إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / ثورة 23 يوليه، في مصر




وثيقة التنازل عن العرش
وداع علي ماهر
محمد نجيب وعبدالناصر
محاصرة قصر عابدين
مع ضباط الكتيبة (13) مشاة
لقاء مع الإخوان المسلمين
مقر مجلس قيادة الثورة
مقر رأس التين بالإسكندرية
اللواء محمد نجيب وعلي ماهر
الملك فاروق والسفير البريطاني
الملك فاروق في احتفال
البيان الأول للثورة
اليخت الملكي المحروسة
الرسالة الموجهة للملك فاروق
اجتماع مجلس قيادة الثورة
تعليمات بعودة اليخت المحروسة
دبابة أمام قصر المنتزه
زيارة للوحدات العسكرية





الفصل السادس عشر

القوى السياسية في مواجهة مجلس الثورة

        نظراً لسيطرة جمال عبدالناصر على الجهاز الإداري للدولة، سيطرة كاملة، فقد كان ملما تماماً بجميع القوى، المحتمل تحركها، ضد الثورة، للإجهاز عليها، وقت اللزوم، وهي:

أولاً: الشيوعيون:

وكانوا منظمين، تنظيماً جيداً، على الرغم من قلة عددهم. وزاد من قوتهم تحالفهم مع الإخوان المسلمين وكانوا تعرفوا على بعضهم في المعتقلات والسجون. وكانوا، حتى هذا التاريخ، يؤيدون موقف محمد نجيب في الأزمة، من دون الاتفاق معه.

ثانياً: جماعة الإخوان المسلمين:

وكان قد صدر قرار، من مجلس الثورة، بحلها في 24 يناير 1954. وكان عبدالناصر على علم بتحركهم التنظيمي، بين ضباط الجيش والبوليس، وحذرهم من ذلك كما أنهم سبق، وساوموه، عند حل الأحزاب، على أن يكون للإخوان الحق في مراجعة قرارات مجلس الثورة. ورفض عبدالناصر ذلك، متمسكاً بمبدأ عدم خضوع الثورة لأية وصاية، وكانوا يؤيدون، حتى هذا التاريخ، موقف محمد نجيب من الأزمة الأخيرة.

ثالثاً: الأحزاب التقليدية

التي أصدر مجلس الثورة قراراً بحلها في 16 يناير 1953، وتضم حزب الوفد، الذي كان يمثل الأغلبية، وأحزاب الأقلية الأخرى، مثل الحزب الوطني، والسعديين، والكتلة.

         وبالطبع، لم تكن هذه الأحزاب، بعد قرار الحل، تحمل أي ود للثورة، متمثلة في مجلس الثورة، وحيث أن الظروف خدمت هذه الأحزاب، فقد تبنى الضباط المتمردون، ومعهم محمد نجيب، شعار عودة الديموقراطية، والحياة البرلمانية، والدستور. وهذه كانت لعبتهم التقليدية، منذ إعلان دستور عام 1923. وفي هذا الوقت، كانت الظروف حرجة جداً، حيث كانت مباحثات الجلاء متوقفة. وسعد الجانب البريطاني بهذه الخلافات.

تياران في مجلس الثورة

  1. تيار على رأسه محمد نجيب رئيس الجمهورية البرلمانية، والذي يرأس، ولا يحكم، ولا يملك أغلبية الأصوات، ومن ثم، فالقرار لم يكن في يد محمد نجيب، على الرغم من تمتعه بالتأييد الشعبي، من دون حدود، وتأييد الأحزاب القديمة، والقوى السياسية الجديدة المعادية، هي الأخرى، للثورة. وبصفته رئيس مجلس الثورة كان مضطراً للأخذ بقرارات مجلس الثورة والتي لا يتمتع فيها بأصوات الأغلبية حتى، ولو كان يعارضها.
  2. تيار على رأسه جمال عبدالناصر، وكان يتمتع بأغلبية، داخل مجلس الثورة، والتي لها حق تعيين وإقالة رئيس الجمهورية نفسه، كما كان المسيطر على جميع وحدات الجيش، بصرف النظر عن وجود ضباط أحرار، على قمته وكثير من الضباط الموالين له شخصياً، ومن غير الضباط الأحرار، ويمكنه، بهذا التنظيم، أن يحول الموقف السيادي بالكامل، في الوقت المناسب، لصالحه.

