إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة 23 يوليه، في مصر




وثيقة التنازل عن العرش
وداع علي ماهر
محمد نجيب وعبدالناصر
محاصرة قصر عابدين
مع ضباط الكتيبة (13) مشاة
لقاء مع الإخوان المسلمين
مقر مجلس قيادة الثورة
مقر رأس التين بالإسكندرية
اللواء محمد نجيب وعلي ماهر
الملك فاروق والسفير البريطاني
الملك فاروق في احتفال
البيان الأول للثورة
اليخت الملكي المحروسة
الرسالة الموجهة للملك فاروق
اجتماع مجلس قيادة الثورة
تعليمات بعودة اليخت المحروسة
دبابة أمام قصر المنتزه
زيارة للوحدات العسكرية





الفصل الحادي عشر

إنشاء وزارة للقصر

        وفي 14 أكتوبر 1952، صدر مرسوم بإنشاء وزارة للقصر، لأول مرة، بعد أن كانت ملغاة. وندب وزير العدل لهذه الوزارة.

الجلاء عن كوبري الفردان في أكتوبر عام 1952

        في 24 أغسطس عام 1952 انسحبت القوة البريطانية، المعسكرة بجمرك المعدية، عند كوبري الفردان. وأُنزل العلم البريطاني، ورفع العلم المصري، على مباني الجمرك، التي تسلمها الموظفون المصريون. وقد حيا الإنجليز العلم المصري، عند رفعه. وقال أحد كبار ضباطهم للضابط المصري: إن علمكم الآن جدير حقاً بالاحترام. ولما تم إصلاح كوبري الفردان، من التلف الذي أصابه، أثناء معارك القناة من 1951 ـ 1952، بقيت نقطة حراسة بريطانية تتحكم في الكوبري الجديد، فرفضت مصر استعمال الكوبري الجديد، إلا إذا سحبت بريطانيا هذه القوة. ثم انسحبت القوة البريطانية من نقطة الحراسة، التي كانت بجوار الكوبري، في أكتوبر 1952.

قضية حسين سري عامر

        حوكم اللواء حسين سري عامر، أمام محكمة عسكرية عليا، قضت عليه بالليمان المؤبد، وقد أفرج عنه صحياً.

قضية رأفت شلبي

        قبض، في سبتمبر 1952، على رأفت شلبي. الذي كان صف ضابط بالجيش، وعمل ممثلاً في المسرح الشعبي، بتهمة التحريض على إغراء بعض العسكريين على الخروج على النظام، وإحداث فتنة، بين القوات المسلحة، وإعادة الملك السابق. وأُلفت محكمة عسكرية لمحاكمته في سبتمبر عام 1952، وقد حُكم عليه، (بعد التخفيف)، بالأشغال الشاقة خمسة عشر عاماً.

إقالة رشاد مهنا الوصي على العرش

        يقول محمد نجيب: "لم تمر عشرة أسابيع على تعيين رشاد مهنا وصياً على العرش، حتى وقع الخلاف بينه. فقد تجاوز رشاد مهنا حدود سلطته الدستورية، بالتدخل في شؤون تطهير الأحزاب والهيئات السياسية، وبالاتصال بالوزراء، وإقحام نفسه في شؤونهم، وبالاتصال برجال الصحافة، ومناقشة الأمور معهم والاعتراض عليها. كما أنه كان كذلك، يسعى لإحياء الخلافة الإسلامية، ليكون هو على رأسها.

        وفي شهر أكتوبر 1952، اتصلت به، في مكتبه بقصر عابدين، لتهنئته بمولود رُزق به، ولتحديد موعد أراه فيه، لتكون التهنئة مباشرة، وجهاً لوجه، فإذا به يصرخ في وجهي، ويقول:

أريدك أن تأتي إلى مكتبي في القصر، ومعك السيد سليمان حافظ، نائبك، لمقابلتي. كنت أيامها رئيساً للوزراء. وتعجبت من هذا الاستدعاء، وعلى الرغم من ذلك، قررت أن أستجيب له؛ لأنه صادر من أحد الأوصياء، الذين لهم، بحكم مناصبهم، اتخاذ مثل هذه الخطوة. وتوجهت فعلاً أنا وسليمان حافظ، إلى القصر، وقابلت رشاد مهنا في مكتبه، أكثر من ساعة. كان ثائراً جداً، يتحدث إلينا في عنف، ويضرب المكتب بقبضة يده، ونحن نسمع ولا نعلق.

