إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / انهيار الاتحاد السوفيتي






جمهوريات الاتحاد السوفيتي
جمهورية مولدافيا
جمهورية أوزبكستان
جمهورية أوكرانيا
جمهورية لاتفيا
جمهورية ليتوانيا
جمهورية أرمينيا
جمهورية أستونيا
جمهورية أذربيجان
جمهورية تركمنستان
جمهورية جورجيا
جمهورية روسيا الاتحادية
جمهورية روسيا البيضاء
جمهورية طاجيكستان
جمهورية كازاخستان
جمهورية قيرقيزستان
رابطة الكومنولث الجديد



المبحث الخامس

المبحث الخامس

انهيار الاتحاد السوفيتي وانعكاساته على التنافس

انهيار الاتحاد السوفيتي:

       انهار الاتحاد السوفيتي رسمياً في 21 ديسمبر 1991، ولم يعد لرئيسه ميخائيل جورباتشوف أي دور، ولم يعد لاتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفيتية كيان، انهار رمز الاشتراكية وقلعته الأولى، انهار الاتحاد نهائياً في أعقاب اجتماع الماآتا عاصمة كازاخستان وإعلان ميخائيل جورباتشوف رسمياً عن إنهاء وجود الاتحاد السوفيتي الدولة الفيدرالية.

       وحدّ كومنولث من جمهوريات مستقلة محل الدولة السوفيتية، ولم يعد أمام جورباتشوف غير أن يُعلن أن مهمته قد انتهت. حاول جورباتشوف التجديد داخل إطار الاشتراكية وقد هزم في المحاولة، ولكن هل معنى ذلك أن الرأسمالية انتصرت؟ وأنه لا مستقبل لقضية الاشتراكية؟ ومن الواضح أن هناك جديد في العالم قد حدث، فقد تعاظم وعي الشعوب على نحو لم يسبق له مثيل، وأصبحت هناك مشاركة للجماهير في صنع القرار السياسي، فهناك ثورة حدثت في الإعلام، ولذلك سقطت كل أشكال الانغلاق، وأصبحت شعوب العالم مشاركة في صنع القرار.

الدول التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي السابق

       تنقسم الدول التي استقلت عن الاتحاد السابق إلى أربع مجموعات إقليمية فرعية من المنظور الجغرافي، وهي مجموعة بحر البلطيق: ليتوانيا ولاتفيا وأستونيا، ومجموعة شرقي أوروبا: روسيا وأوكرانيا وبيلاروسيا، ومجموعة ما وراء القوقاز: أذربيجان وأرمينيا وجورجيا، ومجموعة آسيا الوسطى: كازاخستان وأوزبكستان وطاجيكستان وقرقيزستان وتركمانستان، علاوة على مولدافيا. كما يمكن تصنيف هذه الدول على أساس الرابطة الثقافية، حيث نجد المجموعة السلافية التي تشمل مجموعة شرق أوروبا عداً مولدافيا، والمجموعة الإسلامية التي تشمل مجموعة آسيا الوسطى إلى جانب أذربيجان، وتمتاز جمهورية روسيا الاتحادية بأنها تمتد إقليمياً من الشرق الأقصى إلى شرقي أوروبا. ومن الناحية الثقافية فإنها تضم جمهوريات وأقاليم ومناطق حكم ذاتي سلافية وإسلامية، فضلاً عن الأقليات الألمانية واليهودية وغيرها. وإلى جانب التوزع بين الكنيستين الأرثوذكسية والكاثوليكية هناك التوزع بين المذهبين السني والشيعي، كما تختلف الدول المستقلة من حيث التركيب القومي ونسب القومية الأصلية إلى سكان كل منها، وتختلف بوجه خاص من حيث نسب المتحدثين باللغة الروسية ونسبة الروس بالنسبة لإجمالي السكان.

       ومن جهة أخرى، فإن الدول المستقلة والمجموعات الفرعية تختلف من حيث القدرات الاقتصادية ومستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، والقدرات العسكرية وخاصة النووية، والموارد الطبيعية التعدينية والنباتية وخاصة موارد الطاقة والأراضي المزروعة، كما تتباين من حيث الامتداد الجغرافي والقوة الجيوبوليتيكية، ومن حيث عدد السكان، وتطور التعليم، والبحث العلمي، والقدرة البشرية. ويتسم بأهمية خاصة معرفة القدرات النسبية لجمهورية روسيا الاتحادية باعتبارها مركز الإمبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي ورابطة الكومنولث، باعتبارها الوريث الشرعي والوحيد للاتحاد السوفيتي السابق، وكذلك الإلمام بالقدرات النسبية لمجموعة الدول الإسلامية الأسيوية ذات الصلات المباشرة والروابط المتنوعة مع دول الشرق الأوسط، ومن ثم تأثيرها على الأوضاع الإقليمية والعربية. وكذا القدرات النسبية لأوكرانيا بصفتها القوة الثانية بين دول الكومنولث التي حددت مصير الاتحاد السوفيتي.

       كما تبرز أهمية تحليل أسباب الصراع وإمكانية تصاعده؛ نتيجة لأسباب قومية أو عرقية، فهناك الأخطار الناشئة عن المطالبة بإعادة ترسيم الحدود على أساس الانتماء القومي مثل؛ حالة ناجورنو كاراباخ، أو على أساس التراجع عن تنازلات إقليمية في إطار الاتحاد السوفيتي السابق مثل حالة روسيا مع أوكرانيا حول إقليم القرم، وكذلك أخطار الصراع حول تقسيم القوات المسلحة، وتقسيم أسطول البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، وحول إقامة جيوش مستقلة للدول ذات السيادة والنزاع على مصير الترسانة النووية، وأوضاع القوات الإستراتيجية والقوات المشتركة المتواجدة في الدول المستقلة، وأخطار التركيب القومي المعقد لهذه القوميات. ثم هناك الصراع على توزيع أعباء التركة، مثل المديونية الخارجية للاتحاد السوفيتي السابق وغيرها من آثار انهيار الروابط الاقتصادية القديمة. وخاصة تصدير أعباء الإصلاح الاقتصادي، وكذا الصراعات المتصلة باختلاف انتماءات النخب السياسية الحاكمة في الدول المستقلة وسياساتها وتوجهاتها، ومصير الصراع على السلطة داخل كل دولة، وبالأخص في روسيا الاتحادية، وانعكاسه على مصير الكومنولث، ومصير الحزب الشيوعي السوفيتي وقوى المعارضة الإسلامية وغيرها من قوى المعارضة اليسارية والديموقراطية والقومية والدينية، ودور ووزن جماعات الضغوط وبصفة خاصة نقابات العمال والاتجاهات الشيوعية القومية والفوضوية في صفوفها، كما تبرز مصالح المجمع الصناعي العسكري، والمؤسسة العسكرية الموروثة وأخطار الحروب الأهلية مع انتشار الأسلحة النووية، ودوافع استمرار قوات مشتركة بوصفها عوامل تدفع إلى وجود رابطة للتعاون والتنسيق من منظور أمني. وهناك مخاوف الغرب من إفلات السيطرة على الترسانة النووية، وتهديد الأمن الأوروبي والعالمي.

