إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / انهيار الاتحاد السوفيتي






جمهوريات الاتحاد السوفيتي
جمهورية مولدافيا
جمهورية أوزبكستان
جمهورية أوكرانيا
جمهورية لاتفيا
جمهورية ليتوانيا
جمهورية أرمينيا
جمهورية أستونيا
جمهورية أذربيجان
جمهورية تركمنستان
جمهورية جورجيا
جمهورية روسيا الاتحادية
جمهورية روسيا البيضاء
جمهورية طاجيكستان
جمهورية كازاخستان
جمهورية قيرقيزستان
رابطة الكومنولث الجديد



المبحث الرابع

المبحث الرابع

تدهور قوة الاتحاد السوفيتي وأسباب الانهيار

تدهور قوة الاتحاد السوفيتي

       خلال السبعينيات، تمكن الاتحاد السوفيتي من تحقيق التوازن العسكري مع الولايات المتحدة الأمريكية، وانتصرت حركات التحرر والاشتراكية التي ساندها الاتحاد السوفيتي ضد الولايات المتحدة الأمريكية في جنوب آسيا، وأفريقيا جنوب الصحراء وأحدث التدخل العسكري السوفيتي في أفغانستان تطوراً نوعياً جديداً للسلوك السوفيتي في الحرب الباردة، بيد أنه ما كاد ينتهي عقد السبعينيات، حتى قادت إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان تصعيداً غير مسبوق للحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي، استهدف وأد الاشتراكية ذاتها، وحشد القدرات الشاملة، الأمريكية والغربية، لتحقيق هذا الهدف، من خلال إجبار الاتحاد السوفيتي على دخول سباق جديد للتسلح، يقوده إلى الانهيار والاستسلام.

       وفي بداية الثمانينيات قاد يوري أندروبوف، خط التشدد الأيديولوجي العسكري في مواجهة ما اسماه "نزعة الهيمنة الأمريكية على العالم، والتصعيد الأمريكي لسباق التسلح وتحول صراع الأفكار إلى صراع عسكري، في محاولة لتقويض التوازن العسكري الإستراتيجي القائم.

       بيد أن وصول اندروبوف إلى زعامة الحزب والدولة في الاتحاد السوفيتي سجَّل في الوقت ذاته بداية ثورة الجلاسنوست التي أطلق لها العنان خليفته ميخائيل جورباتشوف. ولعل أخطر ما أتت به ثورة المصارحة أو المكاشفة، هو النقد الذاتي الذي كشف عن أسباب تردي قوة الدولة السوفيتية. وإذا كان يوري أندروبوف قد واصل خط التشدد في إدارة الصراع السوفيتي ـ الأمريكي، مستنداً إلى قبول تحدي سباق التسلح، فإن خط المهادنة الذي تبناه ميخائيل جورباتشوف انطلق من اليقين باستحالة مواصلة دور القوة العظمى في الحرب الباردة بالاستناد إلى القوة العسكرية وحدها، خاصة مع تدهور القدرة الاقتصادية السوفيتية. ومع إقدام ميخائيل جورباتشوف على تقديم التنازلات العسكرية والسياسية من جانب واحد، ويؤكد انهيار القوة العظمى السوفيتية. وإذا كان يوري اندروبوف قد طالب بالتروي في التغيير الذي أراده في إطار النظام ذاته، فإن جورباتشوف قد فجر الثورة التي قادت إلى تفكيك البناء الإمبراطوري وانهيار النظام الشيوعي، بإضعاف التلاحم الشمولي.

       وطبقاً للأدبيات السوفيتية فإن مفهوم القوة الشاملة للدولة كان يعني أنها تشمل الجوانب التالية: القدرة الجيوبوليتيكية، والموارد الطبيعية، والقدرة الاقتصادية، وميزان التجارة والمدفوعات، والقوة العسكرية، والسكان، والعوامل المعنوية والسياسية، ونوعية الدبلوماسية، ونوعية إدارة البلاد، ومستوى التقدم العلمي والتكنولوجي، ومعدلات التجديد والتحديث.

مؤشرات ضعف الدولة الاتحادية:

       رغم امتلاك الاتحاد السوفيتي السابق إحدى أعظم ترسانتين للأسلحة التقليدية، فضلاً عن الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، فإن احتفاظه بالتفوق في مجال القوة العسكرية بدا مستحيلاً، بالنظر إلى تكاليف ومخاطر هذا التوجه، والأهم هو تدهور القدرة الاقتصادية السوفيتية نتيجة عجز آليات اقتصاد الأوامر[1] عن توفير الأساليب التكنولوجية والتنظيمية والإدارية الحديثة، التي تؤمن تسريع التنمية ورفع الإنتاجية. وقد تفاقم مأزق الاقتصاد السوفيتي بسبب الحصار التكنولوجي، واستخدام سلاح الغذاء، وتصعيد سباق التسلح، من جانب الدول الغربية. هذا بالإضافة إلى تخصيص الاتحاد السوفيتي لموارده العلمية والتكنولوجية والمالية والبشرية وغيرها للأغراض العسكرية على حساب حاجات الاقتصاد، وهو ما أدى إلى تدهور القدرة الاقتصادية النسبية للاتحاد السوفيتي على الصعيد العالمي. وقد انعكس هذا في أن حصة الآلات والمعدات في إجمالي الصادرات إلى الدول الصناعية لم تتعد نحو 2%، وأن المواد الأولية ونصف المصنعة مثلت أكثر من 70% من صادراته إلى العالم في منتصف الثمانينيات.