        قال رشاد مهنا: "أنني أحب أن تعرف أن رشاد مهنا ليس بصمجياً، إنني لا أقبل أن أجلس هنا، أوقع المراسيم التي ترسلونها إلينا فحسب. إنني ألاحظ أن الوزارة تتخذ خطوات كثيرة، لا أعرف عنها شيئاً، ولا يعرض علىَّ أية تفصيلات. إنك يا نجيب تستقبل ستيفنسون، (السفير البريطاني)، وكافرى، (السفير الأمريكي)، وتستدعي من السودان أقطابه، وتتباحث مع الجميع، من دون علمي، مع أنني واحد منكم، ولابد أن يؤخذ رأيي في كل شيء.

        قلت له في هدوء: "أنت ثائر الآن، وأنا أفضل أن أتركك، بضعة أيام، حتى تستعيد هدوءك". لكنه ازداد انفعالاً وقال، في ثورة شديدة: اعلموا أنني لن أكون طرطوراً. حاولت أن أوضح له الأمر، عندما انتقلت إلى مكتب الأمير محمد عبدالمنعم، ومعنا بهي الدين بركات، لكنه أصر على موقفه، وشاركه بهي الدين بركات. حاولت توضيح الموقف الدستوري لهم، لكنهما لم يقتنعا. وأصر رشاد مهنا على أن يقدم استقالته. وبقي الأمير محمد عبدالمنعم صامتاً. وأعلن بهي الدين بركات أنه سيستقيل هو الآخر. فاتخذنا قراراً بإقالته، وتحديد إقامته. واقترحت، على مجلس الوزراء، أن نكتفي بوصي واحد، هو الأمير محمد عبدالمنعم، ووافق سليمان حافظ، وقال:

ـ لا مانع من الناحية القانونية، إذ أن من السهل تعديل الأمر الملكي رقم 25 لعام 1923، والذي يقضي بأن يكون مجلس الوصاية مشكلاً من ثلاثة أعضاء. وفي جلسة واحدة، أخذنا الموافقة على إعفاء رشاد مهنا. وتعديل الأمر الملكي. وفي 14 أكتوبر 1952، أذعت البيان الخاص بإعفاء رشاد مهنا، والذي جاء فيه:

ـ لقد قام الجيش بثورته، وكان أول أهداف الثورة، القضاء على الطغيان، فأقصت ملكاً طاغياً، لا يحترم السلطات، دائب التدخل في شؤون الحكم. ويؤسفنا، وقد رشح الجيش أحد ضباطه، القائمقام أركان حرب محمد رشاد مهنا، في مجلس الوصاية المؤقت، وطلب منه أن يلتزم حدود وظيفته، كوصي، لا دخل له بشؤون الحكم. فأخذ تارة يتصل بالوزراء، طالباً إجابة مطالب شتى، أكثرها وساطات، ومحسوبيات. وتارة أخرى يتصل برجال الإدارة. وتمادى إلى أن حدث، يوماً، أن أمر بمباشرة إيقاف إصدار إحدى الصحف. بل وسحب رخصة أخرى. وقد نُبِّه، المرة تلو المرة، ولكنه تجاهل ما كان يُوجَّه إليه من نصح وإرشاد؛ فحدث أن سمح لنفسه بأن يعارض، علناً، قانون تحديد الملكية (الزراعية)، رغم علمه التام بأن القانون هو حجر الزاوية، في الإصلاح الشامل، الذي تريده الأمة، والجيش، وقيادته، التي قامت بتوجيه الحركة. بل وبلغ به التمادي، فأخذ يدلى بالتصريحات العامة للصحف، والمجلات المصرية، والأجنبية، وبعض هذه التصريحات من صميم سياسة الدولة، وهذا ما لا يجوز بحال أن يصدر من وصي على العرش. فتناول موضوع السودان، ومواضيع شتى داخلية، وأخذ يتصل بدور الصحف، موحياً إليها القيام بدعاية واسعة النطاق له. ودأب على بث روح التفرقة، حتى خيل للبعض أن هناك جملة اتجاهات للجيش، وليس اتجاهاً واحد قوياً، نحو غاية مرسومة. ولقد تحملت القيادة العامة تصرفاته هذه، على مضض أسبوعاً تلو أسبوع، إلى أن تقدم حضرته، رسمياً لنا بطلب تدخله الفعلي في كل أمر من أمور الحكم. ومن ذلك ظهر لنا، بوضوح، أن حضرته لم يستطع التمشي مع أهداف الحركة، والسير على مبادئها المرسومة. لذلك قررنا إعفاءه من منصب الوصاية على العرش. وليعلم الجميع أن هذه الحركة قائمة على المبادئ، ولم تقف في سبيلها نزوات أشخاص، أو أطماع أفراد. والله ولى التوفيق".