رابطة الكومنولث الجديد:

1. في 21 ديسمبر 1991 أعلن عن إلغاء الاتحاد السوفيتي، وتكوين رابطة الدول المستقلة، ووقع رؤساء إحدى عشرة جمهورية هي: روسيا، وروسيا البيضاء، وأوكرانيا، وأرمينيا، وأذربيجان، وطاجكستان، وأوزبكستان، وتركمانستان، وقرقيزستان، وكازاخستان، ومولدافيا، على ثلاث اتفاقيات[1]:

أ.   الاتفاقية الأولى: ألغي بموجبها منصب الاتحاد السوفيتي وأنشئت رابطة الدول المستقلة مع تكوين مجلس لرؤساء الدول يضم الأعضاء ويتولى التنسيق فيما بينهم، وتم الاعتراف بأن الجمهوريات المشاركة على قدم المساواة بحكم أنها أعضاء مؤسسة في الرابطة.

ب. الاتفاقية الثانية: وأطلق عليها إعلان الماآتا، حيث تم بموجبها الاعتراف باستقلال الجمهوريات المؤسسة في إطار حدودها الحالية.

ج. الاتفاقية الثالثة: وتم بموجبها إنشاء قيادة عسكرية مؤقتة للقوات المسلحة للدول الأعضاء حتى نهاية عام 1991، حتى يتم الاتفاق علي الوضع النهائي لتلك القوات، على أن تكون القوات التقليدية والنووية تحت إمرة تلك القيادة. (انظر خريطة رابطة الكومنولث الجديد)

2. في 25 ديسمبر 1991، استقال ميخائيل جورباتشوف معلناً بذلك زوال الاتحاد السوفيتي من الخريطة السياسية للعالم، مع ظهور 15 جمهورية مستقلة لها تطلعاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية الجديدة.

3. في 31 ديسمبر 1991، اجتمع رؤساء رابطة الدول المستقلة في منسك، واتفقوا على السماح لكل دولة بتشكيل قواتها العسكرية المنفصلة، ولكنهم عجزوا عن الاتفاق على مبدأ وجود قيادة واحدة لتلك القوات، وفي اجتماع آخر عقد في منسك خلال شهر فبراير 1992، اتفقوا على إنشاء تلك القيادة مع رفض أوكرانيا وأذربيجان ومولدافيا الانضمام إليها.

4. ومن الواضح أن اتحاد هذه الرابطة جاء متسرعاً دون وضع أسسه وقواعده السليمة، فالاتحاد جاء محاولة للخروج من المأزق السياسي الذي أدى إليه اتفاق رؤساء الجمهوريات السلافية، والاتحاد يمثل قيمة حقيقية للجمهوريات السلافية، ولكنه لا يمثل ذلك لبقية الجمهوريات، وقد أشار رئيس جمهورية تركمانستان إلى ذلك بقـوله: لقد وجدنا أنفسنا خارج إطار الجمهوريات السلافية. ومن ثم انضمت هذه الجمهوريات إلى الرابطة، حيث لم تجد أمامها بديلاً آخر، كما أسرعت بقية الجمهوريات بدخول الرابطة خشية ملاحقتهم بسبب تأييدهم للانقلاب، علاوة على ضعف البنية الاقتصادية لها، بما يمكن أن يحولها إلى بلدان نامية من الدرجة الثالثة.

5. كما جاء الاتحاد مبهماً ودون نصوص واضحة، توضح علاقة كل جمهورية بالأخرى، كما جاء خالياً من أي تحديد للمجالات الاقتصادية، وقد علق رئيس أوكرانيا على هشاشة الاتحاد بقوله: إننا نفهم أن الاتحاد الاقتصادي بين الجمهوريات على أنه مجال اقتصادي موحد وليس سوقاً موحدة، وأكد على أن توجهات أوكرانيا لن تنحصر ضمن إطار السوق الأوروبية المشتركة. كما جاء الاتفاق الاقتصادي خالياً من شكل ومضمون النظام المصرفي في العلاقات الاقتصادية الخارجية، مع صعوبة الاتفاق على الحد الأدنى من التعاون الاقتصادي، خاصة إن روسيا الاتحادية أعلنت أنها ستبيع صادراتها وموارد الطاقة مقابل العملة الصعبة.

ملامح عن أوضاع الجمهوريات المستقلة:

1. جمهورية روسيا الاتحادية.

       ظهرت جمهورية روسيا الاتحادية على أنقاض الاتحاد السوفيتي على أنها الاستمرار الشرعي له من الناحية القانونية، وتعد أكبر الجمهوريات المستقلة من حيث المساحة والسكان والناتج القومي، ولذلك لم يتردد قادة رابطة الدول المستقلة في الاتفاق على إعطائها مقعد الاتحاد السوفيتي في مجلس الأمن وعلى أن يتحكم رئيس روسيا في شفرة إطلاق السلاح النووي، على ألا تستعمل تلك الأسلحة إلا بموافقة باقي الدول النووية: كازخستان، وروسيا البيضاء، وأوكرانيا، بعد التشاور مع باقي أعضاء الرابطة، وأن ترث روسيا معظم المؤسسات الاقتصادية والسياسية السوفيتية.

وتتكون روسيا الاتحادية من:

أ. 18 جمهورية اتحادية هي: بشكيرستان، وبوربانيا، وشيشان، وأنجوشيا، وجوفاشيا، وداجستان، وكاباردينيا، وبالكاريا، وكالميكيا، وكاربليا، وكومي، وماري، وموردوفيا، وأوسيتيا الشمالية، وتاتارستان، وتوفا، وأودمورتيا، وباكوتيا.

