إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / إيران.. التاريخ والثورة (الثورة الإيرانية من وجهة النظر الإيرانية)




هاشمي رافسنجاني
محمود أحمدي نجاد
محمد رضا بهلوي
محمد علي رحماني
محمد علي رجائي
آية الله منتظري
مير حسين موسوي
الإمام آية الله الخوميني
سيد محمد خاتمي
سيد علي خمنة آي





المبحث الثالث

المبحث السابع

تحولات البرنامج النووي، في ظل الثورة الإسلامية، وخلال ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته

شهد البرنامج النووي الإيراني تحولات هيكلية متتالية، عقب قيام الثورة الإسلامية في عام 1978؛ بل من الممكن القول بأن هذا البرنامج شهد انقلابات خلال هذه المرحلة. كان الانقلاب الأول يتمثل في تجاهل نظام حكم الشورى للبرنامج النووي بصورة شبة كاملة في بادئ الأمر. ولم يكن هذا التجاهل عائداً فقط إلى طبيعة الأولويات التي كانت تحكم هذا النظام، ولا سيما في ما يتعلق بإعطاء الأولوية لتأمين الثورة وحمايتها ونشر مبادئها وأفكارها في المحيط الإسلامي؛ بل كان عائداً في الوقت نفسه إلى شيوع قناعات فكرية محددة لدى قادة الثورة، لا تعطي اهتماماً كبيراً للقضايا المرتبطة بالطاقة النووية. ومع أن هذه المرحلة استمرت لمدة تقدر بنحو 5 سنوات، فإن ما حفظ للبرنامج النووي الإيراني قدراً من قوة الدفع، هو الجهود التي قام بها علماء الذرة الإيرانيون للحفاظ على البنية النووية الأساسية وتطويرها.

أمّا الانقلاب الثاني، فقد جاء منذ منتصف ثمانينيات القرن العشرين. ويتمثل في معاودة الاهتمام بالبرنامج النووي الإيراني، ولا سيما في ما يتعلق بمتابعة القضايا العالقة مع القوى الغربية، في شأن البرنامج النووي الإيراني واستكمال محطة بوشهر للطاقة النووية، بما يتضمنه ذلك من تخصيص الميزانيات اللازمة للنشاط النووي. ويبدو هنا أن التطور في الموقف الرسمي الإيراني من المسألة النووية يرتبط بتطورات الحرب العراقية - الإيرانية، والدروس التي استخلصتها القيادة الإيرانية من هذه الحرب. وقد ظل هذا الاهتمام ينمو بصورة تدريجية، ووصل في أواخر الثمانينيات الآنفة إلى درجة اتخاذ قرار على أعلى مستويات السلطة السياسية في إيران، بالاستئناف الكامل للبرنامج النووي؛ ولكن على مستوى أدنى بكثير من ذلك الذي كان قائماً في عهد الشاه.

أولاً: التخبط في البرنامج النووي، في بدايات عهد الثورة

تبنت الثورة الإسلامية مواقف متضاربة إزاء البرنامج النووي. فمن المؤكد أن القادة الدينيين للثورة، وفي مقدمتهم الإمام آية الله الخميني، لم يكونوا متحمسين تماماً للبرنامج النووي، في بادئ الأمر. وهي مسألة غامضة تماماً من حيث مسبباتها. ومن الثابت في جميع الأحوال أن هذا الموقف غير المتحمس لم يستمر طويلاً، إذ سرعان ما حاولت الحكومات الإيرانية المتعاقبة، في ما بعد الثورة، استكمال ما بدأه الشاه رضا بهلوي في المجال النووي، ولا سيما التركيز في استكمال محطة بوشهر للطاقة النووية.

في سياق تفسير التغير في موقف الثورة، بزعامة الإمام آية الله الخميني، من هذه المسألة، بعد أن كان يتبنى موقفاً مناوئاً للطاقة النووية، اهتم مسؤولون إيرانيون بتوضيح أن الهدف الرئيسي وراء استئناف العمل في المشروعات النووية الإيرانية، ولا سيما محطة بوشهر، يتمثل في العمل على اكتساب "خبرة وطنية" في المجال النووي، أكثر من الاهتمام بالحصول على الطاقة النووية.

وقد صدرت تصريحات متضاربة بشأن مصير مشروع بوشهر، من جانب المسؤولين الإيرانيين. لعل أبرزها تصريح المدير التنفيذي للمشروع، منصور روحي، الذي أشار إلى أن بلاده تفتقر إلى الموارد والتكنولوجيا اللازمة لمثل هذا المشروع. وطالب بإيقافه. في حين أن نائب وزير الطاقة والمشرف على منظمة الطاقة الذرية، فيرودين ساهابي، كان قد أعلن أن العمل في محطة بوشهر سوف يستمر؛ ولكن سوف يتم إلغاء المشروعات النووية الأخرى كافة. كما أعلن أن عمليات التنقيب واستخراج اليورانيوم سوف تستمر. وأشار إلى أن المنظمة سوف تخفض أنشطتها. ولن يتم توظيف أيّ أجانب في هذه الأنشطة.

وقد أعلن رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، "فيرودين ساهابي"، في 12 يونيه 1979، أن عقود إنشاء محطات الطاقة النووية في إيران سوف تخضع للمراجعة. وكانت الحكومة الإيرانية متحفظة بشدة في بادئ الأمر من استمرار التعاون مع الجانب الألماني على إنشاء محطة بوشهر للطاقة النووية. ورفضت تمديد تصاريح الإقامة للفنيين والألمان العاملين في المشروع، وكان عددهم يقدر بنحو 200 فني. وهو ما دفع وقتذاك إلى وضع عملية استكمال هذا المشروع في أيدي الفنيين الإيرانيين.

وقد أشار "فيرودين ساهابي" في 18 يوليه 1979 إلى أن من الحيوي بالنسبة إلى إيران أن تمتلك المزيد من المعرفة في شؤون الطاقة النووية؛ حتى تحقق لنفسها الاكتفاء الذاتي. ولكنه مع ذلك أشار إلى أن حكومته لم تكن قد قررت حتى ذلك الحين ما إذا كانت سوف تستمر في عملية إنشاء مفاعل بوشهر، أم أنها سوف توقف كلّ الأنشطة النووية التي كانت جارية قبل الثورة.

وفي الإطار نفسه، كان رئيس الوزراء الإيراني قد أعلن في تصريح إذاعى، في الثاني من يوليه 1981، أن محطات الطاقة النووية ليست اقتصادية. وأن الأنشطة النووية سوف تقتصر فقط على الأغراض البحثية، في إشارة إلى أن إيران سوف تتوقف عن استكمال المشروعات النووية الطموح، التي كان يجري العمل فيها في كلّ من بوشهر ودارخوفين؛ إضافة إلى التراجع عن الخطط الواسعة التي كان نظام الشاه قد أعلنها في أوقات سابقة.

