إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة عام 1958، في العراق




نوري السعيد
الملك فيصل الأول
الرئيس عبدالسلام عارف
الرئيس عبدالكريم قاسم
عبدالإله بن علي





الفصل الخامس

الفصل الخامس

نتائج الثورة وتأثيراتها

أولاً: على الساحة الداخلية

     اتخذت الثورة، على مدى السنوات الأربع التالية، العديد من الإجراءات، لتثبيت سلطتها في البلاد. ومن أهم الإجراءات التي اتخذتها في الأشهر الستة الأولى، كانت كالتالي:

  1. إلغاء أغلب المراسيم التي صدرت إبان الحكم الملكي.
  2. إطلاق سراح المعتقلين والسجناء السياسيين.
  3. الإعلان عن إطلاق الحريات العامة والنشاطات الحزبية.
  4. إصدار قانون المقاومة الشعبية.
  5. الإعلان عن البدء في سياسة التطهير في الجهاز الحكومي والقضائي.
  6. إعادة الضباط الذين أحيلوا للتقاعد في العهد الملكي لأسباب سياسية.
  7. خفض أحكام السجن على السجناء الأكراد الذين حوكموا بسبب اشتراكهم في الانتفاضات الكردية المسلحة ضد الحكم الملكي.
  8. سن قانون أسمته قانون (معاقبة المتآمرين على سلامة الوطن)، وتألفت، بموجب هذا القانون، "المحكمة العسكرية العليا الخاصة" للفصل في الجرائم التي يشملها هذا القانون، وسميت هذه المحكمة باسم "محكمة الشعب"، وهي التي حاكمت رجال العهد الملكي بعد اتهامهم باستغلال النفوذ وتعريض البلاد لخطر الحرب، واستعمال قوى البلاد المسلحة ضد الدول العربية الشقيقة، أو التهديد باستعمالها، أو تحريض الدول الأجنبية على التعرض لسلامتها، أو التآمر على قلب نظام الحكم فيها، أو التدخل في شؤونها الداخلية ضد مصلحتها.

قيام الجمهورية

     استقر رأي ضباط الثورة على إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية.

     وليست فكرة الجمهورية جديدة على الشعب العراقي، فقد طُرحت، لأول مرة، في أعقاب الحرب العالمية الأولى التي أدت إلى انسلاخ العراق عن الإمبراطورية العثمانية، وسقوطه تحت الاحتلال البريطاني. كما برزت الدعوة إلى الجمهورية مرة أخرى، عند قيام حركة 1941، وهروب الوصي عبدالإله، فاقترح البعض إلغاء النظام الملكي وإعلان الجمهورية، وتزعم هذا الرأي ناجي شوكت، غير أن هذا الاقتراح لم يحظ بمؤيدين له، واكتفى باختيار الشريف شرف وصياًّ على العرش.

دستور 1958 المؤقت

     ضمت اللجنة العليا للضباط الأحرار كلاً من: "العقيد رجب عبدالمجيد ـ الزعيم الركن ناجي طالب ـ الزعيم الركن محسن حسين الحبيب ـ الزعيم الركن محيي الدين عبدالحميد ـ المقدم الركن عبدالكريم فرحان ـ العقيد الركن صبيح علي غالب ـ المقدم طيار محمد سبع".

     وفي 27 يوليه 1958، أعلن عبدالكريم قاسم إلغاء القانون الأساسي(الدستور) للعراق، اعتبارًا من يوم 14يوليه 1958، بقوله: "من أجل إعلان الدستور المؤقت، باسم الشعب، نعلن سقوط القانون الأساسي العراقي وتعديلاته كافة، منذ 14 تموز 1958".

ونص الدستور المؤقت على مواد منها:

  1. أن الإسلام دين الدولة "المادة 4 من الدستور المؤقت".
  2. أن القوات المسلحة في الجمهورية العراقية ملك للشعب، ومهمتها حماية سيادة البلاد، وسلامة أراضيها "مادة 17".
  3. أن العراق جزء من الأمة العربية.
  4. أن العرب والأكراد شركاء في هذا الوطن.

     وجاءت ديباجة الدستور المؤقت لتؤكد أنّ المراد منه تنظيم ممارسة السلطة السياسية، خلال فترة زمنية محددة المدة، ونصّت على "الرغبة في تثبيت قواعد الحكم وتنظيم الحقوق والواجبات لجميع المواطنين"، وسيعمل بأحكامه في فترة الانتقال إلى أن يتم تشريع الدستور".

الوزارة الأولى للثورة

     أجرى عبدالكريم قاسم اتصالات مع الحزب الديموقراطي وحزب الاستقلال، من خلال السيد رشيد مطلك، حول تأييد الثورة والاشتراك فيها. فاتصل السيد رشيد مطلك في ربيع عام 1958 بالحزبين المذكورين، وطلب إليهما تحديد موقفيهما، على نحو واضح، وثابت، إزاء الاشتراك في الثورة، على أن يظل الأمر سراًّ، ولا يطلع عليه أحد من أعضاء الحزبين، غير السادة كامل الجادرجي، ومحمد حديد، ومحمد مهدي كبة، ومحمد صديق شنشل. واجتمع هؤلاء الأربعة مع السيد رشيد مطلك، في زنزانة كامل الجادرجي بسجن بغداد، حيث كان يقضي حكماً بالسجن، فاتفق المجتمعون على مساهمة الحزبين في الثورة وتحمل المسؤولية فيها[1].

     ومن أجل اختيار الأشخاص المرشحين لتولي المناصب المهمة بعد قيام الثورة؛ عقدت اللجنة العليا للضباط الأحرار اجتماعين: أحدهما في الأول من يوليه عام 1958، في منزل العقيد عبدالوهاب الشواف، ولم تستطع اللجنة اتخاذ أي قرار، والثاني في 4 يوليه 1958، في منزل عبدالكريم قاسم[2]، ولم يتم التوصل كذلك إلى أي قرار بهذا الشأن.