        واختفى بهذا البيان رشاد مهنا نهائياً من الحياة العامة. وعلى الرغم من ذلك، فإنني أسجل إعجابي واحترامي لرشاد مهنا. لا يمنع أن أذكر أنه كان ضحية مثلي؛ فقد أراد جمال عبدالناصر ومجموعته إبعاده، في منصب شرفي، (منصب الوصي) عن القيادة، وعن السلطة الفعلية، وعندما غضب، سارعوا بإبعاده. أكلوه لحماً ورموه عظماً، كما فعلوا بي، بعد ذلك، تماماً.

        ويقول رشاد مهنا: "أنا الذي أقلت نفسي، ولم يقلني جمال عبدالناصر. وأعطيت صورة من استقالتي لبهي الدين بركات، والأمير محمد عبدالمنعم وقد علموا بذلك".

عفو خاص

        في 11 أكتوبر 1952، صدر عفو عن المحكوم عليهما بالأشغال الشاقة المؤبدة، في قضية مقتل المستشار أحمد الخازندار، رئيس محكمة جنايات القاهرة، الذي حكم بالإدانة في بعض محاكمات الإخوان المسلمين. وصدر كذلك، في هذا التاريخ عفو عن المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة المؤبدة، لاشتراكهم في مقتل النقراشي، الذي كان قد حل جماعة الإخوان، وعن المحكوم عليهم في قضية قنابل المدرسة الخديوية.

        وقد أُفرج عن هؤلاء، وجميعهم من هيئة الإخوان، قبل أن يصدر قانون العفو الشامل، الذي سيجيء بيانه. وذهبوا على أثر إطلاق سراحهم، إلى مبنى المركز العام لجماعة الإخوان المسلمين، بالقاهرة. وكان الغرض من الإفراج عنهم، قبل صدور قانون العفو الشامل عن أصحاب الجرائم السياسية، هو إرضاء جماعة الإخوان المسلمين، فقد كانوا مستاءين من أنهم لم يمثلوا في وزارة محمد نجيب. وصدر العفو، كذلك، عن العقوبات التبعية، والآثار الجانبية للعقوبات، المحكوم بها، من محكمة جنايات الإسكندرية عام 1947، في قضية قنابل الإسكندرية.

العفو الشامل عن المحكوم عليهم أو المتهمين في الجرائم السياسية

        ثم صدر في 16 أكتوبر 1952، المرسوم بالقانون الرقم 241 لعام 1952، بالعفو الشامل عن الجرائم السياسية، التي وقعت في المدة، من توقيع معاهدة 26 أغسطس 1936، إلى 23 يوليه 1952، أو المتهمين في قضايا سياسية، خلال هذه المدة، ولم تزل قضاياهم أمام المحاكم. ونص في المادة الثانية، من هذا القانون، على أن النائب العام يعلن، في خلال شهر من تاريخ العمل به، كشفاً بأسماء من شملهم العفو. وقد بلغت أعدادهم 934 شخصاً.

إنشاء وزارة الإرشاد القومي

        في 10 نوفمبر 1952، صدر مرسوم بقانون بإنشاء وزارة جديدة، باسم وزارة الإرشاد القومي، ومهمتها توجيه أفراد الأمة، وإرشادهم إلى ما يرفع مستواهم المادي والأدبي، وتقوية روحهم المعنوية، وشعورهم بالمسؤولية، وحفزهم إلى التعاون، والتضحية، ومضاعفة الجهد، في خدمة الوطن. وإرشادهم بما يجب لمكافحة الأوبئة، والآفات الزراعية، والعادات المؤذية. وبصفة عامة ما يعين على جعلهم مواطنين صالحين، وتيسير سبل الثقافة الشعبية. وتنظيم السياحة في مصر وتنشيطها، وتزويد الرأي العام العالمي، ودوائر الثقافة والسياسة، وبأصدق البيانات والإحصائيات والأرقام، والصور، والرسوم، عن حقائق الأمور في مصر. وقد ضُمت، إلى هذه الوزارة، إدارات من مختلف الوزارات، وأُسندت، بادئ الأمر، إلى فتحي رضوان، وكان وزير دولة في الوزارة.

إجراءات القيادة لا تخضع للمحاكم

        في 13 نوفمبر 1952، صدر مرسوم بقانون، في شأن التدابير المتخذة لحماية ثورة 23 يوليه، يقضي باعتبار كل تدبير اتخذه، أو يتخذه القائد العام للقوات المسلحة، "باعتباره رئيس حركة الجيش"، بقصد حماية هذه الحركة، والنظام القائم عليها، من "أعمال السيادة"، إذا اتخذت هذه التدابير في مدة لا تتجاوز ستة أشهر، من بدء الثورة، أي من 23 يوليه 1952، إلى 23 يناير 1953. وكنتيجة لهذا المرسوم لا يجوز، الطعن أمام القضاء، في تدابير القائد العام، التي يتخذها أثناء الستة أشهر المذكورة.

