إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

المبحث الأول

أسس توازن القوى

أولاً: تعريف القوة:

1. مفهوم القوة:

    المعلومات بشأن مفهوم القوة، أنه ليس للقوة تعريف جامع شامل ومانع. ويعود السبب في ذلك إلى انعدام وجود إجماع بين المفكرين والمحللين والسياسيين أو بين علماء الاجتماع بشأن طبيعتها، لتعدد الصور التي تتخذها القوة، إذ لا يوجد تنظيم من دون أن تكون القوة هي جوهر الأسس التي يستند إليها.

    فكثيراً ما ارتبطت كلمة القوة بعلم السياسية، وخاصة عند علماء السياسة التجريبيين المعاصرين، فقد ارتبط عندهم علم السياسة في مركز اهتماماتهم بموضوع بحث هو القوة، وذلك على أساس ما تبين لهم من طريق الملاحظة والتجريب من أن القوة وعلاقتها هي صلب علم السياسة. والذي لا بد أن نعترف به، قبل أن نسوق التعريف السياسي لكلمة القوة، هو أن التوافر السياسي على بحث موضوع القوى هو ظاهرة قديمة قدم المعرفة السياسية نفسها، والممارسات السياسية التي ترجع إلى بداية المجتمع البشري. على أن كلمة القوة قد استخدمت بالمعنى السياسي عام 1701، وذلك عندما احتدم الصراع السياسي وظهرت الدولة القوية في أوروبا. إن نظريات القوة أو النظريات الواقعية فرضت نفسها على اتجاهات التحليل النظري لحقائق السياسة الدولية في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، نتيجة تفاقم الصراعات الدولية واتجاه بعض القوى الكبرى إلى خلق مراكز قوة تستطيع بثقلها وتأثيرها أن تضع واقعاً دولياً، يلتقي مع مصالحها، ويحقق لها التفوق على خصومها.

    ومهما اختلف العلماء في تحديد تاريخ ظهور هذه الكلمة على المسرح السياسي، فإن ذلك لا يغير من الحقيقة شيئاً، فالقوة هي صلب علم السياسة، إذ بها يُصْنع القرار السياسي ويوضع موضع التنفيذ في شتى نواحي الحياة.

    ويُعرف فسكاران Phaskaran القوة السياسية بأنها القدرة على عمل شيء وأن يؤثر في أي شيء. وأما لازويل وكبلان Lasswell & Kaplan فهي عندهما المشاركة في صنع القرار. ويعرفها روبرت داهل Robert Dah بأنها المقدرة على جعل شخص آخر يقوم بعمل لم يكن ليقوم به دون استخدام القوة. بينما يرى بلاو Blau أن القوة هي قدرة أشخاص أو جماعات على فرض إرادتهم على الآخرين.

    وفي تصور مورجانثو Morgethau القوة السياسة هي ا لمقدرة على السيطرة على تفكير الآخرين وسلوكهم، ويقول: إن القوة السياسية هي علاقة نفسية بين من يمارسونها وبين من تُمارس ضدهم، فهي تمنح الوليين سيطرة على بعض ما يقوم به الآخرون من أعمال من طريق النفوذ الذي يمارسونه على عقولهم، وقد يُتخذ ذلك بأسلوب الأمر، أو التهديد، أو الإقناع، أو بمزيج من بعض تلك الوسائل معاً.

2. القوة في الفترة المعاصرة:

    يظل التسلسل التاريخي في مفهوم القوة يمضي بنا عبر العصور المختلفة، حاملاً مفاهيم تتباين أحياناً وتتآلف أحيانا أخرى، لكنها في الفترة المعاصرة تتخذ شكلاً آخر يبدو جلياً من خلال آراء مفكري السياسة في القرنين التاسع عشر والعشرين. تلك الأفكار التي تتسم بالواقعية، وإن استمدت أصولها من الفترات التاريخية المتعاقبة على من سبقهم. ويمكن القول إن معظم المذاهب السياسية التي شهدتها هذه الفترة قد تمحورت حول نظرية هيجل لسياسة المعاصرة، فلن نستطيع إغفال كل من هيجل وماركس وبوزانكيت، لما يمثله كل منهم من مكانة سياسية تكاد عند بعضهم تشكل نظرية ظلت تفرض نفسها إلى عهد قريب.

أ. هيجل Hegel:

إن ما يميز فلسفة هيجل السياسية، هو أنه أضفى على الدولة القومية قيمة عالية، لأن الدولة عنده تشكل الوحدة المهمة والأساسية في النسق الهيجلي. فالدولة إذاً ـ في نظره ـ هي تجسيد السلطة السياسية، وسلطة الدولة ـ كما تصورها ـ تعد مطلقة ولكنها ليست تحكمية. إذ لا بد أن تُمارس سلطاتها التنظيمية في ظل القانون، إلا أن الهيجلية كانت في جوهرها تمجيداً للقوة، لأنها وضعت الدولة فوق متناول القانون، فأخضعت الفرد للدولة خضوعاً كاملاً.