     ومن ثم انفرد عبدالكريم قاسم، وعبدالسلام محمد عارف، وعبداللطيف الدراجي بوضع أسماء الوزارة الأولى، في اجتماعهم، الذي عقد في 11 يوليه 1958، ورُشـح لأعضـاء مجـلس السـيادة كـلاً من "الفريـق الركـن محمد نجيب الربيـعي لرئاسة المجلس، والعقيد الركن خالد النقشبندي، الذي يمثل القومية الكردية، والشيخ محمد مهدي كبة زعيم حزب الاستقلال؛ لكونه من الطائفة الشيعية، ومن زعماء الحركة الوطنية". ويلاحظ أن اختيار أعضاء مجلس السيادة، على هذا الشكل، قُصد منه تفويت الفرصة على أعضاء اللجنة العليا للضباط الأحرار لتشكيل مجلس قيادة الثورة، فضلاً عن أن أولئك هم من الأشخاص الذين يسهل التأثير عليهم، ومن ثم وضعهم في خدمة المخططات الشخصية؛ لكبر سنهم، وضعف شخصيتهم، مما يسهل قيادتهم.

     وبناء على الاتفاق المذكور، أُسندت المناصب البارزة في الوزارة إلى العسكريين، فعُهد إلى عبدالكريم قاسم برئاسة الوزارة ووزارة الدفاع. وعُيّن عبدالسلام محمد عارف في منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية، والعقيد الركن ناجي طالب وزيراً للشؤون الاجتماعية. أما الوزارات الأخرى، فقد أُسندت إلى المدنيين من زعماء الحركة الوطنية، فحصل حزب الوطنيين على وزارتين، هما المالية "محمد حديد"، والزراعة "هديب الحاج محمود"، ونال حزب الاستقلال وزارة واحدة هي وزارة الإرشاد، "محمد صديق شنشل". أما حزب البعث العربي الاشتراكي فنال وزارة الإعمار التي أسندت إلى "فؤاد الركابي"[3].

     أما المناصب الوزارية الأخرى فقد أُسندت إلى المدنيين المستقلين. ولعب عامل الصداقة والقرابة الشخصية دورًا كبيرًا في ذلك؛ فقد رشح عبدالكريم قاسم صديقه "مصطفى علي" لوزارة العدل. ورشح عبدالسلام محمد عارف لوزارة التربية، جابر عمر، وهو من أصدقائه المقربين، ورشح العقيد الدراجي الدكتور "محمد صالح محمود" لوزارة الصحة وهو من أقربائه. أما الوزارات الأخرى وهي الخارجية والاقتصاد والمواصلات، فقد جاء الترشيح لها من قبل الضباط الأحرار، أعضاء اللجنة العليا؛ فرُشح إبراهيم الكبة لوزارة الاقتصاد، ورُشح الدكتور عبدالجبار الجومرد للخارجية، وبابا علي الشيخ محمود للمواصلات؛ لماضيهما المعروف في معاداة النظام الملكي ومحاولة الانقلاب عليه[4].

     أما الحزب الشيوعي فقد تم استبعاده من الوزارة الأولى للأسباب التالية:

  1. كثرة الأخطار المحيطة بالعراق عند قيام الثورة، وخاصة من قبل دول حلف بغداد، ولإظهار الثورة بأنها ليست ثورة شيوعية.
  2. عدم تقبل الدول الاستعمارية هذه الخطوة خوفاً على مصالحها في العراق.

طبيعة تركيب الوزارة

     على الرغم من كون الوزارة الأولى للثورة قد ضمت أغلب القوى السياسية الممثلة في جبهة الاتحاد الوطني، إلاّ أن عوامل كثيرة كانت تدفع إلى ضعفها منذ بداية تشكيلها تتمثل في الآتي:

  1. عدم وجود برنامج واضح للوزارة، مما أدى إلى سيطرة العسكريين على الوزارة منذ اليوم الأول للثورة، واتخاذهم القرارات المصيرية، وتسيير أمور الدولة في المجالات السياسية والاقتصادية. فرئيس الوزراء ونائبه، ووزير الدفاع، ووزير الداخلية، ووزير الشؤون الاجتماعية، ورئيس مجلس السيادة، وأحد أعضائه، من العسكريين، كما أن الوزراء المدنيين المستقلين هم من الأصدقاء الشخصيين، والبعض الآخر من أقارب العسكريين، الذين بيدهم زمام الأمور. واقتصر دور الوزراء المدنيين على تقديم المشورة والتوقيع على ما يُقدم إليهم.
  2. عدم التزام الوزراء الحزبيين بأسس منهجية واضحة، مما أشاع العفوية والتسيب في أعمال مجلس الوزراء، كما أن أكثر الوزراء كانوا مستقلين، وغير ملتزمين بخطط ووجهات نظر واضحة.
  3. غلبة الحرص على السلامة، وعدم إغضاب القيادة العسكرية على أكثر الوزراء، مما أدى إلى سرعة الخضوع والاستسلام للإرادة العسكرية، ومن ثم للإرادة الدكتاتورية لعبد الكريم قاسم، الذي كان يشجع هذا الاتجاه الوسطي تمهيداً لسيطرته الفردية.
  4. عدم نجاح الوزراء الحزبيين في وضع منهاج وزاري ملزم للجميع، ومبني على نقاط الالتقاء المشتركة بين القوى السياسية الرئيسية في البلاد؛ فقد كانت أي محاولة لوضع منهاج وزاري للسياسة العربية تتعرض للإحباط من قبل عبدالكريم قاسم[5].

عدم جدوى وجود "مجلس السيادة" لعدم ممارسته أية سلطة حقيقية واستغلاله من قبل عبدالكريم قاسم في غير الاتجاه الثوري الصحيح.

الأحـزاب السياسـية

     اتسمت سياسة عبدالكريم قاسم، على الصعيد الداخلي بإثارة المشكلات السياسية ومحاولة حلها، وبالإعلان المستمر عن فترة الانتقال، وإقامة النظام الدستوري، حتى يستطيع كسب أفراد الشعب، والفئات والأحزاب السياسية في العراق إلى جانبه. وقد توجت سياسته هذه بإصدار قانون الجمعيات في يناير 1960.

