إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة عام 1958، في العراق




نوري السعيد
الملك فيصل الأول
الرئيس عبدالسلام عارف
الرئيس عبدالكريم قاسم
عبدالإله بن علي





الفصل الثاني

الفصل الثاني

العوامل الأساسية التي أثرت في ثورة 1958

يمكن تلخيص هذه العوامل فيما يلي:

  1. نشاط الاتجاهات الشيوعية، ونجاحها في تأليب الجماهير، وتغلغل أفكارها بين صفوف الكثير من ضباط الجيش والمدنيين.
  2. نقض بريطانيا لعهودها مع العراق، بعد الحرب العالمية الأولى، وفرض الانتداب وإقامة ملكية موالية، واستمرار النفوذ البريطاني بعد دخول العراق في عصبة الأمم، عن طريق معاهدة 1930، وبروز الساسة العراقيين الموالين لبريطانيا، مما أدى إلى تصادم العراق مع بريطانيا سنة 1941.
  3. سياسة نوري السعيد، رجل بريطانيا القوي في العراق، الاستبدادية المناهضة للحركات والأحزاب الوطنية.
  4. استيلاء اليهود على فلسطين، وإنشاء دولة إسرائيلية لهم، عام 1948.
  5. قيام الثورة المصرية في 23 يوليه 1952.
  6. الاعتداء الثلاثي على مصر في 29 أكتوبر 1956.
  7. تشكيل جبهة الاتحاد الوطني عام 1957، ونشاطها البارز في تأليب ضباط الجيش، وتشجيعهم على التعجيل بالثورة.
  8. توقيع الوحدة بين مصر وسورية.

ويود البحث التركيز على العوامل التالية:

1. القضية الفلسطينية

كانت قضية فلسطين على رأس العوامل التي أدت إلى تدهور العلاقات العراقية البريطانية، وخاصة خلال الفترة ما بين 1938 ـ 1941.

وتسبب رفع السياسيين شعار إنقاذ فلسطين في ازدياد تعلق الكثيرين بقضية فلسطين، وازدياد التوتر الشعبي داخل العراق مع تفاقم معاناة الفلسطينيين. وبدأت بعض القيادات تشجع تدريب الفلسطينيين في المعسكرات العراقية، وتزويدهم بالأسلحة، والتسلل من العراق إلى فلسطين. كذلك أسهمت القضية الفلسطينية في تصاعد حركة العداء ضد اليهود في العراق، وتسبب ذلك في حدوث مصادمات عديدة في 1 و 2 يونيه 1941.

في عام 1948، خاضت الدول العربية حربها الأولى ضد إسرائيل وهُزمت جميعاً. ومن ثمّ ثار الرأي العام العربي في مختلف الأقطار لما حدث في فلسطين، بسبب مواقف الدول العربية، وخاصة منها مصر والأردن والعراق. وتكشفت النتيجة عن فضائح الحكومات الفاسدة في هذه الأقطار؛ وكانت كارثة فلسطين أحد الأسباب التي أدت إلى قيام ثورة 23 يوليه 1952 في مصر. أمّا عن الأردن فكان قائد الجيش الأردني ، وهو الجنرال الإنجليزي "جلوب"، متهم بممالأة الصهيونية وتنفيذ الخطط البريطانية لصالحها، وكذلك كان الملك عبدالله، القائد العام للجيوش العربية، متهماً بالاتصال بقيادة الصهيونية ومراسلتهم والاجتماع بهم.

وأما في العراق، فقد قيل إن الأوامر صدرت للقوات العراقية ألاّ تتقدم أبعد من مسافات معينة. وقيل إنه لما حاصر اليهود بعض القطاعات المصرية في الفالوجة، لم يذهب الجيش العراقي لنجدتها؛ بحجة عدم وجود أوامر عسكرية.

والذي حدث هو أن الجيش العراقي رابط في مثلث "جنين ـ طولكرم ـ نابلس"، دون أن يقوم بدور يذكر في القتال؛ لأنه لم يكن يعرف من أين يتلقى الأوامر، هل من الحكومة في بغداد أم من الملك عبدالله؟ ولم تكن ثمة خطة لدى الأركان العراقية للقتال في فلسطين.

