إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي




مصطفى كمال أتاتورك

الحقائق الجيوبوليتيكية
الحقائق الديموجرافية
الأهمية الإستراتيجية

الاتحاد الأوروبي
القارة الأوروبية
دول الاتحاد الأوروبي



المقدمة

المبحث الخامس

الموقف الحالي (يناير 2011) من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

على الرغم من أن تركيا ـ من حيث الموقع الجغرافي ـ تعد دولة آسيوية, يقع جزء صغير منها (إستانبول) داخل القارة الأوروبية, إلا أنها في عام 1989، تقدمت بطلب للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي؛ الأمر الذي لا يزال يثير جدلاً حاداً داخل النادي الأوروبي بين مؤيد, ومعارض, ما أدى إلى عدم حصول تركيا ـ حتى الآن ـ على عضوية الاتحاد الأوروبي.

أولاً: العلاقات التاريخية لتركيا مع الاتحاد الأوروبي

عند استعراض تاريخ العلاقات بين تركيا والاتحاد الأوروبي، خلال مراحل تأسيسه المختلفة, نرصد الآتي:

1. في عام 1959, تقدمت تركيا بطلب للحصول على عضوية "الجماعة الاقتصادية الأوروبية".

2. في عام 1963, عقد الطرفان "اتفاق انتساب", يقبل ضمناً ترشيح تركيا إلى عضوية "السوق الأوروبية المشتركة".

3. في عام 1989, تقدمت تركيا بطلب للانضمام إلى "المجال الأوروبي الخالي من الحدود الدولية".

4. في عام 1995, أصبحت تركيا طرفاً في "الاتحاد الجمركي".

5. في عام 1999, قبل الاتحاد الأوروبي طلب تركيا للترشيح لعضويته.

6. في عام 2005/ 2006, اتُخذ القرار بإجراء المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبين تركيا حول آلية الانضمام, إلا أنه من المتوقع أن يكون طريق المفاوضات صعباً وشاقاً, بل وشديد الوعورة.

ثانياً: انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

1. مكاسب تركيا من الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

تسعى تركيا، وبقوة، نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, بهدف التمتع بالمزايا العديدة التي يتمتع بها أعضاؤه, مع تحقيق المكاسب الرئيسية الآتية:

أ. تقوية العلاقات السياسية التركية مع الدول الأوروبية, خاصة غير الأعضاء في منظمة حلف شمال الأطلسي.

ب. تنمية العلاقات الاقتصادية, ومضاعفة الاستثمارات الأوروبية في إطار اندماج الاقتصاد التركي في القوة الاقتصادية المتقدمة للاتحاد الأوروبي, مع الاستفادة من التكنولوجيا الأوروبية الحديثة، في كافة مجالات الصناعات التركية.

ج. إيجاد أسواق أوروبية مفتوحة للمنتجات التركية، من خلال رفع كل الحواجز الجمركية, والحد من وسائل حماية الصناعات الوطنية.

د. الخروج بتركيا من وضع "الدولة الطرف" إلى وضع "الدولة المركز", حيث أدركت تركيا قيمتها, ومكانتها الإقليمية والدولية.

هـ. رد الاعتبار لتركيا في مواجهة مزاعم التهميش, ومجابهة تحركات إضعاف الدور التركي الإقليمي في محيطه الأوروبي, والتي تجسدت في فكرة "الشراكة المميزة"، التي تعرضها كل من ألمانيا والنمسا, وفى فكرة عضوية "الاتحاد من أجل المتوسط"، التي تعرضها فرنسا.

و. إنهاء كافة القضايا المعلقة ذات التأثير السلبي على العلاقات بين تركيا وبين الاتحاد الأوروبي (القضية الأرمينية- قضية الأقلية الكردية ـ القضية القبرصية ـ القضايا الخلافية مع اليونان ـ قضايا حقوق الإنسان).

2. أسباب تركيا ومبرراتها للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

أ. ترى تركيا أنها عضو في النادي الأوروبي منذ انضمامها إلى "منظمة حلف شمال الأطلسي ـ الناتـو", أي منذ عام 1952, وأنها بمثابة نقطة ارتكاز للمنظمة للانطلاق نحو منطقة الشرق الأوسط.

ب. ترشيح تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في بعض مراحل تأسيسه المختلفة (السوق الأوروبيـة المشتركة ـ الاتحاد الجمركي).

ج. أهمية الموقع الجغرافي الإستراتيجي لتركيا بوصفها تمثل حلقة الوصل المباشرة بين دول قارة أوروبا، وبين كل من دول منطقة الشرق الأوسط, ودول منطقة جنوب وشرق بحر قزوين, وخاصة الجمهوريات الإسلامية الخمس في وسط آسيا؛ الأمر الذي يساعد على تحقيق رغبة القارة الأوروبية في التوسع وراء حدودها الجغرافية لتدعيم نفوذها الإستراتيجي, وهي لن تستطيع تحقيق ذلك إلا عن طريق دمج تركيا داخلها.

د. استثمار الدور والثقل الإقليمي التركي بعد أن أصبحت تركيا ـ بعد حرب الخليج الثالثة ـ أحد أضلاع مثلث مركز الثقل الجيوبوليتيكى الجديد في منطقة الشرق الأوسط, والذي يتكون من الدول غير العربية الثلاث (تركيا ـ إسرائيل ـ إيران).

