إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الثورة التونسية (2010-2011)




محمد البراهيمي
ليلى الطرابلسي
محمد الغنوشي
أحد مظاهر الاحتجاجات
المنصف المرزوقي
الثوار يرفعون علامة النصر
الباجي قائد السبسي
الجنرال رشيد عمار
الرئيس يزور الشاب بوعزيزي
الشاب محمد بوعزيزي
الشعب التونسي يحتشد
بداية الانتفاضة
حمادي الجبالي
راشد الغنوشي
شكري بلعيد
شعارات الثورة على أرض تونس
شعارات ثورة الياسمين
علي العريض
فؤاد المبزغ


موقع تونس في العالم العربي



الفصل الأول

المبحث السادس

مسار الأحداث بعد رحيل نظام بن علي

احتفل الشعب التونسي بنجاح ثورة الياسمين، أو ثورة الكرامة كما أطلقت عليها جموع الشعب القائمة بالثورة. وعدوا أن رحيل النظام هو الهدف الرئيس، ولم يكن لديهم البديل بعد نجاح المرحلة الأولى من الثورة، لذلك فقد تعرضت الثورة ذاتها لتقلبات شديدة، وخيارات لم يكن الثوار مدركين خطورتها على التحول الديموقراطي للدولة. في مقدمة تلك التقلبات

1. من يحكم تونس بعد الثورة

وفي هذا المجال، فقد لعبت القيادات السياسية والحزبية أدواراً خطيرة للحفاظ على مكانتها في السلطة، دون احتساب أو فهم لأهداف الثورة الحقيقية، التي كانت تلفظ هذه القيادات نفسها إبان النظام السابق. لذلك استمرت القلاقل في الشارع التونسي.

2. دور الجيش التونسي فيما بعد الثورة

وهو دور مهم وضع عليه الثوار آمالاً عريضة في حماية الثورة، وتحقيق أهدافها بوصفه القوة التي أقنعت النظام السابق بالرحيل، وهي التي تصدت لإجراءات الخروج عن النظام من قوات الأمن التابعة للرئيس السابق لإيقاف أعمالها الإرهابية ضد الشعب التونسي.

3. موقف الحركات الإسلامية، وفي مقدمتها حركة النهضة

وهي حركات كانت متربصة للقفز على الحكم، وثبت أنها كانت مدعمة من القوى الدولية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، لحكم تونس في نطاق مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يحكم من خلال تنظيم سني واسع الانتشار.

4. موقف المعارضة التونسية للنظام السابق

وهي معارضة كانت تعتمد على النقابات المهنية، وفي مقدمتها "اتحاد الشغل التونسي"، إلى جانب بعض الأحزاب الأخرى، ولم تحاول تلك المعارضة تجميع نفسها إلا بعد أن قفز الإسلاميون إلى السلطة.

5. موقف الأحزاب التونسية سواء القديمة أو التي أعلنت بعد الثورة

ومعظم هذه الأحزاب كان محدود القدرة، لذلك اتسعت دائرة بناء الائتلافات الحزبية.

6. موقف القوى العالمية من الثورة

وهو موقف كان غامضاً على الثوار وقتها، ولم يخطر ببال أحد منهم أي احتمالات لتآمرات، أو تحقيق أهداف عالمية لاستقلال الثورة في تونس، وتصرف الثوار على هذا الأساس. لذلك اصطدم مسار الثورة بالعديد من العوائق التي لم تكن في الحسبان.

7. الموقف العربي من الثورة

وينقسم إلى العديد من التوجهات، حيث لحقت بثورة تونس ثورات شملت دول الربيع العربي، وهناك دول أخرى في المحيط الإقليمي لتونس أو بعيداً عنها اتخذت من الإجراءات ما يؤمن مسار الحكم فيها، ولكن أثر في الثورة في تونس انعكس عليها بتأثيرات متفاوتة

أولاً: مسار الأحداث بعد مغادرة الرئيس التونسي السابق

1. مسار الحكم في تونس خلال شهر الثورة (يناير 2011)

