إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الثورة التونسية (2010-2011)




محمد البراهيمي
ليلى الطرابلسي
محمد الغنوشي
أحد مظاهر الاحتجاجات
المنصف المرزوقي
الثوار يرفعون علامة النصر
الباجي قائد السبسي
الجنرال رشيد عمار
الرئيس يزور الشاب بوعزيزي
الشاب محمد بوعزيزي
الشعب التونسي يحتشد
بداية الانتفاضة
حمادي الجبالي
راشد الغنوشي
شكري بلعيد
شعارات الثورة على أرض تونس
شعارات ثورة الياسمين
علي العريض
فؤاد المبزغ


موقع تونس في العالم العربي



الفصل الأول

المبحث السابع

المسار الديموقراطي للثورة التونسية وردود الفعل حيالها

الثورة التونسية هي الثورة القائدة لثورات الربيع العربي، التي بدأت في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وتفاعلت مع الثورات الأخرى، وتبادلت معها ردود الفعل، خاصة الثورة المصرية، وهي الثورة التي أيقظت الشعور الوطني لدى بعض الشعوب العربية التي عانت من نفس الأوضاع التي عاني منها الشعب التونسي، مثل سيطرة نظام الحاكم الأوحد، والفساد، والسلطوية وغياب العدالة الاجتماعية، والتخلف وغير ذلك.

أولاً: المسار الديمقراطي للثورة التونسية

نظراً لأن الثورة جاءت تلقائية وبمطالب اجتماعية وليست توجهات سياسية، ولم تكن لها قيادة تحرص على السير بها في طريق محدد بأهداف وتوقيتات، لذلك فإن تونس عاشت بعد الثورة في حالة من الصراع السياسي بين ثلاث قوى. وهي القوة المحسوبة على النظام السابق، والقوى الجديدة التي أفرزتها الثورة بما فيها التيار الإسلامي، والقوى السياسية المهمشة التي تمرست على العمل السياسي ووجدت ضالتها بعد سنوات من الحرمان، وهم مجموعات من الليبراليين واليساريين، إلى جانب اتحاد الشغل التونسي.

انعكس الصراع بين هذه القوى على الانتخابات التأسيسية، والتي أعلنت بعد أشهر قليلة من نجاح الثورة، وأريد لها أن تسير بدولة تونس إلي مسار ديمقراطي سليم، وتفاعلت الساحة السياسية في تونس مع هذه المتغيرات عبر ثلاث مراحل:

المرحلة الأولى: في الفترة من 14 يناير – 22 أكتوبر 2011

وبرز خلالها تحدي تكوين مؤسسات لديها القدرة على إدارة المرحلة الانتقالية، وانحصرت في مؤسستين هما الحكومة المؤقتة والهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة، التي تشكلت في 22 يناير 2011، وهي التي تعد أبرز هيئات الانتقال الديموقراطي في تونس، وتكونت من الليبراليين والمدنيين واتحاد الشغل والشخصيات المستقلة بنسبة الثلث، وكُلفت بتولي مهام السلطة التشريعية في الدولة. وبالرغم من حدوث صدام فيما بين عناصرها إلا أنها تمكنت من تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية، وشكلت علامة تشير إلى إمكان تحول تونس إلي دولة ديموقراطية.

المرحلة الثانية: في الفترة من 23 أكتوبر 2011 – 23 أكتوبر 2012

وهي مرحلة اتسمت في بدايتها بحالة من التوافق، والأمل في البناء الديموقراطي للدولة، وتحسنت صورة تونس وثورتها عالمياً بعد الإعلان عن خارطة المستقبل، التي تبدأ بإعداد الدستور، ثم انتخابات تشريعية ثم رئاسية، إلا أنه ما لبثت الأمور أن تكشفت من خلال إجراء التحالفات والاستقطابات بين النخب والأحزاب للسيطرة على أركان الدولة، ثم انتقل هذا الخلاف إلى الشارع التونسي.

