إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأحزاب السياسية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية





نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996
نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996
نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية
الكنيست الثامن عشر




المبحث الأول

المبحث الأول

الأحزاب السياسية في إسرائيل

توجد في إسرائيل إلى جانب مؤسسات الدولة الرسمية، قوى غير رسمية، تتمثل في الأحزاب السياسية غير المشاركة في الائتلاف الحاكم، وجماعات الضغط أو المصالح. تشارك هذه القوى في رسم السياسة العامة للدولة، ومن ثم في صنع القرار السياسي.

أبرز ما تتميز به الأحزاب الإسرائيلية هو تعددها، ومرجع هذا التعدد هو التركيب المتناقض للمجتمع الإسرائيلي، والتفاوت الظاهر بين مختلف طبقاته وفئاته، التي هي عبارة عن خليط متنافر من الجماعات ذات الأصول المتباعدة، والاتجاهات المتباينة، عنصرياً، ودينياً، وفكرياً، وثقافياً. ومن ثم كان من الطبيعي أن يؤدي هذا التنافر إلى أن تعبر كل فئة أو جماعة عن نفسها في حزب سياسي، بعد أن عزز النظام الانتخابي القائم على أساس التمثيل النسبي للأحزاب في الكنيست، الاتجاه نحو تعدد الأحزاب، بما يكفل، إلى حد بعيد، تمثيل الأحزاب الصغيرة تمثيلاً يتناسب مع عدد أعضائها.

اتفق الكثيرون على تصنيف الأحزاب الإسرائيلية إلى يسارية، ويمينية ودينية استناداً إلى منطلقاتها الإيديولوجية، بيد أنه من الصعوبة القطع بصحة هذا التصنيف، ذلك أن كل الأحزاب السياسية في إسرائيل تشترك في إيديولوجية واحدة هي: الإيديولوجية الصهيونية التي كان هدفها الوحيد قبل عام 1948 إقامة دولة يهودية في فلسطين عن طريق طرد سكانها الأصليين وإحلال الجماعات اليهودية المهاجرة محلهم. ثم أصبح بعد عام 1948 الحفاظ على أمن هذه الدولة وبقائها، وعلى طابعها اليهودي، من خلال استمرار تدفق هجرة الجماعات اليهودية، والعمل على ضمان استيعابهم داخل الدولة، ضمان تفوق الدولة على جيرانها العرب في كافة المجالات.

راحت الحركة الصهيونية ـ في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين ـ تُشجّع قيام أحزاب متعددة الاتجاهات، بقصد احتواء جميع الفئات والجماعات اليهودية المختلفة داخلها. ومن ثم ظهرت ثلاثة تيارات رئيسية، يؤمن معظمها بالصهيونية السياسية، ويشترك جميعها في هدف واحد، بينما تختلف في سبل تحقيق ذلك الهدف. وهذه التيارات الثلاثة هي:

1. العمالي الاشتراكي.

2. الصهيوني اليميني.

3. الديني.

وقد تضمن التيار الأخير جناحاً صهيونياً دينيا،ً وآخر معارضاً للصهيونية، آثر الخروج من المنظمة الصهيونية العالمية. وهكذا تعددت السبل وظل الهدف واحداً وواضحاً وثابتاً، مما أدى إلى تعايش فئات يهودية ذات أفكار مختلفة، ورؤى متناقضة (ماركسية، اشتراكية، محافظة، ليبرالية، دينية،…) في ظل إطار أيديولوجي واحد هو "الصهيونية".

أولاً: السمات العامة للأحزاب في إسرائيل

تشترك كل الأحزاب السياسية في إسرائيل في عدد من السمات أبرزها ما يلي

1. إنها نشأت في أوروبا الشرقية، وعلى وجه الخصوص في بولونيا وروسيا، ثم انتقلت إلى فلسطين، قبيل إنشاء الدولة، أو أنشأت لها فروعاً فيها، بعد أن سبقتها طلائع المهاجرين اليهود في استعمار البلاد واستيطانها. وقد تكوّن معظم هذه الأحزاب، بعد المؤتمر الصهيوني الأول وقيام المنظمة الصهيونية العالمية عام 1897، بل إن الكثير منها نشأ في كنف المنظمة ذاتها وبتشجيع منها، مثل «حزب عمال صهيون» الذي نشأ لمواجهة "عصبة العمال اليهود في ليتوانيا وبولندا وروسيا: البوند"[1]، و"حزب المركز الروحي: المزراحي" بقصد استمالة اليهود المتدينين في شرق أوروبا.

