إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مشكلة الصحراء الغربية (البوليساريو)





أماكن الاستعمار الفرنسي والإسباني
الحدود المغربية "المغرب الكبير"
الحرب الجزائرية ـ المغربية

ولايات المغرب العربي
الأهمية الاقتصادية للصحراء الغربية
المدن ومراكز التوطن الرئيسية
التقسيم الإداري والجغرافي
الدولة البربرية بشمال أفريقيا
الحدود التقريبية للمغرب العربي
الفتوحات الإسلامية من 22 – 64 هـ
الفتوحات الإسلامية من 69 – 92 هـ
توزيع المجموعات القبلية
تقسيم الصحراء الغربية
حدود موريتانيا والصحراء الغربية



الأكــــراد

المبحث التاسع

العلاقات المغربية الجزائرية ومستقبل الصحراء الغربية

أولاً: العلاقات المغربية الجزائرية وتداعيات الخلاف حول الصحراء الغربية

من الواضح أن العلاقات المغربية الجزائرية وتطورها كان لها انعكاساتها المختلفة سواء على مشكلة الصحراء الغربية أو على مستوى العلاقات بين دول المغرب العربي كلها، حيث أثر ذلك على عملية الاندماج المغربي المتوقف منذ فترة طويلة، وكذلك كان لها تداعيات على التفاعل مع السياسات الأوروبية والأمريكية الموجهة للمنطقة، وعلى الرغم من فترات التعاون والهدوء النسبي التي شهدتها العلاقات بين البلدين إلا أن السمة الغلبة لها منذ استقلال الجزائر عام 1962 هي التوتر والصراع، بما يوضح مدى تفاقم المشكلات القائمة بينهما، حيث شهدت بداية الستينيات ما عُرف بحرب الرمال التي نشبت بسبب مشكلة حدودية.

يتوقف الوضع العام للعلاقات المغربية ـ الجزائرية بصفة عامة، والتناقض الحاد بين البلدين بشأن قضية الصحراء الغربية بصفة خاصة، على عدة عوامل تاريخية وجغرافية وأيديولوجية ودولية، ولقد تشكلت تلك العوامل خلال الأربعة عقود الماضية دون إغفال رواسب الماضي، ويتضح ذلك من خلال الآتي:

1. من الواضح وجود اختلاف في التطور التاريخي للبلدين، فالمغرب ذو رصيد تاريخي في الاستقلال السياسي والهوية الواحدة، وذلك لأنه مصدر السلطات والإمبراطوريات ونقطة تجمع للتاريخ الإسلامي العربي في شمال القارة الأفريقية، بينما الجزائر بوصفها وحدة سياسية تسعى لإيجاد هوية قومية بدونها تنتهي الثورة الجزائرية إلى مأزق كبير.

2. يوجد تمايز واضح لكلا النظامين السياسيين للدولتين، نظام ملكي في المغرب وآخر جمهوري في الجزائر، ولقد أدى ذلك التمايز من تنامي المخاوف المغربية من محاولات الهيمنة الجزائرية، ولقد وضح ذلك من خلال المشاحنات الإعلامية الأيديولوجية وخاصة بعد عام 1963، فلقد رأت المغرب أن طبيعة النظام الملكي هي التي تقلق الجزائر، بينما رأت الجزائر أن طبيعة نظامها الاشتراكي هي التي تقلق المغرب.

3. الخلاف الحدودي بين المغرب والجزائر أحد عوامل توتر العلاقات بين البلدين، فالجزائر تتمسك بحدودها كما تركها الاستعمار الفرنسي، بينما المغرب يطالب بحدوده كما كانت قبل الاستعمار، والتي تمثل معاهدة لاله مغنية والتي وُقعت في 18 مارس 1845 إطاراً مرجعياً لها، وهي المعاهدة التي وقعها المغرب مع فرنسا بعد هزيمة معركة إيسلي في 14 أغسطس 1844 بسبب دعم المغرب لثورة الأمير عبدالقادر الجزائري، ورغم تحديد تلك المعاهدة للحدود بين الجزائر والمغرب إلا أن وضع منطقة الصحراء الشرقية في الجنوب (منطقة تيندوف) كان غامضاً. ولقد تعاقبت على هذه الاتفاقية اتفاقيات أخرى (1901-1902) كانت كلها تنتقص من الأراضي المغربية، ولذلك منذ حصول المغرب على استقلاله ومشكلة الحدود مع الجزائر استمرت مطروحة، ما أدى إلى مواجهات في أكتوبر 1963 (حرب الرمال).

