إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الصهيونية




مناحم بيجين
موشي ديان
هنري كيسنجر
وعد بلفور
إسحاق رابين
إسحاق شامير
تيودور هرتزل
جولدا مائير
حاييم وايزمان
ديفيد بن جوريون
زئيف جابوتنسكي فلاديمير

أبناء ونسل إبراهيم عليه السلام

مناطق الانتداب البريطاني ـ الفرنسي
مشروع الوكالة اليهودية
مشروع برنادوت لتقسيم فلسطين
إسرائيل والأرض المحتلة 1967
إسرائيل عام 1949
الاحتلال اليهودي لفلسطين
تكوين المملكة المتحدة
تقسيم لجنة وودهيد البريطانية (أ)
تقسيم لجنة وودهيد البريطانية (ب)
تقسيم تيودور هيرتزل 1904
تقسيم فلسطين بين الأسباط
فلسطين في القرن الأول ق.م



تقديم

المبحث السادس

المرحلة الثالثة والرابعة من إقامة دولة إسرائيل

أولاً: المرحلة الثالثة: التوسع

1. زمن المرحلة: من عام 1947م وحتى يوليه 1973.

ب. أهداف المرحلة:

أ. استمرار الإرهاب وتصعيده لطرد الفلسطينيين من الأرض والاستيلاء عليها.

ب. تأسيس الدولة اليهودية وإعلانها طبقاً للقانون العام.

ج. زيادة معدلات الهجرة إلى فلسطين وتثبيت وضعية الدولة بالمنطقة.

د. العمل على توسيع حدود الدولة اليهودية حتى تضم أرض إسرائيل الكبرى التاريخية.

هـ. إعادة ترتيب القوى وتوازنها بالشرق الأوسط في ظل مصالح الدول الكبرى.

ز. إخضاع العرب وإنهاء مقاومتهم ومطالبهم بأرض فلسطين.

انتهت المرحلة الثانية من مخطط الصهيونية لاغتصاب فلسطين بصدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في 29 نوفمبر 1947م بتقسيم فلسطين إلى دولتين، إحداهما عربية والأخرى يهودية (اُنظر خريطة قرار تقسيم الأمم المتحدة)، وفي 14 مايو 1948م ومع نهاية الانتداب البريطاني، أعلن قيام دولة إسرائيل، بعد أن تمكن الصهاينة من ابتلاع كل الأراضي التي وصلت إليها أيديهم، ثم تابعت إسرائيل الخطى على نفس الطريقة بواسطة الجيل الفاشي الإرهابي، يغتصب الأرض ويبني عليها المستعمرات لاستيعاب المهاجرين الجدد، وينظم صفوف قواته المسلحة ليحارب العرب ويجليهم عن أرضهم، ويمنعهم من استردادها. وقد حمل دافيد بن جوريون لواء الدعوة إلى هذا العنف والإرهاب، وقد يكون هو الشخص الذي يدين له الصهيونيون بالفضل، فهو الذي عرف كيف يخلق من قرار الأمم المتحدة، وتواطؤ الاستعمار، وضعف العرب، وأطماع الصهيونية العالمية مزيجاً من العوامل التي استغلها إلى أقصى مدى لاغتصاب فلسطين تحت شعار من الشعارات الزائفة مثل الاستقلال والتحرر والأمن، ولم تكن في واقع الأمر سوى عمليات انقضاض على الأرض العربية ثم فرض الأمر الواقع.

لم يمثل قرار التقسيم سوى نقطة ارتكاز للانطلاق الصهيوني نحو التوسع، كما لم يكن إعلان الدولة عام 1948م إلا خطوة في طريق التوسع، أيضاً كان هناك دائما تمييز واضح في الفكر الصهيوني بين مفهوم دولة إسرائيل ومفهوم أرض إسرائيل التاريخية، لذلك فان الأطماع التوسعية سوف تبقى دائما ما لم يتطابق هذان المفهومان على أرض الواقع باستيعاب دولة إسرائيل لهذه الأرض التاريخية؛ وعلى ذلك فان هذه المرحلة التي بدأت بتأسيس الدولة كانت مرحلة انطلاق نحو تحقيق الصهيونية الشاملة من خلال الهجرة والتوسع، وقبل كل شيء إيجاد وطن ذي سيادة لكل اليهود الذين ينتظرون خارجها، ولذا كانت موافقة الصهيونيين على قرار التقسيم، فور صدوره من الأمم المتحدة، مؤكدين أن نصف البلاد يمثل الحد الأدنى الذي يتعذر إنقاصه أو الرجوع عنه، بعكس العرب الذين أعلنوا رفضهم لاقتطاع الأراضي العربية، وتكوين دولة يهودية في قلب الوطن العربي. حيث خص قرار التقسيم اليهود بحوالي (56%) من مساحة البلاد على الرغم من أن الممتلكات اليهودية الفعلية في ذلك الوقت لا تزيد عن (7%) من هذه المساحة وبدأ العرب نضالهم ضد هذا القرار في أول ديسمبر 1947م، فانتشرت المقاومة في أنحاء فلسطين وشملت يافا والقدس وحيف واللد والرملة كما تمكنت عناصرها المسلحة من قطع الطريق بين تل أبيب والقدس، واضطرت الهاجاناه خلال هذه الفترة إلى إتباع الأساليب الدفاعية لبضعة أشهر، قضتها في حشد قوى البيشوف وتجنيد المهاجرين وتسليح القوات والاستعداد لتوجيه ضربتها الكبرى، بمجرد اكتمال المخطط وإعداد الوسائل. كما أن النشاط الدبلوماسي في الأمم المتحدة لم يتوقف، وظهر أن بريطانيا والولايات المتحدة أصبحتا أقل اهتماما بتنفيذ قرار الأمم المتحدة، بل وأعلنتا عدم إمكان تقسيم فلسطين واقترحت الولايات المتحدة وضع فلسطين تحت وصاية الأمم المتحدة، وأن يديرها حاكم من قبلها، ورفض الصهيونيون هذا الاقتراح على لسان بن جوريون بقوله "إن الأمم المتحدة لا يمكنها تغيير الوضع في فلسطين، ولن تستطيع منع تكوين دولة يهودية، وإن تكوين الدولة لا يعتمد على قرار 29 نوفمبر 1947م مع ما له من قيمة معنوية وسياسية لليهود, ولأن الدولة ستخلق بواسطتنا, فنحن الذين نقرر مصير تلك البلاد". (اُنظر خريطة مشروع الوكالة اليهودية)