 

سفر محمد نجيب إلى السودان

         في أول مارس 1954، ظهرت الصحف، وفيها أخبار القبض على 118 شخصاً، بينهم عبد القادر عودة، وأحمد حسين، كما تقرر إيقاف الدراسة، في الجامعات الثلاث، إلى نهاية الأسبوع، حيث كانت المظاهرات قد اجتاحتها . وسافر محمد نجيب، في اليوم نفسه، إلى السودان لحضور افتتاح البرلمان السوداني، مع صلاح سالم، وأحمد حسن الباقوري. وكان موعد السفر غير مناسب إطلاقاً فالأمور لم تهدأ بعد، في مصر، وكثير من المشاكل كانت تحتاج إلى حل ومواجهة. وكانت هناك، في الخرطوم، مفاجأة شديدة. جماهير حزب الأمة احتشدت، في المطار، والشوارع المؤدية إليه، تعلن، بعد انتصار الحزب الوطني الاتحادي، في الانتخابات. وتعيين إسماعيل الأزهري، رئيسًا لوزارة السودان، هاتفة (لا مصري ولا بريطاني... السودان للسوداني).

         ورغم أن الصديق المهدي كان في استقبال محمد نجيب، في المطار، إلا أن المظاهرات أخذت شكلاً معاديًا، وأفسد اصطدام الجماهير بالبوليس مظهر الاحتفال بافتتاح البرلمان السوداني، وحاصر المدعوين في أماكنهم. وكان محمد نجيب، في القصر الجمهوري، يحاول الاتصال، عبثاً، بالسيد عبدالرحمن المهدي. واجتمع بالسفراء العرب، لمناقشة طبيعة المظاهرات، فأجمعوا على أن استفزازات البوليس قد "شوهت الموقف وحولته إلى مجزرة".

         وسقط ثلاثون قتيلاً، وأصيب 117 بجراح وكان، بين القتلى، مدير البوليس الإنجليزي، وحكمدار المدينة السوداني. وظهر، من التحقيق، أن المدبرين الرئيسيين كانوا، كلهم، من أنصار عبدالرحمن المهدي. وحكم بالسجن على أغلبهم. وكان، من المتهمين، رئيس تحرير جريدة الأمة لتحريضه على الفتنة، وصحفي آخر من أتباع المهدي، وعلى عدد من جماعة الأنصار، التابعة لحزب الأمة، وكانت هذه المؤامرة بغرض القضاء على فكرة الوحدة، مع مصر.

         ومما لا شك فيه أن هذه الأحداث كان لها تأثير بالغ السوء على القيادة المصرية التي كان أملها كبير في إتمام الوحدة مع السودان. كما أن الخلافات الداخلية في مصر هي التي شجعت على إحداث مثل هذه الأحداث الدامية في السودان. وغادر محمد نجيب وزملاؤه الخرطوم، مع الفجر، كما غادرها كذلك سلوين لويد، الوزير البريطاني ولم يُفتتح البرلمان السوداني.

انتخاب جمعية تأسيسية

         في 6 مارس 1954، أعلن جمال عبدالناصر، أن مجلس قيادة الثورة قرر، بجلسة 5 مارس 1954، اتخاذ الإجراءات، فوراً، لعقد جمعية تأسيسية، تُنتخب بطريق الاقتراع العام المباشر، على أن تجتمع، في خلال يوليه 1954، ويكون لها مهمتان:

أولاً: مناقشة مشروع الدستور الجديد، وإقراره.

ثانياً: القيام بمهمة البرلمان إلى الوقت الذي يتم فيه عقد البرلمان الجديد، وفقاً لأحكام الدستور، الذي ستقره الجمعية التأسيسية.