لم يقبل المجلس الدستوري (البرلمان التونسي) إعلان الوزير الأول "محمد الغنوشي" نفسه رئيساً للبلاد، لأن ذلك يخالف الدستور، وأعلن المجلس رسمياً، في 15 يناير 2011، شغور منصب الرئيس، وطبقاً للدستور فإن المنصب ينتقل مؤقتاً إلى رئيس مجلس النواب "فؤاد المبزغ" (اُنظر صورة فؤاد المبزغ)، والذي كان أول قرار له تكليف رئيس الوزراء "محمد الغنوشي" بتشكيل حكومة جديدة، يُعلن عنها في اليوم التالي مباشرة، وبعد إجراء مشاورات مع الأحزاب القائمة ومنظمات المجتمع المدني. وكان ذلك أول إجراء تخسر فيه الثورة أهدافها، حيث ظلت الوجوه القديمة على الساحة السياسية تقود البلاد دون إدراك لأهداف الثورة، أو فكر التغيير الذي قامت الثورة من أجله، ولم يتضح لدي الثوار مغزى بقاء أقطاب النظام السابق على سدة الحكم.

أعلن رئيس الوزراء المكلف "محمد الغنوشي"، يوم 17 يناير 2011، عن تشكيل حكومة تونس بعد الثورة، بدخول قادة أحزاب المعارضة في بعض المناصب الوزارية، بينما حافظ الغنوشي على العديد من المناصب الوزارية السيادية لوزراء سابقين من حزب التجمع الدستوري الديموقراطي، الذي كان يرأسه الرئيس السابق "زين العابدين بن علي"، بما أدى إلى اندلاع تظاهرات رافضة للتشكيل الوزاري بوصفه امتداداً للدكتاتورية السابقة.

في الوقت نفسه، أعلن الناشط العلماني المعارض "المنصف المرزوقي" رئيس حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وهو حزب علماني يساري محظور في عهد النظام السابق، ترشحه للانتخابات الرئاسية التي ستجرى بعد شهرين (طبقا لما ينص عليه الدستور خلو منصب الرئيس).

من أجل تهدئة الموقف، قدم رئيس الوزراء "محمد الغنوشي"، والقائم بعمل رئيس الجمهورية "فؤاد المبزغ" استقالتهما من حزب التجمع الدستوري الديموقراطي، يوم 18 يناير 2011، وذلك في إطار "فصل الدولة من الأحزاب". كما اعترف الغنوشي لأول مرة، بأن زوجة الرئيس السابق "ليلي الطرابلسي" هي التي كانت تحكم البلاد بصورة فعلية. ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل الاعتراف بالحكومة الجديدة، ودعا الاتحاد ممثليه الثلاثة في الحكومة الجديدة للانسحاب.

في اليوم التالي تجددت التظاهرات ضد تشكيل الحكومة الجديدة، للمطالبة بإقالة كل الوزراء المنتمين لنظام "بن علي"، ومع ذلك أعلنت الحكومة تخفيض ساعات حظر التجوال. وأعلنت الحكومة التونسية البدء في مناقشة مشروع العفو العام، ومناقشة مبدأ الفصل بين الحكومة والحزب الحاكم السابق، وتم إقرار هذا القانون في اليوم التالي، ويشمل العفو عن سجناء سياسيين، والاعتراف بالحركات السياسية كافة، بما فيها حركة النهضة الإسلامية المحظورة.

تزايدت ضغوط الشارع التونسي للمطالبة باستقالة رئيس الوزراء، ورفعت شعارات "ارحل"، وحاصرت مكاتب الحكومة، ولم تلتفت إلى تصريحات الغنوشي عن تقديم استقالته بعد الانتخابات التشريعية. وقد استجابت الحكومة التونسيه لمطالب الجماهير وأُعيد تشكيل الحكومة دون الوزراء من العهد الماضي، وأُعلن التشكيل الجديد، في 28 يناير 2011، من 22 وزيراً. في الوقت نفسه استمرت حملات القبض على المسؤولين السابقين وتوجيه اتهامات تراوح ما بين الفساد والخيانة العظمي، كذلك أصدر الانتربول الدولي مذكرة اعتقال في حق الرئيس التونسي السابق.

كان لبداية الثورة في مصر، في 25 يناير 2011، أثراً قوياً في دعم الثورة التونسية، وإصرار الثوار على مواصلة كفاحهم لتحقيق أهداف الثورة.

في نهاية شهر يناير 2011، عاد زعيم حركة النهضة المحظورة سابقاً "راشد الغنوشي" العضو في مكتب الارشاد العالمي لجماعة الأخوان المسلمين إلى تونس، بعد 22 عاماً قضاها في منفاه في لندن، وكان قد صدر ضده أحكام في تونس في عهد النظام السابق بالسجن مدى الحياة، وكانت عودته تستند على قرار الحكومة بالعفو العام عن السجناء السياسيين.