اقتصرت أعمال المقاومة العربية في ذلك الوقت على قطع بعض الطرق أساساً، ومحاولة حصار المناطق اليهودية لإحباط الأهداف التوسعية المبيتة، ولكن لم يكن تدمير لأية مستعمرة يهودية أو تهجير ساكنيها، وبعد عدة شهور تحولت الهاجاناه إلى عمليات الهجوم على القرى الفلسطينية لممارسة الإرهاب، واقتحمت هذه القرى العربية، التي كانت تبعد أميالاً كثيرة عن المستعمرات اليهودية بحجة مهاجمة العصابات العربية وفي 16 ابريل 1948م. اتخذ المجلس الصهيوني العام قراراً ببدء حرب الإبادة وإقامة الدولة اليهودية بالقوة المسلحة، وإعلان التعبئة العامة وتنظيم السيطرة على البلاد وفي 14 مايو 1948م أنزل العلم البريطاني عن دار الحكومة في القدس، وغادر البلاد السير ألان كننجهام آخر مندوب سامٍ في فلسطين، وكانت القوات الصهيونية قد فرضت سيطرتها على رقعة كبيرة من البلاد (اُنظر خريطة الاحتلال اليهودي لفلسطين) وفي مساء ذات اليوم أعلن بن جوريون إنشاء الدولة اليهودية في أرض إسرائيل، لتعرف باسم دولة إسرائيل وهكذا تعمدت بريطانيا وهي تعلم طبيعة الموقف داخل فلسطين ألا تتخذ أي إجراء من شأنه فرض السيطرة على البلاد، أو نقل السلطة إلى الأمم المتحدة حسب قرار التقسيم ,وأن المعنى الوحيد لتصرف الحكومة البريطانية هو أنها سلمت فلسطين للقوى الصهيونية، وبرت بوعودها بدعم دولة إسرائيل وإخراجها إلى الوجود وفقاً للمخطط الصهيوني الاستعماري السابق وضعه ,ونفذ قبل إنهاء الانتداب البريطاني, ويبدأ الصراع العربي الإسرائيلي بصورته الحديثة ,والذي يمكن رصده من خلال أربع فترات زمنية تشمل في داخلها جولات الصراع حتى الآن.

1. الفترة الأولى: الاحتواء الأول والردع المحدود

بدأت هذه الفترة من عام 1947م وحتى عام 1957م بهدف

·   فرض الدولة اليهودية.

·   تثبيت كيان الدولة اليهودية.

·   ج. إعلان نشأة القوات المسلحة الإسرائيلية.

·   د. إتباع السياسات الحربية وتطوير القوات المسلحة الإسرائيلية.

·   هـ. الجولات العربية الإسرائيلية.

أ. الجولة العربية الأولى (حرب عام 1948م)

أثر إعلان دولة إسرائيل والاستيلاء على مزيد من الأراضي العربية وإصدار بن جوريون الأمر الرقم (4) الصادر في مايو 1948م وأبرز نقاطه هي إنشاء قوات الدفاع الإسرائيلية (تسهال) وتكوينها من القوات البرية والجوية والبحرية وتنفيذ التجنيد الإجباري للتشكيلات والخدمات في أوقات الطوارئ، واعتبار إنشاء أي قوة مسلحة أخرى أو الاحتفاظ بها خارج إطار قوات الدفاع الإسرائيلية محظوراً, وتحركت الدول العربية (سورية والأردن ولبنان والعراق ومصر) ودخلت إلى فلسطين بهدف منع الصهيونية من استكمال الاستيلاء عليها، وتمكنت من استعادة بعض الأراضي وتطويق الأطماع الصهيونية، غير أن تدخل الدول الغربية وعرض القضية على مجلس الأمن أدى إلى إعلان الهدنة الأولى في يونيه 1948م، التي قبلها الصهيونيون فورا لحاجاتهم لكسب الوقت لحشد القوات واستيراد الأسلحة الثقيلة على الرغم أن قرار الهدنة يحظر استيراد الأسلحة، كما قبلها العرب على مضض بوساطة الوسيط الدولي برنادوت، واستمرار الهدنة شهراً، أتمت خلاله القوات البريطانية إخلاء ميناء حيفا فاحتلته الهاجاناه فوراً، وقدم برنادوت اقتراحاته للسلام لكل من العرب واليهود حيث دعا إلى توحيد فلسطين وشرق الأردن في وحدة واحدة مكونة من جزئين أحدهما عربي والآخر يهودي (اُنظر خريطة مشروع برنادوت لتقسيم فلسطين) وتبقى القدس ضمن القسم العربي مع توفير حكم ذاتي بلدي للجالية اليهودية ولكن في 9 يوليه 1948م استؤنف القتال بعد أن تمكنت إسرائيل من أعادت تنظيم قواتها وتدعيمها، وأصبح لها قوات جوية مقاتلة، واستمر القتال لمدة عشرة أيام اهتز فيها الموقف العربي واستولت إسرائيل على 14 مدينة و200 قرية من أراضي العرب بالإضافة مدينتي اللد والرملة بعد أن أخلاها الجيش الأردني نتيجة لمؤامرة بين بريطانيا في شخص جلوب باشا قائد الجيش الأردني والصهيونية وفي 19 يوليه 1948م فرضت الهدنة الثانية دون تحديد مدتها؛ حيث استولت إسرائيل على مزيد من أراضى فلسطين (اُنظر خريطة إسرائيل عام 1949).

