إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / انهيار الاتحاد السوفيتي






جمهوريات الاتحاد السوفيتي
جمهورية مولدافيا
جمهورية أوزبكستان
جمهورية أوكرانيا
جمهورية لاتفيا
جمهورية ليتوانيا
جمهورية أرمينيا
جمهورية أستونيا
جمهورية أذربيجان
جمهورية تركمنستان
جمهورية جورجيا
جمهورية روسيا الاتحادية
جمهورية روسيا البيضاء
جمهورية طاجيكستان
جمهورية كازاخستان
جمهورية قيرقيزستان
رابطة الكومنولث الجديد



المبحث الثالث

تطورات الأوضاع في دول أوروبا الشرقية في ضوء سياسة البريسترويكا:

1. سياسة الإصلاح السياسي في بولندا:

       من مفارقات السياسة البولندية، أن الجنرال بنيامين ياروزلسكي، الذي صعد إلى قمة السلطة في عام 1981 مستخدماً الأحكام العرفية ليجهض مطالب نقابة التضامن التي تمثلت في المطالبة بالسماح بإنشاء نقابات عمالية مستقلة، وحق الأحزاب والتقاعد المبكر عن العمل ومزيد من الحرية لوسائل الإعلام، هو نفسه الذي وافق عام 1989 على أضخم برنامج للإصلاحات السياسية والدستورية والديموقراطية في بولندا؛ مما وضع بلاده على أعتاب مرحلة جديدة تقترب فيها من الديموقراطيات الليبرالية على النسق الغربي، وذلك بإعادة الشرعية لنقابة التضامن في أبريل 1989.

       وأعقب ذلك إقدام الحكومة على اتخاذ عدة قرارات إصلاحية، فسمح لأول مرة للمعارضة السياسية بدخول مجلس النواب، وتقرر إنشاء مجلس للشيوخ ينتخب بطريقة ديموقراطية، على أن ينتخب كلا المجلسين رئيس الدولة في أول انتخابات حرة تجري منذ 40 عاماً، وقد اكتسحت المعارضة، ممثلة في نقابات التضامن العمالية والكنيسة الكاثوليكية، مقاعد مجلس الشيوخ والبرلمان بزعامة ليك فاونسا الذي أُنتخب رئيساً لبولندا في 9 ديسمبر 1990. وبدأ التحول نحو الاقتصاد الحر بمساعدة أمريكا ودول أوروبا الغربية، كما تم الاتفاق على سحب القوات السوفيتية من بولندا.

2. إعادة توحيد ألمانيا:

       أنشئت دولة جمهورية ألمانيا الديموقراطية في المنطقة الواقعة تحت سيطرة الاتحاد السوفيتي من ألمانيا عام 1949 بزعامة وولتر أولبرخت، أول زعيم للنظام الشيوعي فيها. وكان كونارد أديناور أول مستشار لجمهورية ألمانيا الاتحادية بعد الحرب العالمية الثانية. ونظراً لتزايد هجرة الألمان الشرقيين إلى الغرب التي وصلت إلى ذروتها عام 1961، دفع ذلك الرئيس الألماني اريك هونيكر على بناء سور برلين، بموافقة موسكو وبدعم من عواصم حلف وارسو، الأمر الذي سبب توتراً بين الدولتين العظميين، واعتقد إيريك هونيكر يومئذ أن بناء السور يمثل نصراً كبيراً في مسعاه لإيجاد مجتمع ماركسي متماسك، ثم اختير إيجون كرينتس خلفاً لإريك هونيكر، وتعهد بسعيه من أجل التغيير والإصلاح وذلك في خضم التغييرات السريعة والمتلاحقة التي شهدتها الحياة السياسية في ألمانيا الشرقية والتي بدأت باستقالة رئيس الدولة إريك هونيكر واستقالة الحكومة، وتلت ذلك استقالة المكتب السياسي للحزب الشيوعي المكون من 18 عضواً وانتخاب جونتر مالودا أحد دعاة الإصلاح وزعيم حزب الفلاحين الديموقراطي ليكون أول شخصية غير شيوعية تتولى منصب رئيس برلمان ألمانيا الشرقية، ثم انتخبت اللجنة المركزية هيئة جديدة للمكتب السياسي برئاسة رئيس ألمانيا الديموقراطية إيجون كرينتس، ورشحت لرئاسة الحكومة الجديدة هانز موردوف، الذي يُعد من أكبر دعاة الإصلاح، حيث شكل موردوف حكومة ائتلاف ضمت 26 وزيراً وتضمن التشكيل الوزاري الجديد 11 وزيراً غير شيوعيين. وأعقب ذلك القرار الخطير المتمثل في فتح الحدود مع ألمانيا الغربية في 9 نوفمبر 1989، والسماح للألمان الشرقيين باجتياز الحدود مباشرة عبر الدولتين من خلال سور برلين الذي ظل لمدة 28 عاماً يمثل الستار الحديدي بين الشرق والغرب، وفي جلسة تاريخية علنية عقدها برلمان ألمانيا الشرقية في الأول من ديسمبر1989، وافق البرلمان بالإجماع على إنهاء احتكار الحزب الشيوعي للسلطة، وإلغاء المادة الدستورية التي تنص على أن ألمانيا الشرقية دولة ماركسية لينينية يقودها الحزب الشيوعي.