ورغم احتواء الصراع بعد تدخلات عربية وأفريقية، إلا أن مشكلة الصحراء الشرقية استمرت عالقة خاصة بعد اكتشاف الحديد بها، حيث تجدد الصراع المسلح عام 1967 ما أدى لطرح المشكلة على الأمم المتحدة، وهو ما فرض على الطرفين الدخول في مفاوضات للاستغلال المشترك لمناجم الحديد، في مقابل اعتراف المغرب بحق الجزائر في منطقة تيندوف، ودعم الجزائر للحق المغربي في الصحراء الغربية، وعلى هذا الأساس وقعت معاهدة حول الحدود المغربية الجزائرية في 15 يونيه 1927، ولكن مع ظهور اقتراب المغرب من حسم النزاع حول الصحراء بينه وبين إسبانيا، إضافة إلى ظهور جبهة البوليساريو، تحول الموقف الجزائري لصالح أطروحة تقرير المصير لشعب الصحراء وقيام دولة صحراوية، وهو الموقف الذي أيده الجزائر بوضوح بدءاً من عام 1975.

4. ترتكز سياسات القوى الدولية تجاه المنطقة المغاربية على التحكم في العلاقات بين المغرب والجزائر والموازنة بينهما سواء أثناء مرحلة الحرب الباردة أو ما بعدها، وذلك في إطار رؤية القوى الأجنبية للأهمية الاستراتيجية للمنطقة، حيث ترى الجزائر أحد مراكز إنتاج النفط، بينما يشكل المغرب موقعاً إستراتيجياً هاماً، فضلاً عن كون المنطقة سوقاً للسلاح، وعزز من تلك العوامل الماضي الاستعماري لفرنسا، واعتبارها للمنطقة مجال نفوذ حيوي لها، وفي ذات الوقت حافظ الجزائر على علاقته الإستراتيجية مع روسيا، رغم انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه، حيث استمرت روسيا في اعتماد الطرح الجزائري بشأن مشكلة الصحراء (حق تقرير المصير) داخل مجلس الأمن، وفي المقابل فإن الولايات المتحدة الأمريكية تراعي المطالب المغربية، ولقد أفضت تطورات المشكلة إلى تنامي الدعم الأجنبي عسكرياً واقتصادياً لأطراف المشكلة، وهو ما أدى إلى جعل مشكلة الصحراء الغربية عنصر استنزاف للإمكانات الذاتية من جانب، وعاملاً لتعميق الارتهان والتبعية من جانب آخر، وهو ما أعطى مبرراً للتدخل الأجنبي، كما جعل التعامل الدولي يخضع لسياسة "اللاحسم" لفوائدها الأمنية والإستراتيجية، وخاصة أنها في صالح خيار التجزئة والتبعية لدول العالم الإسلامي.

بعد أن شهدت العلاقات بين المغرب والجزائر، منذ فترة ليست بالقصيرة، توتراً حاداً تطلب وساطة عربية بين البلدين أوائل نوفمبر 2004، اتخذت الخلافات منحنى أكثر خطورة عقب تخلي الوسيط الدولي في نزاع الصحراء "جيمس بيكر" عن مهمته منذ صيف يونيه 2004، ودخول مشكلة الصحراء الغربية مرحلة مصيرية حرجة، وخاصة مع تزايد الجهود السياسية لأطراف المشكلة لحشد التأييد الدولي لدعم مواقفهم حيال نزاع الصحراء، بينما تركزت الجهود الجزائرية لدعم الاعتراف بالجمهورية الصحراوية، ولذلك رد المغرب على الموقف الجزائري من خلال مذكرة إلى الأمم المتحدة اتهم فيها الجزائر بالتورط مباشرة في مشكلة الصحراء الغربية، ودعمها المادي والمعنوي المستمر لجبهة البوليساريو.