ب. أقاليم ذات حكم ذاتي: أدوجي، وبيروبيجان، وجورنوالتاي، وكرتشاي جيركاسيا، وخاكاسابا.

ج. مقاطعات ذات حكم ذاتي: انجينو، وبورناتيا، وتشانتي، ومانسيا، وتشكونيا، وكورباكيا، ونينيتيا، وتايمبريا، وجانو، وأوست، وأوردنيا، وبمالو، ونينيتيا، بفينكا.

2. الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى والقوقاز:

       هناك ست جمهوريات إسلامية تقع خمس منها في آسيا الوسطى وهي: اوزبكستان، وكازاخستان، وقيرقيزستان، وطاجيكستان، وتركمانستان، وواحدة في القوقاز هي أذربيجان، ويشكل المسلمون ـ بالمعنى الثقافي القومي ـ أغلبية في تلك الجمهوريات عدا كازاخستان، التي يوجد بها نسبة كبيرة من الروس، ويبلغ عدد المسلمين في دول الرابطة قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي بنهاية عام 1991، نحو 57 مليون نسمة يعيش 80 % منهم في الجمهوريات الست. وتتاخم هذه الجمهوريات جغرافياً كل من إيران وتركيا وباكستان وأفغانستان.

       تُعد تلك الجمهوريات أقل دول الرابطة من حيث مستوى التطور الاقتصادي، فمتوسط دخل الفرد في كازاخستان مقارناً بالمتوسط العام للجمهوريات السوفيتية السابقة – طبقاً لإحصاءات عام 1990/1991 ـ تصل إلى نحو 75%، وفي أذربيجان نحو 65%، وفي تركمانستان نحو60% وفي قرقيزستان نحو 52%، وفي أوزبكستان نحو 48%، وطاجيكستان 45%.

       وينتمي مسلمو الجمهوريات الست إلى ثلاث مجموعات عرقية هي:

أ. مجموعة الشعوب التركمانستانية: 85% من المسلمين، وتضم معظم سكان أوزبكستان وكازاخستان وأذربيجان وتركمانستان وقيرقيزستان، وهؤلاء يتحدثون لغات قريبة من اللغة التركية، وهم أقرب ثقافةً إلى تركيا.

ب. مجموعة الشعوب الإيرانية: "8.4% من المسلمين"، ويتمركزون في طاجيكستان أساساً وهؤلاء أقرب حضارة وثقافة إلى إيران، وإن لم يكونوا شيعة كما هو الحال في سكان أذربيجان.

ج. الشعوب الأيبروقوقازية: وهؤلاء يعيشون في مجموعات متفرقة في القوقاز وروسيا، الانجوش والشيشان وغيرهم.

       ويشيع بين مسلمي الجمهوريات الست شعور عام بهويتهم القومية المتميزة، ويتمثل هذا الشعور في السعي نحو إحياء تاريخ آسيا الوسطى قبل الحكم الروسي، والتمسك باللغات القومية وبالقيم الثقافية الإسلامية، وإنّ تعدد الانتماءات اللغوية والمذهبية لدول آسيا الوسطى والقوقاز الإسلامية، وتدني مستوى تطورها الاقتصادي ومتاخمتها الجغرافية لدول إسلامية أخرى، يجعل من تلك الدول ساحة عريضة مفتوحة أمام كل من: "إيران، وتركيا، والدول العربية، وإسرائيل" وكذلك بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية والصين.

3. مولدافيا:

       هي جمهورية أقرب إلى رومانيا، حيث إن ثلثي عدد السكان في بيارابيار، وأكبر أقاليمها، من أصل روماني، كما تطالب الجبهة الوطنية المنشقة عن الحزب الشيوعي في مولدافيا بالسيادة داخل اتحاد فيدرالي، ويزداد العنف داخل مولدافيا بين الأقليات التركية والقوقازية والروسية من جانب ضد الأغلبية الرومانية من جانب آخر.

4. أرمينيا:

       تقع جمهورية أرمينيا في جبال القوقاز الصغرى، تحدها من الشرق جمهورية أذربيجان، ومن الغرب تركيا، ومن الشمال جورجيا، ومن الجنوب إيران، معظم السكان من الأرمن الذين تبلغ نسبتهم 93% من السكان، وبها أقليات من الأذربيجان والأكراد والروس، تنتشر المسيحية بين أبنائها، انضمت للاتحاد السوفيتي عام 1936، وهنالك أزمة تاريخية بين أرمينيا وأذربيجان حول إقليم ناجورنو كارباخ، حيث معظم سكانه من المسيحيين الأرمن الذين تربطهم صلات قوية ووحدة ثقافية ودينية وعرقية مع جمهورية أرمينيا، وقد قامت اضطرابات عرقية في فبراير عام 1990 بين الأذربيجانيين والأرمن بسبب مطالبة شعب ناجورنو كارباخ بالانضمام لأرمينيا، وقد استغلت القوات السوفيتية هذا الوضع لتحتل مدينة باكو عاصمة أذربيجان وتفرض الأحكام العرفية.

       ومن المفارقات أن ما يسمى بالاتحاد السوفيتي سابقاً، كان يمثل الغطاء الذي يمنع التوترات والصراعات العرقية، أما الآن فقد انكشف الغطاء وزال الستار الحديدي، فخرج مارد الصراعات العرقية من قمقمه.

5. أوكرانيا:

       دولة ذات تاريخ عريق، فهي مهد الشعوب السلافية الشرقية الثلاث، انضمت للاتحاد السوفيتي عام 1922، وحصلت على استقلالها بنهاية عام 1991، وتتمتع أوكرانيا باستقرار سياسي، ومن الجدير بالملاحظة أن أوكرانيا، أدت دوراً أساسياً في سياسة التصدير والاستيراد للاتحاد السوفيتي والشرق الأوسط، حيث تمتلك ثروات ضخمة مثل الحديد، والمنجنيز، والفحم، والغاز الطبيعي، وتُعدّ من الجمهوريات الصناعية بين دول الاتحاد السوفيتي السابق، كما كانت إحدى الجمهوريات السوفيتية الأربع التي تمتلك أسلحة نووية، كما تنتج الصواريخ الإستراتيجية، والخلاف الذي حدث بين روسيا وأوكرانيا هو حول تقسيم تركة الأسلحة السوفيتية خاصة في مجال البحرية.

