إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة 23 يوليه، في مصر




وثيقة التنازل عن العرش
وداع علي ماهر
محمد نجيب وعبدالناصر
محاصرة قصر عابدين
مع ضباط الكتيبة (13) مشاة
لقاء مع الإخوان المسلمين
مقر مجلس قيادة الثورة
مقر رأس التين بالإسكندرية
اللواء محمد نجيب وعلي ماهر
الملك فاروق والسفير البريطاني
الملك فاروق في احتفال
البيان الأول للثورة
اليخت الملكي المحروسة
الرسالة الموجهة للملك فاروق
اجتماع مجلس قيادة الثورة
تعليمات بعودة اليخت المحروسة
دبابة أمام قصر المنتزه
زيارة للوحدات العسكرية





الفصل السادس عشر

الفصل السادس عشر

الصراع داخل مجلس الثورة

فصل الضباط من الخدمة

        كان 15 يناير 1953، نقطة تحول في تاريخ وتقاليد الجيش المصري.

       كان التخلص من ضباط الرتب الكبيرة لواء، وأميرالاي، تعبيراً عن صراع الأجيال. كما أن تطهير صفوف الجيش، من بعض الضباط ذوي الرتب الأقل كان يتخذ طابعاً أخلاقياً أكثر منه سياسياً؛ فالذين فصلوا من الجيش، مع أيام الثورة الأولى، من الرتب الصغيرة، كانت تلاحقهم، أو تلاحق تصرفاتهم، وأسرهم شبهات ما. ولم يكن أحد منهم من أبناء الأسر الإقطاعية، أو البرجوازية الكبيرة.

       تجاوز عدد، الذين فصلوا في الشهور الثلاثة الأولى، أكثر من خمسمائة ضابط. وكان تحديد أسمائهم يتم عن طريق المداولة، بين أعضاء تنظيم (الضباط الأحرار)، الذي ظل قائماً، ومتماسكاً، يعقد الاجتماعات في مختلف الأسلحة والمناطق، ولكن بدرجات متفاوتة.

       كانت زحمة العمل اليومي، وكثرة المسؤوليات الملقاة على عاتق أعضاء مجلس القيادة، وتكليف بعض أعضاء الصف الثاني بواجبات، خارج الوحدات، أو خارج الجيش، عاملاً من عوامل ضعف الحركة التنظيمية، بعد 23 يوليه، إلى جانب تدافع عدد كبير، من خارج تنظيم (الضباط الأحرار)، للعمل والمشاركة، والحرص على القول بأن الحركة للجميع.

       نشأت التناقضات في صفوف الضباط، وفي اجتماعات أعضاء مجلس القيادة، كنتيجة لإجراءات المجلس، ورد فعل لقراراته واتجاهاته.

تعيين الضباط في الوظائف المدنية

       كان أول خروج للضباط من صفوف الجيش، هو تعيين رشاد مهنا وزيراً للمواصلات، ثم عضواً في مجلس الوصاية، واختيار 18 ضابطاً، من حملة رتبة اللواء والأميرالاي، لتعينهم في مناصب مدنية. وكان منهم سفيران هما علي نجيب، الذي عين في لبنان، ومحمد سيف الدين، الذي عين في الأردن.

       وكان اللواء محمد نجيب أول المعترضين، على تعيين الضباط في الوظائف المدنية. وكانت البداية عندما رُشح القائمقام رشاد مهنا لمنصب الوصي على العرش، من قبل مجلس القيادة؛ رفض محمد نجيب، واعترض على أساس عدم الزج بالجيش فيما لم يُخلق له.

       ويقول محمد نجيب: "ولكن زملائي في المجلس ألحوا علي في القبول، فقبلت حتى لا يبدو موقفي نشازاً.

       وتولد عندي شعور بأننا قد فتحنا باباً سوف يفتح شهية الضباط، لمزيد من الإقبال على المناصب المدنية، ذات الدخل الكبير. وتولد عندي الحرص كذلك على ضرورة سرعة الانتقال إلى الحياة الديموقراطية الطبيعية، التي تحفظ للجيش كيانه، وتبعد به عن الارتباط بالحياة المدنية.

       "اعترضت اعتراضاً شديداً على تعيين شقيقي سفيراً، ولكنني مرة أخرى، وجدت نفسي أعارض وحيداً، بعد أن قالوا لي إن الشيشكلي يريد تحسين علاقته مع مصر. ويطلب عليّاً بالذات، وقد أصررت أن يذهب بمرتبه، من دون أي إضافات، أي ما يعادل درجة وزير مفوض".

       كان تعيين محمد نجيب، رئيساً للوزارة، بداية لتوزيع أعضاء مجلس الثورة أنفسهم، ليكونوا مشرفين على الوزارات، أي يشكلون ما يمكن التعبير عنه باسم "وزارة الظل". وعندما استغرقتهم مهمات أخرى، أوكلوا أعمالهم الإشرافية إلى ضباط من معارفهم، الذين يثقون فيهم، الأمر الذي أحاط كل ضابط من ضباط القيادة بثلة خاصة من الضباط، تتحرك في مجال معين، وتتصرف تبعاً لسلوك أعضائها الخاص، من دون توافر رقابة دقيقة.

