إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إيران.. التاريخ والثورة (الثورة الإيرانية من وجهة النظر الإيرانية)




هاشمي رافسنجاني
محمود أحمدي نجاد
محمد رضا بهلوي
محمد علي رحماني
محمد علي رجائي
آية الله منتظري
مير حسين موسوي
الإمام آية الله الخوميني
سيد محمد خاتمي
سيد علي خمنة آي





المبحث الثاني

عهد الأفشار والزند والقاجار

      كان نادر قلي رجلاً قبلياً من الأفشار، ولد في مشهد وارتفع شأنه من جمّال إلى رئيس عصابة لقطع الطريق يتخذ مقره في "قلعة نادري" المنيعة في خراسان، وفي عام 1139 هـ/ 1726 م اشتغل في خدمة طهاسب ميراز ابن الملك الصفوي شاهحسين، وفي عام 1142 هـ/ 1729 م هزم الأفغان بقيادة أشرف على مقربة من أصفهان، وطردهم من غربي إيران ومن خراسان وهراة، ثم استرد أرمينية وجورجيا من الأتراك العثمانيين، كما اعترفت بذلك معاهدة القسطنطينية المبرمة في عام 1149 هـ/ 1736 م.

      في عام 1144 هـ/ 1731 م عزل نادر قلي مخدومه طهماسب ميرزا وحكم كنائب للشاه عباس الثالث بن طهماسب إلى أن توفي عباس (آخر ملوك الصفويين) عام 1149هـ/ 1736م، وعندئذ اعتلى عرش إيران وتلقب بنادر شاه، وصار مؤسساً للدولة الأفشارية.

      عين نادر شاه أفراداً من أسرته حكاماً على أقاليم إيران، ثم ظن أن مؤامرة دبرت ضده من قبل ابنه رضا قلي ميرزا فأمر بسمل عينيه غير أن تأنيب ضميره بعد ذلك دفعه إلى القيام بأعمال تدل على الجنون والقسوة وفرض نظاماً قاسياً على جنوده وعلى الشعب الإيراني.

      في عام 1149 هـ/ 1736 م توغل في أفغانستان واستولى على قندهار وغزنة وكابل، ثم واصل سيره إلى بلاد الهند حيث دخل دهلي (دلهي) فنهب القصور وما بالمدينة من كنوز من بينها عرش الطاووس.

      في عام 1153 هـ/ 1740 م استولى على بخارى وخيوة وجميع مناطق الأوزبكيين، قام بمحاولة جادة لبناء أسطول في الخليج، وفي عام 1151 هـ/ 1738 م ضم جزيرة البحرين إلى إيران. في عام 1156 هـ/ 1743 م سار لفتح العراق، فاستولى على الموصل والبصرة.

      كانت فترة حكم نادر شاه تمثل عهداً قصيراً من القوة الوطنية إلا أن أهالي البلاد لم يظفروا بأية فائدة من غزواته الخارجية، وكان جيشه الضخم يعيش بعيداً عن موطنه الأصلي ويتحرك من الغرب إلى الشرق وبالعكس وكانت الضرائب الثقيلة تفرض على السكان وكانت موارد البلاد مسخرة للمجهود الحربي.

      في عام 1160 هـ/ 1747 م قتل نادر شاه بيد واحد من ضباطه خلال ثورة اشتعلت ضده في أحد الأقاليم.

      بعد مصرع نادر شاه تولى ابنه الأعمى "شاهرخ" حكم خراسان من 1161 هـ/ 1748 م حتى 1211 هـ/ 1796 م إلا أنه خلال هذه المدة لم يستطع الاحتفاظ بوحدة الأراضي الإيرانية فظفر الأفغان باستقلالهم وتمزق غربي إيران نتيجة الحروب الداخلية وسقط في أيدي الزنديين والقاجاريين، فصار كريم خان رئيس قبيلة الزند البدوية المتنقلة في إقليم فارس سيدا علي أصفهان وشيراز وأغلب الجزء الجنوبي من إيران، ونجح في صد القاجاريين، وتلقب بوكيل السلطنة أو نائب الملك متخفياً بذلك وراء اسم أحد الصفويين الضعاف، واستمر في الحكم من 1164 هـ/ 1750 م حتى 1193 هـ/ 1779 م، وقد اهتم بعاصمته شيراز فزينها بالقصور والجواسق المقامة في الحدائق، والمساجد، والسوق الطويلة المسقوفة ولا تزال المدينة تحتفظ بجزء كبير من طبيعتها المعمارية التي سادت ذلك العصر.

      أما القاجاريون فقد كانوا إحدى القبائل السبع التي ساعدت الشاه إسماعيل أول ملوك الصفويين، وكان شأنها قد انخفض في عهد نادر شاه لكنها ظهرت على مسرح الأحداث في مازندران بعد وفاته وسعت إلى الانتشار جنوبي إيران.

      نجح قائدهم "آقا محمد خان" في توحيد فروع القبيلة بالعنف والقتل، فقوي أمره واستطاع الاستيلاء على طهران عام 1193 هـ/ 1779 م وجعلها عاصمة لملكه ولكنه لم يلقب رسمياً بملك إيران حتى عام 1211هـ/ 1796م.

      هاجم الشاه محمد قوات "لطفعلي" خامس الزنديين الذين أعقبوا كريم خان واضطره للجوء إلى كرمان، ثم قبض عليه وعذبه حتى مات، وعاقب أهل كرمان بسمل أعين عدد كبير منهم، وقد استطاع السيطرة على جميع أقاليم إيران وضم إليها "جورجيا". قتل محمد شاه عام 1212 هـ/ 1797 م.