هـ. تمثل تركيا جسراً حضارياً مهماً بين الحضارة الأوروبية وبين الحضارات الأخرى في قارة آسيا, وخاصة الحضارة الإسلامية ـ بوصف أن تركيا دولة إسلامية ـ وأنها تعد نقطة التقاء لـ "حوار الحضارات", ويمكنها أن تلعب دوراً بارزاً في تحقيق التقارب، وليس الصدام/ الصراع بين أوروبا وبين العالم الإسلامي.

و. تعد تركيا معبراً تجارياً بين الدول الأوروبية وبين دول كل من منطقة الشرق الأوسط, ومنطقة وسط وجنوب شرق آسيا, وخاصة الدولة الإسلامية بوصفها مركزاً للطاقة.

ز. تعد تركيا مركزاً مستقبلياً للطاقة, وممراً لأنابيب الغاز الطبيعي, حيث تمتلك تركيا نسبة عالية من احتياطيات النفط, والغاز الطبيعي في منطقة الشرق الأوسط, وأنها تقع بالقرب من أوروبا أكبر المناطق المستهلكة للطاقة. ويدعم ذلك المبرر, أنه منذ ثلاثة أعوام وحتى الآن، أن روسيا الاتحادية قطعت بين الحين والآخر إمدادات الغاز الطبيعي ـ المارة عبر أوكرانيا ـ عن أوروبا؛ الأمر الذي يزيد من احتمالات تحول تركيا إلى نقطة عبور للغاز الطبيعي إلى أوروبا.

3. أسباب رفض انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

أ. الأسباب المعلنة

(1) أن تركيا دولة آسيوية, وليست دولة أوروبية بشكل كامل.

(2) عدم تلبية تركيا للشروط الجديدة والإضافية التي فرضها عليها البرلمان الأوروبي، إلى جانب "معايير كوبنهاجن"، للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

(3) المعارضة الشعبية الأوروبية القوية لدخول تركيا إلى النادي الأوروبي الغنى, والتكلفة الاقتصادية العالية المنتظر أن تتحملها أوروبا لتحقيق ذلك.

(4) رفض تركيا الاعتراف بالجمهورية القبرصية ـ الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي ـ وإصرارها على منع السفن والطائرات القبرصية من استخدام الموانئ والمطارات التركية, والذي تراه الدول الأوروبية بمثابة خطوة أولى للاعتراف التركي بالحكومة القبرصية اليونانية؛ ولكن تركيا تصر على عدم الاعتراف بالجمهورية القبرصية ما لم يقم الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات متزامنة لفتح التجارة بين الدول الأعضاء به، وبين الكيان التركي في شمال جزيرة قبرص.

(5) رفض الجمهورية القبرصية انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, واستخدامها لحق النقض (الفيتو) الذي تتمتع به ـ بصفتها دولة عضواً في الاتحاد ـ في عرقلة مفاوضات الانضمام.

(6) استمرار عمل تركيا بعقوبة الإعدام, وعدم العمل ـ من المنظـور الأوروبي ـ بقانون الدفاع عن حقوق الإنسان.

(7) وجود مجموعة من القضايا المعلقة بين الاتحاد الأوروبي وبين تركيا, والتي من أهمها الآتي:

(أ) القضية الأرمينية.

(ب) قضية الأقلية الكردية.

(ج) القضية القبرصية.

(د) القضايا الخلافية التركية/ اليونانية.

(هـ) معارضة تركيا الاشتراك العسكري, واستخدام أراضيها في غزو العراق عام 2003.

ب. الأسباب غير المعلنة

(1) أن تركيا "وريث الإمبراطورية العثمانية" لا تمثل دولة بقدر ما تمثله من بقايا الخلافة العثمانية, وأن صراعها القديم مع أوروبا ما زال قابعاً في العقلية الأوروبية.

(2) استحالة اندماج دولة تركيا، ذات الهوية الإسلامية، في دول القارة الأوروبية المسيحية, ذلك أن الدول الأوروبية على قناعة تامة من أن الهوية التركية من الداخل هي هوية إسلامية على الرغم مما تدعيه تركيا من أنها دولة علمانية, وتنص على ذلك في دستورها؛ ولكن الأوروبيون يرونها دولة علمانية غير مكتملة الأركان.

(3) إثارة تركيا لإشكالية أكبر الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من حيث تعداد السكان؛ فعند حلول عام 2015, سوف يتجاوز تعداد سكان تركيا (70.1 مليون نسمة حالياً) تعداد سكان ألمانيا ـ أكبر الدول الأعضاء حالياً من حيث تعداد السكان ـ؛ الأمر الذي سوف يكون له انعكاسات تثير القلق على وزن تركيـا في عملية التصويت, وفى تمثيلها داخل الاتحاد الأوروبي, خصماً من وزن وتمثيل دولة ألمانيا.

(4) أن الاتحاد الأوروبي ينفق معظم أمواله في تطوير المجال الزراعي, وفى تقديم المساعدات إلى المناطق الفقيرة من الدول الأعضاء به, وتركيا تحتاج إلى الأمرين معاً بصورة كبيرة, وبشكل ملح؛ ما من شأنه أن يشكل عبئاً على الميزانية الأوروبية، التي تعانى أصلاً من مشاكل تمويلية خطيرة, وتحتاج إلى إصلاحات جدية، سواءً بانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، أم من غير انضمامها.