        وكانت مدتة الستة أشهر هي القدر، الذي رأته قيادة الحركة، وقتئذٍ، لازماً لتأمينها لكي تستطيع إعادة النظر في الإجراءات، والأعمال، لتوقف منها ما تزول دواعيه. ثم مُدَّت هذه المدة، ستة أشهر أخرى، بموجب المرسوم بقانون، الصادر في 18 يناير 1953.

إلغاء مجلس البلاط الملكي

        في 27 نوفمبر 1952، صدر مرسوم بقانون تضمن إلغاء مجلس البلاط الملكي، الذي كان مختصاً بنظر الأحوال الشخصية، لأفراد الأسرة المالكة، وإحالة القضايا المنظورة أمامه إلى الجهة المختصة، أي المحاكم العادية.

إنشاء مجلس تنمية الإنتاج القومي

        وفي 2 أكتوبر 1952، صدر مرسوم بقانون بإنشاء مجلس دائم لتنمية الإنتاج القومي، مهمته بحث المشروعات الاقتصادية، التي من شأنها تنمية الإنتاج القومي، في النواحي الزراعية والصناعية والتجارية، وما يتعلق بها من مشروعات الري، واستصلاح الأراضي البور، والأراضي الصحراوية، وتنويع المحصلات، وتحسين وسائل الزراعة، وتخصيص المناطق الزراعية، وتنمية الإنتاج الحيواني، ومشروعات توليد القوى الكهربائية، وإنشاء الطرق، وتحسين وسائل النقل الأخرى، والبحث عن البترول، وغيره من المعادن، وتشجيع الصناعات القائمة، وإنشاء صناعات جديدة، وتقوية حركة التصنيع بما يجعل الصناعة مورداً رئيسياً للبلاد، وتنظيم الأسواق الداخلية، والبحث عن أسواق خارجية للصادرات، والنظر في تدبير الوسائل اللازمة لتمويل هذه المشروعات، وسبل الاستعانة بالمصارف الدولية والأجنبية، والانتفاع برؤوس الأموال المصرية والأجنبية، وبحث نظام الضرائب والرسوم الجمركية، بما يساير نهضة الإنتاج، واقتراح ما يلزم من المشروعات، لتحقيق هذه الأهداف.

تعديل وزارة محمد نجيب

        في 9 ديسمبر 1952، حدث تعديل كبير في وزارة محمد نجيب، بتوجيه من القيادة، فاستقال أربعة من الوزراء، استجابة لمطلب القيادة، وهم: عبدالعزيز عبدالله سالم وزير الزراعة، وأحمد فراج طايع، وزير الخارجية، وعبدالعزيز علي، وزير الشؤون البلدية والقروية، وفريد أنطون، وزير التموين. وعُين كل من محمد فؤاد جلال، وزير الشؤون، وزيراً للإرشاد القومي، وصبري منصور، وزير التجارة والصناعة وزيراً للتموين، وفتحي رضوان، وزير الإرشاد القومي، وزير دولة، ومحمود فوزي، وزيراً للخارجية، وحلمي بهجت بدوي، وزيراً للتجارة والصناعة، ووليم سليم حنا وزيراً للشؤون البلدية والقروية، وعباس عمار، وزيراً للشؤون الاجتماعية، وعبدالرزاق صدقي وزيراً للزراعة. ومجلس القيادة هو الذي رأي هذا التعديل وقد طلب إلى الوزراء الأربعة أن يستقيلوا فاستقالوا.

        كان الوزراء الجدد، في هذا التعديل، هم: محمود فوزي، وحلمي بهجت بدوي، وعباس عمار، ووليم سليم حنا، وعبدالرازق صدقي. وفي يونيه 1953 استقال صبري منصور، وزير التموين. وأسندت أعماله إلى وزير التجارة والصناعة.

إعلان سقوط دستور عام 1923

        في 10 ديسمبر 1952 أعلن محمد نجيب، باسم الشعب، سقوط دستور 1923، في بيان أوضح فيه: ضرورة تغيير الأوضاع، التي كادت تودي بالبلاد، والتي كان سندها دستور 1923. وأن لا مناص من أن نستبدل بذلك الدستور، دستوراً آخر جديداً، يمكن للأمة أن تصل إلى أهدافها، حتى تكون بحق مصدر السلطات. وأن الحكومة آخذة في تأليف لجنة لوضع مشروع دستور جديد. وصرح علي ماهر، في محاضرة له يوم 14 نوفمبر 1952، أنه يرجو أن نواجه حياتنا السياسية، بدستور يتجنب تخلف دستور 1923، عن مسايرة الديموقراطية الحرة في تطورها، وأن دستور عام 1923 قام على المبادئ، التي كانت سائدة في القرن التاسع عشر، ولم يعد صالحاً للبقاء على حالته، في العصر الحديث.