      تولى فتحعلي شاه عرش إيران بعد عمه الشاه محمد عام 1212 هـ/ 1797 م وحتى عام 1250 هـ/ 1834 م، وقد تمتعت إيران في عهده بالهدوء والاستقرار، وقد بدأ في عهد فتحعلي شاه الاتصال المباشر بالدول الغربية فعقدت معاهدة تحالف بين فرنسا وإيران عام 1222 هـ/ 1807 م وكان نابليون يأمل من خلال هذه المعاهدة غزو الهند عن طريق البر في مقابل أن يمد إيران بالأسلحة ويرسل بعثة عسكرية لتدريب جيشها لتتمكن من مقاومة روسيا القيصرية التي ضمت جورجيا عام 1216 هـ/ 1801 م ولكن ذلك لم يفد إيران إذ سرعان ما اتفقت روسيا مع فرنسا وعقدت معها معاهدة كلستان عام 1229 هـ/ 1813 م اعترفت فيها فرنسا بملكية روسيا لجورجيا. في عام 1230 هـ/ 1814 م عقدت إيران معاهدة تحالف دفاعي مع بريطانيا بقيت سارية المفعول حتى عام 1274 هـ/ 1857 م إلا أن إيران لم تستفد منها بشيء.

      في عام 1242 هـ/ 1826 م دخلت إيران في حرب مع روسيا، انتصرت فيها إيران أول الأمر ولكنها سرعان ما انهزمت واستولى الروس على تبريز وعقدوا معاهدة مع إيران تحت اسم معاهدة "تركمان جاي" عام 1244 هـ/ 1828 م نصت على إعطاء روسيا إقليمي "ايروان" و"نخجوان" اللذين كانا ضمن الأراضي الإيرانية مع تعويض كبير، كما نصت المعاهدة على حق السفن الروسية في الرقابة الحربية على بحر قزوين، ومنح روسيا كثيراً من الامتيازات والحقوق الاقتصادية والجمركية الخاصة.

      منذ ذلك الوقت وحتى مطلع القرن العشرين أصبحت إيران موزعة بين المصالح المتعارضة لروسيا وبريطانيا العظمى، فكانت روسيا تبني سياستها على أساس التوسع في آسيا وتطمع أن يكون لها ميناء في المياه الدافئة في الخليج، بينما سعت بريطانيا إلى السيطرة على الخليج وجميع الأراضي المجاورة للهند.

      حكم محمد شاه حفيد فتحعلي شاه من عام 1250 هـ/ 1834 م حتى عام 1265 هـ/ 1848 م وبذل جهده من أجل تحسين الحالة الداخلية للبلاد، وقد خطبت روسيا في عهده ود إيران حتى تتمكن من تدعيم نفوذها في ولايات القوقاز وتركستان.

      قام محمد شاه ـ تساعده روسيا ـ بمحاولة لإعادة فتح هراة لكن هذه المحاولة فشلت إزاء المقاومة التي كانت تدعمها بريطانيا لتلك المدينة.

      ظهرت في عهد محمد شاه حركة دينية تبشر بقدوم المهدي المنتظر قام بها "ميرزا علي محمد" المولود في شيراز عام 1225 هـ/ 1819 م وكان من علماء الدين الشيعة المتصوفة، وقد قبل تعاليمه عدد كبير التف حوله ولقبوه "بالباب" أي الباب بين دنيا المادة ودنيا الروح، وقد ادعى أنه نقطة التجلي الإلهي في هذا العالم فدعا إلى السلام الدائم وإزالة الفوارق بين الطبقات وإلى حياة تقوم على أساس التفسير الروحي للإسلام، ولكنه قتل بأمر من الحكومة الإيرانية في تبريز عام 1267 هـ/ 1850 م وقتل حوالي 40.000 من اتباعه، وبعد قتل الباب صار "ميراز يحي" أحد اتباعه المقربين رئيساً لطائفة البابية، وهاجر إلى "أدرنة"، بتركيا، وقد توفي عام 1912 م وكان أخوه لأبيه "ميرزا حسين" قد اتخذ لقب "بهاء الله" أو البهاء الإلهي عام 1863 م وترأس الدعوة البهائية، وسرعان ما مزج بهاء الله ما في العقيدة من عناصر التصوف الإيرانية بأفكار تحررية كانت رائجة في أوربا وصاغ منها مذهباً جديداً له صبغة دولية ولا يعترف بطقوس خاصة ولا بنظام للكهنوت وجعل مركزه مدينة "عكا" في فلسطين، وقد تابع هذه الدعوة ابنه وخليفته "عباس افندي" فانتشرت في جميع أنحاء العالم وأنشئت المحافل البهائية في طهران وسائر البلاد.

      اعتلى "ناصر الدين شاه" ابن "محمد شاه" عرش إيران عام 1264 هـ/ 1847 م وهو في السادسة عشرة من عمره وامتاز عهده الطويل بالعلاقات الودية مع روسيا، استولى الجيش الإيراني على هراة عام 1273 هـ/ 1856 م فأعلن الحاكم الإنجليزي العام في الهند الحرب على إيران وأنزلت القوات البريطانية على رأس الخليج وعجزت روسيا عن مساعدة إيران فاضطر ناصر الدين شاه إلى التسليم، وانسحبت إيران من "هراة" واعترفت باستقلال أفغانستان بمقتضى معاهدة باريس التي أبرمت عام 1247 هـ/ 1857 م، وقد منحت هذه المعاهدة امتيازات وحقوقاً تجارية لبريطانيا في إيران.

