إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأحزاب السياسية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية





نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996
نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996
نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية
الكنيست الثامن عشر




الفصل الخامس

المبحث الثامن

النشاط الحزبي وانعكاساته على النظام السياسي ( 1949 – 1976)

أولاً: المرحلة الأولى (1949 – 1955)

1. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الأول (1949 – 1951)

تشهد الساحة السياسية في إسرائيل، عقب كل دورة انتخابية، ظهور حكومة ائتلافية، تضم أحد الأحزاب السياسية الكبرى، وعدداً آخر من الأحزاب السياسية الصغيرة. وتكشف هذه العملية عن مدى التوافق بين القوة البرلمانية للأحزاب وقوّتها السياسية الفعلية. واللافت أن تأليف الحكومات الإسرائيلية، كان يعتمد على مشاركة حزب ديني أو أكثر؛ إذ أدى موقع الدين في الدولة والمجتمع، إلى المشاركة الحتمية للأحزاب الدينية في الائتلافات الحكومية الإسرائيلية كافة، منذ نشأتها وحتى الآن.

أ. الائتلاف الحكومي الأول (8 مارس 1949)

شهد 14 فبراير 1949 أول اجتماع للهيئة التأسيسية. وكُلّف زعيم الحزب الأكبر في الكنيست، "ديفيد بن جوريون"؛ بتأليف الحكومة؛ فسعى إلى ائتلاف حكومي واسع، قدر الإمكان، مهد له باستشارة القوى السياسية كافة الممثلة في الكنيست، عدا الشيوعيين وحزب "حيروت". وانتهت المشاورات إلى الائتلاف الحكومي الأول، في 8 مارس 1949، بين حزب "الماباي" و"الجبهة الدينية الموحدة" و"الصهيونيين التقدميين"؛ تدعمه التجمعات العربية والشرقية (انظر جدول نتائج انتخابات الهيئة التأسيسية، 25 يناير 1949 (الكنيست الأول) والائتلاف الحكومي الأول، 8 مارس 1949).

بدأت الأحزاب الدينية المشاركة الفعلية في الحياة السياسية من خلال انتخابات الهيئة التأسيسية، في إطار الائتلاف الحكومي الأول؛ مستهدفة الحصول على أعلى نسبة ممكنة. وعارض العديد من الأحزاب والحركات الدينية هذه المشاركة، منها حركة "أغودات إسرائيل" وحركة "بوعالي "أغودات إسرائيل"؛ إلا أن حزبا "هامزراحي" و"هابوعيل هامزراحي"، قررا المشاركة في الائتلاف الحكومي، ليحققا، في ظل الدولة العلمانية، أهدافهما المتمثلة في المطالبة باحترام التقاليد والقِيم الدينية اليهودية، وتعديل قانون "من هو اليهودي؟"، وضمان تدفق الدعم المالي للمؤسسات والمدارس الدينية. أمّا الأحزاب الحريدية، الطامحة إلى دولة توراتية، تحكمها الشريعة اليهودية، فلم تكن غايتها من المشاركة في ذلك الائتلاف إلا الحفاظ على قِيم المجتمع الحريدي ومصالحه، مع ضمان استمرار تدفق الدعم المالي لمؤسسات الحريديم ومدارسهم.

أوْلى حزبا "هامزراحي"، من خلال الائتلاف الحكومي، اهتمامهما ومشاركتهما السياسية داخل الكنيست، للمسائل المتعلقة بشؤون الأمن والخارجية والاقتصاد؛ فضلاً عن الأمور الدينية؛ إذ سَعَيَا إلى صبغ الحياة العامة بصبغة دينية. أمّا "الحريديم"، فقصروا اهتمامهم على الشؤون الدينية. وحرص بن جوريون على تحقيق التعايش والتعاون مع الأحزاب الدينية، ضماناً لاستقرار الحكم، وحصر الصراع بين الدين والدولة في إطار محدود.

ب. الائتلاف الحكومي الثاني (1 نوفمبر 1950)

انهارت الحكومة الائتلافية الأولى، في أكتوبر 1950، إثر معارضة الجبهة الدينية الموحدة، اقتراح رئيس الوزراء إنشاء وزارة للتجارة والصناعة، واختيار وزير لها من خارج الكنيست. وعُهد إلى بنحاس روزين تأليف حكومة جديدة؛ ولكنه أخفق، فَوُكِلَت إلى "بن جوريون"، في نوفمبر 1950، والذي أمكنه تأليفها، وحقق لها ثقة الكنيست. واحتفظت الجبهة الدينية فيها بالمقاعد الوزارية، التي كانت تشغلها في الائتلاف الأول؛ إلا أنها رضيت بالتعديل، الذي كان قد اقترحه "بن جوريون".

2. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثاني (1951-1955)

أ. الائتلاف الحكومي الثالث (8 أكتوبر 1951)

اعترى الائتلاف الحكومي الثاني، في فبراير 1951، أزمة وزارية حادّة، نجمت عن الخلاف في التربية الدينية لأطفال اليهود اليمينيين. فقد سعى "بن جوريون" إلى تنفيذ نظام تعليمي موحد، إلا أن الجبهة الدينية، طالبت أن يكون التعليم الديني تحت إشراف حزبَي "هامزراحي" و"أغودات" وسيطرتهما. وما لبثت الحكومة أن فقدت ثقة الكنيست، إثر امتناع الجبهة الدينية عن تأييدها؛ فاستقال رئيس الوزراء.

خاض انتخابات الكنيست الثاني، في 30 يوليه 1951، 17 تحالفاً، 15 منها حققت الحدّ الأدنى من الأصوات، التي بلغت نسبتها 57.1%. أسفرت نتائج الانتخابات عن فقْد حزب "الماباي" مقعداً واحداً؛ وحيازة الصهيونيين العموميين 13 مقعداً؛ وخسارة الأحزاب الدينية، التي خاضت الانتخابات بتحالفات منفردة، مقعداً واحداً، لتحالف "بوعالي أغودات إسرائيل". وفُوّض إلى "بن جوريون" تأليف الحكومة، فتمكّن من ذلك، بعد مشاورات مضنية، تمخضت بضم حزب "الماباي" والأحزاب الدينية الأربعة؛ إضافة إلى دعم التحالفات العربية، التابعة لحزب "الماباي"، والتحالفات الشرقية. وعززت الأحزاب الدينية نفوذها في هذا الائتلاف الحكومي، إذ احتلت أربعة مقاعد وزارية (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثاني، 30 يوليه 1951 والائتلاف الحكومي الثالث، 8 أكتوبر 1951).

وإثر اقتراح، رئيس الوزراء، وضع نظام تعليمي علماني موحد، وملزم للجميع؛ وإصدار تعليمات بتجنيد الفتيات وطلاب المدارس الدينية؛ غادر الائتلاف الحكومي حزبا "أغودات إسرائيل" و"بوعالي "أغودات إسرائيل"، فاستقالت، في 19 ديسمبر 1952، حكومة بن جوريون الثالثة.

ب. الائتلاف الحكومي الرابع (22 ديسمبر 1952)[1]

مع خروج حزب "أغودات إسرائيل" وحزب بوعالي "أغودات إسرائيل" من الائتلاف ألّف بن جوريون الحكومة الائتلافية الرابعة، من تحالف حزب "الماباي" وحزبَي "هامزراحي" و"الصهيونيين العموميين والصهيونيين التقدميين". وقد حسمت هذه الحكومة مشاكل التعليم، إذ جعلته نظاماً ثنائياً، يتضمن تعليماً علمانياً وآخر دينياً.

اعترت الحكومة الائتلافية الرابعة أول أزمة وزارية، في مايو 1953، حينما عارض "الصهيونيون العموميون" رغبة حزب "الماباي" في إلزام المدارس العلمانية في مناطق نفوذه، برفع العلم الأحمر، إلى جانب علم إسرائيل. وأيّده حزب "هامزراحي" وحزب "هابوعيل هامزراحي" لينشأ، منذئذٍ، تحالف تاريخي بين الأحزاب الثلاثة.

ج. الائتلاف الحكومي الخامس (26 يناير 1954)

كان الائتلاف الحكومي الخامس، في 26 يناير 1954، على غرار سابقه، عدا رئاسته، التي تولاها موشي شاريت. وقد عصف به، اتهام حزب "حيروت" عضواً في حزب "الماباي"، كان ممثلاً للوكالة اليهودية في المجر، أثناء الحرب العالمية الثانية، بمعاونة النازيين على إبادة اليهود؛ طالباً من الكنيست الاقتراع على الثقة بالحكومة. وهدد شاريت بالاستقالة، إذا لم يمنحها أيّ شريك ائتلافي ثقته، وحينما امتنع "الصهيونيون العموميون" عن تأييدها، نفذ شاريت تهديده، واستقال في 29 يونيه 1955.

