إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الثورة التونسية (2010-2011)




محمد البراهيمي
ليلى الطرابلسي
محمد الغنوشي
أحد مظاهر الاحتجاجات
المنصف المرزوقي
الثوار يرفعون علامة النصر
الباجي قائد السبسي
الجنرال رشيد عمار
الرئيس يزور الشاب بوعزيزي
الشاب محمد بوعزيزي
الشعب التونسي يحتشد
بداية الانتفاضة
حمادي الجبالي
راشد الغنوشي
شكري بلعيد
شعارات الثورة على أرض تونس
شعارات ثورة الياسمين
علي العريض
فؤاد المبزغ


موقع تونس في العالم العربي



الفصل الأول

المبحث الأول

توجه النظام العالمي لتغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط

في البدء يجب ألا نبتعد عن أهداف النظام العالمي فيما يحدث في المنطقة، فالعولمة اخترقت وقاربت الحدود والأهداف، والقوى الكبرى تبحث عن مصالحها في المناطق الإستراتيجية، وتستنبط طرقاً ووسائل جديدة لتحقيقها دون أن يشار إليها بأنها قوى احتلال أو أعداء لدول هذه المنطقة.

والشرق الأوسط يشكل منطقة إستراتيجية مهمة على خريطة العالم السياسية، بما يجعله الهدف الرئيس لاهتمام القوى الكبرى على مر العصور، لأجل فرض قدر من السيطرة على أرجائه أو احتوائه لتحقيق مصالح هذه القوى، فالشرق الأوسط يمثل قلب العالم، ومن يسيطر على هذا القلب يسيطر على دوائر الاهتمام طبقاً لنظريات الجيوبوليتكس.

كما أن الشرق الوسط هو النطاق المركزي لقارات العالم القديم، وهو نطاق الأمن الجنوبي لقارة أوروبا، والغربي لقارة آسيا، والشمالي للقارة الإفريقية. يُزاد على ذلك ما تحتويه أرضه من إمكانات مؤثرة على اقتصاديات العالم، وأهمها مصادر الطاقة، وكونه المعبر البري والبحري ما بين الشرق والغرب والشمال والجنوب.

ووجود إسرائيل يمثل أهمية أخرى للمنطقة، حيث زُرعت في قلب الشرق الأوسط لتكون أداة لزعزعة الاستقرار وتحقيق أهداف الغرب في المنطقة، إضافة إلى أن انتشار عقيدة الإسلام بين شعوب المنطقة يمثل خطراً إضافياً للغرب، وهي العقيدة التي يحاول الغرب توجيه الاتهامات إليها بأنها تحتضن الإرهاب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، في الولايات المتحدة الأمريكية. وفشل الحملة التي شُنت على الإرهاب وكلفت الاقتصادين الأمريكي والعالمي الكثير والكثير.

وقد خضع العالم العربي -في نطاق الشرق الأوسط- للاحتلال الغربي لفترات طويلة، بل إن أجزاء منه عدها الغرب امتداداً لأراضيه، كما كان حال الجزائر قبل الاستقلال، وكما هو حادث على أرض الواقع في سبتة ومليلة في المملكة المغربية، التي تعدها أسبانيا أجزاء من أراضيها.

في السياق نفسه فإن دولاً غربية تضع أمن بعض الدول العربية مؤثراً رئيساً على أمنها القومي، من ذلك على سبيل المثال العلاقة الإستراتيجية بين دول جنوب أوروبا ودول الشمال الأفريقي لتحقيق أمن البحر المتوسط، والعلاقة بين دول الخليج العربي والولايات المتحدة الأمريكية لتحقيق أمن الطاقة، كذلك الوضع الخاص الجغرافي والمكاني لمصر، بوصفها معبراً ما بين الشمال والجنوب عبر قناة السويس.

وعندما يتجه النظام العالمي لتغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط، فإن ذلك يعني تغيراً حاداً في ركائز هذا النظام وأهدافه، وتغيراً في أوضاعه على أرض الواقع، حيث يعد الشرق الأوسط الركيزة الرئيسة للنظام العالمي في السيطرة على الكون طبقاً لمبادئ الجغرافيا السياسية.