6. روسيا البيضاء:

       هي إحدى الجمهوريات السلافية الثلاث، ولها علاقات قوية ومصالح مشتركة مع روسيا وأوكرانيا، وتعدّ أقل منها من الناحية الاقتصادية، وهي من الدول النووية الأربع بالاتحاد السوفيتي السابق.

7. جورجيا:

       إحدى جمهوريات جنوب القوقاز، لم تنضم إلى الكومنولث عند بدء تشكيله، ولكنها سرعان ما انضمت في العام التالي، وتعتقد جورجيا أن لروسيا علاقة فيما حدث بداخلها من قلاقل بسبب إقليم أفخازيا الذي اتجه نحو الانفصال عن جورجيا، ولجورجيا علاقات طيبة مع جيرانها، خاصة في مجال العلاقات الاقتصادية.

ثانياً: انعكاس الانهيار على التنافس الدولي والإقليمي:

       منذ أن انهار الاتحاد السوفيتي وتفككت أجزاؤه، وتولد عن هذا التفكك شكل جديد، اتخذ صورته الدولية في إقامة رابطة جديدة هي: كومنولث الدول المستقلة، بدأت تبرز العديد من القضايا نذكر أهمها في الآتي:

1. القضية الأولي حول علاقة المركز بالأطراف:

       حيث تبدو تلك العلاقة في شكل تلاشي قوة الجذب التي كانت تربط بين الجمهوريات المنتمية للاتحاد السوفيتي السابق، وبين السلطة المركزية في موسكو وفي الوقت نفسه، حلّت محل ذلك علاقة جديدة لا تعني انفراطاً كاملاً، ولا تعني كذلك التئاماً شاملاً، أو عودة للوضع السابق.

2. القضية الثانية:

       تَدَخُل قوي دولية وإقليمية في محاولة لاكتساب مواقع نفوذ، وإعادة صياغة الأوضاع في هذه المنطقة بما يتمشى مع مصالح الأطراف الدولية والإقليمية المعنية.

روسيا الاتحادية وريثة الاتحاد السوفيتي:

       تحتل روسيا الاتحادية داخل كومنولث الدول المستقلة وضعاً مركزياً، فقد ورثت الاتحاد السوفيتي من الناحية القانونية الدولية وكذلك من الناحيتين الاقتصادية والعسكرية، كما ورثت كذلك التركة المثقلة بالأمراض الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي أفرزتها الحقبة الشيوعية التي دامت قرابة سبعين عاما. ولذلك فإن ما يحدث في روسيا الاتحادية ذو أثر بالغ في تطور الأوضاع في كومنولث الدول المستقلة، حيث لا تزال الدولة المحورية التي تدور من حولها جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، سواء بالسلب أو الإيجاب وذلك في مختلف العلاقات. ولذلك، فإن المواقف الدولية والإقليمية، خاصة الموقف الغربي. تجاه روسيا الاتحادية، ترتبط أشد الارتباط بتطور الأوضاع في كومنولث الدول المستقلة، وعموماً يبدو الموقف الغربي متناقضا ومتردداً بين بديلين.

1. الأول: هدم روسيا الاتحادية استكمالا لعملية تفكيك الاتحاد السوفيتي، ويرتبط ذلك بتفكيك رابطة الكومنولث، ويدفع هذا الهدف الإدراك الغربي بأن روسيا الاتحادية، بكل ما تملكه من مقومات للقوة، تعدّ المهدد لأمن أوروبا والغرب عموماً، إلا أن هذا البديل تقف أمامه معضلة خطيرة تواجه الغرب، حيث تمثل عملية هدم روسيا الاتحادية مخاطرة غير مأمونة العواقب، نظرا لما سيتبعها من انشطارات وتفككات تحمل معها نذير فوضي عارمة قد تخرج عن نطاق السيطرة.

2. الثاني: يتمثل في استخدام روسيا الاتحادية دولة حارسة، في منطقتها الإقليمية، لمصالح الغرب، وذلك حتى لا يمتلئ الفراغ الذي خلفه انهيار الشيوعية ببديل مناقض لمصالح الغرب تستغله قوي إقليمية منافسة وفي مقدمتها إيران، إلا أن هذا البديل تقف أمامه كذلك معضلة تواجه الغرب، وهي المخاوف المنبعثة من أن يؤدي تدعيم هذا البديل إلى انبعاث الدولة الاتحادية بصفتها السابقة عدواً للغرب.

       ومن ثم، فإن التوجه السائد يبدو أنه يدور حول توجيه سياسة القوي الكبرى إزاء كومنولث الدول المستقلة، بغية الإبقاء عليه في حالة من الضعف والتفكك، وفي الوقت نفسه محاولة استخدام بعض دول الكومنولث كقوى موازنة للاتجاه نحو تقوية المركز الروسي. وفي هذا الإطار يمكن تفهم دوافع التقارب الأمريكي ـ الأوكراني، والأمريكي الكازاخي، في محاولة من واشنطن للاستفادة من التناقضات التي تبرز بين موسكو وكييف، وموسكو والماآتا من جانب آخر.

روسيا والتنافس الدولي حول جمهوريات الكومنولث:

       أكدت التطورات التي أعقبت قيام كومنولث الدول المستقلة في ديسمبر 1991، ان هذا التنظيم يفتقد إلى العديد من مقومات الدفع الذاتي، لذلك لجأت موسكو إلى توقيع العديد من الاتفاقيات الثنائية مع كل من أطراف الكومنولث، واضطرت أن تدخل مجال المنافسة مع قوى إقليمية كإيران وتركيا وباكستان، وكذلك مع حلف شمال الأطلسي في محاولته لاستقطاب دول أوروبا الشرقية، وقد لجأت روسيا في سبيل مواجهة هؤلاء المنافسين الجدد، وفي محاولة منها للتأكيد على أن بلدان الكومنولث والبلطيق تمثل مجالاً حيوياً للمصلحة الروسية، أن تستخدم السياسة المعروفة باسم "فِرّقْ تَسُدْ"، وهى تعني بذلك استخدام الاختلافات العرقية والنزعات الانفصالية القومية. والمتأمل في سياسة موسكو تجاه أقاليم كاراباخ وأفخازيا والقرم، يلحظ محاولة روسيا اللعب بورقة الانفصال القومي، الذي يؤكد إصرارها على منح رعايا الجمهوريات السوفيتية السابقة حق اكتساب الجنسية المزدوجة لاستخدام هؤلاء ورقة لزعزعة استقرار الجمهوريات التي تقطن بها أقليات روسية[2].