         وحتى تجرى الانتخابات للجمعية التأسيسية، في جو تسوده الحرية التامة، قرر مجلس قيادة الثورة إلغاء الأحكام العرفية قبل إجراء الانتخابات، بشهر. وإلغاء الرقابة على الصحافة والنشر، ابتداء من 6 مارس، فيما عدا الشؤون الخاصة بالدفاع الوطني.

         ويكون لمجلس قيادة الثورة سلطة السيادة لحين انعقاد الجمعية التأسيسية. وينظم الدستور الجديد كيفية تنظيم الأحزاب.

         جاءت هذه القرارات مفاجأة لأنصار الثورة وخصومها على السواء. وأول ما يلفت النظر فيها أنها تتعارض، في جوهرها، مع القرار السابق صدوره، من مجلس قيادة الثورة في 17 يناير 1953، بتحديد فترة انتقال لمدة ثلاث سنوات تنتهي في يناير 1956، فماذا جد من الحوادث حتى تجتزأ نحو سنتين من هذه الفترة؟ لعل خلافاً جديداً قام بين قادة الثورة أدى إلى صدور هذا القرار الذي يحمل بين طياته تخلي الثورة عن مهمتها.

         وفي 8 مارس 1954، قرر مجلس قيادة الثورة تعيين اللواء محمد نجيب، رئيساً لمجلس قيادة الثورة، ورئيساً لمجلس الوزراء، بعد أن تنحى جمال عبدالناصر عن رئاسة الوزارة. وعاد نائباً لرئيس مجلس قيادة الثورة (انظر ملحق أمر من مجلس قيادة الثورة بتعيين اللواء أركان حرب محمد نجيب رئيساً لمجلس قيادة الثورة ورئيساً لمجلس الوزراء) واستفاضت الأنباء عن قرب صدور قانون الانتخاب للجمعية التأسيسية، كل ذلك ولجنة الدستور لم تتم بعد وضع مشروع الدستور، ولا قانون الانتخاب.

السماح بقيام الأحزاب

         وفي 25 مارس 1954، قرر مجلس قيادة الثورة السماح بقيام الأحزاب، وحل مجلس قيادة الثورة يوم 24 يوليه 1954، أي في يوم انتخاب الجمعية التأسيسية. قد تبلبلت الأفكار من صدور هذه القرارات الخطيرة. ولم يعلم أحد، على أي أساس، ستنتخب الجمعية التأسيسية، أو ينتخب البرلمان. لم يعرف أحد أية هيئة ستتولى شؤون الحكم، في الفترة السابقة لاجتماع الجمعية التأسيسية، ولا أية هيئة ستجري الانتخابات، وهل ستعود الأحزاب المنحلة قبل الانتخابات، أم بعدها، وما هو البديل عن مجلس قيادة الثورة؟ خاصة وأن مباحثات الجلاء كانت متوقفة، وبريطانيا تكشر عن أنيبها، وعدوانها قائم في القناة، وخصوم الثورة واقفون لها بالمرصاد.

         وأخذ أعضاء مجالس الأحزاب المنحلة يجتمعون ويتداولون، وبات متوقعاً لو عادت إليهم السلطة أن ينتقموا من الثورة وزعمائها، وأن ينكلوا بالذين كانوا السبب في إقصائهم عن الحكم، وفي زوال حكم فاروق. ورفع الهضيبي، وعبدالحكيم عابدين، أمام مجلس الدولة، دعوى على وزارة الداخلية، بإلغاء قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، وطلبا وقف تنفيذ قرار الحل.