       وكما أوضح يوري أندروبوف، فإنه مع ثورة الاتصالات العالمية، أضحى الاتحاد السوفيتي، عاجزاً عن إخفاء حقيقة تدني مستويات الرفاهية ونوعية الحياة لسكانه مقارنة بالدول الصناعية الرأسمالية. ومع الجلاسنوست أدى البعث القومي إلى تفكك ما يسمى بالأمة السوفيتية، وتدهورت هيبة الدولة الشمولية، وتفكك الجهازان السياسي والأمني للدولة، أضف إلى هذا، تراجع النفوذ السوفيتي السيادي والأيديولوجي عالمياً، نتيجة تراجع مساندته لقضايا الجنوب وخاصة مع توجهه على إنهاء الحرب الباردة، ودفع في ذات الاتجاه، عدم قدرة الاتحاد السوفيتي على تحمل تكاليف مواصلة الثورة العلمية وتخليه عن أوهام هزيمة الإمبريالية وانتصار الشيوعية، وعجزه عن رفع مستويات الرفاهية الجماهيرية، وتورطه في حرب أفغانستان التي أدت إلى تقويض مصداقية الاتحاد السوفيتي لدى الرأي العام العالمي.

تحول الأيديولوجية من رسالة تحرير إلى رمز للكبت:

       من الواضح أن الأيديولوجية التي قام عليها النظام الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، قد تحولت إلى مؤسسات تنسب لنفسها صفة تجسيد الأيديولوجية، بينما أصبحت هذه المؤسسات في نظر الجماهير، مجرد بناء مؤسسي ينطوي على قدر كبير من الكبت، ولم تعد لها جاذبية، ومصدر ذلك الادعاء أن كثيراً مما تتطلع إليه الجماهير يعدّ انحرافاً عن المبدأ الأيديولوجي السليم، وتعبيراً عن تطلعات طبقية تتعارض مع الموقف البروليتاري الصحيح، ومع المسلك الذي يقضى في النهاية إلى المستقبل المنشود مستقبل الاشتراكية والشيوعية. وفي الوقت نفسه تفشي الفساد نتيجة هذا الكبت، ونشأت طبقة جديدة، هي طبقة المنتفعين بالمؤسسات الاشتراكية. فقد كان واضحاً أن المؤسسات الوحيدة التي استمرت تحرص على وحدة كيان الاتحاد السوفيتي، هي الحزب والمخابرات والجيش فقط، وكلها مؤسسات منظور لها على أنها أدوات كبت، بينما تعددت صور التفكك لأسباب قومية ودينية. ومن ثم فإن مؤشر عنصر التماسك الذي كان من المفترض أن يستمد كيانه وحيويته من الأيديولوجية، لم يعد قائماً وأن هذا التمسك يتحقق أساساً في صور مؤسسات، بما تملكه من قدرات كبت، كما أن الجيش والمخابرات أصبحت تطرح على قدم المساواة مع الحزب وتباشر الوظائف نفسها أدوات قمع صريحة.

       وقد ترتب على غياب الأيديولوجية القائمة على البعد الطبقي انتعاش لأيديولوجيات أخرى بديلة، مثل الأيديولوجية الدينية، والأيديولوجية القومية والأيديولوجية العرقية، وكل هذه عوامل تفكيك، بدلاً من أن تكون عوامل تماسك وبناء، إذ إن جميع الذين ينسبون أنفسهم إلى دين معين أو إلى قومية معينة على نطاق المجتمع بأسره إنما يشكلون مواجهة للذين ينتسبون إلى دين آخر أو قومية أخرى، وهذا معناه تقسيم المجتمع رأسياً. وهكذا، فعندما نتحدث عن التقسيم الأساسي، أي التقسيم الأيديولوجي الطبقي، فإننا نعنى به كتلة رئيسية في المجتمع، يشكل كل المنتسبين إليها وحدة كتلة الطبقة العاملة ومعها مجموع الطبقات الكادحة في المجتمع.. أنها كتلة اجتماعية يُفترض فيها التجانس، بغض النظر عن اختلاف قومية المشكلين لها، واختلاف أصولهم الدينية والعرقية، وإن وجد لهم أعداء، فهم أعداء ينبثقون من صفوف هذه المجتمعات جميعاً، وهم قابلون للعزل.

       ومع التحول الذي حدث في الاتحاد السوفيتي منذ عهد ميخائيل جورباتشوف، كان هناك احتمالان نظريّيان لما يمكن أن تؤدي إليه هذه التحولات، الاحتمال الأول: أن النظام الاشتراكي الذي أنجز في العقد الثاني من القرن العشرين، أصبح مآله السقوط والانهيار من الداخل، إن أجلاً أو عاجلاً، لأسباب موضوعية تتعلق بطريقة إقامته أصلاً، والاحتمال الآخر أن يبرز هناك وعي ذاتي بأن عملية السقوط واردة لا محالة، وأنه ينبغي بالتالي التصدي لهذه العملية قبل حدوثها، تجنباً لما هو أسوأ، وبمعنى آخر ترويض عملية السقوط ومحاولة السيطرة عليها، وعندما أطلق ميخائيل جورباتشوف عملية البريسترويكا، وعندما بدأ يمارس التغيير بدأ يدرك أن الخلل بدأ يتجاوز كل التكهنات، وأن القضية لم تعد قضية تصحيح، بقدر ما أصبحت قضية سيطرة على عملية أفلتت من كل سيطرة.

فشل عملية الإصلاح:

       كان هناك السؤال الذي شغل الكثير من المشتغلين بالسياسة، وهو؛ لماذا فشلت إدارة ميخائيل جورباتشوف في الانتقال إلى طراز جديد متحرر من تشوهات المجتمع السوفيتي القديم وأمراضه؟. وسوف نوضح فيما يلي تحليلاً للدراسات الأكاديمية حول فشل الإدارة الجورباتشوفية للانتقال السلمي، وبالتالي حدوث الانهيار للاتحاد السوفيتي.

