إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الصهيونية




مناحم بيجين
موشي ديان
هنري كيسنجر
وعد بلفور
إسحاق رابين
إسحاق شامير
تيودور هرتزل
جولدا مائير
حاييم وايزمان
ديفيد بن جوريون
زئيف جابوتنسكي فلاديمير

أبناء ونسل إبراهيم عليه السلام

مناطق الانتداب البريطاني ـ الفرنسي
مشروع الوكالة اليهودية
مشروع برنادوت لتقسيم فلسطين
إسرائيل والأرض المحتلة 1967
إسرائيل عام 1949
الاحتلال اليهودي لفلسطين
تكوين المملكة المتحدة
تقسيم لجنة وودهيد البريطانية (أ)
تقسيم لجنة وودهيد البريطانية (ب)
تقسيم تيودور هيرتزل 1904
تقسيم فلسطين بين الأسباط
فلسطين في القرن الأول ق.م



تقديم

الفصل الثاني

هيرتزل والدعوة الصهيونية

أولاً: النشأة والتكوين الفكري لهيرتزل

ولد تيودور هيرتزل عام 1860 في مدينة بودابست بالمجر (أو هنغاريا)؛ التي كانت جزءاً من الإمبراطورية النمساوية، في عهد الإمبراطور فرانتز جوزيف. ونشأ تيودور هيرتزل في أسرة برجوازية يهودية. كان أبوه (جاكوب) مديراً لأحد المصارف الكبرى في المجر، وشأن معظم هذه الأسر البرجوازية الصاعدة، لم تكن أسرة جاكوب هيرتزل معروفة بالتدين، أو بالاهتمام بقضايا اليهود. ولم يعرف عن تيودور الطفل، ثم الفتى، أي اهتمام يذكر بالمسألة اليهودية إلى أن دخل الجامعة ودرس الحقوق؛ ثم اشتغل بالصحافة، وأصبح مراسلاً لإحدى الصحف النمساوية الكبرى، في العاصمة الفرنسية باريس، ابتداء من العام 1891م. واستمر اهتمامه بالمسألة اليهودية يتصاعد تدريجياً، إلى أن وصل إلى أقصاه في إحدى قاعات محكمة الجيش الفرنسي في باريس، في 19 ديسمبر 1894م.

سمع هرتزل في تلك المحاكمة، أحاديث تنم عن الكراهية والشك في اليهود. وسمع هتافات تحض على قتل اليهود، أو طردهم من فرنسا. والذي أدهش هيرتزل وأفزعه أن هذا الموقف المعادى للسامية، لم يكن موقف الدهماء والغوغاء في باريس وحدها، بل أدهى من ذلك شهدت الجمعية الوطنية الفرنسية (البرلمان) سجالات حادة، حول مشروع قانون يقضي بتحريم الوظائف العامة على اليهود كافة، وذلك في أثناء نظر قضية دريفوس. صحيح أن مشروع القانون قد رُفض في النهاية، ولكن نسبة التصويت كانت مفزعة. فبينما رفض المشروع 268 نائباً، وافق عليه 208 نائباً (أي بنسبة 56 إلى 44 في المائة)، بما يعني أن أكثر من 40 في المائة من برلمان أكبر بلدان الغرب تحرراً، وثورية، ودعوة للمساواة، يبغضون اليهود؛ ويشكون في مواطنتهم.

كانت محاكمة دريفوس هي نقطة التحول الحاسمة، في حياة تيودور هيرتزل وفكره، فقرر أن يهب حياته للمسألة اليهودية، دراسة ودعوة؛ ودفاعاً، وتخطيطاً وعملاً. فانقطع عدة أشهر، بعد محاكمة دريفوس، لتأليف كُتيب من (23 ألف كلمة) بعنوان (دولة اليهود) أو "الدولة اليهودية"، نشره عام 1896. ثم أعقبه بدعوة لعقد مؤتمر يهودي عالمي لمناقشة ما ورد فيه من أفكار ومقترحات. وهو ما حدث بالفعل في العام التالي، في مدينة بازل السويسرية في 29 أغسطس 1897. وكان الاجتماع العالمي اليهودي الأول من نوعه. وفية وضعت بذور الحركة اليهودية ـ الصهيونية، التي ستنشئ أول دولة يهودية في التاريخ الميلادي، أي خلال الألفيتين الأخيرتين.

1. لماذا هذا التأثير الطاغي لكتاب هيرتزل؟

لم يكن هيرتزل أول من شخَّص المعضلة اليهودية، ولا أول من دعي إلى إنشاء دولة يهودية. ولكن طريقة الطرح والأسلوب الذي استخدمه هيرتزل؛ والتوقيت الذي ظهر فيه الكتاب؛ والمناخ الدولي؛ وطبيعة المرحلة، التي وصل إليها اليهود الغربيون في تطورهم، كانت عوامل مؤثرة، تضافرت معاً لتجعل من ذلك الكتاب، ومن المؤتمر اليهودي ـ الصهيوني الأول، علامتين فارقتين في التاريخ اليهودي الطويل.