       والواقع أن التعدد العرقي داخل كومنولث الدول المستقلة يعد من أخطر المشكلات التي توجد أزمة حادة في الهوية، تنعكس على أزمة الشرعية وتؤخر، بالطبع، عملية الشعور بالانتماء إلى كيان موحد. وهذا التنوع العرقي الواسع النطاق يضم العنصر السلافي في روسيا وأوكرانيا، إلى جانب العنصر التتري الآسيوي في جمهوريات آسيا الوسطي، والعنصر الآري في غرب الكومنولث، وينعكس ذلك بالطبع على الثقافة السائدة، وعلى الأنماط السلوكية والاجتماعية. ويزيد من تأثير هذه الاختلافات بعض العوامل الأخرى التي تساهم في خلق مشاعر التنافس وعدم الانسجام بين الجمهوريات بعضها ببعض، بل وفي داخلها كذلك، ويظهر ذلك في مناطق متعددة مثلما حدث في إقليم كاراباخ بالنسبة لأذربيجان، وإقليم أفخازيا بالنسبة لجورجيا.

روسيا والدول الغربية:

       شهد مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي في بودابست الذي بدأ أعماله في الخامس من ديسمبر عام 1994، أعنف مواجهة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، وذلك بسبب محاولة حلف شمال الأطلسي توسيع نطاقه بضم شرقي أوروبا له ووسطها، وقد حاول الرئيس الروسي يلتسين التأكيد على أن مثل هذه الخطط التي توضع من أجل مواجهة احتمال انهيار الديمقراطية في روسيا تُعد أمراً لا علة له، وانه بدلاً من ذلك اقترح احتفاظ روسيا بدورها حارساً للجانب الشرقي في أوروبا.

       كانت الهواجس الروسية تدور حول الخشية من محاولة تهميش مكانة روسيا ودورها في التأثير في رابطة الكومنولث، أو محاولة تحجيم نفوذها في ممارسة أي رقابة أو وصاية على عدد من دول وسط وشرقي أوروبا. وحرص يلتسين على بلورة موقف روسيا في إستراتيجيتها تجاه جاراتها أو مع العالم الخارجي، في أنها تسعي إلى تأكيد أمن الدول المجاورة لها التي كانت سابقا ضمن الاتحاد السوفيتي السابق أو ضمن أوروبا الشرقية، وذلك في إطار الإستراتيجية الروسية المسماة بالحدود القريبة التي تعني التدخل بحسم باستخدام القوات المسلحة لحماية مصالح روسيا في جمهوريات الكومنولث والمناطق الأخرى التي كانت تابعة للاتحاد السوفيتي السابق، وأعلنت روسيا أنها صاحبة حق في التدخل عسكرياً بالصراعات التي تنشب في أراضى الاتحاد السوفيتي السابق، وبصفة خاصة حينما تمس المصالح القومية الروسية. ووفقاً لذلك فإن تواجد أي نوع أو مظهر من مظاهر القوة أو النفوذ لدول مثل؛ إيران أو تركيا في هذه المناطق يصبح غير مرغوب فيه، وغير مرحب به من روسيا بالطبع، وكذلك تنظر روسيا إلى محاولات حلف شمال الأطلسي لمد مجال النفوذ الغربي إلى وسط وشرقي أوروبا، بأنه تهديد لمصالحها ومحاولة من الدول الغربية لعزلها.

       وبطبيعة الحال، فإن الفكر الروسي قد أدى إلى إثارة قلق الغرب، خاصة ما أعلنته روسيا عن إمكانية تدخلها في دول الجوار بما يخدم المصالح القومية الروسية، وهو ما عدّته محاولة من روسيا لإعادة بناء الاتحاد السوفيتي ويؤثر بالتالي في شرعية استقرار النظام العالمي الجديد.

       وفشلت روسيا في محاولة الحصول على مرونة من الأمريكيين أو الشركاء الأوروبيين، وبصفة خاصة فرنسا وألمانيا اللتين تمثلان قوتين كبيرتين في القارة الأوروبية، من أجل التخلي عن التشدد، والنظر بعين الاعتبار إلى الاقتراح الروسي بتأجيل فتح باب حلف شمال الأطلسي أمام دول شرقي ووسط أوروبا. حيث يعد ذلك تعريضاً الأمن الإستراتيجي الروسي للخطر خاصة في حالة وصول حلف شمال الأطلسي إلى سلالم البيت الروسي. كما إن الدبلوماسية الروسية مُنيت بإخفاق آخر في قمة بودابست، وذلك بصدور قرار دول أوروبا بإمكان إرسال قوات لإقليم كارباخ المتنازع عليه بين أرمينيا وأذربيجان، وهو دليل واضح على محاولة تقليص الدور الروسي، ووضع حجر الأساس لتدخل دول مؤتمر الأمن الأوروبي في نزاعات الكومنولث.

دول الكومنولث والتنافس الإقليمي من جانب "إيران، وتركيا، وإسرائيل"

       في ضوء انهيار الاتحاد السوفيتي، أصبح من الواضح أن هذه الجمهوريات يمكن أن تشهد أعنف صراع لاحتوائها في نفوذ دولة أو أخري أو كتلة أوأكثر. فتركيا على سبيل المثال تعمد إلى تصدير النموذج التركي إلى هذه الجمهوريات، خاصة وأن النموذج الإيراني لا يحظى بتأييد الغرب وأمريكا. فتركيا التي سلكت طريق كمال أتاتورك بعدم التوسع شرقاً وشمالاً بعد الثورة البلشفية، واتجهت نحو أوروبا، أصبحت تعلم الآن أن عصراً جديداً قد بدأ، وبدأ معه تبادل اقتصادي واسع النطاق بين شعوب الأوزبك والكازاك والقرقيز، مع إعلان تركي على ضرورة تحمل الكثير من أجل الحلم الكبير بكسب كتلة تركية تضاعف قوة الأتراك في المحافل الدولية.