1. نظرية الإحباط الذاتي للإصلاح المتأخر:

       ربما تكون أكثر النظريات شمولاً وعمومية هي أن تجربة ميخائيل جورباتشوف الإصلاحية جاءت متأخرة جداً، بحيث لم تعد مجدية في تحقيق مهمة إنقاذ النظام وإصلاحه من داخله وعلى نحو سلمي، وبإيجاز شديد، فإن النظام السوفيتي القديم، اتسم بالركود الممتد والعجز عن التكيف مع المتغيرات الداخلية والخارجية على نحو منهجي، مما أدي إلى تكدس ركام هائل من المشكلات والتناقضات المستفحلة في هياكل المجتمع والدولة لفترة طويلة جداً من الزمن، وبمجرد التزام جورباتشوف بعدم مزاولة العنف لقمع هذه التناقضات، ظهرت الفجوة الكبيرة بين حجم المشكلات المتراكمة والقدرة المحدودة للنظام القديم، حتى لو كان قد تم إصلاحه جزئياً وبسرعة، على مغالبة هذه المشكلات وحلها. وبمجرد أن رُفع غطاء العنف الشمولي انفجرت التناقضات السياسية والاجتماعية بقوة أكبر من القدرة المتاحة على السيطرة عليها، ولم يتمكن جورباتشوف بالتالي من تحقيق إعادة البناء في ظل الجلاسنوست؛ لأنه لم تتوفر لديه الوسائل الضرورية للسيطرة على الخريطة الجديدة للقوى السياسية والاقتصادية.

2. نظرية عدم توازن مدرسة جورباتشوف في الإصلاح:

       يبرز هنا تساؤل مهم وهو لماذا فشلت إستراتيجية جورباتشوف في نقل الموارد المادية والمعنوية من النطاق الدفاعي والخارجي إلى النطاق الإنمائي والداخلي بالرغم مما حدث بالفعل من تحرير لجانب كبير من الموارد التي أنفقت على الدفاع والالتزامات الخارجية للاتحاد السوفيتي بوصفه دولة عظمي.

       وهناك نظريات حاولت الرد على هذا التساؤل وغيره. وواقع الأمر أن إستراتيجية جورباتشوف للانتقال قد اتسمت بعدم التوازن الداخلي، حيث ركزت على الإصلاح السياسي وأهملت الإصلاح الاقتصادي. كما أنها تورطت في نمط من الإصلاحات السياسية كان ضاراً بالإصلاحات الاقتصادية.

       وقد ألحق هذا الإصلاح السياسي ضرراً شديداً بقدرات الدولة الوظيفية والاقتصادية قبل أن يتمكن جورباتشوف من إيجاد آليات جديدة للإدارة الاقتصادية الكفء والقائمة على قدرات المجتمعين المدني والاقتصادي المستقلين عن الدولة، أي آليات السوق، وبذلك قذف بالاقتصاد العملاق للاتحاد السوفيتي إلى فراغ إدارة جعل الفوضى تتمكن منه تماماً، الأمر الذي أسفر بدوره عن انهيار اقتصادي لا يتفق مع القدرات والإمكانات والموارد التي تتمتع بها البلاد، كما كان السبب الرئيس وراء التفكك والانحسار لإمكانية الرقابة على التطور السياسي العام للبلاد.

3. نظرية استحالة إصلاح نظام إمبراطوري شمولي:

       هناك نظرية غربية، تقول باستحالة إصلاح دولة شمولية إمبراطورية من النمط السوفيتي القديم، والمآل الوحيد لمثل هذا النمط من الدولة هو حتمية انهياره وسقوطه أو هدمه من البداية، وبهذا المعنى فإن جورباتشوف كان يسعى عبثاً لإصلاح دولة شمولية من داخلها، لا بسبب أن إصلاحاته جاءت متأخرة عن موعدها مع الزمن فحسب، بل لاستحالتها منطقياً كذلك.

4.إطار نظري بديل لشرح إخفاق المدخل الإصلاحي لجورباتشوف:

       في واقع الأمر إن الثورات والحركات الإصلاحية والتصحيحية داخل الاتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية، تبدو نتاجاً متراكماً وهائلاً من السخط، جمع بين ثلاث نزعات كبرى غير متبلورة وهي: النزعة الديمقراطية، والنزعة القومية، والنزعة للتحول إلى الرأسمالية القائمة على الانهيار الثقافي والارتباط السياسي بالغرب.

       ويتعلق المصير السياسي للتحولات في هياكل السلطة، بما في ذلك مصير حركة الإصلاح الجورباتشوفية وحركة الإصلاح ما بعد الجورباتشوفية بالتناقضات الظاهرة والمستثمرة بين هذه النزعات الثلاث وتضميناتها.

       ويمكننا أن نوصف مدرسة جورباتشوف في الإصلاح بأنها مزيج خاص من هذه النزاعات الثلاث المتناقضة، وهو مزيج ظل يتحول على نحو غير واع وعبر عملية كيمائية خاصة، استجابة للمتغيرات السياسية في البيئة الداخلية والخارجية للاتحاد السوفيتي، وبتعبير آخر، فإن أول ما يلفت الانتباه في المدخل الجورباتشوفي للإصلاح، هو أنه انطلق من نقد شامل للنظام القديم دون أن يملك تصوراً مبدئياً بسيطاً عن النظام الجديد، أي أنه كان هناك وعي بعيوب ونواقص النظام الذي يجب الانتقال منه دون أن يتوافر قدر معقول من الوعي الواضح بالنظام الذي يجب الانتقال إليه، بل لم يكن هناك نموذج للمجتمع السياسي والاقتصادي الذي يريد أن ينقل إليه.