قدم برنادوت تقريراً شاملاً لمشكلة فلسطين قبل أن يغتاله الصهيونيون، وعرض على الجمعية العامة للأمم المتحدة بباريس في نهاية سبتمبر 1948م وتضمن اقتراحات محددة للتسوية أهمها تعيين حدود الدولتين وعلاج مشكلة اللاجئين بعودتهم إلى أراضيهم، وأن تبقى القدس تحت إشراف الأمم المتحدة، ووافقت كل من بريطانيا والولايات المتحدة على المقترحات ورفضها العرب كما رفضتها إسرائيل على الرغم من طلبها تعديل الحدود بإضافة مزيد من الأراضي لتسهيل الدفاع عن نفسها، وكذا ممر أرضي يربط بين القدس ودولة إسرائيل للدفاع عن المدينة كما رفضت أن يكون النقب عربياً، على الرغم من ذلك لم تحافظ إسرائيل على الهدنة واستمر اليهود في تحسين أوضاعهم بإضافة أراضٍ جديدة لإضعاف الدفاعات العربية وتطوير الهجمات الإسرائيلية حتى سقطت بئر سبع وحوصرت الفالوجا، كما اضطرت القوات المصرية إلى إخلاء أسدود والمجدل. وفي أواخر ديسمبر 1948م شنت القوات الإسرائيلية هجوماً عاماً ضد الجبهة المصرية، وتوغلت في سيناء حتى بئر الحسنة وجنوب العريش، ثم انسحبت مرة أخرى إلى فلسطين، وفرضت الهدنة الثالثة في 7 يناير 1949م ووقعت اتفاقيات الهدنة بين إسرائيل وكل من مصر في فبراير 1949م ومع لبنان في 23 مارس والأردن في 3 ابريل وسورية في 20 يوليه 1949م وبينما الوفد الأردني في رودس في مفاوضات الهدنة، أصدر جلوب أوامره مرة أخرى بسحب القوات الأردنية من رأس النقب وأم رشراش على خليج العقبة لتستولي عليها القوات الإسرائيلية في 10 مارس وتقيم عليها ميناء ايلات، ويعلن بن جوريون عن نهاية الحرب قائلاً "ثم النصر في حرب الاستقلال التي كلفتنا أكثر من خمسة آلاف قتيل. لقد كانت الحرب نقطة تحول في تاريخ إسرائيل ولها مكانة حروب يوشع بن نون وحملات الحاشمونيين. لقد كانت الدولة حلقة جديدة في سلسلة التاريخ انتظرناها 1835 سنة منذ هزيمة باركوبا".

استأنفت الجمعية العامة للأمم المتحدة مناقشة مشكلة القدس في نهاية 1949م، وقررت أن المدينة يجب أن تكون تحت السلطة الشرعية للأمم المتحدة لحماية المصالح الدينية والروحية للأديان السماوية الثلاثة غير أن إسرائيل رفضت القرار بل نقلت بعض وزاراتها ومقر الكنيست إلى القدس متحديه قرار الأمم المتحدة، واستمرت إسرائيل رغم الظروف غير الطبيعية في نشأتها تسعى لتثبيت أركان الدولة مستغلة موقعها المعادي وسط محيط عربي، وذلك بطلب الأمن من القوى العالمية وخاصة الولايات المتحدة بعد أن كررت إعلانها بأن الهدف الرئيس من وجود الدولة هو خلاص الشعب اليهودي وتجميع يهود المنفى، وأن الأمن لها يتمثل في دعم هذه القوى الغربية ومساعدة إسرائيل باستمرار تدفق الهجرة الجماعية وبإيقاع سريع لتدعيم قوات الدفاع الإسرائيلية وإقامة المستعمرات وحمايتها وضمان حدودها الحالية مع الدول العربية (اُنظر تقسيم لجنة خريطة وودهيد البريطانية (أ)) وقد ساعد في تنفيذ ذلك نتائج الجولة الأولى التي أسفرت عن الآتي:

(1)     فشل القوات العربية في تحرير فلسطين وذلك للأسباب الآتية:

(أ) حجم القوات لم يكن مناسباً، ولم يكن الإعداد للحرب على المستوى المطلوب .

(ب) لم تكن القيادة على مستوى المواجهة (قيادة وسيطرة ـ خبرة).

(ج) قبول الهدنة مكن اليهود وحلفاءهم من تغيير الموقف العسكري.

(2) وانتصر الصهاينة ونجحوا بنهاية الحرب في إنشاء دولة إسرائيل للأتي:

(أ) المستوى الجيد في الخبرة والتدريب والتسليح للمنظمات الصهيونية.

(ب) الدعم العسكري والسياسي المتوافق والمتزامن لإسرائيل من حلفائها.

(ج) الاحتواء المبكر للدول العربية وإلزامها بتوقيع اتفاقيات هدنة منفردة مع إسرائيل.

ب. الجولة العربية الإسرائيلية الثانية (عدوان عام 1956م)

منذ نهاية الحرب العالمية الثانية والاستعمار يحاول تعزيز قواته في منطقة الشرق الأوسط، عن طريق إقامة الأحلاف العسكرية والضغط على دول المنطقة، بترحيب من إسرائيل، بل وبذلت جهودها للانضمام لأي منها لتأثير ذلك النفسي القوي على العرب ولأن نفوذ الدول الكبرى سيساعد في الضغط على العرب للتنازل إلى حد ما لصالح إسرائيل، وفي نفس الوقت استمرت الدول الغربية تدبر الخطط وترسم المناورات بهدف تأمين سلامة إسرائيل وضمان بقائها، مع طمس معالم ما تبقى من فلسطين والعمل على تصفية قضيتها مع إثارة الفرقة بين الدول العربية لتحقيق أمن إسرائيل واستقرارها، ورفضت مصر سياسة الأحلاف وعرضت على الجامعة العربية مشروع الدفاع العربي المشترك، ووافقت عليه جميع الدول العربية ووقعت عليه في 13 ابريل 1950م واستشعرت الخطر من هذا المشروع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فردوا بإصدار التصريح الثلاثي في 25 مايو 1950م ووافقت عليه إسرائيل بتأييد تام وهو المتضمن الآتي:

(1) معارضة سباق التسليح بين العرب وإسرائيل.

(2) ضمان عدم اعتداء أي دولة على آخري ممن سيسمح لهم بالتزود بالسلاح.

(3) ضمان حدود وخطوط الهدنة واتخاذ الإجراءات لوقف أي انتهاك لها.

