إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / نظرية توازن القوى وتوازن المصالح




موقع عسكري بعد قصفه
موقع عسكري قبل قصفه
مبنى التجارة العالمي ينهار
أحداث 11 سبتمبر
مطار عسكري بعد قصفه
مطار عسكري قبل قصفه
انهيار البرج الجنوبي

ميزانية وكالة المخابرات المركزية
ميزانية العمليات المغطاة
هيكل نظام الردع النووي
مكتب مخابرات البحرية
مكتب التحقيقات الفيدرالي
الإنفاق الدفاعي
النسبة المئوية للأفراد
التوازن في الحرب الباردة
التوازن في ظل نظام أحادي القطبية
التوازن في ظل الوفاق الدولي
التحليل الزمني لمسارات الطائرات
تنظيم وكالة مخابرات الطيران
تنظيم وكالة الأمن الداخلي
تنظيم وكالة الأمن القومي
تنظيم وكالة المخابرات المركزية
تنظيم مخابرات الجيش
تنظيم مجتمع المخابرات الأمريكية
تنظيم مكتب المخابرات والأبحاث
تقديرات العمليات المغطاة
عناصر ومكونات أبعاد التوازنات
عناصر قوى الدولة
قوات حلف الناتو
منطقة مركز التجارة العالمي
الهجوم على مركز التجارة
الرحلة الرقم 11
الرحلة الرقم 175
تحليل الهجوم على البنتاجون
بطء الدفاع الجوي
خطوط سير الطائرات
شكل مهاجمة مبنى البنتاجون

الأحلاف العسكرية
الحدود الجغرافية للأحلاف والمعاهدات



الفصل الأول

المبحث السادس

واقع التوازن بين القوى العظمى المؤثرة على العالم

    في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وحتى نهاية الحرب الباردة عام 1991 تلاحقت الأحداث وحدثت متغيرات كثيرة في العالم، بعضها أعطى نوعاً من الاستقرار والسلام والأمن الجماعي، وبعضها قلب موازين القوى رأساً على عقب، وأدخل العالم في صراعات متعددة لا تنتهي، كانت في معظمها عسكرية وأيديولوجية وبعض جوانبها صراعات اقتصادية وسياسية. وقد ساعد على هذه المتغيرات أن العالم، وبعد خروجه من هذه الحرب الكبرى كان يبحث عن ترتيب محدد للأوراق، بل إن كل دولة على قدر ثقلها وقدراتها الشاملة ووزنها وفاعلياتها في أثناء الحرب أرادت أن تضع نفسها في مكانها الصحيح داخل المجموعة الدولية، بحيث يكون لها دور مؤثر في دول العالم يؤمن لها مصالحها وأمنها القومي. وعلى الرغم من خروج اليابان وألمانيا مهزومتين في هذه الحرب، إلا أن إعادة ترتيب الأوراق أعطى لهما وزناً من نوع آخر في الساحة الدولية. وعلى الرغم من أن الاتحاد السوفيتي كان حليفاً في هذه الحرب، إلا أنه سعى بعدها إلى مكانة أعلى من واقع أيديولوجي تنافسي، وهكذا بالنسبة إلى الصين ودول أوروبا وباقي دول العالم. وإذا أردنا أن نحدد أبعاد توازن القوى والمصالح بين القوى العظمى المؤثرة في هذه الفترة من عام 1945 إلى 1972، وهذا التوقيت الذي وُقَع فيه على معاهدة منع استخدام وإنتاج وتخزين الأسلحة البيولوجية، فإننا لا بد وأن نتعرض للدول والمؤثرات والأحداث التي واكبت هذه الفترة وأدت إلى التوازن أو الإخلال به.

    واصطلاح الحرب الباردة صنعه الأسبان في القرن الثالث عشر، لكي يصفوا به تعايشهم القلق مع المسلمين في البحر الأبيض المتوسط. وهذا التعبير له مصطلحات أخرى كثيرة منها: السلام البارد، وشبه الحرب، والسلام القلق، والعلاقات المضطربة، والتنافس الحاد، والتعايش التنافسي، وسباق التسلح. وهو يعني كل هذه التعبيرات في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، خلال فترة الحرب الباردة أو سباق التسلح.

أولاً: ترتيب التوازن بعد الحرب العالمية الثانية: (انظر شكل التوازن في الحرب الباردة)