2. خسائر الثورة من منظور عالمي

في بداية شهر فبراير 2011، أعلنت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة عن خسائر الثورة التونسية، بأنها تقدر بـ 147 قتيلا، إلى جانب 72 فرد أمن من المسجونين قتلوا أثناء الاضطرابات، ونحو 510 مصاباً. وتُعد هذه الاحصائية تقديراً مبدئياً في هذا الوقت وليست نهائية.

ثانياً: تحول الانتفاضة في تونس إلى ثورة، وسيطرة الاسلاميين على الحكم

في تاريخ الثورات، كما هو الحال في تونس، فإن الثورة تبدأ بانتفاضة، وعندما تحقق أهم أهدافها فإنها تصنف ثورة، وتتوقف مسيرتها طبقا لإرادة الثوار أنفسهم والمناخ العام محلياً ودولياً المحيط بالثورة نفسها.

ويميز ثورة تونس أنها كانت ثورة تلقائية ضد الظلم والفساد، وتستهدف بناء حياة ديموقراطية سليمة، وقد شارك فيها الشعب كله تقريبا، بوازع من ضميره واحتياجاته، ولم تكن لها قيادة تتحكم في مسيرة تطورها. لذلك وجد التيار الديني ضالته المفقود في القفز عليها.

لم تتوقف أحداث الثورة بمغادرة الرئيس "زين العابدين بن علي" للبلاد، ولكن استمرت القلاقل والتظاهرات في أرجاء تونس، وظهر دور الجيش في محاولات حفظ النظام بعد فشل قوات الأمن في ذلك، وأحيل 30 مسؤولاً كبيراً من قوات الأمن إلى التقاعد نظراً لارتباطهم بالنظام السابق.

كان هناك ارتباك شديد في إدارة الدولة، نشأ ما بين إرادة الثوار أنفسهم في التغيير والقضاء على النظام السابق، وما بين الفراغ الناشئ في الدولة، وتمسك أقطاب هذا النظام بإدارة الدولة لعدم وجود القيادة المؤهلة لتولي المسؤولية، وأدى ذلك إلى تعدد تغيير وزراء من الحكومة، أو الحكومة نفسها.

بدأ تصاعد دور حركة النهضة الإسلامية في الحياة السياسية، حيث تقدمت، أول فبراير 2011، بملف إلى وزارة الداخلية للاعتراف بها حزباً قانونياً. وقد أُعلن عن قيام الحزب برئاسة "علي العريض"، والأمين العام "حمادي الجبالي"، وكان ذلك يمثل بداية لبعث حركة النهضة في تونس من جديد وتحقيق أهدافها، في نطاق أهداف الأخوان المسلمين للوصول إلى الحكم.

وتم إقرار قانونية عمل الحزب، في الأول من مارس 2011، ولم يخف "راشد الغنوشي" هدف الوصول للحكم، بل أنه حدده قبل مغادرته لندن إلى تونس، شارحاً تصوره للحكم في تونس، حيث أشاد بالنظام التركي الذي يسيطر عليه التيار الإسلامي (حزب العدالة والتنمية)، وذكر أن هذا النظام يجمع ما بين القيم الاسلامية والمبادئ الديموقراطية، وأن لتركيا حكومة منتخبة وإعلاماً حراً، وقضاءً مستقلاً، ودعا تركيا إلى دعم مسيرة التحول في تونس، وهو ما يشير إلى وجود علاقة بين ما يحدث في تونس، وبما يدور على مستوى مكتب الإرشاد للإخوان المسلمين على مستوى العالم.

على مدار أشهر قليلة، وبعد إعلان تحول حركة النهضة إلى حزب، سارت الأحداث في تونس كالآتي

1. بدأ حزب النهضة يشتد عوده، وخرج الإسلاميون من صمتهم أو مخابئهم التي وضعهم النظام فيها، وكونوا تياراً قوياً في الشارع التونسي، له القدرة في التصدي للقيادات الثورية، ولأجهزة الأمن ذاتها، ومن ثم فقد ازدادت القلاقل في تونس، حتى إن منتصف عام 2011 شهد صراعاً قوياً، تمكن فيه حزب النهضة من السيطرة على الأوضاع الداخلية.

2. في مواجهة ذلك صعد الاتحاد العام للشغل من نفوذه، وحاول أن يكون نداً قوياً لحزب النهضة.

3. تكونت جبهات معارضة من الأحزاب الليبرالية، عملت فرادى أولاً، ثم حاولت أن تتحد وتكون جبهات معارضة قوية.

