إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / انهيار الاتحاد السوفيتي






جمهوريات الاتحاد السوفيتي
جمهورية مولدافيا
جمهورية أوزبكستان
جمهورية أوكرانيا
جمهورية لاتفيا
جمهورية ليتوانيا
جمهورية أرمينيا
جمهورية أستونيا
جمهورية أذربيجان
جمهورية تركمنستان
جمهورية جورجيا
جمهورية روسيا الاتحادية
جمهورية روسيا البيضاء
جمهورية طاجيكستان
جمهورية كازاخستان
جمهورية قيرقيزستان
رابطة الكومنولث الجديد



المبحث السادس

نصيب روسيا من التركة العسكرية بعد الانهيار:

       من دراسة العامل الجغرافي وتأثيره على توزيع القدرات العسكرية، فقد استأثرت روسيا بحوالي 90% من القوات النووية والإستراتيجية و85% من قوات الدفاع الجوي الإستراتيجي و58% من الأسلحة النووية التكتيكية و55% من إجمالي القوات البرية و85% من الإمكانيات البحرية.

       واستمر تواجد الرؤوس النووية الإستراتيجية التي تبلغ حوالي 12 ألف رأس نووية موزعة بين أراضي أربعة جمهوريات هي: روسيا، وأوكرانيا، وكازاخستان، وروسيا البيضاء، ووضعت السيطرة المركزية عليها تحت القيادة العليا الروسية. وظلت البحرية السوفيتية تحت سيطرة روسيا الاتحادية وأوكرانيا، بما في ذلك أسطول بحر الشمال وأسطول المحيط الهادي، أما من جانب آخر القوات البرية، فقد كان من الصعب على روسيا السيطرة على ذلك الحجم من القوات البرية المتمثلة في التشكيلات المدرعة والميكانيكية ومجموعات القوات الجوية التي خصصت لها، إذ عارضت الدول الأخرى ذلك، ولكن أمكن استخدامها في مواجهة الاضطرابات الداخلية وحالات عدم الاستقرار في بعض الجمهوريات، وسيطرت روسيا على مجموعات فرق الأبرار الجوي، وكذلك على وحدات النقل الجوي الإستراتيجي التي كانت تنقل هذه القوات.

       ويعني ذلك أن الحجم الإجمالي للقوة العسكرية الروسية أصبح أصغر من القوة العسكرية للاتحاد السوفيتي السابق.

       احتوت العقيدة العسكرية الروسية الجديدة في ضوء انهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو والحزب الشيوعي، على خمسة مبادئ أساسية تحوي القضايا ذات الأولوية في الفكر العسكري الروسي وهي:

1. احتواء العدوان:

       ركزت القوات المسلحة الروسية على بناء قوات تكفي للتصدي للتهديد المحتمل بهدف توليد إدراك لدى العدو المحتمل أن خسائره سوف تزيد بصورة مؤكدة عن المكاسب التي يمكن أن يحققها في حالة الهجوم.

2. الإعداد لمواجهة الحروب المحلية والإقليمية:

       وذلك بعد أن كان الإعداد يتم لمواجهة كونية واسعة النطاق ضد المعسكر الغربي، حيث بدأ الإعداد للدخول في عمليات متتالية ذات طبيعة محلية وإقليمية، ولاسيما أن العديد من هذه الحروب المحلية والإقليمية قد اندلع بالفعل في أنحاء عديدة من روسيا.

3. الاهتمام بالتطور في التكنولوجيا العسكرية:

       زاد الاهتمام بالهجوم الجوي وأنظمة الدعم النيراني، والأسلحة الموجهة، إذ إن استخدام المشاة والدبابات وحشدها بكميات كبيرة كانت تشكل تكلفة باهظة مقارنة بالنتائج المتوقعة.

