إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إيران.. التاريخ والثورة (الثورة الإيرانية من وجهة النظر الإيرانية)




هاشمي رافسنجاني
محمود أحمدي نجاد
محمد رضا بهلوي
محمد علي رحماني
محمد علي رجائي
آية الله منتظري
مير حسين موسوي
الإمام آية الله الخوميني
سيد محمد خاتمي
سيد علي خمنة آي





المبحث الثالث

المبحث السادس

البرنامج النووي الإيراني قبل الثورة الإسلامية

جاءت نشأة البرنامج النووي في ظل حكم الشاه محمد رضا بهلوي. وظل الاهتمام بالطاقة النووية ينمو بصورة تدريجية. وتشير متابعة تطورات تلك الحقبة إلى أن السياسة الإيرانية في هذا الصدد لم تكن محكومة، منذ البداية، بتوجهات محددة؛ وإنما كانت تتطور تطوراً تدريجياً، مستفيدة في ذلك من التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية من ناحية، ومن الرعاية الشخصية لهذا البرنامج من الشاه نفسه من ناحية أخرى.

وبعد أن شهد البرنامج النووي الإيراني بداياته، في منتصف خمسينات القرن العشرين، فإن انطلاقته الكبرى جاءت في بداية سبعينياته في إطار اهتمام الشاه محمد رضا بهلوي بتحويل إيران إلى قوة إقليمية عظمى. وهو ما دفعه إلى الاهتمام بتطوير قدرات إيران في كلّ مجالات القوة الشاملة، بما فيها الطاقة النووية. وهو ما أدى إلى تبني خطط طموح للغاية على صعيد إنشاء عدد ضخم من محطات الطاقة النووية. وقطعت إيران بالفعل خطوات مهمة في هذا الصدد قبل أن يتبين، في أواخر حكم الشاه، أن التقديرات المتعلقة باحتياجات إيران من هذه المحطات، تحتاج إلى الترشيد وإعادة النظر، قبل أن تتوقف الأنشطة النووية الإيرانية مدة من الوقت، عقب قيام الثورة.

أولاً: جذور البرنامج النووي الإيراني

جاءت بدايات البرنامج النووي الإيراني من خلال التعاون الوثيق والولايات المتحدة الأمريكية، منذ منتصف خمسينيات القرن العشرين. وكانت الولايات المتحدة الأمريكية قد وضعت وقتذاك أسس علاقات إستراتيجية وثيقة مع نظام الشاه محمد رضا بهلوي، بعد أن كانت الاستخبارات المركزية الأمريكية قد قضت على ثورة رئيس الوزراء، محمد مصدق، في أغسطس 1953؛ وهو ما دفع الشاه، بعد ذلك، إلى الاعتماد بقوة على الولايات المتحدة الأمريكية لدعم حكمه، ولمساعدته على تحقيق التنمية والنهضة الشاملة التي كان يطمح إليها. كما ترافق ذلك مع قيام الجانبَين بتطوير درجة عالية من التعاون السياسي والإستراتيجي، إذ أصبح نظام الشاه حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية في حربها الباردة ضد الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الاشتراكية. وهو ما تبلور بوضوح في انضمام إيران إلى حلف بغداد، في عام 1955، وهو الحلف الذي كانت واشنطن قد أنشأته ودعمته، ليكون جزءاً من سلسلة الأحلاف العسكرية التي أقامتها حول الاتحاد السوفيتي السابق.

وجاء التعاون النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من خلال برنامج الذرة من أجل السلام. وهو برنامج كان الرئيس الأمريكي، دوايت أيزنهاور، قد أعلنه في 8 ديسمبر 1953، في كلمته أمام الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة؛ بهدف إتاحة الطاقة الذرية أمام الاستخدامات السلمية لدول العالم، فلا يقتصر استخدامها على التسليح والدمار فقط. ولكن الأهم من ذلك أن تستخدم في أغراض التنمية وتوليد الطاقة وغير ذلك من الاستخدامات السلمية.

وعلى أساس هذا البرنامج، وقعت إيران، في عام 1957، مع الولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية للتعاون النووي في المجالات المدنية، مدتها عشر سنوات. حصلت إيران بموجبها على مساعدات نووية فنية من الولايات المتحدة الأمريكية، وعلى عدة كيلوجرامات من اليورانيوم المخصب للأغراض البحثية. كما تعاون الجانبان على البحوث المتعلقة بالاستخدامات السلمية للطاقة الذرية.

وفي العام نفسه، قامت الولايات المتحدة الأمريكية بنقل معهد العلوم النووية من بغداد إلى طهران. وكان هذا المعهد يتبع منظمة الحلف المركزي (حلف بغداد)، الذي كان يضم الولايات المتحدة الأمريكية والعراق وإيران وتركيا. وجرى هذا النقل لأسباب سياسية، في ظل التوترات الداخلية التي كانت قد بدأت تتزايد وقتذاك في العراق. في الوقت الذي كانت تشهد فيه العلاقات الإستراتيجية بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران مزيداً من النمو والتطور، كل يوم في تلك الحقبة. وقد تلقت إيران هذه الخطوة بترحيب بالغ. وأعرب الشاه محمد رضا بهلوي عن اهتمامه الشخصي بالطاقة النووية.

وفي عام 1959، أصدر الشاه تعليماته بالبدء في إنشاء مركز للبحوث النووية في جامعة طهران. ثم قامت إيران في العام التالي بالترتيب لشراء مفاعل أبحاث تقدر طاقته بنحو 5 ميجاوات، من الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك لتركيبه في مركز البحوث النووية في جامعة طهران. وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بالفعل بتوريد هذا المفاعل البحثي لإيران. كما منحتها العديد من "الخلايا الحارة" وهي غرف معزولة بإحكام، يجري تشغيلها بواسطة أذرع تعمل بالتوجيه عن بعد؛ لفصل المواد المشعة في المفاعل البحثي.

التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بإمداد إيران بالوقود النووي، اللازم لتشغيل المفاعل النووي البحثي في مركز البحوث النووية في جامعة طهران. وقامت في سبتمبر 1967 بتزويد إيران ب 5.5 كجم من اليورانيوم المخصب، لتكون وقوداً لتشغيل هذا المفاعل. ثم قامت بعد ذلك بتزويدها بشحنة أكبر حجماً، تقدر بنحو 104 كجم من اليورانيوم، ليكون مصدراً للوقود في المفاعل المذكور.