    ظهر إلى الوجود، بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، نظام عالمي جديد تمثل في القطبية الثنائية Bipolar System، معتمداً على وجود قطبين متفوقين في مراكز القوى المؤثرة في الساحة الدولية. ويحيط بكل قطب قوى عدد من الدول التابعة التي تدور في فلكه، فكان للاتحاد السوفيتي وللولايات المتحدة الأمريكية، دول قسمت العالم إلى قسمين وفقاً لمصالح كل دولة. هذه الدول قبلت طواعية أن يكون لهذين القطبين حق توجيه ورسم السياسات والإستراتيجيات واتخاذ القرارات العامة. وقد حكم الصراع بين القوتين توازن للقوى في إطار عقائدي شديد التصلب والتشدد بما خلقه في ظروف كثيرة من مواقف سياسات متعارضة. فالرأسمالية والتي يتبناها الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية التي ترى أن هذه الأيديولوجية يجب أن تحكم العالم، والشيوعية التي كانت تخطو خطوات واسعة في نشر أيديولوجيتها في العالم تنادي بتحرر دول العالم الثالث من السيطرة الرأسمالية. وفي ظل هذا الصراع، أصبح هناك ضرورة لبناء قوة عسكرية فاعلة تؤثر في نجاح السياسات والإستراتيجيات المتعارضة. وفي إطار التنافس النووي، أصبح العالم يجلس على قنبلة موقوتة، قد تنفجر في أي لحظة مؤدية إلى فناء العالم، الذي لم يكن قد أفاق من آثار الحرب العالمية الثانية.

    في هذا المناخ المشحون بالتفاعلات المتناقضة، فقد العالم نظام الأمن الجماعي الذي تحملت الأمم المتحدة مسؤولية تطبيقه. ولكن في ظل سوء استخدام حق الفيتو، حدث شلل واضح في سلطة مجلس الأمن، وأصبح العالم يحكم من قبل قطبين ثنائيين. وقد أخذ هذا الانقسام شكل تحالفين عسكريين، هما حلف شمال الأطلسي (الناتو) بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وحلف وارسو بزعامة الاتحاد السوفيتي. وهنا، ارتكزت توازنات القوى على وجود هذين الحلفين قائمين طوال فترة الحرب الباردة كأدوات رئيسية تحكم توازن القوى في العالم.

    إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تكتف بهذا التحالف، بل عقدت تحالفات عدة أخرى: فميثاق ريو عام 1947 مع دول أمريكا اللاتينية وضم 22 دولة، وميثاق الأمن  المتبادل مع اليابان عام 1951، ثم الحلف الثلاثي مع أستراليا ونيوزيلندا عام 1951، والمعاهدة الدفاعية مع الفيليبين عام 1951، ومعاهدة الدفاع المتبادل مع كوريا الجنوبية عام 1953، وحلف جنوب شرقي آسيا عام 1954، ومعاهدة الدفاع المتبادل مع فرموزا عام 1954. وقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية تهدف بذلك إلى إثبات أنها قوة أعظم لها مكانتها الدولية في نظام القطبية الثنائية. وكانت المحصلة لهذه التحالفات هي تنظيم استخدام القواعد العسكرية، بموجب تواجد قوات أمريكية على أعلى مستوى في الموانئ والمطارات والقواعد الجوية لهذه الدول، بما يحقق الفتح الإستراتيجي المبكر لقواتها المسلحة لحماية مصالحها في مناطق التحالف، إضافة إلى التواجد في البحار والمحيطات، تأكيداً لنفوذها في مناطق قريبة من مصالحها الإستراتيجية في أماكن متفرقة في العالم.

    وعلى الجانب الآخر، فقد حَوّل الاتحاد السوفيتي اتفاقياته الثنائية إلى شكل موحد من أشكال التحالف، ممثلاً في حلف وارسو، إضافة إلى تحالفها السابق مع الصين عام 1950.

    أصبح الهيكل العام لهذه التحالفات الدولية يضم ستين دولة، فإذا ما قورنت بعدد الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والتي لم تزد عن تسع وخمسين دولة، نجد أن هذه الأحلاف حظيت بثقل أكبر من الأمم المتحدة، إذ أصبحت تتحكم في تثبيت ميزان القوى الذي حاول كل معسكر جعله يميل إلى صالحه، ولذلك نجد أن الصراع ظل مستمراً في المجالات السياسية والعسكرية في إطار تنافر المصالح ومحاولة إثبات المكانة الدولية.

    هذه القطبية الثنائية لم تكن تعني التعادل أو التكافؤ أو التوازن المطلق، لذلك حدث سباق رهيب للتسلح سواء في الأسلحة التقليدية أو الأسلحة النووية. ونتيجة معرفة كل طرف بما لدى الآخر من قدرات تقليدية ونووية، أصبح التوازن محكوماً بفكرة (الردع باليقين)، وظهر ما يسمى (بتوازن الرعب النووي)، وقد مثل ذلك قمة مراحل التوازن بين القطبين، وقمة الخطورة أيضاً.