       أخذ تسرب رجال الجيش، إلى مجالات العمل التنفيذي، يتسع، ويأخذ أشكالاً مختلفة. قطارات الرحمة، التي تتحرك، تحت إشراف الضباط، مع الفنانين والفنانات، لجمع التبرعات. وما أحاط بذلك من أقاويل. إشراف بعض الضباط، كذلك، على جمع معونة الشتاء، وما صاحبها من انحرافات.

       ويقول محمد نجيب: "وأصدرت قرارات مشددة، بمنع الضباط من الاشتراك، في الأعمال المدنية. وزدت من زياراتي لوحدات الجيش، حتى بلغت 869 زيارة، خلال العام الأول من الحركة. ولكن التسرب لم يتوقف؛ إذ كان الضباط يعتمدون على صلاتهم بأعضاء المجلس. وكل واحد منهم كان يؤدي دور المسؤول في قطاعه. "كان ازدواج المسؤولية من أكبر الأخطاء، التي وقعنا فيها، والتي سحبت الجيش إلى ما لم يخصص له. كما أن السماح للضباط، بالاتصالاًت المدنية، أوقعنا في محاذير شديدة، بدأت هينة، ثم استفحلت إلى الدرجة، التي تعذر، بعدها، الإصلاح.

       "وتكونت عدة مجموعات، يحيط كل منها بضابط، من ضباط القيادة. وهو في ارتباطه بهم، يتغاضى عن أخطائهم، ويبرر لهم تصرفاتهم؛ لأنه يود أن يكون محبوباً، ويكسب شعبية من القوى، التي تسانده في موقفه. "وزادت هذه الظاهرة، بعد تشكيل هيئة التحرير، التي تولى إدارتها الصاغ إبراهيم الطحاوي واليوزباشي أحمد طعيمة، والتي كانت أول تجربة تنظيمية للحركة، في صفوف الجماهير، مما جعلها تستعين بصلات الضباط، في مختلف المدن، والمديريات، من الإسكندرية إلى أسوان.

       "وكان خروج الضباط، في هذه المهمات الخاصة، سلاحاً خطيراً؛ إذ يصعب إرضاء الجميع بنسبة واحدة، الأمر الذي دفع بعض الضباط الأحرار، في سلاح المدفعية، إلى التفكير في اعتقال أعضاء مجلس القيادة، وتشكيلهم تنظيماً لتنفيذ ذلك".

       ولما كان ارتباط الضباط الفكري، ببعضهم البعض، لم يكن يتجاوز حدود ما ورد في منشورات الضباط الأحرار. والأهداف الستة التي تمثل آمالاً طموحاً من دون طرح السبيل للوصول إلى تحقيقها؛ فإن الآراء بدأت تتنافر، وخاصة عقب كل قرار يصدر من مجلس القيادة.

       اعترض رشاد مهنا، مثلاً، على قانون الإصلاح الزراعي. ولم يوافق عليه، إلا خضوعاً لرأي أغلبية المؤتمر المحدود، الذي دعا إليه علي ماهر. ولكنه، في اتصالاًته وآرائه، كان يمثل جانباً خاصاً منفرداً، غير مرتبط بمجلس القيادة. كما سبق بيانه.

الخلافات بين جانب من الضباط الأحرار ومجلس قيادة الثورة

       كان الشعور العام، بين الضباط الأحرار، بعد نجاح الثورة، أنهم هم صانعو الثورة، وأن الثورة قامت على أكتافهم؛ ومن ثم كانوا يرون أن لهم الحق في معرفة ما يدور، داخل القيادة، من أمور، والأسباب الخلفية لكل القرارات الثورية المتلاحقة. وكان جمال عبدالناصر يراعي مشاعرهم، على الأقل، لاستقطابهم لشخصه؛ فسمح بعمل "مؤتمر أسبوعي" بين ممثلي الأسلحة، من الضباط الأحرار وكان يناقشهم، في هذه المؤتمرات، عن السياسة العامة للثورة، والمشكلات التي تواجهها. وقد استمرت هذه المؤتمرات، مدة طويلة، ثم أخذت تتباعد، بحكم مسؤوليات جمال عبدالناصر المتصاعدة، إلى أن ألغيت كلية. كانت هذه المؤتمرات، ومناقشاتها المفتوحة، تمتص جانباً من الجوانب الاجتماعية والنقدية، من الضباط الأحرار، على تصرفات مجلس القيادة، بعد أن بدأت المشكلات، الناتجة عن تسيير الأمور، محل نقاش بينهم، داخل التشكيلات المختلفة، وذلك بحكم شعورهم بما لهم من حقوق على مجلس القيادة.