ب. كارل ماركس Karl Marx:

إذا كان محور فلسفة هيجل هو الدولة القومية، فإن ماركس على النقيض من ذلك، حيث يتمثل محور فلسفته الاشتراكية في الطبقة العمالية، وما تلاقيه من إرهاق مادي ومعنوي من أرباب العمل، الأمر الذي حمله على نداء هؤلاء إلى الثورة الاجتماعية، وفي مقابل ذلك سعى إلى إلغاء الدولة كنظام سياسي في المجتمع.

    ونستطيع أن نلخص الفلسفة التي دعا إليها ماركس في أنها تعبير اجتماعي، يتمثل في وصول الطبقة العمالية إلى إدراك قوتها السياسية ومدى نفوذها وتأثيرها على البناء الاجتماعي في الدولة، وذلك ما يعبر عنه ماركس بقوله: "إن التاريخ الاجتماعي يبلغ الذروة بقيام البروليتاريا وهي الطبقة العاملة التي ليس لها إلا سواعدها وسيلة للكسب في الحياة". وقد تطلع ماركس إلى زحف تلك الطبقة؛ كي تشغل مكاناً مسيطراً في المجتمع الحديث، وتمثل القوة عنده في الصراع الاجتماعي لصالح الطبقة العمالية، وعليه تكون غاية القوة لديه قد اختلفت تماماً عن غاية القوة في فكر من سبقوه إلى الحديث عنها.

ج. برنارد بوزانكيت Bosanquet:

    يُعَدّ بوزانكيت من فلاسفة القرن العشرين، ولقد تأثر بمن سبقوه في فلسفتهم السياسية، خاصة هيجل وروسو. ومن ثَم، يمكن القول بإن بوزانكيت سار على نفس النسق الفلسفي لهيجل.

    نخلص من هذه التعريفات كلها أن القوة هي علاقة خاصة بين طرفين، علاقة يستلزم أن يكون أحد الطرفين فيها على قدر أكبر من الإمكانات، ما يتيح له بعض التفوق في السلطة والسلطان، وإلا فلن تتوفر للقوة فعاليتها وسوف تتحول إلى عملية أخرى فيما نسميه الصراع. ثم إن هذا الذي يمارس القوة، لا بد أن يمتلك حرية العمل والتصرف، وإلا فما معنى أن تتوافر للفرد مقومات القوة، وتُغل يده بأي صورة من الصور. مثال ذلك الشخص الذي يتمتع بالقوة حين تُلقي به وحيداً في الصحراء الجرداء، ما يجعله غير قادر على ممارسة قوته على الآخرين، ولذلك فإن السياسة تسعى دائماً إلى الاحتفاظ بالقوة ومضاعفة هذه القوة.

ثانياً: المفاهيم النظرية لتوازنات القوى:

    على الرغم من أن تعبير التوازن يُعد من التعبيرات الدولية الأكثر انتشاراً واستخداماً، إلا أن المعنى الدقيق لهذا التعبير ظل غامضاً لعصور كثيرة حتى جاء العالم نيوتن بقانون الجاذبية الكونية Universal Gravitation . وهو يؤكد أن أي جسمين يجذب كل منهما الآخر بقوة تتناسب طردياً مع ناتج كتلتيهما، وتتناسب عكسياً مع مربع المسافة بينهما. ولقد برهن نيوتن أن هذا القانون ينطبق على الأجسام التي على الأرض، وأيضاً الموجودة في الفضاء الكوني، وهو مسؤول عن استقرار دوران كواكب المجموعة الشمسية حول الشمس. وسبحان الله أنها تدور كلها في اتجاه واحد ومستوى واحد عدا الكوكب "بلوتو" محدثة التوازن في الفضاء الخارجي. وبالتحليل الدقيق لقوانين النظريات العلمية الخاصة بعلوم الكيمياء الطبيعية. يمكننا الوصول إلى مفهوم التوازن بأنه وصف لحالة تعادلية بين قوى عدة متضادة بينها قدر من الترابط، وقد تؤدي إلى الاستقرار.

    والمفهوم الشامل لتوازنات القوى أنها "الحالة التي تتعادل وتتكافأ عندها المقدرات البنائية والسلوكية والقيمية لدولة ما منفردة أو مجموعة من الدول المتحالفة مع غيرها من الوحدات السياسية المتنافسة معها، بحيث تضمن هذه الحالة للدولة أو لمجموعة الدول المتحالفة ردع أو مجابهة التهديدات الموجهة ضدها من دولة أخرى أو أكثر، وبما يمكنها أيضاً من التحرك السريع وحرية العمل في جميع المجالات للعودة إلى هذه الحالة عند حدوث أي خلل فيها بما يحقق الاستقرار".