وعموماً فقد تمت أولى خطوات الديموقراطية بانتخاب المجلس التأسيسي (217 عضواً) والمكلف بإعداد الدستور، إلى جانب مهام التشريع، وقد اتسم المشهد الحزبي الانتخابي بالعديد من المتغيرات على الشعب التونسي والتي أثارت الجدل إقليمياً وعالمياً، وهي:

1. ظهور حزب النهضة الإسلامي (ممثل الإخوان المسلمين في تونس) بشدة على الساحة السياسية، واتسم برنامجه الانتخابي بالعديد من المقومات والأفكار التي جذبت الناخب التونسي إليه، وفاز بـ 89 مقعداً في اللجنة التأسيسية.

2. جدد حزب المؤتمر من أجل الجمهورية فعالياته من خلال برنامج متوازن، وحصل على 30 مقعداً.

3. تكوين "الجبهة العريضة الشعبية" المستقلة ويمثلها حزب المحافظين التقليديين، وتمكنت من فرض نفسها من خلال برنامج توافقي إسلامي اجتماعي، وحصلت على 26 مقعداً.

4. بروز حزب التكتل من أجل العمل والحريات (يسار وسط)، الذي اكتسب مزيداً من الشعبية خلال برنامجه الانتخابي، وحصل على 21 مقعداً.

5. استمر الحزب الديموقراطى التقدمي بنفس وتيرته، وحصل على 16 مقعداً.

6. ظهور تكتل "القطب الديموقراطي الحداثي"، ويتكون من 11 حزباً يسارياً، وقدم نفسه من خلال برنامج علماني متطرف مستهدفاً مواجهة الإسلاميين، وفاز بخمسة مقاعد.

7. فاز حزب المبادرة بخمسة مقاعد، وحزب آفاق تونس بأربعة مقاعد، بالإضافة إلى حصول المستقلين على 20 مقعداً.

شهدت هذه المحصلة أيضاً تروبيكا التحالف (النهضة ـ المؤتمر من أجل الجمهورية ـ التكتل من أجل العمل والحريات)، حيث وزعت المناصب العليا للدولة عليها.

إن أهم توجهات هذه المرحلة، كان عدم الوفاء بالوعد، حيث تحدد توقيت إعلان الدستور بعد عام واحد، أي في أكتوبر 2012، ثم إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية. ولكن الرئاسة والحكومة والمجلس التأسيسي لم تف بعهودها، وبما أدى إلى بداية لفقد ثقة الشعب في قيادات الدولة.

إلى جانب أن النظام شرع في السيطرة على مفاصل الدولة، وتحييد الجيش، واستبدال أهل الخبرة بأهل الثقة، ولم يلتفت إلى مطالب الجماهير، ومن ثم فقد ساءت الأوضاع في تونس اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.

المرحلة الثالثة: الفترة من 22 أكتوبر 2012 – 31 ديسمبر 2013

وهي مرحلة ساد فيها عدم الاستقرار، والصدام بين الجماهير والنظام، ووصل إلى حد المطالبة بالقيام بالثورة الثانية في تونس. وأصبحت الوحدة الوطنية مهدده في تونس بشدة، وارتكبت خلالها كل من السلطة الحاكمة والمعارضة أخطاء جسيمة أدت إلى الارتداد عن المسار الديموقراطي للدولة، في مقدمتها:

1. عدم القدرة على علاج مشكلات الحياة اليومية للجماهير، فعادت من ثَم الأمور المعيشية للشعب التونسي إلى مرحلة ما قبل الثورة.

2. استمرار الفساد في إدارة الدولة نتيجة لعدم اقتلاع جذور الفساد السابق، إلى جانب ظهور فاسدين جدد من السلطة الحاكمة، وهو ما يؤثر على مسار الدولة.

3. عدم وجود رؤية إستراتيجية لبناء الدولة الحديثة، وكل قرارات الحكومة هي ردود فعل للأحداث دون بناء نظام مؤسسي مستقبلي.

4. بطء الأداء على كل المستويات دون اكتراث لطبيعة الثورة، التي تتطلب الاندفاع نحو تحقيق الأفضل.

5. رغبة شخصيات من المعارضة إلى الوصول إلى السلطة ـ أو المشاركة فيها على الأقل ـ وهو ما يقف أمامه التيار الإسلامي حتى لا يفقد السلطة. وما زاد من حدة الصراع على السلطة في الدولة.

6. ظهور قوى سياسية من النظام السابق على الساحة، وقبول الجماهير والمعارضة بها للمشاركة في الحكم ضد رغبة التيار الإسلامي.