ولقد أدت فكرة تقسيم إقليم الصحراء الغربية التي تقدمت بها الجزائر إلى تزايد حدة الخلافات بين البلدين (الجزائر ـ المغرب) حيث اتهم المغرب الجزائر بأن لها أطماعاً في الصحراء، ولقد رد الجزائر على الموقف المغربي بزيارة الرئيس "بوتفليقة" لإقليم تندوف، مع زيارتين قام بهما الملك "محمد السادس" إلى المحافظات الصحراوية، وفي إطار هذا التوتر عمد "جيمس بيكر" إلى إضافة صيغة الاستفتاء والحكم الذاتي لمقترحاته التي قدمها للأمين العام للأمم المتحدة عام 2003، ورغم قبول هذه المقترحات من الجزائر وجبهة البوليساريو، أبدى المغرب العديد من التحفظات عليها، ولقد كانت حدة الخلافات بين أطراف النزاع أحد العوامل الأساسية في عدم الوصول لحل مناسب يوافق عليه جميع الأطراف، ما دفع "بيكر" إلى الاستقالة منذ صيف 2004 بعدما وصلت مساعيه إلى طريق مسدود.

تركزت الجهود الدبلوماسية المغربية بالانفتاح على الجزائر، حيث أعلنت إلغاء فرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين من طرف واحد في يوليه 2004، إلا أنها في ذات الوقت أكدت أن لا بديل للحل السياسي لمشكلة الصحراء الغربية في إطار حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية، أما الجزائر فلقد أبدى شكوكاً حول أسباب منح المغرب صفة الحليف من خارج دول حلف شمال الأطلسي، وتزامن ذلك على المناورات العسكرية الضخمة التي تمت بالمشاركة بين قوات الحلف والقوات المغربية قبالة المحافظات الصحراوية، ولقد زاد الموقف توتراً بعد أن وجه الجزائر في أكتوبر 2004 مذكرة إلى الأمين العام للأمم المتحدة تصف المغرب فيها بأنه بلد محتل، ولذلك لا يجب أن تكون وصية على سكان الصحراء في تقرير مصيرهم.

كذلك أدى اعتراف جنوب أفريقيا التي ترتبط بعلاقات وثيقة مع الجزائر بالجمهورية الصحراوية في سبتمبر 2004 إلى تصعيد التوتر بين المغرب والجزائر، حيث رأت المغرب أن ذلك الاعتراف يؤثر على جهود الوفاق والتقارب بين البلدين، ولقد أدى موقف الجزائر الرافض لفتح الحدود مع المغرب، وإرجاء تنفيذ التوجهات التي كان قد أقرتها الدولتان، وكذلك رفض الجزائر أي صيغة للحوار حول مشكلة الصحراء الغربية، إلى تصعيد حدة التوتر في العلاقات بين المغرب والجزائر.

ثانياً: دوافع ومحددات التصعيد والتوتر بين الجزائر والمغرب

لقد خضعت العلاقات المغربية ـ الجزائرية منذ استقلالهما إلى تأثير عاملين أساسيين تمثلا في الآتي:

1. تنازع الدولتين على صدارة النظام الإقليمي الفرعي الذي تمثله دول المغرب العربي، سواء كان ذلك داخل النظام الإقليمي العربي أو داخل النظام الإقليمي الأفريقي.

2. تدمير كل من الدولتين علاقتها مع الأخرى بمنطق الحرب الباردة، حتى بعد انهيار النظام العالمي ثنائي القطبية الذي كان يساعد على نجاح هذا المنطق في السابق، حيث انتمت المغرب في السابق إلى المعسكر الرأسمالي الغربي، أما الجزائر فانتمت إلى كتلة عدم الانحياز، وعملياً كانت تنتمي إلى المعسكر الاشتراكي.