(5) رفض أوروبا اقتسام حدودها الخارجية ـ حال انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي ـ مع كل من إيران، وسورية, والعراق.

4. رؤى القوى الأوروبية المعارضة والمؤيدة، لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

أ. رؤية القوى الأوروبية المعارضة وأسبابها:

ثمة قوى معارضة داخل دول الاتحاد الأوروبي لا يستهان بها, ترفض انضمام تركيا, أو ما يطلق عليها "وريث الإمبراطورية العثمانية" إلى عضوية الاتحاد, والتي تصل إلى حد الاعتقاد بأن انضمام تركيا سوف يقضى على الهوية المسيحية, بل وسوف يشكل النهاية الحتمية للاتحاد الأوروبي. ويتأسس رفض القوى المعارضة على الأسباب الرئيسية الآتية:

(1) الأسباب الجغرافية: لا تعد تركيا دولة أوروبية بالمعنى الكامل, وذلك ارتباطا بالتقسيم الجغرافي للعالم, وأن مساحة الجزء الواقع منها داخل القارة الأوروبية (إستانبول ـ غرب بحر مرمرة) لا يتجاوز نسبة (3%) من المساحة الكلية لدولة تركيا.

(2) الأسباب السياسية: الشكوك الأوروبية حول ما إذا كان النظام السياسي التركي ديموقراطياً بما فيه الكفاية، للحصول علـى العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي.

(3) الأسباب الاقتصادية: عدم تناغم الاقتصاد التركي ـ على الرغم مما شاهده من إصلاحات وتطورات إيجابية ـ مع أنماط اقتصاديات دول الاتحاد الأوروبي.

(4) الأسباب الحضارية والعقائدية

(أ) تشكل حضارة الأتراك ذات الطابع الشرقي قلقاً لدول الاتحاد الأوروبي.

(ب) الاختلاف العرقي والعقائدي والمذهبي التركي عن معظم دول الاتحاد الأوروبي (اعتناق الدين الإسلامي .. إلخ), على الرغم من تبنى تركيا للمذهب العلماني, وإصرارها على فصل أمور الدين عن شؤون الدولة.

(5) الأسباب المتعلقة بالقضية القبرصية: تتلخص القضية في الصراع التركي/ اليوناني حول مصير جزيرة "قبرص", خاصة وأن اليونان, وقبرص الجنوبية (اليونانية) عضوان في الاتحاد الأوروبي.

ب. رؤية دعم القوى الأوروبية المؤيدة وأسبابها

ترى القوى الأوروبية المؤيدة أن فشل عملية انضمام تركيا ـ بوصفها أكبر دولة إسلامية علمانية ـ إلى الاتحاد الأوروبي، سوف يكون من شأنه إحداث التداعيات الرئيسية الآتية:

(1) إيجاد نوع من التباعد الثقافي, واتساع في الهوة الحادثة بين الحضارتين الإسلامية, والمسيحية الغربية.

(2) دفع تركيا إلى تأسيس دولة إقليمية مركزية في الدائرة الحضارية الإسلامية, أو إلى إقامة تحالفات مع دول أخرى, مثل: روسيا الاتحادية, وإيران.

(3) أن عضوية تركيا سوف تمنع انتشار الفكر المتشدد في منطقة الشرق الأوسط, وتحميها من الوقوع تحت سيطرة المتشددين.

(4) امتلاك تركيا لأراضٍ زراعية شاسعة, ولأيدٍ عاملة كبيرة؛ الأمر الذي من شأنه أن يدعم الاقتصاد الأوروبي.

(5) على الرغم من أن الدول العربية لا تنظر إلى تركيا على أنها نموذج يحتذى به في منطقة الشرق الأوسط، إلا أن كثيراً من الدول العربية سوف ينظر إلى رفض انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي بمثابة عنصرية دينية من جانب الدول الغربية.

ثالثاً: القضايا ذات التأثير على انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

1. القضية الأرمينية

أ. الخلفية التاريخية

(1) بدأت القضية الأرمينية في الظهور في نهاية عهد الدولة العثمانية, عندما ظهرت مطالبات داخلية وخارجية تتعلق بحقوق الأعراق, والأديان الأخرى في الدولة, بعد ظهور النزعات القومية في أواخر عهد الدولة العثمانية.

(2) يدعى الأرمن بأنهم تعرضوا إلى مذابح تطهير عرقي في نهاية الدولة العثمانية ما بين عامي 1915, 1923, وراح ضحيتها (1.5) مليون أرمني؛ بينما يدعى الأتراك أن الأرمـن قاموا بمجازر جماعية ضد المواطنين الأتراك من قبل.

ب. الموقف الحالي

(1) يعد الجدل الثائر حول القضية الأرمينية، بين الاعتراف بحدوث مذابح التطهير من عدمه, من أهم القضايا التي تسببت في حدوث أزمات داخلية وخارجية لتركيا.

(2) حققت تركيا في الفترة الأخيرة إنجازات مهمة في مجال تلبية مطالب الأقليات, والتي من بينها الأقلية الأرمينية, وذلك في إطار تحقيق المعايير السياسية من "معايير كوبنهاجن", على طريق انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

2. قضية الأقلية الكردية

أ. الخلفية التاريخية

(1) تمثل أزمة الأكراد أهم القضايا التي تهدد وحدة الدولة التركية, وأحد العقبات أمام انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي, حيث يطالب الأكراد بإقامة حكم ذاتي لهم في جنوب شرق تركيا.