       وأخذ هذا الوضع غير المألوف، في الحياة العسكرية، يتطور إلى شكل ظاهرة، تنذر بالخطر، على الأقل، بالنسبة لأوضاع أعضاء مجلس القيادة أنفسهم، وبخاصة عندما تطورت المناقشات، داخل تكوينات الضباط الأحرار، في الوحدات، والتشكيلات العسكرية، تتناول قرارات وتصرفات مجلس القيادة ككل، وتصرفات أفراده، مما ولد جانباً لا يستهان به من الاستياء، وبخاصة عندما توقف اجتماع المؤتمر الأسبوعي.

       وقدمت مجموعة منهم مطالب إلى مجلس القيادة تتلخص في المطالبة بتنظيم الجيش، بوحداته، وأسلحته، في صورة سياسية، وتشكيل جمعية عمومية للضباط الأحرار، تُعرض عليها القرارات المهمة، وتمثل أسلحة الجيش. كما طالبوا أن يكون تشكيل مجلس القيادة نفسه عن طريق الانتخابات، من بين الضباط الأحرار، حتى لا ينفرد عشرة، أو أكثر، من الصف الأول بإصدار القرارات. وظهر تياران، من هؤلاء الضباط، ينادون بضرورة إجراء انتخابات لمجلس قيادة الثورة، على أن يشمل أعضاء دائمين، وآخرين منتخبين. وطالب بعضهم أن يكون مجلس إدارة نادي الضباط، هو الممثل المنتخب لحركة ضباط الجيش.

       كان من شأن هذه المطالب، أن يتحول الجيش المحارب، إلى مؤسسة حكم سياسية. كما أن أسلوب الانتخابات أسلوب خطير في النظام العسكري؛ لأنه مبني على طاعة الرئيس، لا تسيير الرئيس بواسطة الرتب الأصغر.

       أثارت هذه المطالب زوبعة، داخل المجلس، وأحسوا بخطورة ذلك على كيانهم بدرجة لا يمكن تجاهلها، وبخطورة على مراكزهم أنفسهم. وبخاصة أن بعض مقدمي المطالب كانوا يتمتعون بشخصية قوية، ولهم شعبية كبيرة، بين الضباط الصغار، في أسلحتهم. وعقد مجلس الثورة اجتماعاً عاجلاً لبحث هذا الأمر. وتراءى لهم أن ثمة انقلاباً على وشك أن يحركه رشاد مهنا، لأن الأخبار وصلتهم أن الكلام على رشاد مهنا يتداوله جموع الضباط في المدفعية، وبين بعض ضباط المشاة. ولم يجد مجلس القيادة بداً من القضاء على هذه الحركة، في مهدها، وبخاصة أن المهيمنين عليها من الضباط الأحرار.

الرئيس محمد نجيب يصدر أمراً بالاعتقال

       يقول محمد نجيب: "وأصدرت أمري باعتقال عدد، من ضباط المدفعية، ولم يكن اعتقال هؤلاء الضباط أمراً سهلاً بالنسبة لي، كما أن التحفظ عليهم، في سجن الأجانب، كان أمراً أشد قسوة على نفسي. بعضهم خرج ليلة 23 يوليه، معرضاً حياته للخطر، من أجل انتصار الحركة، وتغيير الأوضاع الفاسدة التي كانت سائدة.

       "ولكن ماذا يمكن أن أفعل؟ المعلومات التي وُضِعت أمامي كانت تؤكد أن هناك عملية مدبرة لاغتيال أعضاء مجلس القيادة. وحرصي على تنفيذ القانون، بعدم وضع الضباط في السجون، قوبل بمعارضة شديدة بحجة أنهم، لو تجمعوا في ميس إحدى الوحدات، أو في ثكنة، من الثكنات، فإنه سوف يكون صعباً وعسيراً، ألا يؤثر ذلك، في زملائهم، مما يدفع الأمور إلى مزيد من الانفجار. وأصدرت أمري بإخلاء سجن الأجانب، من نزلائه، ليكون معتقلاً خاصاً لهؤلاء الضباط فقط.

       "أصبحنا كما يقول المثل البلدي، "مثل السمك نأكل بعضنا". ومع ذلك لم يقف الأمر عند حد رشاد مهنا، وضباط المدفعية، ولكنه وصل كذلك إلى أعضاء مجلس القيادة، إلى القائمقام يوسف صديق".

       كان يوسف صديق شديد الوضوح، في معارضته لقانون تنظيم الأحزاب، لضرب الوفد، على غير أساس ديموقراطي. وكان يدعو إلى التمسك بالدستور، ودعوة البرلمان المنحل، للانعقاد لتعيين مجلس الوصاية. كما أنه كان شديد الثورة والرفض، لاعتقال الزعماء السياسيين، من دون اتهام. وطالب كثيراً بإلغاء الرقابة على الصحف، وتكوين اتحاد عام للعمال".

رأي خالد محيي الدين في تحرك المدفعية

       يقول خالد محيي الدين: "وبدأت حركة في سلاح المدفعية، تنتقد "مجلس الثورة"، وتسأل من اختار ضباطه. وكانوا يعربون عن رفضهم أن يمثلهم، في مجلس الثورة، عبدالمنعم أمين، وكمال الدين حسين. وأعربوا عن انتقادات شديدة ضد الاثنين. وطالبوا بأن ينتخب ضباط كل سلاح ممثليهم، في مجلس الثورة. وكان صلاح سالم يتصل بهؤلاء الضباط ويناقشهم، وأفهمنا أنه يحاول تهدئتهم، والغريب أن أحداً من زملائنا في "القيادة" لم يستشعر حساسية، من اتصال صلاح سالم بالمدفعية، كتلك التي استشعرها إزاء علاقتي بالفرسان.

