إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الصهيونية




مناحم بيجين
موشي ديان
هنري كيسنجر
وعد بلفور
إسحاق رابين
إسحاق شامير
تيودور هرتزل
جولدا مائير
حاييم وايزمان
ديفيد بن جوريون
زئيف جابوتنسكي فلاديمير

أبناء ونسل إبراهيم عليه السلام

مناطق الانتداب البريطاني ـ الفرنسي
مشروع الوكالة اليهودية
مشروع برنادوت لتقسيم فلسطين
إسرائيل والأرض المحتلة 1967
إسرائيل عام 1949
الاحتلال اليهودي لفلسطين
تكوين المملكة المتحدة
تقسيم لجنة وودهيد البريطانية (أ)
تقسيم لجنة وودهيد البريطانية (ب)
تقسيم تيودور هيرتزل 1904
تقسيم فلسطين بين الأسباط
فلسطين في القرن الأول ق.م



تقديم

المبحث التاسع

الصراع المسلح كطريقة حياة لإسرائيل

خاضت إسرائيل، منذ إعلان شهادة ميلادها خمسة حروب نظامية مع جيوش نظامية عربية، وهي:

1. حرب 1948، ضد خمس دول عربية، (مصر، وسورية، والعراق، والأردن، ولبنان).

2. حرب السويس 1956، مع بريطانيا وفرنسا ضد مصر.

3. حرب يونيه 1967، وحدها، ضد ثلاث دول عربية، هي: مصر، وسورية، والأردن.

4. حرب أكتوبر (رمضان) 1973، وحدها، ضد مصر وسورية.

5. حرب لبنان 1982، وحدها، ضد المقاومة الفلسطينية على الأرض اللبنانية.

هذا، عدا الاشتباكات الحدودية، التي لم تنقطع مع هذه الدول العربية، أو تلك، من دول الجوار العربية، فبين عامي 1948 و1967 كانت هذه الاشتباكات مع مصر والأردن وسورية. وبعد 1967، كانت هذه الاشتباكات مع الدول الأربع المحيطة بها، فضلاً عن العمليات التي قامت بها إسرائيل بعيداً عن حدودها، سواء على أراض عربية بعيدة، مثل تونس (اغتيال قيادات فلسطينية)، والعراق (ضرب المفاعل الذري في صيف 1981)، أو على أرض غير عربية مثل (الغارة على مطار عنتيبي في أوغندا عام 1972).

وقد وضع مؤسس الدولة، وأول رئيس لوزرائها، دافيد بن جوريون، عناصر العقيدة والممارسة العسكرية الصهيونية منذ عام 1936، أي مع بداية الثورة الفلسطينية الكبرى، بقيادة عزالدين القسام، وتتلخص تلك العقيدة في العناصر التالية:

1. الهجوم خير وسيلة للدفاع عامة، ولكن في حالة إسرائيل فهو الوسيلة الوحيدة للدفاع.

2. ضرورة أن ينقل الجانب اليهودي المعركة إلى أرض العدو دائماً.

3. ضرورة أن يكون الجانب اليهودي أكثر تفوقاً في عدد المقاتلين الفعليين، في أي معركة.

4. ضرورة أن يكون السلاح اليهودي أكثر تفوقاً من سلاح العدو (أي العرب).

5. ضرورة أن تكون هناك قوة عظمى واحدة، على الأقل، متحالفة فعلياً مع إسرائيل.

6. عدم الركون إلى أية وعود، أو اتفاقيات، أو معاهدات، لا تسندها القوة اليهودية، في نهاية المطاف.

7. ضرورة حصار المشرق العرب بقوى إقليمية صديقة أو حليفة لإسرائيل، أي إحاطة الطوق العربي، حول إسرائيل، بطوق غير عربي حول العالم العربي (يتكون مثلاً من إيران وتركيا وإثيوبيا وإريتريا والهند).

أولاً: حدود إسرائيلية متحركة

من عناصر العقيدة العسكرية الصهيونية ـ الإسرائيلية، التي بلورها بن جوريون، نشأت مقولات أخرى مشتقة منها، وتدعمها الممارسة الفعلية. ومنها عدم تثبيت أي حدود تثبيتاً نهائياً، حتى لو رُسمت خطوطها، فقد تعلمت الصهيونية أن تبتلع أراضي الغير شبراً شبراً، ولقد نما عدد المستوطنات في فلسطين من ثلاثة عام 1882 (روش بينا، وزخرون يعقوب، وريتشون ليتسيون) إلى 16 مستعمرة عام 1899، إلى 50 مستعمرة عام 1914، إلى مائة مستعمرة عام 1938، فضلاً عن المدن اليهودية الجديدة وأهمها تل أبيب، والقدس الغربية.