      ومنذ ذلك الوقت اتخذ التنافس بين روسيا وبريطانيا على المسرح الإيراني صورة التدخل الاقتصادي حيث تطلب النشاط الصناعي المتزايد الذي ظهر في الغرب الحصول على المواد الخام وعلى الأسواق الجديدة لتصريف المنتجات الصناعية، وكانت إيران من المناطق التي أصبحت مجالاً للغزو الاقتصادي المدعوم بالتدخل السياسي.

      في عام 1289 هـ/ 1872 م حصل "البارون رويتر" البريطاني على امتياز من ناصر الدين شاه يعطي بريطانيا الحق في إنشاء السكك الحديدية وطرق المواصلات، واستغلال الثروة المعدنية والبترول سبعين سنة، كما أعطتها الحق في الإشراف على الأعمال الجمركية لمدة أربع وعشرين سنة.

      ولما قام ناصر الدين شاه برحلته الأولى إلى أوربا في السنة الثالثة استقبل بفتور شديد في روسيا فألغى الامتياز عقب رجوعه، ثم عاد فاسترضى "رويتر" عام 1307 هـ/ 1889 م بمنحه حق إنشاء المصرف الإمبراطوري لإيران، وفي عام 1308 هـ/ 1890 م أعطيت شركة إنجليزية حق احتكار الطباق والدخان لكن علماء الدين قادوا موجة من السخط وأعلنوا تحريم الدخان فألغى حق الاحتكار، وقامت بريطانيا بعد عام بإنشاء خطوط للبرق في جميع الأجزاء الغربية من إيران.

      لم تقف روسيا مكتوفة اليدين أمام هذه الأحداث ففي عام 1297 هـ/ 1879 م وافق ناصر الدين شاه على إنشاء لواء من القوازق الفرس على النمط الروسي على أن يدربه ويقوده ضباط من الروس، كما فتح مصرف روسي اسمه "مصرف التخفيض" في طهران عام 1309 هـ/ 1981 م، وحصل أحد الرعاة الروس عام 1306 هـ/ 1888 م على امتياز يمنحه حقوق الصيد في بحر قزوين، وكانت روسيا قد استولت على طشقند وسمرقند وبخارى وخيوه، وأبرمت مع إيران اتفاقية "أخال" التي اعترفت فيها إيران بحق روسيا في مدينة "مرو".

      فتحت السفارة الأمريكية في طهران عام 1300 هـ/ 1882 م، وظفرت خمس عشرة دولة أجنبية بحقوق وامتيازات لرعاياها المقيمين في طهران خلال الفترة من 1272هـ/ 1855م و 1318 هـ/ 1900 م، وقد بذل ناصر الدين شاه جهده لخدمة بلاده ولكن الظروف كانت أقوى من أن تقاوم مقاومة فعالة.

      وقد زار ناصر الدين شاه أوربا مرتين ورجع مقتنعاً بأن إيران في حاجة إلى الاقتباس من الحضارة الأوربية حتى تستطيع أن تتخذ مكانها في العالم الحديث إلا أن الامتيازات التي منحها للدول الأجنبية جعلت الفائدة التي تعود على إيران قليلة.

      بذل ناصر الدين شاه جهداً كبيراً لتحسين نظم القضاء والإدارة العامة وتحديث البلاد وكان يواجه في ذلك بمعارضة من علماء الدين.

      قتل ناصر الدين شاه عام 1314 هـ/ 1896 م وتولى مكانه ابنه مظفر الدين شاه الذي انصرف إلى رحلات السياحة في أوربا التي تكلفت مبالغ باهظة تركت الخزانة العامة خاوية دائماً وبينما كان رجال البلاط وكبار الموظفين يكدسون الأموال كانت جماهير الشعب تعاني من الفاقة، وقد اضطرت الحكومة إلى أن تطلب قرضاً من روسيا عام 1318 هـ/ 1900 م قدره 22 مليون روبل بفائدة قدرها 5% على أن يخصص جزء منه لسداد الديون الأجنبية وأن لا تقترض إيران من دولة أخرى حتى يتم سداد القرض، وقد ضمنت الجمارك الإيرانية أداء هذا القرض، ولم يبق من القرض الروسي بعد دفع نفقات زيارة الشاه لأوربا وسداد قرض المصرف الإمبراطوري وتسوية بعض الالتزامات إلا مبلغ ستة ملايين روبل فقط، فطلبت إيران من روسيا قرضاً آخر، فقدمت لها قرضاً بمبلغ عشرة ملايين روبل.

      في عام 1319 هـ/ 1901 م أبرمت روسيا وإيران اتفاقية جمركية نصت على فرض رسوم جمركية بسيطة على البضائع الواردة من روسيا، وعلى فرض رسوم جمركية مرتفعة على البضائع الواردة من الدول الأخرى.

      قامت الثورة الدستورية في إيران بقيادة بعض علماء الدين والشباب الذين تأثروا بالأفكار التحررية القادمة من الغرب مؤيدين بالتجار والأشراف، ووصلت حركتهم إلى ذروتها عام 1324 هـ/ 1906 م مما جعل الشاه يعد بالقيام بالإصلاحات، وعندما استمر الضغط عليه أعلن الدستور في أغسطس 1906 م وسرعان ما تكون أول برلمان تعهد بمعالجة كثير من المشاكل.