مع ذلك، فإن إيقاف العمل في محطة بوشهر لم يتم على أساس معايير سياسية، وإنما تم لمعايير مالية. فقد تسببت ظروف الارتباك السياسي العنيف التي صاحبت قيام الثورة، ولا سيما تلك المتعلقة بإبعاد حكومة جديدة ذات توجهات مخالفة محلها، قد تسبب في حدوث انقطاع هائل في ترتيبات التعاون بين إيران والشركة الألمانية المنفذة لمشروع بوشهر، ولا سيما في الترتيبات المتعلقة بدفع المستحقات المالية إلى الجانب الألماني. وهو ما أدى إلى تراكم متأخرات مالية على الحكومة الإيرانية، تقدر بنحو 450 مليون دولار للشركة الألمانية؛ ما دفعها في 8 يوليه 1979 إلى إيقاف أعمالها في بوشهر. وأعلنت الشركة أنه في حالة ما إذا دفعت إيران هذا المبلغ، فإنها ربما تفكر في استئناف العمل في عملية إنشاء محطة بوشهر النووية. وقامت الشركة باستدعاء جميع أعضاء فريق العمل التابع في بوشهر، وأوقفت عملها في هذا المشروع في مارس 1979.

في سياق مراجعة الأنشطة النووية الإيرانية، قام النظام الثوري الجديد بإلغاء الاتفاقية المبرمة مع شركة كونسورتيوم يوروديف (اتحاد شركات جوروديف الفرنسية). وطالب بإرجاع مبلغ البليون دولار الذي أقرضه إيران لبناء محطة. كما قامت إيران بإلغاء تعاقدها مع شركة فرام اتوم التي كانت تعمل في بناء محطة دارخوفين للطاقة النووية. وقامت الشركة من جانبها بالانسحاب من إيران في مارس 1979، بعد أن ظلت تعمل لمدة تسعة شهور من دون الحصول على أيّ مستحقات مالية.

وقد تسببت القرارات التي اتخذها النظام الثوري في نشوء مشكلات قانونية مع الشركات الأجنبية، التي كانت تعمل في المشروعات النووية الإيرانية؛ منها قيام كونسورتيوم يوروديف باللجوء إلى محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية في لوزان بسويسرا، لتقديم شكوى ضد إيران. وقد حكمت المحكمة بالحجر على الأصول الإيرانية كافة في يوروديف، لدفع المستحقات المالية الخاصة بها. كما أشار الحكم إلى أنه لا يمكن إيران أن تبيع نصيبها البالغ 10% في كونسورتيوم يوروديف. كما حكمت المحكمة بأنه ليس من حق إيران استعادة القرض البالغ بليون دولار الذي كانت قدمته للشركة. وظلت هذه المشكلة سبباً لأزمة طويلة وممتدة بين الجانبَين الإيراني والفرنسي.

وتتضارب التقديرات في شأن المدى الذي كانت عمليات الإنشاء في المفاعل النووي الأول، في محطة بوشهر للطاقة النووية، قد وصلت إليه عند قيام الثورة. إذ يقدر البعض بأنها كانت قد وصلت إلى نحو 77% من العمل. في حين أن تقديرات أخرى تشير إلى أن كمية الأعمال المكتملة كانت تمثل نحو 85% من مكونات إنشاء مفاعل بوشهر الأول. وكانت إيران قد أنفقت 3.1 بلايين دولار على هذه المحطة، حتى ذلك الحين. وعلى وجه العموم، فإن معظم التقديرات تذهب إلى أن ما يراوح بين 75 و85 % من العمل في مفاعل بوشهر الأول، كان قد اكتمل عند قيام الثورة؛ إضافة إلى ما يراوح بين 45 و75% من العمل في المفاعل الثاني. كما كان قد تم شحن نحو 90% من أجزاء المفاعلَين إلى إيران.

ثانياً: البرنامج النووي، إبّان الحرب العراقية - الإيرانية

أثرت الحرب العراقية - الإيرانية سلباً في البرنامج النووي الإيراني، من نواحٍ عديدة، ترتبط بتطورات الصراع المسلح نفسه. كما ترتبط بما أفرزته الحرب من مناخ غير مواتٍ، سواء لاستكمال الخطط النووية الطموح لإيران، أو من حيث تسهيل عمل الشركات الأجنبية المتعاونة مع إيران في المجال النووي.

ومن الممكن هنا أن نشير إلى تأثير الحرب بين إيران والعراق في البرنامج النووي الإيراني، في ناحيتَين رئيسيتَين:

1. تتمثل الناحية الأولى في ما خلقته هذه الحرب من مناخ غير مواتٍ لاستكمال المشروعات النووية، ولا سيما مشروع محطة بوشهر للطاقة النووية. فقد كان هذا المشروع قد شهد حالة من الخلافات، بين نظام الحكم الثوري الإيراني وشركة كرافت وورك الألمانية. وظلت هذه الخلافات سبباً لتوقف العمل في المحطة مدة طويلة. وعندما استقرت الأوضاع الداخلية في إيران، بدأت حكومات ما بعد الشاه تدرك، تدريجياً، الفوائد التي يمكن أن تتحقق من استكمال مشروع محطة بوشهر للطاقة النووية. وحاولت إقناع الشركة الألمانية باستئناف العمل فيه مجدداً، إلا أن الأخيرة رفضت ذلك.

وعقب مدة طويلة من المفاوضات، أعلنت شركة كرافت وورك أنها لا تمانع من حيث المبدأ مواصلة العمل في مشروع محطة بوشهر النووية. ولكنها ربطت ذلك بضرورة انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية أولاً؛ إذ إن استمرار الحرب لا يساعد على مواصلة عمليات بناء المحطة وشحن وتركيب المعدات والأجهزة في هذه المحطة. وفي المقابل، طالبت إيران الشركة ببدء العمل في المحطة من دون إبطاء. وحاولت في بعض الأحيان الاستفادة من حالات التهدئة التي كانت الحرب تشهدها، من أجل تشجيع الشركة الألمانية على استئناف العمل. إلا أن المحاولات الإيرانية لم تفلح مع الجانب الألماني، أيْ أن استمرار الحرب كان سبباً في امتناع الجانب الألماني عن استكمال العمل في محطة بوشهر.

وحتى بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية، فإن ألمانيا الغربية، واتحاد الشركات الألمانية – الأرجنتينية – الأسبانية، الذي كان يحتمل أن يشارك في عمليات استكمال محطة بوشهر للطاقة النووية، طالبوا بتوقيع اتفاق سلام شامل بين إيران والعراق، شرطاً للعمل في محطة بوشهر؛ لأن ذلك ضمان لعدم استئناف الحرب؛ واستطراداً، عدم وقف العمل مجدداً في المحطة.

