إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / انهيار الاتحاد السوفيتي






جمهوريات الاتحاد السوفيتي
جمهورية مولدافيا
جمهورية أوزبكستان
جمهورية أوكرانيا
جمهورية لاتفيا
جمهورية ليتوانيا
جمهورية أرمينيا
جمهورية أستونيا
جمهورية أذربيجان
جمهورية تركمنستان
جمهورية جورجيا
جمهورية روسيا الاتحادية
جمهورية روسيا البيضاء
جمهورية طاجيكستان
جمهورية كازاخستان
جمهورية قيرقيزستان
رابطة الكومنولث الجديد



المبحث السابع

المبحث السابع

الاتحاد السوفيتي وعلاقته بأطراف الصراع

       على مدى الأربعين عاماً التي سبقت انهيار الاتحاد السوفيتي، استطاع أن يحقق الكثير من الدعم الحقيقي والفعال للعرب، والذي سمح له بدور مهم في تطور هذا الصراع، إلا أنه خلال الفترة نفسها، كان هناك بعض المواقف المناوئة للجانب الإسرائيلي التي يتضح من خلالها أنها كانت لأسباب تتعلق بنواحي سياسية ليس الهدف منها، معارضة المواقف العربية. ومثال ذلك الموقف الذي اتخذه جوزيف ستالين في دعم الحركة الصهيونية في فلسطين ضد الوجود الاستعماري البريطاني.

       وكان هناك وهم شائع ظل قائماً لعدة سنوات، وهو ما يتعلق بتصنيف إسرائيل دولة شيوعية أو دولة تابعة للشيوعية الدولية بقيادة الاتحاد السوفيتي، بينما كانت كل الحقائق التاريخية والسياسية والعلمية في ميادين القتال توضح، أن هوية إسرائيل كانت على العكس من ذلك تماماً، فمنذ صدور تصريح بلفور في عام 1917، كانت جزءاً من المخطط الإمبراطوري الاستعماري في الشرق الأوسط، ثم تحولت بعد تغير موازين القوى لكي تكون جزءاً من المخطط الأمريكي، الذي تمكن من ورث التركة من بريطانيا وفرنسا.

       وفي 15 مايو 1948، وبمجرد إعلان الدولة الإسرائيلية، بدأ التأييد السوفيتي لها سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، فكان أول دولة تعترف بإسرائيل رسمياً، بالإضافة إلى فتح باب الهجرة من دول شرقي أوروبا وإمدادها بالسلاح وتدريب الطيارين الإسرائيليين في تشيكوسلوفاكيا.

       ومنذ منتصف الخمسينيات، ومع بداية حكم الرئيس السوفيتي الأسبق نيكيتا خروشوف، بدأ يعطي اهتماماً ملحوظاً بمعالجة قضايا الشرق الأوسط، خاصة بعد قرارات اللجنة المركزية للحزب الشيوعي في يوليه 1955، التي قررت فيها، أن العالم الثالث أصبح مستعداً لقبول الاشتراكية، وأن القوى التقدمية الصاعدة يمكنها إضعاف المعسكر الرأسمالي، وبعد شهرين من هذا الاجتماع كانت هناك موافقة بإمداد مصر بالأسلحة التشيكية.

       وفي عام 1960، عُقد المؤتمر العام للأحزاب الشيوعية، وتم خلاله تحديد مواصفات دول العالم الثالث التي يمكن أن تتعامل معها[1].

       ورغم ضرب القوى الشيوعية بمصر في عهد الرئيس جمال عبدناصر، وفي الجزائر عقب الاستقلال، وفي العراق على أيدي عبدالكريم قاسم، إلا أن خروشوف لم يُغير من استمرار تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري للعرب، وذلك لأن الهدف النهائي ـ من وجهة نظره ـ كان هو قيام جبهة معادية للرأسمالية والإمبريالية.

       وعند إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، لم يكن الموقف السوفيتي واضحاً إزاءها، حيث كان ينظر إلى أعضاء المنظمة في بدايتها مع غيرهم من قيادات التحرير على أنهم مجرد مغامرين يسعون إلي إثارة حرب أخرى مع إسرائيل، وسرعان ما تغير هذا الموقف بعد زيارة الرئيس جمال عبدناصر لموسكو بصحبة ياسر عرفات عام 1968 ولقاء الرئيس السوفيتي ليونيد بريجنيف، حيث بدأ دعم المنظمة عسكرياً، بالرغم من استمرار بعض نقاط الخلاف[2]):

       والواقع أن التحول الحقيقي في السياسة السوفيتية من مرحلة تلمس الخطر في منطقة الشرق الأوسط، إلي مرحلة أخرى تتميز بخطوات أكثر جرأة، قد تم في عهد ليونيد بريجنيف، ومن أمثلة ذلك.

1.   اتخاذه قراراً بعدم السماح بسقوط أنظمة تُعدّ موالية بصورة أو بأخرى للسياسات السوفيتية، ومن ثم اتخذ قراراً بإرسال ما يقرب من عشرة آلاف خبير ومستشار عسكري إلى مصر بعد نكسة يونيه عام 1967.

2.   مساندة مصر عسكرياً خلال فترة حرب الاستنزاف وبناء شبكة من الدفاع الجوى في منتصف عام 1970.