4. الاهتمام بقضايا الانتشار الإستراتيجي:

       ولاسيما أعمال الانتقال بالقوات من حالة السلم إلى حالة الحرب، وكذا نقل المعدات والأسلحة والقوى البشرية من وسط روسيا للانضمام لمناطق تخزين الأسلحة فيما وراء الأورال، وكذلك نقل القوات الروسية المعبأة إلى أطراف الدولة في حالة التهديد.

5. الواقعية في فن الحرب:

       التركيز على توفير المزيد من الواقعية في البحث العلمي وتوجيه الجهود البحثية لمواكبة الواقع وفي حدود الموارد المتاحة بالدولة لتحقيق الهدف من الحرب.

مصادر التهديد لروسيا تتلخص في الآتي:

1. ما زال الغرب يمثل مصدراً للتهديد الخارجي للأمن الروسي من زوايا عديدة؛ أبرزها استمرار البناء العسكري لحلف شمال الأطلسي في أوروبا، واستمرار الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، وفي مناطق عديدة حول روسيا.

2. الاضطرابات والقلاقل القادمة من العالم الثالث، المتمثلة أساساً في عدم الاستقرار السياسي وتنامي القدرات العسكرية للكثير من دوله، بما ينطوي عليه ذلك من مخاطر الانتشار النووي والإرهاب النووي.

3. احتمال نشوب الاضطرابات داخل رابطة الكومنولث، وفي روسيا ذاتها، الأمر الذي يستوجب تدخلاً عسكرياً روسيا، ولاسيما في حالة انتهاك الحقوق المدنية للأقليات الروسية في دول الكومنولث، أو دخول أي من تلك الدول في ترتيبات أمنية مع دول أجنبية.

       الأهداف السياسية العسكرية للقوات الروسية بمقتضى العقيدة الجديدة أصبحت كالآتي[2]:

1.   الدفاع عن أمن وسيادة روسيا وحماية حدودها.

2.   حماية النظام السياسي والدستوري للبلاد.

3.   مواجهة النزاعات القومية الانفصالية داخل البلاد.

4.   حماية الأقليات الروسية في دول الاتحاد السوفيتي السابق.

5.   الحفاظ على الأمن والاستقرار في منطقة الكومنولث.

       وقد حددت الصيغة الأولية للعقيدة العسكرية الروسية ثلاثة أشكال رئيسة للحرب هي:

1. الصراعات منخفضة الحدة:

       حيث حددت عدداً من الحالات الخاصة التي يمكن أن تلجأ روسيا خلالها إلى استخدام القوة، ويتضمن ذلك أعمال حفظ السلام وحماية خطوط الملاحة البحرية، والمناطق الاقتصادية وحماية المواطنين الروس في الخارج والصراعات المحلية في دول الكومنولث.

2. الحرب التقليدية واسعة النطاق:

       ويكون حدوث ذلك في حالة تعرض روسيا، أو دول الكومنولث، أو أي دولة أخرى تقع على مقربة من حدود روسيا للاعتداء. ومن الممكن أن يتطور الصراع في مثل هذه الحالة إلى صراع بين أحلاف وكتل كبرى، ويرى العسكريون الروس أن حرب الخليج كانت مثالاً لهذا النوع من الصراع، وطبقاً لهذا السيناريو يمكن أن تشهد أي حرب مرحلتين: الأولى منها وتشمل العمليات الجوية والبحرية، التي تشن خلالها غارات هجومية كثيفة ضد الأهداف الاقتصادية والعسكرية المهمة عن طريق الأسلحة الذكية ومعدات الحرب الإلكترونية ضد روسيا أو أحد دول الكومنولث، أما المرحلة الثانية فهو قيام الدولة المعادية بشن حملة برية مكثفة داخل الأراضي الروسية تحت غطاء جوي قوى، وهنا يبرز دور القوات المسلحة الروسية في مواجهة الهجوم الصاروخي المعادي، وحماية الأهداف الإستراتيجية، مثل المراكز الإدارية والقاعدة الصناعية، يتبع ذلك هجوم انتقامي، مع العمل على حرمان القوات المعادية من امتلاك القدرة على مواصلة الحرب.