فمن ناحية الطرح، كان هيرتزل منهجياً، منظماً، هادئاً، واثقاً في منطقه وفي حججه، يقنع القارئ بالنتيجة التي انتهي إليها، وهي أن دولة اليهود هي الحل الناجح لمشكلتهم الطويلة، وخاصة في أوروبا، وأن هذا الحل قابل للتنفيذ، وأن الظروف والإمكانيات مواتية لتحقيقه.

ولأن قضية دريفوس كانت ما تزال حية ماثلة، في الوعي اليهودي الغربي بقوة؛ فقد جاء توقيت الكتاب مواتياً. واستعرض هيرتزل كيف أن العزلة، والانكفاء اليهودي، في معازلهم (الجيتو) لم يجنبهم الاضطهاد؛ بل كانت أحياؤهم السكنية تتعرض للهجوم والانتهاك دورياً، من جانب حكومات أو أهالي البلدان، التي ولدوا، وعاشوا فيها طوال حياتهم، وذلك كلما كان الحكام أو المحكومون يبحثون عن كبش فداء في مواجهة مشكلات، أو أزمات لا دخل لليهود فيها.

ثم استعرض هيرتزل إنجازات حركة التنوير اليهودي (الهاسكلاه)، التي بدأت في القرن الثامن عشر، والتي أسسها موسى مندلسون (1739 ـ 1786)، وحثت اليهود على كسر أسوار العزلة والاندماج في مجتمعاتهم، ليس لأن ذلك شئ مطلوب في حد ذاته وحسب، ولكن كذلك، لأن التفاعل بين اليهود، وغير اليهود، جدير بإزالة أسباب الشك والريبة، التي يضمرها غير اليهود لليهود. ويؤكد هيرتزل على سلامة وقوة منطق هذا الدعوة التنويرية. ولكنه يستعرض كيف أن تلك المبادرة من اليهود للاندماج، وفي أول بلد أوروبي سمح لهم بذلك، لم تؤد إلى اختفاء العداء لليهود وللسامية. وكان الدليل حاضراً: محاكمة دريفوس، وسجال الجمعية الوطنية الفرنسية؛ وسلسلة الكتب، التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر.

ومن ثم خلص هيرتزل إلى أنه لا العزلة (في الجيتو) ولا الاندماج (في المجتمع الأكبر) يحقق السلام المطلوب بين الأقلية اليهودية والأغلبية غير اليهودية. ومن ثم فإن الحل الأمثل هو دولة لليهود. واعتبر هيرتزل أن فكرة الدولة وإمكان تحقيقها تحتوي على قوة هائلة قادرة على تعبئة (الشعب اليهودي)، الذي مزقتة "اللاسامية"، وفرقته تيارات التنوير والاندماج والانعزال، ليصبح شعباً واحداً متحداً قوياً. وأن القضية اليهودية ليست قضية دينية أو اجتماعية أساساً، ولكنها قضية قومية. ومن ثم لابد من التعامل معها كقضية سياسية دولية، وكسب التأييد العالمي للدولة اليهودية كأساس لحل المسألة اليهودية.

2. الجماعات اليهودية في نهاية القرن التاسع عشر

سبق هيرتزل مفكرون يهود آخرون بلوروا الفكر الصهيوني، أهمهم خمسة، هم: كاليشر (1795 ـ 1874)، وموزي هيس (1812 - 1875)، وينسكر (1812 - 1891)، وموهيلفر (1824 - 1898)، وجينزبرج (1856 - 1927). وقد استفاد هيرتزل من هذه الكتابات جميعها وتأثر بها. ولكن كتابه عن الدولة اليهودية كان الأكثر تأثيراً لعدة أسباب، سبق ذكرها، ويضاف إليها التطور الاجتماعي ـ الاقتصادي للجماعات اليهودية، في العديد من الدول الأوروبية.

من ذلك أن اليهود، في ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وبقية بلدان أوروبا الغربية، كانوا قد حققوا، مع وقت ظهور كتاب هيرتزل، قدراً كبيراً من الاندماج والنشاط الاجتماعي، ضمن الطبقات الوسطى والعليا في تلك المجتمعات. وتبوأ بعضهم العديد من المناصب المرموقة، في الجامعات، والصحافة، وعالم المال والأعمال، والمهن الحرة، مثل الطب والمحاماة. وتدرج بعضهم في مناصب وزارية؛ بل وصل أحدهم، وهو ديزائيلي إلى منصب رئاسة وزراء بريطانيا، في أواخر القرن التاسع عشر، واندمج قطاع كبير منهم ضمن الحركات، والأحزاب الثورية، والاشتراكية، مع أواخر القرن.