محكمة جرائم الغدر 22 ديسمبر 1952

        في 22 ديسمبر 1952، صدر مرسوم بقانون، بمحاكمة المسؤولين عن جرائم الغدر، واستغلال النفوذ، من الموظفين العموميين، أو أعضاء البرلمان، أو كل شخص كان مكلفاً بخدمة عامة، أو كانت له صفة نيابية، وارتكب، بعد أول سبتمبر 1939، جريمة من جرائم الغدر. والعقوبات هي الحرمان من الحقوق السياسية، وتولى وظائف الشركات، ورد الأموال.

        وقُدِّم إلى محكمة الغدر كل من: كريم ثابت، والدكتور أحمد النقيب، ومحمد حسن، وغيرهم. وأصدرت المحكمة أحكاماً بالحرمان من الحقوق السياسية ومن التوظف لمدد متفاوتة.

لجنة الدستور

        في 13 يناير 1953، صدر مرسوم بتأليف لجنة، لوضع مشروع دستور جديد، "يتفق وأهداف الثورة". وقد أُلفت اللجنة من خمسين عضواً، هم، بترتيب ورودهم في المرسوم، بحسب حروف الهجاء: "إبراهيم شكري، الدكتور إبراهيم فهمي المنياوي، اللواء أحمد حمدي همت، الدكتور أحمد فكري، اللواء أحمد فؤاد صادق، أحمد لطفي السيد، أحمد محمد حسن، أحمد محمد خشبه، الدكتور السيد صبري، الدكتور حامد سلطان، حبيب المصري، الشيخ حسن مأمون، حسن محمد عشماوي، حسن مختار رسمي، زكي عريبي، صالح عشماوي، الدكتور طه حسين، عبدالحميد الصاوي، الدكتور عبدالرازق السنهوري، عبدالرازق القاضي، الشيخ عبدالرحمن تاج، عبدالرحمن الرافعي، الدكتور عبدالرحمن بدوي، عبدالسلام فهمي جمعه، عبدالقادر عودة، الدكتور عبدالوهاب مورو، الدكتور عثمان خليل عثمان، علي الشمسي، علي المنزلاوي، اللواء علي حلمي، علي زكي العرابي، علي ماهر، عمر عمر، فريد انطون، الشيخ محمد الأودن، محمد السيد ياسين، محمد صلاح الدين، محمد علي علوبة، محمد كمال خليفة، فكري أباظة، محمد عبدالله لملوم، محمد محمود جلال، محمود عزمي، محمود غالب، محمود محمد محمود، مصطفى الشوربجي، مصطفى مرعي، مكرم عبيد، الأنبا يؤنس، يواقيم غبريال".

        يمثل هؤلاء الخمسون مختلف الاتجاهات، والأحزاب، والطوائف، منهم ثلاثة من أعضاء لجنة دستور 1923، وهم: علي ماهر، ومحمد علي علوبة، وعلي المنزلاوي. وأربعة من الوفديين وهم: عبدالسلام فهمي جمعة، وعلي زكي العرابي، ومحمد صلاح الدين، وعمر عمر. واثنان من الدستوريين، هما: أحمد خشبة، ومحمود محمد محمود. واثنان من السعديين، هما: محمود غالب، وعبدالحميد الصاوي. وثلاثة من الإخوان المسلمين، هم: عبدالقادر عودة، وصالح عشماوي، وحسن محمد العشماوي. وثلاثة من الحزب الوطني، هم: عبدالرحمن الرافعي، وفكري أباظة، ومحمد محمود جلال. واثنان من الحزب الوطني "الجديد"، هم: عبدالرحمن بدوي، ويواقيم غبريال. وثلاثة من رؤساء القضاء، هم: أحمد محمد حسن، رئيس محكمة النقض، وعبدالرزاق السنهوري، رئيس مجلس الدولة، والشيخ حسن مأمون، رئيس المحكمة العليا الشرعية، وثلاثة من رجال الجيش والبوليس المتقاعدين، هم: اللواءات أحمد حمدي همت، وأحمد فؤاد صادق، وعلي حلمي.

        وقد انتخبت اللجنة علي ماهر رئيساً لها. وانتخبت لجنة فرعية، من خمسة عشر عضواً، سميت لجنة الخطوط الرئيسية لمشروع الدستور، وعدة لجان أخرى. وانتخبت لجنة الخطوط لجنة من خمسة أعضاء، هم: عبد الرزاق السنهوري، عبدالرحمن الرافعي، مكرم عبيد، السيد صبري، عثمان خليل عثمان، لبحث نظام الحكم أولاً، وهل يكون ملكياً أم جمهورياً. وقد قدمت اللجنة الخماسية تقريرها، الذي يتضمن الإجماع على أن يكون نظام الحكم جمهورياً، على أن يكون تقرير هذا النظام عن طريق استفتاء الشعب.