ونص القانون المذكور على ما يلي:

  1. أي حزب هو عبارة عن "جمعية ذات هدف سياسي".
  2. يشترط في عضو الحزب أن يكون عراقي الجنسية.
  3. لا يجوز لأفراد القوات المسلحة ومن يعمل بإمرتها، ولا للقضاة، ولا لموظفي الخدمة الخارجية، أو لتلاميذ المدارس ـ حتى الثانوية ـ وما يعادلها، ولا لرؤساء الوحدات الإدارية في "اللواء والقضاء والناحية" الانتماء إلى حزب من الأحزاب، ولا يجوز للحزب أن يقبل بين أعضائه عضواً منهم.
  4. و"على مؤسسي الحزب" أن يقدموا إلى وزير الداخلية بيانًا، موقعًا من خمسين شخصًا، تتوافر فيهم شروط العضوية، يتضمن تأييدهم للحزب المؤسس عند تقديم الطلب.
  5. للحزب، بمجرد إنشائه، أن يصدر صحيفة سياسية تعبر عن آرائه.
  6. سريان القانون اعتبارًا من 6 يناير1960 "يوم عيد الجيش".

وفي التاسع من يناير 1960، تقدمت أربعة أحزاب بطلباتها إلى وزارة الداخلية، وهي:

1. الحزب الشيوعي العراقي (جماعة اتحاد الشعب)

     قدم زكي خيري ورفاقه إلى وزارة الداخلية طلبًا بالموافقة على إجازة هذا الحزب. وأرفقوا بطلبهم منهاج الحزب، الذي تضمن خمسة أبواب‎، جاء في الباب الأول، على سبيل المثال، تحت عنوان "صيانة الجمهورية وتعزيز نهجها التحرري والديموقراطي": إن الحزب يكافح بحزم ضد أعداء الثورة في الداخل والخارج، ويعمل من أجل انتهاج سياسة تنسجم مع إرادة الشعب، وتلبي حقوقه، كما يعمل الحزب من أجل السير في سياسة عربية تحررية تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن العراق جزء من الوطن العربي، كما يعمل الحزب على انتهاج سياسة خارجية وطنية مستقلة تقوم على صيانة الاستقلال الوطني وتعزيزه، والسير بثبات في سياسة مكافحة الاستعمار، وإقامة وتوثيق علاقات الصداقة والتعاون مع البلدان الاشتراكية.

     أما الباب الثاني فقد خُصص للسياسة الاقتصادية، والباب الثالث للعمل والطبقة العاملة ومعالجة البطالة، أما الباب الرابع فخصص لحقوق الفلاحين، والخامس لحياة الشعب وخطوات رفع مستوى الشعب المعيشي والصحي، وتطوير سياسة التعليم، ومنح المرأة حقوقها السياسية الكاملة.

2. الحزب الشيوعي العراقي (جماعة داوود الصايغ)

قدم داوود الصايغ ورفاقه طلب تأسيس الحزب، والذي حدد أهدافه في الآتي:

أ. النضال من أجل توحيد استقلال الوطن، وتكوين الجبهة الوطنية الديمقراطية الموحدة.

ب. العمل على تصفية الاستعمار وصيانة السلام العالمي.

ج. يؤمن الحزب بحق تقرير المصير لجميع الشعوب، ويعمق التآخي القومي بين العرب والأكراد، تحت راية الوحدة العراقية.

د. تطبيق قانون الإصلاح الزراعي وضمان مصلحة الفلاحين.

هـ. تطوير الصناعة الوطنية وبناء الصناعة الثقيلة، وتقوية وتعزيز الرقابة على التجارة الخارجية.

و. المساواة بين المرأة والرجل أمام القانون.

3. الحزب الوطني الديموقراطي

ويتولى قيادته كامل الجادرجي، ويتلخص منهاج الحزب في الآتي[6]:

أ. الناحية السياسية:

يعمل الحزب على صيانة النظام الجمهوري، وعلى إقامة العلاقات بين العراق والدول الأخرى على أساس الصداقة، ويعمل الحزب على تحقيق وحدة الأمة العربية.

ب. الناحية العسكرية:

يعمل الحزب على تسليح الجيش العراقي وتدريبه على مستوى عال وحديث؛ لأداء مهمته الوطنية والقومية في الدفاع عن سلامة البلاد واستقلالها.

ج. الناحية الاقتصادية:

يعمل الحزب على إقامة مجتمع تسود فيه العدالة الاجتماعية والاقتصادية,

د. الناحية الاجتماعية:

تحقيق الضمان الاجتماعي للأفراد، وتحقيق مستوى أفضل من النواحي الصحية والتعليمية.

4. الحزب الديموقراطي الكردستاني

ويتولى قيادته الملا مصطفى البرزاني ويتلخص منهاج الحزب في الآتي:

أ. الحزب الديموقراطي الكردستاني حزب ثوري، يمثل مصالح العمال والفلاحين والمثقفين في كردستان العراق.

ب. يستفيد الحزب، في نضاله السياسي وفي تحليلاته الاجتماعية، من النظرية العلمية الماركسية اللينينية.

ج. يناضل الحزب من أجل صيانة الجمهورية العراقية، وتوسيع وتعميق اتجاهها الديموقراطي من أجل ضمان إطلاق الحريات.

د. انتهاج سياسة وطنية معادية للاستعمار، وانتهاج سياسة أخوية مع دول الجامعة العربية.

هـ. يناضل الحزب من أجل تعزيز علاقات الأخوة والصداقة، بين الشعبين العربي والكردي، وسائر الأقليات القومية، وتعزيز الوحدة الوطنية، والعمل على توسيع الحقوق القومية للشعب الكردي على أساس الحكم الذاتي ضمن الوحدة العراقية.

5. الحزب الإسلامي العراقي

ويرأسه إبراهيم عبدالله شهاب، وينص منهاج الحزب على أن غايته هي تطبيق أحكام الإسلام تطبيقاً شاملاً في جميع شؤون الحياة، وأمور الأفراد والدولة. ويؤمن الحزب بضرورة التضامن العربي.

6. الحزب الجمهوري

ويرأسه عبدالفتاح إبراهيم، ويتضمن منهاج الحزب ما يلي:

أ. توطيد أركان الوحدة العراقية، وتعزيز النهج الجمهوري الديموقراطي، بإقامة نظام نيابي برلماني يستند إلى مجلس وطني واحد منتخب بصورة حرة، وبطريقة الانتخاب السري المباشر.

ب. يعمل الحزب على توطيد التآخي بين الشعبين العربي والكردي، وتوطيد الوحدة الوطنية.

ج. يعمل الحزب من أجل تعزيز استقلال العراق وسيادته الوطنية، ومقاومة الأحلاف العدوانية، وتثبيت سياسة التضامن العربي، وتوطيد سياسة الحياد الإيجابي.