       "وبدأ ضباط المدفعية في التحرك واتصلوا برشاد مهنا الذي كان ثائراً ضدنا بطبيعة الحال، وكان من بين ضباط المدفعية: سامي شرف، وأحمد شهيب، ومحسن عبدالخالق، فتح الله رفعت، ومصطفى راغب. وعندما بدأ زكريا محيي الدين، في التحقيق مع سامي شرف، اكتشف أن بإمكانه أن يتحول إلى "شاهد ملك" فأدلى باعترافات عديدة، وبعد ذلك عُين في مكتب زكريا، ثم نُقل، بعدها، إلى مكتب عبدالناصر.

       "والحقيقة أن سامي شرف لم يكن لديه معلومات كثيرة عن تحركات المدفعية، لكن أقواله ضد زملائه، اتخذت كدليل، على وجود "شيء ما".. ووجود "شيء ما" كان كافياً، لدى بعض الزملاء، في "القيادة" لتوجيه ضربة قاصمة لأصحاب هذا "الشيء ما". وأبلغونا، في المجلس، أن هناك محاولة في المدفعية لعمل انقلاب، وأن ثمة ضباطاً، من المدفعية، يرتبون لاقتحام قصر النيل، خلال اجتماعنا فيه، ويقبضون علينا". انبرى جمال سالم لتفجير الموقف، وتصعيده، واقترح أن نقبض عليهم، وأن نقدمهم لمحاكمة صورية ثم نعدمهم. وقال: "هم إذا كانوا قبضوا علينا كانوا سيقتلوننا، فنحن نقتلهم جميعاً، ونشكل محكمة منا لإصدار أحكام الإعدام، حتى يخاف الجميع".

       "والحقيقة أن كلمات جمال سالم المندفعة، والتي أيدها، بحماس، أنور السادات، وعبداللطيف بغدادي، وعبدالحكيم عامر، وعدد آخر من الزملاء، قد أثارتني ثورة عارمة، ولأول مرة، تحدثت بعنف شديد، وصوت مرتفع، في المجلس، وأبديت اعتراضاً شديداً على الإعدام. وكان جمال عبدالناصر صامتاً. أما محمد نجيب فقد أفلت بجلده من المسألة فقال: إذا كنتم أنتم ستحاكمونهم محاكمة عسكرية، فلابد أن أكون أنا الضابط المصدق على الحكم، ولهذا لا يجوز أن أشارك في المحكمة.

       "استمر الحوار طويلاً ومحتدماً، واستمر النقاش حتى الساعة الثالثة فجراً، وتعبنا من دون أن نصل إلى قرار، وقررنا مواصلة النقاش في الصباح. ونمنا جميعاً في مكتب رئاسة الجيش بكوبري القبة، ونام جمال عبدالناصر إلى جواري، وهمس قائلاً: "أنا موافق على رأيك، خليك متمسك به وأنا سأؤيدك". وقلت له: "يا جمال، أنا ضميري لن يسمح لي بالتوقيع على حكم الإعدام، ضد أحد الضباط، خاصة وأن الحكم معد مسبقاً، حتى قبل القبض عليه، أو سؤاله". فقال: وأنا معك كذلك، أنت قاوم بشدة، وأنا سأساندك".

       "وبدأت جلسة الصباح، وتكلم عبدالحكيم ثائراً متحمساً لأحكام الإعدام، وهددنا بأن الثورة ستضيع وأننا سنندم، وأننا نتحمل مسؤولية فشل الثورة. "كانت الأغلبية الكبيرة مع أحكام الإعدام، لكنهم كانوا يخشون أن أخرج من المجلس، وأعلن أنني كنت ضد حكم الإعدام، فأثير ضباط الجيش ضدهم. ولهذا أكد عبدالحكيم عامر: لن نسمح لأحد أن يخرج من هنا ليعلن أنه ضد الإعدام، وسنبقي هنا نتناقش، حتى يقتنع "الجميع" بضرورة الإعدام.

       "وإذ قالها عبدالحكيم تمسكت أنا بها، أي أن نقرر أنه لا يجوز إصدار أحكام بالإعدام إلا بالإجماع. ووافق الجميع. وبعد أن وافقنا قررت أن أتمسك بموقفي، ضد الإعدام، حتى النهاية، واتفقنا كذلك على أنه في حالة صدور حكم بالسجن، يحدد كل منا عقوبة، ويؤخذ بالعقوبة الأقل.