    ويُطلق على هذا المفهوم أيضاً التوازن الإستراتيجي، وهو يتميز بثلاث خصائص محددة:

1. تكافؤ مجموعة من المتغيرات فإذا استمر هذا التكافؤ عُرف بالتوازن الإستراتيجي المستقر، وإذا تغيرت حالة هذا التكافؤ سلباً أو إيجاباً سُمي بالتوازن الإستراتيجي غير المستقر.

2. إمكانية تحقيق هذا التوازن بدولة منفردة بصورة كاملة معتمدة على إمكانياتها الذاتية وقدراتها القومية، بحيث تتكافأ مع التهديدات الموجهة ضدها أو قد يتم ذلك من خلال تحالفات وفية تعبئ مقومات القوة القومية للدول المتحالفة ضد التهديدات الموجهة لهذا التحالف.

3. أن هذا التوازن له ثلاثة أبعاد، وهي البعد البنائي، ويتمثل في القدرات السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية لدولة أو مجموعة دول. أما البعد الثاني وهو سلوكي، وينبع من مرونة وحركة القوى الفاعلة دولية أو إقليمية. والبعد الثالث هو بُعد يُقيم من خلاله حالة القبول أو الرفض للقوى الفاعلة.

ثالثاً: مفهوم وأبعاد توازن القوى:

    على الرغم من أن تعبير توازن القوى يُعد من أكثر التعبيرات انتشاراً واستخداماً في مختلف العصور، وفقاً لاختلاف وتطور الفكر والنظريات في كل عصر، إلا أن هذا التعبير قد ظل من أكثر المفاهيم غموضاً، إذ لا يكاد يوجد اتفاق على مفهومه، بل لعله لا يكون تجاوزاً لحقيقة القول بأنه لا يوجد تعريف مانع جامع لهذا التعبير، وسوف تتناول مكونات هذا التعبير بشيء من الإيضاح للوصول إلى التعريف المناسب.

1. معنى التوازن بشكل عام:

    يعني التوازن في مفهومه، الحالة المستقرة، فيتحدث الناس دونما تفكير عن التوازن كرمز للحالة المعتادة المستقرة، وهذه الحالة ليست بالضرورة مثالية دائماً، ولكنها توحي بالاستقرار وعدم التوتر، ولكنهم في كثير من الأحيان وعند تدقيق معانيهم يشيرون إلى ما هو أبعد من الاستقرار المعتاد إلى الحالة المثالية. وتستخدم جميع العلوم مصطلح التوازن، رمزاً للحالة المعتادة المستقرة، فيستعمل علم النفس مصطلح التوازن النفسي للتعبير عن الحالة العادية للإنسان العادي، ويستخدم علم الاجتماع مصطلح التوازن الاجتماعي لوصف المجتمع الخالي من التوترات، ويكثر علم الاقتصاد من استخدام التوازن لوصف الأوضاع المقبولة، فيقول التوازن بين العرض والطلب، والتوازن في التنمية، والتوازن بين الصادرات والواردات، والتوازن التجاري... إلخ.

    ويستخدم علم السياسة أيضاً مصطلح التوازن للإشارة إلى الحالة المستقرة على أسس عقلانية، فيقول النظام قائم على توازن السلطات، كإشارة إلى نظام لا يخضع لهيمنة سلطة واحدة، كما يستخدم مصطلح قوى سياسية متوازنة. إن التوازن في المعنى العام يشير إلى الحالة المستقرة التي لا تسيطر عليها قوى التطرف.

2. توازن القوى:

    إن مفهوم توازن القوى مازال ملفوفاً بالغموض عند الكثير من علماء السياسة والعلاقات الدولية. ومبعث هذا الغموض أسباب كثيرة ومتعددة، منها فهم توازن القوى على أنه نقطة التعادل بين قوتين متعارضتين، ومنها افتراض جمود توازن القوى وانعدام حركاته، أو على الأقل تحركه ببطء شديد، ومنها افتراضه كسياسة دولية مقصود لذاتها بوصفها إدارة لحفظ الاستقرار الدولي.

    ويعرف الدكتور إسماعيل مقلد توازن القوى بقوله: "ينشأ التوازن في حالة إمكان دولة واحدة أن تحصل على تفوق ضخم وساحق في قواها، ما يهدد حرية الدول الأخرى واستقلالها، وهذا التحدي هو الذي يدفع الدول المحدودة القوة إلى مواجهة القوة بالقوة عن طريق التجمع في محاور أو ائتلاف قوى مضادة. وهذه إحدى طرق تكوين التوازن الدولي وليست الطريقة الوحيدة، وهي طريقة تكوين توازنات ما بعد الحروب الدولية"، ويوصف توازن القوى بأنه سياسة ترمز إلى المدرسة الواقعية في السياسة الدولية، وهي المدرسة التي تعني بظاهرة القوة"، وأن الدول حينما تسعى للحفاظ على وجودها وأمنها ومركزها الدولي من خلال عملية الصراع على اكتساب القوة، فإن رائدها في ذلك هو تحقيق توازن القوى، وهو في الوقت ذاته، سلاح في تنظيم استخدام القوة والسيطرة عليها".