استمرت إسرائيل تسعى لتحقيق الأمن بالاشتراك في المخططات الغربية الخاصة بالدفاع عن المنطقة لإيمانها المطلق بأن مصالحها الحيوية لن تتحقق إلا بالارتباط الوثيق بالغرب، وخاصة الولايات المتحدة، ونجحت إسرائيل في تحقيق هدفها حيث حصلت على أسلحة وقروض بريطانية في مارس عام 1952م وتوقيع اتفاقية الأمن المتبادل بينها وبين الولايات المتحدة في يوليه 1952م، إضافة إلى اتفاقية التعويضات الألمانية التي دعمت مواجهة الأعباء الاقتصادية وإنشاء القاعدة الصناعية الكبرى، وكذا استيعاب مشكلات المهاجرين الجدد ومدتها اثني عشر عاماً بقيمة خمسة ملايين دولار في سبتمبر 1952م ولكن إسرائيل لم تحقق شيئا في عام 1953م حيث شعرت بأنها لم تكن موجودة على الخريطة السياسية للمنطقة وكانت أياماً كئيبة للدولة وكذلك عام 1954م حيث وقعت اتفاقية الجلاء عن قناة السويس ثم قرب انتهاء المعاهدة البريطانية العراقية المعقودة في عام 1932م وكذا إعادة النظر في الترتيبات العسكرية البريطانية في الأردن في المستقبل القريب، وكذا أثارت إسرائيل مسألة توازن القوى في المنطقة على نطاق واسع لم يثار من قبل، ذلك لاعتقادها الراسخ أنه يعني تفوقها هي وليس العرب مجتمعين وجاء عام 1955م بصفقة الأسلحة التشكيلية لمصر وفشل بريطانيا في ضم الأردن لحلف بغداد، ولكن نجحت إسرائيل في عقد صفقة أسلحة ضخمة مع فرنسا بدأت في التدفق أوائل عام 1956م بالإضافة إلى سحب الولايات المتحدة الأمريكية تمويل السد العالي، ورد مصر بتأميم قناة السويس فكان قرار بريطانيا وفرنسا بالتدخل عسكرياً ضد مصر لتأمين المصالح البريطانية، وإيقاف دعم مصر للثورة الجزائرية. التقى هذا القرار مع مصالح إسرائيل الأمنية في ضرب الثورة المصرية، وإجهاض قواتها العسكرية الجديدة فكانت المؤامرة الثلاثية التي وقع بروتوكولها في ضاحية سيفر بالقرب من باريس، هي الوثيقة التي رسمت صورة دقيقة لأبعاد المؤامرة وشكل العدوان على مصر، وقد وقعها عن إسرائيل ديفيد بن جوريون ومن فرنسا كريستيان بينو وعن بريطانيا باتريك دين في مساء 24 أكتوبر 1956م. ويمكن تلخيص ما جاء في وثيقة هذا البروتوكول في الآتي:

(1) أن تشن إسرائيل عملية عسكرية ضد مصر (إسقاط جوي عند ممر متلا) تحمل في البداية طابع الإغارة العسكرية ثم يذكر أنها عملية حربية تعرض قناة السويس للخطر (خلق ذريعة للتدخل البريطاني ـ الفرنسي)

(2) الفاصل الزمني بين العملية وتدخل بريطانيا وفرنسا 36 ساعة كحد أقصى ويكون التدخل بالقوات الجوية لهما.

(3) يقدم طلب لإسرائيل وإنذار لمصر للمطالبة بوقف إطلاق النار وسحب القوات عشرة أميال من القناة ويضاف لمصر المطالبة بوضع قوات فرنسية بريطانية في منطقة القنال ويسمح للطائرات الفرنسية استخدام القواعد الإسرائيلية لحماية المدن الإسرائيلية.

(4) يشترط في حالة قيام الأردن بمهاجمة إسرائيل إلا تسارع بريطانيا بتقديم المساعدات له وفي غير هذه الحالة غير مسموح لإسرائيل بمهاجمة الأردن أو التعرض له.

(5) تضمن بريطانيا وفرنسا حرية الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة بعد إنهاء الحرب.

(6) تحدد بدء العمليات ليكون الاثنين 29 أكتوبر 1956، (سعت 1700) بتوقيت إسرائيل.

بدأ العدوان الثلاثي على مصر في التوقيت المحدد بهجوم شامل للقوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء، ثم أعقبه الهجوم البريطاني الفرنسي ليلة 31 أكتوبر متأخراً 12 ساعة عن الموعد المقرر، وبضرب جميع المطارات المصرية، ورغم عدم اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية اشتراكاً فعلياً أو رسمياً، إلا أنها تضررت من العدوان المسلح وفشل العدوان، وتوقف القتال في 7 نوفمبر وانسحبت القوات البريطانية والفرنسية من بورسعيد في ديسمبر 1956م، وانسحب إسرائيل من سيناء وغزة في مارس 1957م، وأخذت الولايات المتحدة الأمريكية على عاتقها مسؤولية العمل في المنطقة وسد الفراغ الناتج من الهزيمة البريطانية الفرنسية ويمكن إجمال النتائج التي تمخض عنها هذا العدوان في الآتي

(1) في المجال العسكري

فشل العدوان في القضاء على الجيش المصري حيث أظهر قرار الانسحاب من سيناء كفاءة وحسن تقدير الموقف للقيادة والجيش وارتفعت الروح المعنوية له.

(2) في المجال السياسي

تجسد النصر بأبعاد سياسية كبيرة للقيادة المصرية وعزز من نجاح مصر في المنطقة وأظهر قوة علاقاتها الدولية وأهميتها كما برزت قوة عسكرية وسياسية واقتصادية في المنطقة.

(3) في المجال الاجتماعي والاقتصادي

شهدت المنطقة بعد ذلك نهوضا فكريا وثقافيا واقتصاديا وأحس العرب بوجودهم الفعال بين الأمم.  

2. الفترة الثانية: الاندفاع بالعدوان نحو الحدود الآمنة

تبدأ هذه الفترة من عام 1957م حتى عام 1967م وشهدت هذه الفترة متغيرات كثيرة فبعد الهزيمة السياسية لثلاثي العدوان على مصر، وعدم تحقيقهم أياً من أهداف هذا العدوان وانحسار الدور الفرنسي البريطاني ما خلق ما يسمى بفراغ القوة في هذه المنطقة الإستراتيجية الأمر الذي حدا بالولايات المتحدة أن تتدخل بمشروع أيزنهاور (دعم السلام وتوطيد الاستقرار في الشرق الأوسط)، الذي رفضه العرب أجمعون، وكالعادة تأتي السياسة الاستعمارية بعكس المراد منها فعندما أعلن عن الوحدة بين مصر وسورية في فبراير 1958م وبدأت الثورة الشعبية في لبنان ثم ثورة العراق في يوليه 1958م حاولت الولايات المتحدة اختبار مشروع أيزنهاور فتدخلت في لبنان بإنزال بحري من الأسطول السادس ودفعت بريطانيا بقوتها المحمولة جواً إلى الأردن، في محاولة لمنع انتشار حركة التحرر العربية وإيقافها ولو باستخدام القوة ولكن هذه السياسة لاقت فشلاً كاملاً بفضل صمود الشعوب العربية. ولجأت الولايات المتحدة إلى سياسة الأحلاف العسكرية التي تؤيدها إسرائيل، ولكنها فشلت فيها أيضاً. ورحلت فرنسا من شمال إفريقيا وبريطانيا من باقي أراضي الشرق الأوسط، فشعرت إسرائيل بالخطر فقررت أن تكون سياستها الخارجية مركزة لخدمة أمنها القومي، وذلك بالحصول على الأسلحة والمعدات اللازمة لتطوير القوات المسلحة الإسرائيلية، فنشطت مدعومة بالصهيونية العالمية في الضغط للحصول على ما تريد، فحولت الحظر الكامل للأسلحة الأمريكية في بداية الخمسينيات إلى الإمداد بالدبابات والطائرات في الستينيات وفي أعقاب الأزمة بين إسرائيل وكل من مصر وسورية (الجمهورية العربية المتحدة رغم الانفصال) حول المنطقة المنزوعة السلاح على الحدود السورية استطاعت أن تحصل على الصواريخ هوك لحماية سمائها وكانت الوفود السياسية والعسكرية الإسرائيلية لم تنقطع عن فرنسا وألمانيا والولايات المتحدة حتى حصلت على ما تريده من أسلحة ومعدات أو على الأقل وعدت بها وعلى ما يؤمن وجودها ضد الأخطار العربية.

الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة (يونيه 1967م)

كانت ظروف الموقف الدولي الإقليمي والداخلي في إسرائيل خلال عام 1966م وبداية عام 1967م مواتية لشن الحرب الشاملة ضد الدول العربية المجاورة مع اتخاذ ومشروعات التحويل للمياه في سورية ذريعة لتفجير الموقف ويمكن حصر أبرز هذه الظروف فيما يلي

(1) تزايد الدعم الأمريكي لإسرائيل (بوصول الدبابات وطائرات سكاي هوك) بالإضافة إلى تدهور العلاقات العربية الأمريكية من سيء إلى أسوء وكذلك العلاقات العربية الألمانية (قطع العلاقات).

(2) عكست مؤتمرات القمة العربية صورة التضامن العربي والذي استغلتها إسرائيل بإظهار الدول العربية معتدية وتسعى لتدمير إسرائيل، على الرغم من حالة التفسخ بين العرب ما عدا مصر وسورية بعد عودة العلاقات وظهور التهديد الإسرائيلي لهما.

(3) القوات المسلحة المصرية وتعدها إسرائيل العدو الرئيس لها، حيث قال موشى ديان في يوم 16 مايو أثناء اجتماع رؤساء الأركان العامة السابقين مع رئيس الأركان الحالي اسحق رابين " أن مصر هي عدونا الحقيقي وان علينا أن نركز اهتمامنا نحوها أساسا وقد تأثرت بالصراع الطويل في اليمن ومازال حجم كبير منها في هذا الصراع.

(4) أكملت القوات المسلحة الإسرائيلية استعدادها لخوض حرب جديدة، هدفها الأساس هو تدمير الجيوش العربية والتوسع الإقليمي وفرض السلام الإسرائيلي بالقوة.

(5) تفاقم المشكلات الاقتصادية داخل إسرائيل وزيادة البطالة وأصبحت الحرب هي الخلاص الوحيد من هذه المشكلات.

منذ أوائل عام 1967م بدأ التوتر في المنطقة يتخذ أبعاداً جديدة، نتيجة لتحول قادة إسرائيل إلى إعلان التهديد المباشر بغزو الأراضي السورية والاستيلاء على دمشق. وأخذ الحوار والجدل يزيد بين القادة الإسرائيليين المدنيين والعسكريين داخل الحكومة وخارجها وخاصة بعد إغلاق مصر لخليج العقبة في وجه الملاحة الإسرائيلية، وفي أول يونيه 1967م اضطر ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يرضخ لمطالب المؤسسة العسكرية وأن يعيد تشكيل وزارته لتكون وزارة حرب ائتلافية من جميع الأحزاب؛ حيث دخلها اثنان من أكبر دعاة الحرب والقوة وهما موشى ديان وزيراً للدفاع ومناحم بيجين وزير دولة، وفي يوم 4 يونيه عقد مجلس الوزراء الجديد اجتماعه واتخذ قرار شن الحرب في صباح اليوم التالي، حيث اندلعت الحرب صباح يوم 5 يونيه 1967م، وبدأت بضربة جوية على جميع المطارات المصرية، محققة مفاجأة شديدة، أعقبها هجوم بري إسرائيلي احتل فيه سيناء بالكامل، وأغلق قناة السويس واحتل الضفة الغربية والقدس والجولان (اُنظر خريطة إسرائيل والأراضي المحتلة 1967) وكانت نتائج الحرب كما يلي:

(1) في المجال العسكري

تمكنت إسرائيل من هزيمة ثلاث دول عربية، وتدمير الجزء الأكبر من معداتها وأسلحتها، فأزالت الخطر الذي يهدد أمنها مباشرة، حيث تحققت لها حدود طبيعية وعمق استراتيجي كامن، وأثبتت قدرة الردع الإسرائيلي، ومدى التفوق النوعي لجيشها؛ غير أن الصمود العربي وإصرار الشعوب العربية على الدفاع عن حقها، وسرعة التخطيط والعمل على إعادة بناء قواتها المسلحة، قلل من هذا الكسب العسكري وقلل من فاعليته.

(2) في المجال السياسي

أصبحت المبادأة السياسية في جانب إسرائيل، ما أدى إلى تحطيم كافة الجهود الدولية لحل الأزمة، وذلك لإصرار إسرائيل وأعوانها على جني ثمار النصر العسكري، أي بفرض السلام الذي تراه، ومتخذة من رفض العرب المفاوضات المباشرة معها ذريعة لاحتلال الأرض، ولكنها لم تحقق أياً من أهدافها السياسية النهائية وذلك نتيجة التطور السياسي والعسكري العربي، وتغير الرأي العام العالمي للتحرك السياسي الغربي فضلاً عن تغير ميزان القوى السياسية في المنطقة، ما بدأ في تحويل المبادأة السياسية إلى جانب العرب، وقد اعترف إيجال ألون بذلك .