(2) تعود جذور القضية الكردية إلى "اتفاقية سيفر" عام 1920 بين تركيا وبين الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الأولى, والتي نصت على إقامة كيان قومي كردى في جنوب شرق تركيا, ويحصل الشعب التركي بعد خمس سنوات على الاستقلال. وقد نجح "مصطفى كمال أتاتورك" في حذف ذلك النص في معاهدة "لوزان" عام 1923. ومنذ ذلك التاريخ, تتعامل المؤسسات الحاكمة التركية المتعاقبة مع قضية الأقلية التركية على أنها قضية داخلية.

(3) بدأت القضية تهدد الوحدة التركية مع بروز عمليات حزب العمال الكردستاني الانفصالي في عام 1984, بزعامة "عبد الله أوجلان Abdullah Ocalan". وامتدت المواجهات الدامية بين الجيش التركي وبين الانفصاليين الأكراد إلى منطقة شمال العراق, حيث تقطن الأقلية التركية العراقية, والتي تتمتع بالحكم الذاتي. ومن الجدير بالذكر, أن اعتقال "عبد الله أوجلان" في نهاية التسعينيات من القرن العشرين لم يؤدِ إلى إنهاء التمرد الكردي.

ب. الموقف الحالي

(1) استمرت العمليات العسكرية في منطقة جنوب شرق تركيا, والتي تطورت في عام 2007 إلى توغل الجيش التركي داخل الأراضي العراقية، في إطار ملاحقة المتمردين الأكراد؛ إلا أنها لم تحقق نتائج حاسمة.

(2) اتجهت تركيا إلى تقوية علاقاتها مع العراق, بما يضمن قيام الأخيرة بدور أكبر في مقاومة التمرد الكردي، المدعوم بشكل غير مباشر من إقليم كردستان في شمال العراق.

3. القضية القبرصية

أ. الخلفية التاريخية

(1) تعود جذور القضية القبرصية إلى نهايات القرن التاسع عشر, عندما انتقلت السيادة على الجزيرة إلى بريطانيا عام 1878, واستمرت حتى عام 1960, تاريخ إعلان استقلالها. ويشكل اليونانيون أغلبية السكان, ونسبتهم (80%) من تعداد سكان الجزيرة, مقابل نسبة (20%) من الأتراك الموجودين منذ العهد العثماني. وفى ظل الخلافات المحتدمة بين تركيا وبين اليونان حول بحر إيجة, والصراع الإقليمي بينهما, ظلت جزيرة قبرص موضعاً للأزمات بين الدولتين.

(2) تفجرت القضية القبرصية عام 1974, مع التدخل العسكري التركي, نتيجة الانقلاب اليوناني الذي وقـع في الجزيرة, واحتلت القوات التركية القسم الشمالي من الجزيرة, والذي تقدر مساحته بنحو (38%) من المساحة الكلية للجزيرة.

(3) أعلن القبارصة الأتراك عام 1983 عن قيام جمهورية شمالي قبرص التركية, وهى الدولة التي لم يعترف بها أحد في العالم سوى تركيا, بل وأصدر مجلس الأمن الدولي قراره الرقم (541) بأنها دولة غير مشروعة.

ب. الموقف الحالي

(1) تحولت القضية القبرصية من إحدى أسس السياسة الخارجية التركية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين، إلى إحدى الملفات القابلة للتفاوض في السنوات الأخيرة, بسبب تراجع اهتمام تركيا بالمواجهة مع اليونان كجبهة أساسية. وفى الوقت نفسه, إعطاء ملف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الأولوية في السياسة الخارجية التركية، بعد أن أصبح تقسيم الجزيرة عقبة في طريق انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, ولأن جمهورية قبرص تستطيع ممارسة حق "الفيتو" ضد انضمام تركيا.

(2) شهدت القضية القبرصية عام 2008 تحولات مهمة, أبرزها البدء في محادثات إعادة توحيد الجزيرة, والتي كانت توقفت عام 2004, حين عارض القبارصة اليونانيون خطة السلام، التي اقترحتها منظمة الأمم المتحدة, ووافق عليها القبارصة الأتراك.

4. القضايا الخلافية التركية/ اليونانية

هناك أربع قضايا خلافية بين تركيا وبين اليونان، إلى جانب القضية القبرصية, وبيانها كالآتي:

أ. الوجود العسكري اليوناني في بعض جزر بحر إيجة الشرقية

ترى اليونان أن الوجود العسكري في جزر بحر إيجة الشرقية حق شرعي لها في إطار الدفاع عن أراضيهـا, في حين تعده تركيا تهديداً لأمنها القومي, نظراً لقرب تلك الجزر من الساحل التركي.

ب. السيطرة على المجال الجوى

تتهم تركيا اليونان باستغلال الاتفاق الثنائي المبرم بينهما في منتصف الخمسينيات من القرن العشرين, والذي عهد فيه لليونان بتولي المسؤولية التقنية للسيطرة على المجال الجوى في بحر إيجة, وإدعاء اليونان بأن بلوغ المجال الجوى التركي (عشرة أميال), يتعارض مع تعليمات منظمة الطيران المدني الدولية, ويهدف إلى حجب "مجال معلومات الطيران" عن اليونان بحجة السيادة التركية, وبدعوى الحق في ضبط الطائرات العسكرية الأجنبية.