       وبعد انهيار النظام الشيوعي، كان طبيعياً أن تسارع ألمانيا الاتحادية، الغربية سابقا، للدعوة إلى إتمام الحلم الذي ظلت تنتظره لأكثر من أربعين عاماً، فكانت خطة المستشار الألماني هيلموت كول التي أعلنها في 28 نوفمبر 1989، متضمنة عشر نقاط من أجل إعادة توحيد ألمانيا، وبعد إعلان هذه الخطة، قام بالإعلان المفاجئ عن الوحدة النقدية بين دولتي ألمانيا في 2 يوليه 1990. وفي سبيل تحقيق ذلك نقلت ألمانيا الغربية مبلغ 25 مليار مارك ألماني غربي إلى ألمانيا الشرقية لاستبدال العملة التي تقرر إلغاؤها.

       كان هلموت كول زعيم الحزب الديموقراطي المسيحي هو محور التفاعل نحو إعادة توحيد ألمانيا من خلال صيغة اثنين + أربعة = ألمانيا الموحدة، أي "الألمانيتين + أمريكا وروسيا وإنجلترا وفرنسا" يساوي دولة ألمانيا الموحدة. والمقصود بهذه الصيغة إنهاء مباحثات إعادة الوحدة الألمانية وطرح النقاط الخاصة بترتيبات الأمن المستقبلية ودور ألمانيا الموحدة على الصعيد الأوروبي الغربي بالتعاون مع الدول الأربع.

       وفي أول أكتوبر 1990 وافق الاتحاد السوفيتي على ضم ألمانيا الموحدة إلى حلف شمال الأطلسي، وذلك مقابل شروط معينة. وفي 4 أكتوبر 1990، تم الإعلام رسمياً عن توحيد ألمانيا تحت علم واحد لتصبح أغني الدول الأوروبية وأكثرها تعداداً، فيكفي أن نعرف مثلاً أن مجموع سكان الألمانيتين بعد الوحدة أصبح 78 مليون نسمة، وبلغ عدد القوى العاملة فيها 37 مليون نسمة، وأن إجمالي دخلها بعد الوحدة بلغ نحو 854 مليار جنيه إسترليني سنوياً، وبلغت صادراتها نحو 211 مليون جنيه إسترليني، وفائض في الميزان التجاري نحو 77 مليار جنيه إسترليني عام 1990، كما أن مجموع القوات المسلحة بالدولتين اقترب من مليوني جندي خلال 12 يوماً من تحقيق الوحدة، دعم الحزب المسيحي الديموقراطي بزعامة هيلموت كول نفوذه في ألمانيا الشرقية، حيث اجتاح الانتخابات في أربع ولايات من الخمس التي تتكون منها ألمانيا الشرقية، وأدى نجاح كول في انتخابات ديسمبر 1990 إلى تولي رئاسة ألمانيا الموحدة.

3. التغير في المجر:

       خلال الفترة من عام 1949 إلى عام 1953 شهدت المجر استقراراً نسبياً تحت نفوذ راكوزي، الذي عينته موسكو سكرتيراً للحزب الشيوعي المجري، ولكنه أُقصِي من منصبه بعد وفاة جوزيف ستالين. وبعد صراع عنيف على السلطة تولى إيمري ناجي السلطة، وكان معروفاً باعتداله السياسي، حيث وعد بإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية ثار حولها جدل عنيف، خاصة بعد أن أعلن حياد المجر وتبني التعددية الحزبية، وقد أدت هذه المتغيرات إلى اجتياح الدبابات السوفيتية للعاصمة المجرية بودابست عام 1956 لسحق الانتفاضة الشعبية، وعينت رئيساً موالياً لها هو يانوسى كادار الذي ظل مسيطراً على مقاليد المجر حتى عام 1988.