3.   دعم سورية بمعدات وأسلحة جديدة بعد حرب أكتوبر 1973 لتعويض خسائرها، علاوة على دعمها بمعدات دفاع جوي حديثة، بعد أن غزت إسرائيل الأراضي اللبنانية عام 1982 في عملية أطلقت عليها اسم "سلام الجليل".

       كما كانت هناك مواقف عديدة للاتحاد السوفيتي، لدعم الدول العربية المتعاونة معه، ففي عام 1968 ساند الاتحاد السوفيتي النظام السياسي باليمن الجنوبي بعد الاستقلال عن بريطانيا، كما بدأ في دعم التعاون الاقتصادي والعسكري مع الجزائر بعد استقلالها، وفي بداية السبعينيات وجه تحركه تجاه التعاون الاقتصادي والعسكري مع ليبيا.

       وخلال حرب أكتوبر 1973، وقف الاتحاد السوفيتي موقفاً مؤيداً لصالح العرب، ففي أعقاب صدور قرار وقف إطلاق النار الأول يوم 22 أكتوبر 1973، ومع استمرار انتهاك إسرائيل للقرار، أرسل بريجنيف رسالة إلى واشنطن في23 أكتوبر 1973، وصف فيها السلوك الإسرائيلي: "بأنه أمر غير مقبول وأنه يشكل من جانب الإسرائيليين عملية خداع صارخة يصعب السكوت عليها، ولا بد أن يدينها مجلس الأمن، وأن يطالب بوقفها"، وفي اليوم التالي مع استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، استمر التصعيد السوفيتي، فأصدرت موسكو بياناً وقع عليه بريجنيف، أكد فيه على أن استمرار العدوان الإسرائيلي سوف يسفر عن عواقب وخيمة، وأن الاتحاد السوفيتي سوف يقرر بنفسه الخطوات الضرورية والعاجلة لتأكيد احترام وقف إطلاق النار، ورافق ذلك رفع الاتحاد السوفيتي درجة استعداد عدد من فرقه المحمولة، علاوة على تحركات عسكرية سوفيتية أخرى. وواجهت الولايات المتحدة الأمريكية وحلف شمال الأطلسي هذا الموقف بإجراءات مماثلة، وبدأت على الفور اتصالات هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكي بالقيادة السوفيتية حتى لا يفلت الزمام. وكذلك كان هناك موقف آخر مهم للاتحاد السوفيتي من خلال الجسر الجوي السوفيتي لتعويض بعض خسائر مصر وسورية، ولموازنة الجسر الجوي الأمريكي الإسرائيلي.

       وبعد حرب أكتوبر 1973، بدأت التحركات من أجل تحقيق السلام بمنطقة الشرق الأوسط، فكان اجتماع يوم 2 أكتوبر 1977، بين وزيري الخارجية الأمريكية والسوفيتية والاتفاق على عقد مؤتمر جنيف للسلام وفي إطار مبادئ أساسية من أجل سرعة التوصل إلي تسوية عادلة ودائمة للنزاع بالشرق الأوسط واتفق على عقد المؤتمر في ديسمبر 1977، إلا أن ذلك المؤتمر واجه العديد من العقبات وأصبح من العسير عقده.

       وبدأت السياسية السوفيتية في إعادة ترتيب أوراقها منذ بداية عام 1978 ـ نتيجة لمبادرة مصر للسلام عام 1977 ـ فساندت قرارات قمة بغداد الذي عقد في 3 نوفمبر 1978، والذي أعلن فيه عن تجميد عضوية مصر في جامعة الدول العربية. كما وقفت إعلامياً وسياسياً مع تشكيل جبهة الصمود والتصدي والتي تضم العراق، وسورية، وليبيا، والجزائر، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وأعلنت رفضها لإطاري كامب ديفيد الموقع بين مصر وإسرائيل في 17 سبتمبر 1978، وكذلك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية الموقعة في 26 مارس 1979.

إستراتيجية الاتحاد السوفيتي إزاء الصراع العربي الإسرائيلي في عهد جورباتشوف عام 1985–1991.

       بعد أن ركزت سياسة خروشوف ومن بعده بريجنيف، على ضرب النفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط، فإن جورباتشوف اتجه إلى إستراتيجية جديدة قوامها، إمكانية دعم المصالح السوفيتية من خلال التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية وإزالة ما من شأنه استمرار السياسة الأمريكية المعادية له، وأصبح من المحتم إجراء تعديل جذري في معالجة الصراع العربي الإسرائيلي خاصة بعد جولات أعوام 1956، 1967، 1973، والتي كادت أن تؤدي إلى مواجهة بين القوتين العظميين، وذلك في الوقت الذي لم يتحقق لسياسة تقديم المساعدات العسكرية والاقتصادية سوى نفوذ سياسي وعسكري محدود للاتحاد السوفيتي داخل المنطقة، لا يتناسب مع حجم الدعم الذي قدمه للدول العربية، إضافة إلى الضغوط الاقتصادية التي بدأ يواجهها والتي حتمت عليه توجيه موارده للتنمية. ومن ثم اعتمدت السياسة السوفيتية الجديدة التي بدأت في عام 1985، على الوفاق بين القطبين[3] والتعاون بينهما بدلاً من التنافس، من أجل التوصل إلى حلول سلمية وخفض التسلح النووي والتقليدي وإزالة الصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى من المسرح الأوروبي، وكانت من نتيجة هذه السياسة: الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، وتوقيع اتفاقيتي سولت – 1، سولت –2 بين القطبين الأمريكي والسوفيتي.