5. تغير النظرة السوفيتية الجديدة للصراع والتوازن في العالم المعاصر:

       منذ وصول ميخائيل جورباتشوف للسلطة أعلن صراحة أن مخرجات التنافس التاريخي بين النظامين العالميين،الاشتراكي والرأسمالي، لا يمكن أن تحدد بالوسائل العسكرية، بل أن معدل التقدم العلمي والتكنولوجي والمنافسة الاقتصادية الدولية يقرران معا نتائج هذا الصراع التاريخي بدرجة حاسمة. ومن ثم يمكننا استخلاص أهم أركان النظرة السوفيتية الجديدة للصراع والتوازن العالميين في الآتي:

أ.   أن الحرب النووية وبصفة عامة استخدام القوة العسكرية حتى التقليدية منها، لا يمكن أن تحقق الأهداف العليا للدولة أيا كانت.

ب.              ضرورة تأسيس السياسات الدولية على المبادئ والقيم الإنسانية الاجتماعية.

ج. إن تكدس السلاح النووي وزيادة حجم نوعيته وتطورها، لم يؤد إلى توفير المناخ الأمني الدولي بين أطراف الصراع، ومن ثم برزت الحاجة إلى تخفيض هذا السلاح أو إزالته.

د.   التنمية الاقتصادية الدولية العالمية، رهن بإيقاف سباق التسلح النووي والتقليدي، أي نزع السلاح من أجل التنمية المجتمعية العالمية.

هـ. ضرورة بناء السياسة الخارجية لأي دولة بعيداً عن الامتيازات الأيديولوجية الخلافية التصادمية عقائدياً.

و. حق كل دولة وكل أمة في اختيار طريقها الخاص للتنمية الاجتماعية الداخلية.

ز. الأسبقية المطلقة والأولوية الدائمة للحفاظ على الجنس البشري وعلى الكون بصرف النظر عن اعتبارات الثوابت الأيديولوجية للتحليل الماركسي، مما يقتضي الائتلاف العالمي الرأسمالي. الاشتراكي لتحقيق السلام الكوني.

ح. المراجعة العقيدية لمبدأ ماركسي أرثوذكسي أحيل عن السببية والتفاعلية ما بين ظاهرتي الحرب والثورة.

ط. اتباع الحوار الدبلوماسي المفتوح بين كل الاتجاهات والرؤى السياسية لدى الدول كافة بلا تعصب ذاتي أو تحيزات مسبقة.

الإصلاح الاقتصادي ونهاية الشيوعية:

       في السنوات الأولى للبريسترويكا، أدى فضح النظام القديم إلى إضعاف نفوذه، وقاد إضعاف الجهاز الحزبي إلى تصفية سطوته، ولبداية تقويض الأسس الشمولية، وبدأ تتفكك الدولة الاتحادية. وفي أعقاب انقلاب أغسطس 1991، انهار النظام الشمولي نهائياً، وتفاقم ازدواج السلطة بين المركز السوفيتي والجمهوريات الأطراف، وتوالت قرارات الاستقلال عن الاتحاد السوفيتي بدءاً من روسيا الاتحادية ذاتها، وتداعي كلية نظام التوزيع والتبادل بين الجمهوريات الخمس عشرة المكونة للاتحاد السوفيتي.

       والواقع أن الدعوة إلى الإصلاح الاقتصادي، قد استمرت ضمن نطاق توحيد أسس الاشتراكية الستالينية ومبادئ الماركسية اللينينية قبل جورباتشوف، وجرت محاولات للإصلاح الاقتصادي، من عهد نيكيتا خروشوف إلى ليونيد بريجنيف وحتى يوري أندروبوف، ولكنها تمت في ظل النظام السياسي الشمولي وفي إطار الدولة المركزية السوفيتية، واستمرت محاولات الإصلاح الاقتصادي قبل ثورة البريسترويكا، لا تتجاوز نظام إدارة الاقتصاد بالأوامر، واحتكار الدولة لوسائل الإنتاج، وعدم الربط بين إنتاجية العمل ودخل المشتغل، بل اتجهت أحياناً في عهد يوري أندروبوف، نحو توطيد الأساسين الأولين مع التوجه نحو تعديل الأخير، فقد تمسك أندروبوف بمبدأ التوزيع العادل للكعكة.

       وقبيل انقلاب أغسطس طرح برنامج الليبراليين للتحول إلى اقتصاد السوق خلال خمسمائة يوم، وفي مواجهته طرح برنامج ديمتري ريجكوف وزير الاقتصاد السوفيتي والمحافظين للتحول المتدرج إلى اشتراكية السوق، وللخروج من المأزق الذي دخلته عملية إعادة بناء النظام الاقتصادي الاشتراكي، وبهدف التوفيق بين القوى الداعية إلى التغيير المتدرج، وتلك المنطلقة إلى التغيير الثوري، طرح ميخائيل جورباتشوف في أكتوبر 1990، برنامجاً للتحول إلى اشتراكية السوق، ونجح في الحصول على موافقة مجلس السوفيت الأعلى عليه.

       ومن أجل تجنب كارثة الانهيار الاقتصادي، قبلت الأطراف الرئيسة للصراع، بهذا الحل الوسط، وفي إطار هذه المساومة السياسية وافق ديمتري ريجكوف على البقاء في منصبه لتنفيذ البرنامج الذي ارتكز أساساً إلى خطة الأيام الخمسمائة رغم معارضته السابقة.

       وعشية الانقلاب الفاشل في أغسطس 1991م، بدا واضحاً إفلات سيطرة الحزب الشيوعي السوفيتي في مجالات إدارة الاقتصاد والإصلاح الاقتصادي. وعقب الانقلاب لم يعد جورباتشوف قادراً على المطالبة بإعادة بناء الاشتراكية، مكتفياً بالتأكيد على المهام الاقتصادية الملحة لتجنب الكارثة الاقتصادية.