1. دور الأسلحة النووية في توازن القوى والمصالح فترة الحرب الباردة: (انظر جدول مقارنة الوسائل النووية للولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، بيان التغيير في القوة 1963-1978)

    جاء ظهور الإستراتيجية النووية، نتيجة امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا لقوة نووية في جانب، وعلى الجانب الآخر امتلاك الاتحاد السوفيتي الأسلحة النووية ووسائل نقلها. وقد انقسم التوازن النووي بين القوتين إلى مراحل عدة. ففي المرحلة الأولى وهي مرحلة الاحتكار الأمريكي للأسلحة النووية، والتي استخدمت من عام 1945 إلى عام 1949، تبنت أمريكا تصور التدمير بالضربة الأولى First Strike والتي تطورت بعد ذلك إلى تحقيق التدمير المؤكد بالضربة الثانية Second Strike. تلي ذلك مرحلة التفوق النووي الأمريكي، والذي استمر من عام 1949 إلى عام 1954. ثم مرحلة التكافؤ النووي التقريبي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

    في هذه الفترة، ظهر ما يسمى من وجهة النظر الإستراتيجية كل من الحروب الوقائية Preventive Wars وحروب الإحباط Preemptive وهي الشكل الهجومي للتخطيط في الإستراتيجية النووية. وقد شغلت الفكر الأمريكي الإستراتيجي كأحد أشكال الحرب النووية الهجومية، وكان السبب الرئيسي في ذلك هو حسابات سياسية وعسكرية في مقدمتها:

أ. أن اعتناق مبدأ الردع فقط من أجل ضمان تفادي الحرب عند التخطيط للإستراتيجية العسكرية الأمريكية في مواجهة الاتحاد السوفيتي، كان من المحتمل أن يفشل، وقد يصل إلى مواجهة تسبب كارثة كما حدث في الحروب العالمية الأولى والثانية.

ب. أن القدرة الحقيقة على منع الحرب وليس تفاديها تبني على أساس الاحتفاظ بتفوق عسكري ضخم قادر على المبادأة بالهجوم أو بالعمل من خلال الضربة الأولى.

    إلا أن هذه النظريات الإستراتيجية الأمريكية، والتي ازدهرت في مرحلتي الاحتكار والتفوق النووي الأمريكي، واجهت معارضة شديدة من بعض الجنرالات الأمريكيين، تحت دعوى أن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تكون البادئة بشن حرب عدوانية، تتسم بالتصرف اللا أخلاقي، الذي يتناقض مع قيم المجتمع الأمريكي. ولكن المدافعين عن هذه الإستراتيجية كان في منطقهم أن الاتحاد السوفيتي بامتلاكه قوة نووية قد يبادر باستخدامها، هذا إلى جانب المد الشيوعي في العالم في مواجهة الولايات المتحدة الأمريكية. وهنا برز مفهوم الحرب الوقائية لمواجهة خطرين كبيرين للاتحاد السوفيتي، وكان يعني تبني مفهوم هذه الحرب أن يتم تدمير قوة الخصم قبل أن تكتمل. وبانتهاء الاحتكار الأمريكي النووي عام 1949، ذهب الفكر الأمريكي إلى نظرية حرب الإحباط، التي تقوم على أساس أخلاقي يجد المبرر لشن حرب هجومية، عندما يثبت أن الخصم على وشك شن حرب نووية ضد الولايات المتحدة الأمريكية. إلا أن عملية تفسير نوايا الخصم، كانت من العوامل الصعبة، التي جعلت تطبيق هذا النوع من الحرب من الأمور المتعذر تنفيذها.

2. الرقابة النووية في حلف شمال الأطلسي:

    منذ أوائل الخمسينيات وحتى منتصف الستينيات، ظهرت بعض المشاكل في علاقة الولايات المتحدة الأمريكية بحلفائها الأوروبيين، وكان أعقد هذه المشاكل هي عملية الرقابة النووية في الحلف. ويرجع ذلك إلى عدم صحة القناعة لدى دول أوروبا أن الدفاع عن منطقة الأطلسي هو مسؤولية مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة، وأن أي حرب نووية ضد السوفيت ستشمل كليهما. حيث إن الحقيقة بتركيز استخدام السلاح النووي في يد الرئيس الأمريكي فقط، أقلقت الأوروبيين، وجعلتهم يصعدون هذه المشكلة، في محاولة للمشاركة في سلطة اتخاذ القرار النهائي المتعلق باستخدام هذه الأسلحة.

    وترجع جذور المشكلة إلى عام 1954، عندما تبنى الحلف إستراتيجية استخدام الأسلحة النووية التكنيكية فقط. ولكن نجاح الاتحاد السوفيتي عام 1957. في إطلاق أول صاروخ عابر للقارات أزعج الحلف الأطلسي. وجعل الولايات المتحدة الأمريكية تحصل على موافقة مجلس الحلف بوضع صواريخ في أقاليم حلفائها الأوروبيين تحت سلطة القيادة العليا للحلف في أوروبا، على أن تبقى الرؤوس النووية لهذه الصواريخ في حوزة القوات الأمريكية، وتستخدم بسلطة منفردة من الرئيس الأمريكي طبقاً لقانون الطاقة النووية الذرية الأمريكية، وقد هدفت الولايات المتحدة بذلك إلى تحييد الميزة السوفيتية لهذه الصواريخ.

