إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة 23 يوليه، في مصر




وثيقة التنازل عن العرش
وداع علي ماهر
محمد نجيب وعبدالناصر
محاصرة قصر عابدين
مع ضباط الكتيبة (13) مشاة
لقاء مع الإخوان المسلمين
مقر مجلس قيادة الثورة
مقر رأس التين بالإسكندرية
اللواء محمد نجيب وعلي ماهر
الملك فاروق والسفير البريطاني
الملك فاروق في احتفال
البيان الأول للثورة
اليخت الملكي المحروسة
الرسالة الموجهة للملك فاروق
اجتماع مجلس قيادة الثورة
تعليمات بعودة اليخت المحروسة
دبابة أمام قصر المنتزه
زيارة للوحدات العسكرية





الملحق الرقم (16)

ملحق

رواية السادات عن الأحداث

         بعد أن تركت علي ماهر، توجهت إلى قشلاق مصطفى باشا مقر قيادة القوات العسكرية في الإسكندرية، حيث كان زكريا محيي الدين. كان جزء من قواتنا قد وصل والباقي في الطريق، ولكن زكريا محيي الدين أخبرني أنه لن يكون مستعداً لمحاصرة قصر رأس التين وقصور الملك الأخرى قبل أن نوجه له الإنذار إلا في الساعة السابعة صباح اليوم التالي 26 يوليه، إذ أن الجنود بعد هذه الرحلة الشاقة من القاهرة إلى الإسكندرية، لابد لهم من تناول وجبة ساخنة، ثم إنه لن يكتمل وصولهم قبل الساعة السادسة مساء 25 يوليه، وهو الميعاد الذي حددته لمقابلة علي ماهر، وإبلاغه بإنذار مجلس القيادة.

        لم يكن هناك مفر من التأجيل، فاتصلت بعلي ماهر، وطلبت منه تأجيل ميعادنا إلى الساعة التاسعة صباح 26 يوليه، ولكن قبل أن يتم اللقاء كان زكريا محيي الدين قد حاصر بالجزء الأكبر من قواته مقر الملك حينذاك وهو قصر رأس التين حيث قامت معركة بين القوات وبين الحرس الملكي، أصيب فيها عدد من الحرس. انزعج الملك، فسحب قوات الحرس، واتصل بعلي ماهر، كما اتصل بالسفير الأمريكي يستنجد به خوفاً من القبض عليه وقتله، ولكن كافري كان حريصاً فأرسل له سكرتيره الخاص خوفاً من خلق حساسية معنا ولمعرفته أن الملك مكروه وأنه قد خسر المعركة.

        في التاسعة من صباح 26 يوليه، اتجهت ومعي الفريق محمد نجيب إلى بولكلي، كان في البهو المؤدي إلى حجرة رئيس الوزراء عدد ضخم من الصحفيين والكل يتطلع إلي ويسأل ما الأخبار؟ وفجأة تقدم مني رجل عرفت منه أنه مستشار السفارة الأمريكية. وسألني وهو في حالة انفعال لماذا حاصرت قواتنا الملك في قصر رأس التين، وكيف حدث إطلاق نار. إلخ، نظرت إليه بلا مبالاه، وقلت له إن هذا ليس من شأنه فانسحب، وتقدم مني رجل آخر، مصري هذه المرة، وهمس في أذني "حاجة مهمة يافندم، الدكتور يوسف رشاد على التليفون ويلح أنه يكلمك قبل ما تدخل عند علي ماهر".

        كان واضحاً أن الملك يريد أن يطمئن، وأنه كان مازال يعتقد أني كصديق ليوسف رشاد يمكنني مساعدته، فالتفت إلى الرجل وقلت: "قل ليوسف رشاد ينتظر، العجلة دارت ولن تعود مرة أخرى إلى الوراء".

        لقد كان الدكتور يوسف رشاد صديقاً عزيزاً استخدمته في تضليل الملك؛ ولذلك ولأن الأمر أكبر من الصداقة وهو مصلحة الوطن فقد رفضت أن أكلمه إلا بعد أن تنتهي معركة التخلص من الملك. أما بعد خروج الملك وبعد أن أصبح كل شيء في أيدينا فيوسف رشاد بالنسبة لي هو الصديق الذي أحبه وأحفظ له وقوفه إلى جانبي في ساعة الشدة، ولذلك فإنه بعد التخلص من الملك وحين طلب مني مجلس قيادة الثورة اعتقال يوسف رشاد، فوجئ مجلس قيادة الثورة بي وأنا أدخل الاجتماع، أحمل في أيدي حقيبة ملابسي، وأقول لهم "يوسف رشاد هذا الذي تتكلمون عنه أنا فعلت معه كذا وكذا وكذا، عبدالناصر يعلم كل التفاصيل ولذلك إذا اعتقلتم يوسف رشاد فيجب أن تعتقلوني معه، وأنا على أتم استعداد لذلك كما ترون، فمعي حقيبة ملابسي، فهذا أمر خلقي ومبدئي بالنسبة لي. ولم يعتقل يوسف رشاد وتركوه وشأنه إلى أن مات.