قرارات ضباط الجيش

         اجتمع ضباط الجيش، من جميع الأسلحة، في ثكناتهم، في 27 مارس 1954، وتشاوروا في الموقف، ورأوا أن الثورة مهددة بالانحلال، إذا نفذت قرارات 5 و25 مارس، وأن، البلاد ستعود إلى الفوضى، وإلى الأحزاب المنحلة نفسها، فأصدروا قرارات إجماعية بإلغاء قرارات 5و 25 مارس، وشفعوا ذلك بقرار الاعتصام في ثكناتهم إلى أن تلغى هذه القرارات، وحملوا مجلس قيادة الثورة مسؤولية ما يقع من حوادث إذا لم تجب مطالبهم. وأضرب عمال النقل، احتجاجاً على عودة الأحزاب المنحلة، وقررت نقابتهم استمرار مجلس قيادة الثورة، في مباشرة سلطاته، وعدم الدخول في معارك انتخابية، قبل جلاء المستعمر، فتوقفت القطارات، ووسائل النقل في البلاد، وبلغ عدد العمال المضربين مليون عامل.

العدول عن قرارات 5 و25 مارس 1954 وانتهاء الأزمة

         إزاء ذلك، اتخذ مجلس قيادة الثورة في اجتماعه 29 مارس القرارات الآتية:

أولاً: إرجاء تنفيذ القرارات، التي صدرت في 5 و25 مارس 1954، حتى نهاية فترة الانتقال.

ثانياً: تشكيل مجلس وطني استشاري، يُراعى فيه، تمثيل الطوائف والهيئات، والمناطق المختلفة.

وانتهى الإضراب العام في تمام الساعة الخامسة من صباح 30 مارس 1954.

وزارة جديدة برئاسة جمال عبد الناصر

         تخلى محمد نجيب عن رئاسة الوزارة (انظر ملحق قرار بقبول تخلي اللواء محمد نجيب عن رئاسة الوزارة بتاريخ 17 أبريل 1954، وأمر بتكليف جمال عبدالناصر بتأليف الوزارة)، واقتصر على رئاسة الجمهورية، ومجلس قيادة الثورة. وقرر المجلس في 17 أبريل 1954، قبول هذا التخلي، وتكليف جمال عبد الناصر تأليف الوزارة، فألفها، برئاسته، من معظم أعضاء الوزارة السابقة (انظر ملحق جواب السيد البكباشي أ. ح جمال عبدالناصر رئيس الوزراء)، مع تعديل فيها، إذ رأى مجلس القيادة أن يضطلع بعض قادة الثورة بأعباء الحكم، وتحمل مسؤولياته، ودخل، في الوزارة، وزراء جدد هم: حسين الشافعي للحربية، وحسن إبراهيم، وزير دولة لشؤون رئاسة الجمهورية، ومحمد عوض محمد للمعارف، وعبد الحميد الشريف للمالية، وحسن مرعي للتجارة والصناعة، وجندي عبدالملك للتموين وخرج من الوزارة السابقة: عبدالجليل العمري، وحلمي بهجت بدوي، وعلي الجريتلي، وعباس عمار، ووليم حنا، وحسن بغدادي، وخرج سليمان حافظ من منصبه "مستشار رئيس الجمهورية".

         وفي 31 أغسطس 1954، قرر مجلس قيادة الثورة قبول استقالة عبدالحميد الشريف، وزير المالية، ومحمد عوض محمد، وزير المعارف، وإجراء التعديلات الآتية في الوزارة.

         تعيين جمال سالم نائباً لرئيس الوزارة، وفتحي رضوان وزيراً للمواصلات، وحسين الشافعي وزيراً للشؤون الاجتماعية، وكمال الدين حسين وزيراً للمعارف، وعبد الحكيم عامر وزيراً للحربية، مع احتفاظه بمنصب القائد العام للقوات المسلحة، وأنور السادات وزير دولة، وعبد المنعم القيسوني وزيراً للمالية والاقتصاد. وفي فبراير 1955 عُين حسن إبراهيم، وزيراً لشؤون الإنتاج، علاوة على عمله وزير دولة لشؤون رياسة الجمهورية.

         وفي 2 سبتمبر 1954 صدر مرسوم بإطلاق اسم وزارة التربية والتعليم على وزارة المعارف العمومية.