2. أمّا النقطة الثانية، فهي تتعلق باستهداف الجانبَين الإيراني والعراقي للمنشآت النووية التي يمتلكها كلّ طرف منهما. فقد بدأت إيران هذا النوع من الغارات الجوية على المنشآت النووية العراقية، في 30 سبتمبر 1980، بعد تسعة أيام فقط من بدء الحرب العراقية – الإيرانية. وتشير بعض التقارير إلى أن المقاتلات الإيرانية كانت قد أغارت على المفاعل النووي العراقي أثناء عودتها من مهمة قتالية أخرى. واكتفت بإلقاء ما لديها من القنابل على المفاعل؛ لأنها لم تكن قد انطلقت خصيصاً للإغارة عليه. وقد أسفر عن الغارة الجوية الإيرانية تدمير منشآت إدارية محدودة الأهمية في موقع المفاعل النووي العراقي؛ ولم يسفر عنها أضرار مخطرة.

وفي المقابل, قامت الطائرات العراقية بالإغارة على محطة بوشهرالنووية عدة مرات, بدءاً من مارس1984. ويقدر بعض المصادرعدد الغارات الجوية العراقية على هذه المحطة بما لا يقل عن ثماني غارات رئيسية. وقد ألحقت هذه الغارات العراقية أضراراً جسيمة بالمنشآت النووية الإيرانية. وتسببت في إبطاء الجهود الوطنية الإيرانية المحدودة التي كانت تجرى لمحاولة استكمال هذه المحطة, إذ قررت الحكومة الإيرانية، في الأول من مارس 1985، وقف عمليات الإنشاء التي كانت تقوم بها في تلك المحطة؛ بسبب الغارات الجوية العراقية.

وقد تصاعدت حدة الغارات الجوية العراقية على محطة بوشهر, مع تطور حدة الصراع بين الجانبَين. وكان أشدها خطراً ذلك الهجوم الذي شنته المقاتلات العراقية على المحطة الإيرانية، في نوفمبر1987, والذي تسبب في إلحاق أضرار شديدة بمحطة بوشهر؛ ما دعا الحكومة الإيرانية عقب هذا الهجوم إلى دعوة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لإرسال فريق، لدراسة مدى السلامة في المحطة الإيرانية. ومن جانبها, لم تستجب الوكالة لهذا الطلب الإيراني إلا في مارس 1988, حين أعلنت أنها سوف ترسل فريقاً من المفتشين إلى محطة بوشهر النووية، في غضون عدة أشهر، لتقييم حجم الضرر الذي تعرضت له، من جراء الغارات الجوية العراقية. وقد قام المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، "هانز بليكس"، في 22 يونيه 1989، بزيارة تفقدية لمحطة بوشهر النووية؛ لتحديد حجم الأضرار التي لحقت بالمحطة من جراء الغارات الجوية العراقية على المحطة. ودعا بليكس إلى زيادة الأمن في المنشآت النووية داخل المحطة.

وفي الوقت نفسه, طلبت إيران مساعدات من دول عديدة، لتقييم حجم الأضرار الناتجة من الغارات الجوية العراقية على محطة بوشهر النووية؛ من بينها فرنسا. فقد قام فريق مؤلف من 18 مهندساً فرنسياً تابعين لشركة "فرام أتوم" في فبراير 1987، بزيارة لمحطة بوشهر؛ لتقييم الأضرار التي لحقت بها عقب الغارات الجوية العراقية, ولتحديد ما إذا كانت الشركة سوف تقوم بإعادة بناء هذه المحطة. وخلصت عملية التقييم إلى أن المحطة متضررة للغاية.

وقد تأثر البرنامج النووي الإيراني تأثراً كبيراً بالتطورات، التي كانت تجري في البرنامج النووي العراقي. فقد كان العراق ينفذ برنامجاً طموحاً لامتلاك قدرات نووية، منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين. وكان هذا التوجه العراقي يندرج في الأساس في إطار الحالة من السباق النووي مع إيران, في ما يشبه نظرية الدومينو. فهذا التوجه العراقي لم يكن إلا رد فعل على الخطط النووية الطموح للغاية، التي كان الشاه رضا بهلوي يتبناها؛ ما دفع نظام الحكم البعثي في العراق إلى الاهتمام، منذ منتصف السبعينيات الآنفة، بامتلاك قدرات نووية مماثلة.

ومع أن البرنامج النووي الإيراني تباطأ كثيرا عقب وقوع الثورة , فإن قوة الدفع استمرت بوتيرة عالية في البرنامج النووي العراقي. ولكن هذا البرنامج تعرض للطمة عنيفة عقب الغارة الجوية الإسرائيلية على المفاعل النووي العراقي، عام 1981؛ ما أدى إلى تعطيله حيناً من الزمن. ولكن القيادة العراقية ظلت مصممة على مواصلة جهودها في المجال النووي بكل الوسائل, حتى أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية, وتبنت برامج مختلفة لتخصيب اليورانيوم, سعياً إلى توفير المقومات كافة، التي تتيح للعراق امتلاك دورة وقود نووي كاملة.

وبالتالي، فإن التطورات التي كانت جارية في البرنامج النووي العراقي ، حفزت البرنامج النووي الإيراني. وأسهمت في إعطاء المزيد من قوة الدفع لهذا البرنامج. وهو ما يعني أن الجانبَين الإيراني والعراقي تبادلا عمليات التأثير والتأثر، في شأن القدرات النووية. فإيران كانت هي السباقة في المجال النووي؛ ما استفز العراق، ودفعه إلى العمل على امتلاك قدرات نووية متطورة. وهو ما كان في مدة لاحقة واحداً من العوامل التي أعادت قوة الدفع إلى البرنامج النووي الإيراني. وبالتالي، فإن التطورات التي جرت في البرنامجَين الإيراني والعراقي كانت تندرج في إطار شكل واضح لا لبس فيه من أشكال السباق النووي.

ثالثاً: استئناف العمل في البرنامج النووي

لم تتسبب الحرب الإيرانية - العراقية في وقف محاولات حكومات الثورة الإيرانية استكمال المشروعات النووية، ولا سيما محطة بوشهر. وقد ركزت الجهود الإيرانية في اتجاهات محددة، تتمثل في استكمال محطة بوشهر للطاقة النووية، واستكمال البنية النووية الأساسية، والعمل على استعادة الكوادر البشرية العاملة في المجال النووي، والتعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول في المجالات النووية، ومواصلة إجراءات التقاضي لتسوية الخلافات حول الصفقات التي كان نظام الشاه قد أبرمها مع الشركات الفرنسية.

1. العمل على استكمال محطة بوشهر للطاقة النووية. وكان استكمال العمل في هذه المحطة هو الأسبقية الأولى في اهتمامات الحكومات الإيرانية، طيلة حقبة ما بعد الثورة. واستحوذت هذه المسألة على اهتمام محموم من جانب الحكومات المختلفة. وعلى الرغم من أن إيران حاولت إقناع شركة كرافت وورك الألمانية التي بدأت المشروع بأن تستكمله بنفسها، وقدمت لها الاغراءات اللازمة كافة، ولوحت لها كذلك بالعديد من التحذيرات القانونية والقضائية والسياسية، فإن ذلك لم يمنع إيران، في الوقت نفسه، من البحث عن أيّ بديل ملائم لاستكمال هذه المحطة، بدلاً من الشركة الألمانية.