      توفي مظفر الدين شاه في يناير 1907 م (1324 هـ)، وتطلع ابنه "محمد علي شاه" إلى الاستفادة من الخصام بين طبقات النواب ليستعيد سلطته المطلقة، وكان التجار قد بدأوا يظهرون عدم الاهتمام بوجود البرلمان، فامتنعوا عن مده بالأموال اللازمة، وكان علماء الدين قد انقلبوا عليهم بعد أن فشلوا في السيطرة على الحكومة الجديدة، كانت بريطانيا تساعد الدستوريين في المطالبة بوضع حد للنفوذ الروسي إلا أنها سرعان ما عقدت معاهدة مع روسيا عام 1907 م تضمنت نصوصاً تتعلق بإيران حيث اتفق الطرفان على احترام سيادتها واستقلالها وتقسيم مناطق النفوذ فيها فخضع القسم الشمالي للنفوذ الروسي والقسم الجنوبي الشرقي للنفوذ البريطاني وقد مدت بريطانيا نفوذها إلى المنطقة الواقعة بين المنطقتين لتأمين الطريق إلى الهند.

      في يونيو 1908 م (1326 هـ) ضربت فرقة القوازق الإيرانية بقيادة الكولونيل "لياكهوف" مبنى البرلمان بالقنابل وأحدثت وفيات عديدة، ثم أعلن الشاه حل البرلمان، إلا أن الثوار استولوا على مدينة تبريز حتى قامت قوة روسية بقمعهم.

      تجمعت قوات ثورية في رشت وأصفهان بقيادة أحد القواد القبايين وتقدمت نحو طهران وهزمت فرقة القوازق الإيرانية ودخلت المدينة في يولية 1909 م/ 1327 هـ لجأ محمد علي شاه إلى السفارة الروسية ثم هرب إلى روسيا، وعين البرلمان الذي أعيد افتتاحه من جديد ابنه أحمد شاه ملكاً على إيران وكان في الحادية عشرة من عمره.

      تقدمت القوات الروسية المعسكرة في شمال إيران إلى قزوين بعد قتل كثير من الثوار في تبريز، وعند قيام الحرب العالمية الأولى صارت إيران مرتعاً للحلفاء.

      بعد الحرب رفض مؤتمر الصلح مطالب إيران، وقد عقدت معاهدة عام 1338 هـ/ 1919 م وعدت بريطانيا في نصوصها باحترام استقلال إيران ومدها بالمستشارين والخبراء العسكريين والأسلحة والمعدات والقروض وإنشاء السكك الحديدية وإعادة النظر في الاتفاقات الجمركية، لكن هذه المعاهدة لم تطبق تحت الضغط الشعبي، كما أبرمت إيران وروسيا السوفيتية معاهدة عام 1340 هـ/ 1921 م ألغت بها المعاهدات السابقة، وأسقطت روسيا جميع الديون التي كانت على إيران وتنازلت عن جميع الامتيازات الروسية، ومنحت إيران حقوقاً ملاحية في بحر قزوين مساوية للروس، كما نصت المعاهدة على أن تمنع كل من الدولتين أي نشاط داخل أراضيها يكون معادياً للدولة الأخرى، وأن لروسيا الحق في إرسال قواتها عبر إيران دفاعاً عن نفسها ضد أي تهديد مباشر من أية دولة أخرى.

عهد الدولة البهلوية

      ولد رضا خان في 16 مارس 1878 في "سوادكوه" بإقليم مازندران الواقع على بحر قزوين والتحق بفرقة القوازق الإيرانية، واستطاع أن يصل إلى قيادتها، وزحف بقواته من قزوين إلى طهران، واحتل المدينة، وكان السيد/ ضياء الدين طباطبائي ابن أحد الزعماء الدينيين رئيساً للوزراء وكان يحاول القيام بإصلاحات معينة لكنه اصطدم برضا خان الذي أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة ووزيراً للحربية فاضطر طباطبائي للاستقالة وترك إيران، وقد ظل رضا خان وزيراً للحربية في عدة وزارات متتالية حتى عام 1923 م حيث أصبح رئيساً للوزراء، وبعد ذلك بأشهر قليلة ترك "أحمد شاه" آخر ملوك الدولة القاجارية إيران إلى المنفى الاختياري.

      في عام 1925 م اختارت جمعية تأسيسية رضا خان ملكاً على إيران كأول ملك للدولة البهلوية، وتوج في ربيع عام 1926م.

      عمد رضا شاه إلى تنفيذ عدد من الإصلاحات الداخلية فأمر بتعديل بعض النظم الإدارية والاقتصادية وفقاً للنظم الغربية واتجه إلى إعادة بناء الجيش والاتجاه للتصنيع، كما ألغى نظام الامتيازات الأجنبية، ووضع حداً للاقتراض من الدول الأجنبية، وسلب حق إصدار العملة الإيرانية من المصرف الإمبراطوري الذي تملكه بريطانيا، وألغى الاتفاق المعقود مع شركة البترول الإنجليزية الإيرانية واستبدله باتفاق أكثر نفعاً لإيران، وقضى على كل مظاهر الشيوعية لكن هذا لم يمنعه من إقامة علاقات تجارية واقتصادية مع روسيا السوفيتية فأبرم معها خمسة مواثيق عام 1927 م وعدد آخر من المواثيق عام 1935 م تتعلق بحقوق صيد السمك في بحر قزوين وإعادة بعض المنشئات على ميناء بهلوي المطل على بحر قزوين إلى إيران، والرسوم الجمركية والعلاقات التجارية وضمانات الحياد والأمن.