4. مع الصراعات الداخلية، بدأت الأيدي الخفية تلعب لتحقيق أهدافها، حيث أصبح الجنوب والغرب التونسي مناطق غير مسيطر عليها من النظام، وتكونت جبهة من السلفية الجهادية حركة أنصار الشريعة، للسيطرة على هذه المناطق لتشكل عبئاَ أمنياَ على الحكومة في تونس، خاصة مع إرسالها أعضاءها للقيام بعمليات اغتيال في العاصمة نفسها. حيث تتهم بأنها وراء اغتيال الناشطين اليساريين "شكري بلعيد" (اُنظر صورة شكري بلعيد)، و"محمد البراهيمي" (اُنظر صورة محمد البراهيمي). في الوقت نفسه، فإن المعارضة تتهم حزب النهضة بدعمه لهذا التيار السلفي، واتخاذه وسيلة لتحقيق أهدافها ضد المعارضة.

ثالثاً: صعود حزب النهضة لحكم البلاد

مع توجه تونس إلى بناء نظام ديموقراطي، يأتي من خلال انتخابات تشريعية، فقد عمل حزب النهضة (الإسلامي) على بناء تحالف ثلاثي (ترويكا)، مع أحزاب غير إسلامية، حتى يُبعد عن نفسه شبه الحكم الاسلامي، ويحصل على أكبر أصوات انتخابية، وقد تكونت هذه الترويكا بقيادته ومشاركة حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، وهو تيار يساري وسطي، وحزب التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات وهو حزب من الاشتراكيين الديموقراطيين.

خاضت الترويكا الانتخابات التشريعية، التي أجريت في 23 أكتوبر 2011، وشابها بعض القصور نتيجة تسجيل الناخبين على عجل، وفاز حزب النهضة بأغلبية كبيرة، تلاه حليفه في الترويكا حزب المؤتمر من أجل الجمهورية، لذلك توزعت المناصب بينهما، حيث تقلد "المنصف المرزوقي" (زعيم المؤتمر من أجل الجمهورية) منصب الرئاسة، بينما انفرد حزب النهضة بتشكيل الحكومة برئاسة "علي العريض".

من خلال البرلمان، الذي يبلغ عدد أعضائه 217 عضواً، جرى انتخاب اللجنة التأسيسية لوضع الدستور، والتي تتكون من 144 عضواً، أغلبها من حزب النهضة (89 عضواً)، يليه حزب المؤتمر من أجل الجمهورية (29 عضواً)، ثم باقي القوائم (29 عضواً).

1. أداء حزب النهضة في حكم تونس

في ظل النظام العالمي الجديد وثورة الاتصالات والمعلومات، فإن الشعوب تتفاعل بشدة مع ما يحدث من حولها، وربما كان أثر الثورة المصرية وتحولاتها الحادة، وكذلك الانفتاح الإعلامي على تونس، له أثر كبير في مسار الأحداث بعد تولي حزب النهضة أمور حكم البلاد.

إن حزب النهضة ليس له تجارب في الحكم، كذلك فإن كوادره ليست لها الخبرة الكافية في إدارة دولة مثل تونس، لذلك استمرت القلاقل والاحتجاجات، واستمر استخدام الأمن في التصدي للاحتجاجات والتظاهرات، كما كان عليه في النظام السابق، وشعر أصحاب الثورة في تونس أن ثورتهم ضاعت من بين أيديهم.

2. صدام الاتحاد العام للشغل مع النظام (أحداث ديسمبر 2012)

كما هي العادة في بناء تنظيمات الإخوان المسلمين (ومنها النهضة)، فإن التنظيم الخاص يجري تكوينه وتسليحه وتدريبه لتحقيق الأهداف العليا للإخوان، ويستخدم عندما لا يراد الزّجّ بالأمن في مواقف محددة، وهذا ما حدث في 4 ديسمبر 2012، عندما كان الاتحاد يحتفل بذكرى أحد شهدائه، وقام أعضاء تنظيم حزب النهضة، الذين يطلق عليهم (رابطة حماية الثورة)، بالعدوان عليهم.

أعلن الاتحاد عن تنظيم إضراباً عاما في أرجاء تونس كافة، يوم 13 ديسمبر، ودعا كل الاحزاب والنقابات والشعب للمشاركة فيه، وقد نجح هذا الإضراب، وأصدرت رئاسة المجلس الوطني التأسيسي والمنظمات العالمية عدة بيانات عبروا من خلالها عن دعمهم للاتحاد، وتأكيدهم لضرورة حل رابطات حماية الثورة.