7. الحزب الوطني التقدمي

     وقع خلاف بين كامل الجادرجي، ومحمد حديد داخل الحزب الوطني الديموقراطي، بسبب استمرار الأخير في وزارة عبدالكريم قاسم، على الرغم من اتفاق أقطاب الحزب الوطني الديموقراطي على الخروج من الوزارة؛ عقب تنفيذ أحكام الإعدام في الضباط القوميين في 20 سبتمبر 1959، ومن ثم ترك محمد حديد الحزب الوطني الديموقراطي والوزارة في 23 إبريل 1960. وفي 29 يونيه 1960، قدم محمد حديد طلباً إلى وزارة الداخلية بتأليف حزب سياسي جديد باسم "الحزب الوطني التقدمي"، وينص منهاج الحزب على رعاية مصالح الفلاحين والعمال والمثقفين، كما يعمل الحزب من أجل صيانة النظام الجمهوري، وتعزيز استقلال العراق وسيادته، وتحقيق العدالة الاجتماعية، وتعزيز التعاون الحر والأخوة الصادقة بين العرب والأكراد والتركمان، كما يعمل من أجل إقامة نظام ديموقراطي برلماني ينتخب فيه النواب انتخابًا مباشرًا حرًّا. كما يعمل الحزب من أجل تحقيق وحدة الأمة العربية، واتباع سياسة خارجية من شأنها تحسين العلاقات مع الدول الأجنبية بوجه عام.

     لم يُسمح إلاّ لأربعة أحزاب سياسية فقط بالعمل العلني، وهي: "الحزب الوطني الديموقراطي، والحزب الشيوعي العراقي (جماعة داوود الصايغ)، والحزب الديموقراطي الكردستاني، والحزب الوطني التقدمي". ولم توافق وزارة الداخلية على الأحزاب الأخرى، وهي: الحزب الشيوعي، جمـاعة اتحاد الشعب، والحزب الإسلامي العراقي، والحزب الجمهوري.

موقف الأحزاب القومية

     أما الأحزاب القومية، مثل حزب البعث العربي الاشتراكي، فإنها لم تتقدم بطلباتها إلى وزارة الداخلية؛ لاقتناعها التام بأن حكم قاسم هو حكم ديكتاتوري عسكري لا يؤمن بالتعددية، ولا بالحياة الديموقراطية. وقد جاء ذلك في بيان حزب البعث العربي الاشتراكي في القطر العراقي في مارس1960، إذ قال: "وعلى الرغم من ادعاء الحكم بالحرية والديموقراطية، فإننا نجده يقضي بكل عنف على أي نوع للمعارضة، ولا يسمح حتى بالكلمة المكتوبة. ونراه يستمر في تزييف شعارات الحرية والديمقراطية، فيجعل من الحياة الحزبية مسخاً يمثل في جوهره ديكتاتورية فردية ساخرة. فأية حياة حزبية هذه! ولم يعد هناك حزب قومي واحد في العراق، الذي عُرف بتعلق جماهيره بأمانيها القومية وإخلاصها لأهداف العروبة المتحررة".

     كما أكدت ذلك الرابطة القومية بالعراق، في بيانها الصادر في 30 أغسطس 1960، إذ ذكرت: "إن مثل هذه الخطوة تعني أولاً قبول بعض الالتزامات التي ينص عليها قانون الجمعيات الأخير، وأولها وأخطرها الاعتراف بكيان الجمهورية العراقية، أي الالتزام بتجميد حدود العراق السياسية كما هي عليه الآن إلى الأبد، والوقوف في وجه كل مجهود يرمي إلى التوحيد مع الجمهورية العربية المتحدة، إن وضع العراق السياسي الرسمي الراهن حرب على عروبتنا وقوميتنا، ولكل ما نرمي إلى تحقيقه في صالح العرب، إنه وضع مفروض علينا فرضاً بقوة السلاح.

عبد الكريم قاسم ينفرد بالسلطة ويغلق الأحزاب السياسية

     لم يمض على إجازة الأحزاب السياسية المذكورة في العراق عام واحد، حتى شرع عبدالكريم قاسم في ملاحقة اعتقال أعضائها، كما أغلق صحف هذه الأحزاب لأنها أخذت تنتقد سياسته الديكتاتورية والتعسفية، وبذلك فشلت سياسة قاسم الداخلية بكسب الشعب والفئات السياسية.

     كانت الأحزاب القومية من أول الأحزاب التي رفضت حكم قاسم الديكتاتوري، واعتبرته حكماً ديكتاتورياًّ منحرفاً عن مبادئ ثورة 14 تموز القومية التقدمية، وبذلك لم تقدم طلباتها إلى وزارة الداخلية عندما سمح قانون الجمعيات لسنة 1960 بإجازة الأحزاب السياسية، وإطلاق حرية عملها على الرغم من أنها كانت تعمل سرًّ، وتصدر صحفها السرية.

     أما الأحزاب الأخرى، التي تقدمت بطلباتها، فهي الأخرى لاقت التقييد والتضييق، فرُفضت بعض الأحزاب التي تقدمت بطلباتها على الرغم من توافر الشروط القانونية التي حددها قانون الجمعيات، وكان سبب رفضها هو نشاطها الواسع وموقفها المناوئ للديكتاتورية، ومطالبتها بالديموقراطية، وإطلاق الحريات. أما الأحزاب التي أجيزت فإنها هي الأخرى تعرضت لمضايقات السلطة. وفي عام 1961 لم يبق حزب سياسي يمارس نشاطه بشكل علني؛ بسبب فرض الرقابة على نشاطات هذه الأحزاب، وإغلاق صحفها، خاصة بعد قيام الحركة المسلحة في الشمال، إذ كانت الأحزاب تطالب بحل المسألة بشكل سلمي دون استخدام القوات المسلحة، وذلك بإطلاق الحريات الديمقراطية، وإعطاء الحقوق القومية المشروعة للأكراد، والمنصوص عليها في الدستور المؤقت.

وخلاصة القول:

     على الرغم من أن ثورة يوليه 1958 قامت، ورفعت شعار القضاء على الظلم السياسي والاجتماعي، وأطاحت بنظام الحكم الفاسد، بزعم إقامة نظام حكم يتمتع في ظله الشعب بحرياته، ويمارس المواطن حقوقه، إلاّ أن الحكم، بعد تلك الثورة التي أيدها الشعب عند قيامها، ظل يتجه نحو الديكتاتورية والفساد. وظلت الأحكام العرفية سائدة بعد أن كان المفروض أن تنتهي مع زوال النظام الملكي والنفوذ الأجنبي. وظل المواطنون محرومين من حقوقهم وحرياتهم العامة، ومكممي الأفواه خوفاً من التعذيب الوحشي والقتل. وانتشرت المحسوبية في أجهزة الحكم.