       وإيران التي منعها التحالف الغربي من أداء أي دور فعال في الخليج تريد التوجه شرقاً وشمالاً لتصدير مبادئ الثورة، وجهودها في هذا الصدد واضحة من خلال المنظمات الأفغانية الموالية لها، ومن خلال نفوذها الثقافي في طاجيكستان، وبمقتضى جوارها وقربها الشديد من أذربيجان. وهناك عدة قيود يمكن أن تؤثر في قدرة إيران على استثمار عوامل التقارب بينها وبين جمهوريات آسيا الوسطي ومنها على سبيل المثال:

1. تخوف هذه الجمهوريات من دور طهران بسبب طبيعة السياسة الإيرانية، وخاصة أن قوة إيران وقربها الجغرافي يغذيان مثل هذه المخاوف. والنموذج المفضل لهذه الجمهوريات هو الدولة القومية الديمقراطية المستقلة التي تنظم حياتها الاجتماعية من خلال الدين، ولهذا تبدو تركيا في هذا السياق أكثر جذباً بالنسبة لزعمائها عنه بالنسبة للنموذج الإيراني.

2. تخوف إيران من ظهور نزعة للوحدة الأذربيجانية التي تحمل من الناحية العملية إمكانية التطور في اتجاه تفجر مطالب إقليمية لجمهورية أذربيجان داخل إيران المتاخمة لها، التي تنتمي من الناحية العرقية للأذربيجان.

3. هناك عائق مذهبي على الدور الإيراني مبعثه سيادة المذهب السني في تلك الجمهوريات باستثناء جمهورية أذربيجان، حيث ينتمي غالبية سكانها إلى المذهب الشيعي.

4. المشكلات الاقتصادية التي تواجه إيران، وهذا يؤثر سلباً في عمليات تنفيذ المشروعات والاتفاقات المشتركة بين إيران وجمهوريات آسيا الوسطي، أضف إلى ذلك أن هذه الجمهوريات تحتاج إلى مصادر وإمكانات تكنولوجية وتقنية متقدمة لا تملكها إيران، وهنا تبرز تركيا بديلاً ملائماً للوفاء بهذه الحاجات بحكم تقاربها مع أوروبا وأمريكا.

5. عدم الرضا الغربي بشكل عام علي قيام إيران بأي دور إقليمي مؤثر في هذه الجمهوريات، خشية أن يؤدى ذلك إلى فرض هيمنتها السياسية على المنطقة؛ مما يهدد المصالح الغربية والأمريكية.

       أما تركيا، فتسعي إلى استعادة مجدها في منطقة آسيا الوسطي، ويساعدها على ذلك وجود روابط عرقية وثقافية مشتركة حيث تتكلم خمس جمهوريات لغة قريبة من التركية، بجانب التقارب المذهبي، ولتركيا عدة أهداف تجاه هذه الجمهوريات تتمثل في:

1. وقف امتداد النفوذ الشيعي الراديكالي في هذه الجمهوريات، وقد شجعت الولايات المتحدة الأمريكية هذا التوجه التركي، وذلك لأن تركيا دولة علمانية ديمقراطية وعضو في حلف شمال الأطلسي.

2. تحقيق فائدة اقتصادية متمثلة في إمكانية الاستفادة من الإمكانات الزراعية والنفطية والمعدنية خاصة اليورانيوم بالإضافة إلى الخبرات النووية لبعض هذه الدول.

3. أن هذه الدول تمثل سوقا واسعا لتسويق المنتجات التركية.

4. وفي المقابل تري هذه الدول في التقارب مع تركيا، فرصة لمساعدتها في تحويل اقتصادها للسوق الحر بعد بقائها لعشرات السنين حبيسة الحكم السوفيتي.

       الواقع أن تركيا تواجه بعض العوائق في دعم هذه العلاقات مع تلك الجمهوريات، بسبب محاولة روسيا للهيمنة عليها، أضف إلى ذلك أن هذه الجمهوريات أعضاء في كومنولث الدول المستقلة. ومن ناحية أخرى فإن تركيا وروسيا تتنازعان مستقبل نقل بترول آسيا الوسطي إلي الأسواق الغربية الذي من شأنه تشكيل نمط التحالفات الاقتصادية في المنطقة كلها.

       ولا شك أن القضايا الخلافية بين تركيا وروسيا، التي تأتى في إطار التنافس لبسط الهيمنة على هذه الجمهوريات بدافع الميراث التاريخي،علاوة على التنافس حول نقل بترول آسيا الوسطي، وكذلك الخلافات حول بعض القضايا الخلافية مثل قضية النزاع حول إقليم ناجورنو كاراباخ بين أذربيجان وأرمينيا وموقف الدولتين منها، والقضية القبرصية والدعم الروسي لليونان، كلها موضوعات لا يمكن فصلها عن قضية التنافس بين تركيا وروسيا على طبيعة العلاقات مع هذه الجمهوريات.

       أما إسرائيل: فمنذ اللحظة الأولي لاستقلال هذه الجمهوريات،بادرت بإرسال وفود متعددة لزيارتها، ووجهت الدعوة إلى زعمائها لزيارة إسرائيل، وأسرعت بإقامة علاقات دبلوماسية مع العديد منها، وفتحت مكاتب تجارية وقنصلية من أجل دعم التعاون التجاري معها.وبطبيعة الحال فإن الولايات المتحدة الأمريكية تدعم الدور الإسرائيلي وتباركه، بل وتقوم بتمويله من أجل زيادة التعاون الإسرائيلي مع جمهوريات الكومنولث لمنافسة الدول العربية وبعض القوي الإقليمية مثل إيران، ومن ضمان مصالح الغرب والولايات المتحدة الأمريكية في هذه المنطقة.

       وتحاول إسرائيل في هذا المجال تحقيق مكاسب اقتصادية، حيث تعدّ ذلك هدفا رئيساً للتغلغل في هذه الدول من أجل الحصول على أهداف سياسية، علاوة على تأكيدها بأنها دولة عصرية ذات تقدم تكنولوجي وحضاري على مستوي عال من الأهمية، وتملك تجربة فريدة ورائدة يمكن أن تستفيد منها هذه الجمهوريات. كما تهدف إسرائيل كذلك إلى تغيير سياسات هذه الجمهوريات تجاهها والتي تساعد بصفة أساسية على استمرار فتح باب الهجرات اليهودية إلى إسرائيل، وزيادة التقارب معها في كافة الاتجاهات السياسية، والاقتصادية، والعلمية، والتكنولوجية.

