو، في الآونة الأخيرة. كما رأوا فيها رسالة سلبية، موجهة إلى جيمس بيكر ومساعيه لحل معضلات الاستفتاء. وقال أحد أقطاب المعارضة في المغرب: "إن محاولات هيئات جزائرية للتعبئة، ليست جديرة بالاكتراث، من جانبنا، في المغرب؛ لأننا واثقون من مغربية الصحراء، وحقيقة موقف الشعب الجزائري؛ وستظل الصحراء مغربية". وأضاف: "إن تشكيل لجنة للتضامن مع البوليساريو، هو امتداد للموقف الجزائري الرسمي، المعاكس لوحدة التراب المغربي؛ ويوضح الطابع المفتعل لمشكل الصحراء". وإن الأوساط الرسمية، تسعى إلى إيهام الرأي العام الخارجي، بأن الموقف الرسمي الجزائري مسنود شعبياً؛ لكنها محاولة مكشوفة، ولا تجسد موقفاً شعبياً؛ بل هي مؤشر إلى اتجاه الدوائر الرسمية، إلى تصعيد حملاتها على وحدة التراب المغربي .

وكانت الجزائر تنظر، بتوجس، إلى تحركات بيكر. وفي 5 سبتمبر 2000، نشر أن الرئيس الجزائري، أوقف تعامل بلاده مع جيمس بيكر؛ إذ قال: "إن جيمس بيكر، كان يقوم بمجهود، عبر الأمم المتحدة. أنا أراه يأتي بأفكار، قد تمر مرور الكرام على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، الذي يقر أن تقرير المصير، هو مبدأ مقدس. وبالتالي، أنا لا أتعامل مع من لا يتعامل مع الميثاق الدولي".

ويرى الرئيس الجزائري، أن بلاده تدافع عن مبدأ تقرير المصير، منذ 1962، في جميع أقطار العالم، في بليز وبروناي، وتيمور الشرقية؛ وتدافع عنه في الصحراء الغربية. وإعلان الرئيس أنه لن يتعامل مع من لا يتعامل مع الميثاق الدولي، تعبير واضح عن رفض دعوة كوفي أنان إلى التفاوض، بين المغرب والجبهة؛ وتعبير عن رفض الجزائر لمجهود جيمس بيكر . ويعتقد بعض المحللين السياسيين، أن الرئيس الجزائري، في وسعه أن يسهم، بفاعلية، في حل المشكل؛ فيقول أحدهم: "أعتقد أن الرئيس بوتفليقة، يستطيع أن يلعب دوراً في هذه المشكلة. فلا يكفي أن يجلس رجل، بهمة واقتدار الرئيس بوتفليقة في الجزائر، ويطلق التصريحات في شأن هذه القضية؛ وهو رجل مبادرة، أثبت قدرته على إدارة الجزائر، عبر اتخاذ القرارات الجريئة، وليس عبر الانتظار. وأفضل ما يفعله، أن يركب طائرته، ويتوجه إلى المغرب، ويطرح القضية المعقدة مع العاهل المغربي؛ ويبحث الطرفان، بشكل جاد، كل قضايا الخلاف". وفي رأي المحلل، أن خطوة كهذه، من شأنها أن تخلق أجواء جديدة، وتشكل خروجاً من التأجيلات والوساطات .

ودأبت الجزائر، منذ أيام هواري بومدين، على نفي أي مصلحة لها في قضية الصحراء، إلاّ فيما يتصل بالاستقرار في المنطقة ؛ مؤكدة تأييدها لمخطط التسوية؛ رافضة أي حل سواه؛ محاولة استقطاب التأييد الدولي له. وقد أرسل الرئيس الجزائري، بوتفليقة، مبعوثين إلى دول أمريكا اللاتينية، وإفريقيا، حاملين رسائل، تدعو هذه الدول إلى رفض أي بديل من الاستفتاء .

وكرر وزير خارجيتها هذا الموقف، في تصريح صحافي، نشر في 9 فبراير 2001، مؤكداً أن القضية، تتعدى الطرف الجزائري، وأنها باتت في أضابير الأمم المتحدة، التي أقرت حق تقرير المصير؛ وأن القضية، ليست عائقاً أمام بناء المغرب العربي؛ إذ هي قضية بتتها المجموعة الدولية. وأعلن تمسك الجزائر بمخطط التسوية؛ ولذا، قابلت مقترحات الأمين العام، بحذر. ونقلت "الشرق الأوسط"، من رسالة الرئيس الجزائري إلى الأمين العام، أن بلاده تعتقد، أن هناك ضعفاً واختلالاً في الاقتراحات؛ وأن الحل المقترح، لا يستجيب تماماً الأهداف المنشودة، ولا يتفق مع إطار التسوية، الذي اعتمده مجلس الأمن. كما لا يمكن الضرب صفحاً عن جميع جوانب التقدم، المحرز في السنوات الأخيرة. ومن ثم، فالجزائر ترفض، من طريق الإشادة بالخطوات السابقة، الاقتراحات الجديدة، رفضاً غير مباشر .