ثانياً: على الساحة الإقليمية والعربية والدولية

1. الانسحاب من الاتحاد العربي الهاشمي

بادرت قيادة الثورة بإعلان الانسحاب من الاتحاد العربي الهاشمي. ونص بيان الانسحاب على "أن الاتحاد بين العراق والأردن، على الصورة التي تم بها في العهد السابق، لم يكن اتحاداً حقيقياً يستهدف مصلحة الشعب في القطرين، وإنما كان لتدعيم النظام الملكي الفاسد، ولتمزيق وحدة الصف العربي المتحرر، ولتحقيق مصالح زمرة الحاكمين الذين لم يأتوا إلى الحكم عن طريق الشعب ولم يعملوا على تحقيق أمانيه؛ لذلك فإن حكومة الجمهورية العراقية تعلن انسحابها فوراً من هذا الاتحاد، وتعتبر جميع الإجراءات والتشريعات التي تمت بموجبه باطلة وملغاة، كما تعتبر نفسها في حل من جميع الالتزامات المالية والعسكرية وغيرها مما فُرض على العراق نتيجة لقيام هذا الاتحاد".

2. الخروج من حلف بغداد

لم تبادر قيادة الثورة، فور إمساكها بزمام السلطة، إلى إعلان الخروج من حلف بغداد، وإنما بدأت بتجميد عضويتها في الحلف، كما احتلت القوات العراقية مقر الحلف في بغداد، في اليوم الأول للثورة، ولم يعقد بعد ذلك اجتماع لأية جماعة لها علاقة بالحلف المذكور. ولقد دعت عدة عوامل إلى عدم الانسحاب الفوري من حلف بغداد، يمكن إجمالها في الآتي:

أ.   ضمان عدم تدخل دول الحلف ضد الثورة، خاصة بعد حدوث إنزال بحري أمريكي في بيروت وإنزال جوي بريطاني في الأردن.

ب.              ضمان اعتراف دول الحلف بحكومة الثورة، وبالنظام الجمهوري في العراق[7].

ج.  رغبة حكومة الثورة في عدم قطع العراق علاقاته بالدول المجاورة، وقد أكد ذلك البيان الأول الصادر عن الثورة عندما بيّن ضرورة التعاون مع الدول الإسلامية.

د.  رغبة حكومة الثورة في استمرار الحصول على الأسلحة من الدول الغربية، وأكد عبد الكريم قاسم ذلك في مؤتمر صحفي عقد في بغداد في 30 أغسطس 1958.

هـ. قرب انتهاء مدة عضوية العراق في الحلف عام 1960 وإمكان الخروج منه بصورة طبيعية.

و.  عدم استقرار الأوضاع الداخلية في العراق، والصراعات العسكرية والسياسية التي نشبت بعد ذلك، مما دفع عبدالكريم قاسم إلى عدم توضيح سياسته الخارجية ليكسب بعض الوقت للسيطرة على الموقف.

ز.  رغبة حكومة الثورة في عدم إثارة الحكومة البريطانية ضدها، وخلق المشكلات السياسية والاقتصادية لها عن طريق شركات النفط والأرصدة العراقية هناك.

     ولكن التوجهات العامة في العراق كانت تنادي بضرورة الانسحاب من الحلف. فالصحف العراقية جميعها التي كانت تصدر في الفترة من 14 يوليه 1958، وحتى خروج العراق من حلف بغداد، كانت تؤكد على ضرورة الانسحاب من الحلف حتى تستكمل الجمهورية العراقية تحررها السياسي. كما أن الأحزاب السياسية العاملة في العراق بعد الثورة، كانت تؤكد على ضرورة انسحاب العراق من حلف بغداد، وإلغاء الاتفاقية الثنائية مع بريطانيا، وجاء ذلك في مذكرة رفعتها بعض الأحزاب إلى عبدالكريم قاسم، يوم 14 يوليه 1958 جاء فيها: "وهذا يستوجب في الظرف الراهن إعلان انسحاب العراق فوراً من ميثاق بغداد".

     ومن ناحية أخرى، فقد هاجمت الجمهورية العربية المتحدة بأجهزتها المختلفة، ورئيسها جمال عبدالناصر، العراق، بعد فشل حركة تزعمها أحد الضباط "الشواف" في الموصل في شهر مارس 1959 للانقلاب، واتهمت حكومة العراق بالتعاون مع الدول الإمبريالية، إذ قال عبدالناصر في إحدى خطبه: "وقاومنا الضغط والأحلاف العسكرية، وحاربنا حلف بغداد، حتى لا ندخل ضمن مناطق النفوذ، وما زال حلف بغداد حتى اليوم يضم بغداد، وقد سقط من أجله الشهداء، وسقط من أجله، الذين كافحوا ليخرج العراق من مناطق النفوذ". وفي خطاب آخر قال: "شعب العراق الذي قاسى وحارب نوري السعيد، ليتخلص من التبعية، ويتخلص من حلف بغداد، وما زال اليوم في حلف بغداد، ما زال اليوم يحارب مرة أخرى ليتخلص من التبعية".

     ومن ثمَّ، سارع العراق في 24 مارس 1959، إلى إعلان انسحابه من حلف بغداد، وإلغاء الاتفاقية الثنائية العسكرية مع بريطانيا، وأعلن الانسحاب من المنطقة الإسترلينية، ومن مبدأ أيزنهاور، والاتفاقات العسكرية الأمريكية، وأعلن وزير الخارجية العراقي (هاشم جواد) إلى سفراء تركيا وإيران وباكستان وبريطانيا في بغداد، أن ثورة 14 يوليه قد استهدفت تحرير العراق من كل قيد أو معاهدة أو اتفاق يمس سيادة الجمهورية العراقية، ثم سلم كلاًّ منهم مذكرة حول هذا الانسحاب، تضمنت رغبة الحكومة العراقية في الانسحاب من الحلف. وقد جاء في نص المذكرة "إن ثورة 14 تموز قد أحدثت تغييراً جوهرياًّ في كيان العراق الداخلي، كان من أبرز مظاهره تغيير نظام الحكم وقيام الجمهورية في البلاد، التي أصبحت تعبر تعبيراً صادقاً عن إرادة الشعب، بجميع طبقاته، وعن رغبته في وجوب قيام تعاون وثيق بين حكومته وبين الدول كافة، على أساس الصداقة، وعلى قدم المساواة وفقاً لمصالحه المتبادلة معها، للعمل في سبيل حفظ السلام في العالم تمشياً مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وإن بقاء العراق طرفاً في ميثاق بغداد لا يتماشى مع سياسة الحياد الإيجابي التي أعلنتها وسارت بموجبها، منذ 14 يوليه 1958، كما أنه لا ينسجم مع رغبات الشعب العراقي الذي أعرب عن معارضته للحلف.