3. الحرب النووية:

       وتعدّ العقيدة الجديدة الحرب النووية امتداداً للحرب التقليدية واسعة النطاق، ذلك أن الضربات المعادية بالأسلحة التقليدية الذكية ضد عناصر القوة النووية الروسية على اختلاف مكوناتها، سوف تدفع المخططين العسكريين الروس إلى التصعيد النووي، ومن الناحية الافتراضية، تنظر العقيدة الروسية إلى هذا الهجوم حال حدوثه، باعتباره مساوياً لاستخدام أسلحة الدمار الشامل، مما يتطلب من وجهة النظر الروسية القيام برد انتقامي على المستوى نفسه.

       وقد أوضحت العقيدة الجديدة التحول البالغ الأهمية الذي يتمثل في التخلي عن التعهد الخاص بعدم البدء في استخدام الأسلحة النووية.

ثانياً: الانفراد الأمريكي وبروز القطب الواحد

       يتفق دارسو السياسة الخارجية على أن قدرة الدول الصغيرة والمتوسطة على التحرك السياسي المستقل في النسق الدولي تزداد كلما زاد الطابع التعددي للبنيان الدولي، وكلما ازدادت درجة الصراع بين القوى الكبرى في هذا البنيان.

       إن التطورات التي شهدها الاتحاد السوفيتي في ديسمبر 1991، قد أدت إلى سقوط القطب السوفيتي الموازن للقطب الأمريكي مع اتجاه الوريث الروسي إلى التحالف مع القطب الأمريكي، أي أنها عملت في اتجاه تقليل هامش المناورة والحركة المستقلة للدول الصغرى، ومنها الدول العربية. وأدى سقوط القطب السوفيتي إلى انفراد القطب الأمريكي المنتصر بالإمساك بناصية التوازن الدولي، وتحول النسق الدولي إلى حالة من القطبية الأحادية.

       والواقع أن انفراد دولة عظمى بالهيمنة على النسق الدولي في مرحلة تاريخية معينة ليس بظاهرة جديدة، ولكن الجديد في الهيمنة الأمريكية الناشئة عن انهيار التحالف السوفيتي، والتحالف الأمريكي الروسي، هو أنها تتم بعقلية تسيطر عليها روح الانتصار النهائي على الغريم الأيديولوجي والاعتقاد أن الأوان قد حان لتصفية كل بقايا هذا الغريم في العالم الثالث.

       فإذا كان حل النزاعات بالطرق السلمية هو أحد مبادئ النظام العالمي الجديد، الذي بشرت به الولايات المتحدة الأمريكية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، فإن ذلك الحل يجب أن يتم من المنظور الأمريكي وحده، هكذا يعتقد القطب المسيطر حالياً، وإذا كان من الضروري تسوية أطماع دولية معينة، فإن تلك التسوية يجب أن تكون تحت إشراف أمريكي منفرد. وفي هذا الإطار تتم الحملة الأمريكية لتدمير الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية العراقية، وتحرش الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بليبيا، وفي هذا الإطار تتم عملية منع توريد السلاح إلى سوريا باعتراض البحرية الألمانية، بتحريض من الولايات المتحدة الأمريكية، لسفينة الشحن التي تحمل دبابات تشيكية إلى سوريا، مع تجاهل تدفق الأسلحة الألمانية الشرقية سابقاً إلى إسرائيل.

       إن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب في مشاركة كبار حلفائها في تسوية القضايا الكبرى المترتبة على الانهيار السوفيتي، فعندما اقترحت فرنسا عقد مؤتمر دولي يضم الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وروسيا لمناقشة مستقبل الصواريخ الموجودة في رابطة الكومنولث، تجاهلت الولايات المتحدة الأمريكية الاقتراح؛ لأنها كانت تريد أن تنفرد بمناقشة القضية مع دول الرابطة.