    غير أن توازن القوى ليس سياسة بحد ذاتها تسعى الدول إلى تحقيقها وتجاهد من أجلها، فالدولة لا تسعى إلى التوازن، بل تسعى إلى التفوق والهيمنة، ما يؤدي إلى نشوء توازن القوة، فتوازن القوة ليس حالة مقصودة لذاتها، بل هو حالة يتوصل إليها بشكل عرضي من خلال السعي إلى التفوق. فالدولة الساعية إلى التفوق تجد نفسها في وضع الدول المتوازنة في لحظة تاريخية ما.

3. أشكال توازن القوى:

ليس لتوازن القوى صورة واحدة، فعلى الرغم من أن فكرته الجوهرية هي توزيع القوة بين الأطراف الدولية، إلا أن هذه الأطراف قد تزيد أو تنقص. ففي أثناء الصراع، قد يصل عدد قليل من الدول إلى حالة من التعادل النسبي في القوة، فيتشكل بينهما توازن للقوى، يعتمد على تعدد الأقطاب الدولية. وقد أطلق على هذا النوع من التوازن (التوازن المتعدد الأقطاب ـ أو التوازن المركب وأحياناً التوازن المعقد، بحكم تعقد العلاقة المعتمدة على كثرة التحالفات بين الأقطاب أنفسهم). وقد يسيطر على توازن القوى دولتان، فيصبح التوازن ثنائي الأطراف، وقد أُطلق على هذا التوازن (التوازن البسيط). فهو توازن يقوم على وضوح بروز قوتين عظميين، وتأتي البساطة من طبيعة العلاقة التي يفرضها هذا النوع من التوازن بين هاتين القوتين، فخطوط العلاقات الدولية في هذا النوع تصبح أكثر وضوحاً بالنسبة للأطراف الدولية الأخرى.

    تلك هي الصور الرئيسية لتوازن القوى، لكنه كما يقول أرسو "ليس هناك من الرياح سوى الشمالية والجنوبية، أما بقية الرياح فهي مشتقة منها"، فكذلك التوازن هو بسيط أو مركب، لكن هذين الشكلين الرئيسيين للتوازن ينتجان أنواعاً أخرى، مثل التوازن المرن والتوازن الجامد، أو توازن الأنظمة المتجانسة أنواعاً، وتوازن الأنظمة المتنافرة، وتوازن الأنظمة المعتدلة والأنظمة الثورية.

أ. توازن القوى المتعدد الأقطاب:

    هو التوازن الذي يتكون من قوى كثيرة وتعمل هذه المجموعات على موازنة بعضها بعضاً. وليست هناك حدود قصوى على عدد تلك المحاور والتجمعات في ظل النظام المتعدد لتوازن القوى. ويعرف مورجانتو توازن القوى، ولكنه يشرح صوره، فهو في نظره توازن لا تقل أطرافه عن ثلاثة، يترتب عليه الاستقرار وحفظ استقلال هذه الأطراف مهما كان أحدهم ضعيفاً.

    ويتصف التوازن المتعدد الأقطاب بالخصائص الآتية:

(1) الكثرة النسبية لأطرافه وبما لا يقل عن ثلاثة أطراف، سواء كانت الأطراف دولاً أو كتلاً تتكون كل منها من عدد من الدول، فإذا قلت الأطراف عن ثلاثة تحول إلى التوازن البسيط.

(2) الطبيعة التنافسية، وتلك هي الخاصية الجوهرية التي تقود إلى الاستقرار والسلام.

(3) خضوع الأطراف وقبولهم لمبادئ تنافس تتصف بظهور قواعد شرعية مقبولة من الأطراف جميعاً.

(4) تحقيق الاستقرار والسلام.

ب. التوازن البسيط (التوازن الثنائي):

    هو الصورة الأكثر وضوحاً، ويقوم هذا التوازن عند وجود دولتين أو كتلتين متعارضتين في حالة من التعادل النسبي. والواقع أن هذا التوازن ينشأ عادة في شكل وجود كتلتين دوليتين، غير أن ذلك لا يمنع من قيامه بين دولتين أيضاً. ويغلب على توازن القوى البسيط بين دولتين أن يكون توازناً إقليمياً، أما التوازن الدولي العام فالصورة الغالبة له هي توازن الكتل. لكن وجود الكتلة الدولية يعتمد على وجود دولة قطب تكون بمثابة النواة، التي تتجمع حولها مجموعة من الدول الأضعف للاحتماء بها أو التحالف معها، ومن ثَم، تكوين كتلة دولية واحدة. ولأن هذا التوازن يعتمد على دولة قطب، فإنه كثيراً ما يبدو توازناً بين دولتين.