ولكن وسائل الإعلام أوردت فقرات من رسالة، من الحكومة الجزائرية إلى رئيس مجلس الأمن، تحمل فيها، بعنف، على الأمانة العامة، متهمة إياها، بالخروج عن التزام الموضوعية، وعدم الانحياز. وأنها تعمدت أن تبين، أن خطة التسوية غير قابلة للتطبيق. كما رفضت، باستهتار غير مقبول، ومن دون أن يكون لها، بالطبع، أي حق أو صلاحية، الاقتراحات البناءة، التي تَقَدَّم بها أحد طرفي النزاع (البوليساريو)، إلى المبعوث الشخصي للأمين العام؛ وأنها ضربت عرض الحائط بمقترحات الجزائر.

وجاء في الرسالة، أنها ترفض استبعاد خطة التسوية، مع دعمها جهود بيكر، شريطة أن تندمج في إطار البحث عن حلول حقيقية، تقوم على العدل والإنصاف. كما أنها ترفض اعتبار مشروع الحكم الذاتي، هو الطريقة الوحيدة للوصول إلى تسوية النزاع .

وترى جهات عدة، أن الجزائر طرف مباشر في القضية؛ على الرغم من نفيها ذلك. فالأمين العام، في تقريره الأخير، يونيه 2001، ناشد الجزائر الدخول في المحادثات طرفاً معنياً بالقضية، والمشاركة في المفاوضات، برعاية بيكر؛ مع إمكان تقديم ما تراه من تغييرات، في وثيقة الحل السياسي .

وترى ليبيا هذا الرأي. فجاء على لسان علي التريكي، أمين اللجنة الشعبية العامة للوحدة الإفريقية (وزير): "إن قضية الصحراء مشكلة مغربية ـ جزائرية"؛ وإنها أهم عائق، يقف في وجه تطوير اتحاد المغرب العربي. وقال إن على الإخوة، في المغرب والجزائر، أن يدركوا، أن بناء المغرب العربي، هو أهم من الخلافات الثنائية .

ويدور مثل هذا اللغط، في الأوساط الجزائرية نفسها. ففي مجلس النواب الجزائري، أعد أحد النواب سؤالاً لوزير الخارجية، عن حقيقة دور البلاد في قضية الصحراء. وكان رأي هذا النائب: "أن القضية أصبحت في عهدة الأمم المتحدة. ولكن المغرب، الذي ظل يماطل في إجراء الاستفتاء، يتهم الجزائر بالضلوع في القضية الصحراوية، وإيواء المسلحين الصحراويين، على أراضيها. إنهم لاجئون، هربوا من القمع المغربي. لذا، وجب توضيح الموقف الجزائري؛ ليطمئن الأشقاء في المغرب، ولا سيما بعد تصريح العاهل المغربي، في واشنطن، العام الماضي، حول دور الجزائر".

ويرى النائب، أن تخلي حكومة الجزائر عن القضية، يعد خيانة للشعب الجزائري، الذي التزم الدفاع، عن القضايا العادلة في العالم. وأعلن، في البرلمان، أن وزير الخارجية سيؤجل الرد على هذا السؤال؛ لمشاغل طارئة .

ومن جهة ثانية، أبرزت الأنباء تقارباً بين المغرب والجزائر، وكثافة في الاتصال بينهما. وتجلّى ذلك في زيارة وزير خارجية المغرب إلى الجزائر، في رفقة مدير الديوان الملكي؛ وتوقع انعقاد قمة جزائرية ـ مغربية . كما شهد التعاون دفعة قوية، عبر تزويد المغرب مؤسسات جزائرية، شرق البلاد، بطاقة كهربائية، إثر تعرضها لعطل تقني. وكان البلدان قد أقرا، في وقت سابق، معاودة فتح الحدود، المغلقة منذ 1994؛ لكن تنفيذ ذلك، لم يبدأ، بسبب الخوف من الانفلات الأمني .

ولعل من شأن هذا التقارب، أن يوفق بين وجهات النظر المتباينة؛ ما يؤدي إلى الاتفاق على حل وشيك، ينهي هذه القضية، التي طال أمدها.

