إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأحزاب السياسية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية





نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996
نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996
نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية
الكنيست الثامن عشر




الفصل الثاني

المبحث الخامس

الجناح الثاني خارج المنظمة الصهيونية

يتمثل هذا الجناح في حركتين رئيسيتين هما

1. أغودات إسرائيل

2. هبوعيل أغودات إسرائيل

إضافة إلى عدد آخر من الأحزاب والجماعات المنشقة عليهما وهي:

·      شاس.

·   يهوديت هيتوراه ، وغيرهما.

أولاً: حركة "أغودات إسرائيل"

1. النشأة التاريخية

عقد المتدينون المنشقون عن "المزراحي"، وعدد آخر من المتدينين اليهود الألمان والهنغاريين، مؤتمرهم الأول في بلدة "كاتوفيتش" بالنمسا عام 1912، بغرض الإعلان عن تأسيس حركة يهودية غير صهيونية باسم "أغودات إسرائيل العالمية"، أي "رابطة أو جمعية إسرائيل العالمية". وقد افتتح المؤتمر الحاخام "يعقوب روزنهايم" معلناً أن هدف المؤتمر ليس إنشاء تنظيم كباقي التنظيمات، وإنما "إعادة بعث شعب التوراة"، و"تنظيم الناحية المادية للوجود اليهودي تنظيماً شعبياً يستند إلى روح التوراة".

في نهاية المؤتمر أُعلن عن تأسيس حركة "أغودات إسرائيل العالمية"، وإقامة "مجلس كبار علماء التوراة"، كهيئة عليا مشرفة على توجيه الحركة، ومسؤولة عن تنظيم حياة الجماعات اليهودية وتوجيهها. كان إقامة ذلك المجلس شيئا جديداً انفردت به الحركة الجديدة لم تفعله المنظمات اليهودية غير الدينية ولا حركة "المزراحي" الدينية. وعلى صعيد آخر لم يُصدر المؤتمر برنامجاً عملياً تفصيلياً للحركة الجديدة، كما ترك للسلطات الدينية اليهودية، في كل بلد، مهمة وضع نظامها التعليمي الديني والاجتماعي، بما يتلاءم مع أوضاع جاليتها اليهودية المحلية.

أضحت حركة "أغودات إسرائيل" أكبر حركة بين يهود بولندا ـ البالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة وقتذاك ـ وذلك بعد قدوم العديد من زعماء "أغودات إسرائيل" الألمان مع جيش الاحتلال الألماني لبولندا. شكلت الحركة العديد من المنظمات الجماهيرية منها: "التنظيم العمالي"، وحركة "نساء أغودات"، إضافة إلى شبكة واسعة من المدارس الدينية.

كذالك ناصبت حركة "أغودات إسرائيل"، الحركة الصهيونية وحركة "المزراحي العداء"، منذ اليوم الأول لقيامها، ولا تزال على موقفها حتى يومنا هذا. لقد رأى قادة أغودات إسرائيل أن الصهيونية ـ السياسية والدينية ـ قد انحرفت عن طريق اليهودية الحق، وأن فريضة "استيطان أرض الميعاد" ليست سوى فريضة من أصل ستمائة وثلاث عشرة فريضة. كما أعلنت الحركة أن مفهوم "مركزية أرض إسرائيل" ليس هدفاً في حد ذاته، ولا هو غاية الوجود اليهودي مع أنه يشكل شرطاً للمحافظة على وجود الشعب اليهودي والتوراة. وفي مؤتمر عالمي للحركة عقد في زيورخ عام 1919، أعلنت صراحة معارضتها لبرنامج "بازل" الصهيوني، حيث جاء في مقررات هذا المؤتمر "إن أغودات إسرائيل لا تعترف ببرنامج بازل الصهيوني، وتطالب بإقرار حق الشعب اليهودي في إقامة مجتمع يهودي في فلسطين ـ على قاعدة واسعة للغاية ـ تحت حماية عصبة الأمم أو من تنتدبه ـ عن طريق الهجرة والاستيطان المنظم، وبشروط تؤمن التطور المستقل لثقافته الدينية، على أسس قوية من النواحي الاقتصادية والاجتماعية، ومن خلال اتفاق ودي مع السكان غير اليهود". كما عارضت الحركة إنشاء "كنيست إسرائيلي" تحت الانتداب، وقيام الحاخامية الرئيسية.