حل الأحزاب السياسية

        في 17 يناير 1953، أذيع إعلان من القائد العام للقوات المسلحة، بصفته رئيس حركة الجيش، إلى الشعب المصري؛ ندد فيه بالأحزاب القديمة، وأنها أفسدت أهداف ثورة 1919، وأرادت أن تسعى سعيها ثانية بالتفرقة. ولم تتورع بعض العناصر عن الاتصال بدول أجنبية، وتدبير ما من شأنه الرجوع بالبلاد إلى حالة الفساد السابقة، بل الفوضى المتوقعة، مستعينة بالمال والدسائس، في ظل الحزبية المقيتة. وأعلن حل الأحزاب السياسية منذ اليوم 17 يناير 1953، ومصادرة جميع أموالها لصالح الشعب، وإعلان قيام فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات تنتهي في 16 يناير 1956، حتى تتمكن من إقامة حكم ديموقراطي دستوري سليم، وأنذر الإعلان، في ختامه؛ بالضرب، بمنتهى الشدة، على يد كل من يقف في طريق أهداف الثورة.

        وتنفيذاً لإعلان القائد العام، صدر في 18 يناير 1953، مرسوم قانون بحل الأحزاب السياسية ومصادرة أموالها. وفي 18 يناير، كذلك، صدر مرسوم قانون بحماية التدابير، التي يتخذها القائد العام للقوات المسلحة، "باعتباره رئيس حركة الجيش" بقصد حماية هذه الحركة، وباعتبارها من أعمال السيادة، إذا اتخذت هذه التدابير، في مدة سنة، من ذلك التاريخ، بعد أن كانت هذه المدة ستة أشهر، طبقاً لمرسوم 13 نوفمبر 1953.

        وقد طبق قانون حل الأحزاب على الأحزاب جميعها. واستثنيت جماعة الإخوان المسلمين، على الرغم من أنها هيئة سياسية بكل معاني الكلمة، لها نشاط سياسي واسع النطاق. وكانت ترمي إلى تولي الحكم، إذا سمحت لها الظروف بذلك. وقد سبق لها أن نفذت قانون تنظيم الأحزاب، فقدمت إخطارها إلى وزارة الداخلية، بإعادة تكوينها كحزب سياسي. وقال رؤساؤها، في إخطارهم، إنه إذا اشتغل الإخوان بسياسة مصر الداخلية والخارجية، فيما يشتغلون، فإنما يشتغلون بأمر الإسلام، وينزلون على حكم الدين. وأن الإسلام لا يفرق بين الدين والدولة، ولا يفصل بين الدنيا والآخرة، وإنما هو دين ودولة وعبادة وقيادة. وقال حسن الهضيبي، المرشد العام للإخوان المسلمين، في هذا الصدد: "إننا لا نتخلى عن السياسة؛ لأنها جزء من ديننا.

إعلان دستور فترة الانتقال (10 فبراير 1953)

        في 10 فبراير 1953، أصدر القائد العام للقوات المسلحة، وقائد ثورة الجيش، النظام الدستوري المؤقت، الذي حُكمت به مصر، خلال فترة الانتقال. وهو يتضمن المبادئ العامة الآتية: جميع السلطات مصدرها الأمة،

المصريون لدى القانون سواء، فيما لهم من حقوق، وما عليهم من واجبات.

الحرية الشخصية وحرية الرأي مكفولتان في حدود القانون.

وللملكية والمنازل حرمة وفق أحكام القانون.

حرية العقيدة مطلقة.

تسليم اللاجئين السياسيين محظور.

لا يجوز إنشاء ضريبة إلا بقانون.

القضاء مستقل لا سلطان عليه لغير القانون، وتصدر أحكامه، وتنفذ، وفق القانون باسم الأمة.

        وقضى هذا النظام بأن يتولى قائد مجلس قيادة الثورة أعمال السيادة العليا، وبصفة خاصة، التدابير، التي يراها ضرورية لحماية الثورة، والنظام القائم عليها، لتحقيق أهدافها. وحق تعيين الوزراء وعزلهم. ونصت المادة 11 على عقد مؤتمر من مجلس قيادة الثورة، ومجلس الوزراء، ينظر في السياسة العامة للدولة. وما يتصل بها من موضوعات، ويناقش ما يرى مناقشته، من تصرفات كل وزير في وزارته.