وقد حدث الشيء نفسه مع حدود الدولة اليهودية، ففي خلال عام واحد، بعد إعلانها، كانت قد ضاعفت أراضيها تقريباً من خلال الحرب. وكذلك بعد العدوان الثلاثي، أو حرب السويس عام 1956، ثم بعد حرب 1967، ثم بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982. وربما كان الاستثناء الوحيد هو حرب 1973، والتي بادرت بها مصر وسورية. حيث تحررت أراض عربية كانت إسرائيل قد احتلتها، في حرب 1967. ولكن هذا هو الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.

لقد أصبحت "الأرض" في العقيدة الصهيونية مرادفة "للأمن". وغرست تلك العقيدة في أعضاء الحركة الصهيونية، إن "الأمن" يبدأ من "الأرض"، وإن مزيداً من الأرض يعني مزيداً من الأمن.

ثانياً: الصراع كوسيلة لتعبئة شعب الله المختار

أقنعت الحركة الصهيونية أعضاءها، ومعظم اليهود، منذ هيرتزل، أن هناك عداءاً دائماً للسامية، أي لليهود، واليهودية، في مجتمعات العالم غير اليهودية. وأن أسباب ذلك عديدة ومعقدة، منها أن اليهود هم "شعب الله المختار". وجزء من هذا العداء، " أسبابه دينية، وجزء آخر أسبابه تنافسية. حين يخسر الآخر، غير اليهودي، في أي منافسة، فان إحباط الفشل يتحول عنده إلى عدوانية ضد اليهود "، ومن ثم ذهب هيرتزل إلى أنه سيكون هناك دائماً " حصة " من العداء للسامية. ولن تتقلص، أو تختفي، هذه الحصة إلاّ بانتقال اليهود إلى وطن خاص بهم.

والجديد هنا هو أن مقولة العداء الدائم للسامية، أو اليهودية، تفرض على يهود العالم، لا أن يتكاتفوا ويتضامنوا فحسب، ولكن أن يظلوا في حالة " حشد وتعبئة كاملة "، كذلك، تحسباً لما قد تأتي به الريح. تضاعف هذا القلق الدائم، وهذا التهيؤ، لغدر أقرب المقربين منهم، عدة مرات بعد الاضطهادات، والمحارق "النازية"، في ثلاثينيات هذا القرن، ضد اليهود بأوامر من أدولف هتلر. بصرف النظر عن الأعداد التي ذهبت ضحايا معسكرات التعذيب وأفران الغاز، وسواء كانوا مليون يهودي، كما تميل بعض المصادر المحايدة، أو ستة ملايين يهودي كما تذهب الدعاية الصهيونية، فإن الأخيرة قد وظفت مأساة اليهود على يد هتلر لتأكيد الشر الذي يضمره الآخرون ضد اليهود بصفتهم يهوداً.

ويذهب روجيه جارودي الفيلسوف الفرنسي المعروف، إلى أن إبادة النازية لستة ملايين يهودي " كانت أسطورة مناسبة للجميع. فالحديث عن أكبر "إبادة جماعية" في التاريخ كان يعني للاستعماريين الغربيين نسيانهم لجرائمهم الخاصة (حصد هنود أمريكا وتجارة العبيد الأفريقيين) وكانت مناسبة للقادة الأمريكيين بعد مذبحة درسدن في 13 فبراير 1945، التي أهلكت، بقنابل الفوسفور، في بضع ساعات، مائتي ألف مدني، من دون سبب عسكري على اعتبار أن الجيش الألماني كان يقاتل متراجعاً على كل الجبهة الشرقية. وكانت الأسطورة مناسبة أكثر من ذلك للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت قد ألقت على هيروشيما ونجازاكي، قنبلتين ذريتين، ذهب ضحيتهما أكثر من مائتي ألف قتيل، وما يقرب من 150 ألف جريح، محكوم عليهم بالموت، بعد حين. إن استخدام مصطلح المحرقة (الهولوكوست) يبرز، بصورة أفضل، إرادة اختلاق حدث استثنائي من الجريمة المقترفة ضد اليهود.. " ويذهب جارودي إلى أن الصهيونية قد وظفت أسطورة إبادة ستة ملايين يهودي، كما وظفت أساطير أخرى من أجل تبرير اغتصابها لحقوق الآخرين.