       وفي سبتمبر عام 1989، أجريت الانتخابات الفرعية المجرية وأسفرت عن ضعف الحزب الشيوعي وانشقاقه بين المحافظين والإصلاحيين، وفي الوقت نفسه تحالفت الأحزاب المعارضة ضد الحزب الشيوعي، ومن ثم تمخض المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي المجري عن سلسلة من القرارات التاريخية المهمة[8].

       وقد قوبلت هذه التغيرات بارتياح من جانب الشعب المجري، وذلك بعد حسم الصراع لصالح التيار الإصلاحي، وخرجت المظاهرات العديدة المؤيدة لهذه الإصلاحات.

       وفي 25 مارس و8 أبريل 1990 جرت الانتخابات العامة للبرلمان المجري الجديد، وأسفرت عن فوز حركة المنتدى الديموقراطي بنسبة 24.7% وتحالف الديموقراطيين الأحرار بنسبة 21.4 %، وحزب صغار المزارعين بنسبة 11.7% أما الحزب الاشتراكي الشيوعي سابقاً فلم تزد نسبته عن 10.8%، كما حصل اتحاد الديموقراطيين الشبان على نسبة 8.9% ثم الحزب الديموقراطي المسيحي على 6.4%، وتولى زعيم حركة المنتدى الديموقراطي جوزيف انتال رئاسة الحكومة الجديدة في 3 مايو 1990.

4. التغيير في بلغاريا:

       بدأ التغيير في بلغاريا باستقالة تودور جينكوف من رئاسة الحزب الشيوعي ورئاسة مجلس الدولة في 10 نوفمبر 1989م، ليحل محله بيتر ميلادينوف الذي تخلى بدوره عن قيادة الحزب مع احتفاظه برئاسة الدولة خلال مؤتمر الحزب في 30 يناير 1991، مع تغيير الهيكل القيادي وتولي ألكسندر ليليون رئاسة المجلس الأعلى للحزب، مع استمرار سيطرة الحزب الشيوعي على الحكومة الجديدة التي شكلت برئاسة اندريه لوكانوف في 4 فبراير 1990.

       وانتهجت بلغاريا النهج السوفيتي في إعادة الهيكلة بسبب علاقاتها الخاصة مع الاتحاد السوفيتي، وفي نطاق هذا الاتجاه للإصلاح، تخلي الحزب الشيوعي البلغاري عن النص الدستوري الخاص بالدور القيادي للحزب في الحادي عشر من ديسمبر 1989.

       ومع تفاقم الخلاف بين الحكومة والمعارضة، أجريت الانتخابات في يونيه 1990 على أساس التعددية الحزبية وانتهت بفوز الحزب الاشتراكي الحاكم بأكبر من 57% من مقاعد البرلمان، في الوقت نفسه دعم الحزب ترشيح أحد زعماء المعارضة وفوزه برئاسة الدولة. واتجهت بلغاريا إلى الانفتاح على الغرب والعمل على كسب المساعدات والاستثمارات، نتيجة للارتفاع المذهل للأسعار التي حدثت بها، وانخفاض الناتج الوطني، وهبوط القوة الشرائية.

5. التغيير في رومانيا:

       بعد انتخابات عام 1946، سيطر الشيوعيين على الحكم وأعلنت الجمهورية الشعبية في عام
1948، وأصبح جوزيف شاوشيسكو رئيساً لمجلس الدولة عام 1967، وفي عام 1974 أصبح رئيساً للجمهورية، وأدخل العديد من التغييرات الكبيرة على جهاز الدولة جعلت السلطة المركزية في يده، وأتبع سياسة مستقلة عن الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، رغم انضمام رومانيا للحلف عام 1955، وعارض شاوشيسكو سياسة هذا الحلف.

       تميزت رومانيا بشكل خاص بشدة مركزية السلطة واستحواذ شاوشيسكو عليها، بالإضافة إلى التدهور الشديد في الحياة السياسية والاقتصادية، مما خلق توتراً شديداً بالبلاد، مما أدى إلى تفاقم المشكلات وتطورها وتفاعلها مع التحولات التي شهدتها بقية دول أوروبا الشرقية إلى أن حدثت انتفاضة 22 ديسمبر 1989 التي أطاحت بشاوشيسكو، وانتهى الأمر بإعدامه هو وزوجته.