2. إن هذه الأحزاب تعكس، من ناحية، صورة الحركة الصهيونية التي جمعت شتات مذاهب الجماعات اليهودية. ومن ناحية أخرى، تعكس حالة المجتمع الإسرائيلي المكون من جماعات وفئات مختلفة الأصول العرقية والدينية. فمن الأحزاب العرقية حزب "حراس التوراة الشرقيين: شاس"، وحزب "صعود إسرائيل: إسرائيل بعاليا".

3. إن هذه الأحزاب ليست مجرد أحزاب سياسية تسعى إلى الفوز في الانتخابات والوصول إلى الحكم، وإنما هي تقوم بعدة نشاطات تشمل كافة مجالات المجتمع من سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وفنية، ورياضية، وترفيهية. فالحزب يدير الحملات الانتخابية، ويقدم مرشحيه فيها، ويوفر السكن لأعضائه، ويدير الشركات، والأعمال التجارية، والصناعية، كما يشرف على مستعمرات زراعية، وكيبوتزات[2]، ومستشفيات، ومصحات، ونواد رياضية، ويصدر نشرات ثقافية، وجرائد، ومجلات تعبر عن أفكاره. وهذا يدفع العديد من الباحثين إلى القول بأن الأحزاب السياسية، في إسرائيل، تسيطر على حياة أتباعها من المهد إلى اللحد، وإنها في جوهرها منظمات استيطانية. ولعل وضع هذه الأحزاب يفسر عدم وجود مرشحين مستقلين في إسرائيل.

4. إن كل هذه الأحزاب قد شكل، قبل قيام الدولة، ميليشيات عسكرية مسلحة، غدت بعد 1948، تشكل ما صار يُعرف باسم "جيش الدفاع الإسرائيلي: زاحال". ومن هذه الميليشيات قوات "الهاجاناه" التي كانت تابعة لحزب "الماباي"، ومنظمة "الأرجون" التي تحولت إلى حزب سياسي يحمل اسم "الحرية: حيروت" بعد قيام الدولة.

5. إن كل هذه الأحزاب لا تعبر عن أفكار، ومبادئ متناقضة، بل تؤمن كلها بأيديولوجية واحدة، هي الإيديولوجية الصهيونية[3]. ومن ثم فإن التنافس بين هذه الأحزاب، هو تنافس حول المنافع السياسية، والاقتصادية، وليس حول المبادئ، والأهداف. ولعل هذا يُفسر تناسي هذه الأحزاب، لاختلافاتها، ومبادئها، عند تشكيل الحكومات الائتلافية.

6. تتركز السلطة داخل هذه الأحزاب في يد قادتها على نحو مركزي، وما على باقي أعضاء الحزب إلا الطاعة وتنفيذ قرارات قيادة الحزب وتعليماتها. وقيادة كل حزب، مسؤولة عن تشكيل قوائم المرشحين في الانتخابات؛ وهذا يفسر اتجاه العديد من الأحزاب ـ في الحقبة الأخيرة ـ إلى إجراء انتخابات داخلية لاختيار قائمة المرشحين للانتخابات.

7. إن كل هذه الأحزاب تتلقى دعماً ومساندة مالية ومعنوية من فروعها في الخارج، أو من المنظمات اليهودية المنتشرة في العديد من دول العالم.

8. على الرغم من علمانية معظم الأحزاب السياسية، إلا إنه ليس بمقدورها إغفال قيمة ووزن الأحزاب الدينية بل إنها تنسى اختلافها معها، ورفضها لمطالبها عشية تشكيل حكومة ائتلافية، وذلك بهدف ضمان ولاء هذه الأحزاب الدينية. التي تتغاضى بدورها عن تمسكها الشديد بمبادئ الشريعة اليهودية وقت تـأليف الحكومات، بقصد الحصول على أعظم منافع سياسية ممكنة، فكثيراً ما عارضت الأحزاب الدينية الانضمام إلى حكومات لا تطبق الشريعة، غير أنها سرعان ما تراجعت وقبلت الائتلاف مع أحزاب أخرى تضمن لها تحقيق بعض مصالحها.