بعد قيام إسرائيل، أعلن نوري السعيد تأييده لضرورة حل مشكلة فلسطين على أساس قرار التقسيم لسنة 1947. ومن ثم طالب باتخاذ قرار التقسيم قاعدة للمفاوضات، بصورة مباشرة بين إسرائيل والدول العربية، أو بوساطة فريق ثالث. وألحّ نوري السعيد على اتخاذ قرار بعودة اللاجئين وطالب بأن تعطيهم إسرائيل تعويضاً عما فقدوا. وكرّر القول إن الشيء الوحيد الذي تريده جامعة الدول العربية هو تنفيذ قرار التقسيم الذي أصدرته الأمم المتحدة.

2. قيام الثورة المصرية في 23 (تموز) يوليه 1952

شجع نجاح الثورة المصرية التيارات المعارضة، والاتجاهات الاشتراكية، وكثيراً من الأحزاب على المطالبة بتغيير الأوضاع السياسية في العراق تغييراً جذرياًّ، ومحاسبة المسؤولين عن نكسة فلسطين، وإقامة حكم ديموقراطي.

ورفعت تلك التيارات والأحزاب المعارضة مطالبها منادية بتحقيق المفاهيم الديموقراطية في الحكم، وفي العلاقات بين السلطات، وتأييد الحريات في المجتمع وتعديل القانون الأساسي على هذه الأسس، بحيث تُلغَى النصوص التي تجعل من السلطة التنفيذية سلطة مهيمنة على السلطة التشريعية، وبحيث تقوم ملكية دستورية، وأن تنبثق الوزارة عن مجلس النواب، انتخاب مباشر حرّ من الشعب، وأن تكون الوزارة مسؤولة أمام مجلس النواب مسؤولية حقيقية.

ومن ثم، ففي 28 أكتوبر 1952، قدمت الأحزاب المعارضة مذكرات إلى الأمير عبدالإله، الوصي على عرش العراق، ندّدت فيها بالأوضاع القائمة وطالبت بالتغيير الجوهري. جاء في إحدى المذكرات اعتبار الوصي مسؤولاً عن الوضع الشاذ في العراق. وأن تردّي الأوضاع بدأ يأخذ شكلاً واضحاً منذ أن خضعت البلاد للسلطات الإنجليزية عقب حركة 1941.

ثم عقد مؤتمر البلاط في 2 نوفمبر 1952، وقال أحد رؤساء الأحزاب السياسية إن الأسباب، التي أدت إلى الانقلاب في مصر، موجودة في العراق، وإذا كانت العوامل متشابهة فلا بد أن تكون النتائج واحدة، والقضية قضية زمن، إذا لم نتدارك الأمر ونقوم بالإصلاحات بصورة جدية في العراق.

أعلنت قوى المعارضة قي العراق تأييدها لمصر، بعد أن عقدت صفقة الأسلحة مع الاتحاد السوفيتي، وحاولت بناء "السد العالي"، وأمّمت شركة قناة السويس، وبصفة خاصة عندما حدث الاعتداء الثلاثي الإسرائيلي ـ البريطاني ـ الفرنسي على مصر في خريف 1956. واستمد نفر، من ضباط الجيش العراقي الشجاعة مما حدث في مصر، وأخذوا يعملون على تدبير انقلاب عسكري يهدف إلى تقويض النظام الملكي، والقضاء على الأمير عبدالإله ونوري السعيد. وبادر هؤلاء الضباط الشبان إلى تشكيل تنظيمات سرية داخل القوات المسلحة، ثم اجتمعت بعض الفصائل الوطنية والقومية في نهاية سبتمبر 1952، وقرّرت تشكيل تنظيم الضباط الأحرار، على غرار تنظيم الضباط الأحرار في مصر، وتجربتهم الوطنية.

3. الاعتداء الثلاثي على مصر

عقب تأميم جمال عبدالناصر لقناة السويس، شنّت الحكومتان البريطانية والفرنسية، ومعهما إسرائيل هجوماً على مصر، بدأته إسرائيل بهجوم على الأراضي المصرية في 29 أكتوبر 1956، ثم تدخلت الحكومتان البريطانية والفرنسية؛ وذلك بداعي حفظ حقوق المساهمين في قناة السويس بعد تأميمها في 1956. وأخذت الجيوش البريطانية والفرنسية والإسرائيلية تهاجم المدن المصرية من الجو والبحر. وقاتلت مصر في بورسعيد قتالاً شديداً.

اشتعل غضب الشعوب في البلاد العربية من هذا العدوان. ونسف السوريون أنابيب النفط العراقية المارة ببلادهم، وأعطب الأردنيون القسم الممتد من هذه الأنابيب في أراضيهم. وأوقف السعوديون تموين البواخر الفرنسية والبريطانية بالنفط، وأعلنت الحكومة الليبية أنها تمانع في اتخاذ الأراضي الليبية مراكز تجمع للهجوم على مصر.