بدأت الحركة نشاطها في فلسطين في عام 1919، بافتتاح فرع لها في مدينة القدس. واستهل هذا الفرع نشاطه بحملة إعلامية قوية ضد الحركة الصهيونية ومشروعها في فلسطين. وقد تبنى أحد قادة "أغودات إسرائيل" في فلسطين، ويُدعى الحاخام "يعقوب دايهان" ما أسماه بالخيار العربي، القائم على استعداد الأمير "عبدالله بن الحسين" السماح لليهود بالاستيطان في فلسطين، والدول العربية المجاورة، مقابل تنازل الصهيونية عن المطالبة بتنفيذ وعد بلفور. ولئن كان نهج "أغودات" هذا مقبولاً خارج فلسطين، فقد عدته غالبية اليشوف اليهودي خيانة وتنكر للوحدة القومية اليهودية، مما أدى، في كثير من الأحيان، إلى وقوع العديد من المصادمات العنيفة بين الحركة والمعسكر الصهيوني. وقد اغتيل الحاخام "دايهان"، في أعقاب لقاء جمع "الشريف الحسين" ونجليه "فيصل وعبدالله" من جهة، ووفد من المتدينين الأرثوذكس ضم الحاخام "يوسف روزنلفد" وعدداً من أبرز الشخصيات الدينية في القدس، وبعض كبار القيادات الدينية المعارضة للصهيونية من "أغودات إسرائيل" و"الطائفة الحريدية" و"ناطوري كارتا"، من جهة أخرى. ومع اندلاع ثورة 1929، العربية في فلسطين، تخلت الحركة عن الخيار العربي.

ومهما يكن من أمر فقد اعترى الحركة العديد من التطورات، وتأثرت ـ كغيرها من الأحزاب اليهودية ـ بموجات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، فبعد أن كان اليشوف القديم يسيطر على فرع القدس، سيطر المهاجرون اليهود القادمون من ألمانيا وبولندا ـ في أعقاب صعود النازي إلى الحكم في ألمانيا ـ على مقاليد الأمور داخل الحركة في فلسطين، وأدخلوا العديد من التغيرات في نشاط الحركة وأهدافها في فلسطين، على نحو صارت معه الحركة أكثر مرونة تجاه الحركة الصهيونية، بهدف تحقيق أكبر مكاسب دينية لجمهورها. وفي خلال العامين 1934 و1935، أعاد وفد من رئاسة الحركة في بولندا تنظيم إدارة الحركة في فلسطين، وتشكيل وكالة للعناية بشؤون الهجرة والاستيعاب، كما تفاوض ممثلون عن الحركة مع ممثلين للحركة الصهيونية وللمزراحي، في محاولة للتوصل إلى اتفاق بشأن إقامة حاخامية رئيسية موحدة في فلسطين، من جهة، وتحقيق نوع من التفاهم مع حركة "المزراحي"، من جهة أخرى.

أفضت هذه التحركات إلى وقوع أول انشقاق في الحركة؛ لأن المعارضين لهذا التقارب ـ الجزء الأكبر من الجالية اليهودية الأرثوذكسية من اليشوف القديم ـ فضلوا الانفصال عن الحركة، عام 1935، وتشكيل حركة "ناطوري كارتا" أي "حراس أو نواطير المدينة" بقيادة الحاخام "موشى بلوي" الذي قاد "أغودات إسرائيل"، خلال الفترة من 1919 إلى 1935، ونجح في إبعادها عن الصهيونية. بعد سيطرة العناصر البولندية على الحركة، بدأت الحركة مرحلة جديدة، اتسمت بالميل نحو التعاون مع الحركة الصهيونية، وتقبل فكرة "الدولة اليهودية". وفي عام 1937، أبدت الحركة عدم اعتراضها ـ لأول مرة ـ على فكرة إقامة "دولة يهودية" في فلسطين، وسعت إلى تأمين مصالحها في "الدولة اليهودية" المزمع إقامتها، على الرغم من تخوفها من قيام "دولة يهودية"، بعيدة عن تعاليم التوراة، بقيادة يهود علمانيين.