    وخصائص التوازن البسيط هي:

(1) ينشأ غالباً كنتيجة حتمية لتوازن القوى المركب، فبما أن هذا الأخير يتصف بالحركية فإنه يشهد جملة من تحالف الدول، بقصد الحفاظ على المصالح الوطنية لهذه الأطراف. إن فترة التحالفات التي يشهدها توازن القوى المركب هي التي تتسم بالاستقرار والسلام، فالوسائل الدبلوماسية في هذه المرحلة هي الأكثر طغياناً، أما عند تشكيل توازن القوى البسيط فإن الدبلوماسية تصبح أقل فاعلية.

(2) توازن القوى البسيط يشكل مرحلة الاقتراب من الحرب ويؤدي إليها. إن المدلولات الإستراتيجية لتوازن القوى المركب يؤدي إلى الاستقرار بسبب الطبيعة التنافسية التي تتيح العمل الدبلوماسي. أما توازن القوى البسيط فإن طبيعته هي المعارضة المباشرة والتنافس السافر.

(3) إن هذا النوع من التوازن لا يخلق سوى فترة استقرار قصيرة الأمد، وهي الفترة الضرورية للإعداد إلى الحرب، وهذا الاستقرار يتصف بالقلق والاضطراب أياً كانت مدته. وحيث إن التحالفات تسبق التشكيل النهائي للتوازن، لذلك فإن الحرب لا تبدأ إلا بعد التأكد من متانة هذه التحالفات.

(4) يمتلئ التاريخ بالأمثلة لهذا النوع من التوازن. فإذا كان توازن القوى المتعدد الأقطاب هو الغالب في القرون الأربعة الماضية، فإن توازن القوى الثنائي هو الأسبق في الوجود بحكم وسائل الاتصال البدائية بين الدول في العصور القديمة. ففي مثل هذه الظروف، يكون من الطبيعي أن يظهر توازن القوى في حيز إقليمي ضيق بين دول قليلة ومتجاورة تعيش في عالمها الخاص دونما ارتباط وثيق بالمجموعات الإقليمية الأخرى.

ج. التوازن المرن والتوازن الجامد:

    يقول ريمون أورن، إن ميزان القوى ليس من طبيعة واحدة، ولا يخضع دائماً لعدد الأطراف المكونة لهذا التوازن، بل يخضع أيضاً لطبيعة الدول والأهداف التي يلتزم بتحقيقها أولئك الذين يسيطرون على السلطة.

(1) التوازن المرن:

هو الذي يقوم بين دول تنتمي إلى فكر سياسي واقتصادي واجتماعي موحد أو متجانس، ولذلك يُطلق عليه أحياناً توازن الأنظمة المتجانسة أو توازن الأنظمة المعتدلة.

(2) التوازن الجامد:

هو، على العكس، يقوم بين دول تنتمي إلى نماذج فكرية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو حضارية متناقضة أو متنافرة، ولذلك يُطلق عليه أحياناً توازن الأنظمة المتنافرة أو الأنظمة الثورية.

    من خلال استعراض الأشكال المختلفة للتوازنات، نرى أن المرونة والجمود هي أوصاف تلحق بالنوع الأصلي للتوازن، فتجعل له أشكالاً أخرى فرعية، فقد يكون التوازن بسيطاً ومرناً، أو بسيطاً وجامداً، كما يكون مركباً ومرناً أو مركباً وجامداً، لكن الحرب ترتبط بنوع التوازن لا وصفه، فالتوازن المركب هو توازن الاستقرار، دون النظر إلى وصفه، فتوازن ما بين الحربين في مرحلته الأولى 1918-1936 كان توازناً مركباً وجامداً.

    إن أنظمة التوازن المركب في تلك الفترة السابقة، كانت متعددة ومتناقضة فكرياً وسياسياً، فقد شمل الدول الديموقراطية الغربية وروسيا الشيوعية وإيطاليا الفاشية، لكن هذه الأنظمة استطاعت التعايش بسبب طبيعة التوازن المركب. وعلى العكس، فإن توازن ما قبل الحرب العالمية الأولى كان توازناً مرناً، لأنه يضم أنظمة ليست متناقضة، لكنه توازن مضطرب بحكم تحوله إلى توازن ثنائي، ومع أن أطرافه متجانسة فكرياً وسياسياً، إلا أنها دخلت الحرب.

    الحرب والسلام يرتبطان بنوع من التوازن، والمرونة والجمود يلعبان دوراً كبيراً في حركة التوازنات. فالمرونة تساعد على التهدئة وربط نسج التحالفات، أما الجمود فإنه يدفع بالتوازن نحو سرعة الحركة والتحالف والتكتل. فإذا كان التوازن مركباً ومرناً، فإن الاستقرار يدوم لفترة طويلة. أما إذا كان جامداً فإن الاستقرار يكون قصيراً، لأن المتناقضات الحادة تدفع نحو التحالف والتكتل وسرعة الميل بالتوازن من طبيعة المركب إلى الثنائية، ما يعجل بالحرب. فالقاعدة والاستنتاج هي أن المرونة والجمود هما روح التوازن وسر حركته.