ج. الجرف القاري

ترى تركيا أن إدعاءات اليونان بتجاوزها على الجرف القاري للجزر اليونانية أثناء العمليات التركية للتنقيب عن النفط في أماكن مختلفة من بحر إيجة, أمراً مبالغاً فيه, ولا يتفق مع التحديد المتوازن والمتكافئ للجرف القاري لبحر إيجة, والذي له وضع متميز, ويقتضى حلاً خاصاً به.

د. المياه الإقليمية

ترى تركيا أن مدّ اليونان حدود مياهها الإقليمية وراء حدودها الحالية البالغة (6) أميال إلى (12) ميلاً بحرياً في بحر إيجة، يرقى إلى مستوى التهديد, وسوف يترتب عليه نتائج خطيرة تؤثر على فاعلية القدرات الدفاعية, والاقتصادية, والتجارية التركية.

رابعاً: موقف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

1. الموقف العام

أ. تعد تركيا من الدول المرشحة للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في المرحلة الثانية من التوسع, وأنه من المنتظر أن تبدأ المحادثات الخاصة بانضمامها اعتبارا من عام 2006. وارتباطاً بذلك, اتخذت تركيا مجموعة من القرارات والإجراءات الإصلاحية على طريق توفيق أوضاعها، طبقاً لشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي "معايير كوبنهاجن".

ب. لا شك أن الشروط الجديدة والإضافية التي وضعها البرلمان الأوروبي بشأن انضمام تركيا ـ وإن كانت غير ملزمة لحكومات الدول الأعضاء ـ أحدثت خدشاً ظاهراً في كبرياء الشعب التركي، هذا الشعب الذي مازال يعيش في ظلال الماضي القريب, عندما كانت الإمبراطورية العثمانية تحكم شرقاً وغرباً. ومن يدرك مدى تشبث الأتراك بقوميتهم وكبريائهم، يمكن أن يتفهم الرفض التركي القاطع لأي شكل من أشكال الانضمام المنقوص إلى عضوية الاتحاد الأوروبي كفكرة "الشراكة المميزة", التي تدعمها الأحزاب المسيحية المحافظة في ألمانيا, والنمسا.

ج. لن تصبح تركيا ـ في أحسن حالات التفاؤل ـ عضواً في الاتحاد الأوروبي قبل مرور مدة (5 - 10) أعوام على الأرجح. ومن الجدير بالذكر, أن ما يزيد على نسبة (70%) من الأتراك يؤيدون الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي الواعد بالنماء, والازدهار, والرخاء .

2. الرؤية المجتمعية للقوى التركية بشأن الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

تتنازع حركة المجتمع التركي ـ من منظور الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي ـ ثلاث قوى كالآتي:

أ. القوة الأولى: دعاة عدم الاندماج الأوروبي

القوة الأولى هي القوة الراغبة في احتفاظ تركيا بنقائها الحضاري, وخصوصيتها الاجتماعية والثقافية, وعدم السير وراء السراب الأوروبي لتحقيق الاندماج في المجتمع الأوروبي, ممثلاً في الاتحاد الأوروبي.

ب. القوة الثانية: دعاة التغريب

القوة الثانية هي قوة دعاة التغريب, والتي تنادى بتمسك تركيا بنظامها العلماني, والتضحية من أجل الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

ج. القوة الثالثة: القوة العسكرية

القوة الثالثة هي القوة العسكرية الرافضة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, حيث تدرك تماماً أن حدوث ذلك يمثل سحباً لكافة سلطاتها السياسية, ولقوتها الاقتصادية الخاصة, إضافة إلى إعادة تنظيم وضعها الدستوري, وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي.

3. التوجهات العثمانية الجديدة في مواجهة العقيدة الكمالية

أ. العوامل الرئيسية لتحديد التوجهات العثمانية الجديدة

يمكن رصد ثلاثة عوامل رئيسية تسهم في تحديد التوجهات العثمانية الجديدة لحزب العدالة والتنمية في مواجهة العقيدة الكمالية, والتي تدعم توجهات تركيا نحو الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, وبيانها كالآتي:

(1) العامل الأول: الاستعداد للتصالح مع إرث تركيا الإسلامي والعثماني في الداخل والخارج

يتم التصالح مع إرث تركيا الإسلامي والعثماني من خلال الآتي:

(أ) عدم دعوة العثمانية الجديدة إلى فرض نظام قانوني/ حكم إسلامي في تركيا الحديثة, أو تدعـو إلى الإمبريالية التركية في منطقتي الشرق الأوسط, والبلقان، بل تسعى ـ بدلاً من ذلك ـ إلى علمانية أقـل تشدداً في الداخل, وإلى سياسة أكثر انفتاحا, ودبلوماسية أكثر حيوية في الخارج.

(ب) يتعين ـ في إطار النموذج العثماني الجديد ـ أن تمارس تركيا ما يعرف بـ "القوة اللينة" في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية في أراضى السلطنة العثمانية السابقة, وفى المناطق الأخرى, حيث المصالح الحيوية والإستراتيجية التركية. وتتطلب الرؤى الجديدة الواسعة للسياسة الخارجية التركية, احتضان إرثٍ للقوة العظمى العثمانية, وإعادة التعريف بالهوية القومية التركية, وصياغة توجهات دولة تركيا الحديثة.