       "وبدأوا في تقديم أسماء الذين  سيقبض عليهم. وفوجئت باسم أحمد حمروش، من بينها، والحقيقة أنهم جمعوا أسماء كل الضباط، الذين أعربوا عن معارضتهم، أو انتقاداتهم، ولو بأقل قدر، وبقي حمروش، في سجن الأجانب، ستة أيام ثم أفرج عنه، لكن بعض المقبوض عليهم ضرب ضرباً مبرحاً. وكانت هذه بداية سيئة للغاية. وعندما قبض على هذه المجموعة، من الضباط، قرر حسني الدمنهوري، أحد ضباط سلاح الفرسان، أن يتحرك. واتصل بأخيه، وطلب منه أن يفاتح توفيق عبده إسماعيل، في الفرسان، وخلال هذه الاتصالات، أبلغ عنهما ضابط، اسمه صفي الدين حسين. وحوكم حسني الدمنهوري، وحاولوا إصدار حكم بالإعدام، ورفضت بشدة. وهنا قال لي صلاح سالم: أرجوك وافق على الإعدام، لكي نخيف الضباط، وأعدك أن نطلب إلى نجيب عدم التصديق على الحكم. وقد تم هذا فعلاً.

       "وبعد أن انتهينا من محاكمة حسني الدمنهوري، في رئاسة الجيش، يوم 10 يناير 1953، وانتقلنا إلى قشلاق قصر النيل، لمحاكمة بقية الضابط، تم استبعاد عبدالمنعم أمين، وأنور السادات، ويوسف صديق، ومحمد نجيب، نجيب لأنه سيكون الضباط المصدق، والآخرون؛ لأن أسماءهم وردت في التحقيقات.

       "وترأس جمال عبدالناصر جلسة المحاكمة. والحقيقة أنه لم يكن هناك أي دليل جدي، على القيام بحركة، كان هناك مجرد كلام وانتقادات. ولهذا صممت على عدم صدور أي حكم بإعدام، فقد تشاوروا معاً، واتفقوا على عمل انقلاب، لكن لم يقوموا بأي عمل تنفيذي، وعندما رفضت حكم الإعدام، ثار جمال سالم وقال: من لا يوافق على الإعدام عليه أن يوقع وثيقة إعدام الثورة ذاتها. وثرت ثورة عارمة، وتمسكت بموقفي. واستمر النقاش حوالي 48 ساعة من دون أن نصل إلى حل. أخيراً، تدخل جمال عبدالناصر، وقال: أنا أؤيد خالد وأنا ضد الإعدام.

       "وهنا ثار بغدادي وقال: إذا لم توافق على الإعدام فأنا سأضع حكماً قليلاً لأحرجكم، وأثبت ضعفكم أمام الضباط وأمام الناس، وطلب الحكم بعشر سنوات سجن، وكنا ملزمين بالأخذ بأقل الأحكام، وفق اتفاقنا السابق. وهنا أثار عبدالناصر موضوع الضرورة صرف معاشات هؤلاء الضباط. واعترض البعض على ذلك، وعدوه تدليلاً للضباط المدانين، وذكَّرهم عبدالناصر أننا كنا، قبل الثورة، نجمع تبرعات للضباط المعتقلين، فهل سنترك الباب مفتوحاً لجمع تبرعات كهذه بمال يعد تأييداً للضباط ومساندة لهم. وسأل عبدالناصر: ما ذنب أسرهم؟ وفي النهاية، تقرر صرف معاشات للضباط المحكوم عليهم، وظل هذا المبدأ سارياً".

الموقف داخل مجلس القيادة

       ولم يكن الموقف هادئاً داخل مجلس القيادة. كانت بعض قرارات المجلس تلقى معارضة شديدة، من جانب يوسف صديق، الذي انبرى لمعارضه قانون تنظيم الأحزاب، واعتقال السياسيين، ومحاولة ضرب الوفد على غير أساس ديموقراطي. ووقف إلى جانبه، في المراحل الأولى، جمال عبدالناصر، وعبدالحيكم عامر، وخالد محيي الدين.

       ظل يوسف صديق، الذي كان يعبر عن رأي الشيوعيين، متمسكاً بالديموقراطية والحياة البرلمانية، على الرغم من أنه لم ينجح في تحقيق مطلبه بدعوة مجلس النواب المنحل لتعيين مجلس الوصاية، ولا في منع صدور قانون تنظيم الأحزاب، ولا في منع إعدام خميس والبقري، من عمال كفر الدوار؛ فقد كان المؤيدون له أقلية، وكانت قرارات المجلس تصدر بالأغلبية.

       وظهر، بين الضباط، وخاصة في سلاح المدفعية، اتجاه يدعو إلى أن يكون تمثيل الضباط في مجلس القيادة بالانتخاب، وتحمس جميع أعضاء المجلس، ضد هذا الاتجاه، إلا يوسف صديق. كان السبب الكامن، وراء هذا الطلب، هو ما أثير من ملاحظات، حول تصرفات شخصية، لبعض أعضاء المجلس، الذين عُرف عن واحد منهم أنه أقام علاقة شخصية، مع الأميرة السابقة، فائزة. وقدم لها نظير ذلك تسهيلات كبيرة. كما اشتهرت زوجة واحد منهم بقوة شخصيتها، وأحاديثها عن أعضاء المجلس، في السهرات، وخاصة في نادي السيارات. وتصادف أن الاثنين كانا من ضباط المدفعية.