       بعد إعدام جوزيف شاوشيسكو وإنهاء نظامه، وعدت جبهة الخلاص الوطني التي تولت المسؤولية في البلاد، بانتهاج سبيل الديموقراطية في الحياة السياسية، غير أن ذلك لم يكن كافياً لطمأنة الجماهير، فتحرك الشارع الروماني من جديد وطالب بعزل الشيوعيين من مناصبهم وتواصلت ضغوط الجماهير إلى أن أعلن رئيس جبهة الخلاص، أنه قد اتخذ قراراً بأن الحزب الشيوعي الروماني حزب خارج عن الشرعية، وهذا القرار يعدّ الأول من نوعه في دول أوروبا الشرقية إذ إن بقية الدول اكتفت بإلغاء الدور القيادي لأحزابها الشيوعية. وبدأت أحزاب سياسية قديمة وجديدة تطفو على السطح، وتشكلت جبهة معارضة لجبهة الخلاص الوطني، وحدث فراغ وفوضى سياسية بعد الإطاحة بالرئيس السابق، وانتهاء دور الحزب الرسمي الوحيد بالبلاد الحزب الشيوعي. ونتيجة لهذه الفوضى السياسية اتخذت جبهة الخلاص الوطني بعض القرارات المتسرعة تراجعت عنها فيما بعد. وعقب ذلك تخلت جبهة الخلاص الوطني عن دورها القيادي لصالح مجلس الوحدة الوطنية[9] لحين إجراء الانتخابات العامة المقرر لها 20 مايو 1990، التي أسفرت عن فوز جبهة الإنقاذ الوطني بنحو 69% من مقاعد البرلمان، وفاز رئيس الجبهة إيون ايليسكو برئاسة الدولة بنسبة 85% من الأصوات، ولكن لم تحل الانتخابات العامة مشكلة التمزق والعنف السياسي في البلاد.

6. التغيير في ألبانيا:

       بعد وفاة أنور خوجا وتولي رامز عليا رئاسة الدولة وسكرتير عام الحزب الشيوعي، بدأت تحدث عدة تغييرات في ألبانيا، خاصة في المجال الخارجي، حيث زاد حجم العلاقات الخارجية الألبانية، كما أقامت ألبانيا علاقات دبلوماسية جديدة مع دول أوروبا الغربية، وفي المجال الداخلي سمح بزراعة بعض النباتات في حدائق المنازل للاستخدامات المنزلية الخاصة، كما سمح بتربية الماشية والأغنام، وبهذا بدأ القطاع الخاص يأخذ طريقه في السياسة الداخلية الألبانية، كما حدث تغير في التركيبة السياسية بحيث أصبحت تميل إلى إطلاق الحريات منذ بداية عام 1990.

7. تشيكوسلوفاكيا:

       ينتمي سكان تشيكوسلوفاكيا إلى قوميتين رئيسيتين هما؛ التشيك والسلوفاك، بجانب أقلية نوعية أخرى روسية وبولونية ومجرية وألمانية، وبلغ عدد سكانها، طبقاً لإحصائية عام 1990، نحو 17 مليون نسمة، حيث يعتنق ثلاثة أرباع السكان الديانة المسيحية الكاثوليكية، بينما يبلغ عدد اليهودية بها 12 ألف نسمة. وتتألف تشيكوسلوفاكيا الفيدرالية من جمهوريتين هما التشيك والسلوفاك.

       ومنذ انتخاب فاتسلاف هافيل أول رئيس للبلاد واستقالة رئيس الوزراء لاديسلاف أداميتس، كلّف ماريان كالفا بتشكيل حكومة جديدة يسيطر عليها الشيوعيين لأول مرة.

       ومنذ قمع السوفيت للحركة المضادة للشيوعيين عام 1968، تشكلت حكومة ائتلافية، احتدم فيها الصراع بين الشيوعيين الذين يريدون الإبقاء على الممكن من نهجهم مع المنتدى المدني الذي يريد نسف كل ما هو مرتبط بالشيوعيين، واستمر هذا الصراع في الانتخابات البرلمانية الحرة في يونيه 1990، وأسفرت عن فوز حركة المنتدى الديموقراطي بنحو 46% وحصول الحزب الشيوعي على 13.6%، وتم انتخاب زعيم حركه المنتدى فاتسلاف هافيل لرئاسة الدولة بواسطة البرلمان في يوليه 1990.

       وعلى مستوى الإصلاحات الداخلية، تحركت السلطات الجديدة نحو العمل على تغيير الهيكلة الاقتصادية واعتماد الانفتاح والتحول عن اقتصاد الاستهلاك إلى اقتصاديات السوق. ومن آثار تلك التحولات كذلك على المستوى الخارجي، الاتجاه نحو الانفتاح على الغرب في جميع جوانب الحياة السياسية والاقتصادية، حيث تعاقدت تشيكوسلوفاكيا مع بعض الشركات الغربية لتفتح فروعاً لها في البلاد، خاصة في المجال الصناعي.

       وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تم الإعلان في يناير 1993 عن تقسيم تشيكوسلوفاكيا إلى جمهوريتين هما جمهورية التشيك وجمهورية السلوفاك.

8. يوغسلافيا:

       تكون الاتحاد اليوغسلافي من ست جمهوريات هي: الصرب، وكرواتيا، وسلوفينيا، ومقدونيا، والبوسنة والهرسك، والجبل الأسود، بالإضافة إلى إقليمي كوسوفا وفويفودين، والصرب هي أكبر جمهوريات الاتحاد، كما أن هناك أعداداً من الصرب في كل من كرواتيا والبوسنة والهرسك تعدّ أقليات في هذه الجمهوريات.

       وفي عام 1948، عندما حاول جوزيف تيتو توسيع دائرة الاتحاد البلقاني ليشمل عدداً من دول شرقي أوروبا وبصفة خاصة بلغاريا وألبانيا، قام حوزيف ستالين بطرد يوغسلافيا من الكومنفورم، زاعماً أن سياسة جوزيف تيتو ضد السياسة السوفيتية، ولذلك نجد أن تماسك يوغسلافيا كان نتيجة تحديات وتهديدات مختلفة، غير أن الأمر تغير كثيراً بظهور بوادر نجاح الاندماج في أوروبا الغربية، وبدأت يوغسلافيا في البحث عن كيفية الانتماء إلى الكيان الأوروبي الغربي الجديد بعد تخليها عن الشيوعية وتبنيها اقتصاديات السوق.

       وبعد انتهاء رابطة الشيوعيين، بدأت كل من كرواتيا وسلوفينيا ومقدونيا والبوسنة في تطبيق نظام "اشتراكي ديموقراطي" أما صربيا فقد شكلت حزباً جديداً في يوليه 1990، سمى الحزب الاشتراكي الصربي، وبدأت المناداة في كل من سلوفينيا وكرواتيا بأن يصبح شكل الدولة كونفدرالياً على أساس توحيد الاقتصاد وجزء مشترك من الجيش، على أن يصبح للجمهوريات حق الانفصال والتمثيل السياسي الدولي، وحق إنشاء قوات مسلحة، وعارضت صربيا هذه المقترحات نتيجة لوجود ثلاثة ملايين صربي في هذه الجمهوريات والتي ستتحول إلى أقليات، ودعت إلي إقامة دولة فيدرالية، ولكن الحقيقة أن صربيا أرادت تكوين حلم قادتها وهو ما يسمى "جمهورية الصرب الكبرى" بالاستيلاء على أراضى معينة، وذلك تحت قيادة الحزب الاشتراكي الحاكم، علاوة على محاولة تصفية الأقليات وخاصة المسلمين. وهكذا تسارعت الأحداث في يوغسلافيا فأعلنت كرواتيا انفصالها عن الاتحاد اليوغسلافي في 25 يونيه 1991، وتبعتها سلوفينيا في 10 أكتوبر 1991 ومقدونيا في 5 يناير 1992، وتبعها جمهورية البوسنة والهرسك، وهكذا تأجج الصراع المسلح في يوغسلافيا بسبب حركات الانفصال.

تأثير المتغيرات السابقة على الاتحاد السوفيتي وحل حلف وارسو:

       في 17 يوليه 1989 عقدت في بوخارست قمة دول حلف وارسو، أشاد فيها ميخائيل جورباتشوف بالروح الجديدة لدول الحلف، مؤكداً وجوب أن يكون كل منهم حراً في اتباع الطريق الذي يختاره ويحترم الطريق الذي يتبعه الآخرون، وهكذا انتقل جورباتشوف من فكرة الاستقلالية لدول الحلف التي أطلقها قبل عامين، إلى فكرة اختيار طريق التطور بدون أي تحديد لآفاق هذا الطريق،أي بدون أن يحصره بخيار الاشتراكية، ولذلك تمثلت هذه الفكرة في البيان الختامي للقمة المذكورة، الذي جاء فيه: ليس لأي بلد الحق في توجيه الأحداث في بلد آخر، أو أداء دور القاضي أو الحكم، ولذلك فإن قمة بوخارست كانت نقطة بداية النهاية لحلف وارسو ودول أوروبا الاشتراكية، وهو ما يمكن أن تستدل عليه ضمناً من حديث ميخائيل جورباتشوف في أعقاب القمة إلى التليفزيون السوفيتي، حيث قال: ليس هناك من شك في أن حلف وارسو نفسه سيتغير، إذ سيتحول في البداية من اتحاد عسكري سياسي إلى اتحاد سياسي عسكري، وربما يأتي زمن تقتضي فيه الضرورة أن يختفي من الوجود، وبالفعل جاءت النتيجة السريعة محققة ما قاله جورباتشوف حيث أعلن عن حل حلف وارسو في الأول من يوليه 1991، وبذلك انهار التحالف العسكري الشرقي في مواجهة التحالف العسكري الغربي ممثلاً في حلف شمال الأطلسي.