د. التشكيل الحكومي السادس (29 يونيه 1955)

ألّف شاريت الحكومة السادسة، من حزب "الماباي" وحزب "هامزراحي" وحزب "هابوعيل هامزراحي"، إضافة إلى "الصهيونيين التقدميين" والتحالفات الأخرى، التابعة لحزب "الماباي". إلا أن هذه الحكومة كان لها سمات خاصة، إذ اقترب موعد انتخابات الكنيست الثالث؛ لذلك، احتفظ فيها حزبا "هامزراحي" بحقائبهما الوزارية الأربع؛ كما أن شاريت حرص على العلاقة والائتلاف بين حزب "الماباي" والأحزاب الدينية، التي شاركته في الحكومة.

3. تقييم المشاركة الحزبية في الائتلافات الحكومية، خلال المرحلة الأولى (1949-1955)

على الرغم من أن حزب "الماباي"، كان أكبر الأحزاب السياسية، والمهيمن على الساحة السياسية، خلال الفترة من 25 يناير 1949 حتى يوليه 1955، إلا أنه لم يحقق الأغلبية المطلقة، ولم يتمكن من تأليف الحكومة بمفرده؛ وإنما استحوذ على رئاسة الحكومة.

تحددت مطالب الأحزاب الدينية، المشاركة في الائتلافات الحكومية، بتعديل قانون "من هو اليهودي؟"، بما يقصر التحول إلى اليهودية على اليهود الأرثوذكس فقط؛ وبضرورة الحفاظ على القِيم والتقاليد الدينية اليهودية، ودعم التعليم الديني.

أثبتت الائتلافات الحكومية خلال الكِنِِيستَين: الأول والثاني، أن الأحزاب الدينية على استعداد للتخلي عن ثوابتها الأيديولوجية الصارمة، من أجل الحصول على المعونات المالية من الحكومة. وما مشاركة حزبَي " "أغودات إسرائيل" و"بوعالي "أغودات إسرائيل" في الحكومة المؤقتة، والائتلافَين الحكوميَين: الثاني والثالث؛ على الرغم من معارضة الحزبَين للصهيونية وللدولة ـ إلا رغبة في استعادة ما انقطع من الدعم الخارجي، المالي والبشري.

اتسم زعماء حزب الماباي، في تأليفهم للحكومات، بالاعتماد، أساساً، على عدم اتخاذ مواقف واضحة ومحددة؛ وذلك للحدّ مما ينزلون عنه لشركائهم، ضد الأحزاب الدينية في الائتلاف. ولذلك، كانوا يصدرون مراسيم إدارية، يمكن التراجع عنها، عند الضرورة؛ إذ رأوا أن الائتلاف مع تلك الأحزاب، هو أقلّ ثمناً من الائتلاف مع الأحزاب الأخرى، التي لها مواقف ورُؤَى محددة، في المجالات: الاقتصادية والاجتماعية والأمنية والخارجية. كما كانت مشاركة الأحزاب الدينية في الائتلافات الحكومية، خلال هذه المرحلة، شرطاً لازماً لاستمرار الحكومات؛ وخروجها منها، يعني انهيار الائتلاف الحكومي.

ثانياً: المرحلة الثانية (1955-1976)

1. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثالث (1955-1959)

جرت انتخابات الدورة الثالثة للكنيست في 26 يوليه 1955. وخاضها 18 تحالفاً انتخابياً، تجاوز 12 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات، وكانت نسبة التصويت 82.8%. وأسفرت عن تضاؤل قوة "الماباي" و"الصهونيين العموميين". وعلى الرغم من ذلك، فقد عُهِد إلى بن جوريون، زعيم حزب "الماباي" بتأليف الحكومة السابعة (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثالث، 26 يوليه 1955؛ والائتلاف الحكومي السابع، 3 نوفمبر 1955).

أ. الائتلاف الحكومي السابع (3 نوفمبر 1955)

بعد مشاورات، استمرت قرابة ثلاثة أشهر، تمكن بن جوريون من تأليف حكومة، ضمت حزب "الماباي" وحزب "هامزراحي" وحزب "هابوعيل هامزراحي" وحزب "أحدوت هاعفودات" المنشق عن "الماباي"، وحزب "المابام" وحزب "الصهيونيين التقدميين"، والكتل العربية التابعة لحزب الماباي. وحصلت الحكومة على ثقة الكنيست، في 3 نوفمبر 1955.

أكد برنامج الحكومة الجديدة عزمها على دعم القدرة الدفاعية، وتطوير المنظمات العسكرية، وتدريب القوات الإسرائيلية، سواء الفعلية أو الاحتياطية؛ وكذلك قوات القرى المتمركزة بالقرب من الحدود. وتعهدت بالحفاظ على الائتلاف، بالتعاون بين حزب "الماباي" والأحزاب الدينية.