9. تتسم الأحزاب السياسية بالتعددية[4]، حيث تكثر عمليات الانشقاق والانقسام عشية كل دورة انتخابية. فقد كان عدد القوائم، التي تقدمت إلى أول انتخابات عام 1949 ،24 قائمة، وفي عام 1959، وصل العدد إلى 26 قائمة، ثم إلى 31 قائمة عام 1981. وفي انتخابات عام 1996، كان عدد القوائم 19 فقط، أما انتخابات الكنيست الخامس عشر عام 1999، خاضتها 33 قائمة. وتعود هذه السمة إلى أسباب عدة منها:

أ. طبيعة الجماعات اليهودية، ونزوعها نحو الإفراط في التحزب.

ب. طبيعة المجتمع الإسرائيلي القائم على خليط متعدد الأجناس، والثقافات، واللغات.

ج. تشجيع المنظمة الصهيونية العالمية، على تمثيل كافة الاتجاهات داخلها لضمان ولاء كافة الجماعات اليهودية.

د. النظام الانتخابي المتمثل في نظام التمثيل النسبي مع القائمة الحزبية، مما لا يسمح للأفراد بالترشيح كمستقلين.

وتجدر الإشارة إلى أن تعدد الأحزاب، في إسرائيل، يعمل على امتصاص التناقضات الموجودة داخل المجتمع، ويحول دون تفجرها. كما أن هذه الأحزاب تتحد وتندمج عند الخطر. بسبب اتفاقها على الثوابت والأهداف العليا، فليس ثمة اختلاف، مثلاً، حول استمرار تدفق المهاجرين اليهود، وحول ضمان استيعابهم واستيطانهم، وحول أمن الدولة وتفوقها العسكري والاقتصادي، على جيرانها العرب. ولعل مما يساعد على ذلك تجانس قيادات كل هذه الأحزاب وانتمائها إلى موطن واحد هو شرق أوروبا.

ويفسر التقارب الأيديولوجي بين الأحزاب كثرة وسهولة الانشقاقات، والائتلافات، بينها من جهة، وعدم واقعية تصنيفها إلى أحزاب يسارية، وأخرى يمينية، من جهة أخرى. لقد كان تكتل "ليكود"، بزعامة "مناحم بيجن"، أكثر مرونة من حزب "العمل"، إبان التفاوض مع مصر، كما أن حزب العمل، الذي يوصف بأنه حزب معتدل، هو الذي خاض كل حروب إسرائيل التوسعية ضد الشعوب العربية، وارتكب العديد من المذابح والمجازر ضدها.

ثانياً: الأحزاب والتكتلات[5]

يرجع اختلاف الأحزاب في وسائل تحقيق أهداف الحركة الصهيونية إلى التيارات السياسية الفكرية الثلاثة التي تبلورت داخل هذه الحركة، في أواخر القرن التاسع عشر، وأوائل القرن العشرين. وتتمثل هذه التيارات الثلاثة في: التيار الصهيوني الاشتراكي، التيار الصهيوني الليبيرالي، التيار الديني.

1. التيار الصهيوني الاشتراكي

يُمثل هذا التيار، العديد من المنظمات الصهيونية، التي ارتكزت إلى أفكار الصهيوني الروسي "بورشوف" (1881 – 1917)، الذي حاول العثور على أساس ماركسي للصهيونية، في كتابه "المسألة القومية والصراع الطبقي" الصادر عام 1905، وكذا أفكار الصهيوني الروسي "آرون ديفيد جوردون" (1856 – 1922) صاحب نظرية "دين العمل"[6]، وتتمثل أشهر هذه المنظمات الصهيونية في:

أ. منظمة "عمال صهيون، أو حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي اليهودي الروسي": ظهرت في صورة جماعات صغيرة في أماكن مختلفة من روسيا، في بداية هذا القرن، ثم اندمجت تحت اسم "حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي اليهودي الروسي" في عام 1905. الذي أنشأ العديد من الفروع في النمسا وبولندا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وفي عام 1906 أنشأ فرعاً آخر في فلسطين.

