إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / التحولات الديمقراطية في أفريقيا









التحولات الديمقراطية في أفريقيا

مقدمة

تعد الممارسة الديمقراطية من أكثر الإشكاليات السياسية المعاصرة تعقيداً وإثارة للجدل؛ سواء ما حدث بشأنها في الماضي، أو ما يحدث في الوقت الراهن، وخصوصاً فيما يتعلق بالتجربة الأفريقية في هذا الشأن. وهذا الأمر يفرض ضرورة تناول هذا الموضوع من عدة جوانب ومداخل، بقدر من الموضوعية والحياد، وبعيداً عن الأحكام المسبقة، والمسلمات المفترضة، قبل الدخول في عملية التناول والتحليل، طالما أنها ظاهرة أو مسألة سياسية وعلمية، يمكن أن تخضع للبحث والدراسة، وأنها ممارسة ما تزال في طور التجريب والتطبيق، داخل النطاق الأفريقي.

سوف تكون دراسة هذه التجربة من خلال محاولة ربطها بالحاضر والواقع المعيش في الوقت الراهن، ومقارنته بما يتم تطبيقه من تجارب ديمقراطية، في دول أخرى، كالدول الغربية الليبرالية، وعلى اعتبار أن الأساس والجوهر في التناول والتعامل مع أي أمر يتعلق بالديمقراطية، هو تلك الطبيعة والمكونات والسمات والغايات الكامنة فيها والمباشرة لها؛ وليس فقط الركض وراء الأماني والمطامح في الاستبدال والإحلال، لما يسمى بالحكم السيئ الحكم الجيد، أو القيام بمجموعة من التغييرات الإجرائية والمؤسسية الشكلية والظاهرية، أو للخضوع والإذعان لما يسمى "بالحتمية الديمقراطية"؛ لما يترتب على ذلك من تفريغ كامل للتجربة وللعملية الديمقراطية برمتها، من مضامينها.

وقد شهد النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين صخباً سياسياً واسعاً، عبر أرجاء القارة الأفريقية، بدأ بتصاعد المناشدات والاحتجاجات السياسية، سواء من داخل الدول الأفريقية، أو خارجها، للمطالبة بضرورة إحداث تحولات سياسية واقتصادية واجتماعية، بعيداً عن النظم السلطوية، ونظم  الحزب الواحد، والنظم العسكرية، وذلك على أساس الأخذ بالإصلاحات الليبرالية، سواء في صورة الليبرالية السياسية، بما تتضمنه من تعديلات دستورية، وتعددية سياسية، وتبنى انتخابات تنافسية، وإقرار مبدأ تداول السلطة، ويهدف استجلاب نماذج جديدة وجيدة للحكم، أو بالتركيز على تبني الليبرالية الاقتصادية في صورة الرأسمالية، بما يعنيه ذلك من حرية التجارة وحرية انتقال عوامل الإنتاج، وإنهاء سيطرة الدول عليها، وتشجيع القطاع الخاص (الخصخصة) والأسواق المفتوحة، وغيرها.

ولعل ما يلفت النظر في لمحاولة استزراع، أو استنساخ، تجربة ديمقراطية أفريقية، هو أنها اقترنت منذ البداية بجدلية أساسية مؤداها: هل ستمنح الأولوية للتنمية الاقتصادية، ثم تأتي العملية الديمقراطية، كما هو حال التطور الطبيعي لها في الغرب الليبرالي؟ أم سيكون للأمر خلافاً لذلك، في ظل المطالب المتصاعدة وخصوصاً من الخارج، بأولوية التحول الديمقراطي؟ ومن ثم، فإن إشكالية تلك الدراسة تدور حول مضامين واقع التجربة الديمقراطية الأفريقية، بعد عقدين من الزمان، ومن واقع، أيضاً، عدم معصوميتها، حيث لها ما لها من مزايا وإيجابيات، وعليها ما عليها من مساوئ وسلبيات. 

وفى حين لم يكن انتشار مثل تلك الموجة في بدايته على نسق واحد، وبدرجة الاتساع نفسه، والتأثير في كل مكان داخل أفريقيا، فإن هذه الضغوط والتحركات والإجراءات المؤسسية الوطنية والدولية، ذات الصلة بذلك وقوة الدفع المصاحبة لها، لم تلبث أن عمت معظم الدول الأفريقية، وهو الأمر الذي ظنت معه، أو حلاً لبعض الناس، خارجياً وداخلياً، أن يقارن ما يحدث بأنه يتماثل مع تلك الموجة التي بدأت مع أوائل ستينيات القرن الماضي، من أجل الاستقلال السياسي؛ بمعنى أن ذلك يعد بمثابة محاولة ومرحلة جديدة للاستقلال الديمقراطي، عن النظم الفردية التسلطية والعسكرية. فإلى أي مدى يمكن مقارنة الاستقلال السياسي، بالاستقلال الديمقراطي المزعوم؟