       وخلال الدورة الأخيرة لمجلس السوفيت الأعلى في أكتوبر1991م وبتكوينه الجديد بعد الانقلاب، لخص جورباتشوف المهام الاقتصادية الملحة أمام الاتحاد السوفيتي السابق. ويجدر أن نشير هنا إلى أنه لم يأت في هذا الخطاب أي ذكر للبريسترويكا أو الاشتراكية. ويبدو أنه بدا من الواجب تجنب هاتين الكلمتين أو غيرهما حتى على لسان زعيم البريسترويكا في الدولة الاشتراكية الأولى.

       وعشية إعلان نهاية الاتحاد السوفيتي رسمياً، وأمام المؤتمر الخامس غير العادي لنواب الشعب في جمهورية روسيا الاتحادية البرلمان الروسي، أعلن بوريس يلتسين انتهاء عهد التقدم بخطوات صغيرة، وأكد أنه لابد من قفزة كبيرة في مجال الإصلاح الاقتصادي، كما طرح برنامجه للإصلاح الاقتصادي، والذي تلخص في الآتي:

1. تحقيق الاستقرار الاقتصادي ودعم الروبل بتنفيذ سياسة مالية ونقدية وائتمانية انكماشية صارمة للغاية، مؤكداً على أنه بغير هذه الخطوة الصعبة، فإن الحديث عن الإصلاح والسوق لن يعدو أن يكون لغواً.

2. تنفيذ برنامج التخصصية وتقليص قطاع الدولة لإقامة اقتصاد مختلط يضم قطاعاً خاصاً قوياً، وتسريع برنامج الإصلاح الزراعي وتشجيع نشاط الأعمال الخاص.

3. تحرير الأسعار، وذلك استناداً إلى خبرة ما أسماء بوريس يلتسين "الحضارة العالمية".

4. خفض الإنفاق الحكومي بتقليص مخصصات دعم الإنتاج غير الكفء، ونفقات الدفاع ومصروفات الجهاز الإداري، وأكد بوريس يلتسين على أن عجز الموازنة لا بد من تقليصه إلى الحد الأدنى.

5. إصلاح النظام الضريبي المشوه، الذي لا يتوافق مع اقتصاد السوق ولا يتسم بالانضباط.

6. إصلاح الجهاز المصرفي، وذلك باتخاذ إجراءات صارمة ضد الإصدار غير المقيد للنقود وضد تقديم القروض بغير ضوابط.

7. إقامة نظام للضمان الاجتماعي، مع رفع القيود على سقف الأجور لمواجهة ارتفاع الأسعار.

أسباب انهيار الاتحاد السوفيتي:

       انتهى الاتحاد السوفيتي مع نهاية عام 1991، إثر استقالة ميخائيل جورباتشوف، ولا تنتهي الشعوب مع زوال الدول التي تنشئها، ولكن الاتحاد السوفيتي كان تجربة فريدة من حيث إنه ربما يكون الدولة الوحيدة في العالم التي لم تنسب نفسها إلى هوية معينة، ولا إلى موقع جغرافي محدد. ذلك أن الاتحاد السوفيتي دولة أريد بها أن تصبح النواة لنظام اشتراكي شيوعي يتسع للكوكب كله، وقد تميز الاتحاد السوفيتي عن دول العالم جميعاً في أنه قصد به أن يكون ثورة قبل أن يكون دولة، وأن يكون فكرة شمولية خليقة بالانتشار لتصبح عقيدة عالم جديد، وقد حمل انتهاء الاتحاد السوفيتي على نحو ما، معنى إخفاق هذه الفكرة. وبطبيعة الحال أثيرت تساؤلات عديدة حول هذا الموضوع وفي مقدمتها.. هل انتهاء الاتحاد السوفيتي يؤذن بانتهاء فكرة الاشتراكية؟ وهل زوال الاتحاد السوفيتي من خريطة العالم السياسية يشهر إفلاس البناء الفكري الذي شيده كارل ماركس؟ أم أن الإخفاق قد نال من تجربة بعينها فقط؟ وأن هذا الإخفاق لا يعني انتصاراً نهائياً للذين ناصبوا الاتحاد السوفيتي العداء منذ مولده، ولا يعني كذلك انتصاراً للرأسمالية.

       ومن الواضح أنه كان هناك العديد من الأسباب المهمة لنكسة الاشتراكية، منها على سبيل المثال، تلازم هذه الاشتراكية، مع الدكتاتورية البوليسية المطلقة التي خلصت دائرة السلطة في مجال ضيق تتناوله نخبة سياسية وعسكرية بيروقراطية، استطاعت أن تقدم الحرية والديمقراطية. ولذلك فعندما فتحت البريسترويكا إمكانية تغيير النسق السياسي السوفيتي بما يُحسِّن من شروط تداول السلطة، وبما يخلق فرصاً جديدة أمام التطور الديمقراطي للبلاد، عبَّر المجتمع عن تأييده لسياسة الإصلاحات وعن موقفه المعادي للنموذج الاشتراكي في الحكم. وقد كان موقف الرفض شبه التام من الانقلاب الفاشل يمثل أكفأ الأدلة وأقواها من أجل البرهنة على قوة الفكرة الديمقراطية ورسوخها واصطدامها مع نقيضتها الاشتراكية، على أنها كانت الأساس في سقوط المثال الاشتراكي من وعي الناس، وهنا يمكن القول: إن الاشتراكية يمكن أن تكون ديمقراطية كذلك، وأنها قد لا تكون التوزيع العادل للثروة فقط، وإنما كذلك التوزيع العادل للسلطة.

       تعرض الاتحاد السوفيتي لضغوط قوى داخلية، اقتصادية وسياسية وأخرى خارجية كانت من أسباب انهياره وتمثلت في الآتي:

1. الضغوط الداخلية:

أ.   القوى المحافظة المناهضة لجورباتشوف: حيث أكد جورباتشوف على أن توقف عملية الإصلاح سيؤدي إلى كارثة محققة، وأن الإصلاحات ستجعل من الاتحاد السوفيتي أكثر دول العالم ديمقراطية.