ب. منظمة "الحارس الفتي: هاشومير هاتسعير": نشأت في بولندا بشرق أوروبا، وهي حركة زراعية شبه عسكرية، أعلنت منذ نشأتها، أن هدفها هو إقامة دولة اشتراكية في فلسطين، بالتعاون بين العرب واليهود (فكرة القومية الثنائية).

ج. منظمة "العامل الفتي: هابوئيل هاتسعير": تأسست في فلسطين عام 1906، على يد مهاجري شرق أوروبا، وأنشأت مستعمرات يهودية، بالاعتماد على «العمل العبري» واستبعاد العمل العربي.

ثمة منظمات صهيونية اشتراكية أخرى، أقل أهمية من المنظمات الثلاث السابقة، مثل منظمة "العمال الزراعيين"، ومنظمة "شباب صهيون". وقد شهدت بعض هذه المنظمات كثيراً من الانشقاقات والاندماجات، أدت في النهاية إلى تشكيل حزب "عمال أرض إسرائيل: الماباي" في عام 1930. وقد أنشق عن الماباي، في عام 1944، ما سُمى بـ "الكتلة ب"، التي أطلقت على نفسها اسم "وحدة العمل: أحدوت هعفوداه". واندمجت مع منظمة "الحارس الفتى" ويساري "عمال صهيون" عام 1948، لتشكل حزب "العمال الموحد: المابام". وفي عام 1954، انشقت "وحدة العمل" مرة أخرى عن "المابام"، واندمجت مع "الماباي" عام 1965. وفي العام نفسه، انشق زعيم "الماباي"، "ديفيد بن جوريون"، عن حزبه، وشكلّ كتلة جديدة تحت اسم "رافي".

في عام 1968، توحدت الأحزاب والكتل العمالية: "الماباي"، و"وحدة العمل"، وجزء من قائمة "رافي"، تحت اسم "حزب العمل الإسرائيلي: مفليغت هعفودا هيسرئيليت". وبقى الجناح الثاني من "رافي" مستقلاً تحت اسم "القائمة الرسمية". وفي عام 1969، تشكل "حزب التجمع أو التحالف: المعراخ" من اتحاد حزبي "العمل" و"المابام". واستمر هذا التحالف حتى عام 1984، حين خرج "المابام" من التجمع ليعود اسم "العمل" له من جديد.

وفي العام 1969، انشقت "شولاميت آلوني" عن "الماباي" لتشكل "حركة حقوق المواطن: راتس". كما انشق عن "المعراخ"، عام 1973، "حزب التغيير: شينوي". وفي العام 1992، اندمجت أحزاب: "المابام" و"راتس" و"شينوي"، لتشكل معاً كتلة جديدة باسم "الحيوية: ميرتس". وعشية انتخابات عام 1996، انشق عن حزب "العمل" ثلة من أعضائه الأكثر تشدداً، بزعامة العميد المتقاعد "أفيغدور كهلاني"، لتشكل حزباً باسم "الطريق الثالث".

ويوضح (شكل نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996) الانشقاقات، والاندماجات، التي شهدها التيار الصهيوني الاشتراكي منذ مطلع القرن العشرين حتى عشية انتخابات 1996.

وقد حصلت قائمة شينوي وميريتس، في انتخابات 1992، على اثني عشر مقعداً، وفي انتخابات عام 1996 حصلت القائمة ذاتها على تسعة مقاعد فقط. وفي انتخابات عام 1999، عاد شينوي لخوض هذه الانتخابات مستقلاً ليحرز ستة مقاعد. وقد نشر الحزب برنامجه الانتخابي في شهر نوفمبر 2002، للانتخابات التي جرت في 28 يناير 2003، واصفاً نفسه بأنه حزب ديمقراطي ليبرالي صهيوني علماني، يكافح القهر الديني ويدعو لدولة علمانية، وأن الحزب يقف في كافة القضايا موقفاً وسطاً بين العمل والليكود. وقد حصل في هذه الانتخابات على خمسة عشر مقعداً، في المركز الثالث بعد العمل والليكود. وفي انتخابات عام 2006، لم يحصل الحزب على نسبة الحسم، ومن ثم لم يحصل على أي مقعد في هذه الانتخابات، وهو الأمر الذي أدى إلى اختفائه تماماً.