ويمكن استشراف تلك الأهداف من واقع الخبرات والتجارب التي مرت بها الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاؤها أعضاء حلف شمال الأطلسي، من حروب في أفغانستان والعراق واليمن والصومال، ومواجهات مع بعض القوى مثل إيران وكوريا الشمالية وغيرها، وما يحدث من تغيرات في أفريقيا، خاصة التوجه الصيني لهذه القارة على حساب التحالفات القديمة والمصالح الأمريكية الأوروبية.

ثم تأتي العقائد الأيديولوجية، وفي مقدمتها الفاشية الإسلامية التي عاني منها الغرب، وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية، علماً بأن هذه القوى الكبرى هي التي دعمت قيام أعتى التنظيمات الإرهابية التي تستظل بعقيدة الإسلام، وهو تنظيم القاعدة الذي أشرفت على إنشائه وأرسلته إلى أفغانستان للتصدي للاحتلال السوفيتي، ثم كبر التنظيم وتحول للتأثير على الولايات المتحدة الأمريكية نفسها.

مع تولي الحزب الديموقراطي، بقيادة الرئيس "باراك أوباما"، السلطة في الولايات المتحدة الأمريكية، شرع في بناء الإستراتيجية الأمريكية في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، وكان الاهتمام الأكبر في هذه الإستراتيجية هو الوجود المكثف في شرق آسيا وجنوب شرقها، وتخفيف الوجود في الشرق الأوسط، على أن تتولى قوى إقليمية دور الشرطي الأمريكي في هذه المنطقة وهو ما كان يتطلب:

1. إسقاط بعض الأنظمة القديمة، التي أصبح وجودها غير مقبول شعبياً، بما يؤدي إلى تغيير قد تتقبله الجماهير (ويأتي ذلك في نطق الفوضى الخلاقة).

2. إعداد قوى الإسلام السياسي، وفي مقدمتهم الإخوان المسلمون، للقفز على السلطة بعد أخذ ضمانات كافية منهم للسير تحت مظلة الولايات المتحدة الأمريكية وتحقيق أمن إسرائيل. واحتواء قوى الإرهاب التي تتخذ الإسلام مظلة لها، وإبعادهم عن الانتشار أو المساس بمصالح الغرب.

3. دعم تركيا وتكليفها أن تقود القوى الإسلامية في المنطقة (على نمط الدولة العثمانية)، ودعم إسرائيل لتكون قوة ردع ضد أي مساس بالمصالح الأمريكية في المنطقة.

4. تكليف دول أخرى ـ مثل قطر ـ بتمويل إجراءات التغيير في المنطقة، ومنحها دوراً سياسياً وإعلامياً بقدر ما تنفق من أموال.

وطبقاً للإستراتيجية الأمريكية أيضاً في التخلي عن وجودها في أفغانستان عام 2014، فإنها تهدف ـ بالتعاون مع حلف الناتو ـ إلى تفريغ أفغانستان من عناصر الإسلام السياسي، الذين ينفذون الإرهاب على أرض أفغانستان، وتحويلهم إلى مناطق يمكن السيطرة عليهم فيها، من خلال تنظيمات إسلامية أخرى أكثر اعتدالاً وقوة، وكانت تونس ومصر وسورية واليمن في مقدمة الدول التي يمكن تصدير هؤلاء الإرهابيين إليها، بعد أن يتمكن الإخوان المسلمون من الوصول إلى السلطة.

وتولت فرق التخطيط الإستراتيجي وضع السيناريوهات، وتولت الإدارات السياسية وأجهزة الاستخبارات إدارة العملية السياسية بخطوات محسوبة، ليجري التنفيذ في العديد من الدول العربية في وقت شبه متزامن، تحت مُسمي الربيع العربي.

والملاحظ في تخطيط هذه السيناريوهات أن القوى الثورية هي التي تبدأ بمواجهة النظام، وفي لحظة محسوبة عندما تخطو هذه القوى خطوات ناجحة، تتدخل قوى الإسلام السياسي للاستيلاء على الثورة وتوجيهها طبقاً لسيناريو القفز على السلطة.

