إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة عام 1958، في العراق




نوري السعيد
الملك فيصل الأول
الرئيس عبدالسلام عارف
الرئيس عبدالكريم قاسم
عبدالإله بن علي





الفصل الأول

ملامح الحكم في العراق في الفترة ما بين "1920 ـ 1958"

      لم تستقر أركان النظام في المملكة العراقية، في أي وقت من الأوقات، خلال تلك المرحلة، وانعكس ذلك على الكم الهائل من الوزارات، التي تولت الحكم في تلك المرحلة، حتى إن بعضها استمر في الحكم لعدة أيام لا تزيد على عدد أصابع اليدين. ولعل الإحصاءات التالية تبين حجم الفوضى السياسية التي عاشها العراق طوال 38 عاماً من تاريخه:

  1. عدد الوزارات التي تشكلت (59) وزارة. شارك فيها (157) وزيراً، ورأس هذه الوزارات (21) رئيساً للوزراء، وكانت أقصى فترة زمنية لبقاء الوزارة لا تزيد على سنتين. أمَّا أقصرها عمراً فكانت (11) يوماً فقط. (وزارة جميل المدفعي الثالثة، 4 ـ 15 مارس 1935).
  2. رأس نوري السعيد أربع عشرة وزارة، وجميل المدفعي سبع وزارات، وكل من عبدالمحسن السعدون ورشيد عالي الكيلاني، أربع وزارات، وكل من عبدالرحمن النقيب، وتوفيق السويدي، وعلي جودت الأيوبي، ثلاث وزارات، وكل من جعفر العسكري وياسين الهاشمي، وحمدي الباجهجي، وأرشد العمري، وفاضل الجمالي، وزارتين.
  3. تألف في الفترة نفسها (16) مجلسًا نيابيًّا، لم تستكمل جميعها مدتها التشريعية، عدا مجلس واحد.
  4. أُعلنت الأحكام العرفية ست عشرة مرة خلال هذه الفترة.
  5. تولى ثلاثة ملوك ووصي على العرش مملكة العراق، خلال تلك الفترة، وهم:

أ. الملك فيصل الأول "بن الحسين": من 23 أغسطس 1921 إلى 7 سبتمبر 1933، وقد تُوفي في سويسرا التي كان يعالج فيها في ذلك الوقت.

ب. الملك غازي بن فيصل: تولى الحكم، عقب وفاة والده، ولكنه قُتِل في حادث سيارة في 3 أبريل 1939 (ويعتقد أن هذا الحادث كان مدبراً؛ نظراً للقلاقل الشديدة التي واكبت فترة حكمه).

ج. تولى الأمير عبدالإله وصاية العرش، لحين بلوغ ابن شقيقته، الملك فيصل الثاني، السن القانونية.

د. تولى الملك فيصل الثاني الحكم، في أواسط الخمسينيات، إلى أن قُتِل في ثورة 14 (تموز) يوليه 1958.

النظام السياسي في العراق

      بدأت التنظيمات السياسية العراقية بعد الحرب العالمية الأولى. وكان تأثير الاحتلال الإنجليزي للعراق، من الأسباب الرئيسية لوجود تلك التنظيمات، التي تحولت إلى أحزاب بعد ذلك، والتي كان منها ما يهدف إلى تحقيق الأماني الوطنية، ومنها ما كان يتحالف مع الإنجليز، ومنها ما كان يهدف إلى تحقيق مصالح شخصية أو قبلية. وقد شهدت تلك المرحلة العديد من الأحداث، التي أوقفت إنشاء أحزاب جديدة، وفترات تشكلت فيها الأحزاب بالجملة، كما كان لبعض الأحزاب دور رئيسي في الحياة العامة، بينما لم يكن للبعض الآخر أي دور سياسي. وقد صاحب إنشاء الأحزاب، ووجود الوزارات المتعاقبة، تشكيل المجلس التأسيسي (البرلمان)، عندما صدر المرسوم الملكي في 19 أكتوبر 1922، بتأليف المجلس التأسيسي ليقرر: دستور المملكة، وقانون انتخاب مجلس النواب، والمعاهدة العراقية ـ البريطانية، وهي المعاهدة البريطانية العراقية الأولى، والتي نصت على:

  1. تعهد ملك بريطانيا بتقديم المشورة والمساعدة لملك العراق وشعبها.
  2. تعهد ملك العراق، بألاّ يعيَّن، خلال مدة المعاهدة، موظفًا في العراق، من تابعية غير عراقية، دون موافقة ملك بريطانيا.
  3. تعهد ملك بريطانيا بالسعي لإدخال العراق في عضوية عصبة الأمم، في أقرب وقت ممكن.
  4. تعهد ملك بريطانيا بتقديم المساعدات لقوات ملك العراق.
  5. تعهد ملك العراق بقبول توصيات ملك بريطانيا، وتنفيذها، في أمور العدل، وضمان مصالح الأجانب.
  6. تسري هذه المعاهدة، بعد التوقيع عليها من الطرفين، لمدة عشرين عاماً.

      وقد وقعها برسي كوكس، المندوب السامي في العراق، وعبدالرحمن النقيب، رئيس وزراء العراق.

      ولكن قطاعات كبيرة عارضت فكرة المجلس، ودعت المعارضة، من خلال الصحف والاجتماعات، إلى مقاطعة الانتخابات، وصدرت بعض الفتاوى تحرم المشاركة فيها، ما لم تستجب الحكومة، وتطلق حرية المطبوعات والاجتماعات وإنشاء الجمعيات. ومن ثم تأجلت الانتخابات، واستقالت الوزارة، وتألفت وزارة جديدة، أعلنت الاستجابة لمطالب الشعب، وأُجريت الانتخابات البرلمانية، في فبراير 1924، وافتتح المجلس الأول في مارس 1924.

الأحزاب العراقية

1. الحزب الوطني الديموقراطي العراقي

أُسـس في 2 أغسطس 1922، برئاسـة جعفر أبو التمّن، وهو يُعد استمراراً لجمعية "حرس الاستقلال"، التي رفعت شعار الاستقلال التام للعراق، والنضال المستمر من أجل تحقيقه، ومؤازرة حكومته الملكية الدستورية، ورفض التفريق بين أفراد الشعب، باسم الدين أو الجنس.

2. حزب النهضة العراقية

أُسس في 19 أغسطس 1922، برئاسة أمين الجرجفجي، ويدعو إلى الاستقلال، في ظل حكومة عربية ملكية دستورية ديموقراطية، تعمل على إقامة وحدة وطنية عراقية.

وجدير بالذكر أن الحزبين، سابقي الذكر، قررا توحيد مساعيهما، ورفعا مذكرة إلى الملك، يطالبان فيها بإيقاف التدخل البريطاني في شؤون البلاد. وفي يوم ذكرى التتويج 23 أغسطس 1922، أصيب الملك بالتهاب الزائدة الدودية، وأجريت له عملية، وتولى برسي كوكس، المندوب السامي البريطاني، إدارة البلاد، فأغلق الحزبين المذكورين، ونفى قادتهما إلى جزيرة هنجام في الخليج العربي.

3. الحزب الحرّ العراقي "حزب الأحرار"

أُسس في 3 سبتمبر 1922، برئاسة محمود النقيب (ابن رئيس الوزراء وقتها، عبدالرحمن النقيب)، وقد أيد الحزب عقد معاهدة التحالف مع بريطانيا، وأصدر جريدة باسم "العاصمة".

4. حزب الأمة

أُسس في 19 أغسطس 1924، وأبرز قادته ناجي السويدي، وطالب بالإسراع في وضع دستور البلاد، وإجراء انتخابات نيابية، ولكنه لم يلعب دوراً أساسياًّ في حياة العراق السياسية.

5. حزب الاستقلال الوطني

أُسس في الموصل، في الأول من سبتمبر 1924، ودعا إلى تقوية العلاقات الودية بين العراق وبريطانيا. وناضل من أجل ضم ولاية الموصل التي كانت تطالب بها تركيا، إلى العراق، ولعب دوراً مؤثراً عند وصول لجنة التحقيق التي أرسلتها عصبة الأمم لهذا الغرض. وأصدر جريدة باسم "فتى العراق".