ولأن اليهود المندمجين كانوا يدركون أن غير اليهود مازالوا يتشككون فيهم، ويناصبونهم الكراهية، فقد حاولوا تعويض ذلك بمزيد من الاجتهاد والتفوق والإنجاز. وبالفعل برزوا، وتفوقوا على الكثيرين، من غير اليهود، في شتى مناحي الحياة الحديثة. ولكن بدلاً من أن يكون ذلك مصدر إعجاب، أو بمثابة بطاقة مرور وقبول من "الآخر" غير اليهودي، فإذا به يولد الغيرة والحقد عليهم. وفي رأي هيرتزل وغيره، لقد جعل ذلك العداء الديني لليهود يتحول إلى عداء عنصري علماني للسامية. ويبدو أن مقولات هيرتزل في هذا الصدد قد مست أوتاراً حساسة عند أبناء جيل من اليهود الأوروبيين، الذين كانوا بالفعل في العقد الثلاثين، أو الأربعين، والخمسين، من أعمارهم، ومن ثم حدث إقبال منقطع النظير على كتاب هيرتزل، الذي ترجم على الفور، من الألمانية إلى اللغات الأوروبية الرئيسية، وخاصة الإنجليزية والفرنسية، في عدة طبعات خلال السنوات الأولى من ظهوره. وقد كان ذلك في حد ذاته مؤشراً على الأوضاع الاجتماعية ـ الاقتصادية لليهود الأوروبيين، عند نهاية القرن. فقد أصبح معظمهم بالفعل، في ذلك الوقت، في عداد الطبقة المتوسطة المتعلمة القارئة، والميسورة مادياً.

كذلك كان من الطبيعي، مع هذا الإنجاز، أن تفرز الطبقة المتوسطة اليهودية عناصر تستمر في شق طريقها الاجتماعي إلى الطبقات العليا الغنية. لذلك عندما وجه هيرتزل الدعوة لمؤتمر يهودي ـ عالمي في بازل لبى على الفور، عدة مئات أغلبيتهم بالطبع من أوروبا، وجاء بعضهم من الأمريكيتين، ومن شمال أفريقيا، وإن كان الذين تمكنوا من الحضور والمشاركة بالفعل، 197 مندوباً والسكرتارية العامة للمؤتمر.

3. الدعوة القومية

كان القرنان الثامن عشر والتاسع عشر يمثلان عصر "القومية" (Nationalism) و"الدولة القومية" (state Nation). وكثرت، في القرن التاسع عشر خصوصاً، النظريات القومية، التي تتحدث عن الأصول التي تُبنى عليها "الأمة". فكانت المدرسة الألمانية تعتقد أن عماد أي أمة هو العنصر أو الجنس، ويليه في الأهمية عنصر اللغة، أمّا المدرسة الفرنسية، ويمثلها رينان، فقد كانت تؤسس الأمة على وحدة المشاعر والذاكرة الجماعية، والخبرات المشتركة في الحاضر، والآمال الجماعية في المستقبل.

وكان المرادف السياسي والترجمة العملية " للقومية " هو أن تجد تعبيراً وتجسيداً لها في دولة "الأمة"، من دون سواها من الأمم. ومن هنا أصبح، في فلسفة القرن التاسع عشر، تلك النزعة إلى الاعتقاد بأن من حق كل قومية أو أمة أن تؤسس دولتها. ومن ثم شاع مصطلح "الدولة القومية" (Nation- state)، تمييزاً لها عن "الدولة الإمبراطورية" (Empire State) التي تحتوي أمماً متعددة ومختلفة، ولكنها تعيش في كنف، أو تحت هيمنة، سلطة مركزية واحدة.

لذلك كان توقيت دعوة هيرتزل إلى قيام دولة اليهود مواتياً، في المناخ الأوروبي في ذك الوقت، من نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. وقد كان عليه أن يثبت أن اليهود "شعب" (Volk) أو قومية، وأن يكيف ذلك، اعتماداً على إحدى النظريات السائدة عن القومية في ذلك الوقت؛ ومن ثم يطالب لهذا الشعب، الأمة ـ القومية، بوطن؛ ثم دولة. وستظل تلك هي لغة الخطاب السائد في الصهيونية، طوال القرن التالي لظهور كتاب هيرتزل. فهو أول من استخدم كلمة "دولة"، بهذا المعنى الحديث، في عنوان كتاب ظهر عن اليهود في العصر الحديث. وقدم لها التبريرات الكافية، على الأقل من وجهة النظر الغربية عامة، واليهودية خاصة.

4. الحركة الاستعمارية وراء البحار

إن القرنين اللذين شهدا نمو وانتعاش " القوميات "، في أوروبا، شهدا كذلك، انتعاش حركة جديدة، وموازية ومرتبطة بالحركة القومية، وهي الحركة (الاستعمارية) (Colonialism). فقد أصبحت كل دولة قومية جديدة في أوروبا تسعى للبحث عن "مجال حيوي" (Vital Sphere) لها وراء البحار. ولأول مرة في التاريخ الإنساني، تتكون إمبراطوريات استعمارية في أراض غير مجاورة، أو غير ملتصقة، أو غير قريبة من البلد المستعمر. وأصبحت الدعوة إلى إيجاد مثل هذا المجال الحيوي بعيداً عن البلد الأصلي، أمراً مقبولاً.