      وقام رضا شاه بإعادة بناء النظام الاجتماعي فألغى استعمال الألقاب واستبدل القانون الديني بالقوانين المدنية والجنائية، وأنشئت المكاتب لتسجيل الزواج والطلاق، وتحسن موقع المرأة في المجتمع، ومنع الدروشة في الاحتفالات الدينية.

      استقدم رضا شاه المتخصصين من الأجانب لتنفيذ برنامج التصنيع والإصلاح المالي لهذا الغرض، وعقدت اتفاقيات المقايضة والتبادل التجاري بين إيران وكل من ألمانيا وروسيا السوفيتية.

      كانت الأرباح الناتجة عن الاحتكار والضرائب العادية والاستثنائية تمول الاعتمادات الخاصة بإنشاء الصناعات، وإنشاء السكك الحديدية، وتعبيد الطرق واستيراد السيارات، لكن رضا شاه أهمل الزراعة وطرق الري، كما عمل على جمع المال وامتلاك الأراضي، وقد كان صارماً مع البرلمان، واستعمل الجيش في إخماد روح التمرد، فانعدمت حرية الصحافة وسادت روح الدكتاتورية على المجتمع الإيراني.

      عندما قامت الحرب العالمية الثانية كانت ألمانيا حتى عام 1938 قد ظفرت بالمكان الأول في تجارة إيران الخارجية، وقد أثار النشاط الألماني في إيران شعور بريطانيا وروسيا بضرورة اتخاذ خطوات سريعة لتأمين مصالحها في إيران.

      في 26 أغسطس عام 1941 م هاجمت القوات الروسية إيران من الشمال الغربي، ودخلت القوات البريطانية إيران من ناحية الحدود العراقية، كما أنزلت قوات على رأس الخليج، وقامت السفن البريطانية بهجوم مباشر على القوات البحرية الإيرانية في خرمشهر، فأغرقت جميع السفن الإيرانية وأحدثت خسائر فادحة في الأرواح، وانهارت المقاومة الإيرانية، فاضطر رضاشاه للتنازل عن العرش، وخرج من إيران تحت حراسة بريطانية إلى جزيرة "موريتيوس" ثم إلى جنوب أفريقيا حيث توفي هناك عام 1944م.

      خلف محمد رضا أباه على عرش إيران، وأسندت الوزارة إلى "محمد علي فروغي" الذي وقع معاهدة ودية مع الحلفاء تؤيد متابعة الحرب ضد ألمانيا في 29 يناير عام 1942 م، ولم يكد يحل ربيع عام 1942 م حتى كانت العلاقات الدبلوماسية قد قطعت مع ألمانيا وإيطاليا واليابان وأخرجت جالياتها من إيران، وفي 9 سبتمبر عام 1943 م أعلنت إيران الحرب على ألمانيا، كما أعلنت تمسكها بميثاق هيئة الأمم المتحدة.

      في آخر نوفمبر عام 1943 م جاء روزفلت وتشرشل وستالين إلى إيران لحضور مؤتمر طهران، وكان ميثاق طهران ذا أهمية حيوية للإيرانيين حيث اعترف المتحالفون فيه بالمساعدة التي قدمتها إيران في الحرب، ووافقوا على تقديم المساعدة الاقتصادية لإيران، كما عبروا عن رغبتهم في رعاية استقلال إيران وسيادتها وسلامة حدودها.

      بدأت الانتخابات البرلمانية أوائل عام 1947 م، واجتمعت الدورة الخامسة عشرة للبرلمان في 17 يولية 1947 م، واختارت في 30 أغسطس "أحمد قوام" رئيساً للوزراء.

      لم يلبث "أحمد قوام" أن استقال تحت ضغط الديمقراطيين الإيرانيين في البرلمان حيث فشل في الحصول على قرار بالثقة لوزارته في 10 ديسمبر، واختار البرلمان "إبراهيم حكيمي" في 21 ديسمبر رئيساً للوزراء، فأظهرت وزارته نشاطاً محدداً في معالجة مشاكل الميزانية وسلسلة الإصلاحات الطويلة.

      في 10 فبراير 1948 م وافق البرلمان الإيراني على قانون يوصي بشراء ما قيمته عشرة ملايين دولار من المهمات الحربية الأمريكية لتحسين مهمات قوات الأمن، كما وافق على مشروع قانون يمنع التجار الأجانب من استيراد البضائع، وكذلك مشروع قانون يوصي الحكومة باستعادة السيادة الإيرانية على جزيرة البحرين، وقد قدم مشروع قانون يقترح إنشاء مجلس للشيوخ وكان الدستور قد تضمنه، إلا أن هذه الدورة البرلمانية قد فشلت في مواجهة مسؤولياتها إزاء قلة مشروعات القوانين التي أقرتها.

      في يونية 1948 م تولت إدارة البلاد وزارة جديدة برئاسة عبد الحسين هزير إلا أنه قتل عام 1949 م فاستقالت الوزارة، وأصبح "محمد ساعد" رئيساً للوزارة، في 4 فبراير 1949 م وقعت محاولة فاشلة لاغتيال الشاه اعتبر حزب توده مسؤولاً عنها فهرب زعماؤه وحوكم الباقون وسجنوا.

      ظهرت الجبهة الوطنية بقوة على مسرح الأحداث عندما فشلت وزارة "رزم آرا" ـ التي تولت بعد ذلك ـ في معالجة أزمة النفط وعدم نجاح المفاوضات التي دارت بينها وبين شركة النفط الإنجليزية عام 1989 م، وكانت الجبهة تدعو إلى تأميم النفط.