تحويل الأمم المتحدة إلى مؤسسة تابعة:

       كانت الأمم المتحدة في عصر التوازن الدولي والحرب الباردة أحد الأدوات المتاحة للدول الصغرى للتعبير عنها وتنفيذ سياستها الخارجية، والاستفادة من مواردها في أغراض التنمية، فاستعمال الاتحاد السوفيتي لحق الفيتو في مجلس الأمن، وتأييد الدول الاشتراكية لقضايا العالم الثالث في الجمعية العامة، وفّر لتلك الدول أداة دولية لتصفية الاستعمار، والسعي للقضاء على الفصل العنصري، والتركيز على التنمية في العالم الثالث. ومع تحول التوازن الدولي نحو الاختلال الشديد تحولت معادلة الأمم المتحدة، فأصبح من الميسور للولايات المتحدة الأمريكية أن تستصدر ما تشاء من القرارات من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، ومن ذلك إلغاء القرار الرقم 3379، الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 والذي يساوى بين الصهيونية والعنصرية، وهي سابقة تحدث لأول مرة في الأمم المتحدة إذ تلغي الجمعية العامة قراراً لها.

       بيد أنه يجب ألا نبالغ أيضاً في التأثير الإيجابي لوجود القطب السوفيتي في معادلة التوازن الدولي، فالاتحاد السوفيتي لم يكن مؤيداً على طول الخط للقضايا العربية، وعلى سبيل المثال، فالدعم السياسي والاقتصادي والعسكري السوفيتي للعرب كانت له دائماً حدود، ولم يرق أبداً لمستوى الدعم الأمريكي لإسرائيل.

ضعف التوازن الروسي أمام الولايات المتحدة الأمريكية

       اتجهت روسيا منذ انهيار الاتحاد السوفيتي نحو السعي لبناء سياسة خارجية غير أيديولوجية، مع قبول فكرة التفوق الاقتصادي، والعسكري الأمريكي، والتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأعلن الرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين أن بلاده سوف تتبع سياسة خارجية متحررة من القيود الأيديولوجية، وأنها ستبذل جهودها للتعاون مع الغرب لإعادة بناء روسيا.

       وفي إطار هذه السياسة اتجهت روسيا إلى التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، بيد أن هذا التحالف لا ينطلق من التكافؤ بين أطراف التحالف، ولكن من منطلق القبول بالتفوق الأمريكي. وقد بدأ التوجه الروسي الجديد بإعلان بوريس يلتسين أن روسيا لن تصوب صواريخها النووية تجاه المدن والقواعد العسكرية الأمريكية، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد عدواً محتملاً لروسيا بعد أن تغيرت العقيدة العسكرية الروسية. وفي أثناء زيارته للولايات المتحدة الأمريكية في فبراير عام 1992، عرض " يلتسين "عليها التعاون من أجل بناء منظومة عالمية ضد الصواريخ تحمي العالم الحر، والتي تعتمد في بنائها على تكنولوجيا حرب النجوم الأمريكية والتكنولوجيا الروسية، ومعنى ذلك أن يلتسين قد سعى من أجل التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في مواجهة باقي رابطة الدول المستقلة التي تمتلك الصواريخ النووية، وكذلك ضد الأعداء المحتملين الآخرين الذين قد يظهرون قريباً. وفي هذا الإطار تم التوقيع على وثيقة التعاون الأمريكي ـ الروسي في كامب ديفيد في فبراير 1992 التي نصت على الآتي:

1. ترى الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا أن العلاقات بينهما لم تعد علاقة الخصوم أو الأعداء المتنافسين، بل علاقات صداقة ومشاركة قائمة على أساس الثقة المتبادلة والاحترام والالتزام المشترك بالديمقراطية والحرية الكاملة والاقتصاد الحر.