فقد أوقفت ألمانيا الغربية رسمياً العمل في ميناء محطة بوشهر، في عام 1981. ورفضت استئناف العمل في المشروع، على الرغم من الطلب الإيراني المتكرر في هذا الشأن؛ ما دفع الحكومة الإيرانية إلى مطالبة حكومة ألمانيا الغربية بدفع تعويض قيمته بليونان ومائة مليون مارك ألماني، نظير انسحاب شركة كرافت وورك من العمل في بوشهر. أمّا الشركة، فقد أعلنت أنها تطالب الحكومة الإيرانية بدفع ما قيمته بليون و800 مليون دولار، تمثل قيمة المعدات التي قامت بإنتاجها خصيصاً لمشروع بوشهر؛ ولكن لم يتم توصيلها، لإلغاء العقد بين الجانبَين.

وقد ركزت الحكومة الإيرانية في بادئ الأمر في حصول على مكونات المفاعلَين، التي كانت لم تورد بعد من الشركة الألمانية؛ ورفع دعوة قضائية أمام محكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية، في عام 1982. وقد توصل الجانبان الإيراني والألماني، في 27 مارس 1982، إلى اتفاق يقضي بقيام الشركة بتسليم إيران المعدات كافة الخاصة بمشروع المفاعل النووي وملحقاته. ويتم التسليم في موانئ أوروبية؛ على أن تدفع الشركة الألمانية إلى الجانب الإيراني قيمة الشحن والنقل ، وتقدر بنحو 15 مليون مارك المانى. كما ينص الاتفاق على قيام الشركة الألمانية بإمداد إيران بنصف كمية الوقود النووي، التي كان قد جرى التعاقد عليها. وكان موقف الشركة مدفوعاً بالرغبة في إنهاء ما سببه إيقاف التعاقد مع الحكومة الإيرانية، من مشكلات مع شركات التأمين الألمانية؛ إضافة إلى رغبتها في إغلاق ملف هذه الأزمة مع الجانب الإيراني.

ومع أن الجانبَين توصلا في بعض الأحيان إلى اتفاق بين إيران وألمانيا الغربية، في عام 1982، ينص على قيام الشركة الألمانية باستئناف العمل في المفاعل الأول في محطة بوشهر، الذي تقدر طاقته بنحو 1300 ميجا وات، إلا أن تنفيذ هذا الاتفاق كان مرهوناً بموافقة المجالس البرلمانية في الدولتَين. وقد استكملت إيران من ناحيتها عملية التصديق على الاتفاق المبرم مع شركة كرافت وورك، في 16 يونيه 1982. وهكذا أصبح الموقف الإيراني واضحاً في ما يتعلق باستئناف العمل في إنشاء المحطة النووية في بوشهر، من أجل استكمال المفاعل الأول على الأقل. إلا أن الشركة الألمانية تباطأت في تنفيذ هذا الاتفاق، بسبب ظروف الحرب العراقية – الإيرانية.

ومن جانبها، حاولت إيران دفع جهودها الوطنية لإنشاء محطة بوشهر النووية. فأعلنت وكالة الأنباء الإيرانية، في 17 أكتوبر 1982، أن العمل يجري في إنشاء محطة بوشهر النووية. وقسم العمل إلى ثلاث مراحل. يتم في المرحلة الأولى منها إجراء بحوث نووية بواسطة مجموعة من العلماء النوويين الإيرانيين في مركز التكنولوجيا النووية في أصفهان. وتستمر هذه المرحلة مدة عامَين. وتوفر الحكومة الإيرانية كلّ الموارد والمعدات اللازمة لهذه المرحلة.

2. أمّا المرحلة الثانية، فإن التركيز فيها كان ينصب على بناء مفاعل تجريبي. ثم يجري في المرحلة الثالثة بناء محطة طاقة نووية كاملة بالجهود الوطنية الإيرانية. وفي إطار هذه الخطوة، أعلن مسؤولون إيرانيون أنهم يعملون على توفير اليورانيوم المخصب من خلال الموارد والجهود الوطنية، من أجل تفادى الارتهان لضغوط ومواقف القوى الأجنبية.

وكانت هذه الخطة الإيرانية الطموح ترتكز على الاستفادة من المعدات، التي كان يجري استلامها من الشركة الألمانية، والتي يقوم المهندسون الإيرانيون بعمليات إنشائها وتركيبها. إلا أن التنفيذ العملي لهذه الخطة الإيرانية الطموح واجه صعوبات فنية معقدة، تفوق القدرات الوطنية الإيرانية؛ ما حال دون النجاح في استكمال محطة بوشهر بالجهود الذاتية الإيرانية.

وفي أوائل عام 1984، قدمت شركة كرافت وورك عرضاً جديداً للحكومة الإيرانية في شأن العمل في محطة بوشهر. وبدأ الجانبان مباحثات في شأن هذا العرض الجديد. وأشار مسؤول الشركة الألمانية إلى أن تسليم مكونات المحطة النووية يسير وفق الاتفاق، الذي كان الجانبان قد توصلا إليه في عام 1982. وكان الجانب الألماني قد أكمل بحلول سبتمبر 1984 تسليم إيران نحو 35 ألف طن متري من المعدات. وأكد أن رخصة التصدير كانت قد انتهت بالنسبة إلى ما يقدر بنحو 7 آلاف طن متري من المعدات فقط؛ ولم يتم بالتالي تسليمها للجانب الإيراني. وقد صرح رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، "رضا أمر الله"، بأن مكونات محطة بوشهر الموجودة في المخازن، تتمثل في أجهزة الضغط ومضخات التبريد الرئيسية والعناصر الرئيسية لنظام الإمداد بالطاقة النووية. وصرح مسؤولون ألمان، وقتذاك، بأن إيران طلبت من الجانب الألماني التفاوض مع شركات من الأرجنتين وأسبانيا للمشاركة في محطة بوشهر النووية؛ ليتم تنفيذ هذا العمل من خلال اتحاد شركات دولية متعددة.