       ومع هذا التحول الإستراتيجي في علاقات الاتحاد السوفيتي بدول المنظومة الاشتراكية، أخذت الضغوط الأمريكية في التزايد على دول أوروبا الشرقية لإنهاء سيطرة الأحزاب الشيوعية الحاكمة فيها، وبالتالي إنهاء النظام الاشتراكي العالمي، وتعبيراً عن هذه السياسة الأمريكية النشطة قام الرئيس الأمريكي جورج بوش في يوليه 1989 بزيارة خاصة لكل من بولندا والمجر، لأنهما يشكلان طلائع دول أوروبا الشرقية التي بدأت فيها تيارات التغيير والتحول الجذري في نظمها الاجتماعية والسياسية، وصرح جورج بوش أثناء زيارته لبولندا بأنها: تكتب تاريخها بنفسها، وأنظار أمريكا والعالم تتجه إليها، فما يجري هنا يهم العالم. وقال كذلك: إن بولندا ليست وحيدة، ونظراً للأهمية الفائقة للمرحلة التي تجتازها فإن الولايات المتحدة الأمريكية مستعدة لمساعدتها طالما ساعدت نفسها.

       وفي ضوء هذه التطورات السياسية العاصفة في أوروبا الشرقية، التي كانت انعكاساً مباشراً للبروستريكا والسياسة الخارجية السوفيتية الجديدة المترتبة عليها تجاه دولها الاشتراكية، عقدت قمة مالطة بين ميخائيل جورباتشوف وجورج بوش في اليومين الثاني والثالث من ديسمبر 1989، وكانت النقطة الرئيسية التي نوقشت في جدول أعمال القمة هي الأحداث والتطورات في دول أوروبا الشرقية، وتأكد بوش من مصداقية جورباتشوف في المضي قدماً بسياسته وترتيب الأوضاع بين الدولتين على هذا الأساس، وبمعنى آخر ترسيخ نتائج التطورات المذكورة، بحيث تكون مالطة هي إنهاء تام لنتائج مؤتمر يالتا الذي انعقد في شبه جزيرة القرم، عشية إنهاء الحرب العالمية الثانية في فبراير 1945 بين جوزيف ستالين وتيودور روزفلت وونستون تشرشل، وأسفر عن تقسيم أوروبا إلى قسمين، أوروبا الشرقية تحت النفوذ السوفيتي، وأوروبا الغربية تحت النفوذ الأمريكي، وكان من نتائجه تقسيم ألمانيا إلى دولتين، وبدء الحرب الباردة، وتشكيل حلفي شمال الأطلسي ووارسو، وفي ختام قمة مالطة قال جورباتشوف: إن الحرب الباردة قد انتهت ونحن لم نعد ننظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية نظرتنا إلى خصم لنا. وهكذا كرست مالطة نهاية يالتا، وأكدت على مصداقية القرار السوفيتي بالتخلي عن أوروبا الشرقية، التي تُعد حزاماً أمنياً إستراتيجياً للاتحاد السوفيتي، له أهميته القصوى من زاوية الأمن القومي ببعديه الداخلي والخارجي، وخاصة على وحدته السياسية ذاتها.

       تنازل الاتحاد السوفيتي عن أوروبا الشرقية، عربوناً لمصداقيته للغرب والولايات المتحدة الأمريكية، دون أن يحصل منهما بالمقابل على أي تنازل أو حتى مجرد دعم اقتصادي فعال، وصاحبت هذه السياسة السوفيتية الجديدة انسحابات عسكرية مباشرة أو غير مباشرة، وتسويات سياسية لنقاط التوتر السابقة بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية في مختلف أنحاء العالم في أفغانستان، وأنجولا، وناميبيا، وإثيوبيا، واليمن الجنوبي، والتوصل إلى وقف الحرب العراقية الإيرانية ... الخ. وفي الوقت نفسه تزايد الضغط الأمريكي على الاتحاد السوفيتي من أجل زيادة معدلات هجرة اليهود السوفيت إلى إسرائيل عشية انعقاد قمة واشنطن الثانية بين ميخائيل جورباتشوف و جورج بوش في يونيه 1990.