7. تصاعد عمليات الإرهاب والجريمة المنظمة، ما أدى إلي إرباك الاستقرار الداخلي وإرباك دولاب العمل على مستوى الدولة.

8. تخوف النظام من ظهور الجيش على الساحة مؤيداً لرغبة الشعب.

إن أهم أحداث هذه المرحلة جاءت في الربع الأخير من عام 2013، حيث تحالفت قوى المعارضة مع اتحاد الشغل التونسي والنقابات المهنية والمستقلين، للضغط على النظام من أجل تنفيذ خريطة المستقبل، أو تصعيد الثورة الثانية في تونس، أو المشاركة الفاعلة للتيار المدني والمعارض في الحكم.

من كل ما سبق فإن المسار الديموقراطي في تونس لم يتحقق بالشكل المناسب خلال ثلاثة أعوام من بدء الثورة، وهو ما تأثرت به الجماهير التونسية. بما أدى لحدوث ردود فعل راوحت شدتها بين الترقب والعنف، ولكنها جميعاً تشير إلى أن مستقبل تونس الديموقراطي لن يتحقق على المدى القريب. فعلى مدار سنوات ثلاث تغيرت وتبدلت ردود الفعل، سواء في تونس أو حولها، وكلها أثرت في مسار الثورة التونسية.

ثانياً: ردود الفعل على المستوى الداخلي

جاءت أهم ردود الفعل على المستوى الداخلي من الشعب التونسي نفسه، حيث أدى نجاح الثورة إلى كسر حاجز الخوف الذي طوق به النظام السابق رقاب الشعب التونسي، وأكد أن الشعب قادر على الفعل متى أراد، طالما جاء الأمل والإصرار ولاحت الفرصة بذلك، وتأكد أن الشعب هو صاحب السلطات، وتمسكه بحقوقه في الحياة الكريمة والعدالة الاجتماعية هو تكليف من الشعب لنظام الدولة.

صار سيناريو تفجير الثورة التونسية مثالاً يحتذى به في دول ثورات الربيع العربي، فإحراق الشاب بو عزيزي لنفسه تكرر في مصر، ليشعل ثورة 25 يناير 2011، ونفس الأمر تكرر في مناطق أخرى، بمعنى أن نموذج التخلص من الحياة بأبشع صورة كان هو الأداة لتحريك الجماهير للثورة والإعلان عن فساد النظام، وأصبح نموذجاً ثورياً تونسياً لتصدير الثورات إلى الخارج.

بالرغم من محاولات حزب النهضة السيطرة على الدولة، إلا أن التيارات الشعبية الثورية، واتحاد الشغل التونسي، والنقابات المهنية تصدت لمحاولات سيطرة الحزب الواحد على الحكم، وكونت معارضة قوية ضد هذا النظام الذي يحاول السيطرة على مفاصل الدولة، وتوظيف كوادره في المناصب الرئيسة والفرعية على السواء، من أجل تحقيق أهدافه، وهو ما يؤدي إلى تكرار توجهات النظم السابقة بسيناريوهات جديدة.

وحرص حزب النهضة، كما هو الحال في النظام السابق، على إبعاد الجيش عن السياسة، حتى لا يكون طرفاً يقاوم إحكام سيطرة النظام على الحكم، وحتى لا يكون أداة يستخدمها الثوار ضد النظام الجديد الذي قفز على السلطة، وهو أمر يخالف تماماً ما حدث في الثورة المصرية، حيث كان الجيش هو المؤسسة الفاعلة في حماية الأمن الوطني والتصدي للأهداف التي لا تتمشي مع إرادة الشعب.

ومع ذلك فقد اشتعلت الأزمة في تونس، وطالب الشعب تؤيده المعارضة واتحاد الشغل لتصحيح الأوضاع، وقرر التظاهر والعودة بالثورة من جديد، في 23 أكتوبر 2013، إن لم تتحقق مطالبه في استقالة الحكومة الحالية وتشكيل حكومة تكنوقراط وطنية لتولي الأمور والإعداد لانتخابات نزيهة، والسير في تحقيق أهداف الثورة.