وقد واجه المفاعل البحثي في جامعة طهران مشكلات فنية معقدة، في نوفمبر 1967، بدرجة استدعت البحث عن شركة عالمية لإصلاح المشكلات والعيوب الفنية في هذا المفاعل. ولم تحل هذه المشكلات إلا مع الاتفاق بين الحكومة الإيرانية ومفوضية الطاقة النووية الفرنسية، في مارس 1969، على قيام الأخيرة بإصلاح العيوب الفنية في المفاعل .

وقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 1969، بتجديد العمل بالاتفاقية الأمريكية – الإيرانية للتعاون في مجال الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. فوقع الجانبان، في 13 مارس من ذلك العام، تعديل اتفاقية عام 1957؛ بهدف توسيع العمل بها وتمديد العمل بها لمدة 10 سنوات أخرى.

على صعيد آخر، اهتم نظام الشاه بالمشاركة في التفاعلات الدولية المعنية بمنع الانتشار النووي، في يوم افتتاحها للتوقيع أمام الدول، في يوليه 1968. ثم اكتمل التصديق على المعاهدة في 2 فبراير 1970. ووقعت إيران كذلك على اتفاقية الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. ودخلت حيز التنفيذ في 15 مايو 1974. وهو ما وظفته الحكومات الإيرانية اللاحقة لتأكيد أن إيران كانت دائماً في مقدمة الجهود الدولية الرامية إلى احتواء الانتشار النووي منذ البداية. وأسهمت في تقوية نظام منع الانتشار النووي.

ثانياً: طموحات الشاه النووية

جاءت بدايات التفكير الإيراني الجاد في العمل على امتلاك مفاعلات الطاقة الكبيرة، في أواخر عام 1972. فقد أعلنت الحكومة الإيرانية، في ديسمبر من ذلك العام، نيتها إنشاء عدد من محطات للطاقة النووية في غضون السنوات العشر التالية. وبدأت وزارة المياه والطاقة بالفعل في دراسة إمكانية بناء محطة للطاقة النووية في جنوبي إيران.

ظل الاهتمام الإيراني بالمسائل النووية يزداد بصورة مستمرة منذ ذلك الحين. ثم أعلن الشاه في مارس 1974 تصوراً متكاملاً لطموحاته في المجال النووي، يتضمن رؤيته الإستراتيجية لهذه المسألة، والتي كانت تقوم على أن إيران تحتاج إلى تنفيذ خطة طويلة المدى، في غضون 20عاماً، لامتلاك القدرة على إنتاج نحو 23 ألف ميجاوات من الطاقة النووية.

وقد أعلن في وقت لاحق أن تحقيق هذا الهدف سوف يتطلب من إيران بناء ما لا يقل عن 20 محطة نووية، على مدى نحو 20 عاماً، بنفقة إجمالية، تقدر بنحو 30 بليون دولار، تخصص لهذا الغرض، على مدى العقدَين المقبلَين.

وفي هذا الإطار، سار البرنامج النووي الإيراني في اتجاهَين متوازيَين لتحقيق الهدف المذكور. أولهما يتمثل في وضع أُسُس البنية الأساسية والتنظيمية الوطنية في إيران في المجال النووي. وثانيهما التوسع في التعاون مع العالم الخارجي في المجالات النووية، ولا سيما مع الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا الغربية وفرنسا؛ من أجل الحصول على المعرفة والتكنولوجيا النووية المتطورة.

ففي ما يتعلق بوضع أُسُس البنية الأساسية والتنظيمية، قام الشاه، في عام 1974، بإنشاء منظمة الطاقة الذرية الإيرانية. وأعلن أن هذه المنظمة سوق تكون تابعة بصورة مباشرة للقصر الإمبراطوري، وليس للحكومة الإيرانية؛ وأنها سوف تعمل تحت إشرافه الشخصي. وقد أسندت رئاسة هذه المنظمة إلى الدكتور أكبر اعتماد، أحد علماء الذرة البارزين في إيران، والذي كان قد تلقى تعليمه في مجال الهندسة النووية في سويسرا. وقد رصد الشاه لهذه المنظمة ميزانية تقدر بنحو 30 مليون دولار، لعام 1975، من أجل استكمال عملية التأسيس الإداري والتنظيمي للمنظمة. وفي العام التالي، قامت الحكومة الإيرانية بزيادة ميزانية المنظمة الإيرانية للطاقة الذرية إلى أكثر من بليون دولار، للعام المالي 1976؛ في  إشارة إلى التطور الكبير في الأنشطة الموكولة إلى هذه المنظمة.

وفي الوقت نفسه، كانت إيران تواصل جهود استكمال إعداد الكوادر البشرية، المؤهلة للعمل في مختلف المجالات في برنامجها النووي، ليس فقط من طريق إرسال البعثات الدراسية إلى الخارج؛ وإنما بالاستعانة بالخبرات الأجنبية. فقد أشار بعض التقارير إلى أنه كان لدى لجنة الطاقة النووية الإيرانية، في عام 1975، فريق مؤلف من 150 إخصائياً في مجال الفيزياء النووية. كان من بينهم الكثيرون من الإخصائيين الأجانب، أكثر من نصفهم كانوا من الأرجنتين. كما استقدمت إيران مستشارين في شؤون الطاقة النووية من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا. وكانت إيران تتلقى النصح والمشورة في الشؤون النووية من الهند. وكان لإيران في ذلك العام مائة طالب يدرسون في الخارج للحصول على تدريب متقدم في العلوم النووية. وكانت إيران تخطط، في عام 1976، لإرسال 300 طالب إلى ألمانيا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.

وفي ما يتعلق بالمسار الثاني، المتعلق بالتعاون مع العالم الخارجي، فقد كان الشاه مدركاً أن ضخامة الطموحات النووية الإيرانية، التي تتضمن السعي لبناء نحو 20 محطة للطاقة النووية، تُعَدّ بطبيعة الحال أكبر بكثير من أن يتم حصرها في إطار التعاون مع مورد واحد فقط، مهما كانت قدراته التكنولوجية، ولو كانت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها. وهو ما دفع الحكومة الإيرانية إلى التعاون مع أيّ طرف يمتلك تكنولوجيا نووية متطورة، وقادر على توفير الاحتياجات النووية الإيرانية، ولا سيما أن العديد من الدول الغربية أعربت عن ترحيبها بالخطط النووية الإيرانية، وأعلنت استعدادها للتعاون مع إيران على نطاق واسع في هذا المجال.