وفي العراق رحب الشعب العراقي بتأميم قناة السويس. وكان الملك فيصل الثاني ونوري السعيد، رئيس الوزارة العراقية، في لندن يوم إعلان التأميم. وكانا يتناولان طعام العشاء على مائدة أنطوني إيدن رئيس الوزارة البريطانية. وقد شك بعض العراقيين في أن نوري السعيد كان متآمراً مع الإنجليز، أو على أقل تقدير على علم سابق بقرار الهجوم. وقيل إن الحكومة العراقية اعتقدت أنه قد آن أوان زوال حكم الثورة في مصر، وكانت تنتظر الأخبار من ساعة إلى أخرى عن استسلام مصر وسقوط الحكم المصري.

أعلنت الحكومة العراقية الأحكام العرفية، في جميع أنحاء العراق، استعداداً لما قد يحدث من تظاهرات واضطرابات. حاولت دول حلف بغداد تضليل الرأي العام في الوطن العربي؛ فعقدت اجتماعاً في طهران استنكر العدوان الثلاثي. وعقد الملوك العرب في بيروت اجتماعاً طالبوا فيه بتنفيذ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة الخاصة بوقف القتال، وسحب القوات المعتدية من الأراضي المصرية.

وعقدت دول حلف بغداد اجتماعاً آخر في بغداد، وأكدت على مقررات اجتماعي طهران وبيروت، وقررت اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية لمواجهة سخط شعوب الشرق الأوسط.

وقطعت مصر علاقاتها السياسية مع بريطانيا وفرنسا، وحذت حذوها كل من المملكة العربية السعودية، وسورية. أمَّا العراق، فقد قرر قطع علاقاته مع فرنسا وحدها. وأعلنت الحكومة العراقية ضرورة تكتّل دول العالم من أجل إزالة الخطر الإسرائيلي من الوجود، وأبلغت الأمم المتحدة بذلك.

ووقعت تظاهرات طلابية في نوفمبر 1956، وعُطلت على إثرها الدراسة في بعض الكليات والمعاهد العالية والمدارس الثانوية والمتوسطة والمدارس الصناعية والتجارية ودور المعلمين والمعلمات والدورات التربوية في بغداد.

واستمرت التظاهرات والمصادمات بين الأهالي ورجال الشرطة، ووقع بعض الضحايا، واعتقل البعض الآخر، ثم جرت محاكمة الموقوفين أمام المجلس العرفي، فحُكم على شخصين بالإعدام، ونُفّذ فيهما، وعلى آخرين بالحبس مُدداً مختلفة.

استنكرت الهيئات السياسية والتعليمية في العراق العدوان الثلاثي على مصر، وشجبت مواقف وزارة نوري السعيد من العدوان، وأساليبها في محاربة المستنكرين لهذا العدوان. ورُفعت كثير من عرائض الاستنكار من جهات متعددة إلى الملك مباشرة: مثل عريضة السياسيين، وعريضة أساتذة جامعة بغداد، وعريضة نقيب المحامين، وعريضة رؤساء الوزارات والأعيان والنواب السابقين.

وازداد الحماس في صفوف الضباط الأحرار، فعقدوا عدة اجتماعات قرروا خلالها تحريك بعض القطع لاحتلال بغداد، وبالفعل بدأت الاستعدادات لذلك إلاّ أن ظروفاً صعبة صادفتهم مما أدّى إلى تأجيل حركتهم هذه إلى وقت آخر.

4. جبهة الاتحاد الوطني عام 1957

في 12 مايو 1954، قبيل إجراء انتخابات مجلس النواب في صيف 1954، اتفق كل من الحزب الوطني الديموقراطي، وحزب الاستقلال، والحزب الشيوعي، وأنصار السلام، وبعض المستقلين، على ميثاق وطني، وتشكيل جبهة اتحاد وطني لخوض الانتخابات. وكان لهذه الجبهة دورها البارز في استقطاب كثير من الضباط داخل الجيش، وتأليب هؤلاء الضباط للقيام بالثورة. وقد فاز من مرشحي الجبهة أحد عشر نائباً.