أولاً: التوجه الغربي للسيطرة على منطقة الشرق الأوسط

يتأسس هذا التوجه على النتائج والخبرات المستنبطة من حرب الخليج الثالثة، إلى جانب المتغيرات التي سادت العالم في العقد الأول من الألفية الثالثة، وأهمها بزوغ الدول الناشئة وبحثها عن دور رئيس في قيادة العالم، إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، والقبول الأمريكي - بتحفظ ـ لهذا الدور- وقد اجتمعت آراء الغرب خلال النصف الثاني من العقد الأول في الألفية الثالثة، على أن السيطرة على الشرق الأوسط ذات أهمية إستراتيجية خلال النصف الأول من القرن الحادي والعشرين، وأن أسلوب هذه السيطرة لابد أن يختلف عن ما سبقه من أساليب، وكان عامل الدين والمال هما الوسيلتين لهذه السيطرة.

ثانياً: الأسس التي تعتمدها الولايات المتحدة الأمريكية

1. أن الولايات المتحدة الأمريكية عليها ألا تتقيد بأي قيود في استخدام قوتها في تغيير أية أوضاع قد تؤثر على مصالحها، دون التفات إلى مصالح الدول الأخرى.

2. تدعي السياسة الأمريكية أنها تهدف لتحقيق مصالحها من خلال نشر الديموقراطية في أرجاء العالم، ويعد ذلك وسيلة لاستخدام القوة من أجل التغيير (وهو مبدأ يقوم على عسكرة السياسة الخارجية الأمريكية).

3. عدم وضع قيود لنظرية الأصدقاء والحلفاء في التوجه الأمريكي نحو تحقيق المصالح، مع استصحاب أنها في حاجة لهؤلاء الأصدقاء في مراحل معينة من الأزمة، دون أن تكون آراء هؤلاء الحلفاء مقيدة للأهداف الأمريكية.

4. الولايات المتحدة الأمريكية في قيادتها للنظام العالمي، تستأثر بالسيطرة على المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية الخاصة، ومنها منطقة الشرق الأوسط، إذ إن وجهة النظر الأمريكية تشير إلى وجود فراغ في هذه المنطقة لابد أن تتولى السيطرة عليه.

5. أن الولايات المتحدة الأمريكية -في السماح لحلفائها بتحقيق مصالحهم في المناطق الإستراتيجية، ومنها منطقة جنوب البحر المتوسط- لا تسمح بتجاوز هذه المصالح لمتطلبات السيطرة الأمريكية.

6. في أعقاب حرب الخليج الثالثة (2003)، أصدر الحزب الجمهوري الحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية وثيقة مشروع "القرن الأمريكي"، يتبني من خلالها نظرية جديدة في العلاقات الدولية، وتقول الوثيقة "أن الساحة الدولية هي ساحة صراع، وعلى كل دولة فيها أن تستحوذ على القدر الأكبر من القوة لضمان استمراريتها وحماية مصالحها".

من كل ما سبق كان لزاماً على الولايات المتحدة الأمريكية أن تأخذ بزمام المبادأة في بناء شرق أوسط جديد يواكب أهدافها الإستراتيجية؛ ولا يكلفها حروباً، ولا سيما ضد الأصولية الإسلامية، ولكن من خلال ترويض تلك الأصولية لصالحها، وكان التيار المستعد للتعاون معها هم الإخوان المسلمون، الذين ظلوا يبحثون عن السلطة على مدى 80 عاماَ ولم يحصلوا عليها.

لتحقيق هذا الهدف، طبقت الولايات المتحدة الأمريكية في رسمها لإستراتيجيتها الجديدة، في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، النظرية الرابعة لإدارة الحروب، والتي تتلخص في هزيمة الدولة من الداخل من خلال انهيار النظام بثورة أو فوضى شاملة، يصعد من خلالها تيار الإخوان المسلمين إلى الحكم، مع تقديم الدعم المناسب للقائمين بهذا العمل، وبما يحقق في النهاية أهداف الولايات المتحدة الأمريكية ومصالحها.

لذلك كان إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية عن "الفوضى الخلاقة" في الشرق الأوسط، عام 2006، حيث تولت المخابرات المركزية ووزارة الخارجية الأمريكيتين رسم الخطوات وتحديد الأهداف واختيار الشخصيات القيادية، وتمكينها من الوصول إلى السلطة، وعملت المخابرات الأمريكية بجدية كاملة، وحددت الساعين للوصول إلى سدة الحكم، ولديهم استعداد لتنفيذ ما يطلبه الغرب (خاصة أن معظمهم كانوا هاربين في الخارج والوصول إليهم لا يمثل أعباء على أجهزة المخابرات الغربية).