النزاعات الإقليمية وتأثيرها في دول الكومنولث المستقلة:

       تبرز خطورة المسألة القومية والنزاعات التي تثور بسبب التركيبة العرقية داخل الكومنولث، من المسائل التي تؤثر بشكل واضح في أمن هذه الدول وتبرز خطورة هذه الأوضاع بسبب النزاعات بين القوميات سواء داخل الكومنولث أو حوله، فمثلا نجد إن الأوضاع في إحدى دول الجوار القريب مثل أفغانستان التي تعاني عدم الاستقرار، تؤثر في الطاجيك والاوزبك الذين يعيشون في شمال أفغانستان ومن ثم تؤثر هذه الأوضاع في طاجيكستان واوزبكستان.

       كما يُعد الخوف من نمو النفوذ الإيراني أحد الهواجس التي تقلق القوى الدولية والإقليمية المتنافسة في المنطقة، ولذلك نلاحظ القلق الذي ساور واشنطن من جراء التعاون النووي بين روسيا وإيران، الذي تمثل في تزويد موسكو لإيران بمفاعلات نووية، حيث تخشى واشنطن أن تستغل إيران هذه المفاعلات في تطوير أسلحة نووية، ولكن روسيا تصر على أن هذه المفاعلات للأغراض السلمية.

       ومن ثم فإن نقط التماس أو التباعد التي تحدث في العلاقات بين القوى الدولية والإقليمية المتنافسة تمثل خطراً يؤخذ في الحسبان بالنظر إلى تطورات الأوضاع في الكومنولث. وهذا الأمر لا يهم روسيا أو الولايات المتحدة الأمريكية فقط، وإنما يهم كل القوي الدولية والإقليمية، وبصفة خاصة تركيا وإيران، وذلك بالنظر إلى مدى تأثيره على تفاقم الأوضاع في المناطق الساخنة من أراضي دول الكومنولث المستقلة، نتيجة لتورط قوى إقليمية معينة كأفغانستان وإيران وربما تركيا في النزاعات الجارية في أراضي الكومنولث، كذلك تعد الصراعات على الحدود من أخطر ما يواجه الكومنولث ويهدد بتفككه، ولذلك فإن الحاجة تكون ماسة لعمليات حفظ السلام.

دول الكومنولث والاتجاه نحو الانعزالية والانفصال القومي:

       منذ لحظة ميلاد الكومنولث، فقد كانت الرغبة في التفكك تعلو الرغبة في الاندماج، وقد انعكس ذلك الوضع على كيان الكومنولث الذي ولد هشاً مفتقدا لرغبة أعضائه في تنفيذ ما يتوصلون إليه من اتفاقات، ولذلك عمدت روسيا صاحبة ميراث السبعين عاماً من الهيمنة المركزية على استخدام وسائل الضغط المختلفة من أجل تنفيذ ما ترغب فيه من اتفاقات. ونستطيع أن نسوق لذلك أمثلة عديدة، كاستخدامها الضغوط الاقتصادية من أجل التوصل إلى معاهدات التخلص من الأسلحة النووية مع كل من أوكرانيا وكازاخستان، وكذلك استخدام ضغوط الديون والطاقة على كل من بلوروسيا وأوكرانيا، حيث تواجه أوكرانيا بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية خطر الانفصال القومي إلى قسمين: أحدهما روسي يلحق بروسيا،والآخر أوكراني غير قادر على الاستمرار اقتصادياً.

       بذلك فإن من ضمن الأساليب التي عمدت روسيا إلى استخدامها كانت ورقة الانفصال القومي بإثارة القلاقل والنزعات العرقية، وتقديم الدعم والعون للتطلعات الانفصالية، وتعدّ روسيا تحركاتها في هذا المجال مجرد سعي من أجل تأمين مصالحها الحيوية، وهي ترى أن هذا السعي لا يُعدّ بديلاً لرغبتها في إقامة علاقة شراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها من القوى الأوروبية، بل العكس هو الصحيح، حيث يمثل سعيها في المجال الأول الفرصة الحقيقية لتدعيم مكانتها من المجال الثاني بصفتها شريكاً مكافئاً للغرب، ومن هنا تُعد سياسة روسيا تجاه الوحدات التي كانت تشكل معها من قبل الاتحاد السوفيتي من أهم ما يميز السياسة الروسية في مرحلة ما بعد الحرب الباردة.

       وتُعد دول الكومنولث الأكثر تأثراً بهذه السياسية، حيث تؤثر بصفة خاصة في عملية تفكك الكومنولث وانقسامه على نفسه، أو إعادة التكامل في أراضيه. وبصفة عامة ينظر للعملية الأولى على أنها في مصلحة قوى الغرب، بينما تعدّ العملية الثانية مناقضة لمصالحه. وتعليل ذلك يكمن في أن إعادة التكامل بين وحدات الكومنولث ستؤدي إلى القضاء على الكيان المستقل للدول المكونة له، وذلك بالطبع سيكون في صالح تعظيم قوة قطب هذا التكامل سواء كان هذا القطب روسيا أو غيرها من القوى الإقليمية الساعية إلى ذلك وبصفة خاصة تركيا أو إيران وهذا بالطبع سيقف عقبة في وجه تصدير النموذج الديمقراطي الغربي، وسيادة قيم الثقافة الغربية في مرحلة التبشير بعالميتها في ظل الانتقال إلى النظام العالمي الجديد، وأغلب الظن أن ذلك سيصب في مصلحة روسيا بصفتها الطرف الأقوى داخل الكومنولث.

       والواقع أن النزعة التي سادت جمهوريات الكومنولث الجديد، بعد التفكك، كانت في مضمونها نزعة نحو الانعزالية، ويؤكد أنصار الانعزالية في روسيا أنها ليست في حاجة إلى التكامل حالياً مع غيرها وأنها تملك القدرات التي تكفل لها الاعتماد على نفسها. كذلك يرى مؤيدو الانعزالية في دول الكومنولث الأخرى أن هناك مخاوفاً حقيقية من المركز الروسي تهدد استقلاليتهم، وتحبذ عزلتهم عنه، كما يسود بينها اعتقاد بأن زيادة التقارب مع روسيا بسبب مشكلات في علاقات دول الكومنولث بباقي القوى الإقليمية والدولية الأخرى.