وبعد عقد حلف بغداد، وما تسبّب فيه من نقمة الدول العربية على العراق، وكذلك عقب العدوان الثلاثي على مصر، تتابعت اجتماعات ممثلي الأحزاب الأربعة في أوائل عام 1957، وتأسّست في فبراير، بصورة سرية، اللجنة الوطنية العليا للجبهة، ووضعت بنود ميثاق سُمّي (ميثاق الجبهة الوطنية)، دعت فيه إلى إطلاق الحرية السياسية وإلغاء معاهدة 1930، وجلاء القوات الأجنبية عن العراق والتضامن مع الشعوب العربية. "ميثاق الجبهة الوطنية"، (انظر ملحق ميثاق الجبهة الوطنية).

وقد أصدرت اللجنة العليا، بعد ذلك، بيانات عديدة، مثل البيان الذي نشرته، في 25 أبريل 1957، حول مؤامرات الاستعمار وعملائه في الأردن، والبيان الذي نشرته في الأول من أكتوبر 1957، في عهد وزارة علي جودت الأيوبي الثالثة، التي خلفت وزارة نوري السعيد الثالثة عشرة، وطالبت فيه بعودة الحياة الحزبية، وحلّ المجلس النيابي، وإطلاق سراح السجناء، وإعادة الطلاب والمدرسين والموظفين المفصولين، وإقامة علاقات دولية على أساس من احترام السيادة.

5. وحدة مصر وسورية

قابلت العائلة المالكة الهاشمية العراقية والأردنية، والطبقة الحاكمة في العراق والأردن، إعلان الوحدة بين مصر وسورية بمعارضة شديدة، وخشيت عاقبة التطورات القومية على كياناتها.

ولم يعترف العراق بقيام الجمهورية العربية المتحدة، بل طلب من دول حلف بغداد عدم الاعتراف بها، ولكنها لم تستجب لطلبه. وأمَّا الملك حسين بن طلال، ملك الأردن، فقد أرسل وزير بلاطه إلى بغداد، يحمل رسالة إلى فيصل الثاني، ملك العراق، يدعوه فيها للتّوجه مع بعض الوزراء إلى عمّان، للنظر في عواقب الحدث. وفي 11 فبراير 1958، ذهب ملك العراق مع بعض الوزراء ورئيس أركان الجيش ورئيس الديوان الملكي. وفي اليوم التالي، لحق بهم عبدالإله، وهناك توصّل الطرفان، في 14 فبراير 1958، إلى إعلان الاتحاد العربي الهاشمي بين العراق والأردن؛ ردًّا على قيام الجمهورية العربية المتحدة بين مصر وسورية. قابلت الأوساط القومية الاتحاد العربي بالاستنكار، واعتبرته مفرّقاً للصف العربي.

جاء في اتفاق الاتحاد العربي ما يلي:

  1. إنّ الاتحاد سيكون مفتوحاً للدول العربية الأخرى، التي ترغب في الانضمام إليه.
  2. تحتفظ كل دولة بشخصيتها المستقلّة، وسيادتها على أراضيها، وبنظام الحكم فيها.
  3. تبقى المعاهدات والمواثيق القديمة مرعية.
  4. تنفيذ إجراءات الوحدة بين الدولتين في السياسة الخارجية والجيش.
  5. إزالة الحواجز الجمركية، وتوحيد القوانين الجمركية.
  6. توحيد مناهج التعليم والنقد والسياسة المالية والاقتصادية.
  7. يكون علم الثورة العربية علم الاتحاد وعلم الدولتين.
  8. تتولى شؤون الاتحاد حكومة اتحادية مؤلفة من مجلس تشريعي وسلطة تنفيذية.
  9. يكون ملك العراق رئيساً لحكومة الاتحاد، وفي حالة غيابه، يكون ملك الأردن رئيس حكومة الاتحاد.
  10. يكون مقرّ حكومة الاتحاد بصورة دورية في بغداد، لمدة ستة أشهر من السنة، وفي عمّان لمدة ستة أشهر أخرى.
  11. تضع حكومة الاتحاد دستوراً للاتحاد، ويُعدل دستور كلّ من الدولتين إلى المدى الحدودي التي تقتضيها أحكام دستور الاتحاد.

          وقد حاول نوري السعيد إقناع أمير الكويت، قبل نيل استقلاله عن بريطانيا، بانضمام بلاده إلى الاتحاد العربي، للاستفادة من إمكانيات الكويت المالية لدعم الاتحاد، ولكن بريطانيا قالت إنها لا توافق على دخول الكويت في الاتحاد العربي، إلاّ بعد حصوله على استقلاله. إلاّ أن قيام ثورة 14 تموز 1958 في العراق قضى على الاتحاد العربي نفسه، فقد انسحب العراق من الاتحاد في اليوم الثاني للثورة.