6. جمعية الدفاع الوطني عن ولاية الموصل

أُسست في 26 نوفمبر 1925، في الموصل بمساعدة حزب الاستقلال الوطني العراقي في الموصل.

7. الحزب الوطني العراقي بالموصل

أُسس في الموصل في أوائل عام 1925، ودعا إلى الوحدة الوطنية العراقية، واستقلال العراق.

8. حزب التقدم

أُسس في نوفمبر عام 1925، برئاسة عبدالمحسن السعدون، ويُعد أول حزب نيابي حكومي، وتتلخص أهدافه في السعي إلى تطبيق المعاهدة العراقية ـ البريطانية، وإجراء التعديلات عليها، والعمل على إدخال العراق عصبة الأمم، والعمل على جعل التعليم الابتدائي إلزاميًّا. وأصدر الحزب جريدة اللواء، ثم جريدة التقدم.

9. حزب الشعب

أُسس في 20 نوفمبر 1925، برئاسة ياسين الهاشمي، وتتلخص أهدافه في تأمين استقلال العراق، وتطوير القوى الوطنية، وإدخال العراق عصبة الأمم، وقد أصدر الحزب جريدته "نداء الشعب".

10. حزب العهد العراقي

تألف في 14 أكتوبر 1930، برئاسة نوري السعيد، وكان حزباً حكومياًّ مؤيداً لسياسة التحالف مع بريطانيا. وكان ينادي بتنمية العراق، وتنظيم الإدارة، والاقتصاد، والمعارف، والجيش.

وفي عهد هذا الحزب تم إبرام المعاهدة العراقية ـ البريطانية عام 1930. وقد أصدر جريدة "صدى العهد".

11. حزب الإخاء الوطني

أُسس في 25 فبراير 1930، برئاسة ياسين الهاشمي، ومن أبرز رجاله رشيد عالي الكيلاني، وحكمت سليمان. كان ينادي بتحقيق الاستقلال، وإرساء الوحدة الوطنية، وحماية الصناعة الوطنية، واستثمار موارد العراق لخير أبنائه.

عارض هذا الحزب معاهدة 1930، ووصفها بأنها فاسدة جائرة، وطالب بحل مجلس النواب الذي أقرها. وأصدر صحيفة أسماها "جريدة البلاد"، وصحيفة أخرى أسماها "جريدة الإخاء الوطني"، وكانت كل من جرائد "الجهاد"، و"العراق"، و"الشعب"، و"الأخبار"، و"نداء الشعب"، و"الزمان" تعبر عن هذا الحزب وآرائه.

12. حزب الاتحاد الدستوري

أُسس في 21 نوفمبر 1949، برئاسة نوري السعيد، وتعمد أن يضم عناصر من معظم الأحزاب العراقية إليه، حتى يستقطب ولاء الأحزاب والشعب العراقي لصالحه. وأصدر الحزب جريدته "الاتحاد الدستوري".

13. حزب الإصلاح

أُسس في عام 1949، برئاسة سامي شوكت، أحد المقربين لنوري السعيد، وأصدر جريدته، "الإصلاح".

14. نادي البعث العربي

أُسس في مارس 1950، ولم يكن حزباً، ولكنه كان بداية لحركة البعث في هذه المنطقة والتي بدأت من سورية.

15. حزب البعث العربي الاشتراكي

أُسس كتنظيم سري في بداية عام 1950، وهو الوجه الآخر، لنادي البعث العربي، وكان الهدف من هذا الحزب استقطاب الشباب والشخصيات العراقية للانضمام إليه، ولم يستمر خارج الأضواء إلاّ فترة بسيطة؛ ثم تصاعد نشاطه اعتباراً من انتفاضة يوليه 1952.

16. حزب الجبهة الشعبية المتحدة

أُسس في مارس 1950، وهو حزب اشتراكي.

17.حزب الإصلاح

أُسس عام 1950، وهو حزب يميني.