2. تعمل الدولتان معا على إزالة أثار العدوان الذي ترتب على حالة العداء الذي كان قائماً بينهما واتخاذ الإجراءات الضرورية لخفض ترسانة السلاح الإستراتيجي.

3. تتعاون الدولتان من أجل تحرير التجارة و زيادة الاستثمار والتعاون الاقتصادي.

4. تبذل الدولتان كل جهد من أجل زيادة فاعلية القيم الديمقراطية وحكم القانون واحترام حقوق الإنسان والأقليات والحدود والبناء التجاري عبر دول العالم كله.

5. تعمل الدولتان معا على منع انتشار أسلحة الدمار الشامل والأسلحة الإستراتيجية المتقدمة وإنهاء الصراعات الإقليمية سلميا ومواجهة الإرهاب وانتشار المخدرات والمحافظة على البيئة.

       وتضيف الوثيقة نصاً آخر وهو: إنهاء الصراع والخلاف بين الدولتين من خلال صداقة مشتركة وتحالف جديد بين شركاء يعملون معاً لمواجهة الأخطار المشتركة التي تواجههما.

       والواقع أن روسيا لم تتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية من منطلق التكافل الإستراتيجي، بل من منطلق القبول الأمريكي بالتوافق الشامل. ففي إطار التحالف السابق، عرض يلتسين على الولايات المتحدة الأمريكية تدمير الأسلحة النووية الروسية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، ورصدت الأخيرة 400 مليون دولار من فائض ميزانيتها الدفاعية لمساعدة روسيا وباقي دول الرابطة التي لديها أسلحة نووية، لتفكيك أسلحتها النووية وتدميرها. كما أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية أنه قد تم الاتفاق على إرسال حاويات نووية ضخمة لنقل الأسلحة النووية الموجودة في روسيا البيضاء وأوكرانيا وتخزينها على أساس تكنولوجيا أمريكية متقدمة. هذا في الوقت الذي تستمر الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في تدعيم قدرتهم النووية، فلم تربط الولايات المتحدة الأمريكية بين عدم توجيه الصواريخ الروسية إلى أراضيها وبين عدم توجيه الصواريخ الأمريكية إلى الأراضي الروسية. كما رفض وزير الدفاع الأمريكي التعجيل بخفض الأسلحة النووية الأمريكية، مؤكداً على ضرورة احتفاظ بلاده بقدرة كافية من الردع النووي حتى تتمكن من المشاركة في وضع المستقبل.

       كذلك أعلن توماس كينج وزير الدفاع البريطاني أن بلاده لن تتخلى عن أسلحتها النووية، بل إنها ستشتري أربع غواصات نووية جديدة. وبذلك تحتكر الولايات المتحدة الأمريكية ومعها حلف شمال الأطلسي القدرة النووية، ويتحول التوازن الدولي إلى توازن أحادي، في ظل عدم بلورة إستراتيجية أوروبية مستقلة، وفي ظل قبول صيني ضمني بالهيمنة الأمريكية، طالما لا تمس مصالحها المباشرة.

       وما يعمق من تلك الظاهرة أن روسيا ليس لديها تصور محدد للخروج من أزمتها الاقتصادية، ولذلك فهي تتجه تدريجياً إلى قبول حل المشكلات الاقتصادية الروسية بالاعتماد على الغرب من خلال القروض والإمدادات الغذائية.

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي:

       إثر انهيار الاتحاد السوفيتي، شهد العالم وضعاً دولياً جديداً يتميز ببروز الدور الأمريكي القيادي على المستوى العالمي، وانفرادها بوظيفة القطب الوحيد الذي يتمتع بالهياكل الثلاثة للنظام العالمي الإستراتيجي، والاقتصادي، والتكنولوجي، وقد أحدثت هذه المتغيرات تحولاً في الفكر الإستراتيجي الأمريكي الذي تأسس على الآتي:

1. إرساء قواعد نظام عالمي جديد تسيطر عليه دولة عظمى واحدة، مع عدم استعدادها للتنازل عن هذا المركز حتى ولو اضطرت لاستخدام القوة.