ولعل هذا التقارب، مع أسباب أخرى، أنتج فتوراً سياسياً ودبلوماسياً، بين الجزائر والجبهة. ولاحظ المحللون، أن حكومة الرئيس بوتفليقة، لم تبد اهتماماً كبيراً بالتطورات الأخيرة للقضية. وآخر مظاهر هذا الفتور، عدم تحرك السفير الجزائري، لدى الأمم المتحدة، لشرح الموقف الجزائري، عشية مناقشة موضوع الصحراء، في مايو 2000؛ وذلك بسبب عدم تلقيه أوامر من حكومته، بالتحرك في هذا الشأن؛ وكان من عادته، أن يعقد اجتماعات تشاورية مع السفراء، الأعضاء في مجلس الأمن.

ويرى المحللون، أن الموقف الجزائري، بدأ يتغير، ببطء، تجاه القضية؛ وهذا التغير ذو صلة بزيارة الرئيس بوتفليقة إلى فرنسا، في الشهر نفسه. ومن دلائل هذا التغير، أن الحكومة، لم تطمئن الصحراويين، كما كان يحدث دائماً؛ ما أثار مخاوف المتعاطفين مع الجبهة، في الجزائر، من أن تكون حكومتهم، قد تخلت، فعلياً، عن قضية الصحراء .

ويذكر، من أسباب تغير الموقف الجزائري، كذلك، تبدد الخوف الجزائري من الأطماع المغربية في أقاليم جزائرية؛ إذ كان المغرب يطالب، في أوائل الستينيات، بمنطقة تندوف، الغنية بثرواتها المعدنية. وعلى الرغم من أنه تخلّى عنها للجزائر، بموجب اتفاقية، عارضتها الأحزاب المغربية، آنذاك؛ إلاّ أن الجزائريين، ظلوا يعتقدون إمكان استعادة المغرب لتندوف؛ إذا ما نجح في استعادة الصحراء . فجاء تأييد الجزائر للجبهة من منطلق جيو ـ إستراتيجي؛ فضلاً عن أن الجزائر، ترغب في منفذ لها إلى المحيط الأطلسي، عبر دويلة صغيرة.

ويسود الأوساط الجزائرية اقتناع كبير، بأن فصل الصحراء عن المغرب، لن يكون مجدياً للجزائر، الآن؛ لأسباب عدة، أبرزها تأثير ذلك في استقرار العرش الملكي المغربي؛ ما يؤثر، سلباً، في أمن الجزائر واستقرارها. ورأت هذه الأوساط، أن منطق استحداث الدول، قد تخلت عنه الدبلوماسية الحديثة. وقدمت مثلاً على ذلك فشل المحاولات، في كردستان، لإقامة دولة للأكراد.

ومن دواعي تغير الموقف الجزائري، كذلك، زوال الظروف، التي أفرزت المواجهة بين المغرب والجزائر؛ تلك الظروف المتمثلة في الحرب الباردة، بين المعسكرين، الشرقي والغربي. وقد أصبح البلدان عضوين، في المنتدى السياسي للحلف الأطلسي؛ ما يعني ترابط المصالح الجيوـ سياسية للبلدين. وبدا الرئيس الجزائري مقتنعاً، بأن القضية، تعطل مسار الاندماج المغربي؛ ما يدفع به إلى السعي إلى تعجيل حلها. ويذكر مقربون من الرئيس الجزائري، أنه كان يعارض دخول الجزائر طرفاً في هذه القضية، منذ كان وزيراً لخارجيتها، في الفترة من 1965 إلى 1979 .

ويشهد الشهر الحالي، يوليه 2001، تحركات جزائرية صوب واشنطن، للمساهمة، بفاعلية، في حل القضية، مع قضايا أخرى؛ ولا سيما بعد إعلان الإدارة الأمريكية، أنها تؤيد مقترحات بيكر. فقد قام الرئيس الجزائري، بزيارة عمل إلى واشنطن، حيث التقى الرئيس الأمريكي، في 12 يوليه 2001. وقال مصدر رفيع في الإدارة الأمريكية، للصحفيين، إن زيارة الرئيس الجزائري، تأتي في سياق توجه الإدارة الأمريكية إلى التواصل مع قادة المنطقة. وقال إن للجزائر تاريخاً مفيداً، في المساهمة في حل النزاعات في المنطقة؛ مشيراً إلى تعاونها مع الولايات المتحدة، في الأزمة بين اريتريا وإثيوبيا؛ وإن الجزائر، والولايات المتحدة، ومعظم اللاعبين في موضوع الصحراء الغربية، يسعون إلى الخروج من الجمود الحالي، وإيجاد وسائل لحل الأزمة، وعدم العودة إلى العنف؛ وقد يكون ذلك من خلال مفاوضات مباشرة، بين الطرفين؛ للتوصل إلى اتفاق، يمكن تطبيقه .