18. حزب الاتحاد الدستوري

أُسس عام 1950، وهو حزب يميني.

19. حزب الأمة الاشتراكي

أُسس عام 1950، وهو حزب يميني معارض.

20. المنظمات والأحزاب الكردية

أ. منظمة الأمل "هيوا

أُسست عام 1935، وهي أولى المنظمات الكردية، وكان لها اتجاهات يسارية.

ب. الحزب القومي الكردستاني

أُسس عام 1939، من أعضاء منظمة "هيوا" أنفسهم، برئاسة رفيق حلمي، وأصدر صحيفة "الحرية"، وكان برنامجه يتحدد في الاستقلال الذاتي للأكراد.

ج. الحزب الشيوعي الكردي "شورش

أُسس في خريف عام 1945، من معظم عناصر الحزب القومي، بدعم من الاتحاد السوفيتي.

د. حزب الحرية

تأسس عام 1945، وهو بداية عمل التنظيم الحزبي للملا مصطفى البرزاني. وضم أعضاء عاملين في الجيش، وأعضاء من المهنيين.

هـ. جبهة تحرير الأكراد "روزكاري"

تأسست عام 1945، بهدف توحيد جهود الجبهة الكردية لمواجهة التغيرات التي أعقبت الحرب العالمية الثانية.

و. الحزب الديموقراطي الكردستاني "البارتي"

خُطط لإنشائه في نوفمبر 1945، ثم أُسس رسمياًّ في بداية عام 1946، بقيادة الملا مصطفى البرزاني. وهذا الحزب هو أهم الأحزاب الكردية على الإطلاق، ومازال له دور رئيسي حتى الآن.

21. الحزب الشيوعي العراقي

وهو من الأحزاب السرية، التي لها تأثيرات واضحة على الساحة العراقية، ولم يكن للحزب الشيوعي العراقي صفة دستورية، ولكنه كان تنظيمًا موجودًا في الشارع العراقي، ويتلقى أوامره من الاتحاد السوفيتي. وظهر على الساحة بوصول عبدالكريم قاسم إلى الحكم، وسارع بإرسال برقية تأييد ومناصرة للثورة يوم قيامها، في 14 (تموز) يوليه 1958. ثم كان له دور رئيسي في الحياة السياسية، إبان حكم عبدالكريم قاسم.

22. حزب البعث الاشتراكي

تأسس عام 1950، وبدأ نشاطاته عام 1952 سرًّا، ظل على الساحة العراقية، فرعاً من الفروع التي تنتشر في سورية، ومناطق أخرى من العالم العربي. ومع ثورة 14 يوليه 1958، بدأ نشاط الحزب في الظهور بعد أن كان له يد في قيامها، ولكن سرعان ما تحالف مع القوميين العراقيين للإطاحة بعبدالكريم قاسم، وخططوا لاغتياله في 7 أكتوبر 1959، إذ أصيب، فعلاً، واضطر للسفر إلى موسكو للعلاج، وكان من بين من نفذوا عملية الاغتيال الشاب صدام حسين ، البالغ من العمر وقتها، نحو اثنين وعشرين عاماً، والذي نجح في الهرب من مسرح الأحداث، بعد وقوع المحاولة مباشرة، وحُكم عليه (غيابياًّ مع رفيقه طه ياسين رمضان وآخرين)، بالإعدام شنقاً حتى الموت.

      نجح الحزب، بالتعاون مع القوميين العرب، في الإطاحة بعبدالكريم قاسم في انقلاب 9 فبراير 1963، ولكن سرعان ما تخلص الرئيس العراقي عبدالسلام محمد عارف (قائد الجناح القومي من الثورة)، من رفقاء السلاح البعثيين، ووضع قياداتهم في السجن، وعلى رأسهم أحمد حسن البكر (رئيس الوزراء، وقائد الجناح البعثي)، وذلك من خلال حركة التصحيح، في 18 نوفمبر 1963.

      ولم يهدأ الموقف عند هذا الحدّ؛ فقد تمكنت الكوادر البعثية من تجميع قواتها، وقامت بانقلاب 17 (تموز) يوليه 1968، بقيادة أحمد حسن البكر، إذ تولى حزب البعث الحكم إلى يومنا هذا.