    نفذت كل من ايطاليا وتركيا نصيبهما في استلام وتركيب الصواريخ على أراضيها، وعارضت فرنسا تركيب هذه الصواريخ طالما لا تخضع لرقابتها. وإزاء هذا الرفض، تقدم الجنرال لوريس نورستاد القائد الأعلى للقوات المتحالفة في أوروبا، في اجتماع المجلس الوزاري للحلف في ديسمبر 1960، باقتراح بإنشاء قوة نووية منفصلة خاضعة للرقابة للحلف. وقد لاقى هذا الاقتراح قبولاً لدى الأعضاء خاصة ألمانيا الغربية. وفي اجتماع آخر للمجلس الوزاري للحلف في أثينا عام 1962، اتفق على بعض الإجراءات الخاصة بالتشاور وتبادل المعلومات لكيفية استخدام الأسلحة النووية الخاضعة للتحكم الأمريكي. وأكدت الولايات المتحدة الأمريكية على أن توفر قواتها النووية الحماية الضرورية لحلفائها الأوروبيين حال تعرضهم لتهديد يفوق قدراتهم منفردين، ولم تقتنع فرنسا بهذه التأكيدات بحيث لم تتخل عن مشروعها الخاص بإنشاء قوة نووية فرنسية مستقلة.

3. وجهة النظر الفرنسية فيما يخص القدرة النووية الوطنية لها:

    بدأت حكومة دي مولييه ببرنامج فرنسي مستقل للتسلح النووي، نتيجة عدم الثقة في استخدام الحماية النووية الأمريكية لحلفائها. وقد أكد ذلك ديجول عام 1958، وأعطى لهذا البرنامج أهمية كبيرة للوصول إلى إنشاء قوة نووية فرنسية مستقلة، وأطلق عليها اصطلاح "القوة الضاربة". وكانت أسبابه في ذلك، أنه في العصر النووي لن تقدم دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية على الدخول في حرب نووية من أجل الدول الأوروبية، وقد تأكدت شكوكه عندما تحولت الإستراتيجية الأمريكية من التلويح "بالانتقام الشامل" إلى "الاستجابة المرنة"، وهي الفترة التي انتهى فيها التفوق النووي للولايات المتحدة الأمريكية، وقد وجهت إلى ديجول انتقادات كثيرة بسبب ذلك الموقف.

    كانت هذه القوة الفرنسية النووية هي السبب الرئيسي وراء تقدم الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع القوة النووية متعددة الأطراف، بهدف إثناء فرنسا عن استكمال مشروعها، إلا أن هذا المقترح تجمد تماماً بسبب إصرار ديجول ومعارضته الشديدة للولايات المتحدة الأمريكية الذي كان يؤمن إيماناً مطلقاً بأهمية هذه القوة النووية الذاتية، وأنه يجب التخطيط على أساس خوض حرب نووية شاملة ضد الاتحاد السوفيتي، وذلك لأن هذه الحرب إذا وقعت بالفعل فلن يستطيع أحد احتواءها.

    تعمق الخلاف بين الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وتطورت هذه الخلافات إلى تكوين محور بون ـ باريس، وعارضت فرنسا دخول المملكة المتحدة إلى السوق الأوروبية المشتركة بسبب تبعيتها للولايات المتحدة ثم قامت فرنسا بإجراء تقارب مع الاتحاد السوفيتي واعترفت بالصين الشيوعية، ثم كان القرار الفرنسي في مارس 1966 بالانسحاب من القيادة العسكرية المشتركة لحلف الأطلسي، ونقل مقر القيادة الأوروبية من باريس إلى بروكسل، وكان ذلك قمة النزعة الاستقلالية الفرنسية عن النفوذ الأمريكي.

    ونتيجة هذه الخلافات، دار في اعتقاد الولايات المتحدة الأمريكية أن انتشار عدوى إنشاء قوات نووية مستقلة لعدد أكبر من داخل دول حلف شمال الأطلسي، سيؤدي بالتبعية إلى انهيار الأساس السياسي والعسكري للتعاون داخل الكتلة الغربية، وهو ما سيؤدي إلى إجبار الولايات المتحدة الأمريكية إلى التخلي عن التزاماتها في الدفاع عن أوروبا الغربية، خشية التورط في حرب نووية ضد إرادتها نتيجة تسبب أي من هذه الدول المنشقة في إشعال نار حرب نووية لا يعرف مداها.

4. السوفيت والحد الأدنى لإستراتيجية نووية:

    توصل الاتحاد السوفيتي إلى أن الحد الأدنى المطلوب لمنع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من إلحاق التدمير بها نتيجة ضربة نووية، أن يتوفر لها سلاح نووي على أساس إلحاق تدمير أكبر بالولايات المتحدة الأمريكية نفسها في الضربة الثانية. وكان ذلك يعني الانتقال من القدرة على الردع إلى القدرة على الدخول في مواجهة نووية شاملة. وهو ما جعل الاتحاد السوفيتي يعيد تصميم إستراتيجيته النووية بتملك صواريخ بعيدة المدى قادرة على الوصول إلى عمق الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تبلورت الإستراتيجية السوفيتية في الآتي:

أ.  أهمية تواجد قوات صواريخ إستراتيجية، حيث إن الشكل الأكثر احتمالاً في الحروب المقبلة هو حرب الصواريخ النووية.