        بعد أن دخلنا حجرة علي ماهر، لم أضيع وقتاً ففتحت الحقيبة التي في يدي، وأخرجت منها الإنذار الموجه من مجلس قيادة الثورة، وهو بخط يدي، إلى الملك وبدأت أقرؤه، طلبنا فيه مغادرة الملك للأراضي المصرية في الساعة السادسة مساء يوم 26 يوليه 1952، فإن لم يفعل فإن عليه أن يتحمل المسؤولية كاملة. كانت الصدمة واضحة على وجه رئيس الوزراء، ولكنه أفاق منها بعد لحظات، واخذ الإنذار ليبلغه إلى الملك.

        وفي العاشرة والنصف أي بعد ساعة ونصف من تسليم الإنذار اتصل بي علي ماهر رئيس الوزراء من مقره في بولكلي بعد عودته من مقابلة الملك، وأبلغني أن الملك قد قبل الإنذار ورجاني أن ألحق به في مكتبه للاتفاق على صيغة التنازل. فقد كان مطلبنا في الإنذار أن يتنازل الملك عن عرشه لابنه الأمير أحمد فؤاد.

         ذهبت إلى مكتب علي ماهر مع أحد الزملاء، جمال سالم، حيث أطلعنا على صيغة التنازل، وفيها أن يوضع الأمير أحمد فؤاد تحت الوصاية، فقد كان في ذلك الوقت طفلاً صغيراً، ووافقنا على الصيغة، ثم أرسلناها إلى الملك. فوقعها وعلى الفور اتصلت بقائد المحروسة يخت الملك الخاص، وطلبت إعداده للإبحار بالملك وأسرته في السادسة مساء على أن يعود اليخت إلى مصر بمجرد أن ينتهي من مهمته.

        في قشلاق مصطفى باشا جلست مع إخواني في القيادة ممن كانوا معي في الإسكندرية، نتلقى التهاني من موكب رجال الأحزاب وكبار البشوات والباكوات والإقطاعيين فإذا بنا نفاجأ بطلب المقابلة من القائم بالأعمال البريطاني وفي صحبته الملحق العسكري في السفارة البريطانية وطبعاً كان الملحق العسكري يرتدى زياً رسمياً على طريقة مواكب الإمبراطورية القديمة التي كانوا يرهبون بها المستعمرات، وكان السفير البريطاني في إجازة، استقبلناهما.

        قدم القائم بالأعمال لنا مذكرة، فحواها أنهم باعتبارهم أصدقاء لنا، فهم يطلبون معرفة موقف الثورة من أسرة محمد على وحقوقها التاريخية، ويطلبون كذلك فرض حظر التجول حماية لأرواح الأجانب.

        كان أول اصطدام لنا مع الإنجليز بعد الثورة، فقلت هذه فرصة لكي نلقنهم درساً كنا نتوق إليه طوال عمرنا، التفت إلى الرجلين وقلت:

        "البند الأول، أسرة محمد علي وحقوقها التاريخية، ما دخلكم أنتم في هذا؟ هل هي أسرة إنجليزية؟ أمركم غريب والله! أما عن حماية الأجانب، فيجب أن تعلموا أن هذه بلدنا، وأنه منذ اليوم لا أحد مسؤول عنها إلا نحن، ونحن فقط، أفهمتم؟ ثم إننا نريد أن نعرف، بأية صفة تقولون هذا الكلام؟ هل هي رسمية؟ إذ كان الأمر كذلك فنحن نريد كلامكم مكتوباً وموجهاً من الحكومة البريطانية حتى نستطيع أن نتخذ موقفاً من حكومتكم".

        تراجع القائم بالأعمال البريطاني على الفور وقال إن الورقة، التي قرأ منها الكلام، ورقة عادية وأن حكومته لا تعرف شيئا عنها أو عن زيارته لنا، وإنه قد أتى إلينا كصديق، وليس بأية صفة أخرى، ورجاني أن أعتبر الزيارة كأن لم تكن، باختصار انسحب بكل الأساليب الناعمة التي يمكن تصورها.

        بمجرد خروجه، أبلغت إخواني في القيادة بالقاهرة بأن أول احتكاك لنا مع بريطانيا قد وقع في الساعة الثانية عشرة ظهر يوم 26 يوليه، وأنه انتهى بانسحاب بريطانيا وتراجعها تراجعاً كاملاً.

        اتصلت بعد ذلك بالميناء، فعرفت أن كل شيء على ما يرام بالنسبة لليخت المحروسة، وإجراءات خروج الملك على ظهرها ـ أصدرت أوامري لمدفعية السواحل بعدم التعرض للمحروسة، كما أعطيت تعليماتي لسلاح الطيران بتجهيز بعض الطائرات لتحية الملك أثناء مبارحته المياه المصرية.

        وهكذا في السادسة من مساء 26 يوليه عام 1952، غادر الملك فاروق الأراضي المصرية. وكان في وداعه من رجـال الثورة على اليخت محمد نجيب وجمـال سالم وحسين الشافعي. أما أنا فقد وقفت على ظهر البارجة إبراهيم في الميناء، أكبر قطعة بحرية عندنا في ذلك الوقت، أراقب الطائرات وهي تحوم فوق المحروسة تحيي الملك مودعة، لفتة بسيطة ـ هكذا قلت لنفسي ـ ولكنها تحمل من معاني الثقة بالنفس والكبرياء والسماحة ما يعبر عن روح مصر عبر الزمان.