      تم تعيين "محمد مصدق" زعيم الجبهة الوطنية رئيساً للوزراء في 28 أبريل عام 1951 م، رفض مصدق التفاوض مع الإنجليز، ورفض بعثة ستوكس البريطانية واقتراحات بعثة هاريمان وعروض الوساطة من تشرشل وترومان وايزينهاور والبنك الدولي ورفض التحكيم من قبل هيئة عالمية، ورفض في برنامجه التوازن السلمي إعطاء أية تنازلات لأي طرف.

      كانت الحركة الثورية لتأميم البترول قد بدأت من مدينة قم بزعامة آية الله أبو القاسم الكاشاني عندما أطلق صيحته المشهورة: "أيها الكلاب الإنجليز اتركوا لنا بترولنا وأخرجوا من بلادنا"، ثم قام على رأس مظاهرة عارمة قاصداً البرلمان الذي كان يناقش قضية التأميم. وقد وقف الزعيم الوطني "محمد مصدق" في البرلمان عقب اغتيال "رزم آرا" رئيس الوزراء الحديدي ـ على يد نواب صفوي زعيم منظمة فدائي إسلام ـ ليعلن تأييد الأمة لآية الله كاشاني ويقول: "افهموا جميعاً أننا هنا نمثل الأمة ونحن أصحاب الكلمة العليا".

      قام مصدق فور توليه رئاسة الوزراء بإعلان تأميم البترول الإيراني إلا أن الغرب تكتل ضده وساعد الجنرال زاهدي في القيام بانقلاب ضد حكومة مصدق، يعرف بانقلاب 28 مرداد وهزم مصدق وعاد الشاه من الخارج ليمسك بزمام الأمور بقوة.

      حاول الشاه القيام بعدد من الإصلاحات الأساسية فعمد إلى توزيع الأراضي الزراعية الملكية على الفلاحين على أن يستغل الأموال الناتجة عن بيع هذه الأراضي بأسعار رمزية في إقامة صناعات زراعية وإنشاء جمعيات تعاونية تعمل على مساعدة الفلاحين، وكان هذا الإجراء خطوة نحو إعلان الثورة البيضاء أو ثورة الشاه والشعب.

      قام الشاه خلال الثورة البيضاء بتحويل النظام الإقطاعي إلى نظام تعاوني وبيع أسهم الحكومة في المصانع للعمال، وتأميم الغابات والمراعي ومصادر المياه، وإشراك العمال في أرباح المصانع، وتعديل قانون الانتخاب، وإنشاء كتائب التعليم وكتائب العلاج وكتائب التعمير، كما أحدث تغييرات في النظام الإداري، وأنشأ لجنة وزارية لمحاربة الفساد، ووضع قانون التأمينات الاجتماعية، ثم قام بدمج الأحزاب السياسية في حزب واحد له أجنحة هو "حزب النهضة" (رستاخير) ليكون مظهراً لوحدة قوى الشعب، إلا أن الشاه لم يحقق بثورته البيضاء إنجازاً حاسماً، بل إنها أدت إلى أحداث التمرد في أوائل يونيو عام 1963م وقد عرض الدكتور أبو الحسن بني صدر نقداً تفصيلياً للثورة البيضاء في كتابه "إيران غربة السياسة والثروة".

      عندما أدرك الشاه أن فكرة الثورة البيضاء قد استنفذت أغراضها بدأ يعلن عن فكرته الجديدة في الإدارة، وهي فكرة "الحضارة العظيمة" وقد أصدر كتاباً شرح فيه أسس هذه الفكرة ومقوماتها ووسائل تطبيقها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والتعليمية مؤكداً أن هدفها الوحيد هو الارتقاء بإيران وتوفير السعادة والرخاء لشعبها.

      مضى الشاه "محمد رضا" قدما في تنفيذ خطته فبدأ بعمل تغييرات في القيادات، فأقال وزارة "أمير عباس هويدا" الذي ظل في منصب رئيس الوزراء منذ عام 1965 م وحتى عام 1977 م وهي أطول فترة لرئاسة الوزارة في عهد الشاه "محمد رضا"، وتقديراً لمواهبه عينه وزيراً للبلاط واختار "جشميد آموزكار" رئيساً للوزراء، فمضى في سياسة الانفتاح الداخلي حيث رفع الرقابة عن الصحف وأطلق سراح المئات من المسجونين السياسيين، كما ضمن حرية الانتخابات.

      شكل الشاه لجنة لتقصي الحقائق برئاسة هوشنج نهاوندي منسق الجناح الثالث في حزب رستاخيز، وقد فجر التقرير الذي نشرته  اللجنة الموقف بين الاتجاهات السياسية في إيران، وأوصى التقرير بوضع خطة منضبطة للإنفاق العام مع وضع أولويات للبرامج الدفاعية والثقافية والتعليمية، وإعادة النظر في الاعتمادات الاستهلاكية، وفي السياسة الضريبية، وحل الغرفة التجارية، وإلغاء قوانين الاحتكار في الاستيراد، وتعديل اللوائح الجمركية، والإسراع في معدل تنفيذ المشروعات، وإلغاء كافة المعوقات.