لقد كانت الولايات المتحدة الأمريكية من أولى الدول الغربية التي أعربت عن استعدادها للتعاون مع إيران في المجالات النووية، بل إن وزارة الخارجية الأمريكية أبلغت سفيرها لدى طهران، في الأول من أبريل 1974، بأن يقوم بإبلاغ الحكومة الإيرانية استعداد الولايات المتحدة الأمريكية لاستكشاف إمكانات التعاون النووي بين الجانبَين؛ وأن رئيس لجنة الطاقة الذرية الأمريكية مستعد للذهاب إلى طهران ضمن وفد من الخبراء، لاستكشاف أفضل الوسائل للتعاون مع إيران في مجال الطاقة الذرية. وقد أبرقت وزارة الخارجية الأمريكية للحكومة الإيرانية، في 11 أبريل 1974، أن حكومة الولايات المتحدة الأمريكية تَعُدّ التعاون مع إيران في مجال الطاقة النووية مجالاً ملائماً للتعاون والمشاركة بين الجانبَين. واقترحت الخارجية الأمريكية أن يعهد بهذه المسألة إلى أول مجموعة عمل ضمن اللجنة الاقتصادية الأمريكية ـ الإيرانية المشتركة.

وقد قام رئيس لجنة الطاقة الذرية الأمريكية، "ديكسي لي راي"، بزيارة لإيران في مايو 1974. ووضعت هذه الزيارة بالفعل أرضية ملائمة للعمل من أجل التعاون بين الجانبَين في المجال النووي. وقد طرح الجانب الأمريكي خلال هذه الزيارة اقتراحاً بإنشاء وحدات إقليمية للتخصيب وإعادة معالجة المواد النووية لمنطقة الشرق الأوسط. وهو اقتراح ردت عليه إيران في مارس 1975 بأنها لا تعارض الفكرة؛ ولكنها تطالب بأن يكون مقر هذه الوحدات في إيران. 

وفي إطار هذا الاهتمام الإيراني – الأمريكي بالتعاون النووي، أبرم الجانبان اتفاقاً مبدئياً في يونيه 1974. التزمت الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه تزويد إيران بمفاعلَين نوويَّين للطاقة ووقود من اليورانيوم المخصب. ثم أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 20 أكتوبر 1974، أن الولايات المتحدة الأمريكية وإيران تستعدان للتفاوض في شأن اتفاق يسمح ببيع مفاعلات نووية ووقود مخصب، على المستويات التي يرغب فيها شاه إيران. وأعلنت الوزارة أن الأمر كان بين يدَي لجنة الطاقة الذرية الأمريكية لاستكمال مسودة الاتفاق النووي مع إيران. وأبلغت الخارجية الأمريكية شاه إيران كذلك تأييدها للعرض الإيراني بشراء ما يزيد على 25 % من أسهم محطة تجارية لتخصيب اليورانيوم.

وتطبيقاً لهذا الاتفاق، قام الجانبان الأمريكي والإيراني، في 3 نوفمبر 1974، بإنشاء لجنة مشتركة لتقوية الروابط في ما بينهما، ولا سيما في مجال الطاقة النووية. ووقع الجانبان اتفاقاً مبدئياً ينص على قيام الولايات المتحدة الأمريكية بتزويد إيران بالوقود المخصب، لثمانية مفاعلات للطاقة النووية في إيران. ثم توصل الجانبان، في عام 1975، إلى اتفاقية موسعة. وقعها وزير الخارجية الأمريكي، هنري كيسنجر؛ ووزير المالية الإيرانية، هوشانج أنصاري. وتنص على قيام إيران بشراء 8 مفاعلات نووية من الولايات المتحدة الأمريكية، تقدر قيمتها بنحو 6.4 بلايين دولار. وقد وافقت لجنة الطاقة النووية بالولايات المتحدة الأمريكية على تزويد إيران بالوقود اللازم لتشغيل مفاعلَين نوويَّين طاقة كلّ منهما 1.200 ميجاوات، يعملان بالماء الخفيف. ووقعت اللجنة اتفاقا أولياً لتزويد إيران بالوقود اللازم لتشغيل أكثر من ستة مفاعلات نووية أخرى، يصل إجمالي طاقتها إلى نحو 8 آلاف ميجاوات. وكان من المتعين أن تحصل الاتفاقيتان على الموافقة من جانب الإدارة الأمريكية.

وكانت الإدارة الأمريكية وقتذاك تَعُدّ التعاون النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية هو حجر الزاوية في أعمال اللجنة الأمريكية – الإيرانية المشتركة. ولكن كانت لديها مخاوف من أن تكون هناك نيات إيرانية في إنتاج السلاح النووي؛ ما تسبب في إلحاح الإدارة الأمريكية في شأن ضرورة أن تعلن إيران صراحة امتناعها عن أيّ محاولة لامتلاك السلاح النووي؛ إضافة إلى إصرار الإدارة الأمريكية على ضرورة أن تقدم إيران ضمانات إضافية، تتجاوز تلك المنصوص عليها من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولا سيما في ما يتعلق بإعادة معالجة الوقود النووي المستنفد إلى المصدر الأصلي، حتى لا يستخدم بعد ذلك في إنتاج السلاح النووي.

وقد جرى التأكيد بالفعل على محورية اتفاق التعاون النووي الأمريكي – الإيراني، في اجتماعات اللجنة الأمريكية – الإيرانية المشتركة، والتي جرت الإشارة فيها إلى أن إيران مهتمة بالحصول على الأقل على أربعة مفاعلات نووية للطاقة مزدوجة الأغراض، تقدر قيمة كلّ منها بنحو بليون دولار؛ ويمكن التعاقد عليها بين إيران والشركات الأمريكية. وقد حقق الجانبان تقدماً في هذا الاجتماع في شأن التفاوض حول اتفاقية للتعاون في الاستخدامات المدنية للطاقة النووية، بما يتيح تبادل المعلومات النووية المدنية ونقل المعدات النووية واليورانيوم المخصب. وصرح مسؤولون إيرانيون بأن بلادهم سوف تمنح عقوداً لشركات إيران وقتذاك، استعدادها لاستثمار نحو بليونَين و750 مليون دولار في محطة خاصة بتخصيب اليورانيوم في الولايات المتحدة الأمريكية.