حلف بغداد

      تولى نوري السعيد رئاسة الوزارة، للمرة الثانية عشرة، في 3 أغسطس 1954، فحل مجلس النواب، وأجرى انتخابات جديدة جاءت بمجلس آخر مؤيد لسياساته.

      في أكتوبر 1954، زار نوري السعيد تركيا، وبعد شهرين زار بغداد عدنان مندريس، رئيس وزراء تركيا، ودارت المباحثات، بين الجانبين، حول وجوب التعاون لتأمين استقرار المنطقة. وقررت الحكومتان عقد اتفاق يرمي إلى تحقيق التعاون المذكور لصد أي اعتداء يقع عليهما، من داخل منطقة الشرق، أو من خارجها، بمقتضى المادة (51) من ميثاق الأمم المتحدة. ورأت الحكومتان، العراقية والتركية، أن من الضروري والمفيد أن ينضم، إلى هذا الاتفاق، غيرهما من الدول التي ثبت عزمها على العمل لتحقيق أهدافه.

      عارضت سورية ومصر، والمملكة العربية السعودية هذا الاتفاق. أمَّا الأردن فقد حاول الانضمام إليه، ولكن المعارضة الداخلية أحبطت مساعي حكومته في هذا الشأن.

      ودعت مصر في 22 ديسمبر 1954، إلى عقد مؤتمر لرؤساء الحكومات العربية بالقاهرة لمناقشة هذا الأمر.

      ووصلت الوفود إلى القاهرة، في أواخر يناير 1955. وحضر فارس الخوري، عن سورية، وسامي الصلح، عن لبنان، وتوفيق أبو الهدى، عن الأردن، والأمير فيصل بن عبدالعزيز، عن السعودية، وفاضل الجمالي، عن والعراق.

      ويصف صلاح سالم، ما جرى في الاجتماع، الذي بدأ يوم 26 يناير 1955، وحضره عبدالناصر، بقوله:

      "كانت المحادثات حية وصريحة، إذ كان على كل جانب أن يعلن موقفه، وكان موقف السوريين مبهماً، فقد وافق ممثل سورية فارس الخوري ووزير خارجيته فيضي الأتاسي، على عدم إلزام سورية بأي حلف أجنبي، لكنهما لم يذهبا إلى حد إدانة نوري السعيد، وأصرّا على أنه حرّ تماماً في أن يفعل ما يشاء في بلده، ورفضا التوقيع على تصـريح رسمي ينص على: (إننا ـ نحن الحكومات العربية ـ نرفض كل ارتباط بالأحلاف الأجنبية)، وأصرّا على أن مثل هذا القرار يؤذي العراق. أما اللبنانيون فلم يصرحوا بشيء يذكر. وأما الأردنيون، الذين كانوا مع السعوديين وضد العراق، فقد ساندونا، مثلما ساندتنا المملكة العربية السعودية."

      ومن الواضح أن المؤتمر لم يصل إلى أي اتفاق، وبدأ راديو القاهرة موجة كثيفة من الدعاية ضد الحلف، وحين انتهى المؤتمر إلى الفشل التام في الأسبوع الأخير من يناير 1955، وجهت لهجة عنيفة، وشتائم شخصية ضد نوري السعيد، تتهمه بخيانة القضية العربية، وإصراره على هذا الحلف، وتحديه للشعب العربي.

      وشهد ذلك الأسبوع أيضاً نهاية العلاقات بين تركيا ومصر؛ ففي 25 يناير 1955، أعلنت مصر أن أي حلف مع تركيا، "صديقة إسرائيل"، يعني بالضرورة حلفاً غير مشروع مع إسرائيل نفسها، وخيانة للقضية العربية، وأصبح نوري السعيد "حليف حليفة إسرائيل".