       أما فيما يختص بالصراع العربي الإسرائيلي فقد اعتمدت السياسة السوفيتية الجديدة على المبادئ التالية:

1. رفض أي مواجهات عسكرية جديدة مع إسرائيل.

2. تأييد كل المبادرات السياسية التي تقوم على مبدأ التفاوض المباشر في إطار مؤتمر دولي.

3. التدرج في العلاقات مع إسرائيل سواء الدبلوماسية أو التجارية أو الثقافية، مع ربط عودة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل بانسحابها غير المشروط من الأراضي العربية المحتلة.

4. فتح باب الهجرة اليهودية على مصراعيه، وهو ما يشكل أكبر تحد واجه القضية الفلسطينية.

5. التمسك بنظرية توازن المصالح أساساً لحل النزاع العربي الإسرائيلي، وقبول مبدأ الأرض مقابل السلام.

       وقد أدت هذه المبادئ والمتغيرات السابقة، وفي ضؤ الوفاق بين القوتين العظميين، إلي تجميد القضية الفلسطينية، وإلى بداية اتساع استيطان اليهود السوفيت بالأراضي العربية المحتلة.

سياسة الاتحاد السوفيتي تجاه النزاع العربي الإسرائيلي قبيل التفكك ديسمبر1991:

       كان الوجود السوفيتي بمؤتمر مدريد للسلام في أكتوبر 1991، أي قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي بأقل من شهرين، بوصفه أحد راعيي المؤتمر، أقرب ما يكون إلى الوجود البروتوكولي المراسمي الباهت في حفلات الافتتاح والاختتام.

       وقد بدت واشنطن وليس موسكو،هي الصانعة الحقيقية لقضية الشرق الأوسط والمحرك الرئيس لها.

       إن ما حدث من تغيرات في السياسة السوفيتية في عهد جورباتشوف، وتقديمه لنظرية جديدة قوامها دعم المصالح السوفيتية من خلال التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية، وتوجيه الموارد الاقتصادية للبلاد تجاه التنمية وليس نحو تقديم المساعدات.. قد أثَّرت بشكل واضح على الموقف السوفيتي من قضية الشرق الأوسط. بل أدت هذه السياسة إلي حدوث تقارب سوفيتي إسرائيلي، وإلى السماح بالهجرات اليهودية إلى إسرائيل، الذي أضحى متغيراً حاداً في السياسة السوفيتية تجاه قضية الصراع العربي الإسرائيلي خلال الفترة قبيل الانهيار.

تطور العلاقات السوفيتية ـ الإسرائيلية:

أولاً: في المجال السياسي والدبلوماسي:

       أدى الاتحاد السوفيتي دوراً فعالاً في نشأة إسرائيل، وكانت الأغلبية الساحقة من المهاجرين اليهود الذين جاءوا في أعقاب الحرب العالمية الأولى إلى فلسطين من اليهود الروس، هذا وتنقسم العلاقات السوفيتية – الإسرائيلية،ـ منذ بداية المسار حتى قيام دولة إسرائيل بفترات تتمايز كل منها عن الآخرين تمايزاً جوهرياً كالآتي :

1. الفترة من عام 1947 ـ 1953:

       تميزت هذه الفترة بتوثيق العلاقات بين الدولتين، حيث كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت بإسرائيل في 18 مايو 1948، رغم موقف الشيوعية من الحركات العنصرية، حيث أدرك السوفيت أن عدم الاعتراف بالدولة الجديدة التي أقامها الغرب، يعنى انفراد الغرب بحرية العمل في المنطقة.

       وفي عام 1949 ساهم الاتحاد السوفيتي مع الولايات المتحدة الأمريكية في إبرام اتفاقيات الهدنة التي ساعدت على بلورة دولة إسرائيل، وفي العام نفسه قدما سوياً مشروع قرار إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بقبول إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة.

       وفي عام 1950، وبعد توالى اعتراف الدول الشيوعية بإسرائيل، توقف الاتحاد السوفيتي عن تزويد إسرائيل بالأسلحة، حيث إن كميات الأسلحة التي سلمت لإسرائيل حققت، إلى حد بعيد، الأهداف السوفيتية في مساعدة إسرائيل ضد العرب، مع اعتقادهم بأن إيقاف إرسال الأسلحة لإسرائيل قد يبعث الأمل في نفوس العرب على طلب العون من موسكو.

2. الفترة من عام 1953 ـ 1958:

       نتيجة ارتباط إسرائيل الكامل بالغرب، وظهور مصر قوة جديدة في المنطقة تقاوم النفوذ الغربي وسياسة الأحلاف العسكرية، حدث فتور في العلاقات السوفيتية ـ الإسرائيلية، التي أدت إلي إحراق المفوضية السوفيتية في تل أبيب في فبراير 1953، وقد أدى هذا الحادث إلى إعلان موسكو قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل.