(ج) يصاحب تحول الرؤى إلى النموذج العثماني الجديد تأثيرات كبيرة على صياغة السياسات, والإستراتيجيات التركية، ذلك أن التصالح بين العثمانية الجديدة وبين إرث تركيا الإمبريالي والإسلامي، يفسح المجال أمام تصور المواطنة ليكون أقل اعتماداً على الإثنية, وأكثر انفتاحاً على مفهوم التعددية الثقافية.

(د) ترى العثمانية الجديدة أن الحقوق الثقافية التركية لا تشكل خطراً كبيراً عند التعبير عن الهوية القومية التركية، وخاصة فيما يتعلق بالأقلية الكردية, طالما يحافظ الأكراد على ولائهم للجمهورية التركية. ولهذا, فإن العثمانية الجديدة تفضل التعايش مع المطالب الكردية لنيل الحقوق الثقافية والسياسية، في إطار من التعددية الثقافية, والهوية الإسلامية.

(هـ) إن العثمانية الجديدة ـ على عكس الغلاة الكماليين الذين يصرون على تذويب الأكراد في التركية ـ تسمح للإسلام بلعب دور أكبر في مجال بناء حس الهوية المشتركة، ويصبح الإسلام قاسماً مشتركاً حاسماً بين الأتراك وبين الأكراد.

(2) العامل الثاني: استبعاد الشعور العظمة في السياسة الخارجية

يتم استبعاد شعور العظمة من خلال الآتي:

(أ) تنظر العثمانية الجديدة إلى تركيا كقوة عظمى إقليمية, ومن ثم، فإنها ترى ضرورة اضطلاع تركيا، بصفتها دولة محورية، بدور سياسي واقتصادي فعال للغاية في منطقة كبيرة, تمثل تركيا فيها المركز, ولكن دون إحساس الآخرين بعظمة الإمبراطورية العثمانية القديمة.

(ب) يسمح التصور الجديد, على الرغم من طموحه، بفكرة الحقوق الثقافية الكردية, وإعطاء الإسلام مزيداً من الفضاء السياسي، إضافة إلى السماح للسياسة الخارجية بالانفتاح التركي, أو الإسلامي على منطقة الشرق الأوسط, على عكس السياسة الخارجية الكمالية, التي تشدد بقوة على الحفاظ على الأمر الواقع, وعلى مواجهة خطر الانفصالية الكردية.

(3) العامل الثالث: الانفتاح على الغرب بقدر الانفتاح نفسه على العالم الإسلامي

إن الإرث الأوروبي ـ الذي لقب السلطنة العثمانية "برجل أوروبا المريض" ـ ليس له أهمية كبيرة لدى العثمانيين الجدد، فهم منفتحون على الغرب, مثلما هم أولو صلة وثيقة بالإرث الإسلامي؛ الأمر الذي يغيب عن غلاة الكماليين, الذين يرون الإسلام, والتعددية الثقافية, والليبرالية أعداءً للثورة الكمالية.

ب. الاختلافات بين العثمانية الجديدة والعقيدة الكمالية

نخلص مما سبق، إلى أن هناك اختلافات بينة واضحة بين العثمانية الجديدة وبين العقيدة الكمالية، يمكن رصدها في الآتي:

(1) تؤيد العثمانية الجديدة انتهاج سياسة إقليمية طموحة في منطقة الشرق الأوسط وخارجها، في حين تتبنى الكمالية سياسة متواضعة, وحذرة.

(2) تحبذ العثمانية الجديدة التعددية الثقافية, والعلمانية الليبرالية، بينما تفضل الكمالية التدابير الصارمة ضد الهوية الكردية.

(3) ترفض الكمالية بشدة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي, وقيام علاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، بينما تسعى العثمانية الجديدة سعياً حثيثاً إلى الحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي, وإلى إقامة علاقات إستراتيجية جيدة مع الولايات المتحدة الأمريكية.

4. مدى تلبية تركيا لشروط الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي

أ. التعديلات الدستورية

شهد دستور عام 1982, أربعة عشر تعديلاً حتى الآن, تركزت في غالبها على تعزيز وترسيخ الحقوق والحريات الأساسية, وتطوير وتوطيد الديموقراطية في الدولة التركية, والتي من أهمها الآتي:

(1) إلغاء عقوبة الإعدام, ومحاكم أمن الدولة.

(2) ضمان حرية الصحافة.

(3) وضع الاتفاقيات الدولية المبرمة في مجال الحريات وحقوق الإنسان موضع التنفيذ, واعتبار أنها تعلو على التشريعات الوطنية.

(4) حماية المواطن التركي بعدم تسليمه إلى أية دولة أجنبية، إلا إذا قررت محكمة العدل الدولية ذلك.

(5) أن يُنتخب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة.

ب. تقرير المائدة المستديرة للأعمال التركية

يعرض التقرير الذي صدر مؤخراً عن "المائدة المستديرة للأعمال التركية"، تحليلاً عميقاً حول تقدم تركيا نحو رعاية "نظاماً ديمقراطياً أكثر عمقاً, ونظاماً اقتصاديا أكثر قوة, وهيكلاً اجتماعيا أكثر استقرارا"، في إطار تلبية شروط الانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي "معايير كوبنهاجن". ويضع التقرير الخطوط العريضة للإصلاحات التي يراها تتبلور في المجتمع التركي, ويبرز منها الآتي :

(1) تطوير النظام الديموقراطي، سواءً في النظام البرلماني, أو الإدارة العامة (الحكومة وأجهزتها), أو النظام القضائي, أو حقوق الإنسان.