على الجانب الآخر، بدأ الجانبان الإيراني والأمريكي محادثات شأن حصول إيران على منشآت لإعادة معالجة الوقود النووي، في مارس 1975. ولكنهما لم يفلحا في الاتفاق في شأن هذه المسألة. وقد أشارت مذكرة معروضة على وزير الخارجية الأمريكية، هنري كيسنجر، في 9 مايو 1975، إلى أن المسألة الأكثر أهمية في الاتفاق النووي الأمريكي – الإيراني تتعلق بما إذا كانت الولايات المتحدة الأمريكية سوف تسمح لإيران بـ " إعادة معالجة البلوتونيوم " الذي سوف تحصل عليه؛ لأن إيران كانت تحبذ إنشاء محطة إعادة معالجة متعددة الجنسية، ولكنها تريد موافقة الولايات المتحدة الأمريكية على السماح لها بإعادة معالجة الوقود النووي الأمريكي، إذا قامت إيران بجهود حسنة النية لإنشاء هذه المحطة. وكان الموقف الأمريكي كما وافق عليه الرئيس جيرالد فورد وقتذاك، يقوم على ضرورة تقليص أخطار الانتشار النووي من خلال العمل على إنشاء هذه المحطة المتعددة الجنسية، قبل السماح لإيران بإعادة معالجة الوقود النووي الأمريكي.

أمّا في ما يتعلق بالمفاوضات التي جرت في شأن التنفيذ العملي للاتفاق الأمريكي – الإيراني في شأن حصول إيران على أربعة مفاعلات نووية أمريكية، فقد وصلت المحادثات بين الجانبَين الإيراني والأمريكي إلى طريق مسدود، في شأن تنفيذ هذه الصفقة، بسبب الخلاف بين الجانبَين في شأن الضمانات النووية التي كان الجانب الأمريكي يطالب إيران بها.

في المقابل، كان التعاون النووي بين إيران وكلّ من فرنسا وألمانيا الغربية، يسير على قدم وساق. فقد اتجهت جهود التعاون الإيراني في بادئ الأمر نحو فرنسا، إذ اتفقت الحكومة الإيرانية، في عام 1974، مع مفوضية الطاقة النووية الفرنسية على إنشاء محطة للطاقة النووية في إيران، وفق صيغة قدمت إيران بموجبها قرضاً للمفوضية بنحو بليون دولار، على أن تحصل حكومة إيران على 10% من أسهم المحطة؛ مع إمكانية رفع نصيب إيران لاحقاً إلى نحو 15%، في السنوات اللاحقة. كما طلبت إيران من فرنسا وقتذاك مساعدتها على المسائل المتعلقة بمعالجة اليورانيوم. وهو ما قاد لاحقاً إلى موافقة إيران، في عام 1977، على تقديم دفعات مالية إضافية للمفوضية الفرنسية، نظير إضافة الخدمات المتعلقة بتخصيب اليورانيوم.

وفي الحقبة اللاحقة، قطعت المفاوضات بين الجانبَين شوطاً طويلاً. ووقع الجانبان اتفاقات مبدئية في شأن تنظيم وتنفيذ التعاون النووي في ما بينهما. كان أبرزها أثناء زيارة الشاه للعاصمة الفرنسية باريس، وفي رفقته رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، أكبر اعتماد، في يونيه 1974. وجرى توقيع اتفاق مبدئي مع فرنسا، في شأن تزويد فرنسا إيران بخمسة مفاعلات، طاقة كلّ منها ألف ميجاوات؛ إضافة إلى كميات من اليورانيوم، ومركز للبحوث النووية. ولدى التباحث في شأن هذه المجالات، فإن الجانبَين اختلفا في شأن التفاصيل المالية والفنية المتعلقة ببناء مفاعلَين في "دار خوفين" على نهر قارون.

ولكن التعاون الأكثر أهمية هو ذلك الذي تم بين إيران وألمانيا الغربية. فقد وقعت إيران، في نوفمبر 1974، اتفاقات لشراء مفاعلَين للماء الثقيل، طاقة كلّ منهما 1200 ميجاوات، مع شركة (Kraftwerk Union) الألمانية، وهي شركة تابعة لشركة (Siemens) الألمانية. ويتم إنشاؤهما في منطقة بوشهر في جنوبي إيران. كما وقعت إيران في الوقت نفسه اتفاقاً مع شركة (Framatome) الفرنسية لشراء مفاعلَين آخرَين، طاقة كلّ منهما 900 ميجاوات. ويتم إنشاؤهما في منطقة بندر عباس. وبموجب هذه الاتفاقات، فإن ألمانيا وفرنسا تلتزمان بتزويد إيران باليورانيوم المخصب اللازم لتشغيل المفاعلات النووية محل التعاقد، لمدة 10 سنوات. وجاءت هذه الاتفاقات على أساس نظام "تسليم مفتاح"، تلتزم بموجبه الشركات الألمانية والفرنسية بتزويد إيران بالمنشآت النووية كاملة، ومجهزة بالكامل من النواحي كافة.

وقد بدأ فريق ألماني تابع لاتحاد شركات (Kraftwerk)، في أغسطس 1975، العمل في مفاعلَى بوشهر عقب توقيع خطاب نيات بين الجانبَين. فعلى الرغم من أن الجانبَين كانا قد وقعا اتفاقاً لتوريد هذَين المفاعلَين، في نوفمبر 1974، فإن التعاقد النهائي بين الجانبَين في هذا الشأن لم يكن قد تم التوصل إليه حتى منتصف عام 1976. ورأى الجانبان ضرورة البدء في العمل؛ مع عدم انتظار الاتفاق النهائي. وقد قامت (Kraftwerk) بعد ذلك بتكليف شركة (Ansaldo) الإيطالية توريد ثمانية مولدات بخار إلى إيران. وفي منتصف عام 1976، وقع اتحاد شركات (Kraftwerk) الألمانية عقداً مع إيران للعمل في مفاعلَي بوشهر وجرى تضمين شركة (Ansaldo) الإيطالية في العقد، بوصفها الشركة الموردة لمولدات البخار[1].