إن الأحداث التي تصاعدت في مصر وأدت إلى ثورة 30 يونيه 2013، قد كشفت أحد أهم الحقائق، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية في دفعها للإسلام السياسي للسيطرة على المنطقة تحت قيادة تركيا، وبتمويل من العديد من الجهات التي تسعي إلى إيجاد مكان لها على الخريطة السياسية للمنطقة، إنما تنفذ إستراتيجيتها في العقد الثاني من الألفية الثالثة على حساب شعوب المنطقة، ودون إدراك أخطار هذا التوجه.

وقد جاء الفكر الأمريكي بالجيل الرابع عن نظريات الحروب بوحي من أفكار اثنين من الباحثين الأمريكيين الكبار، وهما هنتجتون "Hintitgon"، وفوكوياما "Fokoyama"، اللذان أقرا أن صدام الحضارات قائم، وأن نهاية العالم هي لصالح الغرب والرأسمالية، وأقرا أن الصراع الحالي (فيما بعد أحداث 11 سبتمبر 2001) ليس معركة ضد الإرهاب، ولا ضد الإسلام ديناً أو حضارة، ولكنه صراع ضد الفاشية الإسلامية، أي العقيدة الأصولية غير المتسامحة التي تقف ضد الحداثة.

أبرز أسباب الصدام مع المسلمين من وجهة نظر هنتجتون وفوكوياما

1. بروز وعي إسلامي أو هوية إسلامية تصطدم مع موجة الحداثة والعولمة.

2. أن هناك شعوراً بالظلم في شتى أرجاء العالم الإسلامي ـ خصوصاً العالم العربي ـ وهذا الظلم يترجم إلى حد العداء تجاه الغرب وقوته وثقافته.

3. أن العنف منتشر بين المسلمين أنفسهم، نتيجة الأعراق والقبليات والانقسامات الدينية، وهو ينعكس بدوره تجاه غير المسلمين.

4. أن العاملين الديموجرافي والاقتصادى في العالم الإسلامي، من الضعف بحيث أديا إلى ارتفاع أعداد الشباب العاطلين، والذين يضطرون للهجرة، أو ينضمون إلى منظمات أصولية وأحزاب سياسية ثم شبكات إرهابية.

5. أن الدولة في المجتمع الغربي تكرس التسامح الديني والتعددية بدلاً من خدمة الحقيقة الدينية، وهذا عكس ما تفعله الدول الإسلامية، ومن ثَم فإن العالم الإسلامي عندما يقارن نفسه بالغرب يفعم بالضغينة التي نشأت عن النجاح الغربي والفشل الإسلامي.

وبتحليل تلك الأفكار استنبط الإستراتيجيون نظرية الحرب من الداخل والانتصار دون حرب، ووجدوا أنه يمكن استخدام الإسلام حكماً سياسياً مسيطراً عليه، كما يمكن أن يحصر الإرهاب في منطقة واحدة بعيداً عن الغرب، لذلك كان اختيار تنظيم الإخوان المسلمين للصعود إلى سدة الحكم في دول الشرق الأوسط، تجربة يمكن الأخذ بها، اعتقاداً منهم أن جماعة الإخوان المسلمين هي الأكثر تنظيماً في الدول الإسلامية خاصة الدول العربية، واستقطابها سيفيد الغرب ويحقق مصالحه وأمنه.

ثالثاً: الأسس التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي

الاتحاد الأوروبي هو الجار الشمالي للشرق الوسط، وترتبط العلاقة بينهما بأمن البحر المتوسط، والمصالح المشتركة عميقة الجذور، كما أن الاتفاقيات بين دول الشمال الإفريقي والاتحاد الأوروبي بصفة عامة، ودول الجنوب الأوروبي المطلة على البحر المتوسط بصفة خاصة، تُعد اتفاقيات مهمة في المسار الاقتصادى والأمني، لا يمكن أن تتأثر بأية أحداث عارضة، ولكنها تستمر وتتخطي أي عقبات مفاجئة.