3. الفترة الثالثة: الاحتواء الثاني والردع الجسيم

امتدت هذه الفترة من عام 1967م حتى عام 1977م وشملت نتائج وآثار حرب 1967م على العرب وإسرائيل، وموقف القوى الكبرى العالمية منها، وقد ظهر التعنت الإسرائيلي نتيجة الزهو بالنصر العسكري الساحق على العرب في محاولة الاستفادة مما حققته من توسع واحتواء للأراضي العربية الجديدة، الذي وفر لها مميزات إستراتيجية كبيرة من فرض الأمن والسلام الإسرائيلي، وكما تريد من وجهة نظرها، فعرقلت تنفيذ قرار مجلس الأمن الرقم 242 ورفضت جميع مساعي السلام الدولية، واشترطت المفاوضات المباشرة مع العرب، وبدأت تطوير قواتها المسلحة طبقا لمتطلبات المسرح العسكري الجديد، وبما يحقق لها الردع الجسيم على الدول العربية، بعد تسريب بعض المعلومات التي تشير إلى تمكنها من إنتاج أسلحة التدمير الشامل بجميع أنواعها؛ حتى يمكنها الاستقرار احتواء الوضع الجديد لأطول فترة ممكنة، مع العمل على تفتيت العرب وتحطيم الروح المعنوية لهم بالحرب النفسية، ومحاولة جعلهم كما كانوا عقب حرب 1948م للاستسلام للأمر الواقع، حتى يمكن تحقيق إحدى مراحل أهداف الصهيونية العالمية في التوسع للوصول إلى أرض إسرائيل التاريخية.

أحدثت الهزيمة العسكرية التي حاقت بالعرب صدمة نفسية هائلة، جعلت العالم العربي يفقد الثقة في نفسه وقدراته، إلا أن ذلك سرعان ما انقشع واجتمعت كلمة العرب في مؤتمر الخرطوم (29/8 – 1/9/1967م) الذي حملت قراراته سمات وملامح السياسة العربية الجديدة وملامحها القائمة على تشابك المصالح وتداخلها، رافضة الاستسلام والخضوع كالآتي:

أ. وحدة الصف العربي وتسوية مشكلة اليمن بين مصر والسعودية.

ب. رفع شعار اللاءات الثلاثة (لا للصلح- لا للاعتراف- لا للتفاوض).

 ج. تحقيق التضامن العربي الفعلي طبقا لقرارات مؤتمر القمة الثالث بالرباط.

 د. توحيد الجهود في العمل السياسي على الصعيد الدولي.

 هـ. توظيف مردود بيع النفط العربي، بديلاً لسياسة المواجهة مع الغرب، وذلك في دعم اقتصاد الدول العربية التي تأثرت بالعدوان، وكذا إنشاء صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي العربي.

 و. تأييد مطالب القضية الفلسطينية حتى تقرير مصير الشعب الفلسطيني، خاصة وأنه قد تولى مسؤوليته الوطنية وتحول للكفاح المسلح بنفسه (حرب التحرير الشعبية) وليس معتمدا على الحرب الكلاسيكية التي تقوم بها الدول العربية.

رفضت إسرائيل جميع جهود السلام، واستمرت الدول العربية في قبولها لمبدأ السلام للحل الشامل للقضية، والاستعداد لحرب تحرير الأرض، أو لتحقيق النصر في الحرب القادمة كما ذكر الفريق عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث في حرب أكتوبر 1973م، كذا الاستمرار في استكمال وإمداد القوات المسلحة لدول المواجهة بأحدث الأسلحة، وتوفي الرئيس جمال عبد الناصر في سبتمبر 1970م أثناء أحد مؤتمرات القمة للمصالحة الفلسطينية الأردنية، وجاء الرئيس أنور السادات المعايش للمشكلة من بدايتها، والذي وجد أن الخيار العسكري هو الحل بعد رفض إسرائيل امتداد وقف النيران لمدة سنة، طبقاً لمبادرة روجرز وتعاون المصريون والسوريون في التخطيط للحرب بكل سرية وجدية اعتقادا منهم أن إسرائيل لن تقبل السلام العادل إلا بعد ضربة عسكرية تقضي على أوهامها ولو مرحلياً، وكان اعتقادا صحيحا .

ثانياً: المرحلة الرابعة: الانكماش والسلام والفكر الإستراتيجي لإقامة إسرائيل الكبرى

بدأت هذه المرحلة اعتبارا من يوليه عام 1973م، ومن المنتظر أن تستمر حتى عام 2020م وكانت أهم أهداف هذه المرحلة هي::

أ. احتواء آثار هزيمة حرب الغفران (حرب أكتوبر 1973م)، والتقليل من آثارها السلبية، وتقييم نظرية الأمن الإسرائيلي لمواجهة الواقع بعد حرب أكتوبر .

ب. استغلال الدعم الأمريكي غير المحدود لاستعادة السيطرة على الموقف في المنطقة .

ج. محاولة فرض السلام في المبادرات الدولية ليكون من وجهة النظر الإسرائيلية، وخاصة بعد تنفيذ اتفاق فصل القوات مع كل من مصر وسورية والانسحاب من سيناء إثر معاهدة السلام مع مصر .

د. العمل على استمرار الهجرة إلى إسرائيل وزيادة أعداد المهاجرين .

هـ. الاستمرار في تقوية وتحديث جيش الدفاع الإسرائيلي، مع الاستعداد لتنفيذ ضربات إجهاض للقوى العربية المؤثرة على ميزان القوى في المنطقة .

و. العمل على تفتيت التجمع العربي مرة أخرى وقيام الصراعات الإقليمية (إيران /العراق ....) لإضعاف القوى العربية بصفة دائمة، لتحقيق الأمن الإسرائيلي حتى يمكن الإعداد لاستكمال استعادة أرض إسرائيل الكبرى .

كانت بداية هذه المرحلة باستغلال التضامن العربي الذي بلغ أعلى مستوياته، ونتائج الإعداد والتدريب الجيد لحرب التحرير المنشودة والتي بدأت في السادس من أكتوبر 1973م (حرب الغفران عند اليهود)، وحققت مصر وسورية نصرا عربيا لأول مرة على إسرائيل، ما أجبرها على قبول الدخول في مباحثات مع مصر وسورية لفك الاشتباك بين القوات، والتي أتبعتها مصر وإسرائيل بمباحثات السلام بينهما ما أدى إلى القطيعة العربية لمصر دون تفهم الدول العربية لوجهة النظر المصرية، والظروف الاقتصادية لها، خاصة وأنها خارجة من مرحلة اقتصاد حرب منذ عام 1967م أي حوالي ست أو سبع سنين. حدثت القطيعة ونقلت الجامعة العربية من القاهرة, كما شهدت هذه المرحلة متغيرات كثيرة وأحداث مهمة ومؤثرة، لذا يمكن تقسيم هذه المرحلة إلى فترتين الأولى وهى الانكماش وبداية مباحثات السلام، والثانية المخطط العام للفكر الإستراتيجي لإقامة إسرائيل الكبرى كما جاء في الوعد الإلهي لآباء بني إسرائيل.