حادث المنشية 26 أكتوبر 1954

         كان جمال عبد الناصر يخطب في الإسكندرية، بميدان التحرير (المنشية) يوم 26 أكتوبر 1954 في احتفال شعبي كبير، بمناسبة التوقيع على اتفاقية الجلاء. فلما وصل إلى قوله: "أنا لا أستطيع أن أعبر عن شكري لله إذ أحتفل معكم اليوم في هذا الميدان نفسه يا أبناء الإسكندرية، يا من كافحتم وكافح آباؤكم وأجدادكم، واستشهد إخوان لكم في الماضي، أحتفل معكم اليوم بعيد الجلاء، بعيد الحرية، عيد العزة والكرامة"، هنا دوت في الميدان رصاصات ثمان متتابعة قيل، وقتئذ، أنه صوبها، إلى صدر جمال عبدالناصر، شاب من جماعة الإخوان المسلمين، يريد اغتياله، ولكن الرصاصات أخطأت المرمى، ولم يصب جمال عبد الناصر.

         فارتج السرادق من فظاعة الحادث، ولم يتبين الحاضرون، بادئ الأمر، إذا كان جمال عبدالناصر قد أصيب أم لا، وما مبلغ الإصابة، وبدأ بعضهم في الانصراف، بعد سماعهم دوي الرصاص متتابعاً. وأراد حرس جمال عبدالناصر أن يثنوه عن الحديث، وينحوه عن منصة الخطابة، فدفعهم بكلتا يديه، واستمر، في خطبته، قائلاً بأعلى صوته: "أيها الرجال! فليبق كل في مكانه". وكرر هذه العبارة غير مرة، ومضى قائلاً: "حياتي فداء لكم، دمي فداء لمصر، أيها الرجال، أيها الأحرار، أتكلم إليكم، بعون الله، بعد أن حاول المغرضون أن يعتدوا عليّ، إن حياة جمال عبد الناصر ملك لكم، عشت لكم، وسأعيش حتى أموت عاملاً من أجلكم، ومكافحاً في سبيلكم، سيروا على بركة الله، والله معكم ولن يخذلكم، فلن تكون حياة مصر معلقة بحياة جمال عبدالناصر، إنها معلقة بكم أنتم وبشجاعتكم وكفاحكم، إن مصر اليوم قد حصلت على عزتها، وعلى كرامتها، وحريتها، سيروا على بركة الله نحو المجد، نحو العزة. نحو الكرامة".

         وقيل، بعد ذلك، أن التحقيقات أثبتت أن الجاني اسمه محمود عبداللطيف، سمكري في إمبابة، ومن الإخوان المسلمين، وقد جاء إلى مكان الاحتفال، مبكراً، وجلس على بعد 15 متراً، من منصة الرئيس! وكان متمرناً على إطلاق الرصاص؛ لأن الرصاصة الأولي، التي أطلقها، والثانية، اتجهتا نحو الرئيس. وأصابتا الأستاذ أحمد بدر المحامي، الذي كان منه على ربع متر فقط! وأصابت الرصاصة الثالثة مصباحاً كهربياً، فوق المنصة، فانفجر، وأصيب الأستاذ ميرغني حمزة، الوزير السوداني، ونقل الاثنان إلى مستشفى المواساة لتضميد جروحهما.

         ومن الواضح أن الرجل لم يكن ماهراً بحال، كما ورد في التحقيقات، فعلى الرغم من صغر المسافة (15متراً) جاءت رصاصة على بُعد ربع متر! والأخرى في المصباح!

         وهذا كله يثير تساؤلات عديدة عن حقيقة الحادث ودوافعه وملابساته.

تشكيل محكمة الشعب أول نوفمبر 1954

       في أول نوفمبر 1954، أصدر مجلس قيادة الثورة أمراً، بتأليف محكمة مخصوصة، سُميت "محكمة الشعب"، برئاسة جمال سالم، وعضوية أنور السادات، حسين الشافعي، لمحاكمة الأفعال التي تعد خيانة للوطن، أو ضد سلامته في الداخل والخارج، وكل ما يعتبر موجهاً ضد نظام الحكم، والأسس التي قامت عليها الثورة. وكانت هذه المحكمة رابع نوع من المحاكم تشكله الثورة، بعد المجالس العسكرية، ومحكمة الغدر، ومحكمة الثورة.