كان أهم ردود الفعل أيضاً، التطور الواضح في السياسة الإعلامية التونسية، حيث بدأت الوسائل الإعلامية المختلفة تدرك جدية رسالتها، وتعمل على طرح العديد من القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية، والتي كانت من المحرمات فيما قبل الثورة، بل أن التطرق فيها كان من الكبائر التي تدعو إلى المحاسبة.

ويمكن القول أن الإعلام التونسي ـ خاصة الإعلام الخاص ـ قد قارب من مستوى عولمة الإعلام، حيث التوسع في الانفتاح الإعلامي، والاستخدام الموسع للإنترنت وقنوات التواصل الاجتماعي، كما زادت مساحة التحليلات والتواصل الإعلامي بين الشعب ومسؤولي الدولة، وبما يمكن الشعب من طرح أفكاره ومشكلاته على الإدارة التونسية.

على المستوى الأمني، فإن المتغيرات التي صاحبت الثورة، وعدم سيطرة النظام على الدولة مع الانفلات الذي حدث على المستوى العام، فإن ذلك تسبب في الآتي:

1. تصاعد أعمال الإرهاب خاصة في المناطق البعيدة عن سيطرة العاصمة، ويذكر في هذا المجال أن حزب النهضة استعان ببعض تيارات السلفية الجهادية في إشاعة الفوضى، من أجل إحراج الجيش والشرطة والزج بهما في صراع مع تلك الميليشيات لإبعادهما عن المسار الشعبي الذي يريد تصحيح مسار الثورة.

2. تصاعد أعمال الفوضى وتحدي القوانين، نتيجة شعور الشعب التونسي أن الثورة قد سرقت منه، وتنعكس أفعاله في صورة احتجاجات أو تظاهرات، أو الإضرار بالنظام نفسه سواء في الشارع أو في العمل بأي صورة كانت.

3. انشقاق الشعب التونسي إلى تيار ليبرالي وآخر إسلامي، وهو ما يشكل خطورة على كيان الدولة ومسارها في المستقبل.

4. لجوء حزب النهضة إلى تفعيل الميليشيات المسلحة التابعة للتنظيم، وهو موروث تاريخي للإخوان المسلمين منذ عام 1936، وخطورة هذه الميليشيات أنها تشكل جيشاً موازياً للقوات المسلحة والأمن، واستخدامها يكون لتقليص قدرتهما على حفظ الأمن، كذلك إجراء عمليات القهر للشعب.

ثالثاً: دور الجيش التونسي في الحياة السياسية بعد الثورة

في أثناء الثورة أدى الجيش التونسي دوراً رئيساً في إنهاء الأزمة الداخلية وإقناع الرئيس السابق بالتنحي عن الحكم، في 14 يناير 2011، وقد جاء هذا الدور متأخراً بعض الوقت نتيجة لعدم وجود نصوص في الدستور التونسي لتكليف الجيش بمهام في حفظ النظام الداخلي، فلم يكن الجيش مدرباً على إجراءات التصدي للتظاهرات أو حماية الشرعية الدستورية.

في أعقاب نجاح الثورة نفذ الجيش العديد من المهام التي دعمت الثورة، أهمها:

1. إحكام الجيش التونسي سيطرته على مطار قرطاج (مطار تونس الدولي)، وإغلاق المجال الجوي، ومنع أي مسؤولين في النظام السابق من مغادرة البلاد.

2. تصدى الجيش التونسي لما يفعله أفراد الأمن التابعين للنظام السابق من التعدي على الشعب، وأعمال التخريب ضد الأهداف الحيوية. وتمكن من إيقاف عمليات الفوضى والخروج عن القانون التي أعقبت سقوط النظام.

3. في مواجهة محاولة بقايا النظام التمسك بالحكم والسيطرة على مقدرات الدولة وجه الجيش التونسي ضربات قوية ضد الأمن الرئاسي التونسي، الذي كان يسيطر على القصر الرئاسي في قرطاج، ويدير أعمال تخريب ضد منشآت الدولة، وقد تمكنت قوات الجيش من حصار القصر ومقر الأمن الرئاسي، وألقي القبض على وزير الداخلية السابق، وبعض المسؤولين عن الأمن الرئاسي.