       وفي يوليه 1953 وبعد انقضاء خمسة أشهر فقط على قطع العلاقات، عادت العلاقات بين الدولتين إلى مجراها الطبيعي، إثر انطلاق الأصوات اليهودية للسماح لليهود السوفيت بالهجرة إلي إسرائيل وانطلاق دعوة الولايات المتحدة الأمريكية لإنشاء منظمة للدفاع عن الشرق الأوسط.

       وفي 17 أبريل 1956، أذاعت الحكومة السوفيتية تصريحاً سياسياً مهماً جاء فيه: يرى الاتحاد السوفيتي أنه من الضروري دعم السلام العالمي، وتأييد اليهود في محاولة الوصول إلي تسوية عادلة على أسس مقبولة لدى الطرفين، مع مراعاة المصالح القومية المشروعة للأطراف
المعنية.

       وباشتراك إسرائيل في العدوان الثلاثي على مصر، وجه الاتحاد السوفيتي إنذاره في الخامس من نوفمبر 1956 إلى كل من بريطانيا وفرنسا، وأرسل نسخة منه إلي إسرائيل، كما بعث بولوجانين برسالة إلى بن جوريون قال فيها: إن إسرائيل أداة للقوى الإمبريالية وحذّر من أن عدوانها وضع وجودها في خطر، وأعلن رسمياً استدعاء الكرملين لسفيره في تل أبيب، ولكن في 16 أبريل 1957معادت العلاقات بينهما مرة أخرى بصورة طبيعية.

3. الفترة من عام 1958-1961:

       نتيجة لفتور العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتي، بسبب إقدام مصر على تحجيم النشاط الشيوعي بها، بدأت إسرائيل في التحرك من أجل تحقيق قدر من التقارب مع الاتحاد السوفيتي[4]، وبذلت إسرائيل محاولات عديدة لتحسين علاقاتها مع الاتحاد السوفيتي، مثل تعزيز العلاقات الاقتصادية، وتوسيع مجال التبادل التجاري، وتوثيق الروابط الثقافية والزيارات المتبادلة.

4. الفترة من عام 1961-1967:

       اتجهت السياسية السوفيتية إلى عدم التعاون مع إسرائيل، بسبب التقارب الذي حدث بين الاتحاد السوفيتي والعديد من دول المنطقة، وفشلت جميع الوفود التي زارت موسكو في تحقيق أهدافها ورفضت موسكو استيراد أي سلع إسرائيلية، أو توقيع اتفاق تجاري مع إسرائيل.

       وبعد نشوب حرب يونيه 1967، قطعت الكتلة الشرقية علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل باستثناء رومانيا، ورغم ذلك استمر الاتحاد السوفيتي في إمداد إسرائيل بحاجاتها من البترول، ولكن كان للمبادرة اليوغسلافية التي أعلنها الرئيس جوزيف بروز تيتو أثرها الكبير في الضغط على السوفيت لقطع علاقاته مع إسرائيل، إرضاءً للدول العربية.

5. الفترة من عام 1967-1973:

       رغم تأييد الاتحاد السوفيتي لمصر والدول العربية سياسياً وعسكرياً بعد حرب يونيه 1967، في نزاعها ضد إسرائيل، إلا أنه كان يسعى، بشكل غير رسمي، إلى تحسين العلاقات مع إسرائيل، وفي عام 1969، حدث تحسن في العلاقات بين البلدين دون إعادتها بشكل رسمي. ويرجع هذا التطور في الاتحاد السوفيتي، نتيجة لانضمام حزب "الماباي" اليساري إلى الائتلاف الوزاري الإسرائيلي، وهو حزب مؤيد للسوفيت، علاوة على مرونة سياسة ليفي أشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي تجاه السوفيت، وتأكيده على ضرورة إشراكهم في التسويات الخاصة بالشرق الأوسط.

6. الفترة من عام 1973-1985:

       اتسمت هذه الفترة باهتمام السوفيت ببحث مشكلة الشرق الأوسط، من أجل إيجاد موضع قدم في حل النزاعات العالمية في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثم كان الاتحاد السوفيتي حريصاً على المشاركة في التسويات السلمية بعد حرب أكتوبر 1973.

       وفي عام 1975، حدد أندريه جروميكو وزير الخارجية السوفيتي، المحددات الأساسية التي ينبغي انتهاجها من أجل التوصل إلى سلام عادل بالشرق الأوسط، وحدد ثلاث نقاط رئيسة هي:

أ.   انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي المحتلة.

ب.              الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وبحقه في تحديد هيكل دولته.

ج. ضمان أن تتمتع كل دولة في المنطقة بحدود آمنة.

       ورأت موسكو أن موافقة إسرائيل على هذه الشروط الثلاثة، يمكن أن يؤدي إلى إعادة علاقاتهما الدبلوماسية. وفي 16 سبتمبر 1977، رفض الاتحاد السوفيتي عرضاً أمريكياً باستئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل من أجل دعم دور موسكو في مساعي إقرار السلام في الشرق الأوسط[5].