        وقد عقدت جلساتها، بمبنى قيادة الثورة، بالجزيرة، ثم ألفت ثلاث دوائر فرعية، لمحكمة الشعب، لنظر قضايا بقية الإخوان، المشتركين في حوادث الاغتيال والإرهاب، وعددهم نحو سبعمائة.

        أُلفت الدائرة الأولى، برئاسة اللواء صلاح حتاتة، والثانية برئاسة القائممقام حسين محفوظ ندا، والثالثة برئاسة قائد الجناح عبد الرحمن شحاتة عنان، ونظرت هذه الدوائر في القضايا، التي أحالتها إليها محكمة الشعب. وتركزت جلسات الدوائر الثلاث التي أصدرتها محكمة الشعب على زعماء الإخوان.

المتهمون البارزون الإخوان، والأحكام الصادرة عليهم

إعدام ونفذ فيه الحكم

سمكري مطلق الرصاصات الأثيمة

1. محمود عبد اللطيف

إعدام ونفذ فيه الحكم

تاجر حبوب بالإسماعيلية

2. يوسف طلعت

إعدام ونفذ فيه الحكم

محام بإمبابة

3. هنداوي دوير

إعدام ونفذ فيه الحكم

محام بمكتب عبد القادر عودة

4. إبراهيم الطيب

إعدام ونفذ فيه الحكم

محام بالقاهرة

5. عبد القادر عودة

إعدام ونفذ فيه الحكم

واعظ بالإسماعيلية

6. محمد فرغلي

إعدام ثم خفف إلى الأشغال لشاقة المؤبدة ثم أفرج عنه صحياً

المرشد العام للإخوان المسلمين مستشار سابق بالنقض

7. حسن الهضيبي

أشغال شاقة مؤبدة

صيدلي بالمنصورة

8. محمد خميس حميدة

أشغال شاقة مؤبدة

موظف بجامعة الدول العربية

9. صالح أبو رقيق

أشغال شاقة مؤبدة

مستشار مساعد بمجلس الدولة

10. منير أمين دله

أشغال شاقة مؤبدة

أستاذ بكلية الهندسة

11. حسين كمال الدين

أشغال شاقة مؤبدة

مدير مصلحة الطرق والكباري

12. محمد كمال خليفة

أشغال شاقة مؤبدة

مفتش سابق للتعليم

13. عبد العزيز عطية

أشغال شاقة مؤبدة

مزارع بمنفلوط

14. حامد محمد أبو النصر

السجن 15 سنة

محام بشبين القناطر

15. عمر التلمساني

السجن 15 سنة

واعظ بأسيوط

16. أحمد شريت

أشغال شاقة 15 سنة

 

17. حسن دوح

براءة

شقيق الأستاذ حسن البنا

18. عبدالرحمن البنا

براءة

 

19. البهي نجا الخولي

براءة

 

20. عبدالمعز عبدالستار

        وتبين أن عدد الذين حكمت عليهم محاكم الشعب هو 867، وعدد الذين حكمت عليهم المحاكم العسكرية 254، وأن عدد المعتقلين وصل إلى مداه، يوم 24 أكتوبر 1955، بعد الإدعاء بكشف مخابئ الجهاز السري، والمخابئ السرية للأسلحة والقنابل، التابعة للإخوان، فوصل إلى 2943 معتقلاً. وقد تناقص هذا العدد في عام 1956 إلى 571 معتقلاً. أُفرج عنهم قبل يوم 23 يوليه 1956.