يترك الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة الأمريكية ـ في كثير من الأوقات ـ رسم السياسات العالمية، خاصة في المناطق ذات الأهمية الإستراتيجية، لضمان عدم تهميشه في الإدارة السياسية والعسكرية، وذلك من منطلق:

1. استقرار الفكر الأوروبي على أن الولايات المتحدة الأمريكية تستحق أن تعتلي قمة العالم، لما وصلت إليه من قوة وتقدم، وهي القوة التي انتصرت في الحرب الباردة في مواجهة الاتحاد السوفيتي.

2. أن معظم الدول الأوروبية الرئيسة أعضاء في حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، والأمن الأوروبي يرتبط بالأمن الأمريكي. والولايات المتحدة الأمريكية لن تسمح بعدوان خارجي على أوروبا، خاصة أن معظم الدول الأوروبية تقع في نطاق الأمن النووي الأمريكي.

3. تُعد الروابط والمصالح الأوروبية هي الأقوى في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، والمصالح الأوروبية ـ الأمريكية تفوق مثيلاتها في أي مكان في العالم، وتشكل الولايات المتحدة الأمريكية صمام الأمن في تأمين إمداد أوروبا بالطاقة.

4. أمن البحر المتوسط هو عامل مشترك في الاهتمام الأوروبي ـ الأمريكي، وربما يكون هناك تنافس غير معلن بين الحقوق التاريخية لأوروبا في أمن هذا البحر، وبين إستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية عليه. وكان قد ظهر نوع من الصدام في السنوات الأولى من الألفية الثالثة، عندما أعلنت الدول الأوروبية عن تشكيل قوة تدخل سريع لأمن البحر المتوسط، واعترضت الولايات المتحدة الأمريكية، واستقر الرأي على أن يتولى حلف شمال الأطلسي هذه المهمة.

5. ترتبط أوروبا بالشرق الأوسط من خلال العديد من الاتفاقيات والمبادرات، التي جاءت على فترات متعاقبة بعد نصر أكتوبر 1973، بدءاً من التعاون الأورومتوسطي، ثم الشراكة الأورومتوسطية، ثم سياسة الجوار، وأخيراً الاتحاد الأورومتوسطي، حيث كانت مصر تمثل الكتلة المتوسطية، وتمثل فرنسا الكتلة الأوروبية.

تعيش جاليات عربية بأعداد كبيرة في دول الجنوب الأوروبي، حيث تحظي دول الشمال الأفريقي (تونس ـ الجزائر ـ المغرب)، بكبرى هذه الجاليات، خاصة في فرنسا وإيطاليا وأسبانيا، كما أن الاستثمارات الأوروبية تتجه بكثرة إلى دول الشمال الإفريقي، تونس والجزائر خاصة. بمعني أن العلاقات المشتركة وطيدة بين الشمال الأفريقي والجنوب الأوروبي.

ومن ثم فإن الأسس التي يعتمدها الاتحاد الأوروبي في علاقاته مع دول الشرق الأوسط تنحصر في أمن البحر المتوسط، وتأكيد المصالح المشتركة، ومنع الهجرة غير الشرعية، واستقرار الأوضاع في جنوب البحر المتوسط، وضمان استقرار الملاحة في قناة السويس. في الوقت نفسه، فهو يشارك الولايات المتحدة الأمريكية في رؤيتها الإستراتيجية لقيادة العالم، ولا يحاول التخلف عن تلك المشاركة حتى لا يجري تهميشه.

رابعاً: دور روسيا الاتحادية في مواجهة سيطرة الغرب على الشرق الأوسط

منذ تفكك الاتحاد السوفيتي القديم، في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، ظل الدور الروسي محدوداً في منطقة الشرق الأوسط، تاركاً المجال للولايات المتحدة الأمريكية للعب الدور الرئيس، إلا أنه بعد تنصيب الرئيس "فلاديمير بوتين" الرئاسة الثانية لروسيا، حاول استعادة بعضٍ من الدور الروسي في المنطقة.

وفي خلال سنوات الاغتراب الروسي عن المنطقة، جرت أحداث كثيرة، منها غزو أفغانستان والعراق، والتدخل الأمريكي في الصومال واليمن، ثم أحداث ثورات الربيع العربي. ولم يظهر لروسيا دور رئيسٌ، إلا في المسألة السورية، في النصف الثاني من عام 2013. بمعني عودة الدور الروسي إلى المنطقة عودة قوة مؤثرة، وهو ما يمكنه تغيير مستقبل المنطقة، لا سيما بعد كشف التآمر الأمريكي مع جماعات الإسلام السياسي.