       وعلى الرغم من أن الحاجة ماسة أمام دول الكومنولث لكي تندفع نحو تشكيل مجال اقتصادي وكذلك دفاعي مشترك، إلا أن التعثر في هذين المجالين يُعد من أهم العوامل المؤثرة على حالة التفكك، ومع ذلك نجد أن هناك تبادل بين دول الكومنولث في هذه المجالات[3].

الأخطار التي تهدد رابطة الكومنولث:

       الأخطار التي تهدد رابطة الكومنولث المستقلة، جعلتها أشبه بالأخوة الأعداء، فهناك المشكلات الداخلية في العديد من تلك الجمهوريات، والتي تصل أحياناً إلى مرحلة الحرب الأهلية، وهناك كذلك الخلافات والنزاعات بين بعض الجمهوريات التي وصلت إلى مرحلة الصراع المسلح، يضاف إلى ذلك المشكلات الاقتصادية وآثار التحول الاقتصادي لاقتصاد السوق الحرة، وهناك كذلك مشكلة الأسلحة النووية التي كانت في وقتها من أخطر المشكلات التي واجهتها.

       وإذا نظرنا إلى الوضع الداخلي في روسيا، نجده يدعو إلى التأمل، فقد انفجرت الصراعات حول الاستئثار بكراسي السلطة الجديدة المتنامية في الجمهورية الروسية، كما تصاعدت نغمات الانفصال عن بعض الأقاليم الداخلة في نطاق الجمهورية الروسية، وأبرز هذه النغمات تلك التي صدرت عن تترستان وعن الشيشان. هذا وقد أدى انهيار الاتحاد السوفيتي وما أعقبه من انهيار للحزب الشيوعي والأخذ بنظام السوق الحرة، وظهور جماعات المافيا، وتفشي الجريمة المنظمة، وتراجع هيبة الدولة بوجه عام، وضياع سلطة الإدارة وسوء التنظيم الاقتصادي، إلى إصابة جماهير الشعب الروسي بصدمة عنيفة ومفاجئة، وقد انعكس ذلك على الصعيد الإقليمي بظهور مفاجئ للقوى التي تساعد على بزوغ النزعة القومية وظهور نزعة الروح الانفصالية، بحيث أصبحت الجمهوريات التابعة للاتحاد الروسي يستهويها هي الأخرى الاتجاه نحو طريق الحرية الاستقلالية الجارف، فنجد على سبيل المثال مدينة مثل بطرسبورج أرادت أن تتحول إلى الحكم الذاتي، في حين تتصرف ياقوتيا، حيث توجد أهم مناجم الماس، وكأنها جمهورية مستقلة، وهذا يعني أن روسيا أصبحت تواجه مصاعب جمة لمواصلة مسيرتها نحو التحول الديمقراطي.

       أما في أرمينيا وأذربيجان، فلم تنجح رابطة الكومنولث في حل المشكلة التي تصاعدت نحو الصراع المسلح بينهما، حيث دارت المعارك حول إقليم ناجورنو كاراباخ، وقد استغلت أرمينيا الوضع المتردي في أذربيجان، الذي انتهى بعزل رئيسها، لتشن هجوماً مكثفاً على بعض مدن أذربيجان. بما أدى إلى نجاحها في انتزاع إقليم ناجورنو كاراباخ من أذربيجان بعد انتصارها في هذا الصراع.

       أما جورجيا، فقد شهدت صراعاً آخر، بإعلان إقليم أفخازيا ـ الذي يتمتع بالحكم الذاتي ـ الاستقلال، ومن ثم تصاعد الصراع المسلح داخل جورجيا. وبالرغم من توقيع اتفاقيات لوقف إطلاق النار بوساطة روسية، فقد تزايدت حدة القتال وسقط مئات القتلى نتيجة لذلك، كما اهتمت روسيا باستمرار تصعيد هذا القتال حتى تُبقي على قواعدها داخل هذه الجمهوريات لحماية مصالحها الإستراتيجية.

       وفي أوكرانيا، تصاعد الصراع الداخلي، بسبب النزاعات الداخلية التي هددت استقلالها، حيث إن جزءاً كبيراً من عمال المناجم كان يقف موقف المعارضة من الحكومة الأوكرانية، وهم من أصل روسي، بل وينادون بالاستقلال خاصة وأنهم يمثلون الجزء الشرقي من أوكرانيا، وهناك كذلك مشكلة الحدود بين روسيا وأوكرانيا، حيث تطالب روسيا بإعادة شبه جزيرة القرم المهداة إلى أوكرانيا في عام 1954، وقد رفضت أوكرانيا، هذا الطلب، كذلك برزت مشكلة تقسيم أسطول البحر الأسود بين روسيا وأوكرانيا، والذي يضم نحو 300 قطعة بحرية، ومن ثم هددت هذه المشكلة العلاقات الروسية ـ الأوكرانية، ثم تفجرت أزمة أخرى بينهما بسبب قرار البرلمان الروسي إعلان السيادة الروسية على مدينة سيفاسيتبول الساحلية[4]، مقر أسطول البحر الأسود، الأمر الذي وصفه الرئيس الأوكراني بأنه قرار غير قانوني ويشكل تهديداً للاستقرار.

       وهناك مشكلة أخرى برزت في طاجيكستان، حيث حاولت قوى المعارضة الشيعية من الطاجيك بمعاونة فصائل من الأفغان من الاستيلاء على السلطة في البلاد، ولكن روسيا دفعت بقواتها لمساندة الحكومة الموالية لها، حيث هاجمت 35 ألفاً من الطاجيك المعارضين على حدود نهر جيحون ودمّرت تحصيناتهم وقتلت العديد منهم وهرب الباقي من قوى المعارضة داخل أفغانستان. ومع تزايد الصراع داخل طاجيكستان، ازداد معه الموقف الداخلي سوءاً، والخوف من تصاعد الموقف والوصول به إلى حرب جديدة مع أفغانستان.

 



[1]  والمعروف أن جورجيا رفضت الانضمام إلى الرابطة في بادئ الأمر، ولكن سرعان ما انضمت في العام التالي.

[2]  كما هو الحال في الأقاليم الواقعة شمالي كازاخستان.

[3]  أوضح مؤتمر كومنولث الدول المستقلة بالعاصمة الكازاخستانية الماآتا في فبراير 1995، عدم تنفيذ دول الكومنولث للعديد من الاتفاقيات التي سبق أن عقدت بينهم.

[4]  تقع هذه المدينة في شبه جزيرة القرم الذي تتبع أوكرانيا.