2. مد عضوية حلف شمال الأطلسي لتشمل دول شرقي أوروبا، التي كانت في السابق أعضاء بحلف وارسو، وبذلك تستطيع أن تحقق الأمن الأوروبي بوصفه وحدة متكاملة، مع عزل روسيا في إطار محدد داخل آسيا.

3. استخدام القوة العسكرية لمواجهة الأزمات العالمية، ومن أجل ذلك طورات قدرتها العسكرية لتكون قادرة على التحرك داخل المسارح المختلفة "الأوروبية، والأسيوية، والأفريقية".

4. تحجيم دور الأمم المتحدة في مقابل تفعيل دور حلف شمال الأطلسي، وإحلال الحلف محل مجلس الأمن فيما يتعلق بمسؤولية المحافظة على السلم الدولي، مع الحرص على بقاء، غطاء من الشرعية الدولية لاستيفاء النواحي الشكلية لإضفاء تلك المشروعية على سياستها.

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على مستوى الساحة الأوروبية:

       أدت الحاجة إلى الدور الأمريكي الفاعل في القضايا الأمنية والأوروبية إلى إبراز نوع من الهيمنة الأمريكية سواء في السياسات الدولية أو في إطار حلف شمال الأطلسي، حيث برز الدور الأمريكي في توسيع الحلف نحو الشرق، وفي تغيير عقيدته العسكرية التي تعني تغييراً كاملاً لوظيفة الحلف أمنياً وجغرافياً، ووضحت الهيمنة الأمريكية ودورها الأمني في أوروبا من خلال أزمتي البوسنة وكوسوفا، فأزمة البوسنة والهرسك، لم تستطع أوروبا أن تعالجها بمعزل عن دور فاعل ورئيس للولايات المتحدة الأمريكية، أما أزمة كوسوفا، فقد برز فيها الدور الأمريكي المهيمن في أكثر من مؤشر : مثل قيادة العمليات العسكرية امتداداً لقيادة حلف شمال الأطلسي نفسه، وتحمل العبء الأكبر في التمويل وفي حجم القوات الأمريكية التي شاركت في الحرب الجوية، أضف إلى ذلك الدور الأمريكي الذي أدّاه المبعوث الأمريكي "ستروب تالبوت" نائب وزيرة الخارجية الأمريكية في عملية التفاوض مع المبعوث الروسي، "تشيردوميردين" التي انتهت إلى صيغة التسوية السياسية التي أعلن عنها بقرار من مجلس الأمن في السابع من يونيه عام 1999.

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة على المستوى الآسيوي:

       استمرت الإستراتيجية الأمريكية في السعي نحو فرض هيمنتها على القارة الأسيوية ومنع قيام قوة أو تحالف معاد لها، مع المحافظة على التواجد العسكري الأمريكي بأقل قدر من خلال الانتشار المتقدم والذي شمل 45 ألف جندي في اليابان، منهم 26 ألفاً في أوكيناوا، علاوة على 26 ألف جندي في كوريا الجنوبية، و27 ألف جندي بمنطقة الخليج، مع نشر عدد من حاملات الطائرات في الباسفيك والمحيط الهندي والخليج، وقد أضحت منطقة آسيا الباسيفيكية تمثل إحدى جهات المواجهة المهمة، جنباً إلى جنب مع جبهتي غرب أوروبا والخليج العربي، وذلك بهدف احتواء كل من الصين وروسيا بوصفهما قوتين مؤثرتين داخل القارة، والحفاظ على الموارد الطبيعية الحيوية بها مصدراً رئيسياً للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية، وضمان المزيد من الانتشار العسكري الأمريكي في المنطقة عند الضرورة.