       ولذا عقد جانب، من ضباط المدفعية، اجتماعاً، مع أعضاء مجلس القيادة، ناقشوا فيه هذا الرأي بصراحة مطلقة. ولكنهم اعتقلوا يوم 15 يناير 1953، بدعوى أنهم يدبرون مؤامرة لاغتيال أعضاء مجلس قيادة الثورة. وذلك بعد طبعهم لمنشور خاص.

       كان هذا الاعتقال هو أول صدام مباشر بين ضباط الجيش، وكان دخول الضباط برتبهم وملابسهم العسكرية سجن الأجانب هي أول سابقة في تاريخ الجيش المصري، تحت القيادة المصرية، إذ كانت القوانين تنص على حجز الضباط حجزاً شديداً، أي تحت الحراسة، في ميس إحدى الوحدات، وليس في غرفة السجن، حتى تنتهي المحاكمة.

استقالة يوسف صديق وهو أبرز الثوار

       واحتج يوسف منصور على هذا الاعتقال، واستقال لعدم الاستجابة لاحتجاجه، وقيل لأنه هو الآخر كان يؤيد فكرة الانتخابات. ويقول أحمد حمروش: "ولم يقبل يوسف صديق مبدأ اعتقال الضباط بعد معارضته الشديدة لاعتقال السياسيين. وقرر الاستقالة من مجلس القيادة معلنا أن ضميره لا يمكن أن يستريح وهو عضو في مجلس يصدر قرارات تخالف أفكاره وعقيدته... ولا يستقيم الأمر بأن قرارات المجلس تصدر بالأغلبية فإن المجلس في ذاته لا يمثل الشعب، ولا يمثل الجيش كذلك.

       "أصر يوسف صديق على الاستقالة، وزاد إصراره، بعد عودة الرقابة على الصحف، وصدر قانون حل الأحزاب. ولم يتراجع على الرغم مما بذله أحمد فؤاد من محاولة إقناعه بأنه ينهي دوره السياسي باختيار الاستقالة من المجلس. ولكن يوسف وجد أن ضميره سوف يكون مثقلاً بما لا يقبله. ولم يعلن المجلس استقالته، ولكنهم أجبروه على السفر إلى سويسرا، في مارس 1953".

ويقول اللواء محمد نجيب عن استقالة يوسف صديق

       وكان حديث يوسف في المجلس يستهويني؛ لأنه شاعر يملك زمام اللغة؛ ولا ينقصه التهاب العاطفة والحماسة. ولم يكن، مثل جمال سالم تتدفق ألفاظه قبل أفكاره. ولكن يوسف صديق كان يقف دائماً في الأقلية، لا يجد معه أصواتاً تشكل الأغلبية.

       كنت متألماً لاستقالة يوسف، معتقداً أنه قدمها، لارتباطه بالشيوعيين، الذين كنا قد اعتقلنا بعضهم من جديد، بعد أن أخلينا المعتقلات منهم، عقب قيام الثورة، عدا 17 شخصاً، كانت عليهم بعض الشبهات. ولم أجد، في استقالته، السبيل السليم لإصلاح الأخطاء، التي لم أكن موافقاً على الكثير منها. ولكني لم أفكر أبداً في الاستقالة، معتقداً أن وجودي يفيد أكثر من غيابي، وأني قادر، مع الوقت، على إصلاح الأخطاء. كان كل ما في استطاعتي أن أفعله للضباط المعتقلين، هو الحرص على سلامة التحقيق، ومعاملتهم معاملة إنسانية.

اعتصام ضباط المدفعية

       وعلى أثر اعتقال ضباط المدفعية، ورشاد مهنا، تجمهر، في ميس المدفعية، ما يقرب من خمسمائة من ضباط المشاة، والبكباشي النكلاوي، من المدرعات، واعتصموا تضامنا مع ضباط المدفعية، وقرر الجميع الاستمرار، حتى يطلق سراح زملائهم.

       وطلب جمال عبدالناصر، من اللواء محمد حسين، مدير المدفعية، أن ينصح الضباط بالانصراف، والتمسك بالسلوك العسكري. وعندما ذكر له معارضة الضباط، تمكن عبدالناصر من امتصاص سخط ضباط المدفعية، بواسطة مجموعة من الضباط الأحرار، المؤيدين لموقف مجلس القيادة. وذلك حتى لا يستفحل الأمر وأمكن فض الاعتصام، بعد إقناعهم، بخطورة ما قام به زملاؤهم. ولكنه كان حاسماً، مع حركة المشاة والمدرعات، وأجرى محاكمة سريعة مشكلة من مجلس القيادة، يوم 10 يناير 1953، وأصدرت حكمها بإعدام كل من الدمنهوري، والنكلاوي، ولم ينفذ الإعدام، لمعارضة باقي الضباط الأحرار، وخشية حدوث انقسام داخل مجلس القيادة. ورفض محمد نجيب التصديق على الحكم.