4. بدأ التواصل بين الجيش وجماهير الشعب، منذ 25 يناير 2011، وبعد تحقيق هدوء نسبي؛ حيث ظهر القائد العام للجيش التونسي الجنرال رشيد عمار لأول مرة منذ الإطاحة بالرئيس السابق وتحدث لمئات المتظاهرين أمام قصر الحكومة بالقصبة وأكد أن الجيش التونسي سيحمي الثورة، وحذر من أن الثورة تواجه تحديات ومخاطر كبيرة، ودعا الجماهير إلى العودة إلى العمل وكان ذلك إعلاناً عن مشاركة فعالة للجيش في الثورة.

5. في محاولة لحسم الأمور ومنع الفوضى في الشارع التونسي أطلقت عناصر الجيش، يوم 25 يناير، الرصاص في الهواء وعملت على فض تجمعات المتظاهرين التي تحاول اقتحام بعض المنشآت الحيوية، وتولى الجيش بعدها تأمين المنشآت الحيوية خاصة في العاصمة.

6. في أعقاب تشكيل الحكومة الجديدة، حدد وزير الدفاع التونسي الجديد "عبدالكريم الزبيدي"، في أوائل فبراير 2011، دور الجيش بأنه مسؤول عن حفظ النظام العام وحماية المواطنين والممتلكات العامة والخاصة، وأبرز أن تونس دخلت مرحلة جديدة تتمثل في إرساء أسس مجتمع ديموقراطي يستند على حريات وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وهو ما يؤكد على اضطلاع الجيش بدور رئيس في حكم البلاد، ويعد هذا التوجه مخالفاً تماماً لما كان عليه الجيش قبل الثورة. وبهذا فقد كلف الجيش بالتصدي للعديد من التظاهرات وحماية المنشآت الحيوية فيما بعد ذلك.

7. بعد تشكيل حكومة حزب النهضة، فطنت إلى الدور الجديد الذي يحاول الجيش أن يلعبه وقررت إحباطه، وعملت على تقليص دور الجيش في الحياة السياسية تدريجياً، وعودته إلى ثكناته، على أن تتولى ميليشيات النهضة التصدي للاحتجاجات الشعبية.

8. اتخذت الحكومة قرار التصدي للإرهاب، وكلف الجيش بمهام عديدة للقضاء على البؤر الإرهابية خاصة في غرب تونس وجنوبها، حيث خرجت التيارات الإسلامية السلفية، التي استعان بها حزب النهضة في مسيرة حكمه، عن الخط العام للحزب، كما أنه كان من مصلحة هذا الحزب إشغال الجيش بمهام تبعده عن الأوضاع الداخلية وتمنعه عن الالتقاء بالثوار.

رابعاً: موقف الاقتصاد التونسي بعد الثورة

تأثر الاقتصاد التونسي بشدة، خاصة أن هذا الاقتصاد يعتمد في جزء كبير منه على السياحة، والتي تتطلب الأمن والاستقرار شرطاً لنموها. وقد سعت تونس للحصول على قروض من المؤسسات المالية الدولية، ومن الشريك الأوروبي، بما يمكنها من تجاوز الأزمة الراهنة.

نجحت تونس في الحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، يبدأ أول أقساطه في بداية عام 2014، كما سعت إلى الحصول على قرض من الاتحاد الأوروبي بواقع 300 – 500 مليون يورو. وتواجه تونس العديد من المشكلات الاقتصادية، أولها عجز الموازنة الذي يبلغ حوالي 6.5%، كذلك شروط صندوق النقد الدولي التعجيزية من أجل إقرار القرض.

خامساً: ردود الفعل العربية تجاه الثورة التونسية

1. كانت مصر أول من أعلنت حق الشعب التونسي في اختيار قياداته ومستقبله، في الوقت نفسه، فإن العديد من الدول العربية بدأت تأخذ حذرها مما حدث في تونس، وتحاول اتخاذ إجراءات مسبقة لمنع وصول أحداث الثورة إلى أراضيها، وقد أُعلن في العديد من الدول العربية عن قرارات لمكافحة الفساد، وإيجاد فرص عمل للشباب، إلى جانب اتخاذ إجراءات أمنية مشددة للحفاظ على النظام القائم.