ولكن التعاون بين إيران وشركة كرافت وورك الألمانية، شهد تطوراً سلبياً، في أكتوبر 1986، حينما أعلنت الحكومة الألمانية أنها لن تمنح ترخيصاً لشركة كرافت وورك في تسليم الجانب الإيراني الكميات المتبقية من المعدات، إلا بعد انتهاء الحرب العراقية – الإيرانية، والتي تقدر نسبتها بنحو 10% من إجمالي المعدات اللازمة للمفاعل الأول. وهو ما كان يعني أن استمرار الحرب العراقية – الإيرانية لا يؤثر بالسلب فقط في فرص استكمال محطة بوشهر؛ وإنما يؤثر بالسلب كذلك في تسليم المعدات المتعاقد عليها بين الجانبين الإيراني والألماني. وهو ما دفع الحكومة الإيرانية إلى التهديد مرات عديدة بأنها سوف توقف كلّ علاقاتها التجارية والاقتصادية بألمانيا الغربية، إذا لم يتم استكمال تصدير المعدات المتبقية من المفاعل النووي الأول في بوشهر.

وقد التقى مسؤولون ألمانيون رفيعو المستوى، في الثالث من ديسمبر 1986، وفداً ألمانياً – أرجنتينياً مشتركاً تابعاً لاتحاد شركات ألماني – أسباني – أرجنتيني؛ للتباحث في شأن توسيع الروابط التجارية التعاونية في المجال النووي، لتشمل تدريب المهندسين الفنيين النوويين الإيرانيين، لتأهيلهم للمشاركة في استكمال مفاعل بوشهر النووي الأول. إلا أن هذه المحاولات لم تنجح في الوصول إلى نتيجة ايجابية بالنسبة إلى إيران؛ نظراً إلى استمرار الحرب العراقية – الإيرانية؛ وقيام الولايات المتحدة الأمريكية بممارسة ضغوط عنيفة على كلّ من ألمانيا الغربية والأرجنتين وأسبانيا، لعدم التعاون مع إيران في المجالات النووية.

ومع توقف الحرب العراقية- الإيرانية، استأنفت إيران، في فبراير 1989، محادثاتها مع اتحاد الشركات الألمانية – الأسبانية – الأرجنتينية؛ لاستكمال العمل في محطة بوشهر النووية. إلا أن الحكومة الألمانية لم تستجب للإيرانيين. وقد أدت هذه المواقف السلبية للجانب الألماني إلى دفع الحكومة الإيرانية، في يوليه 1989، إلى إعلان، إمكانية إلغاء تعاقدها مع الشركة الألمانية؛ لأنها تبدد الوقت. فقد أعلن وزير المالية الإيراني، "محمد جواد إيراني"، أن بلاده ترغب في استكمال محطة بوشهر النووية؛ لأنها استثمرت فيها الكثير من المال والجهد. وسوف تستجيب إيران لأيّ عرض للتعاون النووي من جانب أيّ دولة في العالم. وأشار إلى أن الاتحاد السوفيتي يمكن أن يمثل بديلاً أمام إيران، للحصول على التكنولوجيا النووية.

3. وفي يونيه 1990، أعلنت شركة كرافت وورك الألمانية عدم رغبتها في استكمال العمل في محطة بوشهر النووية؛ بسبب الضغوط الأمريكية، والمخاوف من احتمالات سعي إيران إلى امتلاك السلاح النووي. كما منعت ألمانيا الغربية أسبانيا من العمل في مشروع محطة بوشهر النووية؛ الأمر الذي أثار احتجاجات واسعة في وسائل الإعلام الإيرانية ضد ألمانيا الغربية.

وقد علق "رضا أمر الله "على ذلك بأن إيران تعاني بشدة القيود المفروضة على صادرات التكنولوجيا النووية إليها؛ على الرغم من التزامها الكامل بنصوص معاهدة منع الانتشار النووي واتفاقية الضمانات النووية. وكان هذا الموقف من جانب الشركة الألمانية، يعني من الناحية العملية إغلاق الطريق تماماً أمام معاودة استكمال محطة بوشهر من جانب الشركة الأصلية نفسها التي بدأت المشروع. ولذلك، فقد اتخذت القيادة الإيرانية قراراً، في 9 أكتوبر 1990، باستكمال محطة بوشهر للطاقة النووية، خلال اجتماع لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية برئاسة رئيس الجمهورية "هاشمي رفسنجاني" شخصياً. واتجه البحث بعد ذلك عن بدائل أخرى، وهو ما تمثل أساساً في الاتحاد السوفيتي.

على الرغم من هذا الموقف الألماني، فإن التحولات التي طرأت على الساحة الدولية لاحقاً، ولا سيما المتعلقة بإنهاء الحرب الباردة، علاوة على تطور العلاقات التجارية بين إيران وألمانيا ـ شجعت الجانبَين الإيراني والألماني على إعادة التفاوض في شأن إمكانية قيام شركة كرافت وورك، وشركتها الأم سيمنز، باستكمال محطة بوشهر. وقام وزير الخارجية الإيراني، علي أكبر ولاياتي، بزيارة لألمانيا، في فبراير 1991، للتباحث في شأن هذه المسالة مع كبار مسؤولي الحكومة الألمانية. كما طلب ولاياتي أثناء الزيارة من الحكومة الألمانية إصدار التصريح اللازم، من أجل شحن باقي مكونات المفاعلَين النوويَّين اللذَين لم يستكملا في محطة بوشهر للطاقة النووية. وقد تبلور خلال هذه الزيارة اتفاق مبدئي بين الجانبَين الإيراني والألماني في شأن التعاون على هذه المسألة. توجه على أثره وزير البيئة الألماني "كلاوس توبفر" إلى إيران، لمعاينة المحطة المذكورة.

وعلى الرغم من أن إيران حاولت بكلّ الوسائل إقناع الشركة الألمانية، ومن ورائها الحكومة الألمانية، باستكمال تنفيذ مشروع محطة بوشهر للطاقة النووية؛ إلا أنها كانت قد حاولت، منذ مدة مبكرة، البحث عن بديل آخر. ولكن المشكلة التي واجهتها في هذا الصدد تمثلت في أنه لم يكن في الخيارات المتاحة أمام إيران لهذا الغرض أيّ جهة أخرى قادرة على أن تكون على المستوى نفسه من الكفاءة والتطور التكنولوجي، وفق المقاييس الألمانية. وعقب هذه المحاولات المضنية مع كل من الهند، والسويد، والأرجنتين، وأسبانيا، وكوريا الجنوبية، والبرازيل، والتشيك، خلص المسؤولون الإيرانيون إلى أن الاتحاد السوفيتي يمثل البديل الملائم، ليس لاستكمال محطة بوشهر للطاقة النووية فقط، وإنما لمساعدة إيران كذلك على تنفيذ خطتها النووية الطموح. وقد برر المسؤولون الإيرانيون التوجه نحو التعاون مع الاتحاد السوفيتي بأنه رد فعل منطقي إزاء الموقف غير المقبول من جانب حكومة ألمانيا الغربية في شأن عدم التعاون مع إيران على استكمال محطة بوشهر النووية. إلا أنهم أكدوا أن ذلك لا يعني بالضرورة أن إيران تمتنع عن التعاون مع الدول الأخرى في المجالات النووية.