على صعيد آخر، أُنشئ مركز ثالث للحركة في الولايات المتحدة الأمريكية، هو المركز الذي يرفض المشاركة في جميع المؤسسات الأرثوذكسية، التي تضم عناصر غير أرثوذكسية. وعلى الرغم من عدم تشجيع قادة الحركة في أوروبا أتباعهم على الهجرة إلى فلسطين، إلا أنهم عدلوا عن موقفهم، وطلبوا من الوكالة اليهودية نسبة 5% إلى 6% من تصاريح الهجرة إلى فلسطين، وقُبل  طلبهم هذا، مقابل تعهد الحركة بعدم السعي لعقد اتفاق مع العرب. وترتب على ذلك وصول أعداد كبيرة من الحريديم إلى فلسطين، مما عزز من التقارب بين الحركة والصهيونيين، حيث بدأ أتباع "أغودات إسرائيل" يدركون أن الحركة الصهيونية تمثل إطاراً سياسياً حامياً لليهود من كوارث الشتات، استناداً إلى النص التوراتي القائل: "من ينقذ نفساً من اليهود ينقذ عالماً بكامله".

ولما جاءت لجنة "أونسكوب" لاستطلاع الأوضاع في فلسطين ـ وهي اللجنة التي أوصت بتقسيم فلسطين ـ سارعت الوكالة اليهودية إلى الحصول على رضا حركة "أغوادت" مقابل رسالة أرسلتها الوكالة في يونيه 1947، تتعلق بمكانة الدين في الدولة المزمع إقامتها، وهي الرسالة التي صارت أساساً لما يسمى اليوم في إسرائيل باتفاقية "الوضع الراهن: Status Quo"، التي تنظم العلاقة بين الدين والدولة. وهكذا تحولت الحركة المعارضة للصهيونية، من موقف العداء السافر للصهيونية، إلى موقف التصالح والتعاون معها، ولكن دون الاعتراف بشرعية الصهيونية ولا شرعية الدولة التي تزمع إقامتها. وبقيام الدولة، تحولت الحركة إلى حزب سياسي يعمل في إطار مؤسسات الدولة، ولكن دون الإقرار بشرعية الدولة ذاتها.

2. البناء الداخلي

لحركة "أغودات إسرائيل" العالمية ثلاث مراكز رئيسية في كل من إسرائيل، وإنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية. وتشكل مؤسسات الحزب في إسرائيل أقساماً في مؤسسات على نطاق عالمي. وتتميز هذه المؤسسات بضعف هياكلها التنظيمية، وصلاحياتها الشكلية، وبعدم انتظام اجتماعاتها، وانحصار السلطة الحقيقية في يد مجالس دينية عُليا. ويعد المجلس الروحي الإسرائيلي، أقواها وأكثرها نفوذاً وتأثيراً. ومهما يكن من أمر، فثمة سلطة عليا لكل الفروع هي:

أ. الكنيست الكبرى: ويعد أعلى سلطة في الحركة، ويضم ممثلين عن الفروع المختلفة.

وثمة هياكل تنظيمية خاصة بكل فرع هي:

ب. المؤتمر العام: ويعد أعلى سلطة في الفرع، ولم يعقد هذا المؤتمر في إسرائيل سوى مرتين عام 1950، وعام 1976.

ج. اللجنة المركزية للحزب: وتشكل عادة من مائة عضو ينتخبون، أو يعينون، من مجالس الفروع الأربعين. وتتشكل هذه الفروع على أساس موازين القوى التابعة بين الكتل داخل الحزب. ومن الناحية النظرية تنظر هذه اللجنة في القضايا السياسية المهمة، وتتساوى مع القسم الإسرائيلي في اللجنة التنفيذية العالمية للحركة، ومن ثم تشارك في الإدارة العالمية.

د. مجلس كبار علماء التوراة: وهو صاحب السلطة العليا الفعلية داخل الحزب. ولا ينعقد المجلس إلا عندما تكون هناك حاجة للبت في القضايا المتعلقة بالحزب، وتتم اجتماعاته بصورة سرية، وتدور المناقشات داخله باللغة اليديشية، ولا يتم نشر قراراته إلا في المسائل السياسية البارزة. وليس ثمة عدد محدد لأعضاء المجلس، ويشترط في العضو أن يكون ضليعاً في علوم الدين، وأن يتقن اليديشية. والعضوية في المجلس دائمة مدى الحياة.