       وفي 10 فبراير 1981، عقد الحزب الشيوعي الإسرائيلي مؤتمراً حضره وفد سوفيتي برئاسة ديمتري برونسكي رئيس إدارة العلاقات الدولية باللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي، والذي أكد على تأييد الاتحاد السوفيتي للوصول إلى حل شامل لمشكلة الشرق الأوسط، وفي 27 سبتمبر 1981 التقى أندريه جروميكو وإسحاق شامير في الأمم المتحدة، ولم يسفر لقاؤهما عن تغير في العلاقات بين البلدين وفي أكتوبر 1982، كشف " إسحاق شامير " عن وجود اتصالات سرية تستهدف استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

7. الفترة من عام 1985-1991:

       اتسمت هذه الفترة بمحاولات واتصالات سرية عديدة لإعادة العلاقات الرسمية بين الدولتين. وفي أغسطس 1989 تم إيفاد بعثة قنصلية للقدس لرعاية المصالح السوفيتية بداية لاستئناف العلاقات وسمحت السلطات السوفيتية لليهود بزيارة إسرائيل بتأشيرات سياحية على خلاف ما جرت عليه العادة قبل عشر سنوات.

       وفي السادس من يونيه 1987 اقترح جورباتشوف التخلي عن فكرة حل النزاع العربي الإسرائيلي عسكرياً، والعمل على عقد مؤتمر دولي بشأن الشرق الأوسط، واشترطت إسرائيل لذلك شرطين هما: استئناف العلاقات الدبلوماسية معها و فتح باب الهجرة أمام اليهود السوفيت.

       وفي عام 1988، كان هناك تقدم ملموس في العلاقات بين الدولتين، بالإضافة إلى اللقاءات شبه الدائمة مع إدوارد شيفرنادزه وزير الخارجية السوفيتي، كذلك تمت لقاءات إسرائيلية مع رؤساء حكومات ووزراء خارجية دول الكتلة الشرقية وبشكل علني.

       وفي 25 ديسمبر 1990، قدم القنصل العام للاتحاد السوفيتي أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية الإسرائيلي ديفيد ليفي ليكون قنصلاً عاماً لبلاده لدي إسرائيل.

       وفي 9 مايو 1991 قام وزير الخارجية السوفيتي ألكسندر بسمرتنيخ بزيارة رسمية لإسرائيل أثارت الاهتمام، وكانت أول زيارة لمبعوث سوفيتي رسمي منذ إنشاء دولة إسرائيل.

8. فترة ما بعد عودة العلاقات الدبلوماسية:

       أعادت إسرائيل افتتاح سفارتها بموسكو في 24 أكتوبر 1991، ورشح أربين لفين ليكون سفيراً لإسرائيل في موسكو، ويرجع السبب في عودة العلاقات بين البلدين إلى:

أ.     رغبة السوفيت وضع نهاية لاحتكار الولايات المتحدة الأمريكية لمسار السلام في الشرق الأوسط.

ب.   التغلب على رفض إسرائيل لاشتراك الاتحاد السوفيتي في مؤتمر السلام.

ج.    اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بانضمام السوفيت إلي مسيرة السلام بالشرق الأوسط رغبة منها في مساعدة جورباتشوف.

ثانياً: في المجال الاقتصادي عام 1948-1991:

       بدأ التعاون الاقتصادي بين موسكو وتل أبيب في 18 مايو 1948، حين اعترف الاتحاد السوفيتي بقيام دولة إسرائيل متمثلاً في استيراد البترول السوفيتي مقابل تصدير الموالح الإسرائيلية، واستمر هذا الوضع حتى ساءت العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في أعقاب العدوان الثلاثي على مصر في خريف عام 1956.

       وفي نهاية عام 1966 بدأ التبادل التجاري بين البلدين في الانخفاض من ثلاثة ملايين دولار عام 1966 إلى 30 ألف دولار عام 1968[6]، ولم يمض وقت حتى ظهرت بوادر انفراج الأزمة بين البلدين وإعادة تطبيع العلاقات بينهما في يونيه عام 1969.

       وفي أوائل الثمانينيات أخذت العلاقات التجارية في التزايد، حيث قررت موسكو، وبشكل رسمي، تصدير مختلف المعدات الحربية والمواد الأولية لإسرائيل، وفي عام 1989 تم بدأ تشغيل الخطوط الجوية المباشرة بين تل أبيب وموسكو، ووصل حجم الصادرات الإسرائيلية للاتحاد السوفيتي خلال هذا العام إلى 8.5 مليون دولار، ثم زادت في عام 1990 حيث بلغت في الأشهر الأولى من العام نحو مليوني دولار.

       وفي 24 مايو 1990، قام أرييل شارون وزير السكان الإسرائيلي، في ذلك الوقت، بزيارة خاصة لموسكو للتفاوض حول إمكانية توريد منازل جاهزة الصنع لإيواء اليهود السوفيت، مع زيادة طاقة خط الطيران المباشر بين موسكو وتل أبيب لنقل المهاجرين اليهود السوفيت إلى إسرائيل.