1. الفترة الأولى: الانكماش وبداية مرحلة السلام

امتدت هذه الفترة من يوليه 1973م حتى انهيار الإتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991م حيث شهدت كثيراً من الأحداث المهمة بداية بالجولة العربية الإسرائيلية الرابعة (حرب أكتوبر) وما تلاها من مباحثات السلام بين مصر وإسرائيل وقطيعة العرب لمصر ثم العودة والمصالحة معها، وكذا الحرب العراقية الإيرانية (الاحتواء المزدوج لقوتين إقليميتين مؤثرتين كما قال كيسنجر) ثم غزو العراق للكويت وأثره على التضامن العربي حتى الآن، ثم المتغير الأكبر عالميا وهو انهيار الإتحاد السوفيتي في نهاية عام 1991م، وقيام ما سمي بنظام القوة الواحدة أو أحادى القطبية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية الداعمة والمنحازة لإسرائيل بلا حدود .

الجولة العربية الإسرائيلية الرابعة (أكتوبر1973م)

نجحت سياسة الخداع المصرية السورية بالإعداد والتجهيز لشن الحرب وتحقيق المفاجأة بإتباع خطط خداع ذات مستوى عالٍ لم يتمكن الإسرائيليون والأمريكيون من اكتشافها ومعرفة نوايا العرب، حيث افتتحت مصر وسورية هذه الجولة بضربة جوية مفاجئة كل على جبهته، وتلقى الجيش الإسرائيلي ضربة قاسية فكان الهجوم المصري وعبور قناة السويس ساحقاً، وحطم خط بارليف المنيع في ست ساعات فقط، وتقدم حتى عمـق يراوح ما بيـن 10-20 كم في سيناء وكذلك على الجبهة السورية حيث استطاع الجيش السوري استرداد الجولان وجبل الشيخ قبل نهاية يوم 6 أكتوبر، وفشلت إسرائيل في استيعاب الضربة المصرية السورية المزدوجة، وأثبت العرب أنهم قادرون على تحقيق النصر، وجاء الدعم الأمريكي الأطلنطي سريعاً، كالعادة، لنجدة إسرائيل حتى استطاعت استرداد الجولان وأقامت ثغرة غرب قناة السويس، وتوقف فعليا يوم 25 أكتوبر حيث صدر قرار مجلس الأمن رقم 338 بعد اجتماع مجلس الأمن الدولي في 22 أكتوبر 1973م وطلب وقف إطلاق النار والدعوة إلى تنفيذ القرار 242 الصادر عام 1967م, وبدأت المفاوضات المكوكية لهنري كيسنجر الأمريكي لفك الارتباط أو الاشتباك بين مصر وإسرائيل وانسحابها من غرب القناة ثم من سيناء على ثلاث مراحل، وكذلك من الجولان، واستمرت الاتصالات بين مختلف الأطراف لعقد ما يسمى بمؤتمر السلام في الشرق الأوسط الذي عقد في ديسمبر 1973م في جنيف على مستوى وزراء الخارجية، ولم تحضره سورية، ولم يكن المؤتمر منبثقا عن الأمم المتحدة ولكنه في نطاقها وحضره الأمين العام، ولكنه لم يحقق شيئا حيث كان هنري كيسنجر حريصا على إبعاد المنظمة الدولية والاتحاد السوفيتي عن أي تسوية، وفضل ما يسمى بدبلوماسية المكوك بين مصر وإسرائيل أو أي طرف عربي آخر وأعيدت العلاقات المصرية الأمريكية في بداية 1974م، وأضاعت إسرائيل فرصة السلام بإضعافها لمهمة هنري كيسنجر عندما رفضت الانسحاب إلا من منطقة محددة فقط مقابل إعلان إنهاء حالة الحرب من مصر، وبذلك تستمر إسرائيل في تجميد مبادرات السلام فيما تحصل على المساعدات المكثفة خاصة العسكرية الحديثة لتأمين احتلالها للأراضي العربية في محاولة فاشلة في احتواء تلك الأراضي التي تحقق أمنها، على الرغم مما شعرت به من خيبة أمل بعد انتصار أكتوبر وتحطيم نظرية الأمن والحدود الآمنة لها.

استمرت حالة الجمود حتى مطلع عام 1977م، عندما تولى كارتر مسؤولية الولايات المتحدة وحزب الليكود الحكم في إسرائيل، ويجد الرئيس السادات أن الوساطة الأمريكية قد استنفذت، ولا حل لذلك إلا بإجراء اتصالات مع قادة إسرائيل، وكانت رومانيا والمغرب مركزين لهذه الاتصالات وفي التاسع من نوفمبر 1977م يعلن عن أنه على استعداد للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلية، وذهب فعلاً في يوم 19 نوفمبر، بعد دعوة من بيجين، وألقى خطابه التاريخي أمام الكنيست وبدأت بعد ذلك مباحثات مينا هاوس، ولم يحضرها أحد من دول الطوق، وتكررت المباحثات في القدس والإسماعيلية، ولكنها لم تسجل أي نجاح للتعنت الإسرائيلي، ثم وجه الرئيس كارتر دعوة إلى الرئيس السادات ومناحم بيجين لعقد قمة ثلاثية في الفترة من 5 إلى 18 سبتمبر 1978م، توصلا فيها إلى إطار السلام في الشرق الأوسط، وأيضاً إلى إطار معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، ثم التوقيع عليها في مارس 1979م مع تعهد مصر وإسرائيل ببدء مفاوضات إطار السلام في الشرق الأوسط خلال شهر واحد، وأهم ما فيها ما يخص الحكم الذاتي الكامل للفلسطينيين في الضفة وغزة، خلال فترة انتقالية، على أن تنتهي هذه المفاوضات خلال عام واحد.