4. متابعة النزاع مع الشركات الفرنسية، والمتعلق بالنتائج المترتبة على إلغاء التعاقد المبرم بين إيران والشركات الفرنسية في شأن إنشاء محطة الطاقة النووية في دار خوفين؛ وانسحاب إيران كذلك من كونسورتيوم يوروديف. فقد واصلت الحكومات الإيرانية المتعاقبة، منذ قيام الثورة، العمل على تسوية الخلافات التي نشأت نتيجة لإلغاء هذه الاتفاقات. وظلت هذه المسالة مثار منازعات قضائية وسياسية حادة بين الجانبَين إبّان عشر سنوات. وقد تم الوصول، في ديسمبر 1991، إلى تسوية نهائية للنزاع في شأن أزمة يوروديف بين إيران وفرنسا. وتوجه مدير عام وزارة الخارجية الفرنسية إلى طهران، في 29 ديسمبر 1991، لإنهاء الاتفاق النهائي في شأن تسوية أزمة يوروديف. كما توصل الجانبان الإيراني والفرنسي إلى تسوية مبدئية في شأن أزمة البليون دولار التي أقرضتها إيران للشركات الفرنسية، في عهد الشاه.

وفي ما بعد، أشار بعض التقارير إلى أن إيران طلبت من فرنسا، في يناير 1992، تزويدها باليورانيوم المخصب وفقاً للتعاقد المبرم في عام 1974 بين نظام الشاه رضا بهلوي واتحاد شركات يوروديف الفرنسية. إلا أن الضغوط الأمريكية العنيفة على الحكومة الفرنسية، دفعت الأخيرة إلى رفض الاستجابة لهذا الطلب الإيراني.

5. استكمال البنية الأساسية والكوادر البشرية للبرنامج النووي الإيراني. فقد ركزت الحكومة الإيرانية، بعد قيام الثورة الإسلامية، وخاصة في ثمانينيات القرن العشرين، في استكمال المراكز العلمية المتخصصة في مختلف المجالات النووية؛ إضافة إلى الاهتمام بالإعداد العلمي والعملي للعلماء والمهندسين والفنيين العاملين في مختلف أفرع البرنامج النووي الإيراني. وقد ارتكزت هذه الجهود على أن نظام الحكم الثوري في إيران كان قد اتخذ، في بداية تلك ثمانينيات، قراراً سياسياً يقوم على إعادة تنشيط البرنامج النووي،؛ ولكن على نطاق أصغر من ذلك الذي كان معمولاً به في عهد الشاه؛ مع التركيز بصفة خاصة في استكمال محطة بوشهر للطاقة النووية.

ومن ناحية أخرى، نشطت الحكومات الإيرانية في إنشاء المراكز العلمية المتخصصة، التابعة لمنظمة الطاقة النووية. فافتتحت، في عام 1984، مركز البحوث النووية في أصفهان، بمساعدة الصين. كما أعلنت الحكومة الإيرانية، في عام 1987، اعتزامها بناء وحدة لإنتاج الكعكة الصفراء في إقليم "يزيد". وبدأت عملية الإنشاء بالفعل في عام 1989.

وقد ركزت أنشطة الحكومات الإيرانية في تطوير بعض الوحدات التابعة لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، بما في ذلك تطوير مركز طهران للبحوث النووية. وصرحت بعد المصادر الإيرانية المسؤولة، في عام 1988، أن إيران أنشأت معملاً لاستخلاص البلوتونيوم.

وفي عام 1989، استكملت إيران إنشاء مركز إنتاج النظائر المشعة، في مركز البحوث النووية التابع لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية. وافتتحه رئيس الحكومة الإيرانية، حسين موسوي. ويقوم المركز بإنتاج النظائر المشعة التي تستخدم في الطب وإنتاج الأدوية.

وفي فبراير 1990، افتتح رئيس مجلس الشورى (البرلمان) الإيراني، "مهدي كروبي"، معمل "جابر بن حيان"، التابع لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية، والذي يستخدم في التدريس والتدريب على التكنولوجيا النووية.

وفي 14 مارس 1990, تم افتتاح مركز أصفهان للتكنولوجيا النووية. ويتضمن هذا المركز مفاعلات "كتلة حرجة"، ومعامل لإنتاج النيوترون, تم تصميمها وإنتاجها من قبل منظمة الطاقة النووية الإيرانية. وتَستخدم هذه المفاعلات يورانيوماً طبيعياً. كما تُستخدم المعامل في أغراض تدريب المهندسين والفنيين في المركز.

وفي عام 1991, رخّصت إيران لشركة "كيلوج" البريطانية في إنشاء محطة مدنية لإنتاج الأمونيا واليوريا. وهي شركة تعمل كذلك في المجالات النووية، وكانت قد شاركت في مشروع مانهاتن الأمريكي لإنتاج القنبلة الذرية، في أربعينيات القرن العشرينيات. وقد ذهبت مصادر الاستخبارات الأمريكية إلى أن الإجراءات المستخدمة في إنتاج الأمونيا، يمكن أن تستخدم كذلك في تصنيع الماء الثقيل.

وفي 11 مايو 1991, افتتح النائب الأول للرئيس الإيراني، "حسن حبيبي"، مركزاً لبحوث الطب النووي، في خرج. ويقع المركز شمال غرب طهران، بالقرب من قاعدة جوية إيرانية، وموقع ضخم للصناعة العسكرية الإيرانية. ويعمل في المركز فنيون صينيون وروس؛ إضافة إلى الإيرانيين.

أمّا على صعيد استكمال أعداد الكوادر البشرية في المجال النووي، فقد اتبعت الحكومات الإيرانية مسارات متعددة في هذا الصدد. فلم تقتصر فقط على مواصلة عمليات التعليم والإعداد في المؤسسات العلمية الوطنية في إيران؛ وأنما اهتمت بإرسال العلماء والمهندسين والفنيين والطلاب إلى الخارج. كما اهتمت باجتذاب العلماء الإيرانيين المقيمين بالخارج، للعودة إلى بلدهم.

وفي هذا الإطار، اشتملت اتفاقيات التعاون النووي كافة، التي أبرمتها الحكومات الإيرانية مع الحكومات الأجنبية، على شق مهم يتعلق بتبادل الزيارات والخبرات العلمية بين المؤسسات العاملة في المجالات النووية وأطراف هذه الاتفاقيات. وركزت إيران بصفة خاصة في دول مثل الصين والهند وباكستان والأرجنتين وإيطاليا وكوريا الجنوبية. ثم دخل الاتحاد السوفيتي، ومن بعده روسيا الاتحادية، إلى دائرة الاهتمامات الإيرانية، في مرحلة متأخرة نسبياً.