ب. إعطاء القوات البرية اهتماماً أكبر، بتنمية قدرتها على العمل تحت ظروف حرب نووية شاملة، مع زيادة قدرتها النيرانية والنووية التكتيكية.

ج. إن عنصر المفاجأة في الحروب النووية، سواء بالقنابل النووية أو الصواريخ النووية لن ينهي الحرب بصورة سريعة لصالح أحد الطرفين المتصارعين: الاتحاد السوفيتي وحلفائه، والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.

د. أنه لا يمكن الإبقاء على الشكل المحدود للحروب التقليدية الصغيرة في وجود هذا المخزون الهائل للأسلحة النووية والصواريخ عابرة القارات.

هـ. ضرورة دعم القوة البحرية السوفيتية في مواجهة القوة البحرية الأمريكية، والتي لم تكن في الماضي تشكل تحدياً لتفوق الغرب، حيث كانت السيطرة البحرية الغربية مطلقة في بحار العالم ومحيطاته، وعَدّ السوفيت ذلك إضافة إلى قوتها النووية ونظم الحمل لها.

5. الرؤية الصينية للسلاح النووي وإستراتيجيها تجاهه:  (انظر جدول مفاعلات القوى في الدول النامية) 

    بما إننا في إطار الحرب الباردة فلا يمكن إغفال دور الصين في القوة النووية الموجودة في الساحة العالمية خلال هذه الحقبة الزمنية. وكما أن فرنسا كانت لها رؤيتها بالنسبة للسلاح النووي وتوجهها نحو الاستقلالية عن التجمع النووي لحلف شمال الأطلسي، فإن الصين أيضا كان لها رؤيتها وتوجهها الاستقلالي بالنسبة لهذا السلاح الخطير. وتنبع الأهمية الخاصة للإستراتيجية الصينية للأسلحة النووية، من أنها واحدة من ثلاث قوى نووية في العالم، وهذا يمثل تأثيراً على التوازن الإستراتيجي بين القطبين الكبيرين، وهو ما أشير إليه كثيراً أنه يرتكز على مبدأ الردع النووي المتبادل، أو ردع الرعب النووي.

    كان الدافع من امتلاك الصين لهذه القوة النووية هو تعزيز مقدرتها السياسية في مواجهة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية، فكلاهما لهما صراعاتهما معها وإن اختلف شكل هذه الصراعات، وإضافة إلى ذلك، فهو قد يدعم مركزها في القارة الآسيوية، وقد تبلورت هذه الإستراتيجية الصينية تجاه الأسلحة الذرية في الآتي:      

أ.  حماية الأمن القومي الصيني من الأخطار والتهديدات المحيطة خاصة الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية.

ب. تحقيق مكانة للصين في المجتمع الدولي تمكنها من استعادة الأقاليم التي فقدتها.

ج. السعي إلى تحقيق زعامة للعالم وهو هدف نهائي وبعيد ويستلزم تقليص القوة النووية الأمريكية والسوفيتية والتفوق عليهما.

6. الهيكل العام لنظام الردع النووي للقطبين: (انظر شكل هيكل نظام الردع النووي)

أ. عناصر النظام:

(1) عبوات ذرية في قنابل أو رؤوس نووية يمكن تركيبها على الصواريخ الحاملة لها إلى أهدافها، هذه الصواريخ تُحمل وتُنقل من خلال وسائل متعددة.

(2) غواصات إستراتيجية مزودة بمنصات إطلاق رؤوس نووية لصواريخ متوسطة المدى.

(3) قاذفات إستراتيجية لتوصيل الرؤوس النووية إلى أهدافها.

(4) قواعد صواريخ سواء الصواريخ النووية أو المضادة لها، وقد تكون على منصات متحركة.

ب. نظام القيادة والتحكم Command and Control System

وهي مجموعة من الوسائل الفنية ذات التكنولوجيا المتقدمة لجمع المعلومات بشأن نظام الردع النووي للخصم وإعطاء الإنذار المبكر، سواء البعيد والمتوسط والقريب، مع رصد أي تعديلات في النظام النووي للخصم وتسجيل أي تجارب له.

ج. النظام الأمريكي للسلاح النووي:

(1) القيادة العليا: ومقرها البنتاجون يقودها رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بحكم سلطاته الدستورية كقائد أعلى للقوات المسلحة ومنه يصدر الأمر بالضربة النووية.

(2) قيادة الدفاع الجوي لأمريكا الشمالية: أعلى قيادة للدفاع الجوي الأمريكي وتصب فيها المعلومات الخاصة بالإنذار المبكر بالهجوم النووي، وتتصل مباشرة بالبيت الأبيض والقيادة العليا الأمريكية، وتتكون من مجموعة قيادات فرعية في البر والبحر والجو داخل وخارج الولايات المتحدة، وتُعَدّ أهم حلقة في نظام القيادة والتحكم للقوة النووية الأمريكية.