3. أيديولوجية الحزب

يرتكز حزب "أغودات إسرائيل" ـ أيديولوجياً ـ إلى أفكار اليهودية الأرثوذكسية المتشددة، وينطلق منها في وضع برامجه السياسية والانتخابية. وفيما يلي عرض للثوابت الأيديولوجية التي يؤمن بها الحزب.

أ. على الصعيد الداخلي

تعد العلاقة بين الدين والدولة هي المجال الوحيد لنشاط الحزب. فهو يسعى إلى تعزيز الطابع الديني للدولة، وفرض تعاليم التوراة "حسب رؤيته"، ويدعو إلى حل كل المشاكل التي تجابه الدولة وفق روح ومبادئ التوراة. وحتى اليوم ليس ثمة دليل فكري أو عملي على اعتراف الحزب بدولة إسرائيل، بل أن ممارسات الحزب اليومية تثبت عداءه للصهيونية وللدولة، فهو لا يحتفل بعيد الاستقلال، ولا ينشد أتباعه النشيد الوطني لإسرائيل، ولا يرفعون علم الدولة.

وقد حافظ الحزب على نهجه الانعزالي عن بقية فئات المجتمع ومؤسساته، من خلال مؤسساته التعليمية، والاجتماعية المستقلة. وانصب كل اهتمام الحزب على تأمين أكبر قدر ممكن من المخصصات المالية لمؤسساته المستقلة تلك، وأكد الحزب دوماً على ذلك في كافة الاتفاقيات الإتلافية التي كان طرفاً فيها.

ومن الناحية الاقتصادية، كان الحزب يدعو دوماً إلى السيطرة على التضخم وإلى استقرار قيمة العملة، وتغيير سياسة الإسكان بحيث توفر مساكن بأسعار مناسبة للشباب الراغبين في الزواج، كما نادى بربط الأجور بجدول غلاء المعيشة، وتخصيص منح مالية لتشجيع عمليات الإنجاب.

ب. على الصعيد الخارجي

لم يكن للحزب مواقف واضحة المعالم، بل حدد مواقفه دوماً بمدى استجابة الحكومات المتعاقبة لمطالبه المتعلقة بشؤون العلاقة بين الدين والدولة. وعلى الرغم من ذلك فإن الحزب لم يعارض السياسات التوسعية للحكومات الإسرائيلية المختلفة، وتعامل معها كما تعامل من قبل مع قرار التقسيم وهو أن ما حدث من قبيل الاعتراف بالأمر الواقع المفروض. ونظراً لأن الحزب ليس له حركة استيطانية تابعة له، فلم يكن له أي نشاط إستيطاني في الأراضي التي احتلت عام 1967.

ثانياً: حركة "عمال أغودات إسرائيل: هبوعيل أغودات إسرائيل"

1. النشأة التاريخية

تأسست هذه الحركة في بولندا عام 1922، كجناح عمالي لحركة "أغودات إسرائيل"، بهدف تحقيق "العدل الاجتماعي في العمل على أساس التوراة". وقد دخلت الحركة ـ بسبب مرونتها تجاه الصهيونية من جهة، ومطالبها بتحسين أحوال العمال اليهود من جهة أخرى ـ في صدام مع الحركة الأم. وفي عام 1923، انتظمت الحركة في فلسطين كتنظيم عمالي ديني.

اتجه اليهود الأرثوذكس من الطبقتين المتوسطة والعمالية، المهاجرون من بولندا، إلى إنشاء تنظيم خاص بهم لرعاية مصالحهم، بعد أن عجزت حركة "أغودات إسرائيل"، والحركات العمالية الأخرى، عن استيعابهم. وفي عام 1925، عقدت حركة "هبوعيل أغودات"، مؤتمرها التأسيسي، ثم هاجر واحد من أبرز قادتها السياسيين، وهو الحاخام "بنيامين مينتز". فحُلت الحركة بعد فترة وجيزة نظراً لامتناع حركة "أغودات"، عن تقديم مساعدات مالية لها.

في عام 1933، أُعيد تأسيس الحركة في تل أبيب تحت زعامة الحاخام "مينتز"، والألماني "يعقوب لانداو"، وانضم إلى التنظيم العمالي الجديد "اتحاد العمال الأرثوذكس"، الذي تأسس قبل ذلك بقليل في "بيتاح تكفا". وفي عام 1936 ـ ونتيجة لتزايد هجرة يهود ألمانيا وبولندا بعد ظهور النازية في ألمانيا ـ توسعت صفوف الحركة حتى وصل عدد أعضائها إلى نحو ثلاثة آلاف عضو.