وقد جرى استكمال هذا العقد في الأول من يوليه 1976 بتعاقد تكميلي، بين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والجانب الألماني لبناء محطة بوشهر النووية، بنفقة تقدر بنحو 7.8 بلايين مارك ألماني، كانت إيران قد دفعت بالفعل منها نحو 5.8 بلايين مارك. ونصت الاتفاقية على أن تقوم الشركة الألمانية ببناء مفاعلَين يعملان بالماء الخفيف في بوشهر، وتنتج الوحدتان معاً ما يقرب من 3.765 ميجاوات. ووقعت منظمة الطاقة النووية الإيرانية اتفاقاً إضافياً ينص كذلك على قيام الشركة الألمانية بتوريد نحو 200 ألف متر مكعب من الوقود اللازم لتشغيل المحطات الإيرانية.

وتشير المعلومات المتاحة إلى أن نظام الشاه لم يكن ينوي الاكتفاء بإنشاء الشركات الألمانية لمفاعلَي بوشهر، بل كانت هناك خطط لتكليف هذه الشركات بناء المزيد من المفاعلات. فقد وقعت إيران، في نوفمبر 1977، خطاب نيات لشراء أربعة مفاعلات إضافية تعمل بالماء الخفيف، مع شركة (Kraftwerk) الألمانية، في إطار صفقة قيمتها 5 بلايين دولار. يتم إنشاء اثنَين من هذه المفاعلات بالقرب من منطقة أندوس في أصفهان، بينما يتم إنشاء المفاعلَين الآخرَين بين أصفهان وبحيرة رزايا بالقرب من حدود إيران مع تركيا. وقد وافقت ألمانيا الغربية، في ديسمبر 1977، على الترخيص لشركة (Kraftwerk) ببناء هذه المفاعلات الأربعة في إيران، بقيمة 4.8 بلايين دولار.

أمّا على صعيد التعاون النووي الإيراني – الفرنسي، فقد تمكن الجانبان من التغلب على الخلافات التي كانت تعوق الوصول إلى اتفاق نهائي للتعاون النووي بينهما، في أكتوبر 1976. فوقع الرئيس الفرنسي، فاليري جيسكار ديستان، في ذلك الشهر، اتفاقاً مع الجانب الإيراني لشراء مفاعلَين نوويَّين فرنسيَّين بصورة عاجلة؛ مع الاتفاق من حيث المبدأ على ستة مفاعلات أخرى، في وقت لاحق.

وقد اتفق الجانبان الفرنسي والإيراني، في 13 مايو 1977، على قيام فرنسا ببناء مفاعلَين نوويَّين بقوة 900 ألف كيلو وات، بقيمة بليونَي دولار، في دار خوفين الواقعة على نهر قارون، بالقرب من مدينة الأهواز. وأعربت فرنسا عن استعدادها لبناء 8 محطات نووية إضافية إذا انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من صفقة بناء 8 محطات نووية قيمتها 16 بليون دولار. وقد قامت منظمة الطاقة النووية الإيرانية، في 16 يونيه 1977، بمنح مبلغ بليونَي دولار للاتحاد من ثلاث شركات هي:(Framatome)، و(Spie-Batignolles) و(Alsthom-Atlantic)؛ من أجل البدء بإنشاء المفاعلَين النوويَّين في دار خوفين.

وقد وافقت فرنسا، في 13 سبتمبر 1977، على بيع مفاعلَين نوويَّين لإيران؛ مع تدريب 350 فنياً إيرانياً. ووفق هذه الصفقة، كان المفترض أن تقوم شركة (Creusot Loire SA) الفرنسية بتوريد الغلايات وقلب المفاعلَين في صفقة قيمتها 800 مليون دولار. بينما تقوم شركة (Alsthom-Atlantic) بتوريد المولدات النفاثة للمفاعلَين، في صفقة قيمتها 600 مليون دولار. وتقوم شركة (Spie-Batignolles SA) بتنفيذ الأعمال الهندسية في المشروع، في صفقة تقدر قيمتها بنحو 800 مليون دولار. ثم تقوم شركة (Cogema) بتوريد اليورانيوم المخصب اللازم لتشغيل المفاعلَين في صفقة قيمتها 700 مليون دولار. وفي أكتوبر 1977، قام الجانبان الفرنسي والإيراني بوضع اللمسات النهائية على صفقة بناء المفاعلَين النوويَّين في دار خوفين؛ فوقعت على عقود منفصلة خاصة بالمفاعلَين، وشروط التمويل، والوقود النووي، والسيطرة على الوقود المستنفد.

في الوقت نفسه، كانت إيران تسير في مسار مواز في شأن الوصول إلى اتفاق لإنشاء وحدات متعددة الجنسية لمعالجة الوقود النووي. وكان أبرز هذه الجهود تنظيم اجتماع لرؤساء لجان الطاقة النووية للدول الأعضاء في جماعة "التعاون الإقليمي للتنمية"، التي تضم باكستان وإيران وتركيا، في يناير 1975؛ لمناقشة وضع قواعد أساسية لإنشاء منظمة مشتركة للطاقة النووية. وقد قدمت باكستان في مدة لاحقة صيغة وسطاً لتنفيذ مهام إعادة معالجة الوقود النووي. ووفقاً لمذكرة محدودة التوزيع لوزارة الخارجية الأمريكية، في 7 يوليه 1975، فإن باكستان عرضت القيام بإعادة معالجة الوقود النووي لإيران، بما يوفر 50% من النفقة بالمقارنة مع ما ينفق على المحطة المتعددة الجنسية.

وفي ما يتعلق بمحادثات التعاون النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، فقد ظلت هذه المحادثات تعاني التعثر مدة طويلة من الوقت. ولكن ذلك لا ينفي أن التعاون قد استمر بين الجانبَين على نطاق محدود. فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية، في مايو 1976، بتوريد نحو 226 كجم من اليورانيوم المستنفد إلى إيران. كما وقع الجانبان الأمريكي والإيراني اتفاقاً محدود النطاق لتبادل التكنولوجيا النووية، وللتعاون في قضايا الأمان والسلامة النووية. وعلى أية حال، فإن الجانبَين استأنفا محادثاتهما بشأن التعاون النووي، في التاسع من أغسطس 1977. وتبلورت خلالها درجة أكبر من التقارب في المواقف بين الجانبَين، في شأن قضايا التعاون النووي، إذ أصبحا قريبَين من الاتفاق النهائي على هذا التعاون. كما حرصت إيران في تلك المحادثات على تأكيد عدم وجود أيّ نيات لديها لإنشاء وحدات لإعادة معالجة الوقود النووي؛ وذلك في سياق تقديم التصميمات إلى الجانب الأمريكي.