خامساً: دور القوى الناشئة في مواجهة سيطرة الغرب على الشرق الأوسط

يبدو هذا الدور محدوداً، خاصة تجاه ثورات الشمال الإفريقي، ومنها تونس، حيث تتجنب هذه القوى الصدام مع الولايات المتحدة الأمريكية، كما أن المصالح المشتركة لهذه القوى مع دولة مثل تونس يبدو محدوداً.

سادساً: دور بعض دول المنطقة تجاه سيطرة الغرب على المنطقة

تتباين هذه الأدوار طبقاً لارتباط مصالحها بالغرب، أو قدرتها على التأثير، أو حفاظها على أمنها الداخلي. ويمكن إبراز دور بعض دول المنطقة كالآتي

1. إيران: تسعي لأن يكون لها دور إقليمي لا سيما في المشرق العربي، مع الضغط على إسرائيل بوصف ذلك هدفاً إستراتيجياً، سواء لإبراز دورها الإقليمي، أو في مواجهة المصالح الأمريكية.

2. تركيا: عضو في حلف شمال الأطلسي، تحاول أن تعتلي دوراً رئيساً يخدم أهداف الغرب في المنطقة، وتأمل في امتلاك قيادة المنطقة من خلاله اتساقاً مع أهداف الولايات المتحدة الأمريكية في سيطرة الإسلام السياسي على منطقة الشرق الأوسط. وقد اتضح الدور التركي في المرحلة الثانية من مراحل ثورات الربيع العربي، واصطدم بشدة مع ثورة 30 يونيه 2013 في مصر.

3. قطـر: تقوم باستغلال قدرتها الاقتصادية لإيجاد مكانٍ سياسي لها على خريطة الشرق الأوسط والعالم، واختارت أن تحقق دوراً لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، وفي تنفيذها لهذه الأهداف تصطدم عادة بالمصالح العربية، دون أي اكتراث منها لذلك.

4. المملكة العربية السعودية: تستمر في انتهاج سياستها المحافظة المستقلة عن أي تيارات تسود العالم حالياً، كما تتسم سياستها بالمصارحة ومراعاة القيم الإسلامية الحنيفة تجاه الأزمات المختلفة، ومن هذا المنطلق فقد قبلت لجوء الرئيس التونسي "زين العابدين بن علي" إليهاـ بعد أن رفضته العديد من الدول السابق تحالفه معها.

5. جمهورية مصر العربية: بالرغم من كونها إحدى دول ثورات الربيع العربي، إلا أن قدرتها وثقافتها السياسية تمكنت من اكتشاف المؤامرة الكبرى، التي رسمتها الولايات المتحدة الأمريكية للمنطقة، بالتنسيق مع نظام الإخوان المسلمين، وبدعم من بعض دول إقليم الشرق الأوسط، وأطلق شعبها ثورتَين في مدى عامين ونصف، وربما تتأثر دول الربيع العربي بالمبادئ التي وضعتها ثورة 30 يونيه 2013، بنفس نهج ثورة 23 يوليه 1952.

سابعاً: العولمة وأثرها في تغيير الخريطة السياسية في الشرق الأوسط

تعني العولمة بمفهومها الأكاديمي، زيادة درجة الاعتماد والتنسيق المتبادل بين الدول، في إطار من المنفعة العامة المتبادلة والرؤية المشتركة، والحفاظ على حقوق الإنسان، والتحالف ضد قوى الشر.

وبالتطبيق العملي لمبادئ هذه العولمة، فقد ساد العالم الكثير من المتغيرات التي لم تهتم بالمبادئ القويمة للعولمة، ولكن أدخلت معها قيم المصالح والتنافس والإقصاء والتهديد وغير ذلك. وكان لثورة الاتصالات الفضل في جعل الكون حجرة مؤتمرات تتناقش فيها شعوب العالم على قضية واحدة، ونقلت الأحداث في زمن وقوعها، ومن ثم زادت المعرفة والتأثير الخارجي على قيم الداخل في أي دولة.

وكان لثورة المعلومات التأثير نفسه، بل انتقلت من خلالها قيم الحرية والديموقراطية، وأساليب الحوار والرفض، والثورة على الظلم والفساد. وقد ظهر ذلك في توالي الثورات العربية في توقيتات متتالية.