ومن ثم جاءت دعوة هيرتزل إلى أحقية اليهود كشعب وأمة في دولة، وضرورة أن تجد هذه الدولة، أرضاً لها وراء البحار، أي بعيداً عن أوروبا. فقد أدرك هيرتزل صعوبة، بل استحالة، العثور على أرض للدولة اليهودية في أوروبا، التي كانت تتطاحن أممها نزعات القومية المعترف بها فعلاً. لذلك فانه لم يحدد في كتابه مكان الدولة. كل ما هنالك أنه تساءل عن إمكانية تأسيسها في أراض وراء البحار: " هل يكون هذا البلد فلسطين أم الأرجنتين؟ سنأخذ ما يعرض علينا، وما يختاره الرأي العام اليهودي".

وهكذا لم يكن الأمر بالنسبة لهيرتزل أمراً دينياً، في المقام الأول، ولكنه كان أمراً سياسياً قومياً استعمارياً استيطانياً. لذلك لم يكن هناك إصرار على فلسطين بالذات، ولو أنها كانت هي الأرض المفضلة لديه، لأسباب عملية تعبوية، حيث كان يدرك المعنى الرمزي لها في تحريك عامة اليهود. ولكنه كان مستعداً ـ حسب قوله ـ " لأخذ ما يعرض علينا ".

وهكذا كان اليهود الأوروبيون، في نهاية القرن، أكثر استعداداً لقبول إمكانية تنفيذ الفكرة، ورغبة في تنفيذها. وكان الرأي العام الأوروبي مهيئاً ومستعداً للاستماع إلى الفكرة والتعاطف معها، لأنها صُبغت بلغة العصر الذي سادته فكرة " القومية " وحركة "الاستعمار". فعلى الرغم من سخرية البعض من أفكار هيرتزل، وإعراض أغنياء اليهود عنه في البداية، إلاّ أن القاعدة العريضة من الشباب، والطبقة الوسطى اليهودية، في أوروبا، تلقت دعوته بالحماس والتأييد، وهو ما مكَّنه من عقد المؤتمر اليهودي الصهيوني الأول.

ثانياً: المؤتمرات الصهيونية

1. المؤتمر اليهودي ـ الصهيوني العالمي الأول

مع نشر كتاب هيرتزل عن "الدولة اليهودية"، الاستقبال الحماسي له من القاعدة العريضة ليهود أوروبا، والاستقبال الساخر أو الاستهجاني له من الصحافة الألمانية ومن أغنياء اليهود، إلا أن هيرتزل لم ييأس أو يكل أو يمل من الدعوة لعقد مؤتمر يهودي عالمي لمناقشة والتخطيط لتنفيذ أفكاره ولذلك الغرض أسس هيرتزل من ماله الخاص مجلة أسبوعية باسم "دي فليت" للترويج لكتابة، ولفكرة الدولة اليهودية، ولعقد المؤتمر الأول في بازل، 29-31 أغسطس 1897، في مبنى بلدية مدينة بازل السويسرية، على مدى ثلاثة أيام 29، 30 ،31 أغسطس 1897، في احتفال كبير بإحدى القاعات الكبرى التي زينتها الأعلام، أعلام الدولة المشروع.

ومن الواضح أن هيرتزل كان صحفياً موهوباً في فنون الاتصال، إلى جانب صفاته القيادية الأخرى، التي كشفت عنها أحداث العامين السابقين لانعقاد المؤتمر، والسنوات الأربع التالية، وإلى أن توفى في عمر مبكر، وهو في الرابعة والأربعين من عمره.

من ذلك أنه قام بنفسه بتصميم "العلم" الذي سيصبح فيما بعد علم إسرائيل. وكان ظهور هذا العلم في المؤتمر الأول وفي المؤتمرات التالية يضفي إحساساً بمصداقية الأمل في إنشاء "الدولة". ومن ذلك أيضاً أنه ركز على معنى أن ذلك المؤتمر هو الأول من نوعه لليهود، في الشتات منذ ألفي سنه، وأن مجرد انعقاده، تحت أعلام الدولة المدعوة، هو في حد ذاته دليل على إمكانية تحقيق الأمل.

ومن ذلك أنه اقترح " سلاماً وطنياً " تقول كلماته:

ما دمت في أعماق الفؤاد

روح يهودية مفعمة بالحنين

ونحن أطراف الشرق قدماً

تتشوف الأنظار إلى صهيون

لن تعود الأماني تضيع

أماني ألفين من عمر السنين

وتقول وثائق تسجيل المؤتمر أن عدد المشاركين، في هذا المؤتمر الصهيوني الأول كان 204 عضواً، إلى جانب عشرة من المراقبين الأصدقاء غير اليهود، والذين لم يكن لهم حق التصويت: وإن كان قد سُمح لهم بالجلوس في قاعة الاجتماعات، بالمشاركين من اليهود.