محاكمة الضباط المعتقلين (19 مارس 1953)

       حوكمت قيادة حركة المدفعية، أمام محكمة خاصة، من مجلس القيادة، حكمت بالسجن المؤبد على رشاد مهنا، وبالسجن مدد متفاوتة، على تسعة من الضباط، بتهمة تدبير مؤامرة لإحداث فتنة، بين القوات المسلحة، والاستيلاء على قيادة الجيش.

إبعاد عبدالمنعم أمين

       كان لعبد المنعم أمين دور مهم يوم الثورة، وكان من المتحمسين للثورة، بمجرد تكليفه، في وقت متأخر بها، واتصل بالجانب الأمريكي، لتأمين الثورة من التدخل البريطاني، ولكنه كان أقدم من القائد الفعلي للثوار، عبدالناصر، فقد تخرج من الكلية الحربية عام 1934، بينما تخرج عبدالناصر عام 1938. انتهز عبدالناصر تردد بعض الشائعات عنه من ضباط أحرار المدفعية، وعرضها على مجلس القيادة في مايو 1953، وعرضوا عليه منصب سفير لمصر، في هولندا، فتم بذلك التخلص منه كعضو في مجلس القيادة. ثم عين سفيراً في بلجيكا بعد ذلك.

       ولم يقف أثر الاعتقالات عند حدود سلاح المدفعية فقط، ولكنه امتد إلى أسلحة أخرى، فقد توجه البكباشي حسني الدمنهوري، أحد ضباط اللواء الرابع المشاة، لمقابلة اللواء محمد إبراهيم، رئيس أركان الجيش، وسؤاله عن سبب اعتقال الضباط، فكان جوابه أنه لا يعرف شيئاً عن ذلك، فأخذ يواصل اتصالاًته ببعض ضباط سلاح الفرسان، ومحاولة إثارتهم للإفراج عن زملائهم، ضباط المدفعية. ولكنه فوجئ باعتقاله في منزله يوم 17 يناير.

       وبدأت التحقيق معه لجنة مشكلة برئاسة عبداللطيف البغدادي، وعضوية عبدالحكيم عامر، وصلاح سالم، وزكريا محيي الدين. وخلال التحقيق، وجه إليه صلاح سالم، السباب وتبادلا الاتهامات، والكلمات البذيئة. وضربه ضباط الحرس ضرباً شديداً، واستمر تعذيبه، من الفجر حتى الرابعة مساء، من دون طعام أو شراب. وفي منتصف الليل استدعى إلى مبنى مجلس القيادة، ثم مثل، في السادسة صباحاً، أمام محكمة، يرأسها جمال عبدالناصر، وبها كل أعضاء المجلس، عدا يوسف صديق، وعبدالمنعم أمين، وأنور السادات، وعندما حاول صلاح سالم سبه، نهره جمال عبدالناصر. استمرت المحاكمة حتى التاسعة صباحاً. وفي صباح اليوم التالي، 19 يناير 1953، تُلي عليه الحكم بالإعدام، في غرفة مأمور سجن الأجانب، ثم نُقل إلى السجن الحربي، مقيد اليدين والرجلين بالحديد، وهو بملابسه الرسمية. وظهرت مانشيتات الصحف الرئيسية، يوم 20 يناير 1953، وهي تعلن (إعدام البكباشي حسني الدمنهوري).

       وكان هذا هو أول حكم بالإعدام على ضباط، في الجيش المصري، بتهمة أخرى غير الخيانة العظمى. ورفض محمد نجيب التصديق، على الحكم، على الرغم من إلحاح زملائه عليه، وتحذيرهم له من خطر الانقلابات العسكرية، ولكنه أصر على موقفه قائلاً:

       "أنني لا أريد أن أمضي في طريق مفروش بدماء الزملاء، من الضباط". وكان تعذيب حسني الدمنهوري قد بلغ محمد نجيب، عن طريق قائد حرسه، اليوزباشي محمد أحمد رياض، الذي لمحه أثناء التحقيق، والضرب ينهال عليه، والدماء تسيل منه.

       كان اعتقال ضباط المدفعية، والتحقيق معهم، ومحاكمتهم، هو كلمة النهاية في وجود تنظيم "الضباط الأحرار"؛ فإنه لأن أعضاء مجلس القيادة وجدوا، في "الضباط الأحرار"، تنظيماً يمكن أن يشاركهم، ويضع تصرفاتهم تحت مجهر النقد والمحاسبة.

التنظيم الجديد للضباط الأحرار

       سرعان ما استبدل أعضاء مجلس القيادة التنظيم القديم بتنظيمات خاصة أخرى، تعتمد على الضباط المحيطين بهم، القريبين منهم، الذين تسرب إليهم عدد، لم يكونوا من الأحرار أصلاً، وإنما أظهروا براعة في مخاطبة الغرائز الشخصية، لأعضاء مجلس القيادة. ووضع في مراكز القيادة نوعان من الضباط: إما أهل الثقة الكاملة، المرتبطون بأعضاء القيادة ارتباطاً شخصياً وثيقاً. وإما الضباط، الذين لا رأي لهم، ولا يهتمون إلا بمصالحهم الخاصة.