في عام 1946، تأسس "الاتحاد العالمي لهبوعيل أغودات إسرائيل"، مما عُدَّ إشارة إلى انسحاب الحركة من حركة "أغودات إسرائيل العالمية". وبقيام الدولة في عام 1948، تحولت الحركة إلى حزب سياسي.

2. الهيكل التنظيمي

تتشكل الهياكل التنظيمية للحزب من مؤتمر عام، تليه اللجنة المركزية فاللجنة التنفيذية ثم سكرتارية الحزب، التي يترأسها السكرتير العام للحزب. ونظراً لعدم انتظام اجتماعات المؤتمر العام، وعدم إجراء انتخابات داخلية قبيل انعقاده، فليس ثمة نفوذ للمؤتمر داخل الحزب. ومن جهة أخرى لا يعاني الحزب من التنافس على مراكز القيادة والزعامة ، فقد ترأس الحزب الحاخام "بنيامين مينتز"، من عام 1933 حتى وفاته عام 1961، ثم الحاخام " كالهان كهانا"، من 1961 حتى 1981، ثم الحاخام "أبراهام فيرديغر" منذ 1981.

ولا يختلف الحزب كثيراً، من ناحية تركيبه العرقي، وقاعدته الاجتماعية، عن حزب "أغودات إسرائيل"، فالنخبة اشكنازية من أصل بولندي، مع وجود حوالي 30% من أعضائه من السفارديم، وقاعدته الانتخابية ـ التي يتألف معظمها من العاملين في مؤسسات التعليم الديني المستقل التابع للحزب ـ تتركز في المدن، والمستوطنات الزراعية.

هذا، ولئن نجح جناحا الصهيونية الدينية: "المزراحي" و"هبوعيل المزراحي" في الاندماج وتشكيل حزب واحد، فإن جناحي الأرثوذكسية المتشددة "الحريدية" لم يتمكنا من ذلك، إذ اتسمت العلاقة بين حزبي "أغودات إسرائيل"، و"هبوعيل أغودات إسرائيل" بالتعاون والتحالف وليس الاندماج.

3. أيديولوجية الحزب

وعلى الرغم من أن الحزب غير صهيوني، إلا أنه ظل أكثر انفتاحاً على الصهيونية والدولة، من الحزب الأم "أغودات إسرائيل"، مما تسبب في معظم الأزمات التي حدثت بين الحزب وأغودات. وبالإجمال رفض الحزب فكرة انتظار المسيح ، وقام بتكييفها لتتفق مع أفكاره، وأعلن أن المسيح سوف يأتي إذا استحق اليهود الخلاص  في الأماكن المقدسة، ومن ثم رأى أن على اليهود العمل لإثبات أنهم يستحقون ذلك. وقد ترجم الحزب أفكاره عبر إنشاء سلسلة من "الموشافيم" في أماكن مختلفة من البلاد. ولأنه لا يرى في قبوله لقرار التقسيم تنازلاً عن فكرة "حق اليهود التاريخي" في كافة أرض فلسطين، فقد أيد كافة السياسات التوسعية التي انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المختلفة، وربط دوماً بينها وبين مدى استجابة الحكومات لمطالبه الدينية والمالية[1].

وتتماثل مواقف الحزب، فيما يتصل بعلاقة الدين والدولة، مع مواقف حزب "أغودات الأم"، كما يشاركه في مؤسساته التعليمية المستقلة، والخضوع لسلطة "مجلس كبار علماء التوراة" الروحية التابعة لأغودات.

ثالثاً: الحركات والأحزاب المنشقة على حركة "أغودات إسرائيل"

تعرض حزب "أغودات" ـ شأنه في ذلك شأن كل الأحزاب في "إسرائيل" ـ إلى العديد من الانشقاقات، إضافة إلى أن القوى الحريدية ـ بشكل عام ـ شهدت الكثير من التحالفات والاندماجات، وخاصة في عقد الثمانينيات. ويوجد اليوم، في "إسرائيل"، قوتان حريديتان رئيسيتان متمثلتان في الكنيست هما "شاس"، و"يهدوت هيتورا"، بجانب عدة قوى حريدية لا تشارك في الانتخابات وليس لها ممثلون في مؤسسات الدولة.