      وفي 7 فبراير 1955، حدثت نقطة تحول بارزة في السياسة العربية؛ فقد سقطت حكومة فارس الخوري في سورية، وأمسك اليسار بزمام المبادرة، وواجه اليمين المؤيد للعراق هزيمة في مجلس النواب، وكان سقوط حكومة فارس الخوري بسبب اتهامها بالتخلي عن سياستها المعادية للأحلاف الأجنبية. وتشكلت حكومة جديدة برئاسة صبري العسلي في 13 فبراير 1955، وكان خالد العظم أبرز عضو في الحكومة الجديدة، الذي كان وزيراً للخارجية والدفاع معاً. وسرعان ما تضامنت مصر وسورية في معركة حلف بغداد.

العراق يوقع حلف بغداد

      في الرابع والعشرين من فبراير 1955 وقعت العراق وتركيا اتفاقهما "حلف بغداد"، فوقعه نوري السعيد عن العراق، وعدنان مندريس عن تركـيا. وما لبثت أن انضمت بريطانيا إلى الحلف، في 4 إبريل 1955، وبهذا لم يكن قد تبقى إلا القليل من الخطة الكبرى، التي وضعها نوري السعيد لربط اتفاقية الأمن العربي الجماعي بتركيا والغرب.

      والواقع أن نوري السعيد لم يفقد الأمل في أن يتخذ من حلف بغداد أداة لتحقيق مركز ممتاز في المشرق العربي، يعـوض عن فشل مشروعه السابق "الهلال الخصيب". لهذا يُعّد تحول سورية عن الدخول في هذا الحلف، ضربة قاضية لخطط نوري السعيد، التي أدت إلى توجيه حلف بغداد وجهة أخرى؛ فقد فتح باب عضويته أمام باكستان، فانضمت إليه في 22 سبتمبر 1955، ثم إيران في 3 نوفمبر 1955، ثم الولايات المتحدة الأمريكية في 21 نوفمبر 1955، بصفة مراقب.

      وعلى الرغم من أن أنطوني إيدن Anthony Eden، أدرك صعوبة جرّ الدول العربية إلى الحلف، فإنه مضى في تدعيم الميثاق العراقي ـ التركي، وذلك ليقوي مركز نوري السعيد في الداخل. ولم يكن بوسعه أن يذكر ذلك كمبرر للمضي في تدعيم الميثاق، فذكر أنه يخدم على الأقل المحافظة على المصالح البريطانية النفطية في الخليج العربي.

      كان من الملاحظ عدم إعلان اشتراك الولايات المتحدة الأمريكية، في الحلف بمجرد إعلانه، وتأجيل هذا الإعلان لمدة سنتين كاملتين إلى أوائل عام 1957، وكان من أسبابه، أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت ترجو الاحتفاظ بصداقة مصر، ومعها المملكة العربية السعودية وسورية؛ لأنها تُعّد هذه الكتلة العربية هي القوة الكبرى الحقيقية في الشرق الأوسـط، التي ينتظر مـنها القـيام بدور إيجابي في تأمين المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط.

      وهكذا كانت السياسة الأمريكية تستهدف، بعدم إعلان الانضمام إلى حلف بغداد، مجاملة الاتجاهات المصرية ـ السعودية ـ السورية في المحيط السياسي، خصوصاً بعد أن اشتدت حملة النصح والعقاب والتحذير الموجهة إلى حكومة العراق؛ بسبب جنوحها عن الخط العربي وتحالفها مع تركيا وبريطانيا. ومع ذلك لم تهمل الولايات المتحدة الأمريكية حقيقة استمرار مساعيها، بصورة أو بأخرى، من أجل إقناع باقي الدول العربية للاشتراك في الحلف، الذي وصفته بأنه الرداء الواقي من الخطر الأحمر، ولكن باءت محاولاتها بالفشل. وكذلك كان الوضع بالنسبة لبريطانيا التي حاولت الضغط على كل من الأردن ولبنان والسودان وليبيا واليمن للدخول في الحلف.