     ومن جهة أخرى أعلمت الحكومة العراقية السفير البريطاني في بغداد، عن طريق وزير الخارجية، بأن "الحكومة العراقية على استعداد لعقد معاهدة صداقة مع بريطانيا لرعاية المصالح المتبادلة بين الدولتين" إلا أن الحكومة البريطانية رفضت هذا الاقتراح. كذلك أعلمت كلاًّ من تركيا وإيران وباكستان الأعضاء بحلف بغداد، بالتزام العراق باتفاقيات الصداقة المعقودة بينها والتمسك بميثاق الأمم المتحدة للمحافظة على السلم في الشرق الأوسط. وأعلن العراق، كذلك، انسحابه من جميع الاتفاقيات التي عقدها في ظل النظام الملكي، بما فيها برنامج المساعدات الأمريكية، ومبدأ أيزنهاور.

     وعلى الرغم من انسحاب العراق؛ فقد اعتبر حلف بغداد نفسه مسؤولاً عن حفظ الأمن في الشرق الأوسط بصورة عامة، وفي بعض الأقطار العربية بصورة خاصة، ولذلك فقد بحث في اجتماعاته التي انعقدت فيما بعد موضوع السلام في المنطقة والصراع العربي الإسرائيلي والوضع في العراق وتأثيراته على دول المنطقة، عرض فيه أن العناصر الشيوعية قد تغلغلت في أجهزة الدولة، وأصبحت تشكل خطورة على الأمن في الشرق الأوسط، وتعرض مصالح الدول الغربية فيه للخطر. وقد أكد ذلك مدير الدائرة السياسية بوزارة الخارجية الإيرانية للسفير العراقي في طهران، كما بُحث خلال الاجتماع المذكور ضرورة مساعدة العراق لمواجهة الحشود العسكرية للجمهورية العربية المتحدة على حدود العراق الغربية.




[1]  كان رأي كامل الجادرجي هو عدم مساهمة المدنيين في الوزارة الأولى للثورة، وتكون وزارة عسكرية صرفة حتى تستتب الأمور، ولكن نتيجة لضغط الضباط الأحرار على زعماء الحزبين وافق كامل الجادرجي على اشتراك حزبه في الوزارة الأولى للثورة.

[2]  ذكر عبدالكريم قاسم في تصريح له بشأن استقالة محمد حديد من وزارة المالية في أبريل 1960: أننا نعرف الأستاذ محمد حديد قبل قيام الثورة، وقد أجرينا المداولة معه حول وضع الخطة المالية لحكومة الثورة قبل قيامها لضمان سلامة الوضع الاقتصادي في البلاد.

[3]  كان الاتفاق بين القيادة القطرية للحزب وقادة الثورة هو إعطاء مقعدين وزاريين للحزب عند نجاح الثورة.

[4]  قال فاضل حسين: ` ذكر لي العقيد الدراجي أن قائمة أسماء الوزارات الأولى كانت تضم، حين اطلع عليها، اسم فائق السامرائي وزيراً للداخلية، وكامل الجادرجي وزيراً للاقتصاد، ولكن عبدالسلام محمد عارف رغب في أن يكون وزيراً للداخلية، فوافق قاسم على ذلك، أما الجادرجي فإنه رفض المساهمة في الوزارة لتجربته السابقة مع العسكريين، إبان انقلاب بكر صدقي عام 1936، إلاّ أنه وافق على ترشيح عضوين من حزبه بالوزارة الأولى.

[5]  تم تشكيل لجنة مؤلفة من محمد صديق شنشل، ومحمد حديد، وإبراهيم كبة، والزعيم أحمد محمد محيي لوضع منهاج عمل للسياسة العربية، واجتمعت اللجنة مرتين، تم خلالها صياغة خطاب عبدالكريم قاسم بمناسبة ذكرى تأسيس الجيش العراقي في 6 يناير 1959، والذي تم التركيز فيه على القومية العربية وضرورة اتباع سياسة عربية موحدة، وبعد ذلك انتهت أعمال اللجنة دون أن تحقق أي تقدم في هذا المجال؛ بسبب عدم التزام بعض الأحزاب بتلك السياسة، وكذلك عدم التزام رئيس الوزراء عبدالكريم قاسم بها.

[6]  ضم الحزب الآتيين بعد ( محمد حديد ـ حسين جميل ـ هديب الحاج محمود ـ جعفر البدر ـ عواد علي النجم ـ خدوري خدوري ـ مطهر العزاوي ـ عبدالله عباس ـ يوسف الحاج إلياس ـ نائل سمحيري ـ سلمان على العزاوي ـ عراك الزكم ـ محمد السعيد ـ حسن زكريا).

[7]'  ذكر عبد الكريم قاسم في المؤتمر الصحفي الذي عقد في مبنى وزارة الدفاع في 24 يوليه 1958، أن دول الميثاق ما زالت غير معترفة بالوضع الجديد، وعليه فلا يمكننا بحث هذا الموضوع ـ ` نقلاً عن صحيفة الجمهورية العراقية ، العدد 8 بتاريخ 25 يوليه 1958.

[8]  شملت المشروعات التي نفذها الاتحاد السوفيتي مشروعات الفولاذ والأسمدة والكبريت والعقاقير الطبية، ومعامل إنتاج المعدات الزراعية، والآلات الكهربائية، ومعمل المصابيح الكهربائية، ومحطة إذاعة، ومعمل للزجاج، ومعمل منسوجات قطنية، وآخر للمنسوجات الصوفية، وآخر للخياطة، كما اشتمل على الأعمال الجيولوجية، وتقديم مساعدة فنية لتأسيس خمس مزارع حكومية ومساعدات فنية ومحطات للري، وكذا إنشاء خط سكة حديد بغداد-البصرة وآخر من كركوك والسليمانية.