(3) نظام القيادة والسيطرة: وهو شبكة متنوعة من الاتصالات والمواصلات المنتشرة في أنحاء العالم، تستخدم عشرات الأقمار الصناعية وعشرات محطات الرادار ومحطات استقبال معلومات وصور الأقمار الصناعية، التي يتم إرسالها إلى غرف العمليات والقيادات في شبكة حلف شمال الأطلسي والدول الحليفة الأخرى والمخابرات المركزية، لتبادل المعلومات عن الإنذار بهجوم نووي.

(4) نظام القيادة العسكري القومي: شبكة داخل الولايات المتحدة الأمريكية تربط بين القيادة السياسية والقيادة العسكرية والمخابرات المركزية والقوات الضاربة للروع النووي، إضافة إلى قوات الطوارئ والأزمات.

(5) مركز القيادة العسكري القومي: ومقره في وزارة الدفاع بالبنتاجون ويختص بإدارة العمليات العسكرية في المهام الإستراتيجية النووية، وبه نهاية الخط الساخن مع موسكو ويوجد له مركز تبادلي في ولاية ميرلاند بفورت ريشيه.

(6) مركز القيادة الممول جوا للطوارئ: وهو مجموعة من طائرات الاستطلاع والمعلومات، توضع في مظلة جوية دائمة حول واشنطن، للإنذار عن اختراق الصواريخ النووية المعادية كإجراء وقائي لفشل النظم الأخرى.

(7) نظام التحكم في تنفيذ الأوامر بضربة نووية: وقد وضع هذا النظام، لضمان سلامة وصول الأوامر الصحيحة إلى قائد وحدة الإطلاق وتفادي حدوث أخطاء في التنفيذ.

(8) أنظمة المعاونة والإنذار المساعدة: وتتكون من نظام دقيق لجمع المعلومات ونظام للإنذار المبكر البعيد باستخدام الأقمار الصناعية ونظام للإنذار بالرادارات ونظام الكشف النووي، وهذا النظام الأخير خاص بجمع المعلومات عن أي تفجير نووي في العالم.

د. النظام السوفيتي للسلاح النووي:

(1) المكتب السياسي للحزب الشيوعي: يُعَدّ أعلى سلطة في الدولة، ويتكون من 16 عضواً من كبار القادة المدنيين والعسكريين، ورئيس الدولة هو القائد الأعلى للقوات المسلحة والمنوط به إصدار الأمر بالضربة النووية بعد موافقة مستشاريه.

(2) القيادة العليا العسكرية: أعلى سلطة عسكرية في الاتحاد السوفيتي تتبعها قوة الردع النووي، ويتكون من مجلس الدفاع الأعلى والمجلس العسكري العام.

(3) نظم للإنذار المبكر عن الهجوم النووي: ويتكون من نظم إنذار بواسطة الأقمار الصناعية، ثم نظم إنذار بالرادارات، وهي مكونة من اثني عشر محطة ضخمة موزعة حول الاتحاد السوفيتي، ثم منظومة أخرى مكونة من 75 مركزاً فرعياً توضع في دائرة قطرها 80 ميلاً حول موسكو، بعضها مجهز تحت الأرض لتحمل الضربات النووية، يلي ذلك أسطول من طائرات الإنذار. وبصفة عامة، فإن النظام الأمريكي يُعَدّ متقدماً عن نظيرة السوفيتي، ومن ثَم، نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية يتوفر لها نظام إنذار يعطيها ميزة توجيه الضربة النووية الأولى.

ثانياً: نهاية الحرب الباردة وبداية البحث عن الوفاق:

    بوصول خورشوف إلى زعامة الاتحاد السوفيتي في منتصف الخمسينيات، تبلور التصور السوفيتي أنه إذا ما نشبت حرب نووية بين القوتين، فإنها ستنتهي بتدميرها نهائياً تدميراً شاملاً وهو ما يعني للعالم كارثة محققة. وكانت هذه النظرة الجديدة هي الأساس في التحول إلى نظرية التعايش السلمي بحيث تتجنب المواجهة المسلحة بالحرب نتيجة التناقضات والاختلافات بين الأنظمة السياسية والاجتماعية المختلفة. وقد كان مدخل التعايش السلمي الذي نادى به خروشوف هو مدخل طريق ثالث، اعتُرف به في العلاقات الدولية، وسُمي بالحياد والذي ظهر إلى السطح عندما نمت العلاقات بين الاتحاد السوفيتي ودول العالم الثالث في أفريقيا وآسيا، وهو ما قفز بالعالم إلى مجال جديد لتوازن القوى تدخل فيه الإقليمية طرفاً مع القوى العالمية، وقد ترتب على ذلك الآتي:

1. لم تعد المواجهة بين الكتلتين ترتكز بصورة أساسية على أدوات العنف والصراع المسلح، بقدر ما أصبحت أدوات التنافس السلمي في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية هي المرتكز الأساسي في هذه المواجهة.