(2) تقوية النظام الاقتصادي, من خلال ارتفاع معدلات نمو التنمية المستدامة, وزيادة الإنتاج, وتنامي منافسة السوق الحرة, والإجراءات الاستثمارية الجاذبة, وتهذيب الاقتصاد غير الرسمي (تدعيم القطاع الخاص), وعمليات خصخصة القطاع العام, وغيرها .

(3) التطوير في الهيكل الاجتماعي في مجالات التعليم, وسوق العمل, والمساواة الاجتماعية.

(4) تنفيذ الحكومة الإلكترونية في مجالات الرعاية الصحية, ونظام التعليم, والخدمات القانونية, والخدمات العامة, والتجارة الإلكترونية, وغيرها.

(5) تخفيف القيود على حرية الفكر والرأي والتعبير.

(6) عدم اضطهاد الأكراد, والسماح بتدريس اللغة الكردية في المدارس.

ج. إجراءات إعادة هيكلة المؤسسات والتشريعات الدستورية والقانونية

استكمالا لما سبق, اتخذت الحكومة التركية الحالية إجراءات جادة محددة وواضحة، نحو إعادة هيكلة مؤسسات تركيا, وتشريعاتها الدستورية والقانونية، للتواؤم مع "معايير كوبنهاجن"؛ الأمر الذي يبرز من الآتي:

(1) صياغة عدد من القوانين الجديدة، التي يتم بمقتضاها إجراء تعديلات دستورية أو قانونية, وأطلق عليها "حزم قانونية للتواؤم مع الاتحاد الأوروبي", وبلغ مجموعها سبع حزم قانونية.

(2) إعادة تنظيم مجلس الأمن القومي التركي دستورياً, وفقاً لمعايير الاتحاد الأوروبي, وتحويله إلى مؤسسة استشارية في خدمة الحكومة. وقد أدى ذلك إلى الحد من دور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية التركية, وذلك من خلال تقليص وضعها الدستوري والقانوني, بما يلغى هيمنتها على مجلس الأمن القومي.

د. الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية

(1) أجرى، يوم 12 سبتمبر 2010، استفتاء شعبياً على تعديل الدستور التركي, بنسبة مشاركة بلغت (77%) من أصل (55) مليون تركي مؤهلين للتصويت, والذي انتهى إلى تصويت الشعب التركي بنسبة (58%) لصالـح إقرار الإصلاحات الدستورية, والتي تشتمل على (26) مادة, من أهمها الآتي:

(أ) جعل المؤسسة العسكرية عرضة للمساءلة أمام القضاء المدني.

(ب) منح موظفي المؤسسات الحكومية الحق في العصيان المدني.

(ج) رفع الحصانة عن رجال انقلاب عام 1980.

(د) منح البرلمان سلطات أوسع في تعيين القضاة, بما يشكل مؤشراً على إضعاف المؤسسة القضائية.

(2) على الجانب الآخر, تصاعدت مخاوف المعارضة (42% من نسبة الاستفتاء) من التداعيات الآتية:

(أ) تراجع العلمانية التركية.

(ب) تعرض استقلالية القضاء التركي للخطر.

(3) أعلنت وسائل الإعلام العالمية عن الإشادة الدولية, والأوروبية بالنتائج الإيجابية للاستفتاء التركي على إجراء إصلاحات قانونية ودستورية, والذي يمثل انتصارا للديموقرطية التركية, وتحولاً جديداً في تاريخها, يكون من شأنه دعم فرص تركيا للانضمام إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

خامساً: العلاقات الإستراتيجية الأمريكية/ التركية

1. نشأتها وتطورها

أ. ترتبط الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بشبكة من علاقات التعاون الإستراتيجي في المجالات السياسية, والاقتصادية, والعسكرية والأمنية, ما دعم مركز الثقل التركي في معادلات توازنات القوى في منطقة الشرق الأوسط.

ب. أدت المتغيرات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط خلال عقد الثمانينيات من القرن العشرين، إلى زيادة إحساس الولايات المتحدة الأمريكية بأهمية تركيا الإستراتيجية, بوصفها ركيزة أساسية في منطقة الشرق الأوسط ينبغي المحافظة عليها, ودعمها.

ج. أدى تدهور الأوضاع الأمنية الداخلية في تركيا في بداية الثمانينيات من القرن الماضي, واعتبارها أزمة إستراتيجية لكل من الولايات المتحدة الأمريكية, ومنظمة حلف شمال الأطلسي، إلى عقد "اتفاقية دفاع مشترك" بين أمريكا وتركيا في يناير من عام 1980, خارج نطاق منظمة حلف شمال الأطلسي, تلقت بموجبها تركيا مساعدات اقتصادية وعسكرية أمريكية.

د. تحولت العلاقات الأمريكية/ التركية خلال تسعينيات القرن العشرين لتأخذ أطراً, وأشكالاً أخرى سياسية, وعسكرية, وأمنية, والتي تأسست على أهمية موقع تركيا الإستراتيجي كجزء مهم في إطار تشكيل البيئة الدولية, ولقربها من ثلاثة من أهم مراكز التوتر, وهى: منطقة القوقاز ـ آسيا الوسطى، ومنطقة البلقـان، ومنطقة الشرق الأوسط, وشرق المتوسط.