[9]  نص مسودة الاتفاقية معاهدة أخوة وتحالف بين حكومتي الاتحاد العربي وإمارة الكويت: الديباجـة: الفريق الأول… حكومة الاتحاد العربي. الفريق الثاني… إمارة الكويت المستقلة. مسلسل1: تسود أخوة وصداقة دائمتين بين حكومة الاتحاد العربي وبين إمارة الكويت المستقلة، ويؤسس بين الفريقين المتعاقدين تحالف وثيق توطيداً لصداقتهما وصلاتهما الطيبة. مسلسل 2: تعترف حكومة الاتحاد العربي بكيان إمارة الكويت المستقلة، وبنظام الحكم القائم بها. مسلسل 3: يقوم بين الفريقين المتعاقدين تشاور تام في شؤون السياسة الخارجية التي لها علاقة بمصالحها المشتركة، وتتعهد حكومة الاتحاد العربي بإسداء كافة المساعدات المقتضية لتنظيم الشؤون المختلفة بعد مشاورة الفريق الثاني. مسلسل 4: يمثل كل من الفريقين المتعاقدين، لدى الفريق الآخر، ممثل دبلوماسي يعتمد وفقاً للأصول المرعية. مسلسل 5: يوافق أمير الكويت على قيام حكومة الاتحاد بتنظيم القوات المسلحة في الكويت وتدريبها على أحدث الأساليب العصرية، وتشمل ( تعليم ضباط، تقديم الأسلحة والعتاد، تقديم ضباط عراقيين كمستشارين للكويت). مسلسل 6: إذا اشتبك أحد الفريقين المتعاقدين في حرب، نتيجة وقوع عدوان على أراضيه من قبل جهة أجنبية، فيتعهد الفريق المتعاقد الآخر المباشرة بمعاونته في رد العدوان بجميع إمكاناته. مسلسل 7: اتفق الفريقان المتعاقدان على ضرورة قيام تعاون وثيق بينهما في شتى مجالات الإدارة والقضاء والاقتصاد والتعليم والمواصلات، كما اتفقا على توجيه النظم والتشكيلات المتعلقة بهذه الشؤون على قيام اتحاد جمركي بينهما وذلك على ضوء مصالحها المشتركة. مسلسل 8: يتمتع مواطنو كل من الفريقين المتعاقدين بحرية التملك والتنقل في جميع أنحاء إقليم الفريق الآخر، وكذلك بحرية السكن والإقامة في أية جهة من جهاته، واختيار المهنة وممارسة أية حرفة أو تجارة أو عمل . مسلسل 9: تساهم حكومة الكويت بنسبة في ميزانية حكومة الاتحاد العربي لقاء قيام هذه الحكومة بالالتزامات والخدمات المنصوص عليها في هذه الاتفاقية. مسلسل 10: تبرم هذه الاتفاقية وفقاً للأصول الدستورية المتبعة في بلاد كل من الفريقين.

[10]  كان القوميون ينادون بشعار الوحدة، والعناصر الأخرى بما فيهم الديموقراطيون والشيوعيون ينادون ويرفعون شعار الاتحاد.

[11]  يذكر الزعيم الركن محيي الدين عبدالحميد ـ أن عبدالكريم قاسم ذكر لعبدالسلام محمد عارف أن قادة الفرق متذمرون؛ لأن نائب القائد العام أقل منهم رتبة ـ كما صدر بيان مجلس الوزراء يقول: إن هذا التدبير ليس إقالة، وإنما يستطيع عبدالسلام محمد عارف الانصراف إلى مهام وزارته.

[12]  جاء في بيان حزب البعث العربي الاشتراكي: في القطر العراقي في أغسطس 1962 حول الانتخابات العمالية: ` ولما كانت حكومة قاسم في أمسّ الحاجة إلى أي مظهر من مظاهر الشعبية والديمقراطية، مهما كان زائفاً، للاستفادة منه في واقعها هذا، الذي يتميز بسخط الشعب عليها، واحتقاره لها، وانصرافه عنها؛ فإنها لم تلغ الانتخابات النقابية، وإنما عملت على تزييفها لمصالحها واستخدمت في عمليات التزييف هذه كل ما لديها من أساليب البطش، والتزوير والإغراء والدعاية الكاذبة، وزجت في معركتها ضد العمال بكل عملائها ووكلائها ومأجوريها`. حزب البعث الاشتراكي. أما الحزب الشيوعي العراقي: فقد أصدر بيانًا في 22 ديسمبر 1962، حول الانتخابات المهنية، جاء فيه: ` لقد ساهمت الديكتاتورية العسكرية وأجهزتها القمعية المعادية للشعب في انتزاع بعض هذه المنظمات المهنية من منتسبيها، وتسليمها إلى عناصر العهد البائد. وهذا ليس بغريب، إذ أن الديكتاتورية والسلطة الحاكمة ترى في الديموقراطية خطرًا على سياستها المستبدة. لذا فمن الطبيعي أن تثابر على تجميد هذه المنظمات، ومن ثم إلغائها وتدميرها`. بيان الحزب الشيوعي العراقي الصادر في 22 ديسمبر 1962 تحت عنوان ` حول انتخابات المنظمات المهنية`. وجاء في بيان الحزب الشيوعي، أيضاً، حول الوضع الاقتصادي: ` إن الارتفاع المتواصل في أسعار مواد الاستهلاك، جعل الأرقام قياسية لأسعار اللحوم، ومنتجات الألبان، إضافة إلى تفاقم الغلاء، وتفشي البطالة، والكساد، وتضخم جيش المهاجرين من الريف إلى المدن، علاوة على استحكام أزمة السكن، وارتفاع الإيجارات التي استنزفت 35 % من أجر العامل وذوي الدخل المحدود

[13]  يذكر السيد فؤاد الركابي: جاءت الساعة الرابعة بعد الظهر من يوم الثورة، وكان قد انتهى الموقف تماماً، وبدأ الضباط الأحرار يدخلون إلى وزارة الدفاع، ثم توجه عدد منهم يطلب إلى الزعيم قاسم تشكيل مجلس قيادة الثورة، ولكن قاسم تجاهل الطلب، فأعاد الضباط الطلب عليه. فقال: أنا لا أستطيع أن أقرر شيئاً إلاّ إذا وافق أخي عبدالسلام محمد عارف. وقال عبدالسلام محمد عارف: إخواني أريد أن أقولها لكم، الآن أستطيع أن أخبركم أن الثورة قد انتصرت، وأصبح على كل فرد منكم الآن أن يؤدي مسئولياته كاملة تجاه الثورة، ولكي تُؤدى هذه المسئوليات بنجاح على كل فرد منا أن يلتحق بالمهنة الموكلة إليه، وغداً صباحاً سيباشر مجلس الوزراء دراسة جميع القضايا المقدمة من جميع الجهات، وسنضع مقترحاتكم أمام أعيننا`.