في المجال العسكري:

       منذ نشأة إسرائيل كان الاتحاد السوفيتي أحد الممولين الرئيسيين لإسرائيل بالعتاد الحربي، حيث أمدها خلال الفترة من مارس إلى مايو 1948 بنحو350 طناً من العتاد عن طريق تشيكوسلوفاكيا يتضمن 25 طائرة ميرشميدث، من خلال عملية سميت بلاك. وكان الهدف من هذا الدعم إضعاف نفوذ بريطانيا وحلفائها في المنطقة ودعم الدولة اليهودية التقدمية واحتوائها بصفتها حليفة له.

       وقد تغير جوهر هذه السياسة بعد وفاة ستالين، وانعكس هذا التغيير بوجه خاص نتيجة تغير السياسة السوفيتية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي، وظلت العلاقات العسكرية بين البلدين تفتقر إلى التعاون والتطور على مدى العقود الأربعة التالية.

       ونتيجة للمتغيرات التي حدثت في بداية عام 1991 وبعد أحداث حرب الخليج، فقد حرصت إسرائيل على توثيق علاقاتها العسكرية مع الاتحاد السوفيتي، بدأت بزيارة وزير العلوم والطاقة الإسرائيلية يوفال نئمان في التاسع من مايو 1991 للاتحاد السوفيتي، من أجل تطوير التعاون في مجال استخدام الطاقة النووية لتحلية مياه البحر، كما سعت إسرائيل لشراء معدات عسكرية سوفيتية، كما وقعت على أول اتفاق علمي أكاديمي في مدينة بئر السبع، حضره متخصصون في مجال الطاقة، كما تم الاتفاق على تبادل البعثات العلمية بين البلدين.

في مجال الهجرات اليهودية السوفيتية إلى إسرائيل:

       بدأت الهجرة الأولى بشكل منظم خلال الفترة من عام 1884 حتى عام 1903، ومعظمها من روسيا القيصرية، بسبب اضطهاد اليهود نتيجة اشتراكهم في مؤامرة لاغتيال قيصر روسيا، وقدرت هذه الهجرات بنحو20-30 ألف مهاجر. أما الهجرة الثانية فقد تمت خلال الفترة من عام 1904 إلى 1914، ومعظمهم كذلك من روسيا وقدر عددهم بنحو 35–40 ألف مهاجر يهودي.

       وفي الفترة ما بين عام 1914 إلى عام 1936 تزايد عدد اليهود بفلسطين إلى نحو 400% وقاموا بإنشاء 44 مستعمرة، وتركزت معظم الهجرات خلال الفترة من عام 1932 إلى عام 1936، حيث دخل فلسطين 174 ألف مهاجر يهودي من روسيا وشرقي أوروبا، بما رفع عدد السكان اليهود ـ طبقاً لتقدير لجنة بيل ـ إلى 370 ألف نسمة، أما الوكالة اليهودية فقدرتهم بنحو 384 ألف نسمة، تمثل 28% من عدد سكان فلسطين. وفي عام 1948م، وصل تعداد اليهود في فلسطين إلى650 ألف نسمة، تمثل 31% من تعداد فلسطين.

       وفي قمة مالطة في ديسمبر 1989 التي عقدت بين الرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف والرئيس الأمريكي جورج بوش، استغلت الولايات المتحدة الأمريكية الظروف الدولية وما يحدث في دول أوروبا الشرقية، وحاجة الاتحاد السوفيتي لتهدئة الصراعات وتخفيف الضائقة الاقتصادية التي يتعرض لها، من أجل الضغط على الاتحاد السوفيتي للسماح بالهجرات اليهودية إلى إسرائيل، التي سميت فيما بعد "هجرات القرن العشرين"، ثم بدأت الهجرات اليهودية من الاتحاد السوفيتي تزداد بشكل كبير منذ شهر أغسطس 1990، حتى وصلت في منتصف يناير 1991 إلى 300 ألف مهاجر، وخصصت عشرات الملايين من الدولارات لإقامة 22 ألف وحدة سكنية في بئر السبع وحدها.

       كما التخطيط لتهويد مدينة القدس الشرقية، وتحويل مواطنيها إلى أقلية، من خلال توطين اليهود السوفيت فيها، ومصادرة العديد من الدونمات لإقامة حي جديد لهم.

تطور العلاقات السوفيتية ـ العربية

1.       خلال فترة حرب عام 1948 – 1949 "الجولة الأولى من الصراع العربي – الإسرائيلي":

       وبوفاة ستالين حدث تغيير في السياسة السوفيتية تجاه منطقة الشرق الأوسط وتجاه الصراع العربي الإسرائيلي، تجسد في تصاعد إمدادات السلاح السوفيتي إلى الدول العربية المتحررة، وشهد النصف الثاني من الخمسينيات بداية برامج المساعدات العسكرية والاقتصادية التي قدمها الاتحاد السوفيتي لأول مرة لدولة غير شيوعية في العالم الثالث، وكان ذلك من خلال صفقة الأسلحة التشيكية لمصر عام 1955 التي بلغت قيمتها 250 مليون دولار.

       وتبعت هذه الصفقة صفقات مماثلة لكل من سورية عام 1956 والعراق عام 1958، ثم الجزائر عام 1960. وقدرت المعونات العسكرية السوفيتية خلال الفترة من عام 1955 إلى عام 1960 بحوالي 500 مليون دولار، وخلال الفترة من عام 1961 إلي عام 1964، بأكثر من 700 مليون دولار.