وخلال لقاء قمة بين الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر؛ وشاه إيران، في يناير 1978، جرى الاتفاق على تسوية المسائل الأساسية التي كانت تعوق الوصول إلى اتفاق ثنائي للتعاون النووي بين الجانبَين. فقد وافقت إيران على قبول تقديم المزيد من الضمانات بصورة تتجاوز المتطلبات التي تفرضها الوكالة الدولية للطاقة الذرية. في حين وافقت الولايات المتحدة الأمريكية من جانبها على منح إيران وضع "الدولة الأكثر تميزاً" في ما يتعلق بمسائل إعادة معالجة الوقود النووي؛ وهو ما كان يتيح لإيران الحصول على ترخيص إعادة معالجة الوقود ذي المصدر الأمريكي. وقد بدأ الجانبان الأمريكي والإيراني التفاوض في شأن اتفاقية جديدة خاصة ببيع الولايات المتحدة الأمريكية مفاعلات تعمل بالماء الخفيف لإيران. واشتملت كذلك على توريد الولايات المتحدة الأمريكية وقوداً نووياً لإيران. إلا أن هذه المفاوضات لم تنجح في الوصول إلى نتيجة حاسمة قبل إطاحة نظام الشاه.

وقد اتفق الرئيس الأمريكي، جيمي كارتر، وشاه إيران، في الأول من يناير 1978، على خطة لشراء إيران ما يراوح بين 6 و8 مفاعلات نووية تعمل بالماء الخفيف، من الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلا أن هذه الخطة كانت تتطلب الحصول على موافقة الكونجرس الأمريكي.

وقد وقعت إيران والولايات المتحدة الأمريكية اتفاقية مبدئية للتعاون النووي، في 10 يوليه 1978؛ وهو ما كان دليلاً على أن المشكلة الرئيسية المتعلقة بإعادة معالجة الوقود النووي قد تم تسويتها بين الجانبَين. وبدأ الجانبان الإيراني والأمريكي مفاوضات للاتفاق على الصياغة النهائية لهذه الاتفاقية. وهي مسألة استغرقت وقتاً طويلاً، بسبب الخلافات بين الجانبين في شأن العديد من النواحي، بما في ذلك الخلاف على اللغة المستخدمة في الاتفاقية. فقد أصر الجانب الإيراني على وجود نسختَين من الاتفاقية: إنجليزية وفارسية. ومع ذلك، فإن الجانب الإيراني قام بإدخال إضافات على النسخة الفارسية؛ ما دعا الجانب الأمريكي للإعراب عن قلقه من هذه الإضافات التي تتجاوز ما هو منصوص عليه في النسخة الإنجليزية.

والمسألة الرئيسية في المفاوضات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران، كانت تتعلق بالكيفية التي سوف يتيقن بها الجانب الأمريكي من مصير الوقود المستنفد؛ نظراً إلى أن إيران كانت تطالب بمعاملة غير تميزية في شأن هذه المسألة. وكانت هذه الاتفاقية قد أرسلت إلى الرئيس كارتر لتوقيعها. ثم تم إرسالها إلى الكونجرس للتصديق عليها. وكانت هذه الاتفاقية هي الأولى في نوعها التي تعرض على الكونجرس، عقب إقرار قانون منع الانتشار لعام 1978، والذي يفرض قيوداً أكثر تشدداً على التعاون النووي بين الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأخرى.

وفي مسار آخر، كان الجانب الإيراني يسير في إطار تطوير تكنولوجيا التخصيب الليزري، حيث حصلت إيران على أربعة أجهزة ليزر من الولايات المتحدة الأمريكية، في عام 1978. كان قد جرى تصديرها بمعرفة "جيفري ايركنز"، الذي كان قد حصل على ترخيص من وزارة الطاقة الأمريكية. وقد تم شحن هذه الأجهزة في أكتوبر 1978. وعلى الرغم من أن طلب التصدير الذي تقدم به "ايركنز" للسلطات الأمريكية، أشار إلى أن هذه الأجهزة سوف تستخدم في بحوث البلازما المعملية، فإن ذلك الطلب كان يتجاهل حقيقة أن من الممكن تعديل الأجهزة للاستخدام في تخصيب اليورانيوم. وقد وافقت وزارة الطاقة الأمريكية على البيع؛ لأنها كانت تؤكد صعوبة استخدام الليزر في التخصيب. وأكد ذلك ايركنز نفسه عقب شحن أجهزة الليزر إلى إيران، حيث أشار في تقرير لوزارة الطاقة إلى أن تلك الأجهزة غير قابلة للاستخدام كأدوات لتخصيب اليورانيوم.

ولم يكتف نظام حكم الشاه بالتعاون مع هذه الدول الرئيسية الثلاث، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وألمانيا الغربية، بل اهتم بالتعاون في المجالات النووية مع طائفة واسعة للغاية من الدول في شتى قارات العالم، وبالذات الأرجنتين والهند وأستراليا والدنمارك وجنوب أفريقيا. فقد وقعت إيران اتفاقاً مع الأرجنتين على التعاون في المجال النووي، في مايو 1974. ولكن لم يتم إعلان مضمون هذا الاتفاق بين الجانبَين، وان كان بعض التقارير تشير إلى أنهما اتفقا على قيام الأرجنتين بتقديم النصح لإيران في المجالات النووية، ولا سيما في شأن سبل تنفيذ الخطط الإيرانية في هذه المجالات، حتى لو لم تكن لدى الأرجنتين القدرة على تلبية احتياجات إيران الضخمة في هدا المجال. وبموجب هذا الاتفاق، زار طهران الأدميرال "ارماندو كويهلات"، الرئيس السابق للجنة الطاقة الذرية بالأرجنتين، في مايو 1974، وقدم لإيران نصائح في شأن برنامجها النووي.