ب.              مشكلات القوميات: التي نجحت أجهزة الإعلام الغربية في استثارتها، مثل دول البلطيق أو مشكلة عودة التتار إلى القرم، أو مشكلات القومية الدينية في مولدافيا وغيرها.

ج. المشكلة اليهودية: التي ترتبط بقضية حقوق الإنسان، وقد اتخذ السوفيت موقفاً مرناً بالإفراج عن المنشقين وتخفيف قيود الهجرة أو الحصول على الجنسية المزدوجة.

د.   دول أوروبا الشرقية: وتمثلت ضغوطها في الرغبة على الانفتاح تجاه الغرب، وهو ما أدى إلى صحوة التيار القومي، ودور الكنيسة بصفتها مركزاً للمقاومة الأيديولوجية والمبادئ التي قام عليها الموقف السوفيتي إزاء أوروبا، وكان إقرار استقلال الأحزاب الشيوعية الأوروبية وحقها السيادي ومسؤوليتها عن معالجة مشاكلها.

2. معاهدة جورباتشوف:

       طرح جورباتشوف معاهدته التي أجرى عليها الاستفتاء في مارس 1991، والتي كانت بداية للتفكك وقد نصت على الآتي:

أ.   إقامة فيدرالية ديمقراطية ذات سيادة تتكون نتيجة للاتحاد الطوعي الاختياري بين جمهوريات متساوية في الحقوق، وتمارس سلطة الدولة في حدود الصلاحيات التي منحتها إياها أطراف المعاهدة.

ب.              يحق لكل جمهورية أن تحفظ لنفسها الحق في أن تحل بذاتها كافة مسائل تطويرها وضمان الحقوق السياسية وإمكانات التطور اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً لكافة الشعوب القاطنة في أراضيها.

ج. تتعهد الجمهوريات بإعطاء الأولوية لحقوق الإنسان وفقا لقواعد القانون الدولي المتعارف عليه كمبدأ هام للغاية.

د.   حق لكل جمهورية أن تقيم علاقات قنصلية وتجارية مباشرة، وغيرها من الصلات، مع دول أجنبية وتتبادل معها التمثيل، وتعقد معها المعاهدات الدولية، وتشارك كذلك بصورة مباشرة في نشاطات المنظمات الدولية، شريطة ألا يستتبع ذلك انتهاك الالتزامات الدولية للجمهوريات السوفيتية.

هـ. عضوية الجمهورية في اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية هي عضوية تطوعية اختيارية والجمهوريات الأطراف في المعاهدة الاتحادية تتمتع بحقوق متساوية وتتحمل التزامات متكافئة.

و. من حق الجمهورية أو الجمهوريات الأطراف في المعاهدة الخروج بصورة حرة من الاتحاد وفقاً للأصول التي أقرها المشاركون في المعاهدة.

       وتم إجراء استفتاء شعبي لأول مرة في مارس 1991، لتحديد مصير الاتحاد. وطرح الاستفتاء سؤالاً واحداً على المواطنين وهو: هل توافق على إقامة الاتحاد السوفيتي في نمط جديد للاتحاد من الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية ذات السيادة المتساوية في الحقوق التي يراعى فيها حقوق الإنسان وحرياته؟

       واشتركت في الاستفتاء تسع جمهوريات فقط من بين الجمهوريات الخمس عشرة وقاطعت الاستفتاء ست جمهوريات هي جمهوريات البلطيق الثلاث، وجورجيا، ومولدافيا، وأرمينيا، واشترك في الاستفتاء أكثر من 80% من المقيدين في جميع أنحاء البلاد، وافق منهم 77% على الاحتفاظ بكيان الاتحاد السوفيتي الحالي.

3. الأسباب الاقتصادية والتي تمثلت في الآتي:

أ.   غياب عناصر القدرة التنافسية للاقتصاد السوفيتي وفقدانها.

ب.              تدهور القوة الاقتصادية نتيجة عجز آليات اقتصاد الأوامر عن توفير الأساليب التكنولوجية والتنظيمية والإدارية الأحدث التي تؤمن زيادة معدل التنمية.

ج. تأخر التحديث التكنولوجي للاقتصاد السوفيتي نتيجة الاعتماد على إمكانية الاستيراد من الغرب.

د.   تراجع حجم صادراته من السلاح والبترول والغاز الطبيعي في مطلع التسعينيات، مع تراجع قدراته على تقديم العون الاقتصادي للبلدان النامية.

هـ. الانخراط في دائرة الإنفاق العسكري الضخم الذي استنزف الموارد المادية والمعنوية.

و. عدم الاهتمام بالانفاق على البحث العلمي، ومشاريع تطوير التكنولوجيا في القطاعات غير العسكرية، وعدم العناية بالصناعة المتوسطة والاستهلاكية؛ لتلبية رغبات وحاجات المواطنين.

ز. ثورة الجلاسنوست والبريسترويكا التي أحدثت انقلاباً داخلياً أدى إلى تصعيد الأحداث وانهيار الدولة.

ح. الإعلان رسمياً في 5 يناير 1991، بواسطة أعضاء مجلس المساعدة الاقتصادية التسع الكوميكون وهي: رومانيا، والمجر، وبولندا، وتشيكوسلوفاكيا، وبلغاريا، والاتحاد السوفيتي، وكوبا، وفيتنام، ومنغوليا، عن حل المجلس، مع تكوين منظمة جديدة لها مهام مختلفة عن الكيان القديم[2].