إعفاء محمد نجيب من رئاسة الجمهورية وتحديد إقامته

        كان محمد نجيب مازال، حتى يوم حادث المنشية، رئيساً للجمهورية، بلا سلطات عملية تقريباً، ينوب عنه، في الغالب، ويحضر مقابلاته حسن إبراهيم، وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية. وعندما وجد محمد نجيب، في اتفاقية الجلاء، بعض ما يستحق النقد، كتب مذكرة إلى مجلس قيادة الثورة. ثم فوجئ بها مطبوعة يوزعها الإخوان المسلمون.

        وعقب حادث المنشية، أرسل إلى جمال عبدالناصر، برقية ومندوباً للاستفسار عن صحته، ولكن الصحف والإذاعة لم تشر إلى ذلك؛ فذهب محمد نجيب، إلى عبدالناصر، في منزله، مستفسراً عن سبب عدم الإشارة إلى ذلك في الصحف، مستنكراً أن يكون وراء ذلك محاولة إفهام الناس برضائه عن هذا الحادث. ولم يسمع محمد نجيب جواباً مرضياً.

        في يوم 14 نوفمبر، توجه محمد نجيب إلى مكتبه، فوجد عدداً من ضباط البوليس الحربي، أمام قصر عابدين. ولما اتصل بجمال عبدالناصر مستفسراً عما وراء ذلك. حضر إليه، بعد فترة قصيرة، عبدالحكيم عامر، وحسن إبراهيم، ليبلغاه أن مجلس قيادة الثورة قرر إعفاءه من منصبه.

        وذهب الاثنان معه إلى حيث حُددت إقامته، في فيلا صغيرة، كانت تملكها السيدة زينب الوكيل، بضاحية المرج، شمال القاهرة. وصدر في اليوم نفسه، قرار بإعفائه من جميع المناصب، التي كان يشغلها، كما تقرر أن يبقى منصب رئاسة الجمهورية شاغراً. وأن يستمر مجلس قيادة الثورة في تولي كافة سلطاته، بقيادة جمال عبد الناصر (انظر ملحق قرار مجلس قيادة الثورة بإعفاء محمد نجيب).

        هكذا وصل الصدام الأخير مع مجلس قيادة الثورة إلى نهايته، وأسفر عن:

  • عزل محمد نجيب من رئاسة الجمهورية.
  • حل الأحزاب السياسية، ووضع قادتها في السجون.
  • إغلاق صحيفة المصري، التي لعبت دوراً كبيراً، في أزمة مارس.
  • حل جماعة الإخوان المسلمين وإعدام قادتها ووضع الألوف، من أعضائها، في المعتقلات والسجون.
  • فشل محاولات الانقلاب العسكري، وانتهاء التنظيمات العسكرية المستقلة، أو التابعة للقوى السياسية الخارجية داخل الجيش.
  • حل نقابات الصحفيين والمحامين، وتعيين لجان مؤقتة لها موالية لمجلس قيادة الثورة[2].

انتصار مجلس قيادة الثورة

        كان واضحاً أن الانتصار كان لصالح أعضاء المجلس، للأسباب الآتية:

أولاً: لم تتوافر لمحمد نجيب شخصية الزعيم الذي يقدر على المناورة، واقتصرت جاذبيته على سماحته وبساطته، وهي أمور لا تكفي، وحدها، لتوجيه الحركة السياسية.

ثانياً: لم يلجأ محمد نجيب إلى تكوين تنظيم موال له، في بالجيش، كما فعل جمال عبدالناصر، وزملاؤه. كما أن صلته بالقوى السياسية المختلفة كانت معدومة، على عكس جمال عبدالناصر، الذي تعددت صلاته، وتلاقت أهدافها؛ وتنافرت مع هذه القوى، تبعاً للظروف القائمة.

ثالثاً: ضعف الوفد، والأحزاب السياسية الأخرى، وعدم قدرتها على تحريك الجماهير، تبعاً لتوجيهاتها، لغياب عنصر التنظيم الحزبي الملتزم، واعتمادها على التنظيمات القديمة، المؤثرة في الجماهير بطريقة شخصية، فقط.

رابعاً: عدم وصول القوى الشيوعية واليسارية إلى الدرجة المطلوبة، من النضج، والانتشار، الكفيل بحشد الجماهير حولها، علاوة على معاناتها من الانقسامات، والاعتقالات.