      وقد أدى هذا التقرير إلى تشقق تحالف السلطة وساعد على ظهور موجة من الاعتراض ضد الحكومة قادها علماء الدين، وقد اشترك الطلاب والمحامون في هذا الاعتراض، ومع فشل الحكومة في معالجة التضخم الاقتصادي بدأت مظاهر الاعتراض على الحكومة تتخذ شكلاً أكثر عنفاً ومظاهرات عدائية للحكومة أدت إلى اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، ومع نشاط قوات الأمن والشرطة، في تعقب المتظاهرين بدأت موجة من التخريب والإحراق، وقد حاول الشاه أن يمتص هذا التمرد بتأكيده على منح الحريات إلى القدر الذي تتمتع به الدول الأوربية.

      مضى الشاه في تنفيذ ما وعد به فأقال الحكومة واختار "شريف إمامي" رئيس مجلس الشيوخ لتشكيل الحكومة الجديدة من عناصر معتدلة لتكون حكومة مصالحة وطنية وما لبثت هذه الحكومة أن أعلنت عن أهدافها مثل تنفيذ القوانين الإسلامية، محاربة الفساد، إقرار الديمقراطية، حرية الانتخابات، حرية نشاط الأحزاب، عدم التدخل في السلطة القضائية، الاهتمام بالشباب والجامعات، تدعيم الزراعة، دعم الخدمات، القضاء على الروتين، تدعيم السلطة التشريعية، كما أعلنت إلغاء التقويم الإمبراطوري والعودة للتقويم الهجري الشمسي، وإغلاق الحانات ونوادي القمار.

      اتضح أن حكومة شريف إمامي لم تكن حكومة تغيير ثوري أو شامل لأن رئيس الوزراء كان من رجال الشاه وتدرج في مناصب حكومية كثيرة في عهد الشاه فبدأ حياته السياسية وكيلاً لهيئة السكك الحديدية، ثم رئيساً لهيئة الري في وزارة "قوام"، ثم وزيراً للطرق في حكومة "رزم آرا"، ثم مديراً لهيئة التخطيط في حكومة "زاهدي"، ثم وزيراً للصناعة والمعادن، ثم رئيساً للوزراء عام 1960 م، ثم رئيساً لمؤسسة بهلوي عام 1962 م، ثم رئيساً لمجلس الشيوخ منذ عام 1963 م، لمدة خمس عشرة سنة، لذلك فهو رغم انتمائه لأسرة من علماء الدين إلا أنه انغمس في السياسة، وقد اختاره الشاه للاستفادة من خبرته السياسية في مواجهة الموقف المتوتر من ناحية وإرضاء لعلماء الدين المناهضين للنظام من ناحية أخرى.

      بدأت حكومة "إمامي" نشاطاً مكثفاً من أجل تهدئة الأمور واحتواء الأزمة فاتصلت بعلماء الدين ولم تجد استجابة كافية، واتصلت بزعماء الجماعات السياسية المعتدلة إلا أن الظروف لم تمهلها حيث زادت المظاهرات التي تتسم بالعنف وشملت العديد من المدن، ومع ازدياد حركة المعارضة قامت الحكومة بكثير من التغييرات في المناصب الكبيرة شملت عدداً من المحافظين ورؤساء الجامعات وضباط أجهزة الأمن والشرطة، إلا أن سخونة الأحداث أدت بالحكومة إلى إعلان الأحكام العرفية وتعيين حكام عسكريين في طهران وإحدى عشرة مدينة أخرى.

      مع تدخل العسكريين من أجل مواجهة الفوضى والمحافظة على الأمن والاستقرار في إيران زادت نظرة السخط والكراهية للحكومة والنظام مما أدى إلى فشل التدخل العسكري في إنهاء الاضطرابات، وقد اعترف القادة العسكريون أنفسهم بهذا الفشل.

      استطاع علماء الدين أن يكونوا مسموعي الكلمة بين أوساط الشعب المختلفة، وكانت الحكومة تضع تصريحاتهم موضع الاعتبار وتحرص على إرضائهم، فأطلقت سراح آية الله طالقاني وآية الله منتظري وسمحت لآية الله طباطبائي بالعودة إلى إيران، كما وعدت بالتفاوض مع آية الله الخميني حول عودته إلى إيران من المنفى.

      بدأ نشاط آية الله الخميني بعد أن رفعت السلطات العراقية الخطر عنه فغادر العراق إلى باريس في 5/10/1978م وأصدر أول بيان له من باريس بعد وصوله بثلاثة أيام يشجع فيها الطلاب المضربين ويهاجم حزب توده والدول الكبرى لمحاولتها التدخل في الشؤون الداخلية لإيران.

      ويعد التقاء المهندس "مهدي بازر كان" زعيم لجنة الدفاع عن حقوق الإنسان مع آية الله الخميني في باريس بداية العمل المنظم للجبهة التي تكونت بزعامة الخميني للعمل على إسقاط النظام الحاكم، وقد انضم إليها جبهة إيران الوطنية بزعامة "كريم سنجابي"، وصار مطلب هذا التكتل هو إقامة حكومة إسلامية كحل وحيد للخروج من هذه الأزمة.

      كاد يحدث تصدع في الائتلاف الخميني عندما أعلن آية الله الخميني مطالبته بأن تكون إيران جمهورية إسلامية حيث لم ير علماء الدين المعتدلين وعلى رأسهم "آية الله شر يعتمداري" في ذلك أمراً ملحاً وكانت الجبهة الوطنية أميل إلى رأي شر يعتمداري في حين استصوب "آية الله طالقاني" الفكرة ومعه اليساريون، إلا أن تصرفات الحكومة غير المتزنة جعلت المترددين يلتفون حول الخميني.