وعلى صعيد إعداد الكوادر البشرية في المجالات النووية، يشير بعض التقديرات إلى أن الحكومة الإيرانية كانت قد قامت، حتى منتصف ثمانينيات القرن العشرين، بإرسال ما يراوح بين 15 و17 ألف طالب إيراني إلى الخارج، للتدرب في مجالات مرتبطة بالأمور النووية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية. وقد عاد بعضهم للتدريس في جامعة "شريف" الفنية، والتي كانت قد أنشئت في منتصف الثمانينيات الآنفة، لإعداد الفنيين المتخصصين، للعمل في البرنامج النووي الإيراني.

ومن ناحية أخرى، نفذت الحكومات الإيرانية سياسة منظمة لاجتذاب علماء الذرة الإيرانيين المقيمين بالخارج، وإقناعهم بالعودة إلى بلادهم. وبدأت هذه المحاولات بنشر إعلانات في الجرائد الإيرانية، ولا سيما تلك الناطقة باللغات الأجنبية، في هذا الشأن، أو على الأقل للمشاركة في مؤتمرات علمية، بدءاً من عام 1986. وعرضت الحكومة الإيرانية في هذه الإعلانات تحمل كلّ نفقات السفر والإقامة لهؤلاء العلماء. وقد جرى تطوير هذا الموقف الإيراني لاحقاً إلى سياسة متكاملة لاستقطاب واستعادة العلماء الإيرانيين المهاجرين إلى الخارج، وقد نجحت هذه السياسة في تحقيق إنجازات كبيرة في العديد من المجالات.

ولم تقتصر الجهود الإيرانية على تأهيل الكوادر الوطنية الإيرانية، أو استعادة العلماء الإيرانيين المقيمين بالخارج؛ وإنما حاولت كذلك إغراء علماء الذرة الأجانب. واستغلت الحكومات الإيرانية بصفة خاصة ظروف تفكك الاتحاد السوفيتي، وتدهور الأوضاع الوظيفية والمعيشية للكثير من علماء الذرة السوفيت، وحاولت إغراء أكبر عدد منهم. وقد أشار بعض التقارير الصحفية إلى أن إيران نجحت، خلال عامَي 1991 و1992، في تجنيد نحو 14 عالماً نووياً روسياً للعمل في إيران، حيث عمل ستة منهم في موقع "خرج" النووي، والآخرون في موقع "جورجان" النووي. كما استعانت إيران بالعديد من العلماء والمهندسين والفنيين الآتين من الصين وباكستان وكوريا الشمالية في العديد من المجالات النووية، ولا سيما تخصيب اليورانيوم.

6. ومن ناحية أخرى، ركزت منظمة الطاقة النووية الإيرانية في تنشيط عمليات استكشاف واستخراج اليورانيوم في الأراضي الإيرانية، من أجل توفير الاحتياجات المحلية من المواد المشعة، من خلال الموارد الوطنية؛ تفادياً للارتهان للقيود والضغوط التي تفرضها مصادر التوريد الأجنبية.

في 21 ديسمبر 1981، أعلن رضا أمرالله رئيس منظمة الطاقة النووية الإيرانية، أن كميات ضخمة من خام اليورانيوم قد اكتشفت في عدة مواقع في إيران، أبرزها يزد وأصفهان وأذربيجان وخراسان وسيستان. واكتشفت كميات من اليورانيوم عالي الجودة في منطقة "شاجاند" في إقليم "يزد"، حيث قدرت كمية اليورانيوم بنحو 5 ألاف طن.

وقد اهتمت إيران بالحصول على اليورانيوم من الخارج. فذكر بعض التقارير، في يوليه 1987، أن إيران كانت تقوم سراً بشراء اليورانيوم من منجم تديره بريطانيا في ناميبيا, التي لا تزال خاضعة لاحتلال جنوب أفريقيا. وزعمت أن إيران ظلت تشتري اليورانيوم طيلة 8 أعوام. كما ذكر بعض وسائل الإعلام أن إيران تلقت، في عام 1988، كميات من اليورانيوم من جنوب أفريقيا. وأشار بعض التقارير إلى أن إيران امتلكت نحو 15% من أسهم منجم روسيج لليورانيوم في ناميبيا، الذي كانت تسيطر عليه وتديره جنوب أفريقيا، وقتذاك.

7. الاهتمام بتوسيع نطاق التعاون النووي مع العالم الخارجي. فقد اهتمت الحكومات الإيرانية، بعد الثورة، بتوسيع نطاق تعاونها مع أكبر عدد ممكن من الدول المالكة لتكنولوجيا نووية متطورة؛ لمساعدتها على تنفيذ خططها النووية، خلال ثمانينيات القرن العشرين والنصف الأول من تسعينياته؛ وأبرزها: الصين، والأرجنتين، وباكستان.

وكان التعاون النووي بين إيران والصين الأكبر نطاقاً و الأكثر اتساعاً. وقد بدأت المفاوضات بين الجانبَين منذ بداية الثمانينيات الآنفة. ثم اتفق الجانبان، في عام 1984، على حصول إيران على مفاعل بحثي من الصين. وكانت الصين قد زودت إيران بالفعل بوحدات طرد مركزي، مماثلة لتلك التي كان العراق يستخدمها في برنامج تخصيب اليورانيوم. وأشار بعض التقارير إلى أن خبراء صينيين أسهموا في تركيب أجهزة طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم في معامل "كاليه".

وفي عام 1985، قامت الصين بتزويد إيران بمنشأة نووية بحثية. كما أشار بعض التقارير إلى قيام الصين بتزويد إيران بـ"مفاعل تدريبي" خاص بمركز أصفهان للبحوث النووية. وعندما اتسع نطاق التعاون النووي بين إيران والصين, ازدادت الضغوط الأمريكية على الحكومة الصينية، لوقف هذا التعاون؛ ما اضطر وزارة الخارجية الصينية، في 25 أكتوبر 1985، إلى إعلان أنه لا توجد أيّ علاقات تعاون نووي بين الصين وإيران.

وفي عام 1991، باعت الصين لإيران جهاز سيكلترون يتم تركيبه في مدينة خرج، بحلول عام 1992. كما بدأت الصين في بناء مفاعل نووي طاقته 27 ميجاواتاً في أصفهان، في سبتمبر1991. وفي وقت لاحق من العام نفسه، باعت الصين مفاعلاً بحثياً آخر طاقته 27 ميجاواتاً. وبدأت عملية الإنشاء بالفعل في سبتمبر من العام نفسه. وهو مفاعل يخالف المفاعل الآخر الذي كان قد جرى الاتفاق عليه بين الجانبَين، في وقت سابق.

وفي نوفمبر 1991، اتفقت إيران مع الصين على شراء مفاعل نووي صغير، لأغراض التدريب والبحوث؛ إضافة إلى معدات لتخصيب اليورانيوم؛ ويتم إقامته في منطقة دار خوفين. وقد أكدت الصين في وقت لاحق أنها سوف تبيع لإيران مفاعلاً صغيراً وجهازاً للفصل الكهرو مغناطيسي. ولكنها شددت على أن هذا التعاون يندرج في إطار الاستخدامات السلمية للطاقة النووية.