2. الدوافع الأمريكية لإقامة العلاقات الإستراتيجية مع تركيا

تتمثل أهم دوافع الولايات المتحدة الأمريكية لإقامة علاقات التعاون الإستراتيجي, وتطويرها مع تركيا، في الآتي:

أ. الاستفادة من الأهمية الإستراتيجية, والجيوستراتيجية للموقع الجغرافي لتركيا.

ب. استغلال القواعد العسكرية التركية في الحرب الأمريكية ضد الإرهاب، بوصفها قاعدة ارتكاز تنطلق منها القوات الأمريكية, ذلك أن لتركيا حدوداً دولية مشتركة مع إحدى دول محور الشر (إيران), وإحدى الدول العربية المارقة (سورية)، من المنظور الأمريكي.

ج. استخدام ورقة المياه التركية في ممارسة المزيد من الضغوط، على الدول العربية المجاورة جغرافياً لها.

د. الاعتماد على تركيا في وضع الترتيبات الشرق أوسطية القادمة.

هـ. تعزيز علاقات التعاون الإستراتيجي التركي/ الإسرائيلي.

3. الدوافع التركية لإقامة العلاقات الإستراتيجية، مع الولايات المتحدة الأمريكية:

أ. تتمثل أهم دوافع تركيا لإقامة علاقات التعاون الإستراتيجي, وتطويرها مع الولايات المتحدة الأمريكية في الآتي:

(1) اعتبارات الأمن القومي التركي, خاصة تجاه التهديدات الروسية.

(2) رغبة تركيا في الحصول على المساعدات الاقتصادية والعسكرية الغربية، بشروط تفضيلية.

(3) ضمان الدعم الأمريكي المتواصل لانضمام تركيا، إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

(4) المحافظة على التوازن الدولي والإقليمي، تجاه علاقات تركيا مع اليونان.

(5) التطلعات التركية إلى النفوذ, وتأدية دور إقليمي فاعل في منطقة الشرق الأوسط, وفى الدائرة الأوروبية.

ب. ارتباطا بما سبق, أخذت تركيا على عاتقها القيام بدور فاعل في الإستراتيجية الأمريكية, ووافقت على إقامة قواعد, ومنشآت عسكرية إضافية على أراضيها, لتسهيل مهام القوات الأمريكية في منطقتي الشرق الأوسط, ووسط آسيا، في محاولة منها لضمان إشراكها في أي ترتيبات (سياسية ـ أمنية ـ اقتصادية) أمريكية في منطقة الشرق الأوسط.

ج. ظهرت مؤخراً تحولات مهمة في نظرة تركيا إلى علاقاتها الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية, يمكن رصدها في الآتي:

(1) عدم إعطاء الولايات المتحدة الأمريكية "صك على بياض" في توظيف تركيا لخدمة مصالح, وسياسات الولايات المتحدة في منطقة الشرق الأوسط.

(2) إعادة التفكير في الدائرة العربية بعيداً عن منظور العلاقة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية, ما يعنى التحلل نسبياً من الأعباء الأمريكية، من أجل تحسين العلاقات مع العالم العربي.

(3) الدفع في اتجاه تحميل الولايات المتحدة الأمريكية جزءاً من أعباء انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي.

4. الموقف الأمريكي من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي

أ. بدأ الدعم الأمريكي لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون Bill Clinton", عندما أعلن في مؤتمر الأمن والتعاون الأوروبي، المنعقد خلال يومي 18 و19 نوفمبـر 1999، تشجيع الدول الأوروبية على قبول تركيا داخل الاتحاد الأوروبي كجزء من أوروبا.

ب. ارتباطاً بما سبق, أكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنه من الخطأ إقصاء تركيا عن المجتمع الأوروبي لأسبـاب تاريخية وحضارية, وأن أهمية تركيا ازدادت بعد الحرب الباردة، بسبب حدودها المشتركة مع كل من العراق, وإيران, وسورية, وارتباطها التاريخي بالقفقاس, وآسيا الوسطى.

ج. في 5 أبريل 2009, وأثناء الاحتفالات بالعقد الستين على إنشاء منظمة حلف شمال الأطلسي, وفى إطار التقارب الأمريكي/ الإسلامي, ومن مدينة "ستراسبورج" الفرنسية, حث الرئيس الأمريكي "باراك أوباما" قادة دول الاتحاد الأوروبي على قبول تركيا عضواً كاملاً به. وقال أمام قمة الحلف: "يتعين على الولايات المتحدة الأمريكيـة وأوروبا الاقتراب من المسلمين كأصدقائنا, وجيراننا, وشركائنا، في مكافحة الظلم".

د. استكمالا لما سبق, جاء إعلان الرئيس الأمريكي "باراك أوباما"، في 9 أبريل 2009، من العاصمة التركية "أنقرة"، عن عدم وجود حالة حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وبين المسلمين، إعلاناً له دلالاته. ويمكن أن يعد بمثابة رسالة موجهة إلى الأوروبيين من أنه: إذا لم يتم ضم تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فإنها قد تترك التوجه العلماني, وتعود إلى اعتماد الدين الإسلامي المتشدد في نهجها السياسي. ومن هنا, جاء تشجيع الرئيس الأمريكي, وتأييده لانضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي, ومطالبته بضرورة دمج تركيا في منطقة "اليورو"، بعد تطبيقها الإصلاحات المطلوبة.