2. أضعفت السياسة الجديدة من مبررات استخدام الحرب كمبدأ حتمي للصراع، وهو ما كان يحكم طبيعة العلاقات بين الكتلتين، بحيث بدأت دول كثيرة تراجع سياساتها تجاه التكتلات والأحلاف والانطواء تحت السيطرة لأي من الكتلتين، وهذا هو السبب الرئيسي في فشل الأحلاف الغربية التي أقيمت في منطقتي الشرق الأوسط وجنوب شرقي آسيا.

3. انعكست هذه السياسات للتعايش السلمي على إمكانية عقد لقاءات قمة بين زعماء العالم الشيوعي والرأسمالي للتباحث بشأن المشكلات الدولية العامة وقضايا السلم الدولي وما يتعلق بالتعاون الاقتصادي والفني والتكنولوجي. وقد صاحب هذا التوجه خفض في حدة الحرب الدعائية وعمليات التشهير السياسي المتبادل بين الطرفين، كل هذا أدى إلى فتح الطريق نحو السير في اتجاه الانفراج الدولي والوفاق الدولي والذي كان من نتائجه الإيجابية الآتي:

أ. زوال غيوم الحرب الباردة وهبوط حدة الصراعات الأيديولوجية العقائدية.

ب. ارتكاز النظام الدولي على عدد أكبر من مراكز اتخاذ القرارات، وهو ما أدى إلى تخفيف درجة الهيمنة وأصبح للدول الصغرى (دول العالم الثالث) صوت مسموع في المنظمات الدولية.

ج. عدم الاعتماد على الإمكانيات النووية للقوى العظمى في إحداث التأثير السياسي والدبلوماسي من خلال ممارسة الضغوط المدعومة بالقوة النووية.

د. تقليل أهمية الأحلاف والتكتلات والقواعد العسكرية حتى إن الولايات المتحدة الأمريكية قامت بتصفية عدد من قواعدها العسكرية وركزت اهتمامها فقط بحلف الناتو.

هـ. دخلت الصين مشاركة فعالة في النظام الدولي مع زيادة الفرصة لحوار أمريكي صيني.

ز. حرص القوتين العظميين على اتخاذ تدابير وإجراءات لوقف عملية الانتشار النووي ودخول أعضاء جدد في النادي النووي، مع تجنب حدوث حرب نووية والبدء في مباحثات الحد من الأسلحة الإستراتيجية النووية، ودعم عقد مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، والبدء في مباحثات الخفض المتبادل والمتوازن للقوات في منطقة وسط آسيا، مع تعاظم دور الأمم المتحدة في اتخاذ الخطوات اللازمة لحفظ السلام في مناطق التوتر من العالم.

4. العالم الثالث جزء كبير من أسباب التحول: 

أ.  تراجع تأثير الحرب الباردة بعد امتلاك القوتين الأسلحة النووية، هذه الحرب التي كانت السبب الرئيسي في سباق التسلح وتأسيس الأحلاف. وفي هذا المناخ، ظهر العالم الثالث ليصبح هدفاً لامتداد القوتين أيديولوجياً ومسرحاً لهم في الوقت ذاته. وفي هذا الإطار، أصبح عالم الشرق الأوسط والمحيط الهندي نقطة الارتكاز لهذا العالم الثالث "الأفرو آسيوي".

ب. الولايات المتحدة الأمريكية لها هدف إستراتيجي في عالم المحيط الهندي والشرق الأوسط، وهو البترول وقوة الثروة العالمية السائلة، مع إبعاد السوفيت عن رأس الجسر في المواصلات البحرية بين آسيا وأفريقيا. وكان السبيل لذلك هو تأسيس صلات سياسية حسنة مع دول هذا العالم للحفاظ على مصالحها القومية في هذا الاتجاه، واتباع سياسة التوازن في حروب الوفرة الاقتصادية ومنع موسكو من أخذ زمام المبادرة في التدخل في هذا العالم الجديد.

ج. أما المصالح القومية السوفيتية، فسوف تدفعه لإبعاد النفوذ الأمريكي إن أمكن، والانفراد بالتعامل مع هذا العالم الجديد الذي سوف يربط مصالحها في آسيا وأفريقيا براً وبحراً وجواً، وهو جوهر السياسة السوفيتية، من حيث إن هذا العالم الجديد هو الطريق إلى البحار الدافئة المفتوحة والشواطئ الآمنة، وهي في الوقت نفسه أقرب منطقة إلى شرق الاتحاد السوفيتي. وكان اندفاع السوفيت في انتهاج السياسة الستالينية باحتلال أفغانستان سبباً أساسياً في اندفاع الولايات المتحدة الأمريكية نحو هذا العالم.