كان نجاح هذا الإضراب دافعاً لصعود الاتحاد العام للشغل لمرتبة متقدمة في معارضة للنظام القائم، والذي رأى فيه التونسيون نسخة طبق الأصل من النظام السابق. وبالتالي تصاعدت كراهية الشعب لنظام حكم النهضة.

رابعاً: أثر الثورة المصرية (30 يونيه 2013) على مسار الثورة التونسية

كما كان للثورة التونسية، في 17 ديسمبر 2010، أثراً بارزاً على اندلاع ثورة 25 يناير 2011 في مصر، فإن ثورة 30 يونيه 2013 في مصر، قد حولت مسار الثورة التونسيه في مجالين محددين.

الأول: يختص بالشعب التونسي ذاته، حيث تفتحت الآمال لديه وأيقن أن المقاومة وعدم الخضوع للنظام القائم، يمكن أن يحقق له آماله في تصحيح مسار الثورة التي ضلت طريقها إلى التيار الاسلامي.

الثاني: يختص بالنظام نفسه، حيث تكونت لديه العديد من الحقائق التي يجب أن يراعيها، حتى لا يحدث له كما حدث لحكم الأخوان المسلمين في مصر. وهذه الحقائق هي:

1. تقديم بعض التنازلات إظهارا منه للاستجابة لمطالب الشعب، وأنه يعمل من أجل بناء تونس الجديدة، وليس للتمسك بالحكم.

وفي هذا المجال استجاب، في الأول من أكتوبر 2013، لمطالب خارطة الطريق التي وضعتها ائتلافات الأحزاب التونسية، وذلك بعد شهرين من الحوارات والشد والجذب، وهي تنص على بدء حوار وطني يرأسه المسؤولون الثلاثة الكبار في تونس، "المنصف المرزوقي" رئيس الجمهورية ـ "علي العريض" رئيس الحكومة (اُنظر صورة علي العريض) ـ "مصطفي بن جعفر" رئيس المجلس التأسيسي، وبحضور ممثلي الأحزاب السياسية الممثلة في المجلس التأسيسي للبرلمان، وممثل الاتحاد العام للتشكيل.

يشمل الحوار أربعة موضوعات، هي:

أ‌.   قبول تشكيل حكومة كفاءات ترأسها شخصية مستقلة، ولا يترشح أعضاؤها في الانتخابات المقبلة، وهذه الحكومة ستحل محل الحكومة الحالية برئاسة "علي العريض"، التي تتعهد بتقديم استقالتها فور البدء في الحوار المباشر بين الحكومة والمعارضة.

ب‌. استئناف المجلس التأسيسي (البرلمان) جلساته العامة، التي توقفت منذ اغتيال "محمد البراهيمي"، في 25 يوليه 2013، ويجري تحديد مهام المجلس التأسيسي والاتفاق النهائي على نهاية مدته، خاصة أنه مسؤول عن وضع دستور البلاد.

ج. بدء المشاورات حول الشخصية الوطنية المستقلة، التي سيُعهد اليها مهمة تشكيل الحكومة.

د. الاتفاق على خارطة محددة بشأن استكمال المسار الانتقالي، والاستعداد للانتخابات القادمة، وإصدار قوانين بها.

تحدد توقيت بدء الحوار واستقالة الحكومة في غضون ثلاثة أسابيع، وفي الوقت نفسه أعلن الاتحاد العام للشغل إنفاذ إجراءات، في 23 أكتوبر، فيما لو لم تجتمع لجنة الحوار.

وفي محاولة لتفويت فرصة الإضرابات، وتحديد فترة بقاء الحكومة، أعلن رئيس الوزراء "علي العريض"، في 20 أكتوبر، عقد اللجنة بعد ثلاثة أسابيع، والاستعداد للانتخابات القادمة، مؤكداً على أن فرصة التيار الإسلامي كبيرة جداً في الفوز في الانتخابات القادمة، التي ستتم بصورة ديموقراطية كاملة.

2. الحقيقة الثانية التي أفرزتها الثورة المصرية، هي شن الحرب على الإرهاب، الذي تنفذه الجماعات السلفية المتشددة، وهو إجراء يحمل عدة رسائل للشعب:

أ. أن النظام لا يتحالف مع هذه التيارات التي تستمد دعمها من تنظيم القاعدة.