حل الكوميكون "مجلس المساعدة الاقتصادية المتبادلة"

       كانت ثورات أوروبا الشرقية عام 1989 الضربة القاضية التي وجهت للكوميكون، فإذا كان الانفجار الكبير في الكتلة السوفيتية قد هزّ العالم من شرقه إلى غربه، فقد كانت أثاره على العلاقات الاقتصادية بين دول الكوميكون مدمرة، إذ تدهورت معدلات التبادل التجاري منذ أحداث 1989، وظهرت دعوات صريحة لحل الكوميكون، حيث أن التحرير الداخلي للاقتصاد لهذه الدول لا يتمشى مع التخطيط المركزي والسلطة البيروقراطية للاتحاد السوفيتي، ولا يتمشى مع علاقات التجارة بالمقايضة بين أطراف محدودة ومعزولة نسبياً عن الاقتصاد العالمي.

       ومع تفاقم أبعاد الأزمات الداخلية والخارجية التي عانتها دول المعسكر الشرقي، كان التفكير في حل وسط واقعي يحافظ بأقصى قدر مستطاع على المصالح المتعارضة للأعضاء، حيث قرر أعضاء الكوميكـون في 5 يناير 1991 حل المجلس، وأعلنوا في الوقت نفسه عن تكوين منظمة جديدة هي
المنظمة الدولية للتعاون الاقتصادي، وذلك بهدف فك الارتباط بين الدول الشرقية بأقل قدر من الخسائر والتوجه نحو السوق العالمي، والسعي نحو التبادل التجاري مع الغرب لسد الفجوة التكنولوجية المتزايدة مع هذه الدول.

تأثير التحولات السابقة على الأوضاع العسكرية السوفيتية:

       في ديسمبر 1987، عقدت القمة السوفيتية ـ الأمريكية الثالثة بين ميخائيل جورباتشوف ورونالد ريجان في واشنطن، وأسفرت عن التوقيع على معاهدة إلغاء الصواريخ متوسطة المدى وقصيرة المدى بين البلدين، وتفاهم الجانبان على حل وسط في مسألة حرب النجوم، تمثـل في صياغة اتفاق بين وفدي الخبراء في جنيف على ما من شأنه التزام الطرفين باتفاقية سولت ـ 1، في شكلها الذي كانت عليه سابقاً، ولهذا اعتبر ميخائيل جورباتشوف قمة واشنطن بمثابة حدث كبير وأن اتفاقية إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى يُعد حدثاً ذا أبعاد تاريخية في طريق نزع السلاح النووي.

       وفي أواخر مايو 1988 عُقدت القمة الرابعة بين ميخائيل جورباتشوف ورونالد ريجان في موسكو، وكان الحدث البارز فيها هو التوقيع على البروتوكول الخاص بوثيقتي التصديق على معاهدة إزالة الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى، وقد أظهرت موسكو من جديد أن هذا الحوار أخذ يعكس السياسة الواقعية، وفي نهاية القمة رحَّب ريجان بما تم التوصل إليه ووصف الاتحاد السوفيتي، بأنه ليس دولة معادية للولايات المتحدة الأمريكية.

       وبالمقابل أعلن ميخائيل جورباتشوف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في 7 ديسمبر 1988، من طرف واحد، عن تخفيض حجم القوات المسلحة السوفيتية بمقدار نصف مليون جندي وسحب ست فرق مدرعة من ألمانيا الشرقية وتشيكوسلوفاكيا والمجر حتى عام 1991، وتخفيض حجم القوات السوفيتية في هذه البلدان بمقدار خمسين ألف جندي، وتخفيض الأسلحة السوفيتية التقليدية في القسم الأوروبي من الاتحاد السوفيتي وأراضي دول أوروبا الشرقية بمقدار عشرة آلاف دبابة و800 طائرة حربية وعدد كبير من قطع المدفعية، وتخفيض قدر كبير من القوات السوفيتية في القارة الآسيوية على حساب جزء من القوات الموجودة في جمهورية منغوليا الشعبية.

       وفي قمة موسكو في 31 يوليه 1991، بين ميخائيل جورباتشوف وجورج بوش، وقع الجانبان على معاهدة خفض الأسلحة الإستراتيجية التي أطلق عليها اسم "معاهدة ستارت"، واقتصر خفض الأسلحة المذكورة فيها على نسب ترواح ما بين 30–40%.