5. بادرة الأمل في الطريق إلى الوفاق:

أ. لم يكن ظهور العالم الثالث سوى فرصة لتهدئة الصراع القائم بين القطبين العظميين ومنطقة جذب لنفوذ كل منهما، ومن ثَم، كان له دور كبير في تعديل الصراع الدائر بينهما، والذي تحول إلى خطوات لفض الاشتباك. وأولى هذه الخطوات، كانت مقترح أندريه جروميكو في مارس 1956، والذي دعا فيه إلى إنشاء منطقة محدودة التسليح وسط أوروبا، على أن يحظر فيها السلاح النووي. ثم تقدم وزير خارجية بولندا في أكتوبر 1957، إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، بمقترح عُرف بمشروع "راباكي"، وهو يدعو إلى نزع الأسلحة النووية من ألمانيا وبولندا وتشيكوسلوفاكيا، في مقابل ضمان أمن هذه الدول ضد مخاطر الحرب الذرية ـ وقد وافق الاتحاد السوفيتي على هذا المقترح، وأضاف مطلب إعلان البحر الأبيض المتوسط بأكمله منطقة خالية من الأسلحة النووية، على أن تُقام مثل هذه المناطق في كل من شمال أوروبا والبلقان والمحيط الهندي وأفريقيا والشرق الأقصى والأدنى.

ب. وقد تعددت الدعوات السوفيتية في هذا الاتجاه، إلى أن ظهر إحداها في تقرير "هارمل الشهير" عام 1967، وهذا التقرير أُعد بواسطة لجنة خاصة في حلف شمال الأطلسي. ومنذ هذا التوقيت، اتفق الطرفان: الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، على الدخول في مباحثات  الخفض المتبادل والمتوازن للقوات في أوروبا.

ج. بعد ما حققه الاتحاد السوفيتي من انتصارات في مجال إطلاق الصواريخ عابرة القارات ونجاحها في إجراء سلسلة من التجارب للتفجيرات النووية، أعلنت دعوة من إحدى الدعوات السوفيتية في صورة مقترح تقدم به الرئيس السوفيتي خروشوف، منادياً بالنزع الشامل والكامل للأسلحة النووية. وقد أعلن هذا المقترح رسمياً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد كان خروشوف يتمتع بقناعة تامة بما نادى به، كما أعلن في خطاب له أمام مجلس السوفيت الأعلى قائلاً: "في ظل علاقات القوى الراهنة في المجتمع الدولي لا يستطيع أي إنسان متمالك لتمييزه ولعقله إلا أن يعترف بأن التعايش السلمي هو الوسيلة الواقعية الوحيدة. إن حرباً نووية لن يفلت من دمارها أحد، ولسوف تتسبب للجنس الإنساني بكارثة".

د. كان ذلك حافزاً نحو اتفاق مع الدول الغربية لإنشاء لجنة لنزع السلاح تضم عشرة أعضاء. ضمت من الجانب السوفيتي كل من: الاتحاد السوفيتي، وبلغاريا، وتشيكوسلوفاكيا، وبولندا، ورومانيا. وضمت الكتلة الغربية: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وكندا. إلا أن إسقاط طائرة التجسس الأمريكية فوق الأراضي السوفيتية نسفت كل هذه الجهود، وفتحت مجالاً جديداً لتبادل حملات الهجوم الدعائية، وبذلك ازدادت الفجوة مرة أخرى بين مواقف الطرفين، ما دفع بالاتحاد السوفيتي إلى استئناف تجاربه النووية، وتبعته الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال.

هـ. ولم يوقف هذا السباق الذي كان يتقهقر بالعلاقات بين القطبين، إلا مباحثات ثلاثية بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وبريطانيا، لمناقشة حظر إجراء التجارب النووية، إلى أن تم وُقِعت اتفاقية لحظر التفجيرات النووية في الفضاء الخارجي وتحت الماء، مع السماح باستمرار هذه التفجيرات تحت سطح الأرض. وقد وقعت هذه الاتفاقية في أغسطس 1963. وبنهاية هذا العام، وصل عدد الموقعين عليها 113 دولة، وبمقتضاها أُوقف حوالي 336 تفجيراً نووياً. وفي عام 1968، وُقِعت معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والتي يبدأ سريانها من مارس 1970. وقد وصلت إلى الشكل النهائي للحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996 (انظر ملحق الدول الموقعة والمصادقة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية حتى غاية أغسطس 1999).

د. وقد انتهت هذه الفترة للحرب الباردة باهتمام الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، بالكيفية التي يمكن بها تفادي حدوث مواجهات نووية بينهما. وقد أمكن لها عقد اتفاقيتين مهمتين، الأولى وقع عليها وزيرا خارجية الدولتين في أكتوبر 1971 للحد من حظر اندلاع حرب نووية، والثانية وُقعت من الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون والزعيم السوفيتي ليونيد بريجينف في 22 يونيه 1973، وقد عرفت باتفاقية منع نشوب الحرب النووية. وهذا التاريخ يُعَدّ بداية الوفاق الحقيقي بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي وانتهاء مسافة كبيرة من الحرب الباردة بينهما.