وسئل الرئيس الجزائري، في مقابلة صحفية، عما جرى بحثه، فيما يخص قضية الصحراء، وما طرحه الجانب الأمريكي، فكان رده: "نحن موقفنا مبدئي. ويعرفه الأمريكان. ويعرفه الغير من أشقائنا العرب، في الدرجة الأولى، وأشقائنا في القارة الإفريقية. فنحن لا ناقة لنا، ولا جمل، في هذا الموضوع؛ ولكن نحن ندافع عن مبدأ. بعد سنوات حرب التحرير مع الاستعمار الفرنسي، قبلنا مبدأ تقرير المصير، واستفتاء الشعب الجزائري في ما يريده من اندماج أو استقلال. فهذه ثقافتنا، ولن نحيد عنها". ويمضي الرئيس قائلاً: "يبقى أن مجلس الأمن، يقول: إما أن يكون المرجع مرجع هيوستن. أما إذا توفق جيمس بيكر إلى حل، يقبله الطرفان، فنحن لا حيلة لنا، إلاّ أن نبارك، وندعو، بكل جوارحنا، وبكل وجداننا، إلى الالتئام. لكن، أخيراً، كانت هناك اقتراحات لبيكر، ونحن فنّدنا، نقطة نقطة، ما جاء في اقتراحه؛ لأنه ابتعد عن مبدأ تقرير المصير، مثلما حدد في هيوستن" . وكرر الرئيس الجزائري، أنه لا يريد حلاً، يرضي طرفاً، على حساب الطرف الآخر؛ وأنه لا يحب الحلول غير المرضية، التي تبقى كالجرح، الذي من شأنه أن يتطور إلى جرح أكبر.

وأعلن الرئيس، في مأدبة عشاء، أقيمت تكريماً له، أن حكومته، تلقت دعوة للمشاركة في لقاء، يعقد، قريباً، في مدينة هيوستن الأمريكية؛ للبحث عن حل تفاوضي، بين أطراف النزاع. وقال إن مشروع الاتفاق ـ الإطار، الذي طرحه جيمس بيكر، يكرس ضم المغرب الصحراء؛ ويبدو أنه مستوحى من اقتراحات الجانب المغربي .

وبين التصريحات الجزائرية، الدالة على ثبات الموقف الجزائري، وآراء المحللين والمراقبين، الراصدة للتغير البطيء في هذا الموقف، تبقى الاجتماعات المقبلة، وما يستجد من تطورات، كفيلة بتبيان هذا الموقف أكثر وأكثر.

ولكن عبَّرت الجزائر، مجدداً، عن اعتراضات على الخطة الدولية؛ لكنها وعدت بأن تقدم مزيداً من التوضيحات. ويشير بعض المراقبين إلى أن تمثّل الجزائر في وزير العدل، أحمد أبو يحيى، يعزّز التيار المتشدد، الذي يعارض الحل السياسي لقضية الصحراء .

ويؤكد هذا التشدد في الموقف الجزائري، إشارة الرئيس الجزائري إلى حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره؛ وذلك في خطابه، الذي ألقاه أمام عدد من رؤساء الدول، المشاركين في مؤتمر دوربن لمكافحة العنصرية؛ إذ قال، في معرض حديثه عن مكافحة الاستعمار: ".. هذا الظلم الجائر، يقع على شعوب بكمالها، حرمت حق إقامة دولة مستقلة، كالشعب الفلسطيني؛ وحق تقرير المصير، كشعب الصحراء".

هذه الإشارة، أثارت دهشة الوفود العربية المشاركة في المؤتمر؛ لأن قضية الصحراء قضية جهوية، لا شأن لها بالعنصرية؛ فضلاً عن أنها، الآن، في يد الأمم المتحدة .

وجاء رد الفعل المغربي على لسان وزير الخارجية، حين وصف إشارة الرئيس الجزائري، بأنها في غير محلها، وغير ملائمة؛ ذلك أن المؤتمر في دوربن، ينعقد لبحث العنصرية، والتمييز العنصري، وكراهية الأجانب؛ وليس النزاعات السياسية، من قبيل قضية الصحراء، التي تحاول الأمم المتحدة إيجاد تسوية لها، بإشراك كل الأطراف المعنية، بما فيها الجزائر.