2. بدأت الدول العربية تعلن عن موقفها من الثورة التونسية، اعتباراً من 19 يناير 2011، حيث صرح أمير الكويت أثناء عقد القمة الاقتصادية العربية في شرم الشيخ "أن الكويت تتطلع لجهود تهدف للتضامن مع تونس لتجاوز هذه المرحلة وتحقيق الاستقرار والأمن".

3. عبر الرئيس الجزائري عن تمنياته للرئيس الانتقالي في تونس، بتمام التوفيق في نقل دولة تونس إلى بر الأمان. في السياق نفسه، اتخذت الجزائر العديد من الإجراءات الأمنية، والقرارات السياسية والاقتصادية بما لا يؤدي إلى وصول الثورة إلى الجزائر.

4. على عكس المناخ العام، وفي الأيام الأولي لنجاح الثورة، وجه الرئيس الليبي "معمر القذافي" كلمة إلى الشعب التونسي يعرب فيها عن أسفه الشديد لخسارة تونس لرئيسها "بن علي"، وذكر أن تونس لن يتسنى لها وجود رئيس مثل "بن علي" في المستقبل.

5. في العديد من الدول العربية، اتخذت الحكومات قرارات اقتصادية من أجل إرضاء شعوبها.

6. كان لاندلاع الثورات العربية التي أعقبت الثورة التونسية، أثره الكبير على انشغال العالم العربي بمواقفه الداخلية، ومن ثم فإن الدعم العربي للثورة التونسية كان محدوداً.

سادساً: موقف جامعة الدول العربية بعد قيام الثورة

أعرب المتحدث الرسمي باسم الجامعة عن قلقه من الأوضاع في تونس، وأكد أن الجامعة تراقب الأوضاع في تونس، ودعا جميع الأطراف إلى التوصل للإجماع الوطني الذي يخرج البلاد من أزمتها. ومع مرور الوقت وتعدد الثورات العربية فإن اهتمام الجامعة بالثورة في تونس بدأ يتقلص.

في الوقت نفسه، أكد الأمين العام للجامعة العربية "عمرو موسي": "أن الدول العربية يجب أن تأخذ العبر من درس تونس، التي أُطيح برئيسها في احتجاجات على تردي الأوضاع المعيشية، وعلينا أن نتابع عن قرب ما يحدث في تونس، ونأمل أن ينتهي المطاف بالشعب هناك إلى بناء النظام الذي يريده، ومن الطبيعي أن هناك درساً، وأن هناك رسالة مما حدث في تونس".

سابعاً: ردود الفعل الأمريكية

يتضح من مسار الأحداث أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت تراقب الثورة، وتؤيدها برغم العلاقة السابقة بين النظام التونسي وأمريكا.

كان أول رد فعل مٌعلن، يوم 9 يناير 2011، حيث استدعت وزارة الخارجية الأمريكية السفير التونسي في واشنطن "محمد صلاح تقية"، وسلمته رسالة تعبر عن القلق الأمريكي من الطريقة التي تم التعامل بها مع الاحتجاجات في تونس.

رداً على ذلك استدعت وزارة الخارجية التونسية السفير الأمريكي لدى تونس، وأبلغته دهشتها من الموقف الذي عبر عنه الناطق باسم الخارجية الأمريكية، على خلفية الاحتجاجات الشعبية في تونس.

تطور الأمر، حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، في 12 يناير 2011، "أن إدارة الرئيس "بارك أوباما" قلقة جداً بسبب تقارير عن الاستخدام المفرط للقوة من قِبل الحكومة التونسية ضد المحتجين".

على إثر مغادرة الرئيس "بن علي" تونس، يوم 14 يناير 2011، وجه الرئيس الأمريكي رسالة تهنئة للشعب التونسي على شجاعته وكرامته، وقال أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب المجتمع الدولي، للشهادة على هذا النضال الشجاع من أجل الحصول على الحقوق العالمية التي يجب أن نحافظ عليها، وأنه سيذكر على الدوام صور الشعب التونسي الذي يسعى لإسماع صوته، ودعا الرئيس أوباما إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة في تونس، وأن يلتزم الشعب التونسي بالهدوء.