2. التيار الصهيوني الليبرالي

ظهر هذا التيار داخل الحركة الصهيونية ـ في مطلع القرن العشرين، معبراً عن اتجاهين متمايزين، الأول: عُرف فيما بعد باليمين المتطرف، وتعود جذوره الفكرية إلى اليهودي الصهيوني المجري "ماركس             نورداو" (1849 – 1923)، الذي شكلت أفكاره القاعدة التي انطلق منها اليهودي الروسي "فلاديمير جابوتنسكي" (1880 – 1940). الذي انشق عن المنظمة الصهيونية العالمية عام 1925، ليشكل "اتحاد الصهيونيين التصحيحيين" (حركة الإصلاحيين)، وتتلخص مبادئه في:

أ. أرض الدولة اليهودية هي فلسطين وشرقي الأردن.

ب. تجميع اليهود المشتتين في هذه الأرض.

ج. بناء حضارة يهودية، لغتها: العبرية، وروحها: التوراة، ونظامها: الحرية، والعدالة الاجتماعية.

وقد شكل أتباع هذا الاتحاد حركة "شباب بيتار"، في أوروبا الشرقية، كمنظمة شبه عسكرية، مهمتها إرسال الشباب المؤمن بأفكاره، إلى فلسطين، كما شكل هؤلاء منظمة "العمال القوميين"، كمنظمة عمالية تابعة للحركة. وقد انشق أتباع هذه الحركة، عن منظمة "الهاجاناه" التابعة للمنظمة الصهيونية، التي يسيطر عليها التيار العمالي الاشتراكي، وأسسوا "المنظمة القومية: أرجون زفاي لائومى (إتسل)" في عام 1937، بسبب عدم قناعة "جابوتنسكي"، وأنصاره بما سمي بأسلوب الدفاع السلبي، الذي ظهرت به الهاجاناه، في أول عهدها وقد مارست "إتسل" العديد من الأعمال الإرهابية، ضد سكان فلسطين الشرعيين، وتحولت عام 1948، إلى حزب "الحرية: حيروت".

أما الاتجاه الثاني، فيمثله الصهيونيون العموميون، أتباع "حاييم وايزمان”، رئيس المنظمة الصهيونية العالمية، الذين لم يكونوا منتمين لأي من الاتجاهات الصهيونية الرئيسية، داخل المنظمة الصهيونية. وكان هذا الاتجاه ذا صبغة ليبرالية، يسعى إلى إقامة دولة يهودية في فلسطين، على الأسس الرأسمالية البحتة.

وفي عام 1929، تبلور هذا الاتجاه تنظيمياً، إلا أنه سرعان ما انقسم إلى مجموعتين (أ)، (ب)، حيث كونت المجموعة (ب) حزباً سياسياً، أطلق عليه "الصهيونيون العموميون"، عام 1946، في حين شكلت المجموعة (أ)، حزباً آخر حمل اسم "الحزب التقدمي" وذلك عام 1948. وفي عام 1961، اتحد الحزبان تحت اسم "الحزب الليبيرالي أو حزب الأحرار". وقد تصدع هذا الحزب، عام 1965، حين شكل أتباع الحزب التقدمي "حزب الأحرار المستقلين"، في حين احتفظ الجناح الآخر باسم "الحزب الليبيرالي". وعشية انتخابات عام 1965، تشكل تكتل "جاحال"، من اتحاد "حزب حيروت"، و"الحزب الليبيرالي". وفي عام 1968، انشقت عن التكتل الجديد حركة سياسية عُرفت باسم "المركز الحر"، بزعامة "شموئيل تامير". وفي عام 1973، تشكل "حزب التكتل: ليكود" من "جاحال"، و"المركز الحر"، و"القائمة الرسمية (رافي)"، وحركة "أرض إسرائيل الكاملة". وقد عانى التكتل من انشقاقات عديدة، أسفرت في النهاية، عن ظهور عدة أحزاب، منها حزب "النهضة: هتحيا"، بقيادة "جيئولا كوهين"، عام 1979، وحزب "سلام صهيون: شالومتسيونتسيون"، بزعامة "آريل شارون"، عام 1977، وحزب "الوسط الليبيرالي"، بزعامة "إسحاق موداعي"، عام 1948.

ويبين (شكل نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996) الانشقاقات والاندماجات، التي شهدها التيار الصهيوني الليبيرالي منذ نشأته وحتى عشية انتخابات 1996.