إلى جانب ذلك سُمح لعدد من المدعوين بالحضور، والجلوس في مقصورة المشاهدين.

من بين المائتين والأربعة مشاركاً، كان هناك:

ـ 69 مشاركاً، يمثلون منظمات وروابط صهيونية أوروبية وأمريكية.

ـ 17 امرأة، بعضهن يمثل منظمات، وبعضهن زوجات أتين مع أزواجهن.

ـ 118 مشاركاً، من الأعضاء الأفراد المرموقين في الجماعات اليهودية من 17 دولة مختلفة.

كان الافتتاح رسمياً وبهيجاً، ارتدى فيه جميع المشاركين الملابس الرسمية الداكنة، وأربطة العنق البيضاء، والقبعات الطويلة السوداء. وبعد وصول الجميع، وتناول المشروبات والمرطبات، دعي عريف الحفل "ماكس نورداو" الجميع لأخذ مقاعدهم، لبدأ أول جلسات عمل المؤتمر الصهيوني الأول، وكانت أول بنود العمل هي انتخاب الرئيس، ونوابه، وأمانة المؤتمر.

انتخب "تيودورهيرل"، رئيساً بالإجماع، و"ماكس نورداو" نائباً للرئيس، واثنين آخرين للنيابة والأمانة العامة، وبدأ هيرتزل، على الفور، في ممارسة مهام رئاسة المؤتمر، بادئاً بعرض برنامجه، والذي تضمن:

ـ تأسيس المنظمة الصهيونية العالمية.

ـ إعلان خطط عمل الصهيونية.

البرنامج الصهيوني

لم يستغرق البند الأول، في جدول الأعمال، إلاّ ثلاث ساعات من النقاش، وتمت الموافقة على تأسيس منظمة صهيونية عالمية، لها أمانة عامة واحدة، على أن يكون لها ثلاثة أنواع من العضوية.

أ. عضوية اعتبارية

للفروع والتجمعات اليهودية حول العالم، ويختار كل فرع أو تجمع ممثليه المفوضين للتصويت في مؤتمرات المنظمة، طبقاً للوزن النسبي (أي: عدد أفراده) لكل فرع أو تجمع.

ب. عضوية طبيعية

للأفراد اليهود المؤمنين بالعقيدة الصهيونية، القادرين على الإسهام المادي والمعنوي في تحقيق برنامج العمل الصهيوني.

ج. عضوية فخرية

للمؤسسات أو الشخصيات العامة اليهودية، أو غير اليهودية، من المتعاطفين مع اليهود عموماً، ومع الصهيونية خصوصاً. ولكن لا تعطيهم هذه العضوية الفخرية حق التصويت في اجتماعات المؤتمر أو المنظمة.

أمّا البرنامج نفسه، فقد استغرق النقاش حوله، طوال يوم 30 أغسطس، وجزءاً من مساء اليوم التالي. وكان من نقاط الخلاف الساخنة، تلك الفقرة من المسودة التي وزعت على الأعضاء، سلفاً حول هدف الصهيونية، والتي جاء فيها.

"إن هدف الصهيونية هو أن تخلق وطناً للشعب اليهودي على أرض إسرائيل؟ بضمان القانون".

فقد أثيرت عدة تساؤلات حول كل كلمة في هذه الفقرة، وخاصة حول " الضمانات القانونية "أي قانون؟ وأية سلطة تقوم بتنفيذ هذا القانون"؟ وكان أكثر المجادلين حول هذه النقطة هو أحد كبار المشتغلين بالقانون في أوروبا، ثم في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو الأستاذ "ليو موتزكين". وأخيراً تم الوصول إلى صيغة توفيقية، بدلاً من تلك التي اقترحها موتزكين، وكانت تنص على أن يكون الضمان هو "القانون الدولي" (International Law). أمّا الصيغة التوفيقية التي اقترحها هيرتزل نفسه، وقبلها المؤتمر بالإجماع، فهي ضمانة "القانون العام" (Public Law)، وهكذا أصبحت صياغة هدف الصهيونية هي:

"تسعى الصهيونية لإنشاء وطن للشعب اليهودي في أرض إسرائيل، مكفول في ظل القانون العام. ويقترح المؤتمر الوسائل التالية لتحقيق هذا الهدف:

أ. توفير السبل المناسبة لتوطين الفـلاحين والحرفيين والصناع اليهود فـي أرض إسرائيل (Ertz Israel).

ب. تنظيم وتوحيد اليهود في كل مكان بالوسائل، ومن خلال المؤسسات المناسبة، محلياً ودولياً، وطبقاً للقوانين السائدة في كل بلد يوجدون فيها.