1. حزب «حراس التوراة الشرقيين: شاس»

أ. النشأة التاريخية

يعد "حزب شاس"[2]، نتاج انشقاق اليهود الشرقيين عن "حزب أغودات إسرائيل"، بزعامة الحاخام "اسحاق بيرتس"، وبتشجيع من كل من الحاخام "اليعازر شاخ" ـ الزعيم الروحي للطوائف الحريدية الليتوانية ـ والحاخام "عوفاديا يوسيف"، الحاخام الأكبر الأسبق لليهود الشرقيين، احتجاجاً على سيطرة اليهود الغربيين على الحزب، ورفضهم منح اليهود الشرقيين تمثيلاً ملائماً في مؤسسات الحزب وهيئاته، وفي قائمة مرشحيه للكنيست. وقد خاضت الحركة انتخابات السلطات المحلية، عام 1983، بقائمة منفردة، وفازت بثلاثة مقاعد في المجلس المحلي للقدس.

ظهرت حركة شبيهه بشاس في حي "بني براك"، عُرفت باسم "حاي"، برئاسة "روفائيل بنحاسي"، وبمباركة الحاخام "مناحيم شاخ"، رئيس مجلس عظماء التوراة آنذاك. وفي عام 1948، اندمجت "شاس"، مع كل من "حاي"، وقائمة أخرى، ظهرت في طبرية باسم "زاخ"، وأُعلن عن قيام حزب سياسي تحت اسم "شاس"، بزعامة "اسحاق بيرتس"[3]. وقد انضم إلى الحزب الجديد يهود من الطائفة اليمنية كذلك[4].

ب. التنظيم الداخلي

يتولى إدارة شؤون الحزب مجلس أعلى، يُسمى "مجلس حكماء التوراة"، يرأسه الحاخام "عوفاديا يوسيف"، منذ عام 1984.

ويجد حزب "شاس" مؤيدين له، في أوساط المتدينين الشرقيين، الذي تعلموا في المدارس الدينية الغربية وخاصة الليتوانية منها، وكذلك المتدينين الشرقيين الذين تعلموا في المدارس الدينية الشرقية، وكانت أصوات هؤلاء تذهب لأغودات إسرائيل، قبل ظهور "شاس". ويُصوت لحزب "شاس" ـ أيضاً ـ التائبون (العائدون إلى الدين)، من أبناء الطوائف الشرقية، الذين يؤمنون بقيادة الحاخام "عوفاديا يوسيف"، وجمهور واسع من أبناء الطوائف الشرقية التقليديين.

ج. أيديولوجية الحزب

يستند الحزب إلي الأفكار الدينية الأرثوذكسية الحريدية، في وضع برامجه الاجتماعية والسياسية والانتخابية وفيما يلي عرض للثوابت الأيديولوجية التي يعتنقها الحزب:

(1) علي الصعيد الداخلي

يؤكد الحزب على الحاجة إلى العودة إلى الأصول التوارتية، ويطالب دوماً ـ في برامجه السياسية ـ بتشريعات دينية متعددة تشدد الرقابة على الطعام المحلل (الكوشير)، وتقضي على مظاهر الانحلال في المجتمع، وتراعي حرمات السبت، وتُـلغي تجنيد الفتيات بالجيش. ويطالب باعتمادات مالية من الحكومة لإرساء دعائم شبكة التعليم الديني التابعة له. كما يؤيد بشدة تعديل قانون "من هو اليهودي" ليلائم النظرة الأرثوذكسية، ويطالب بعدم المساس باتفاقية "الوضع الراهن".

تمكن حزب "شاس" من ترسيخ وجوده داخل المجتمع، من خلال تأسيس شبكة "همعيان: إلى المنبع" عام 1985، وهى الشبكة التي تتصل يومياً بمؤيدي الحزب، بشكل مباشر، من خلال أربعمائة فرع منتشرة في كافة أنحاء البلاد، وتقدم خدمات اجتماعية وتربوية ودينية. وتستخدم المئات من الحاخامات في إقناع مئات العائلات بالتوبة والعودة إلى الدين. وتهدف الأندية الاجتماعية، التابعة لهذه الشبكة، إلى القضاء على الفقر والجريمة والإباحية والبطالة ومساعدة المحتاجين وأولئك الذين يعانون من مشاكل اقتصادية أو نفسية أو اجتماعية. وتُمول هذه الشبكة من جانب الحكومات والسلطات المحلية.