4. التوازن الإقليمي وأثره في التوازن الدولي:

ويطلق عليه أحياناً توازن القوى الرئيسي أو التوازن المسيطر، لأنه ينظم علاقات القوى الرئيسية المسيطرة على السياسة العالمية. وهو على أهميته وشموله، يعتمد على توازنات أخرى ذات طابع محلي يتأثر بها وتتأثر به، وهو ما يطلق عليه التوازن الإقليمي أو التوازن الفرعي. وهي أشكال من التوازنات تتكون داخل أطر جغرافية محدودة، تجمع عدداً من الدول في علاقات تتسم بالصراع على السلطان والنفوذ في هذا الإطار الجغرافي المحدود. وكمحصلة لهذا الصراع، فإن دولاً محدودة تصل إلى مرحلة التعادل أو شبه التعادل في القوة، ما يؤدي إلى قيام توازن قوى محلي، يتحكم في سلوك الدول ويضبط علاقات بعضها بعضا، ويكون التنافس بين أقطابه أيضا بالأساليب السلمية وينتهي بالحروب، مثله في ذلك مثل توازن القوى العالمي.

وتوازن القوى الإقليمي، مثل توازن القوى العالمي، يخضع لنفس القواعد، ويتسم بخصائص مشابهة إلى النتائج عينها تقريباً، على المستوي المحلي أو الإقليمي. ولكنه يلعب دوراً مركباً، إذ إنه يؤثر تأثيراً مباشراً في الصراع العالمي، ويؤدي إلى حسمه أحياناً. ولا توجد مبالغة كبيرة في القول إن الصراعات العالمية الكبرى تعتمد في تطوراتها ونتائجها على ما يجري في الصراعات والتوازنات المحلية.

إن هذه القاعدة أصبحت اليوم أكثر أهمية، وخاصة في وجود أسلحة نووية، إذ تراجعت فرص الحروب المباشرة والواسعة بين القوى الكبرى، أركان التوازن العالمي. فاستعيض عن ذلك بالصراعات الإقليمية المحدودة، حيث يتدخل كل طرف دولي في هذا الصراع، بقصد تحقيق مكاسب إقليمية تزيد رصيده في ميزان القوى العالمي وتحطم معسكر خصمه. فإذا تحققت المكاسب وتعددت في مناطق الصراع، فإن توازن القوى العالمي يتحول نحو الطرف المنتصر، وهو ما حدث أثناء الحرب الباردة وبعدها، في منطقة الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط. ويوجد شروط عدة لهذه العلاقة، وهي:

أ. أهمية الطرف الإقليمي:

من شروط تأثير التوازن الفرعي في التوازن الرئيسي العالمي، أن يكون للطرف الإقليمي أهميته وقدراته العسكرية والاقتصادية والجغرافية، كي يستطيع أداء دوره لحساب القوى العالمية، وليحقق لنفسه مكاسب مهمة علي الصعيد الإقليمي. ففي كل توازن محلي يظهر عدد من الأطراف، لكنها ليست على المستوي نفسه من الأهمية والقدرة. فبعضها لا يستطيع تجاوز الدور المحلي والاحتماء بالقوي المحلية، لأن قدراته العسكرية أو الاقتصادية لا تمكنه من أداء دور قيادي. ففي التوازن الإقليمي الآسيوي مثلاً، لا تستطيع دول مثل سنغافورة، أو لاوس .. القيام بدور جوهري، لأنها ذات قدرات محدودة لا تمكنها من خوض الصراع المستمر.

ب. إدراك القطب الدولي لأهمية توازن القوى الإقليمي:

تشارك الأقطاب الدولية في الصراعات الإقليمية، من أجل زيادة مكاسبها ودعم مكانتها في توازن القوى العالمي. وهي لا تخوض هذا الصراع، إلا إذا أدركت أهمية الصراع المحلي، ووجدت الطرف الإقليمي المناسب، الذي يجب دعمه، والاستفادة من دوره. وعلى الطرف الدولي، بناء استراتيجية واضحة لضمان تفوق الطرف الإقليمي في الصراع. ويُعَدّ الصراع العربي ـ الإسرائيلي، وحرب تحرير الكويت مثالين لإبرار مسألة إدراك الطرف الدولي لأهمية الصراع الإقليمي وقدرة أطرافه.

ج. وجود مصالح مشتركة بين الطرفين الدولي والإقليمي:

هذه المصالح ذات طابع إستراتيجي، إما عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو تاريخية. فمن دون وجود المصالح، يغدو التحالف بين الطرفين هشاً ومرحلياً، وكلما ارتفع مستوي هذه المصالح، كان التحالف متماسكاً وقوياً.