ج. تقوية ورعاية المشاعر اليهودية القومية، والوعي القومي بصفة عامة: واتخاذ الخطوات الملائمة، إذا تطلب الأمر الحصول على موافقة الحكومات المعنية لتحقيق أهداف الصهيونية.

وقد أصبح هذا البرنامج المبسط هو دستور عمل المنظمة الصهيونية العالمية، على مدى الخمسين عاماً التالية (1897 ـ 1947) أي إلى أن تم إنشاء الدولة اليهودية، بمقتضى قرار التقسيم الرقم 181 الصادر من مجلس الأمن، عام 1947، والذي قضى بتقسيم أرض فلسطين إلى دولتين، إحداهما "يهودية" (إسرائيل)، والثانية لأهل البلاد من العرب، أي دولة "عربية". وقد عُرف هذا البرنامج باسم "برنامج بازل"، ولم يتغير رسمياً إلاّ في عام 1951، حين عقد أول مؤتمر صهيوني، في القدس بعد إنشاء إسرائيل، فحل محل برنامج بازل، برنامج جديد هو "برنامج القدس".

2. الاستمرارية والتراكم لباقي المؤتمرات

عُقد المؤتمر الصهيوني الثاني والثالث والرابع والخامس في سنوات متتالية هي 1898 و1899 و1900 و1901. ثم تقرر عقده، كل سنتين بعد ذلك، (1903، 1905، 1907) إلى أن نشبت الحرب العالمية الأولى، فتوقف انعقاد المؤتمر من 1914 إلي 1920، ثم استؤنف عام 1921، وظل يُعقد كل سنتين إلى عام 1939، وتوقف أثناء الحرب العالمية الثانية (أي إلى عام 1945). ثم استؤنف عقده دورياً بعد ذلك. وعُقد المؤتمر الثالث والثلاثين في القدس عام 1997.

وأهم ما يُلاحظ على هذه المسيرة هو "الاستمرارية" و"التراكم"، فعلى الرغم من كل الخلافات التي كانت تدب وتحتدم، بين الفصائل اليهودية، داخل وخارج الحركة الصهيونية، إلاّ إن المؤتمرات الدورية لم تنقطع إلاّ "لظروف قهرية"، بلغة القانون (Force Majeure)، مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية.

أمّا التراكم فيتجلى في الأرضية التي بدأ عليها المشروع الصهيوني، والتي بدأت "بفلسطين" كهدف لبناء "وطن" لليهود، بضمانة من " القانون العام "، وبالسعي لدى الدول المعنية لتحقيق هذا الهدف. وخلال الخمسين عاماً التالية، كان المؤتمر الصهيوني يراجع ما تم إنجازه؛ والصعوبات التي صادفها، وكيفية تذليلها.

ومن ذلك مثلاً، أنه عندما رفض السلطان العثماني عبدالحميد، مطالب الحركة الصهيونية عام 1897 بإقامة وطن لليهود في فلسطين، التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية آنذاك، وقد نوقشت هذه البدائل في المؤتمرات الثلاثة التالية. أي أنها لم تتخل عن هدف "الوطن اليهودي"، وإن كانت قد نظرت في بدائل لفلسطين، وطرحت بالفعل البدائل التالية: أوغندا، أو الأرجنتين، أو سيناء. وروعي في هذه البدائل أن تكون غنية بالموارد الطبيعية، وأن تكون تحت سيطرة دول، أو قوى، صديقة للحركة الصهيونية، أو متعاطفة مع اليهود عموماً. وكانت بريطانيا هي أقوى المرشحين لهذا الدور.

في الوقت نفسه، وقع الاختيار على سيناء كبديل أول بعد فلسطين، وذلك لقربها من "أرض الميعاد" (Ertz Israel)؛ ولأنها تحمل العديد من المعاني والقيم الرمزية لليهود، ولأنبيائهم، وخاصة موسى u؛ وأخيراً لأنها كانت جزءاً من مصر؛ ومصر كلها في ذلك الوقت تحت السيطرة البريطانية.

والملاحظ طوال القرن التالي لأول مؤتمر صهيوني، هو هذه المرونة في الوسائل والصيغ، من دون التخلي عن الأهداف الكبرى للمشروع الصهيوني. فحينما لاحت في الأفق، بوادر انهيار الإمبراطورية العثمانية، وبرزت بريطانيا، كأقوى الدول العظمى في بداية القرن العشرين، وخاصة خلال الحرب العالمية الأولى، عادت الحركة الصهيونية مرة أخرى، وبقوة إلى المطالبة" بفلسطين " كبديل أسمى لإنشاء الوطن القومي. وتُوج ذلك بإصدار وعد بلفور 1917، والذي يكاد يكون في كلماته، نسخة طبق الأصل من الوثيقة، التي أقرها المؤتمر الصهيوني الأول في بازل 1897.