أعلن "ستيفن كوك" المسؤول عن مكتب الشرق الأوسط في مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي، أن الجيش التونسي هو من أقال الرئيس "بن علي"، وأن الجيش مسيطر على البلاد. ثم اردف: "أنه ليس المهم أن يكون قادة الجيش ديموقراطيين أم لا، ولكن المهم هو تصميمهم على إزالة الفساد والنهب". وقال: "إن الثورة ضد "بن علي" كانت خالية من الإسلاميين، وهذا يطمئن المتخوفين من أن القوة الإسلامية هي القوة الاجتماعية القوية الوحيدة في المنطقة". وذكر كوك أن تونس ليست لها أهمية إستراتيجية للولايات المتحدة الأمريكية، على العكس من وضع مصر والجزائر والأردن، لذلك فهو يشكك في أن تمتد موجة الثورات إلى دول عربية أخرى.

مع تأكد الولايات المتحدة الأمريكية بنجاح الثورة، استخدمت نفوذها في تحويل مسار الثورة إلى أهدافها الحقيقية في بناء الشرق الأوسط الجديد. ومع تصاعد الثورات في المنطقة، فإن اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بالثورة التونسية تقلص بعض الشيء، اعتماداً على أن الاهتمام الأوروبي بتونس ـ خاصة فرنسا ـ سوف يملأ الفراغ الناجم عن ابتعادها عن الصورة.

ثامناً: ردود الفعل الأجنبية الأخرى

1. تعددت التصريحات والبيانات الصادرة من القوى العالمية، خاصة الدول الأوروبية، التي أبدت اهتماماً زائداً بأحداث الثورة التونسية، إلى جانب اهتمام فرنسي خاص. وأعلن السكرتير العام للأمم المتحدة عن قلقه بازدياد التطورات الجارية في تونس، وأسفه للخسائر في الأرواح، ودعا إلى البحث عن تسوية للأزمة واحترام حرية التعبير.

2. في السياق نفسه، فإن معظم دول العالم أجلت رعاياها من تونس، جواً أو بحراً، مبعدة إياهم عن الأخطار المحدقة بالشارع التونسي.

3. تباينت ردود فعل القوى الإقليمية (إسرائيل ـ إيران ـ تركيا)، وخرجت من كل منها تصريحات تتناسب مع مصالحها، وما قد يحدث في تطور العلاقات بينها وبين تونس.

3. أبدت العديد من القوى العالمية استعدادها لدعم الثورة التونسية سياسياً واقتصادياً، كالآتي:

أ. أعلن مستشار الرئيس الأمريكي لمكافحة الإرهاب "جون برينان"، أن بلاده مستعدة لمساعدة الحكومة التونسية على تنظيم انتخابات حرة تعكس إرادة الشعب.

ب. أعلنت بريطانيا عن دعمها لتونس، وذكرت الصحف البريطانية أن سقوط الرئيس التونسي هو مثال على التحولات والأحداث غير المتوقعة، وأن تونس تعيش لحظة تاريخية.

ج. أدانت فرنسا أعمال الترويع والعنف التي تقوم بها عصابات إجرامية في تونس، وطالبت السياسيين بالإسراع في العملية الانتقالية، وأعلنت أنه ليس هناك تجميد لأي أرصدة تونسية في فرنسا.

4. مع بداية الثورة المصرية، وتحول الاهتمام العالمي إلى ما يحدث في مصر، انحسرت التصريحات التي يدلي بها المسؤولون في النظام العالمي عن الوضع في تونس، وإبعاد شبهة مشاركتهم فيما يحدث في المنطقة.

فبينما شككت الولايات المتحدة الأمريكية، على لسان المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية، أن سيناريو الثورة التونسية يمكن أن يتكرر في إحدى دول المنطقة، فإن فرنسا دافعت عن نفسها بشدة فيما يتعلق برفض استقبالها للرئيس "بن علي"، وقالت وزيرة الخارجية الفرنسية "اليو ماري" أن الرئيس السابق لم يطلب اللجوء إلى فرنسا. وفي ألمانيا أعلن الترحيب بنتائج الثورة، وأيدت الخارجية الألمانية استعدادها لتقديم الدعم لتونس من أجل التحول الديموقراطي.

في السياق نفسه بدأ المسؤولون في الخارجية الأمريكية والاتحاد الأوروبي في الوصول إلى تونس، كذلك قدمت فرنسا عروضاً لمساعدات لدعم التحول الديموقراطي في تونس، خاصة المساعدات الاقتصادية.