لذلك فإن التوازن الإقليمي يلعب دوراً أساسياً وفاعلاً في توازن القوى العالمي. فإذا كانت الحرب العالمية الواسعة أصبحت مستبعدة، فإن الحروب القادمة ستأخذ الطابع الإقليمي. حيث تستطيع القوى الكبرى مواجهة بعضها خارج أراضيها ودون خسائر مباشرة تقع على مدنها وسكانها ومواردها. وهي تستطيع عن طريق التوازن الإقليمي تعديل ميزان القوى العالمي لمصلحتها، سواء بالحفاظ عليه، أو تحطيمه. إن هذا هو الدرس المستفاد الذي أفرزته الحرب الباردة، وأحد أهم الدروس من حرب تحرير الكويت، والصراع العربي ـ الإسرائيلي.

رابعاً: المدلولات الرئيسية لميزان القوى:

1. المدلول العلمي لميزان القوى:

ويعني ذلك وصف حالة ميزان القوى، أي توزيع القوة في نسق دولي معين في وقت معين، وهو أيضاً واقع يتسم فيه توزيع القوة بين الدول بالتعادل التقريبي. وفي هذه الحالة، لا توجد دولة لديها القدرة على فرض هيمنتها على باقي الدول. ولذلك، فإن التوازن يحدث، نتيجة انتظام علاقات الدول الأعضاء في المجتمع الدولي. ويشير كل من هارتمان، سبوكمان إلى أن المدلول العلمي لميزان القوى يعني توازن يتحقق بين الدول بصورة عفوية وتلقائية. حيث إنه ليس هدفاً تسعى الدول إلى تحقيقه، وإنما تسعى في الأصل إلى تحقيق هامش من التفوق بمحاولة الإخلال بالاتزان الموجود، ومن ثَم، يتحقق الاتزان، نتيجة محاولة القوى الإخلال به، كُلٍ لصالحه.

2. المدلول النمطي لميزان القوى:

أ. يُعَدّ أكثر المدلولات حدوثاً، ويعني به ميزان القوى السياسية، وله برنامج عمل إرادي تطبقه الدولة في المجال الخارجي، تحقيقاً لهدف معين، أي أنه يرتبط بما يجب أن يكون وليس بما هو قائم فعلاً، لذلك فهو توازن مقصود ومستهدف، وقد أظهر هذا المدلول ما يعرف بسياسات ميزان القوة كأدوات دبلوماسية.

ب. يبقى هذا المدلول على التوازن الدولي، إذ لا تستطيع أي دولة أو أكثر أن تهاجم ما عداها دون أسباب مقبولة.

ج. يُعرف كاسلري ـ أحد وزراء الخارجية البريطانية ـ ميزان القوى بأنه الإبقاء على حالة من الاتزان بين أعضاء الجماعة الدولية، حيث لا تتمكن أي من الدول من زيادة قوتها بدرجة كافية لأن تمكنها من فرض إرادتها على باقي الدول.

د. يرى جينتز أن تحقيق توازن القوى يقتضي الحيلولة دون تمكين أي دولة من أعضاء المجموعة الدولية من زيادة قواها إلى الحد الذي تصبح معه قادرة على إجبار باقي الدول مجتمعة على الامتثال لإرادتها.

هـ. تتنوع سياسات ووسائل وتقنيات تحقيق ميزان القوى من المدلول النمطي أو السياسي كالآتي:

(1) سياسة المؤتمرات: وتعني عقد سلسلة من المؤتمرات بين زعماء أو ممثلي دول مختلفة لتسوية منازعات والاتفاق على مجموعة مبادئ وصور جديدة لتوزيع القوة، وذلك في إطار فكرة الشرعية الدولية، والتي عرفها هنري كيسنجر بأنها لا تعني العدالة أو الحق، وإنما هي اتفاق دولي بشأن طبيعة الترتيبات والقواعد التي تحكم سلوك الدول في علاقاتها المتبادلة.

(2) سياسة فرق تسُد: وتعمل فيها دولة ما على إضعاف الدولة المعادية من طريق: إشاعة الفرقة بينها وبين حلفائها أو الدول الموالية لها، أو محاولة الإبقاء على مجموعة من الكيانات الضعيفة في حالة تفكك وانقسام، أو العمل على تفتيت قوة كبيرة، أو عرقلة قيامها.

(3) سياسات التحالف: وتعني تجمع دولتين أو أكثر لمواجهة قوة أخرى. بمعنى الاتفاق بين دولتين أو أكثر على تدابير معينة للحماية من قوة أخرى تهدد أمن هذه الدول. وتتسم التحالفات عند تعدد القطبية بالمرونة والتبدل، فحليف اليوم عدو الغد. لذلك نجد أن من بين أسس التحالفات أن يُبْقي على الدول المهزومة في حالة من القوة، تحسباً لتبدل موازين القوى الدولية، حين البحث عن حلفاء للغد عند الاختلاف مع حلفاء اليوم.