        وبهذا يكون قد استعاض عن المجلس التشريعي، الذي توقف عمله بوقف العمل بالدستور، "بالمؤتمر"، الذي شكله من الوزراء، وأعضاء مجلس قيادة الثورة. وأصبحت، لهذا المجلس، سلطات المجلس التشريعي، من مناقشة سياسة الدولة، وإصدار القوانين المنظمة، وتخطيط العمل. وكذا مناقشة أعمال كل وزير في وزارته، ولما كان معظم الأعضاء عدداً، هم مجلس قيادة الثورة، فإن هذا يعكس مدى حرص الثورة على جمع خيوط السلطتين، التشريعية والتنفيذية، في يدها، وبهذا التكتل، استطاعت أن تصل إلى تغيير شكل نظام الحكم في مصر، وهو إعلان الجمهورية.

        وهكذا كان نظام الحكم، في ظل هذا الدستور المؤقت، نظاماً ثورياً اختص فيه مجلس قيادة الثورة بالسلطة المطلقة في الدولة إلى حد كبير، عندما أصبح رئيس مجلس قيادة الثورة، هو نفسه رئيس مجلس الوزراء، ثم بدأ عدد من أعضاء مجلس الثورة، يدخلون الوزارة.

الدكتاتورية العسكرية

        كانت فترة منتصف يناير 1953، مليئة بالأحداث، والصدامات، التي حددت موقف الحركة من قضية الأحزاب والسلطة. وجعلت مجلس القيادة يعلن عن نفسه، لأول مرة، تحت اسم "مجلس قيادة الثورة" . وأثبتت الأحداث أن حركة الضباط الأحرار لم تجنح إلى التعاون، مع الأحزاب، أو محاولة احتوائها، وإنما أخذت تحاصرها، بإجراءات متتالية؛ لأنها وجدت فيها عنصراً مناوئاً لها، في النفوذ والسلطة. وقد كان التصادم شديداً مع أقواها تأثيراً في الجماهير. وأشدها تمسكاً بالديموقراطية. وأكثرها خطراً عليها وهو الوفد. واحتفظت الحركة، حتى صدور قانون حل الأحزاب، بعلاقات طيبة مع الإخوان المسلمين، الذين لم تكن تهمهم كثيراً قضية الأحزاب والديموقراطية، بقدر ما كانوا يخططون لوراثة الحركة أو احتوائها.

        كان تركيز السلطة في يد "مجلس قيادة الثورة" إعلاناً عن قيام نظام، يستند إلى الديكتاتورية العسكرية، ولا يجيد التخفي في ثياب الديموقراطية. وقد صرح صلاح سالم لجريدة المصري، بعد ذلك، بقوله: "قبل أن تعود الحياة البرلمانية يجب أن نستأصل جميع أسباب الفساد من الأمة".

أدت طبيعة الأمور، في هذه المرحلة، إلى هذه النتيجة، للعوامل الآتية:

  1. إن خروج الجيش عن نطاق واجباته المحددة المعروفة، وظهوره، في مظهر قوة سياسية منظمة، لها أهداف تخرج عن إطار القوات المسلحة، أمر يصعب التراجع عنه.
  2. كانت القوى السياسية، التي جابهت حركة الجيش، أضعف من أن تتمكن من وقف زحف الحركة نحو السلطة.
  3. كسبت الحركة العسكرية تأييد جانب كبير، من الجماهير، بما أقدمت عليه، من عزل الملك، وإصدار قانون الإصلاح الزراعي، وتخفيض إيجار الأرض الزراعية، وإلغاء الرتب المدنية، وغير ذلك من القوانين، التي تجاوبت مع مشاعر الشعب.
  4. بعثت الاعتقالات، التي اقترنت بتشكيل وزارة محمد نجيب، وصدور قانون حل الأحزاب السياسية، نوعاً من الفزع والتردد بين القيادات السياسية القائمة، وجنحت بمعظمها إلى الصمت والسلبية.

        هذه العوامل في مجموعها أدت إلى إنهاء طبيعة النظام القديم، وتولية الجيش أو "مجلس قيادة الثورة" شؤون السلطة، ولا يستقيم القول بأن النية كانت مبيتة منذ اللحظة الأولى على إقامة الديكتاتورية العسكرية. فإن نقص التخطيط والظروف المواتية هي التي مهدت الطريق كما أنه لا يصح القول أن حركة الجيش كانت حريصة على الديموقراطية فإنه رغم بعض الأصوات التي دافعت عنها داخل المجلس وفي صفوف الجيش إلا أن إغراء السلطة وضعف المقاومة كان حرياً بأن ينتهي إلى هذه النتيجة.