      ولكن بعد العدوان الثلاثي على مصر، وانحسار النفوذ التقليدي البريطاني عن الشرق الأوسط، تقدمت الولايات المتحدة الأمريكية بمشروع أيزنهاور لملء الفراغ الموجود في المنطقة، بعد أن أسفر العدوان الثلاثي عن إمكان قيام روسيا بإجراء مفاجئ من أجل القضاء على النفوذ الغربي في شخص بريطانيا وفرنسا. ومن ثم وجدت أمريكا أن الاشتراك في الحلف، إنما يعني إيجاد الوسيلة العملية لها لممارسة تطبيق مشروع أيزنهاور بصورته العسكرية، بل مظـهر للضغط الهادئ القوي على مصر، وكذلك كنوع من الضغط على كل من سورية والأردن للانضمام إليه، وهو ما يؤدي إلى عزل مصر عن شقيقاتها العربية.

      وعدّت الولايات المتحدة الأمريكية، حلف بغداد امتداداً صريحاً لحلف شمال الأطلسي جهة الشرق، وامتداداً (لحلف جنوبي شرق آسيا) جهة الغرب؛ وذلك لاستكمال قيام الحوائط الدفاعية من أجل حصار الشيوعية في ميدانها، ومنعها من التسلل إلى باقي دول العالم. ومن ثم ففي الثالث والعشرين من مارس 1957، انضمت الولايات المتحدة الأمريكية إلى اللجنة العسكرية لحلف بغداد.

الشعب العراقي وحلف بغداد

      حرص الأعضاء المشتركون في حلف بغداد على إعطاء العراق مركزاً متميزًا، فكان أول سكرتير للمنظمة شخصية عراقية. وكان الهدف من ذلك هو إغراء الدول العربية، خاصة الأردن، للانضمام إلى الحلف. ولما لم يوفق نوري السعيد في تحقيق هذا الهدف، صار يستخدم الحلف للقضاء على خصومه السياسيين، وقمع المعارضة في الداخل، تحت ستار مكافحة الشيوعيين.

      والواقع أن كل هذه الأفعال، من جانب نوري السعيد وأتباعه، لقيت غضباً شعبياً عارماً من قطاعات كبيرة من الشعب العراقي، مما جعل كثيراً من التنظيمات الشيوعية السرية تُعد للثورة، وقلب نظام الحكم القائم.




[1]  يصل تعدادها حاليا إلى حوالي مائة ألف نسمة. وقد وصل أعداد أفرادها في الموصل عام 1965 إلى نحو 65715 نسمة، وقد اختلف المؤرخون في أصل صاحب الطريقة التي ينتمون إليها، وهم غلاة في تطرفهم الديني، وأفكارهم، مما أدى بكثير من المسلمين إلى اعتبارهم خارجين عن الإسلام. ويعتقد اليزيديون بوجود إلهين (للخير والشر)، ويرمزون للثاني بالشيطان، ويسمونه ` طاووس ملك`. وتختلف عبادتهم بين الإلهين؛ فعبادتهم للشيطان عبادة تضرع وخشية؛ لأنه قادر على إيذائهم، بينما إله الخير، لا يريد بهم شراًّ. ومن ثم فإن من أراد السعادة في الدنيا عليه أن يهمل عبادة الله، ويسعى وراء عبادة الشيطان. ومن أبرز ممارساتهم أنهم: يحرمون تعلم القراءة والكتابة، واستخدام الفرس في نقل الأثقال، ولبس الأزرق، والاغتسال من الجنابة، وتقليم الأظفار، والاستماع إلى صلاة المسلم أو المشاركة فيها. كما يحرمون أكل الخس واللهانة، أو الخضر التي تسمّد بعذرة الإنسان، وحلق الشوارب، أو حفها بالمقص، ودخول الحمامات والمراحيض العامة، معتقدين أنها من ملاجئ الشيطان، وكذلك يفسخون نكاح من تغيّب منهم عن بلده سنة كاملة. ويوجبون على كل فرد منهم زيارة ` طاووس ملك` ثلاث مرات في السنة، وزيارة قبر الشيخ عدي بن مسافر الأموي، الذي يُظنّ أنه مؤسس الطائفة، في منتصف ( أيلول ) سبتمبر من كل عام، كما يوجبون على كل من اشترى قميصًا جديدًا، أن يتولى أخوه، أو أخته من ملته، فتح جيب القميص