كذلك هناك عوامل مختلفة تحكم حالة التوتر القائمة حالياً بين المغرب والجزائر تتمثل في الآتي:

1. الشعور الجزائري بـ(التحرر) من الرئاسة الدورية للاتحاد المغاربي، وهي الرئاسة التي كانت قد دفعتها في السابق ـ تحت ضغوط دول الاتحاد المغاربي ـ إلى تقديم تنازلات بهدف توفير المناخ المناسب لانطلاق البناء المغاربي.

2. هناك اعتقاد جزائري بأن المغرب يسعى من خلال برامج الشراكة السياسية والأمنية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية للضغط على الجزائر لوقف دعمها لجبهة البوليساريو.

3. الرغبة الجزائرية بعدم التخلي عن مشكلة الصحراء الغربية، سواء باعتبارها ورقة في العلاقات مع المغرب أو أنها استمرار للموقف الجزائري التاريخي المُعلن منذ عام 1975، خاصة وأن حكومة الحكومة الصحراوية في المنفى تقيم في الأراضي الجزائرية، إضافة إلى وجود اللاجئين الصحراويين في مخيمات تيندوف بالجزائر.

بعد اعتلاء الملك "محمد السادس" العرش في صيف عام 1999، اندلعت أزمة جديدة بين المغرب والجزائر، حيث اتهمت الجزائر المغرب بإيواء متسللين متطرفين نفذوا مذبحة في منطقة (بني وينف) قرب الحدود بين البلدين، وكان ينظر وقتذاك إلى مسار العلاقات بين البلدين على أنها في طريق التحسن، ولم تنجح جهود احتواء ذلك التوتر، وتطلب الموقف مزيداً من المساعي، تمثلت في تأكيد الجزائر ضرورة الفصل بين العلاقات الثنائية مع المغرب ومشكلة الصحراء الغربية على أساس أن المشكلة قد طرحت على الأمم المتحدة، إلا أن المغرب تمسك بالمفهوم الشامل لطرح كل الملفات متكاملة، ولقد استمر ذلك الموقف المتوتر قرابة الأربع سنوات، حيث غير كل من البلدين موقفهما، فالمغرب الذي تمسك بربط عملية التطبيع الكامل مع الجزائر ببحث مشكلة الصحراء الغربية، اختار أخيراً الفصل بينهما، بينما طرح الجزائر المشكلة من منطلق الربط الوثيق بين العلاقات الثنائية وحل مشكلة الصحراء الغربية.

مع تنامي جهود الأمم المتحدة في اتجاه مشروع حل سياسي متفاوض عليه عُقد لقاء برلين في سبتمبر 2000، أعلن المغرب خلاله الاستعداد للدخول في حوار صريح حول موضوع الحل السياسي، ما أدى إلى تغيير الموقف المغربي والجزائري بشأن الصحراء الغربية، وخاصة بعد إعلان الأمم المتحدة لمشروع اتفاق الإطار الخاص بالحكم الذاتي في يوليه 2001، والذي قُوبل بمعارضة جزائرية شديدة، إضافة إلى التحول الإستراتيجي في موقف الأمم المتحدة، حيث أضيفت قضية فتح الحدود بين المغرب والجزائر (مطلب مغربي) وقضية تفعيل الاتحاد المغاربي وعقد القمة الرئاسية له (مطلب جزائري).

شكلت كل تلك القضايا المحاور الأساسية للخلاف المغربي الجزائري وإحياء الملفات القديمة وخاصة ملف الحدود بين البلدين والتعاون الأمني بينهما، والتضارب في السياسات إزاء المشاريع الأوروبية والأمريكية للمنطقة، وخاصة بعد المساعي الجزائرية للاندماج في المنظومة المتوسطية عسكرياً (الناتو في فبراير 2000) واقتصاديا (اتفاق الشراكة مع الاتحاد الأوروبي) والحرص الجزائري على إبعاد المغرب عن المجال الأفريقي، بعد الدعم الذي قدمته الجزائر للمبادرة الليبية المتعلقة بالاتحاد الأفريقي والتي أعلن عنها خلال قمة سرت الاستثنائية الثانية، ما أدى إلى حضور جبهة البوليساريو في تلك القمة، ما أعاق عودة المغرب للمنظمة الأفريقية التي أصبحت تُدعى بالاتحاد الأفريقي.