       وعندما أُثير موضوع تمويل مشروع السد العالي في الكونجرس الأمريكي، أرسلت لجنة الاعتمادات بالمجلس مذكرة بتاريخ 16 يوليه 1956 برفض تخصيص أموال لمشروع السد العالي، وكان الهدف هو الثأر من مصر بسبب صفقة الأسلحة التشيكية، واعترافها بالصين الشيوعية، ومواجهتها لسياسة الأحلاف العسكرية. وفي 19 يوليه 1956 قررت الولايات المتحدة الأمريكية سحبها لعرض المساهمة في مشروع السد العالي. وبصدور هذا القرار اتجهت مصر نحو الاتحاد السوفيتي لمساندتها في بناء السد العالي، وبالفعل قام بإرسال الفنيين وسفن الإرشاد بعد سحب المرشدين من قناة السويس نتيجة لقرار مصر بتأميم قناة السويس.

       وصدر البيان الثلاثي الأمريكي ـ الفرنسي ـ البريطاني بلندن في الثاني من أغسطس 1956، الذي ندد بعدم شرعية قرار مصر في التأميم، فتحرك الاتحاد السوفيتي لدعم مصر، وسارع بشحن الأسلحة إليها، وزاد من عدد خبرائه ودبلوماسييه الذين أوفدهم إلى مصر.

2.       خلال فترة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م:

       مع بداية أزمة السويس عام 1956م، وقف الاتحاد السوفيتي بجانب مصر في مجلس الأمن، حتى صدر قرار مجلس الأمن بنقاطه الست في 13 أكتوبر 1956. وفي 5 نوفمبر 1956، وجه الاتحاد السوفيتي رسائل إلى الحكومات الفرنسية والبريطانية والإسرائيلية مطالباً بالوقف الفوري للعدوان، ومحذراً لهم بأن الحملة على بورسعيد قد تتحول إلى حرب عالمية ثالثة، كما أعلنت الحكومة السوفيتية استعدادها لبذل جهودها لردع المعتدين وإرسال قواتها لهذا الغرض، وتضمنت الرسائل تلميحاً إلى أن بريطانيا وفرنسا في متناول يد الاتحاد السوفيتي إذا ما استخدمت الأسلحة الصاروخية الموجهة، وهو ما عرف بدبلوماسية الصواريخ.

3.       خلال الفترة من عام 1967-1972:

       في الخامس من يونيه 1967، اتخذ الاتحاد السوفيتي موقفاً واضحاً من العدوان الإسرائيلي وهو الدعم الكامل للعرب وإجبار إسرائيل على وقف العمليات العسكرية فوراً، حيث جاء في بيان صادر عن الكرملين: أن الاتحاد السوفيتي الذي يدين العدوان الإسرائيلي، يحذر الحكومة الإسرائيلية، ويدعوها إلى وقف العمليات العسكرية فوراً ضد الجمهورية العربية المتحدة وسورية والأردن والبلدان العربية الأخرى، وسحب قواتها إلى مواقع ما وراء الهدنة.

       ورغم أنه للوهلة الأولى يبدو أن حرب يونيه، قد أدت إلى انهيار المكانة السوفيتية في العلاقات السوفيتية ـ العربية، إلا أن البعض يرى أن تلك الحرب، قد أدت إلى مكاسب سوفيتية عديدة بالمنطقة " فعلى المستوى العسكري، استطاع الاتحاد السوفيتي أن يدعم وجوده العسكري في كل من البحر المتوسط والبحر الأحمر والمحيط الهندي، كما استطاع أن يوسع دائرة نفوذه في اليمن الجنوبي وتحويله إلى دولة اشتراكية، كما حصل على تسهيلات عسكرية كبيرة في كل من مصر وسورية، وزاد من حجم مستشاريه ونفوذهما. وفي مجال دعم الركائز الإيديولوجية، فقد زادت قدرات الاتحاد السوفيتي ومكانته ونفوذه بالمنطقة، فانتشرت المراكز الثقافية السوفيتية وزاد دعمها للأحزاب الشيوعية، كما تعاظم تدفق السلاح السوفيتي إلى دول المنطقة، وحصلت مصر عام 1970م على قدرات ضخمة من أجل بناء شبكة متطورة من الدفاع الجوي في مواجهة الطيران الإسرائيلي.

       وفي 25 مايو 1971 وقعت مصر على معاهدة صداقة مع الاتحاد السوفيتي، في محاولة من الاتحاد السوفيتي لحسم الموقف لصالحه وقطع الطريق على التعاون المصري ـ الأمريكي[7]، ولكن سرعان ما تغير الموقف بسبب عدم وصول مطالب التسليح المصرية، وهي في مرحلة استعداد لحرب تحرير، فاتهمت مصر الاتحاد السوفيتي بالقصور في إمداداتهم من السلاح الفعال والأحدث تكنولوجيا، وكانت دعوة بريجنيف إلى الاسترخاء العسكري في الشرق الأوسط في سياق دعوة الوفاق العالمي، وبالنظر إلى المطالب السوفيتية بتسوية سلمية للصراع العربي الإسرائيلي، مؤثراً مهماً للقيود على تدفق السلاح السوفيتي إلى البلدان العربية، وهو أمر أدي إلى إنهاء مهمة الخبراء والمستشارين السوفيت بمصر في يوليه عام 1972، والذي وافق في الفترة نفسها توقيع اتفاق سولت –1، بين القوتين العظميين بعد انتهاء الحرب الباردة وتوطيد سياسة الوفاق[8].