من الأقوال المأثورة عن تيودور هيرتزل، في اليوم الأخير للمؤتمر الصهيوني الأول (31 أغسطس 1897) قوله " قد نجحتُ، في الأيام الثلاثة الماضية، أن أؤسس الدولة اليهودية، ولكنِّي لم أجرؤ أن أقول ذلك علناً، وإلاّ ضحك الناس علىَّ ساخرين، وفي مقدمتهم اليهود، الذين لم يحضروا المؤتمر. ولكني على يقين أنه بعد خمس، أو خمسين سنه لن يضحك علينا أحدا، وإنما سينظر الجميع إلينا، إمّا معجبين أو ساخطين، وليسوا ساخرين. إن هيرتزل نفسه لم يعش طويلاً حتى يرى صحة تكهناته، أو ثمار ما زرعته يداه. فقد توفى في أعقاب المؤتمر الصهيوني السادس (1903) في عام 1904، وهو لم يتجاوز الرابعة والأربعين عاماً من عمره.

لقد علق القاضي"برانديز"، أحد قضاة المحكمة الدستورية العليا، في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أول يهودي يصل إلى هذا المنصب الرفيع، بقوله: إن ذلك "المؤتمر الصهيوني الأول هو أهم حدث في تاريخ الشعب اليهودي منذ طردهم من فلسطين.. إلى الشتات، قبل ألفي عام..."

وبالفعل، في ضوء ما تم، على امتداد المائة عام الأولى للمشروع الصهيوني، تحقق قول القاضي برانديز. وسارت المحطات الرئيسية التي مر بها المشروع، والتي تكاد تكون متساوية في أطوالها الزمنية، ما بين 20 و30 عاماً، كالتالي:

ـ 1897: المؤتمر الصهيوني الأول في بازل بسويسرا.

ـ 1917: وعد بلفور البريطاني للحركة الصهيونية.

ـ 1947: قرار مجلس الأمن الرقم 181 بتقسيم فلسطين، وإضفاء الشرعية على دولة يهودية.

ـ 1967: حرب الأيام الستة، واحتلال كل فلسطين وبعض أراضي دول عربية ثلاث، هي: مصر، وسورية، والأردن.

ـ 1977: زيارة السادات للقدس وبداية اتفاقيات السلام.

ـ 1979: اتفاقية كامب دفيد.

ـ 1997: محاولة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الحصول على السلام مع الاحتفاظ بمعظم الأراضي العربية المحتلة في الجولان والضفة الغربية.

والمهم في هذا التراكم هو أن البذرة، التي وضعها هيرتزل في كتابه بعنوان " الدولة اليهودية "، والذي ظهرت طبعته الأولى بالألمانية، يوم 14 فبراير 1896، قد أحدثت، من الحماس والتفاعل بين يهود أوروبا وأمريكا، ما جعلهم يعقدون مؤتمرهم الأول، في غضون عام ونصف فقط من ظهور الكتاب. طبعاً كانت هناك عوامل عديدة، طوال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، أخرجت اليهود الأوروبيين من عزلتهم، ودمجتهم في الحياة الأوربية العامة بحلوها ومرها، وإيجابياتها وسلبياتها. كذلك ظهر الكتاب في أعقاب مجموعة من المحن، التي مر بها اليهود، ليس فقط في شرق أوروبا وروسيا، ولكن، كذلك، في فرنسا، قلعة الليبرالية في ذلك الوقت، والتي بدأ منها تحرير اليهود في العصر الحديث. والمقصود، تحديداً، هو ما يسمى بفضيحة " دريفوس "، حيث اتهموا هذا الضابط المسؤول في الجيش الفرنسي بإفشاء أسرار الدولة، لا لشىء، كما جاء في قرار الاتهام، إلاّ لأنه "يهودي"، وقامت حملة عداء واسعة النطاق ضد اليهود الفرنسيين، حتى قبل أن تتم المحاكمة، التي انتهت بتبرئة " دريفوس " على أية حال.

ويلاحظ، منذ يوم 29 أغسطس 1897 ـ أي اليوم الأول للمؤتمر الصهيوني ـ أن أصحاب المشروع قد أخذوا مشروعهم بجدية ووعي وصرامة. نعم كانوا يحلمون بما لا يملكون، ولكنهم فعلوا ذلك بمنهجية علمية، وعلانية، وصراحة كاملة.

باختصار، حرص هيرتزل على أن يكون مؤلفاً، ومخرجاً، ومنتجاً، وموزعاً، لأمل الدولة اليهودية، وأن يشيع بين المائتي عضو، الذين حضروا المؤتمر الأول، من 17 دولة، والمراقبين من غير اليهود، جواً من الدراما، أو الأمل الذي يبدو حقيقة. أو على وشك التحول إلى حقيقة. لقد كان هيرتزل، في هذا الجانب من أدائه، رومانسياً مبهراً ومؤثراً. ولكنه، في جانب آخر، كان واقعياً عملياً ذا قدرات تنظيمية فائقة، كما يتجلى في الفقرات التالية.