كان للتطورات التي شهدتها الساحة الدولية بعد تفجيرات 11 سبتمبر 2001 دوراً هاماً في تنامي حالة استقطاب بين البلدين إزاء الحملة الأمريكية ضد الإرهاب، ما ساهم في خلخلة التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، إلا أن العلاقات المغربية ـ الجزائرية شهدت انحداراً رهيباً في أواخر فبراير 2003، وذلك بعد تقديم الأمين العام "كوفي أنان" تقريره حول عملية التسوية لمشكلة الصحراء الغربية والخيارات المستقبلية لها والتي تمثلت في الآتي:

1. إجراء الاستفتاء.

2. منح حكم ذاتي موسع في إطار السياسة المغربية.

3. تقسيم الصحراء بين المغرب وجبهة البوليساريو.

4. سحب بعثة مينورسو من الصحراء.

وضح في مداولات مجلس الأمن أن الجزائر هي التي قدمت اقتراح التقسيم، ومن ثم ازداد الصدام المغربي الجزائري حدة، حيث أعلن المغرب أن هذا الموقف يكشف الأطماع التوسعية للجزائر ونزعاتها للهيمنة في المنطقة، كما يبطل دعاوى حق تقرير المصير التي كانت ترتكز عليها الجزائر في دعمها لجبهة البوليساريو، معتبراً أن هذا تناقض للمبادئ التي بُني عليها الاتحاد المغاربي، وكان التحرك الجزائري في اتجاه روسيا من أجل الحصول على دعمها في مواجهة المقترح الأمريكي الذي يعتمد خيار الحكم الذاتي الموسع مع تعديل اتفاق الإطار، وأثمر التحرك الجزائري عن إعادة اعتماد خيار تقرير المصير في سياسة الأمم المتحدة بشأن إقليم الصحراء الغربية، وهو ما انعكس سلباً على العلاقات بين الجزائر والمغرب.

ثالثاً: المغرب واقتراح الحكم الذاتي (2006)

رغم استمرار توتر العلاقات بين الجزائر والمغرب، إلا أنَّ لقاء عقد بين العاهل المغربي الملك "محمد السادس" والرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة" (قمة ثنائية) في نيويورك على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 25 سبتمبر 2003، حيث قررا تفعيل علاقات التعاون بين البلدين، ومن ثم تحددت مجالات التعاون في التصدي للهجرة غير المشروعة، وتنسيق الجهود في مجال الأمن العام بما في ذلك محاربة الإرهاب، وكل من شأنه أن يحقق الأمن والاستقرار والسلام في البلدين، إلا أنَّ العاهل المغربي أعلن لصحيفة البايبس الإسبانية في منتصف يناير 2005 عن استمرار تمسكه بالموقف المغربي بشأن الصحراء الغربية والتي يعدها أرضاً مغربية، ولن يقبل إطلاقاً بالتخلي عن سيادة المغرب على هذا الإقليم، مؤكداً قبول المغرب للحل السياسي وتمكين السكان المعنيين من تدبير شؤونهم في إطار السيادة المغربية.

أصدرت وزارة الخارجية المغربية في نهاية أبريل بياناً وجهت فيه الدعوة إلى أطراف أخرى للمشاركة بأسلوب بناء وإيجابي في مفاوضات لإنهاء النزاع بشأن الصحراء الغربية وفقاً لتوصيات الأمم المتحدة، ولقد حددت المغرب الأطراف التي تدعوها لإجراء محادثات مباشرة، وترى المغرب أن جبهة البوليساريو هي الطرف الرئيسي في تلك المشكلة الإقليمية، ولقد أكد بيان وزارة الخارجية المغربية أن المغرب يعد اقتراحاً يتضمن منح إقليم الصحراء الغربية قدراً كبيراً من الحكم الذاتي، مع استمرار بقائه جزءاً من المملكة المغربية، وأضافت أن الهدف من عملية المفاوضات هي إجراء مشاورات نشطة بين الحكومة المغربية، وجماعات سياسية صحراوية لدفع اللمسات الأخيرة لاقتراح الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.