(4) سياسة حامل الميزان: ويُقصد بها إلقاء ثقل الدولة إلى جانب دولة معرضة للتهديد، هذه الدولة تُعَدّ حاملة للميزان بدلاً من أن تكون إحدى كفتيه، وذلك بسبب أنها على درجة من القوة تمكنها تقرير أو التلويح بانحيازها إلى أي من المحاور المتصارعة، وشروط أن تقوم دولة ما بهذه السياسة وممارسة هذا الدور كالآتي:

(أ) أن تكون الدولة في موقع قوة في المجتمع الدولي، حيث يمكنها التأثير في علاقات القوة.

(ب) ألا يكون لهذه الدولة مصلحة سوى الإبقاء على توازن القوى للدول المتصارعة.

(ج) أن تكون هذه الدولة لديها حرية الحركة وغير مرتبطة بأي من الأطراف المتصارعة.

(5) سياسة التعويضات الإقليمية: وتتم هذه السياسة عادة بعد انتهاء حالات الحروب، ويتم فيها ضم أو تقسيم أقاليم محددة بين الدول المتصارعة، بهدف إعطاء دولة ما اقتطع منها أو حصلت عليه دولة أخرى من قبل، كما أن اقتسام مناطق النفوذ للقوى الكبرى يُعَدّ جزءاً من هذه السياسة.

(6) سياسة المناطق الفاصلة (العازلة): ويُقصد بها إيجاد كيانات ضعيفة ومحايدة بين الدول القوية، بهدف تقليل احتمالات الصدام المباشر. وتستمد الدولة الفاصلة ذات الكيان الضعيف قدرتها على حماية استقلالها، على الرغم من ضعفها، بسبب إدراك الدول القوية أن أي محاولة للسيطرة عليها سيغير ميزان القوى لصالحها. الأمر الذي لن تقبله الدول الكبرى القوية الأخرى. ولكن قد تفشل هذه السياسة، إذا ما اتفق بين الدول الكبرى على اقتسام هذه الكيانات الضعيفة.

(7) سياسة التدخل وعدم التدخل: وهو أسلوب لحماية مصالح الدول المتدخلة. وقد يكون هذا التدخل دفاعياً، من خلال الإبقاء على الأوضاع الراهنة داخل الدولة المعنية. وقد يكون التدخل هجومياً، عند تغيير الوضع القائم داخل دولة ما لعدم ملاءمته للمصالح الخاصة بالدولة أو الدول المتدخلة. وفي هذه الحالة قد يكون التدخل صريحاً بصورة عسكرية، أو مستتراً من طريق العمليات السرية كالاغتيالات أو الانقلابات. وعند تطبيق سياسة عدم التدخل، فإن الهدف يكون للحفاظ على ميزان القوة بالوقوف على الحياد من نزاع معين أو حصر الحروب في نطاق ضيق أو بحماية حقوق المحايدين في زمن الحروب.

(8) سياسات التسلح ونزع السلاح والرقابة على التسلح: بتطبيق سياسة التسلح، تدخل الدول في سباق للتسلح، في محاولة للوصول إلى إحداث تفوق على بعض الدول. وهذه الحالة تحدث عندما لا يكون هناك قياس حقيقي لقوة الدولة الذاتية أو لقوة أعدائها المحتملين. ولكن قد تلجأ بعض الدول إلى نزع السلاح كسياسة لإحداث توازن القوى، إلا أن افتقاد الثقة بين الدول قد تفشل هذا النوع من السياسات. ويوجد أسلوب آخر باتباع سياسة الرقابة على التسلح، من خلال تنظيم التسلح، ووضع قيود على بعض الأنواع من الأسلحة. ونظراً إلى صعوبة عمليات التفتيش والتحقق، فتوضع هذه السياسة في المرتبة نفسها لسياسة نزع السلاح.

(9) سياسة الإثناء: وتتبع هذه السياسة، عندما تسعى دولة ما للإخلال بميزان القوة، فتحاول بعض الدول الكبرى إثناءها عن هذا الإخلال. ويتبع في هذه السياسة أسلوبان للتطبيق هما: دبلوماسية الإثناء أي الإثناء بالإقناع، وإستراتيجية الإثناء أي الإثناء بالإكراه.

(10) سياسة الحرب: وتُعَدّ الحرب أو استخدام القوة العسكرية هي الملاذ الأخير لتحقيق توازن القوى، إذا ما فشلت كل أو بعض السياسات السابقة في تحقيق هذا الهدف.

3. المدلول الأيديولوجي لميزان القوى:

    يذهب المعنى الأيديولوجي إلى وصف السياسات التبريرية والدعائية لدولة ما. فعندما يكون الميزان في صالحها، فإنها تدعي وجود توازن للقوى لتبرير المحافظة عليه. وعندما يكون الأمر عكس ذلك، فإنها تحاول تبرير سياستها الهادفة إلى تعديل الوضع القائم بالادعاء باختلال توازن القوى ووجوب تعديله. فتتخذ الدول، في هذه الحالة، ميزان القوى كسند للدفاع عن صورة معينة، لتوزيع القوة في المجال الدولي، أو التنكر لها على مقتضى مصالحها الوطنية.