عندما اندمج كل من "الليكود" و"تسوميت" و"جيشر"، في انتخابات 1996، بزعامة "نتنياهو"، وحصلوا على اثنين وثلاثون مقعداً في انتخابات الكنيست؛ إلا أنه في انتخابات 1999، حصل الليكود على تسعة عشر مقعداً فقط. وفي انتخابات الحزب، في يناير 2002، فاز "شارون" برئاسة الحزب ما قاده لنيل أربعين مقعداً، عام 2003. وفي مطلع 2004 حدث شرخ سياسي داخل حزب "الليكود" ما بين مؤيد ومعارض لسياسة "شارون"، الذي شكل حزباً سياسياً جديداً يعبر عن (اليمين الوسط) وهو حزب "كاديما"، الذي حصل على المرتبة الأولى (تسعة وعشرين مقعداً) في الكنيست السابع عشر، في 28 مارس 2006؛ بينما حصل "الليكود" على اثنى عشر مقعداً فقط. أما في انتخابات الكنيست الثامن عشر، في الأول من فبراير 2009، حصل "كاديما" على ثمانية وعشرين مقعداً؛ بينما حصل "الليكود" على سبعة وعشرين مقعداً.

3. التيار الديني

ويضم التيار الديني جناحين

الأول: نشأ داخل المنظمة الصهيونية، مؤيداً للأفكار الصهيونية، ويتمثل في حركة "المركز الروحي: المزراحي"، التي تأسست عام 1902، في أوروبا، عضو مستقل في المنظمة الصهيونية العالمية، وجناحها العمالي "العامل المزراحي: هبوئيل همزراحى"، الذي ظهر عام 1922. وقد تشكل "الحزب القومي الديني: المفدال"، من اتحاد حركتي المزراحي، والعامل المزراحي.

الثاني: نشأ خارج المنظمة الصهيونية، معارضاً للصهيونية. يمثله حركة "أغودات إسرائيل العالمية"، وحركة "عمال أغودات إسرائيل".

تزايد قوة التيار الديني ونفوذه

حققت الأحزاب الدينية قفزة كبيرة في عهد حكومة "نتنياهو" (مايو 1996 ـ مايو 1999)، حيث سيطرت على وزارتي الأديان والداخلية. أما انتخابات الكنيست الخامس عشر (مايو 1999)، فقد أسفرت عن زيادة تمثيل هذه الأحزاب، إذ حصلت الأحزاب الدينية الثلاثة الكبرى على سبعة وعشرين مقعداً، كان نصيب "شاس" منها سبعة عشر مقعداً (مقابل عشرة مقاعد في الكنيست السابق)، و"المفدال" خمسة مقاعد (مقابل تسعة مقاعد في الكنيست السابق)، و"يهود التوراة" خمسة مقاعد (مقابل أربعة مقاعد في الكنيست السابق). وبذلك تكون الأحزاب الدينية قد ارتفعت بحصتها من ثلاثة وعشرين مقعداً إلى سبعة وعشرين مقعداً، بزيادة قدرها أربعة مقاعد. ويمكن أن نضيف إليها حركة "ميماد الدينية المعتدلة"، التي خاضت الانتخابات متضامنة مع "حزب العمل" ضمن قائمة "إسرائيل واحدة"، وفازت فيها بمقعد واحد من مقاعد القائمة.

وفي انتخابات الكنيست السادس عشر (عام 2003)، حصل "شاس" على أحد عشرة مقعداً، و"المفدال" على ستة مقاعد، و"يهود التوراة" على خمسة مقاعد، بإجمالي اثنين وعشرين مقعداً. أما في انتخابات الكنيست السابع عشر، التي جرت في 28 مارس 2006، فقد حصل "شاس" على اثنتي عشر مقعداً، و"المفدال" مع "الاتحاد القومي" على أربعة مقاعد؛ بينما حصل "يهود التوراة" على ستة مقاعد. وفي انتخابات الكنيست الثامن عشر، التي جرت في 10 فبراير 2009، حصل "شاس" على أحد عشر مقعداً، و"البيت اليهودي" على ثلاثة مقاعد، و"يهودية التوراة" على خمسة مقاعد.