       واتجهت الولايات المتحدة الأمريكية نحو بلورة إستراتيجية جديدة في آسيا وهذا التوجه الجديد ينطلق من عدة محاور.

1.   ردع التهديدات المختلفة الحالية ومنع تطورها، وكذلك منع نشوء تهديدات جديدة.

2.   السعي لتفادي اشتعال سباق التسلح بين دول المنطقة، وممارسة النفوذ والهيمنة في بعض المناطق.

3.   الاعتماد على مبدأ تقاسم المسؤوليات الأمنية في المنطقة؛ لتخفيف الأعباء المالية الواقعة على كاهل الاقتصادي الأمريكي.

4.   دعم عملية السلام داخل القارة بما يحمى المصالح الأمريكية، مع الوضع في الحسبان إمكان حدوث مواجهة بين الكوريتين في المستقبل.

       ومن ثم نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية، ومن أجل تنفيذ هذه الأهداف، لجأت إلى استخدام نمط جديد يمكن وصفه بنمط ممارسة التفوق عن بعد، وهي سياسة تعتمد على الوجود العسكري الأمريكي المحدود بالقارة الآسيوية مع توفير قدر من الردع المرن بهدف:

1. مواجهة التهديدات التي قد تتعرض لها كوريا الجنوبية، واستمرار التنسيق الأمريكي ـ الياباني بزيادة حجم المشاركة العسكرية اليابانية، مع مساندة تايوان من أجل الوقوف ضد أي تهديد صيني.

2. القيام بدور أكبر للسيطرة على سباق التسلح النووي بالمنطقة، مع فرض حظر اقتصادي على كل من الهند وباكستان للحد من هذا السباق.

3. تعزيز شبكة العلاقات والروابط العسكرية الثنائية مع بعض دول المنطقة ولا سيما من خلال التدريب المشترك.

4. دعم جهود التعاون الإقليمي الأسيوي في مجال الأمن بين دول المنطقة.

5. مساعدة الدول المتنازعة في شرق وجنوب شرق آسيا على معالجة الجذور الكامنة المسببة للمشكلات بينهما.

الإستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه منطقة الشرق الأوسط:

       حددت الولايات المتحدة الأمريكية سياساتها بعد انفرادها بالقمة تجاه منطقة الشرق الأوسط في الإطار التالي:

1.   المنطقة العربية تعدّ منطقة مصالح حيوية للولايات المتحدة الأمريكية، ومن أجل ذلك توسع دائرة الحصول عل التسهيلات العسكرية، أو تخزين معدات ثقيلة في العديد من دول المنطقة، بل فرض نوع من الهيمنة على هذه المنطقة والتواجد العسكري الدائم بها.

2.   فرض نوع من التوازن بين العرب وإسرائيل، بحيث تميل كفه التوازن لصالح إسرائيل، لضمان تفوقها العسكري والالتزام بالحفاظ على أمن إسرائيل واتخاذها شريكاً إستراتيجياً لها في المنطقة، مع استمرار دعم الهجرات اليهودية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق إلى إسرائيل.

3.   محاولة إيجاد حل لمشكلة الصراع العربي الإسرائيلي، تتحقق من خلاله مطالب إسرائيل الأمنية والإبقاء على معظم الأراضي المحتلة في إطار يحقق أمن الدولة العبرية، لتصبح دولة إقليمية عظمى في المنطقة، بحيث تستطيع من خلال هذا الدور أن تحقق وتساند المصالح الأمريكية.

4.   الحد من تسلح دول المنطقة وبصفة خاصة الدول العربية التي لا تسير في فلكها، مع إحباط أي محاولات لحصول دول المنطقة عدا إسرائيل،على أسلحة الدمار الشامل.

5.   إيجاد نوع من التحالفات الإقليمية تكون إسرائيل محور هذا التحالف، مثل المحور التركي- الإسرائيلي، ليكون قوة رادعة ضد بعض القوى الإقليمية مثل إيران وسورية.