4. الأسباب السياسية وتتلخص في الآتي:

أ.   تدهور قدرة الدولة وعجز النظام الشيوعي عن تحقيق التفوق، مع تآكل مكانة الاتحاد السوفيتي بصفته قوة عظمى، حيث تراجعت قدرته بشدة على ممارسة الدور الذي نهض به بعد الحرب العالمية الثانية.

ب.              إن إلغاء النص الدستوري على الدور القيادي للحزب الشيوعي، كان يمثل إعلاناً ببدء تقويض مجمل جهاز الدولة القديم، والتمهيد للإطاحة بجورباتشوف نفسه. وإذا كان جورباتشوف لم يصل إلى حد تقنين التعددية الحزبية، إلا أنه سمح بالتعددية السياسية، بما في ذلك قبوله عملياً بقيام تكتلات داخل الحزب الشيوعي السوفيتي، بما أدى إلى تعميق انشقاق النخبة الحزبية.

ج. ارتبط التدهور بمسألة الضغوط والقيود التي فرضها التصعيد والتوتر الدائم الذي فرضه سباق التسلح الضاري في المجالات النووية وغير التقليدية مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية.

د.   فرض الحصار على الاتحاد السوفيتي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، وظلت تمارس ضغطاً مباشراً ومستمراً عليه لإجباره على الدخول في سباق التسلح الذي استهدف استنزاف اقتصادياته وتقويض الشيوعية وتفكيك الدولة.

هـ. الانقلاب الفاشل في أغسطس 1991، الذي ساهم في الإجهاز على الاتحاد السوفيتي وانقسام المؤسسة العسكرية وحل الحزب الشيوعي، ومن ثم فقدت النخبة الحاكمة التمسك بالمحافظة على نظامها.

5. الأسباب الأيديولوجية:

أ.   كانت الأيديولوجية الشيوعية، والمؤسسة التي التزمت بهذه الأيديولوجية وجسدتها ونسبت إلى نفسها صفة تمثيلها الحزب الشيوعي، كانت لها الهيمنة على الدولة وعلى أجهزتها القمعية لضمان تماسك الاتحاد السوفيتي والحيلولة دون تفككه، ولكن مع تصاعد الأحداث لم يعد للحزب الشيوعي وجود وغابت الأيديولوجية التي تقوم بعملية التوحيد، كما لم يستطع أبناء هذا النظام الدفاع عنه.

ب.              تبني الاتحاد السوفيتي فلسفة جديدة تقوم على وحدة العالم وضرورة إنهاء الحرب الباردة، باعتبار أن تزايد حدة التنافس لم يحقق أهدافها السياسية والاقتصادية والأيديولوجية، ومن ثم توقفت عن تحقيق مبدأ مهم وهو تحقيق التوازن أو التفوق العسكري على الغرب. ومن ثم تبنت القيادة السوفيتية أربعة مواقف هي:

(1) وقف سباق التسلح النووي وامتداد التخفيض إلى التسليح التقليدي والكيميائي.

(2) فض الاشتباك في العالم الثالث وتحقيق تسويات في مناطق النزاع، وفي مقدمتها أفغانستان، وأنجولا، ونيكاراجوا.

(3) تعزيز مركز الأمم المتحدة بصفتها المرشحة لشغل الفراغ خلال المرحلة الانتقالية القادمة.

(4) تعديل العقيدة الإستراتيجية، لتصبح العمليات الدفاعية هي الشكل الأفضل في الحرب، مع الدعوة إلى الحفاظ على قوات ذات كفاءة معقولة لا تغري بالهجوم، وتتناسب مع مستوى التهديد العسكري.

ج. إخفاق الاتحاد السوفيتي في إحداث التغيير الاجتماعي بالقوة خلال فترة زمنية محددة عبر منظور أيديولوجي محدد، وقد أكدت التجارب التاريخية ذلك.

6. أزمة شرعية السلطة المركزية:

       فقدت السلطة المركزية قدرتها على القيام بدور الحكم في صراعات السيادة والخلافات بين شعوب الاتحاد السوفيتي، بل لم تستطع الإشراف على تشكيل مجتمع جديد من المصالح بين الجمهوريات السوفيتية، كما أن الدولة السوفيتية لم يعد لها مستقبل، وقد جرى الحديث طويلاً حول تدهور شعبية جورباتشوف لدى الجماهير السوفيتية، ففي سبتمبر 1990 لم يحظ جورباتشوف بتأييد الرأي العام في الاستفتاء الذي أجرى حول الموقف السياسي وأزمة القوميات. فقد حصل علي 28.5% في حين حصل بوريس يلتسين رئيس جمهورية روسيا الاتحادية على 61.5%، وهذه النتائج لا تترجم القوة السياسية لكل منهما فحسب، ولكنها تُعبر كذلك عن انتقال الثقة من أجهزة الدولة الاتحادية إلى أجهزة السلطة السياسية الإقليمية والمحلية، بل أن السلطة المركزية لم تستطع الحفاظ على سلامة الدولة الاتحادية وبقائها، كما لم تستطع سلطة جورباتشوف الشخصية أن تمنع تدهور شعبيته وشرعيته القانونية.

       وتعويضاً عن عدم قدرة أجهزة الحكم المركزي على الاستمرار في دورها بوصفها أعلى جهاز للسلطة السياسية، كان يمكن لهذه الأجهزة تعليل وجودها عن طريق أداء دور الحكم في الخلافات التي ستثور حتماً بعد تفكيك الدولة السوفيتية، ولكن هذه الأجهزة فقدت مصداقيتها لدى الجميع بسبب تدخلاتها العنيفة التي زادت الصراعات تفاقماً بدلاً من تهدئتها، بالإضافة إلى أن السلطة المركزية أصبحت عاجزة عن التصدي لرغبة السلطات المحلية في القيام بمفردها بمهمة الدفاع عن أمنها وسيادتها، وإن رفض زعماء جورجيا وليتوانيا وأرمينيا تطبيق القرار الصادر في 25 يوليه 1990 الذي بموجبه يصبح من حق رئيس الدولة السوفيتية مصادرة الأسلحة التي حصلت عليها التشكيلات العسكرية بطريق غير قانوني، والتي زادت كميتها بشكل كبير، هذا الرفض يُعدّ رفضاً للاعتراف بحق السلطة المركزية في حفظ النظام ويعبر كذلك عن عجز هذه السلطة عن ممارسة حقوقها في هذا المجال.