قاطع العرب مصر ورفضوا كامب ديفيد وما تلاها، وتوفي الرئيس السادات في أكتوبر 1981، وتولى الرئيس مبارك واستكمل المسيرة وحررت مصر آخر جزء من أراضيها (طابا) بالكامل، ورفض الفلسطينيون والسوريون إطار السلام في الشرق الأوسط، وقامت إسرائيل بغزو لبنان في 1982م، وضرب المفاعل النووي العراقي، وخرجت المقاومة الفلسطينية من لبنان بعد مذابح صبرا وشتيلا، وتجمد الوضع بالنسبة للعرب لاستمرار إسرائيل في عنادها وغرورها بسبب الفرقة وتشتت الآراء العربية، وعدم وحدة القرار، ولم تستكمل مصر التطبيع مع إسرائيل حتى الآن، ثم جاءت المصالحة العربية المصرية، التي أعقبها الغزو العراقي للكويت في حرب تحرير الكويت، وما أحدثته من تصدع من الجدار العربي المتشقق، ولكن كان من نتاجها عقد مؤتمر السلام بمدريد ثمرة وعد الرئيس بوش الأب وكانت هناك مباحثات سرية في أوسلو بين الفلسطينيين وإسرائيل، كان من نتيجتها اتفاقيتا أوسلو "1" وأسلو "2" اللتان تنصان على إقامة الحكم الذاتي الفلسطيني في بعض من الضفة الغربية وغزة، والذي قطع تنفيذه بعد عدة مراحل، ولم يستكمل بعد, وجاء نتانياهو وألغى ما تبقى منه، ورجعت الحالة الفلسطينية الإسرائيلية إلى القطيعة، بل والحالة الفلسطينية إلى الأسوأ بين فتح وحماس، وهذا كله يرجع إلى عدم رغبة إسرائيل في الاستكمال لأن المخطط هو إقامة الدولة اليهودية التي أعلن عنها نتانياهو، بعد أن جاء للحكم مرة أخرى عام 2009م، فكيف يتثنى إقامة حكم ذاتي فلسطيني في دولة تسعى أن تكون يهودية خالصة لا وجود لأي عرق آخر فيها.

2. الفترة الثانية: المخطط الصهيوني والمستقبل

تبدأ هذه الفترة من عام 1991م حتى تحقيق إسرائيل الكبرى على الأرض التاريخية لليهود (اُنظر خريطة الاحتلال اليهودي لفلسطين) ولهذا قامت الصهيونية لتحقيق غاية محددة ذات أهداف مرحلية متتالية، وقد وصلت إلى أن تحقيق هذه الغاية إنما يأتي من خلال فرض السلام الإسرائيلي على العرب، تمهيداً لخلق المجال الحيوي للدولة اليهودية، الذي يستند إلى التوسع الإقليمي، ومن ثم تحقيق السيطرة على الشرق الأوسط، ومن المرجح أن أبعاد ذلك المخطط نحو المستقبل سوف يقوم على دعامتين أساسيتين هما

أ. العمل المستمر على تفتيت القوى العربية بالوسائل السياسية والاقتصادية والنفسية (تقسيم العرب إلى دول شمال أفريقيا وجنوبها ـ دول عربية أسيوية وأفريقية من دول عربية غنية بترولية ودول فقيرة...).

ب. تكوين القوة الذاتية الإسرائيلية الرادعة بخلق القاعدة العلمية والصناعية والحربية وتطوير وامتلاك وسائل مطلقة للردع (تقوم تكنولوجي مثل صناعة البرمجيات بالتعاون مع الهند ـ صناعة حربية ثقيلة مثل إنتاج الدبابات والصواريخ ـ تطوير أسلحة الدمار الشامل (احتمال أكيد بامتلاك 50 - 200 قنبلة نووية...).

قد تبدو أبعاد ذلك المخطط بعيدة عن التحقيق نظرا للمتغيرات الدولية المعاصرة، وتشابك المصالح بين الدول الكبرى والدول العربية وكذا الإدراك العربي والإسلامي لتحقيق وضع الدولة اليهودية، ولكن الصهيونية التي بدأت فقط فكرة باهته منذ مائة وبضع سنين، قد سارت على الدرب المرسوم من قادتها، وتمكنت من تحويل هذه الفكرة الباهتة إلى واقع حي استفحل وجوده، حتى تمخض في السنوات الأخيرة عن أزمة من أخطر الأزمات التي تواجه العالم ابتداء من النصف الأخير من القرن الماضي وحتى الآن، وهي أزمة الشرق الأوسط، والتي عمادها الصراع العربي الإسرائيلي، الذي يزداد تعقيدا واتساعا على مر الأيام، ولكن الصهيونية مازالت تؤمن بقدرتها على فرض الواقع وتشكيل التاريخ وارتقاء سلم يعقوب الذي يقف على أرض الواقع، بينما قمته في السماء، فتلك عقيدتهم كما يعبر عنها قادتها دائماً، كما جاء في حديث موشى ديان في اجتماع مع شباب الكيوبتزات (مافوحماه) في 5 يوليه 1968م حيث قال "هل كان هرتزل واقعياً عندما نادي بإنشاء الدولة اليهودية ؟ هل كانت المطالبة بخلق الفلاح اليهودي والعامل اليهودي والجندي اليهودي واقعية كذلك؟ ولكن أمكننا الانتقال من اللاواقع إلى الواقع، فها نحن نقترب من المليون الثالث وها نحن منتشرون من قناة السويس إلى الجولان، إذن فهذا ممكن إننا نصل إليه عندما نؤمن بسلم يعقوب الذي قمته في السماء ولكن أقدامه على أرض الواقع فنحن نتقدم مرحلة بعد أخرى على أرض الواقع نحن نحقق الأهداف الواسعة" , وتلك هي غاية الصهيونية وذلك هو طريقها، فكيف إذن ستكون الوسيلة لتحقيقها؟ فنجد الإجابة كما حددها شمعون بيريس بالمجال والأسلوب الذي تعمل فيه وبه إسرائيل، فتكون مركزاً سياسياً ومسيطراً يستمد وجوده من قوة مدمرة حديثة تستند على مقدرة تكنولوجية عصرية, ويمكن ترجمة ذلك في أن الأبعاد الرئيسية للمخطط الصهيوني العام والتي ترتكز على الأبعاد العسكرية الذاتية التي تهدف إسرائيل إلى تحقيقها على المدى المتوسط ,أما الأبعاد السياسية والاقتصادية فسوف تأتي بالتبعية إذا نجحت إسرائيل في تحقيق قدرتها الذاتية المرسومة فيها يمكنها تحقيق التفتيت السياسي والاقتصادي والإقليمي العربي والوصول بمخططها إلى غايته النهائية.