وبالمثل، اهتمت إيران بالتعاون في المجالات النووية مع الهند. ووضعت ركائز وأُسُس هذا التعاون أثناء زيارة رسمية لرئيسة الحكومة الهندية، أنديرا غاندي إلى طهران، في مايو 1974. وأعلن الجانبان الإيراني والهندي في بيان مشترك أنهما سوف يوقعان عقوداً للتعاون بين منظمتَي الطاقة النووية في الدولتَين، لوضع أساس للتعاون بين الدولتَين في هذا المجال. وقد وقعت إيران بالفعل، في فبراير 1975، اتفاقاً للتعاون النووي الشامل مع الهند.

أمّا بالنسبة إلى التعاون بين إيران وجنوب أفريقيا، فإن التعاون تركز بالأساس في مجال الحصول على اليورانيوم. فقد وافقت جنوب أفريقيا، في عام 1976، على تزويد إيران بما قيمته 700 مليون دولار من الكعكة الصفراء؛ في مقابل قيام إيران بتمويل عملية بناء محطة لتخصيب اليورانيوم في جنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أن المصادر الرسمية الإيرانية نفت رسمياً هذه الصفقة وقتذاك، فإنه طبقاً لما ذكرته وزارة الخارجية الأمريكية، فإن مسؤول من منظمة الطاقة الذرية الإيرانية أكد أن إيران وقعت اتفاقاً سرياً للحصول على الكعكة الصفراء، والتي تقوم جنوب أفريقيا باستخراجها أصلاً من ناميبيا، التي كانت خاضعة وقتذاك لوصاية جنوب أفريقيا. ومع أنه لم يتم الحصول على تأكيدات بهذه الصفقة وقت حدوثها، فإن هذا التأخير قد جاء في أواخر ثمانينيات القرن العشرين عند الاطلاع على السجلات السرية لمناجم اليورانيوم في ناميبيا. كما أشارت تقارير أجهزة الاستخبارات الغربية إلى أن جنوب أفريقيا سلمت إيران كميات كبيرة من اليورانيوم، خلال عامَي 1988 و1989.

ومن ناحية أخرى، فإن العديد من المصادر الرسمية في إيران، كانت قد أعلنت في مناسبات عديدة اهتمامها بشراء اليورانيوم من أستراليا على أساس منتظم. إلا أنه ليس هناك ما يفيد بأن الجانبَين قد توصلا إلى اتفاق متكامل في هذا المجال. غير أن وكالة الإنباء الإيرانية كانت قد أعلنت، في 3 أكتوبر 1977، أن إيران وأستراليا سوف تتعاونان معاً في شأن تخزين النفايات النووية؛ ولكن لم يتم إعلان أية خطوات تفصيلية في شأن هذا التعاون. وقد حصلت إيران من الدنمارك، في منتصف سبعينيات القرن العشرين، على نحو 10 كجم من اليورانيوم عالي التخصيب، و 25 كجم من اليورانيوم الطبيعي؛ ليكونا وقوداً لمفاعل الأبحاث.

ثالثاً: حقيقة الدوافع النووية، في ظل الشاه

أثارت الدوافع الحقيقة للبرنامج النووي الإيراني، في عهد الشاه، جدلاً عنيفاً بين الأطراف المعنية. وكانت هذه المسألة - كما سبق أن ذكرنا – سبباً لإبطاء التعاون النووي بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية. فقد كانت الأخيرة ترغب في الحصول على أكبر قدر ممكن من الاطمئنان، حتى لا يتم توجيه الأنشطة النووية الإيرانية نحو الأغراض العسكرية، ولا سيما فيما يتعلق بإعادة معالجة الوقود النووي الذي تحصل عليه إيران من الخارج.

وعلى الرغم من أنه لم يكن معروفا بالضبط طبيعة الأهداف التي دفعت الشاه إلى الاهتمام بالطاقة النووية، إلا أن الواضح بشكل عام أن هذا التوجه كان جزءاً من عملية البناء الشامل، التي كان الشاه يسعى إلى تنفيذها في إيران، على المستويات كافة، وفي كلّ المجالات العلمية والتكنولوجية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، سعياً إلى تمكين إيران من تعظيم ما تملكه من مقومات القوة الشاملة في مختلف المجالات. وهو ما يتيح لها القيام بدور القوة الإقليمية العظمى في منطقة الخليج، بل السعي إلى تمكين إيران من القيام بدور أكبر على الساحة الدولية.

والثابت أن هذا التوجه من جانب الشاه يرتبط ببدايات تبلور دور جديد في السياسة الخارجية الإيرانية، ارتكز على تبني تقييم محدد لظروف البيئة الإقليمية، يقوم على أن هناك حالة من الفراغ الإستراتيجي التي نشأت على امتداد منطقة الخليج خصوصاً، وعلى الساحة الدولية عموماً؛ وذلك مع انسحاب بريطانيا عسكرياً من محمياتها في منطقة الخليج، في عام 1971؛ مع وجود تفاهم ضمني بين بريطانيا وإيران على قيام الأخيرة بدور إقليمي أكبر لملء الفراغ الناجم عن الانسحاب البريطاني. كما أن هزيمة الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام كانت قد دفعت الرئيس الأمريكي وقتذاك، ريتشارد نيكسون، إلى إعلان أن بلاده لا تستطيع القيام بدور شرطي العالم. وتبنى عقيدة جديدة تقوم على أن يعتمد حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية وأصدقاؤها في مختلف أقاليم العالم على أنفسهم في قضايا الأمن القومي وحماية مصالحهم الإستراتيجية؛ مع اقتصار دور الولايات المتحدة الأمريكية على المساعدات العسكرية والتسليحية والدعم السياسي.

لقد وجد شاه إيران في ظل هذه الظروف فرصة مثالية لتعزيز الدور الإقليمي والعالمي لبلاده. وهو ما شجعه على بدء عملية شاملة للنهضة والتقدم العلمي والتكنولوجي والعسكري في إيران؛ لتمكينها من القيام بهذا الدور. وكان الاهتمام بالطاقة النووية جزءاً محورياً من الرؤية الإستراتيجية للشاه.