7. أزمة الاتحاد وعدم الثقة في الانتماء للدولة:

       يرى المحللون السياسيون، أن سياسة جورباتشوف هي التي فجرت الأزمة القومية، لأنها سمحت بالتعبير عن المطالب القومية، ولكن الحقيقة أن هناك الكثير من العوامل التي أدت إلى تطرف المطالب القومية. فالواقع أن هذا التطرف قد نتج عن تفاقم الأزمة الاقتصادية وتصاعد الإحساس بأن الانتماء للاتحاد السوفيتي لم يعد ميزة بل أصبح عائقاً، حتى عامل الأمن لم يعد له وجود، وقد كان الاعتقاد السائد في الماضي أنه كلما كبر حجم الدولة وتنوعت مواردها وعظم حجم جيشها، كان ذلك أدعى على الإحساس بالأمن، ولكن الحال بالاتحاد السوفيتي أصبح مختلفاً.

       إن تفاقم المشاعر القومية وتطرفها قد انتشر بسرعة، ولكن في الوقت نفسه كانت هناك جمهوريات لم تطالب بالانفصال مثل جمهوريات آسيا الوسطى، ولكن قد تحدث تطورات تدفع بالرأي العام والسلطات إلى تبنى إستراتيجية الانفصال، حتى لو كانت شروط استقلالها الاقتصادي والسياسي غير مرضية؛ مثلما حدث في أرمينيا، فقد اشتهر الشعب الأرمني بطاعته التامة للسلطة المركزية، وكانت المطالبة بالاستقلال تأتي من جانب الأرمن المهاجرين وليس من داخل أرمينيا، إلى أن حدثت المواجهة مع أذربيجان، فبدت السلطة المركزية وقواتها المسلحة كما لو كانت متواطئة مع الخصوم، وأدى ذلك إلى إثارة الرأي العام الأرمني فجأة ضد السلطة المركزية ومن ثم أعلنت جمهورية أرمينيا استقلالها في 23 أغسطس 1990، على الرغم من أن زعمائها السياسيين لم يكونوا قد حددوا بعد شروط هذا الاستقلال وشكله.

8. الضغوط الخارجية:

أ. الولايات المتحدة الأمريكية:

       هي الدولة التي تصدرت القوة الضاغطة على الاتحاد السوفيتي، ويدّعي الرئيس الأمريكي ريجان أن نزع السلاح قد تم نتيجة الضغط الدبلوماسي والعسكري وليس نتيجة تنازلات سياسية من جانب أمريكا أو وعود للتعاون الاقتصادي، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية عند نهاية الحرب العالمية الثانية كانت تملك ثلثي ذهب العالم وكل قوته النووية. ومع استمرار التنافس مع الاتحاد السوفيتي حدث نوع من التعادل في التسليح النووي، علاوة على استنزاف الاقتصاد الأمريكي بوجود 600 ألف جندي خارج أراضيها، وهو ما أدى إلى زيادة الإنفاق السنوي إلى 150 بليون دولار للدفاع عن أوروبا وحدها. ومع ذلك استمرت الولايات المتحدة الأمريكية في التحرك من منطلق القوة وبنوع من الغطرسة، مع الاستعداد للتصعيد والتحدي للاتحاد السوفيتي في جميع مواقعه بالعالم الثالث. وقد واكب ذلك، أن المتطلبات الاقتصادية والتكلفة، والعبء الاقتصادي للمساندة الأيديولوجية للاتحاد السوفيتي لحلفائه، أصبح أمراً لا يستطيع تحمله، وبالتالي أصبح أكثر مرونة فيما يخص مساندة حلفائه التقليديين، دون أن يفرط بالطبع في هذه المواقع الإستراتيجية، ومن ثم أصبح وصف الاتحاد السوفيتي بأنه قوة توازن لصالح دول العالم الثالث أمراً مشكوكاً فيه.

ب. أوروبا:

       كانت أوروبا هدفاً سوفيتياً بغرض تحييدها في الصراع الدائر بين القوتين العظميين، ولكن أوروبا استطاعت في المرحلة الأخيرة قبيل التفكك، تصعيد النزعة الديمقراطية والقومية داخل دول أوروبا الشرقية وهو أمر عجَّل بسقوط الشيوعية فيها وسقوط حلف وارسو.

ج. الصين:

       وتتحدد علاقاتها بالاتحاد السوفيتي وفقاً لسياسته الجديدة الهادفة إلى إيجاد جو من الوفاق بين الطرفين، فهناك من القضايا بينهما ما يمكن تسويته مثل المشكلات الإقليمية الأسيوية والقوات على الحدود بين الجانبين، علاوة على إمكانية قبول الصين أيديولوجيا، حيث مازال الهيكل الأساسي في الصين ماويا والحزب مصدر السلطة.



[1]  اقتصاديات الأوامر: وهي تعني السيطرة المركزية لدولة على كافة الجوانب الاقتصادية تخطيطاً وتنفيذاً، بمعنى أن السياسة الاقتصادية بكافة آلياتها تحت سيطرة الدولة بما فيها عناصر الإنتاج.

[2]  خرجت ألمانيا الشرقية من الكوميكون بعد وحدتها مع ألمانيا الغربية، وقد شكل الكوميكون في 25/1/1949.