[14]  تم إبعاد الشواف عن بغداد لخلافه الشديد مع عبدالسلام محمد عارف، ولذلك ألغى تعيينه حاكماً عسكرياًّ عاماَّ، وعُين آمرًا لحامية الموصل بعيدًا عن بغداد.

[15]  كان جاسم العزاوي مرافقاً لعبد الكريم قاسم خلال فترة حكمه. ` هذا وقد ذكر بعض وزراء الوزارة الأولى للثورة أن عبدالسلام محمد عارف تم طرده واعتقاله بناء على تقرير قدمته السفارة البريطانية إلى قاسم تقول فيه: إنه تأكد لديها أن عبدالسلام محمد عارف يدبر خطة لقلب نظام الحكم، وطرد قاسم من رئاسة الوزارة`. أحمد فوزي، ` قصة عبد الكريم قاسم كاملة`، ص209.

[16]  ذكر جمال عبد الناصر في خطاب ألقاه في دمشق مساء 15 مارس 1959 قائلا: ` إن عقدة العقد في قاسم العراق أنه كان يشعر أن الشعب العربي يعرف دور قاسم العراق في ثورة العراق؛ لأن دور قاسم العراق في ثورة العراق كان يتلخص في أن يدخل إلى بغداد بعد أن يستولي عليها عبدالسلام محمد عارف، فإذا نجح عبدالسلام فينصب قاسم نفسه، أو يدخل بعد هذا إلى بغداد إذا كانت ثورة العراق فشلت، وإذا كان عبدالسلام فشل؛ لينهي ثورة العراق ثم ليعلن ولاءه لعبدالإله ونوري السعيد.

[17]  من هذه الأسماء: الزعيم العبقري، الزعيم الغالي، الزعيم المعجزة، الزعيم القديس، زعيم العراق الأوحد، الزعيم الفذ، القائد الملهم، الزعيم البطل، الزعيم المقدام، الزعيم الألمعي، زعيمنا المنقذ، الزعيم معجزة السماء، الزعيم الغضنفر، زعيم العالم كله، الزعيم الذي لا ينام…الخ.

[18]  خطاب عبدالسلام محمد عارف في دمشق. أثار عبدالكريم قاسم؛ لأنه لم يذكر اسمه في الثورة. إذ جاء في خطابه المذكور: ` فأرسلت القوة إلى عدة أهداف، وأمرت بتوجيه جماهير الشعب إلى باستيل عبدالإله. وتسلمت النتائج، وقلت الحمد لله`. نص الخطاب: صحيفة الجمهورية، بغداد، العدد 3، 20 تموز ( يوليه ) 1958. ويذكر محمد صديق شنشل وزير الإرشاد القومي في الوزارة الأولى للثورة: بأنه تكلم مع عبدالكريم قاسم حول خطب عبدالسلام محمد عارف المرتجلة، وطلب من قاسم أن يحدث عارف بذلك. فرد قاسم قائلاً: دع الحبل يلتف حول عنقه.

[19]  ذكر العقيد عبدالوهاب الأمين في شهادته أمام المحكمة العسكرية العليا الخاصة: أن السيد فائق السامرائي سفير العراق لدى القاهرة نقل إليه حديثه مع الرئيس عبدالناصر حول رأيه في شخصية عبدالسلام محمد عارف، قال: ` عند اجتماع عبدالناصر بالعقيد عارف في دمشق يوم 19 يوليه 1958، أخذ انطباعاً عن عبدالسلام محمد عارف بأنه طفل، والسبب هو، بينما كانا جالسين على مائدة الطعام لتناول الغداء تحدث الرئيس عبدالناصر عن قضية الدكتور فاضل الجمالي وزير الخارجية العراقي في العهد الملكي، فأجابه عبدالسلام محمد عارف بلهجة شديدة بعد أن رمى السكين والملعقة من يده بشدة على المنضدة. هل تريد أن أقتله؟ طلقة بعشرين فلس.

[20]  مما يؤكد ذلك أن عبدالسلام محمد عارف بعد عودته للحكم في عام 1963، لم يعلن الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة، على الرغم من أن حكمه استمر حتى إبريل 1966.

[21]  أكد محمد صديق شنشل: ` أن وزارة 7 فبراير هي وزارة كامل الجادرجي؛ لأن أغلب وزرائها إما أعضاء في حزبه؛ وإما مؤيدون له ولأفكاره.

[22]  إذ جاء في خطابه: أما ما حدث أخيراً في كركوك فإنني أشجبه وأشجبه شجباً تاماًّ، وباستطاعتنا أيها الإخوان أن نسحق كل من يتصدى لأبناء شعبنا بأعمال فوضوية نتيجة للحزازات والأحقاد والتعصب الأعمى... واستطرد قائلاً: إنني سوف أحاسب حساباً عسيراً أولئك الذين اعتدوا على حرية الشعب في كركوك بصورة خاصة، وفي المدن الأخرى والقرى والأرياف.

[23]  من الأسباب التي دعت عبدالكريم قاسم إلى عدم تنفيذ أحكام الإعدام، الضغط السياسي الذي مارسه الضباط القوميون والمحيطون بقاسم، إضافة إلى التظاهرات الجماهيرية والانتقادات الشديدة التي واجهت أحكام الإعدام، بالإضافة إلى الحملة التي مارستها قيادة حزب البعث ضد عبدالكريم قاسم.

[24]  يذكر د. فاضل حسين، أن فائق السامرائي كان مرشحاً وزيراً للداخلية في أول وزارة للثورة، ولكن رغب في أن يكون وزيراً للداخلية، فوافق عبدالكريم قاسم على ذلك.