 



[1]  'قامت البريسترويكا على أسس هامة منها: * الديموقراطية: حيث تقوم على الاعتراف بتعدد المصالح في المجتمع الاشتراكي الواحد وبالتالي تتعدد المصالح والآراء والمواقف. * المصارحة والمكاشفة ` الجلاسنوست`: لإظهار الحقائق والأخطاء وتوجيه النقد البناء. * المركزية الديموقراطية، وهي من أهم الأسس التي يعتمد عليها النظام الاشتراكي لتنظيم المجتمع، وتوضيح رأي الأغلبية الذي ينقل إلى مستوى القمة لاتخاذ القرار. * استقلال المنظمات الجماهيرية حيث تتبع للحزب الشيوعي مباشرة ويقتصر دورها على رفع الكفاية الإنتاجية. * التعايش السلمي: بحشد كل الإمكانيات والموارد البشرية نحو الإصلاح الداخلي، وهو ما يتطلب العمل على إرساء مناخ دولي هادئ

[2]  كان جوزيف ستالين قد اتخذ عدة سياسات أدت إلى حدوث اختلاط وتداخل بين القوميات المختلفة دون انصهارها، إذ حافظت كل قومية على تميزها وذاتيتها، كما أدى الضم القسري لبعض الجمهوريات الصغيرة ذات القوميات والأعراق المختلفة إلى تفاقم مشكلة القوميات في الاتحاد السوفيتي، ومن هنا بدأت تبرز المطالب القومية سواء بالانفصال عن الاتحاد السوفيتي مثل جمهوريات البلطيق، أو المساواة الاقتصادية والاجتماعية مثل جمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية، أو العودة الإقليمية للوطن الأم مثل إقليم ناجورنو كاراباخ، أو العودة الديموجرافية للوطن الأم مثل التتار والأتراك.

[3]  سبب الرغبة في انضمام كازاخستان لهذا الاتحاد هو وجود أقلية روسية كبيرة تقدر بنحو 40% من عدد السكان، علاوة على وجود أسلحة نووية على أراضيها.

[4]  تصل نسبة الأرمن في منطقة تاخيشفان إلى 50% من السكان بعد أن كانت تصل إلى 90% عام 1924، وتصل نسبتهم في إقليم ناجورنو كاراباخ إلى 80% من السكان.

[5]  عُيِّن يوري أندروبوف أميناً عاماً للحزب الشيوعي خلفاً لبريجينيف وقد فاجأ هذا التعيين كل الاحتمالات، إذ كان من المتوقع أن يتولى قسطنطين تشيرنينكو هذا المنصب لأنه العضو الأكثر وزناً في الحزب.

[6]  تلخصت معارضة المحافظين في الآتي: * معارضة اتفاقية الحد من الأسلحة الإستراتيجية ` ستارت`. * معارضة أسلوب جورباتشوف للحصول على الدعم والمساعدات الاقتصادية أثناء انعقاد مؤتمر قمة الدول الصناعية السبع بباريس في 17 يوليه 1991، وما تضمنه البيان بشكل غير مباشر، شروط لتقديم المساعدات وهي ` انسحاب الاتحاد السوفيتي من جزر الكوريل اليابانية الأصل - تغيير بنية الاتحاد السوفيتي بحيث يصبح اتحاداً جديداً قائماً على التآخي وليس على الإكراه` . * تدهور الوضع الاقتصادي للبلاد بعد ظهور البريستوريكا وأنه كان من المفروض أن نسبق الإصلاحات الاقتصادية الإصلاحات الأخرى. * أن الخطوات السريعة التي أقدم عليها جورباتشوف سوف تؤدي في النهاية إلى تحول الاتحاد السوفيتي إلى دولة ليبرالية على النمط الغربي، كما أنها سوف تؤدي إلى تفكك الاتحاد إذا تم التوقيع على المعاهدة، الجديدة.

[7]  ضمت هذه اللجنة كلا من` جينادى يانايف نائب الرئيس، وفالنتين بافلوف رئيس الوزراء، ويوريس ياجوف وزير الداخلية، وديمتري يازوف وزير الدفاع، وفلاديمير كريتشيكوف رئيس جهاز المخابرات، وأوليج ياكلانوف مسؤول الصناعات العسكرية، وإلكسندر بترياكوف رئيس اتحاد مشروعات الدولة، وستادو بتشيف رئيس اتحاد المزارعين.

[8]  إعلان الحزب الشيوعي المجري، تصفية نفسه وتشكيل حزب جديد بدلاً منه يكون حزباً اشتراكياً قائماً على الديموقراطية النيابية والحريات المدنية والاقتصاد القائم على أساس السوق.'

[9]  يتكون هذا المجلس من مندوبين لعدد 73 حزب وممثلين لمختلف طوائف الشعب.