 



[1] تشكلت هذه العصبة في روسيا عام 1897، للدفاع عن مصالح الطبقة العمالية اليهودية هناك، ومحاربة قوانين التمييز المعادية لهم. وقد التزمت بالماركسية ورفضت في البداية الفكر الصهيوني، ولكن بمرور الوقت وتحت تأثير الدعاية الصهيونية أقر مؤتمر العصبة عام 1901 وجود "قومية يهودية".

[2] الكيبوتز: كلمة عبرية تعني `الجماعة` أو التجمع وقد تطور هذا المعنى فأصبح يشير إلى مجموعة من الناس يعيشون بشكل مشترك في مزرعة تعاونية زراعية.

[3] تتعين الإِشارة إلى أن ثمة أحزاباً إسرائيلية لا تستند إلى الصهيونية ولا تؤمن بها، مثل الأحزاب الشيوعية، والأحزاب العربية، وبعض الأحزاب الدينية. هي أحزاب أقلية.

[4] إن كثرة تعددية الأحزاب كما تظهر في عدد القوائم الانتخابية لا تعني أن كل قائمة تمثل حزباً منظماً، أو أعدها حزب سياسي، أو مجموعة أحزاب سياسية. وتجنباً للخلط بين القائمة والحزب، يمكن القول أن الحزب السياسي المنظم يعرض قائمته قبيل الانتخابات. لكن هناك قوائم ليس وراءها أحزاب، إذ قد يخوض شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص الانتخابات في قائمة واحدة لغرض معين، وسرعان ما تختفي هذه القوائم، خصوصاً إذا لم تفز بأي مقعد في الانتخابات. في حين أن الحزب هيئة قائمة تسعى إلى الوصول إلى السلطة ضمن القواعد الثابتة للانتخابات. وتعبير `قائمة` هو الاسم الفني الذي يطلق على أشخاص يتنافسون في الانتخابات، والاسم لا يعني شيئاً بالنسبة إلى العلاقات المؤسسية القائمة بينهم. ولقد جاء قانون الانتخابات الإسرائيلي ليعكس النظام الذي اتبعه المجلس الملّي اليهودي. فهو يتيح الفرصة أمام مجموعة من الأشخاص لخوض الانتخابات، والفوز بمقعد أو أكثر، فكل قائمة تحصل على 1% - ارتفعت النسبة الآن إلى 1.5% - فما فوق من مجموع الأصوات الصالحة، تكون قد جاوزت نسبة الإغلاق وتشترك في توزيع مقاعد الكنيست، لأن النظام الانتخابي المعمول به في إسرائيل قائم على مبدأ التمثيل النسبي، المستند إلى قاعدة أن عدد المقاعد في الكنيست يجب أن يوزع بالنسبة إلى عدد الأصوات التي ينالها كل حزب. فالتمثيل النسبي معناه: أ. إن إسرائيل تعد دائرة انتخابية واحدة، يتم الانتخابات فيها في يوم واحد يعتبر عطلة رسمية. ويتم انتخاب الكنيست على أساس قوائم حزبية، إذ تقدم الأحزاب قوائم مرشحين يعينهم الحزب بنفسه، ويصوت كل ناخب لهذه القائمة أو تلك من دون أن يكون له أي تأثير على التركيب الشخصي لقوائم المرشحين. أي أن التصويت يكون للحزب لا للمرشح. ب. تقسم الأصوات الصالحة التي أُسقطت في صناديق الاقتراع على عدد المقاعد النيابية في الكنيست، والعدد الناتج عن هذه القسمة يوازي مقعداً نيابياً واحداً، والذي يفوز هو المرشح الأول ثم الذين يأتون بعده بحسب تسلسل أرقامهم في القائمة.

[5] تجدر الإشارة إلى أن البحث سيلتزم بالأسماء الأكثر استعمالاً للأحزاب السياسية في المؤلفات والكتب التي تعالج الحياة السياسية في "إسرائيل"، سواء كانت هذه الأسماء عبرية أو عربية. مثل عبارة "حزب العمل" العربية، ولفظة "ميرتس" وهي عبرية، وهكذا.

[6] تقوم هذه النظرية على الدعوة إلى العودة إلى الزراعة، والكف عن لعب دور السماسرة في المجتمع. وقد ذهب "ديفيد جوردون"، بنفسه إلى فلسطين، عام 1904، لكي يمارس استعمار الأرض، واستيطانها.