قام عاهل المغرب الملك "محمد السادس" بجولة استمرت أسبوعاً في الصحراء الغربية، وبدأت الجولة في 22 مارس 2006 (وهي الزيارة الثالثة له منذ توليه الحكم)، بهدف كسب التأييد المحلي لخطة الحكم الذاتي للصحراء الغربية تحت السيادة المغربية، وهي الرؤية المغربية للتسوية النهائية للمشكلة، ولقد أكد الملك "محمد السادس" في كلمة ختامية للزيارة أنه لن يتنازل عن شبر واحد من الصحراء الغربية، ولقد اجتمع الملك مع أعضاء بمجلس استشاري ملكي لشؤون الصحراء بينهم شيوخ قبائل وممثلون عن النساء وجماعات شبابية ومسؤولو جماعات مدنية (رغم إنشاء المجلس في التسعينيات إلا أنه ظل في حالة جمود)، وخلال الجولة افتتح الملك "محمد السادس" مشاريع تنموية لخدمة السكان الصحراويين، وتعتزم الحكومة المركزية استثمار سبعة مليارات درهم مغربي (776 مليون دولار) في تنفيذ 226 مشروعاً تنموياً (محطات مياه ـ مصايد)، كما أعلن الإفراج عن عدد من أسرى جبهة البوليساريو والمؤيدين لها والمدافعين عن حقوق الإنسان.

وضح أن الهدف من الإفراج عن المعتقلين من سكان الصحراء الغربية، هو تحسين العلاقة بين الطرفين، وخاصة بعد أن أصدرت منظمة العفو الدولية تقرير لها يوم 24 يونيه 2004 (MDE 29/008/2004) أثبتت فيه تقاعس المغرب عن اتخاذ إجراءات بشأن سوء معاملة المعتقلين وخاصة في معتقل تمارة، ما يقوض التقدم الذي أحرزه المغرب في مجال حقوق الإنسان، ولقد رحبت منظمة العفو الدولية بمشروع قانون لمحاربة التعذيب والتمييز، ولكن القلق يساور المنظمة إزاء تقاعس السلطات عن معالجة المزاعم المحددة حول سوء المعاملة في المعتقلات، وعدم إجراء تحقيقات حول ما جرى في الماضي.

أعلنت منظمة العفو الدولية في بداية عام 2005 عن وجود انفتاحاً كبيراً للمغرب على حقوق الإنسان، وخصوصاً ما يدور من نقاشات عامة بشأن إرث الماضي من الانتكاسات، وما لمسته من مؤشرات مشجعة على التقدم الثابت نحو احترام حكم القانون، ولقد التقى مبعوثو منظمة العفو الدولية بهيئة الإنصاف والمصالحة التي تتولى التحقيق في الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان التي ارتكبت في الفترة ما بين 1956 – 1997، حيث تدعم منظمة العفو الدولية جهود هيئة الإنصاف والمصالحة وتحديد مسؤولية انتهاكات الماضي وتقديم التعويضات لضحاياها.

وقد أصدر العاهل المغربي، بمناسبة زيارته الثالثة لإقليم الصحراء الغربية في نهاية مارس 2006، عفواً عن حوالي 216 سجيناً بالإضافة إلى خمسة من المدافعين عن حقوق الإنسان، وكان قد أُفرج عن 25 شخصاً آخر كانوا قد اشتركوا في المظاهرات التي جرت في العيدن والسمارة خلال عام 2005، واتهموا بارتكاب جرائم والإخلال بالنظام العام وإلحاق الضرر بالممتلكات العامة.