خامساً: العجز عن تكوين الجبهة الوطنية الديموقراطية، نتيجة لتردد الوفد، ورفض الإخوان المسلمين، وعدم وضوح الخط السياسي لمحمد نجيب.

سادساً: ترجيح كثير من الفئات للخط الوطني، الذي تبنته الحركة، في بدايتها، على خطواتها المعادية للديموقراطية، والتي لم تصل إلى الجماهير البسيطة، في حياتها اليومية.

سابعاً: انتهاز وقوع الإخوان المسلمين في شرك مساندة "مجلس قيادة الثورة"، في أحرج وقت تصادمت فيه القوتان.

ثامناً: عدم تعاطف الشعب، مع الإخوان، في محنتهم، لما ألصق بهم، من اتهامات، ومعاداتهم المستمرة للأحزاب السياسية.

تاسعاً: عدم توافر الظروف المواتية لتجميع العناصر الوطنية الديموقراطية، داخل الجيش، وتأييد بعضهم لمجلس القيادة، حيث لم يجد منبراً آخر، أكثر جاذبية له.

عاشراً: غيبة الحركة الجماهيرية المؤثرة، التي كان يمكن أن تشكل قوة ضاغطة، على أعضاء المجلس، فلم يكن هناك اتحاد لنقابات العمال، ولم تكن هناك تنظيمات فلاحية، كما أنه لم يكن هناك تنسيق، بين النقابات المهنية.

        كل هذه الأسباب وغيرها، جعلت انتصار "مجلس قيادة الثورة"، باعتباره المعبر عن حركة الجيش أكثر رجحاناً. وخاصة بعد أن انفردت الحركة بالقوى المختلفة، تطيح بها، واحدة بعد الأخرى، من دون إدراك بأن هذه المطرقة الهاوية لن تتوقف، إلا إذا تحولت كل التنظيمات الحية إلى جثث هامدة، أو مغشي عليها. ومنذ عزل محمد نجيب، واختفاء التنظيمات السياسية، وملء السجون والمعتقلات السياسية من مختلف الاتجاهات. أصبحت حركة الجيش هي المسيطرة. وانتصر الجانب المسلح، من الطبقة المتوسطة، بعد أن وجه ضربة قاضية للإقطاع، وضربات شديدة لأبناء طبقته من المدنيين. وانتهت سنوات التصادم بانتصار كامل للعسكريين. وبدأت مواجهتهم لمشاكل المجتمع تحدد خط سيرهم، في المستقبل القريب والبعيد.




[1]  مقابلة مع خالد محيي الدين يوم 18 ديسمبر 1997 بمنزله. حيث أكد لي أنه قرر الاختفاء في ذلك الوقت والابتعاد عن مجلس القيادة لأنه وجد أن المجلس انحرف عما كنا قد اتفقنا عليه وهو تقليـل فترة الانتقال في أضيق مدة حتى ننطلق إلى الديمقراطية كما وجدت أن هذا التغيير سوف يعرضني لحرج من الزملاء في الفرسان فتركـت البيت طوال يـوم الخميس 25 فبراير 1954 ويوم الجمعة 26 فبراير 1954 ذهبت إلى السينما لأشاهد مع زوجتي فيلم يوليوس قيصر.

[2]  وكان مجلس نقابة المحامين مشكلا من عبدالرحمن الرافعي رئيساً وصليب سامي وكيلا وزهير جرانة أمينا للصندوق ومحمود الحناوي سكرتيراً وعلى بدوي ومحمود فهمي جندية وعمر عمر ومحمد مصطفى القلعي وعازر جبران وأحمد زكي الحشيتي ويواكيم غبريال وتوفيق ومنصور فريد وأحمد بدر وعبد العزيز الشوربجي وصلاح عبد الحافظ وعادل علوبة أعضاء .. وعين فكري أباظة رئيسا لمجلس نقابة الصحفيين.