وكان لنقل صور من العالم الحر، وكيف ينعم بحياة ممتازة، ورفاهية لكل إنسان وأسرة، أثره الكبير على تمرد أطياف كثيرة من الشعوب التي تعيش تحت حكم استبدادي، ولا تنال حقوقها التي أقرتها المعاهدات الدولية في مجال حقوق الإنسان.

كل ذلك وغيره ساعد على اندلاع الثورات التي بدأت بثورة تونس وامتدت لمصر ودول عربية أخرى.

ثامناً: الإرهاب وأثره على تغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط

يتحدد أثر الإرهاب من خلال عدة عوامل أهمها:

1. أن تيار الإسلام السياسي، الذي وُكل إليه القفز على السلطة في دول الربيع العربي، يحرص أن يمتلك وينظم في داخله جماعات مسلحة (التنظيم الخاص)، وهي جماعات تتدرب على الاغتيالات وإشعال الفوضى والحرائق وغير ذلك، بمعني أن هذه التيارات ستكون مستعدة لتنفيذ أعمال إرهابية ضد معارضيها في الحكم.

2. يشمل الهدف من وصول التيار الإسلامي السياسي للحكم، تجميع شمل جماعات الإرهاب التي تستظل بالإسلام، خاصة من أفغانستان والصومال وغيرها، بحيث تتحقق السيطرة عليها في دول كبيرة، وإبعاد الغرب عن شرور هؤلاء الإرهابيين.

3. الشروع في لم شمل التيارات الإسلامية المتطرفة، في نطاق إمارة يمكن السيطرة عليها (وكانت سيناء أحد المناطق المختارة إمارة لهؤلاء).

وقد كان لثورة 30 يونيه 2013 في مصر، الفضل في اكتشاف العلاقة وإسقاطها ما بين الإرهاب وتغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط.

وفي الممارسة الفعلية لسلطة الحكم في دول الربيع العربي، فقد استخدم الإخوان سلاح الإرهاب من خلال الأطياف الإرهابية التي تجمعت على أراضي هذه الدول، وسيلة لقمع الشعوب وتنفيذ المخططات الأجنبية التي أبرمتها قيادات الإخوان مع الولايات المتحدة الأمريكية والغرب بصفة عامة، وتركيا ومولتها قطر. وكان من أبرز أساليب القمع ما حدث في تونس من اغتيالات لأقطاب المعارضة، ومنهم "شكري بلعيد"، و"محمد البراهيمي".

تاسعاً: الفتنة الطائفية وسيلة لتغيير الخريطة السياسية للشرق الأوسط

المعني الدارج للفتنة الطائفية هو الصدام ما بين الأديان والمعتقدات المختلفة أينما وجدت (إسلام ـ مسيحية ـ يهودية ـ زرادشتية ـ هندوسية ـ سيخ.. إلخ)، ولكن الجديد في الفتنة التي خططها النظام العالمي هو الصدام بين مذاهب الدين الواحد، بمعني الصدام ما بين المذهب السني والمذهب الشيعي، لتحقيق هدفين، هما إضعاف قوى الإسلام بصورة عامة، والتخلص من تهديدات إيران لإسرائيل وحصرها في الصدام مع الدول ذات المذهب السني.

وسرعان ما تكشفت أبعاد هذه الفتنة من خلال توجهات النظام الإخواني، خاصة في مصر. هذا إلى جانب أن إشعال الفتنة ما بين المسلمين والمسيحيين أخذ أبعاداً خطيرة. والملفت للنظر أن الغرب الذي كان يغضب لأي أحداث تمس المسيحيين، لم يبد أي نقد أو اعتراض على ما يحدث في هذه الفتنة.

من كل ما سبق، فإن توجه النظام العالمي لتغيير الخريطة السياسية في الشرق الأوسط، كان بهدف تحقيق مصالح غربية على حساب شعوب المنطقة، وخطط لجعل المنطقة بؤرة لاحتواء الإرهابيين والسيطرة عليهم، وخطط لإشعال نار الفتنة من أجل القضاء على استقرار المنطقة، بما يؤدي إلى ذريعة التدخل الأجنبي في المنطقة.