رابعاً: مستقبل مشكلة الصحراء الغربية

من الواضح أن مشكلة الصحراء الغربية تعد أعقد مشكلات حق تقرير المصير التي نالت جهداً واهتماماً دولياً لحلها لا يتناسب مع ما تحقق من نتائج، ورجع ذلك إلى التعقيدات والخلافات البينية التي ارتبطت بها، فمنذ أن تناولت الأمم المتحدة ملف مشكلة الصحراء الغربية في السبعينيات، لم تبتعد عنها خلال الفترة بين عامي 1982 – 1984 لدخول منظمة الوحدة الأفريقية طرفاً مباشراً في محاولة لحسم النزاع (لجنة المتابعة الأفريقية) إلا أنها لم تحقق أية نتائج إيجابية، ولذلك أعيد ملف المشكلة مرة أخرى للأمم المتحدة، ومع ذلك استمر العجز الأممي في إيجاد تسوية نهائية للمشكلة.

وإذا كان دور منظمة الوحدة الأفريقية لم يرق إلى مستوى تقديم حل حاسم للمشكلة مقارنة بما قامت به المنظمة من أدوار مشابهة في مشكلات عديدة، إلا أن التساؤل المطروح حالياً يدور حول كيفية تعامل الاتحاد الأفريقي (الجديد) مع ملف الصحراء الغربية، وخاصة أن الأهداف التي نشأ من أجلها مختلفة عن أهداف منظمة الوحدة الأفريقية، حيث يركز الاتحاد الأفريقي على قضايا التنمية وتحقيق مستوى معيشة مرتفع، ودعم قضايا الإصلاح السياسي ونشر الديموقراطية وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، ولذلك فإن دخول الاتحاد الأفريقي طرفاً في المشكلة ربما يشكل عائقاً أمام تقدمه، ولذلك فهو أمام خيارين:

1.  الخيار الأول: القيام بدور فاعل، وهو خيار صعب لأنه يتطلب طرح تسوية عادلة ترضي جميع الأطراف، خاصة المغرب والجزائر، ومن ثم سيكون عليه تقديم حل جديد بعد فشل الحلول السابقة.

2.  الخيار الثاني: يظل الاتحاد عازفاً عن التدخل، والابتعاد عن المشكلات التي تواجهه، وخاصة أنه في مرحلة تكوين مؤسساته التشريعية والتنفيذية.

ورغم المساعي الأممية لإيجاد حل لمشكلة الصحراء الغربية، حيث تعددت قرارات مجلس الأمن بشأن الخيارات المطروحة والتي تمثلت في خيار الاستفتاء وخيار اتفاق/ الإطار وخيار التقسيم، إلا أن الحل الوحيد المقبول من جانب الشعب الصحراوي هو قيام جمهورية الصحراء العربية الديموقراطية والاعتراف بسيادتها، وفي ذات الوقت أعلن المغرب عن خطة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية، إلا أن غياب الثقة بين الطرفين وضعف احتمالات بنائها من جديد، إضافة إلى وجود صحراويين يؤيدون الموقف المغربي، لذلك فإن هذا الخيار وإن بدا جامعاً بين رغبة المغرب في السيادة ونزعة البوليساريو في نوع من الاستقلال يواجه بصعوبات كبيرة، وخاصة من جانب جبهة البوليساريو، وذلك لاعتقادهم بسعي أنصار المغرب إلى تحويل الحكم الذاتي إلى اندماج كلي في كيان المغرب، إضافة إلى عدم وضوح الجوانب الدستورية والسياسية في الحكم الذاتي المقترح واحتمال سعي الطرفين في حالة هذا الخيار إلى التأثير على هذه الجوانب لتحقيق مزيد من الاستقلال بالنسبة للبوليساريو وللتخفيف منه بالنسبة للمملكة المغربية. ومن ثم ستبقى المشكلة بدون حل نهائي إلى أن يوافق أحد الأطراف على تقديم بعض التنازلات في موقفه تجاه الطرف الآخر.