        لم تكن حركة الجيش، منذ لحظتها الأولى، في ليلة 23 يوليه، تتحرك بخطة واحدة معلومة، أو إستراتيجية متكاملة بطريقة تكتيكية ماهرة. بل كان هناك نوع من الاضطراب والتخبط، فمن إصرار على إذاعة بيان بموعد الانتخابات، في فبراير، ضد بيان علي ماهر، إلى تراجع كامل عن الانتخابات، وتأجيلها لأجل غير مسمى. ومن حرص على إعلان التمسك بالدستور، إلى إلغاء الدستور نفسه. ومن بيان يظهر قبول مبدأ وجود الأحزاب، إلى مرسوم يحل الأحزاب، وينهي دورها نهائياً. ومن حديث عن ضمان الحريات، إلى اعتقالات للسياسيين، من اتجاهات مختلفة، ثم إفراج، وإعادة اعتقال، تبعاً للموقف. وهكذا، أسفرت الأمور عن سلطة هائلة للجيش، وعادت الرقابة على الصحف، وفتحت المعتقلات.

        ولما قام محمد نجيب، وأعضاء مجلس القيادة، بجولة في الأقاليم، استقبلوا فيها استقبالاً حاراً. وتدافعت الجماهير، والفلاحون ترحب بهم، جعلهم هذا يتصورون أن إرادة الشعب قد تجسدت فيهم، وأن هذا هو التعبير الديموقراطي الأصيل، عن رأي الجماهير. ولم يتجاوز هذا التصور حدود ولايتهم على الناس؛ فلم يفكروا في إشراك الشعب، في مسؤولية الحكم، وإنما قرروا أن ينفردوا، وحدهم، بهذه المسؤولية، معتمدين على مظاهر التأييد المحيطة بهم فقط، من دون سعي إلى خلق نظام، يكفل المشاركة، والرقابة الشعبية، واستمرار الروح الثورية.

هيئة التحرير

        اعتقد مجلس قيادة الثورة أنه قادر على ملء الفراغ السياسي، الناتج عن حل الأحزاب، ووقف نشاطها، بتكوين "هيئة التحرير"، التي أُعلن تكوينها يوم 23 يناير 1953، بمناسبة مرور ستة شهور على الحركة، وسط مهرجانات صاخبة حافلة. وافتتح مقرها في ثكنات الحرس الملكي "سابقاً"، بميدان عابدين، يوم 6 فبراير.

        أعلن محمد نجيب ميلاد الهيئة، بعد أن هاجم الأحزاب هجوماً عنيفاً، واتهمها بأنها وراء كل تأخر وتنابز وفرقة. وأقسم خلفه الحاضرون قسماً يقول: "اللهم إنك تحب الأقوياء، وتكره المستضعفين، وتنشر رحمتك على الذين يؤثرون الموت العزيز، في سبيل الحرية، على الحياة الذليلة، في مجال الاستعباد. اللهم وإنك القريب، ترى وتسمع، وإنا لنقسم بذاتك العلية. على أن نعمل، ما وسعنا العمل، لإرساء قواعد الحياة المقبلة لوطننا المصري، على أصول محررة من العبودية، منزهة عن الهوى، موصولة بالحق والعدل. وأن نبذل، في سبيل ذلك، ما تقتضيه مصلحة أمتنا، ويبتغيه شرف بلادنا، وأن يكون شعارنا دائماً الاتحاد والنظام والعمل. اللهم فاشهد، وأنت خير الشاهدين".

        أشرف على هيئة التحرير إبراهيم الطحاوي، وأحمد عبدالله طعيمة، وهما ضابطان بعيدان عن معترك العمل السياسي. وكان التصور أن تملأ هيئة التحرير الفراغ السياسي في مصر، ولكنها لم تستطع أن تضم، إلى صفوفها أحداً من الذين مارسوا العمل السياسي من قبل، عدا قلة محدودة. كما أن قبضة الجيش فيها كانت واضحة، وتبين أنه، على قدر ما هزت حركة الجيش قواعد النظام المنهار، على قدر ما وقفت حائلاً دون اندفاع الطبقات العاملة، نحو إحداث تغييرات جذرية، أو ديموقراطية في المجتمع.

        وأثبتت حركة الجيش، بذلك، أنها نبتت فعلاً من الطبقة الوسطى. وأنها عملت على خدمة طبقتها، وترسيخ قواعدها.

        لم يكن هناك شك في أن مصر قد أصبحت تُحكم، بعد منتصف يناير، بمجموعة عسكرية صرفة، من دون أن يجرؤ أحد على إطلاق لفظ الديكتاتورية عليها؛ فقد أُعيدت الرقابة على الصحف، وفتحت المعتقلات، وتعددت عمليات الفصل، بلا محاكمة.