      حاول الشاه التفاهم مع زعماء المعارضة من أجل الاتفاق على رئيس وزراء قوي يخرج البلاد من هذه الأزمة في الوقت الذي أعلن فيه الخميني طرد كل من يتفاوض مع الشاه من ائتلاف المعارضة والحركة الإسلامية.

      نجح الشاه في الاتصال بالرجل الثاني في الجبهة الوطنية وهو "شابور بختيار" وكان وزيراً في حكومة "مصدق" بعد فشل الاتفاق مع "كريم سنجابي" زعيم الجبهة، وقد طلب بختيار من الشاه أن يوافق على تشكيل مجلس وصاية ينوب عنه وأن يقوم الشاه بمغادرة البلاد في عطلة. وعلى أثر قبول "بختيار" رئاسة الوزراء حدث انشقاق في الجبهة الوطنية فأصبحت جناحين أحدهما برئاسة "سنجابي" والآخر برئاسة "بختيار"، ورغم تعهد بختيار بالإصلاح وتطبيق الملكية البرلمانية وفق دستور عام 1906 م إلا أن المعارضة رفضت التعاون معه، وأعلن الخميني طرده من الحركة الإسلامية، مما أدى إلى تصاعد الصراع بين النظام والمعارضة فاضطر بختيار إلى الاستعانة بالجيش لإعادة الهدوء والنظام والأمن فنزلت وحدات من القوات المسلحة إلى الشارع فطلب علماء الدين وزعماء المعارضة من الجماهير النزول إلى الشارع تصدياً للاستبداد، وقد وجدت هذه الدعوة استجابة سريعة فتجمع في ميدان الجيش "سبه" وما حوله بطهران أكثر من مليوني شخص من الرجال والنساء والأطفال، افترشوا الأرض وأحرقوا إطارات السيارات، وأخذوا يقذفون قوات الجيش بالحجارة، وقد اضطر الجيش في النهاية إلى إطلاق النار على الجماهير لإرعابها فسقط كثير من الضحايا دون أن يؤثر ذلك في الجماهير، بل زاد من غضبها فأذعن الجيش وأوقف إطلاق النار.

عودة الخميني وإعلان نجاح الثورة الإسلامية (22 بهمن 1357هـ. ش/ فبراير 1979م)

      أصبحت الظروف مواتية لعودة آية الله الخميني إلى إيران رغم أنف الحكومة واعترض بختيار رئيس الوزراء، إلا أن الخميني صمم على العودة، وقد قام أنصاره باتخاذ التدابير الكفيلة بحمايته وسط هذه الاضطرابات، وأذعن بختيار في النهاية.

      كان الخميني قد شكل مجلساً لقيادة الثورة الشعبية الإسلامية خلال فترة وجوده في باريس تحت رئاسته يضم آية الله مرتضى مطهري، والمهندس مهدي بازركان، والدكتور يد الله سحابي، وآية الله بهشتي، وآية الله موسوي أردبيلي، وحجة الإسلام محمد جواد باهنر، وحجة الإسلام هاشمي رفسنجاني، ثم انضم إليه بعد ذلك آية الله مهدوي كنى، وآية الله طالقاني، وآية الله خامنه اي.

      عند وصول الخميني شكل مجلس قيادة الثورة عدة لجان لمواجهة المشاكل، كان أهمها لجنة الوقود التي بادرت برئاسة رفسنجاني إلى حل مشكلة الوقود وتنظيم إدارة إضراب عمال النفط، فضلاً عن لجان الإضراب والمسيرات والدفاع والأمن وغيرها.

      وقد أعلن مجلس قيادة الثورة عن تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة المهندس مهدي بازركان تضم زعماء الحركات الوطنية التي شاركت في الثورة، وكانت على النحو التالي: كريم سنجابي للخارجية ـ داريوش فروهر للعمل ـ عباس أمير انتظام نائباً لرئيس الوزراء للشؤون الإدارية والعلاقات ومتحدثاً رسمياً ـ إبراهيم يزدي نائباً لرئيس الوزراء لشؤون الثورة، أحمد حاج سيد جوادي للداخلية ـ على أردلان للاقتصاد والمالية ـ أسد الله مبشري للعدل ـ عباس تاج للطاقة ـ علي محمد ايزدي للزراعة ـ رضا صدر للتجارة ـ كاظم سامي للصحة والبيئة ـ يد الله سحابي وزير دولة للتخطيط الثوري ـ أحمد مدني للدفاع ـ سيد أحمد ميناجي للإعلام والسياحة ـ مصطفى كتيرائي للنقل والطرق ـ معين فر للصناعة والتعدين ـ هاشم صباغيان وزير دولة ـ الله ولي قره ني قائد للقوات المسلحة ـ اللواء ناصر مجللي رئيساً للشرطة ـ حسن نزيه رئيساً لشركة البترول الوطنية ـ صادق قطب زاده رئيساً للإذاعة والتليفزيون.

      اضطر شابور بختيار إلى ترك الحكم والسفر خارج البلاد، واضطر الشاه للبحث عن منفى اختياري، وبدأ كل من مجلس قيادة الثورة الإسلامية والحكومة المؤقتة برئاسة بازركان ممارسة عمله في إدارة شؤون إيران والإعداد لاستفتاء شعبي حول نظام الحكم واختيار رئيس للبلاد، وقد كان السؤال الوحيد الذي طرح في الاستفتاء على نظام الحكم هو: هل توافق على إقامة جمهورية ديمقراطية إسلامية أم لا؟، وقد باركت كافة الجماعات السياسية هذا الاستفتاء بما فيها حزب "توده" وأعلنت جماهير الشعب عن رأيها بالموافقة.