دأب الحزب على معارضة السياسات الاقتصادية، التي تعود بالنفع على فئات معينة من المجتمع، والمطالبة بتخفيف الأعباء عن الفئات الفقيرة ودعم تطوير المدن وتمويل التعليم الداخلي.

(2) على الصعيد الخارجي

ليس للحزب مواقف سياسية واضحة وثابتة، فهو يؤمن بأن "أرض إسرائيل" تخص "شعب إسرائيل" طبقاً لـ "توراة إسرائيل"، ومن ثم يعارض الانسحاب من الضفة الغربية، وقطاع غزة، ويؤيد استيطانها باليهود. وعلى الرغم من ذلك أعلن زعيمه "بيرتس" ـ وقت إنشاء الحزب ـ أن الحزب يؤيد الانسحاب من الضفة، والقطاع، انطلاقاً من النص التوراتي "من أنقذ روحاً من شعب إسرائيل، أنقذ عالماً بأكمله"، كما أيد التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1984، وأيد برنامج حزب العمل، للسلام مع العرب في العام 1989. وبالإجمال يرى الحزب، أنه في حالة حدوث سلام حقيقي، فإن "الجهات المسؤولة وكبار الحاخامات في إسرائيل هي التي ستقرر فيما إذا كان بالإمكان التنازل عن أراضٍ من أجل السلام".

وقد حصل "شاس" في انتخابات عام 1988، على ستة مقاعد محتلاً القوة الثالثة في الكنيست، بعد حزبي "الليكود" و"العمل"، وحصل على عدد المقاعد نفسها في انتخابات عام 1992، والتي زادت إلى عشرة مقاعد في انتخابات 1996، وارتفعت إلى (17) مقعداً في انتخابات 1999، ثم تقلصت إلى (11) مقعداً في انتخابات 2003، وزادت إلى (12) مقعداً في انتخابات 2006، وعادت مرة أخرى إلى (11) مقعداً في انتخابات 2009.

2. كتلة "يهود التوراة: يهودت هيتوراه"

وهي كتلة دينية ظهرت عشية انتخابات 1992، نتيجة اندماج حزبي "أغودات إسرائيل" و"ديغيل هيتوراه"

أ. حزب "ديغيل هيتوراه: راية (عَلَم) التوراة"

(1) النشأة التاريخية

انشق هذا الحزب على حزب "أغودات إسرائيل"، في أكتوبر 1988، بمبادرة من الحاخام "اليعازر مناحيم شاخ"، رئيس يشيفات بوينباج، في بني باراك، الزعيم الروحي الأعلى للطوائف الليتوانية ـ ليمثل أغلبية الطوائف الليتوانية من الحريديم، وقد ثار "شاخ" على زعامة "أغودات"، الحسيدية في أغلبها، بسبب علاقتها الوثيقة مع طائفة حباد الحسيدية، والتي أوشك أتباعها على الإعلان عن أن زعيمهم الديني المقيم في نيويورك، الحاخام "مناحيم مندل شنيورسون" من لوبافيتش، هو المسيح المنتظر.

وعلى الرغم من العداوة الضارية بين الليتوانيين، والحسيديين، إلا أن الحزب الليتواني حصل على دعم بعض الحسيديين، وخاصة الذين تلقوا تعليمهم في مدارس ليتوانية[5]. كما حظي بدعم عدد من اليهود الشرقيين بعد أن أرسل الحاخام «عوفاديا يوسيف» رسالة تأييد إليه.

(2) البناء الداخلي

للحزب مجلس روحي أعلى، يسمى "مجلس حكماء التوراة"، ويتكون من "شاخ" رئيساً، وأحد عشر عضواً آخر، كلهم من رؤساء المدارس الدينية المقربين من "شاخ".

عقد الحزب مؤتمره التأسيسي الأول، في مارس 1990، في تل أبيب. برئاسة الحاخام "أفراهام رابتس"، والشخصية الثانية في الحزب هي "موشى جفني"، وحضره أكثر من عشرة آلاف من أتباعه.