6.   استمرار سياسة عزل بعض الدول العربية المعادية لسياستها وفرض الحصار الاقتصادي على البعض الآخر، ومن أمثلة هذه الدول ليبيا، والعراق، والسودان، ومن أجل ذلك تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية فكراً جديداً تطلق عليه نظرية الاحتواء الشامل[3].

7.   الاحتفاظ بسوق تجاري دائم لتجارة أسلحتها خاصة في منطقة الخليج.

8.   السيطرة الكاملة على الخليج العربي ومنع أي قوة أخرى من منافستها.

الدور الأمريكي تجاه الحد من تسلح دول المنطقة

       صدرت عن الولايات المتحدة الأمريكية العديد من المبادرات، مثل مبادرة الرئيس الأمريكي جورج بوش في مايو 1991، من أجل فرض الحظر على نوعيات الأسلحة تجاه الدول العربية، كما مارست الضغط على كل من روسيا والصين وكوريا الشمالية لإيقاف صفقات الأسلحة مع بعض الدول العربية وإيران[4]. وفي الوقت نفسه تحافظ على التفوق الإسرائيلي في مجال تكنولوجيا التسليح، بما يؤدي إلى إحداث خلل في التوازن لصالح إسرائيل ضد الدول العربية، مع مجابهة أي دولة عربية تحاول الحصول على أسلحة دمار شمال أو صواريخ بعيدة المدى،في الوقت الذي تسمح فيه لإسرائيل بالانفراد بالتسلح النووي، ومساعدتها في إنتاج كافة أنواع الأسلحة؛ ومنها نظام الصواريخ المضادة للصواريخ آرو.

       وبطبيعة الحال فإن الإجراءات الأمريكية للحد من إمداد دول المنطقة بالسلاح، تُعد أولاً وأخيراً لصالح إسرائيل، التي أصبحت تمتلك قاعدة صناعية ضخمة لإنتاج كافة أنواع الأسلحة، خاصة الأسلحة عالية القدرة مثل صواريخ باليستية أرض/ أرض ـ صواريخ باليستية مضادة للصواريخ ـ في مجال الفضاء، مع استمرار انفرادها بالتسليح النووي.


 



[1]  زادت نسبة الديون قصيرة الأجل من 6.9 مليار دولار عام 1985 إلى 12.8 مليار دولار عام 1991، وزاد حجم الاقتراض من الولايات المتحدة الأمريكية من 5.3 مليار دولار عام 1985 إلى 20.4 مليار دولار عام 1991.

[2]  يقصد بالعقيدة الروسية الجديدة: هي العقيدة التي برزت بعد تفكك الاتحاد السوفيتي، والتي ركزت في الأساس على حماية الأمن القومي للدولة وما يتعلق بها من تأمين حدودها ومياهها وأجوائها، وتأمين الأوضاع الداخلية، وتأمين مصالحها مع دول رابطة الكومنولث خاصة في الإطار الأمني.

[3]  تهدف نظرية الاحتواء الشامل إلى احتواء دول المنطقة أمنيا واقتصادياً كالآتي: * في اتجاه الشمال : الحلف التركي – الإسرائيلي * في اتجاه الشرق : احتواء مزدوج لإيران والعراق، مع فرض نوع * من الاحتواء على دول الخليج بعيداً عن الدول العربية. * في الغرب : محاولة عزل ليبيا عن باقي الدول العربية. * في الجنوب : محاولة فصل جنوب السودان عن شماله.

[4]  ومثال ذلك : * الضغط على كوريا الشمالية لوقف توريد صفقة الصواريخ ارض * أرض الموقعة بين كوريا الشمالية وسوريا. * الضغط على الصين من أجل منعها من إبرام أي عقود تسليح مع سورية. * الضغط على روسيا : لإيقاف إمداد إيران بالمفاعلات النووية الروسية.