وبالفعل لجأ أمثال رئيس الوزراء المتشدد، بنيامين نتانياهو، إلى المنطق نفسه لتبرير الإصرار على احتلال إسرائيل لأراضي الضفة الغربية وغزة، من أجل أمن إسرائيل. فقد سخر من اليسار الإسرائيلي "الذي يعتقد أنه إذا تخلصنا من المناطق المحتلة، سيحل الخير على إسرائيل". وسخر من اليمين الإسرائيلي الذي يعتقد "أنه إذا تخلص من العرب، سيحقق النتيجة نفسها"، وهو يُعد اليسار واليمين في ذلك ساذجين، فهو يريد الاحتفاظ بالأرض، ومن عليها، تحت القبضة الإسرائيلية، على الأقل في الوقت الحاضر، ما دامت تسندها القوة الإسرائيلية المطلقة.

باختصار استفادت الصهيونية، مجسدة في إسرائيل، وتستفيد، من تغذية، وتعميق حالة القلق والخوف لدي اليهود، وتوحي إليهم أن هناك عدوانية متأصلة ضدهم، وأن السبيل لدفعها هو التضامن، والقوة، وتأمين الأراضي، التي تساعد على التصدي لهذه العدوانية.

ثالثاً: من حرب 1967 إلى الانتفاضة إلى أوسلو

إن القلق وعدم الشعور بالأمن، لدي إسرائيل خاصة، واليهود عامة، بلغ ذروته في الأسبوعين السابقين على حرب يونيه 1967، حينما استجاب الرئيس جمال عبدالناصر لطلب سورية دعمها، في مواجهة حشود إسرائيلية على الحدود المشتركة، وعلى الفور أمر بحشد قوات مصرية في سيناء، وبسحب قوات الطوارئ الدولية، التي كانت تعسكر، منذ عام 1957 على الحدود المصرية ـ الإسرائيلية، وأمر الأسطول المصري بمنع الملاحة الإسرائيلية في خليج العقبة، واعتبرت إسرائيل هذه الإجراءات محاولة لخنقها والفتك بها. فبادرت بشن هجوم جوي على المطارات المصرية، حطمت فيه معظم، إن لم يكن كل المقاتلات المصرية، صباح يوم 5 يونيه 1967، وفعلت الشيء نفسه مع المطارات العسكرية السورية. ثم شنت هجوماً عسكرياً كاسحاً على سيناء، ودحرت القوات المصرية، التي حاربت من دون غطاء جوي. وانسحبت القوات المصرية المهزومة، على عجل، واحتلت إسرائيل سيناء إلى الشاطئ الشرقي لقناة السويس. وسرعان ما فعلت الشيء نفسه على الجبهة السورية، واحتلت مرتفعات الجولان السورية، وعلى الجبهة الأردنية احتلت الضفة الغربية لنهر الأردن، وفعلت كل ذلك في ستة أيام فقط فعرفت باسم "حرب الأيام الستة".

وقد أذهلت الانتصارات الإسرائيلية الخاطفة، على ثلاث دول عربية، في هذه الأيام القليلة، العرب والعالم، بل والإسرائيليين واليهود أنفسهم. سادهم شعور بالفخر والاعتزاز، الذي سرعان ما تحول إلى غطرسة قوة، وظل العرب يلعقون جراح الهزيمة، ويستعدون لتحرير أراضيهم، التي احتلت في حرب يونيه 1967، إلى أكتوبر 1973. ففي ظهر السادس من ذلك الشهر، الذي وافق العاشر من رمضان، شنت مصر وسورية هجوماً مفاجئاً، على الجبهتين على إسرائيل. كان ذلك بداية حرب " الأسابيع الستة ". وعلى الرغم من أن العرب لم ينتصروا في تلك الحرب، بمستوى الانتصار الإسرائيلي الخاطف والحاسم، في حرب الأيام الستة، إلاّ أن الأداء العربي، عسكرياً، ودبلوماسياً، واقتصادياً (استخدام سلاح النفط) كان مشرفاً. فاستعادت مصر الجانب الشرقي من القناة، وشريطاً موازياً لها، بعمق عدة كيلو مترات. ولكن الأهم من ذلك، هو استعادة الشعور بالكرامة، بعد مهانة هزيمة الأيام الستة، وأعطى ذلك لمصر بالذات، والتي خاضت الحرب بقيادة الرئيس أنور السادات، إحساساً بالقدرة على التحرك نحو السلام. وقد فاجأ الرئيس السادات العالم بإعلان مبادرته السلمية، واستعداده للذهاب إلى القدس، واللقاء مع زعمائها، في نوفمبر 1977. وتطورت الأمور في هذا الاتجاه بسرعة، على الرغم من امتعاض واحتجاج بقية الدول العربية، وتعليقها لعضوية مصر في الجامعة العربية، ونقل مقرها من القاهرة إلى تونس.