ولذلك، فقد ثارت شكوك عديدة في شأن طموحات الشاه النووية. وكان مما زاد من حدة هذه الشكوك أن الشاه نفسه كان قد أطلق، في يونيه 1974، تصريحات أكد فيها أن إيران سوف تمتلك السلاح النووي "بدون شك، وفي وقت أقرب مما يعتقد العالم". وفيما كان ذلك إشارة مؤكدة إلى أن إيران تعتزم امتلاك السلاح النووي. وهو ما كان دليلاً على أن الطموحات النووية الواسعة التي كان الشاه يتبناها، في تلك الحقبة، لم تكن تستهدف التوسع فقط في الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية؛ وإنما استهدفت كذلك امتلاك إيران للسلاح النووي في إطار الطموحات الإستراتيجية الواسعة للشاه.

ونظراً إلى ردود الفعل الدولية الحادة التي نجمت عن هذه التصريحات من جانب الشاه، فقد اضطرت الحكومة الإيرانية إلى العمل بالوسائل كافة على نفي هذه التصريحات. وكانت السفارة الإيرانية في باريس أول جهة رسمية إيرانية تنفي صدور هذا التصريح عن الشاه. ثم نفى الشاه نفسه لاحقاً صدور هذا التصريح عنه، مشيراً إلى أنه ينبغي ليس على إيران فقط، ولكن على جميع دول المنطقة كذلك، أن تحجم عن العمل على امتلاك السلاح النووي.

عملت إيران بعد ذلك في المحافل الدولية كافة على تأكيد الطبيعة السلمية لأنشطتها النووية. وجدد وفد إيران في مؤتمر جنيف لنزع السلاح، في عام 1975، معارضة بلاده لتطوير السلاح النووي. وزعم الشاه، وقتذاك، أن الحديث عن وجود احتمالات لامتلاك إيران للسلاح النووي، يُعَدّ "أمراً سخيفاً" في ضوء امتلاك الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي "السابق" لترسانات نووية هائلة.

وفي خطوة أبعد مدى في هذا الإطار، بادرت إيران، في عام 1975، إلى تقديم مشروع إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بإنشاء منطقة "لانووية" في الشرق الأوسط. ثم انضمت مصر إلى هذا الاقتراح الإيراني. وصاغ الجانبان المصري والإيراني مبادرة في شأن إنشاء منطقة خالية من السلاح النووي في الشرق الأوسط. وحصلت هذه المبادرة على موافقة شبه جماعية من جانب الجمعية العامة. وظلت هذه المبادرة تقدم بصورة دورية إلى الجمعية العامة، طيلة السنوات التالية. وكانت هذه الخطوة من جانب نظام الشاه ترمي إلى تأكيد التزام إيران بالطابع السلمي لطموحاتها النووية الواسعة.

وفي ما يتعلق بتقييمات الدول الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، فإن العديد من الجهات الرسمية والأكاديمية في واشنطن كانت تنظر بقدر كبير من الشك إلى الطموحات النووية الإيرانية. وكانت هناك مخاوف من أن هذه الطموحات تتجاوز بكثير الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية، ولا سيما بالنسبة إلى دولة غنية بالنفط، ولاتحتاج إلى كلّ هذه الاستثمارات الضخمة في مجال الطاقة النووية. وقد أدت هذه الشكوك إلى قيام مسؤولي إدارة بحوث وتطوير الطاقة بالولايات المتحدة الأمريكية، في مارس 1975، بإدراج إيران في الدول الساعية إلى امتلاك السلاح النووي، جنباً إلى جنب مع دول أخرى مثل الهند وتايوان وكوريا الجنوبية وباكستان وإندونيسيا. وهو ما كان أبرز تعبير أمريكي رسمي عن الشكوك تجاه الطموحات النووية الإيرانية.

والأكثر من ذلك أن شاه إيران نفسه صرح، في فبراير 1975، بأن بلاده ليس لديها نية امتلاك السلاح النووي. ولكنه وضع شرطاً لاستمرار التزام بلاده بهذا الموقف، يتمثل في ضرورة امتناع بقية الدول عن تطوير وإنتاج السلاح النووي. ولكن الشاه أشار في المقابل إلى أن بلاده سوف تتخلى عن هذه القيود الذاتية التي تفرضها على نفسها في المجال النووي، إذا بدأت دول صغيرة في تطوير وإنتاج وامتلاك السلاح النووي؛ إذ إن إيران كذلك ربما تعيد التفكير في سياستها النووية، في مثل هذه الحالة. وهو ما كان يعني أن امتناع إيران عن إنتاج السلاح النووي كان مسألة مشروطة باعتماد الدول الأخرى الموقف بنفسه.

وبالتالي، فإن تحليل الخطاب السياسي لشاه إيران، والسلوك العملي لنظامه في المجال النووي، يشيران إلى أن طموحاته النووية الواسعة كانت أكبر بكثير من أن تكون مقتصرة على الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. وكانت تبدو مستهدفة امتلاك السلاح النووي. ويبدو أن سلوك شاه إيران كان متأثراً في هذا الصدد بالبرامج النووية الناشطة لكلّ من الهند وباكستان وإسرائيل التي كانت تسعى إلى امتلاك السلاح النووي؛ بل إن الهند كانت قد تمكنت بالفعل من إنتاج السلاح النووي وإجراء أول تفجير نووي، في عام 1975.

وعلى الرغم من أن هذه الإشارات كانت واضحة بقوة أمام الدول الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، فإنها لم تتوقف كثيراً عندها لعوامل عديدة، يتعلق أبرزها بالمكاسب المادية الضخمة التي كانت تعود على تلك الدول، علاوة على أن شاه إيران كان في نهاية المطاف حليفاً إستراتيجياً للولايات المتحدة الأمريكية والغرب في الصراع الإستراتيجي ضد الاتحاد السوفيتي السابق والكتلة الاشتراكية. وكان ذلك، بالتالي، سبباً في تهاون الدول الغربية مع طموحات الشاه النووية، والاكتفاء بالحصول منه على ضمانات لعدم توجيه التكنولوجيا النووية التي سوف يحصل عليها نحو الاستخدامات العسكرية. وهي ضمانات يبدو أنه كان سوف يسهل على الشاه التغلب عليها إذا أتيحت لنظام حكمه الفرصة لاستكمال خططه النووية الطموح.



[1] توقف العمل في هذا المشروع في مارس 1979، عقب قيام الثورة.