وقد ركز التعاون النووي بين إيران والصين في جانب مهم منه في تدريب الكوادر البشرية. فقد حيث دأبت إيران على إرسال المهندسين والفنيين التابعين لمنظمة الطاقة النووية الإيرانية للتدرب في الصين على المجالات المرتبطة بالمفاعلات النووية، المصممة للأغراض البحثية. وما بين عامَي 1988 و1991، قامت الصين بتدريب مئات المهندسين الذين كان معظمهم تابعين لمركز أصفهان للبحوث النووية. وركز البرنامج التدريبي في الصين على القضايا العلمية والفنية المرتبطة بتصميم المفاعلات النووية. ووفقاً لمسؤولين أوروبيين متابعين لتطورات التعاون النووي بين إيران والصين, فإن الصين كانت تقوم سراً، وقتذاك، بتزويد منظمة الطاقة النووية الإيرانية بالمعدات النووية وبالمعلومات الخاصة بتصميم المنشات النووية؛ وذلك وفقاً لاتفاق تعاون أبرم بين الجانبَين، عام 1985.

أمّا التعاون النووي بين إيران والأرجنتين, فقد جرى تأطير هذا التعاون من خلال اتفاق موسع للتعاون النووي، جرى التوقيع عليه بين الدولتَين، في عام 1985. وعلى الرغم من فشل المحاولات الإيرانية لإشتراك الأرجنتين في عملية استكمال مفاعل بوشهر للطاقة النووية, فإن ذلك لا ينفى أن التعاون بين الجانبَين امتد بعد ذلك إلى عدد من المجالات النووية المهمة, يأتي في مقدمتها التعاون على عملية تطوير المفاعل البحثي في مركز طهران للبحوث النووية؛ أضافه إلى قيام الأرجنتين بإمداد إيران بكميات من اليورانيوم المخصب.

أما التعاون النووي بين إيران وباكستان، أُسُسه كانت قد وضعت أثناء الحرب العراقية ـ الإيرانية، حينما وقع الجانبان الإيراني والباكستاني اتفاقاً للتعاون النووي، أثناء زيارة لإيران قام بها وفد من علماء الذرة الباكستانيين، برئاسة العالم النووي الباكستاني "عبدالقدير خان"، في فبراير 1986. ثم وقع الجانبان على اتفاق للتعاون النووي، في وقت لاحق من ذلك العام.

وعقب التوقيع على هذا الاتفاق، صرح الرئيس الباكستاني السابق، الجنرال "ضياء الحق"، علناً، في نوفمبر 1986، أن باكستان راغبة في التعاون مع إيران في الأمور النووية؛ وذلك رداً على طلب من إيران في هذا الشأن.

وتطويراً لهذا التعاون، وقع الجانبان الإيراني والباكستاني، في عام 1987، على اتفاقية لإرسال مهندسين إيرانيين للتدرب في باكستان. ووقع الاتفاقية عن الجانب الإيراني مدير منظمة الطاقة النووية الإيرانية، "رضا أمرالله"، وعن الجانب الباكستاني نظيره "منير أحمد خان". وتنص الاتفاقية على تدريب ما لا يقلّ عن 6 علماء إيرانيين في معهد العلوم والتكنولوجيا النووية ومعهد الدراسات النووية في باكستان.

وقد سعت إيران، خلال عامَي 1988 و1989، إلى الحصول على المساعدة من باكستان على عمليات تخصيب اليورانيوم. فقد بدأ رئيس برنامج تخصيب اليورانيوم في باكستان محادثات مع مسؤولي منظمة الطاقة النووية الإيرانية، في عام 1988. وقد أثارت هذه الأنباء قلقاً عارماً من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، ومارست ضغوطاً قوية على باكستان لوقف هذا التعاون؛ ما اضطر الأخيرة إلى نفى وجود تعاون نووي مع إيران.

وتبين أن التعاون النووي الإيراني _الباكستاني ظل ينمو إلى مستويات متقدمة للغاية. فكانت باكستان مصدراً استثنائياً للمعرفة والتكنولوجيا النووية، بالنسبة إلى إيران، ولا سيما في المجالات التي كان من شبه المستحيل لإيران أن تحصل عليها من أيّ مصدر آخر، وخاصة تلك المتعلقة بتكنولوجيا الطرد المركزي، الخاصة بتخصيب اليورانيوم.

كما حاولت إيران التعاون مع أكبر عدد ممكن من الدول ، ولا سيما تلك التي تمتلك قاعدة متطورة في مجال التكنولوجيا النووية. وركزت إيران بصفة خاصة في بريطانيا وإيطاليا والبرازيل والأرجنتين وبلجيكا وتشيكوسلوفاكيا والهند والمكسيك وكوبا. ولم تكن إيران تسعى في هذه الحالات إلى الوصول إلى تعاون حكومي رسمي مع هذه الدول؛ وإنما كان من الممكن أن يكون التعاون بين شركات إيرانية وشركات تابعة لهذه الدول. وكان التعاون يدور بطبيعة الحال تحت مظلة الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية. إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تتربص بالمحاولات الإيرانية كافة, وتمارس ضغوطاً على أية دولة تحاول إيران الحصول منها على أية معدات أو مكونات، يمكن أن تساعد برنامجها النووي .

ولكن، عقب المحاولات المضنية التي قامت بها إيران في المجال النووي، انتهى بها المطاف إلى التعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق، ومن بعده روسيا الاتحادية. فبدأت المحادثات بين الجانبَين في هذا المجال، منذ عام 1987، وذلك طبقا لمعلومات من كبار المسؤولين الروس. ثم جرت صياغة هذا التعاون بصورة رسمية، من خلال اتفاق للتعاون النووي بين الجانبَين، تم التوقيع عليه في يونيه 1989، بواسطة كلّ من الرئيس الإيراني هاشمي رفسنجاني والرئيس السوفيتي ميخائيل جورباتشوف، أثناء زيارة قام بها رفسنجاني لموسكو.

وطرحت، منذ ذلك الحين، احتمالات قيام الاتحاد السوفيتي (السابق) باستكمال بناء محطة بوشهر للطاقة النووية. إلا أن المسؤولين الإيرانيين والسوفيت امتنعوا في بادئ الأمر عن تأكيد هذه التقارير.

وعقب ذلك، وقعت إيران اتفاقاً للتعاون النووي مع الاتحاد السوفيتي السابق، في 6 مارس 1990، على بروتوكول لإنشاء مفاعلَين في إيران، في مقابل حصول الاتحاد السوفيتي على 3 بلايين متر مكعب من الغاز الطبيعي. واتفقت الدولتان كذلك على التعاون في مجال البحوث النووية للأغراض السلمية. وبموجب هذا البروتوكول، وافق الاتحاد السوفيتي على استكمال محطة بوشهر النووية، ببناء محطتَين نوويتَين بطاقة 440 ميجاواتاً في بوشهر.