3. وثائق المؤتمر ومداولاته وقراراته

كان كتاب هيرتزل عن الدولة اليهودية، هو الوثيقة الأساسية للمؤتمر، التي جرى النقاش حولها، وترجمتها إلى قرارات، أهمها القرار التالي:

"خلق وطن للشعب اليهودي في فلسطين يضمنه القانون العام"

والجدير بالتنويه أن هذا القرار، الذي انعقد المؤتمر من أجله وفي سبيله، استغرق معظم المناقشات لسببين:

أ. هو تحديد فلسطين كوطن للشعب اليهودي. فإن هيرتزل لم يصر على فلسطين أو على أي بلد آخر بعينه. وكما قال هو في كتابه "إننا سنأخذ ما يُعرض علينا …" وكان يريد أن يتسم الأمر بالمرونة، تسهيلاً للحركة الصهيونية، ولكن معظم المشاركين أدركوا أهمية النص على "فلسطين"، لاعتقادهم أن ذلك هو الذي سيضمن تأييد معظم يهود العالم، وخاصة البسطاء. كذلك من الملفت للنظر في هذا القرار غياب مصطلح "الدولة"، الذي كان عنوان كتابه ذائع الصيت. ويبدو، كما يذهب الدكتور وليد الخالدي، أن هيرتزل نفسه قد ارتضى كلمة "وطن" أو "مستقر" (Heimstatte) بغرض "التخفيف من مخاوف الدولة العثمانية، وحلفائها، والمتدينين اليهود، وكبار أثريائهم، من دعاة الاندماج بالمجتمعات الأوروبية. فأرسى بذلك سابقة في التمويه على الهدف، من دون التخلي عنه، أصبحت من أهم ركائز الإستراتيجية الصهيونية، فيما بعد".

ب. عبارة "القانون العام"؛ فقد أدرك المحامون وأساتذة القانون، الذين شاركوا في المؤتمر، منذ البداية، أنه ما لم تكن هناك ضمانات قانونية دولية لنشأة هذا الوطن اليهودي، فإن البناء كله سيظل مثل بيت من ورق. وكان الخلاف، مع ذلك، هو هل يكون النص على " القانون الدولي "، أو "ضمانات دولية" أو "القانون العام"؟ واستقر رأي الأغلبية، في النهاية، على "القانون العام"، الذي يدخل "القانون الدولي"، في إطاره. وهو لا يحدد دولة معينه أو مجموعة من الدول. وكشفت المناقشات على أن أية دولة، أو أي قانون من قوانينها، يكفي كركيزة لشرعية "الوطن اليهودي". وهم يدركون أن صك الشرعية القانونية هذا، ليس شرطاً كافياً لإقامة "الوطن اليهودي"، ولكنه ضروري للمضي في التخطيط والتنفيذ والبناء.

ومن الناحية العملية، كانت أهم قرارات المؤتمر هي تبنى مقترحات هيرتزل، التي وردت في كتابه، وهي: إنشاء هيئتين: الأولى "المنظمة الصهيونية العالمية"، والثانية "الوكالة اليهودية". وكانت الأولى بمثابة هيئة تشريعية تنفيذية للحركة الصهيونية. أمّا الثانية فقد كان منوطاً بها جمع المال، واستحداث آليات للاستثمار داخل وخارج فلسطين، أي أن تصبح الذراع الاقتصادي، المالي للحركة الصهيونية.

كذلك حدد المؤتمر الصهيوني الأول، في بازل، الخطوات اللازمة لتحويل القرار الأول إلى واقع، وهي:

أ. العمل على استعمار فلسطين بواسطة مستوطنين زراعيين وغير زراعيين.

ب. تنظيم الشعب اليهودي بأسره، عبر منظمات محلية ووطنية ودولية، تتلاءم مع القوانين السائدة في كل بلد يوجد فيه يهود.

ج. تعزيز الشعور بالهوية اليهودية، والوعي القومي عند اليهود.

د. اتخاذ الخطوات الضرورية للحصول على موافقات وتأييد الحكومات لتحقيق هدف الصهيونية.

وقد انتخب تيودور هيرتزل رئيساً للمنظمة الصهيونية العالمية، كما انتخب مجلس إدارة للمنظمة؛ واختيرت فيينا مقراً لها. وقال هيرتزل، في تصريح له، في نهاية المؤتمر: "لقد وضعنا هنا في بازل أساس الدولة. وسترى النور في غضون سنوات لن تتجاوز الخمسين عاماً…" وقد صدق تكهن هيرتزل، حيث أُعلن تأسيس إسرائيل في 14 مايو 1948. وبكل مقاييس الحركات الاجتماعية في التاريخ المعاصر، فإن إنجاز الحركة الصهيونية يعد إنجازاً مبهراً، خاصة إذا قورن بحركات اجتماعية سياسية قومية أخرى، ومنها حركة القومية العربية، التي بدأت في التاريخ نفسه تقريباً