ولكن الرئيس السادات، مع ذلك، مضى في طريقه نحو السلام، ووقع اتفاقيتي كامب دافيد (1978) ثم معاهدة سلام مصرية ـ إسرائيلية (1979)، وانسحبت إسرائيل بالفعل من المناطق، التي كانت تحتلها، في سيناء، خلال السنوات الثلاثة التالية، وتم تطبيع العلاقات بين الدولتين، على الرغم من استمرار الاحتجاجات العربية، التي رأت أن مصر قد تخلت عن أمتها العربية، وعن القضية الفلسطينية، وعلى الرغم من اتفاقية السلام مع مصر، إلاّ أن إسرائيل استمرت في غطرسة القوة، مع بقية الأطراف العربية، وخاصة الفلسطينيين، تحت الاحتلال، أو الفلسطينيين في " الشتات ". ومن ذلك غاراتها المتكررة على مخيماتهم، وعلى معسكرات المقاومة الفلسطينية في الدول العربية المجاورة. ووصل بها ذلك إلى الحد، الذي اجتاحت فيه جنوب لبنان إلى أن وصلت إلى العاصمة بيروت، وحاصرتها لمدة تسعين يوماً في صيف 1982، إلى أن أجبرت المقاومة الفلسطينية بقيادة الزعيم الفلسطيني، ياسر عرفات، على الانسحاب من بيروت، والتوجه مع فلول مقاومته إلى تونس، على بعد ثلاثة آلاف كيلومتر من لبنان وفلسطين، وكان صيف 1982 صيفاً مهيناً للعرب أجمعين، ذكرهم بصيف 1967 وهزيمته المهينة.

ومع ذلك، ففي خلال خمس سنوات، قام الشعب الفلسطيني بانتفاضة شعبية مجيدة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في الضفة الغربية وقطاع غزة. وكان عماد هذه الانتفاضة الأطفال، والفتيان، الذين استخدموا "الحجارة" ضد قوات الاحتلال، ولم يتصور المراقبون الإسرائيليون حين بدأت تلك الانتفاضة في نوفمبر 1987، أنها ستستمر، أو أنها ستكون مؤثرة مع ذلك الاحتلال العنيد، ولكن الانتفاضة استمرت ثلاث سنوات، أنهكت فيها قوات الاحتلال مادياً ومعنوياً، وأنهكت إسرائيل ويهود العالم نفسياً. فقد كان المشهد اليومي، على شاشات التليفزيون العالمية، هو ذلك الذي يواجه فيه الأطفال الفلسطينيون، وفي أيديهم الحجارة، الجنود الإسرائيليين المدججين بأقوى السلاح والعتاد.

ومن ثم أذعنت إسرائيل، في نهاية المطاف، للاعتراف بالشعب الفلسطيني، وبمنظمة التحرير الفلسطينية، كممثلة شرعية، ووحيدة له، وقبلت، على مضض، أن تجلس مع ممثلي المنظمة، في مؤتمر مدريد الدولي للسلام، في نوفمبر 1991، بعد حرب الخليج (يناير 1991)، وبعد أربع سنوات من الانتفاضة. ووقّعت إسرائيل، بعد ذلك بعامين (1 3 سبتمبر 1993)، اتفاقية أوسلو مع منظمة التحرير الفلسطينية، اعترفت فيها بحقوق للشعب الفلسطيني، يحصل عليها تباعاً في السنوات الست التالية. وعلى الرغم من الشد والجذب، إلاّ أن سلطة فلسطينية وطنية، قد تأسست، وحصلت على حكم ذاتي في جزء من أراضيها. وأجريت انتخابات رئاسية وتشريعية، اختار فيها الشعب الفلسطيني، ياسر عرفات، رئيساً، وانتخب مجلساً تشريعياً في يناير 1996.

إن الأيدلوجية الصهيونية، التي تبلورت، وتغيرت، على مدي قرن من الزمان، ما زالت هي الأيدلوجية الحاكمة في إسرائيل، على الرغم من السلام الفعلي، أو القانوني بين إسرائيل ومعظم الدول العربية (وقَّعت الأردن معاهدة سلام عام 1995)، إلاّ أن الصراع سيظل مستمراً، وهناك من الدروس والعبر ما يمكن، وما لا بد للعرب، أن يستوعبوه، بعدما خبروه من نكبات، في القرن الأول من ذلك الصراع.