       كانت نهاية تنظيم "الضباط الأحرار" القديم، وبداية تشكيل "التنظيم الخاص" الجديد، تحولاً في نوعية الضباط الداخلين في ميدان السياسة. صحيح أن أغلبية "الضباط الأحرار" احتفظوا بأماكنهم، والبعض منهم، عُيَّن في مراكز حيوية خارج الجيش، أو داخله. ولكن ذلك كله تم، ليس عن طريق إرادة التنظيم وروتينه، وإنما عن طريق العلاقات الشخصية.

       كانت شخصية الضباط الأحرار، تُستمد، قبل الحركة، من ارتباطهم بالتنظيم، واستعدادهم للنضال والتضحية. ولكنها أصبحت، بعد ذلك، تُستمد من رضا القيادات عليهم، واستعدادهم للخضوع والمسايرة. ولما كان اعتقال ضباط المدفعية عاملاً حاسماً في وضع نهاية لتنظيم "الضباط الأحرار"؛ فقد بدأ الضباط المعارضون الرافضون، يبحثون عن أسلوب جديد، للعمل، ويتلمسون ساحة جديدة للتنظيم. كانت ظاهرة التحقيق والمحاكمة، بأعضاء من مجلس القيادة، تستلفت النظر؛ لأنها عبرت عن خشية خروج التحقيق إلى دائرة واسعة، من الضباط، فيخرج الأمر من أيديهم. ولا يتم التحقيق، وفق هواهم، ولا تصدر الأحكام طبقاً لإرادتهم. ولذا مثلوا دور الاتهام والحكم في وقت واحد.

خالد محيي الدين يحمل لواء المعارضة

       وحمل خالد محيي الدين لواء المعارضة، بعد استقالة يوسف صديق، ورفضه الاستمرار عضواً في المجلس. وتجسمت معارضته في عدة مواقف، منها قانون الإفراج عن المسجونين السياسيين، الذي أعلنه سليمان حافظ، واستثنى الشيوعيين، باعتبار الشيوعية "جريمة اقتصادية".

       وعندما عُرض مشروع قانون العمال، اعترض عليه خالد، اعتراضاً شديداً؛ لأنه كان يلغي حق الإضراب ويبيح الفصل. وكان من أهم الحجج التي استند إليها أعضاء المجلس هي، أن رأس المال الأجنبي، يحتاج إلى نوع من الضغط على العمال، لضمان الاستقرار والاستثمار معاً.

       ولم يجد خالد محيي الدين في نفسه ما يسمح له بالبقاء في عضوية المجلس مع صدور هذا القانون؛ فذهب إلى مكتبه، في سلاح الفرسان، ليكتب استقالته، وأرسلها إلى جمال عبدالناصر، بصفته وكيل مجلس الثورة. ورفض جمال عبدالناصر الاستقالة. وبعد ذلك توجه جمال وعامر إلى خالد في مكتبه، ودارت بينهم مناقشة، انتهت إلى اقتراح جمال عبدالناصر عبر عنه بقوله:

ـ طيب لو رجَّعنا القانون، وبدأنا نعيد النظر فيه، تسحب استقالتك؟ ووافق خالد، وأعيدت مناقشة القانون أمام مجلس قيادة الثورة، الذي لم يقبل سوى منع الفصل التعسفي للنشاط النقابي، مع تأجيل الموضوع، حتى يصدر الدستور الجديد.

       كانت التناقضات داخل المجلس تصل أحياناً إلى حافة الصدام، وتميز بين الاتجاهات، وتقرب بين أصحاب الآراء المتشابهة.




[1]  مقابلة مع خالد محيي الدين يوم 18 ديسمبر 1997 بمنزله. حيث أكد لي أنه قرر الاختفاء في ذلك الوقت والابتعاد عن مجلس القيادة لأنه وجد أن المجلس انحرف عما كنا قد اتفقنا عليه وهو تقليـل فترة الانتقال في أضيق مدة حتى ننطلق إلى الديمقراطية كما وجدت أن هذا التغيير سوف يعرضني لحرج من الزملاء في الفرسان فتركـت البيت طوال يـوم الخميس 25 فبراير 1954 ويوم الجمعة 26 فبراير 1954 ذهبت إلى السينما لأشاهد مع زوجتي فيلم يوليوس قيصر.

[2]  وكان مجلس نقابة المحامين مشكلا من عبدالرحمن الرافعي رئيساً وصليب سامي وكيلا وزهير جرانة أمينا للصندوق ومحمود الحناوي سكرتيراً وعلى بدوي ومحمود فهمي جندية وعمر عمر ومحمد مصطفى القلعي وعازر جبران وأحمد زكي الحشيتي ويواكيم غبريال وتوفيق ومنصور فريد وأحمد بدر وعبد العزيز الشوربجي وصلاح عبد الحافظ وعادل علوبة أعضاء .. وعين فكري أباظة رئيسا لمجلس نقابة الصحفيين.