4. خلال جولة أكتوبر 1973 وما بعدها:

       شارك الاتحاد السوفيتي بكل ثقله لدعم موقف كل من مصر وسورية، وأصدر بياناً رسمياً بتاريخ 8 أكتوبر 1973 أعلن فيه: أن النزاع في الشرق الأوسط يعود إلى السياسة التوسعية التي تنتهجها إسرائيل، وأنه يدين سياسة الغزو الإسرائيلي، ويؤيد المطالب المشروعة للدول العربية في تحرير كل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967. كما استمرت إمداداته العسكرية إلى دول المنطقة خاصة لسورية.

       وفي ضوء تطورات عملية التسوية السلمية في الشرق الأوسط بعد حرب أكتوبر 1973، تأرجحت العلاقات السوفيتية العربية بين الارتفاع والانخفاض، كما حاول إجهاض أي محاولات لتحقيق تقدم في عملية السلام تحت رعاية أمريكية. ومثال ذلك ما حدث في مؤتمر مينا هاوس بالقاهرة عام 1977، كما بدأت العلاقات السوفيتية – المصرية في التدهور حيث انعكست آثارها على تجميد مصر لمعاهدة الصداقة مع الاتحاد السوفيتي عام 1976.

       ومن الواضح أن المتغيرات التي حدثت بالاتحاد السوفيتي خلال عقد الثمانينات، أدت إلي انتهاجه سياسة جديدة من أجل خفض الإنفاق على التسلح، فقد أدى ذلك بشكل واضح إلى وقف الدعم العسكري عن الدول التي كان يساندها سابقاً، وهذا بالتالي أدى إلى حدوث خلل إستراتيجي كبير في ميزان القوى بين العرب وإسرائيل، بل أدّى إلى وضع المزيد من العراقيل أمام عملية التسوية، ومن الملاحظ أن السوفيت، وحتى قبل انهياره، كان مؤيدا لكل المبادرات السياسية التي قدمتها الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية، من أجل التوصل إلى اتفاقيات سلام بين العرب وإسرائيل.

 

 



[1]  خلال هذا المؤتمر حددت عدة شروط للدول التي يمكن التعامل معها من قبل الأحزاب الشيوعية. * أن يكون للدولة سياسة تعارض الاشتراك في الأحلاف الغربية. * أن تقاوم الدولة التغلغل الاقتصادي الغربي والاستعمار الجديد. * الالتزام بتوسيع قاعدة القطاع العام وإتباع أساليب غير رأسمالية في التنمية. * الاستعداد لتوسيع نطاق الحريات ووقف اضطهاد الشيوعيين المحليين.

[2]  'تركز الخلاف حول حق إسرائيل في الوجود وضرورة حصر أعمال المنظمة داخل الأراضي المحتلة، علاوة على استمرار هجرة اليهود السوفيت

[3]  أطلق عليها مرحلة الوفاق الثانية مارس 1985.

[4]  أعلن الزعيم السوفيتي خروشوف أن فكرة القومية العربية ليست أساساً للوحدة وإنما الأساس هو وحدة الطبقة العاملة في العالم، وأكد إن سياسة عدم الانحياز هي سياسة ذات وجهين، وهو ما أدى إلى بدأ حرب إعلامية بين القاهرة وموسكو.

[5]  رأت موسكو أن إعادة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل يرتبط بإحراز تقدم نحو إيجاد تسوية لمشكلة الشرق الأوسط.

[6]  بلغ حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد السوفيتي عام 1963 إلى 910 ألف دولار ثم بدأت في التزايد عام 1966، ثم الانخفاض مرة أخرى حتى عام 1968.

[7] جاء في المادة الثانية من المعاهدة: ` تعزيزاً للقوة الدفاعية لـ ج. ع. م. سيواصل الطرفان تطوير التعاون في المجال العسكري على أساس الاتفاقيات المناسبة فيما بينهما، ويشمل هذا التعاون تدريب أفراد القوات المسلحة واستيعابهم للعتاد والأسلحة التي يتم توريدها إلى ج. ع. م من أجل تقوية قدراتها على إزالة آثار العدوان وكذلك تقوية قدراتها على مواجهة العدوان عموماً.

[8]  معاهدة سولت 1 `SALT 1` بين أمريكا وروسيا وقعت عام 1974 لتحديد حجم الأسلحة الإستراتيجية في البلدين، وتهدف إلى محاولة تهدئة سياق التسلح الإستراتيجي بين الدولتين الأعظم، وتحدد خلالها الحد الأقصى لإعداد الأسلحة الإستراتيجية في البلدين والتي شملت: صواريخ ضخمة عابرة القارات ` 54 للولايات المتحدة الأمريكية، 363 للاتحاد السوفيتي ` ، صواريخ متوسطة عابرة القارة ` 1000 لأمريكا، 1305 للاتحاد السوفيتي`، صواريخ باليستية ` 44 لأمريكا و 62 للاتحاد السوفيتي.