(3) أيديولوجية الحزب

يتشابه الحزب ـ في مواقفه الفكرية ـ مع حزب "شاس"، فالهدف الرئيسي هو ترسيخ دور الدين في المجتمع. والإيمان بأن "أرض إسرائيل" حق لـ "شعب إسرائيل". ولتجنب سفك الدماء ووقف تزويد المنطقة بالسلاح، وافق الحزب على قيام سلام مع العرب وإعادة أراضٍ لهم، كما طالب بإقامة علاقات متوازنة مع الكتلتين الشرقية والغربية.

أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، فقد نادى الحزب بالعدالة الاجتماعية، وبناء الاقتصاد حسب روح التوراة، وإنصاف الحريديم في المجتمع، والاهتمام بالتعليم التوراتي، وتوفير منح للتربية الليتوانية، وتمويل شبكة تعليمية خاصة بالحزب، وتمرير قانوني "الاعتناق" و"المحاكم الحاخامية"، ومنع الإباحية والرذيلة، والتصدي للمنظمات التبشيرية المسيحية، ومنع إجراء الحفريات الأثرية، ومنع تشريح الجثث.

وقد كانت للحزب آراء معتدلة فيما يتعلق بالأراضي المحتلة، حيث ذهب زعيمه ـ في مقالة نشرت بعد انتخابات 1988 ـ إلى حد الموافقة، لا على إعادة مناطق محتلة فحسب، وإنما كذلك على إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح. وهو في موقفه هذا يصنف على أنه "حمائمي" في أفكاره السياسية، وهو ما يتفق بشكل عام مع الموقف الحريدي، الداعي إلى انسحاب "إسرائيل" من أراضٍ محتلة، مقابل سلام حقيقي، يحافظ على حياة اليهود التي هي "أثمن من الأرض".

وقد عاد الحزب من جديد ـ عشية انتخابات 1992، بعد أن حصل على مقعدين في انتخابات 1988 ـ إلى الاندماج مع حزب "أغودات إسرائيل"، في إطار كتلة دينية حريدية سُميت بـ "يهدوت هيتواره: راية التوراة". وقد دعت إلى ذلك الحاجة إلى توحيد العالم الحريدي الإشكنازي لمواجهة المنافسة القوية، من جانب "شاس" الحريدي السفاردي من جهة، والاستعداد لنسبة الحسم الجديدة التي ارتفعت من 1% إلى 1.5% من جهة أخرى. وقد ساعد على نجاح هذا الاندماج اشتداد وطأة المرض على الحاخام "شنيورسون"، وانشغال أتباعه بمرضه.

ومن أبرز زعماء الكتلة الجديدة: الحاخام "اليعازر مناحيم شاخ"، و"موشى يهو شع هاجر". ويمثل الكتلة في الكنيست الرابع عشر: "مائير باروش" و"شموئيل هلبرت" (وهما من "أغودات")، و"أبراهام رابتس"، و"موشى جفني" (وهما من "ديغيل هيتواره").

وقد حصل الحزب على خمسة مقاعد في انتخابات عامي 1999 و 2003، ارتفعت إلى ستة مقاعد عام 2006، ثم عادت مرة أخرى إلى خمسة مقاعد عام 2009.



[1] رغم تضاؤل تمثيل الحزب في الكنيست بالمقارنة إلى الحزب الأم، إلا أنه أبدى اهتماماً أكبر بالمسائل الخارجية والأمنية، فقد عارض اتفاقية كامب ديفيد ومعاهدة السلام مع مصر، وأيد سياسات الحكومات المختلفة الخاصة بالاستيطان في الأراضي التي احتلت عام 1967.

[2] لفظة " شاس " هي اختصار للاسم العبري " اتحاد السفاريين حراس التوراه " وهي كذلك لفظة يطلقها اليهود علي التلمود.

[3] ظل "اسحق بيرتس" زعيماً للحزب حتى مارس 1990، حين انتقلت زعامة الحزب إلى الحاخام "أراية درعي" على أثر أزمة مارس 1990.

[4] حصل الحزب على أربعة مقاعد، في انتخابات 1984، احتلها "بيرتس".

[5] من الجماعات الحسيدية، التي أيدت حزب «ديجيل هيتواره»، طائفة «بعلاز» الدينية التي انشقت عن حزب أغودات عشية انتخابات 1988، وطائفة "عرلوي" في القدس، وطائفة «تسانز» في نتانيا. وكان سبب تأييدها الرئيسي هو خلافاتها مع أغودات إسرائيل وجماعة «غور» الحسيدية على وجه التحديد.