ب. الادعاء بأن النظام يعمل على تحقيق الأمن في ربوع البلاد.

ج. نهج تجربة مصر في محاربة الإرهاب

د. الظهور أمام العالم بأن النظام يعمل من أجل بناء تونس الدولة المدنية الحديثة.

3. الدفاع عن صيغة الحكم الاسلامي الديموقراطي، ومن خلال ذلك هاجم "المنصف المرزوقي" رئيس تونس، ثورة 30 يونيه في مصر، موصلاً إلى الشعب التونسي أنها انقلاب عسكري مرفوض أن يتكرر في تونس.

4. أظهر استطلاع للرأي، في نهاية سبتمبر 2013، حول المرشحين للانتخابات الرئاسية القادمة في تونس، أن "الباجي قائد السبسي" رئيس حركة ثوار تونس (اُنظر صورة الباجي قائد السبسي) (ائتلاف يجمع بين اليساريين والليبراليين) يمثل المرتبة الأولى في التصويت لانتخابات الرئاسة بنسبة 15,2%، وجاء "قيس سعيد" الخبير في القانون الدستوري في المرتبة الثانية، بنسبة 4,7%، وتراجع "حمادي الجبالي" (رئيس حكومة سابق) (اُنظر صورة حمادي الجبالي) إلى المرتبة الثالثة، بنسبة 3,9%، وجاء "المنصف المرزوقي" في المؤخرة بنسبة 3,5%، وهو مؤشر هام يوضح صورة حكم ترويكا النهضة لتونس.

خامساً: بداية الثورة الثانية في تونس

أعلن الاتحاد العام للشغل يوم 23 أكتوبر يوماً فارقاً، إن لم تستجب الحكومة للاستقالة، طبقاً للوعود السابقة التي أعلنتها، في 2 أكتوبر. في الوقت نفسه أعلنت الحكومة بدء الحوار في هذا اليوم، وأنها لن تُقدم استقالتها إلا بعد وضع الدستور، وتكوين لجنة الانتخابات التي ستقوم بالعملية الانتخابية، وهو ما أدى إلى احتدام الشارع التونسي كالآتي:

1. أعلن الاتحاد العام للشغل وأحزاب المعارضة تعليق عضويتها في لجنة الحوار، وأعلنت عدم عودتها إلا بعد إعلان صريح عن استقالة الحكومة واستبدالها بحكومة كفاءات وطنيه تدير البلاد في خلال ثلاثة أسابيع.

2. أعلن الثوار في تونس بداية الثورة الثانية لاسترداد الثورة التونسية، وإقصاء حزب النهضة عن الحكم.

3. بدأت التظاهرات تشتعل في العديد من مدن تونس، وفي مقدمتها تونس العاصمة، حيث تجمعت التظاهرات في شارع بورقيبة.

4. احتدمت الصدامات بين عناصر الأمن والجماعات الإسلامية السلفية الجهادية، ونتج عنها مقتل ثمانية أفراد من الأمن في ولاية سيدي بوزيد.

5. تعالت صيحات المتظاهرين في العاصمة تونس بعبارات تدل على إمكان تكرار سيناريو الثورة المصرية، في 30 يونيه، وتقول "يا مرزوقي سيب القصر. ثورة تونس لحقت ثورة مصر"، مع تكرار شعار "ارحل".

6. حتى لا يزداد تصاعد الثورة، قبلت الحكومة إجراء الحوار، بشرط عودة الأعضاء المستقلين من اللجنة التأسيسية، وتعهد رئيس الحكومة كتابياً بالاستقالة في ظرف ثلاثة أسابيع.

7. استمر الحوار على مدى أسبوعين، ثم اصطنع حزب النهضة العديد من المشكلات، حتى لا يستمر الحوار، والذي توقف وانسحب أعضاء المجلس التأسيسي من المستقلين، وتجددت الاضطرابات في تونس.

8. في 4 ديسمبر 2013، وبعد فشل اللجنة الرباعية من تسمية رئيس الوزراء الجديد، وجه اتحاد الشغل إنذاراً نهائياً للأحزاب والمجلس التأسيسي مدته عشرة أيام للعمل على إنقاذ البلاد، وإلا سوف يتولى الاتحاد والقوى الليبرالية المسؤولية.

ومع مضي الوقت، فإن هناك متغيرات كثيرة ستحدث، ليس على مستوى تونس فقط، ولكن على مستوى دول الربيع العربي بالكامل، وربما تتعداه إلى المستوى الإقليمي أيضاً.