ما كاد يمضي شهر على الائتلاف السابع، حتى وقع أكبر اصطدام مسلح، على الحدود مع سورية، في منطقة بحيرة طبرية؛ وفي أكتوبر 1956، كان العدوان الثلاثي على مصر. وخلال هذه المرحلة، حصلت الأحزاب الدينية، بقانون من الكنيست، على ما تعهد به زعيم حزب "الماباي"، وهو جعْل مادة الوعي اليهودي مادة دراسية إلزامية في المدارس. وأكدت مناقشات الكنيست، في شأن تراجع القوات الإسرائيلية عن سيناء، أن موقف القوة السياسية، أصبح أكثر وضوحاً، وخاصة فيما يتعلق بالخطط العسكرية تجاه الدول العربية؛ وكذلك انضمام إسرائيل، في مايو 1957، إلى مشروع أيزنهاور. وانتابت الحكومة السابعة عدة أزمات، كان أشدها في عام 1957، حينما اعترض حزبا "المابام" و"أحدوت هاعفودات" على توثّق العلاقة الإسرائيلية ـ الألمانية، وخاصة في مجال شراء الأسلحة؛ وتسرب مناقشات الحكومة خلال اجتماعاتها؛ ما حمل بن جوريون، على الاستقالة، في 31 ديسمبر 1957.

ب. الائتلاف الحكومي الثامن (7 يناير 1958)

طابق الائتلاف الثامن سابقه مطابقة تامة. وواجه عدة أزمات، أثارها حزب "أحدوت هاعفودات" وحزب "المابام"؛ ولكنه حظي بدعم حزبَي "هامزراحي"، اللذَين يمثلان الجبهة الدينية الموحدة. بيد أنه ما لبث أن فَقَدَ تلك الحظوة، في أزمة 1958، التي أثارتها مطالبة وزير الداخلية، وهو من أعضاء حزب "أحدوت هاعفودات"، بتسهيل الإجراءات الإدارية لتسجيل اليهود، بغض النظر عن أهليتهم حسب الشريعة اليهودية؛ بل إن الحزبَين تخلّيا عن الحكومة. إلا أنهما استمرا في تأييدها، حيث دعما اتفاق بن جوريون وألمانيا على صفقة سلاح؛ فأُقرَّت، في يونيه 1959، بأغلبية 57 صوتاً، ومعارضه 45 صوتاً، وامتناع 6 أعضاء من التصويت. غير أن الخلافات الحزبية، التي عصفت بالحكومة، انتهت، في 5 يوليه 1959، إلى استقالتها.

2. الائتلاف الحكومي التاسع، خلال الكنيست الرابع (1959-1961)

عانى الائتلاف الحكومي الثامن، منذ نهاية 1958، وخلال عام 1959، التظاهرات والاحتجاجات الجماهيرية، والمصادمات بين المهاجرين ورجال الأمن، في حيفا وبئر السبع. وعمد رئيسه إلى الاستقالة، سعياً إلى فراغ حكومي، يتيح له حرية التصرف، من دون رقابة، في انتخابات، لجأ فيها حزب "الماباي" إلى التخويف والرشوة، واستغلال الانقسام بين أحزاب المعارضة.

جرت انتخابات الكنيست الرابع، في 3 نوفمبر 1959. وخاضها 24 تحالفاً حزبياً، تجاوز 12 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات، وكانت نسبة التصويت 81.6%. وأسفرت عن قوة حزب "الماباي" البرلمانية، وازدياد مقاعده سبعة مقاعد في الكنيست. وفي الوقت نفسه، حافظ حزب "المابام" على قوّته؛ وفَقَدَ الصهيونيون العموميون خمسة مقاعد، و"أحدوت هاعفودات" ثلاثة مقاعد. أمّا الأحزاب الدينية، فكادت تحتفظ بقوّتها، لولا حصول حزب "المفدال" على مقعد إضافي (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الرابع، 3 نوفمبر 1959؛ والائتلاف الحكومي التاسع، 17 ديسمبر 1959).

تمكّن "بن جوريون" من تأليف الحكومة التاسعة، التي جمعت أحزاب: "الماباي" و"المفدال" و"المابام" و"أحدوت هاعفودات" والكتل العربية التابعة لحزب "الماباي". ورفض حزبا "الصهيونيون العموميون" و"الصهيونيون التقدميون" الاشتراك في حكومة، تضم الأحزاب اليسارية. وحظيت الحكومة، في 17 ديسمبر 1959، بثقة الكنيسيت؛ حيث تمكن حزب "الماباي" من تعزيز قوّته. ولكن سرعان ما دبت فيها الصراعات، وتزايدت تظاهرات اليهود الشرقيين ومعارضة الهستدروت؛ وانقسم حزب "الماباي" بين أغلبية تطالب بضرورة محالفة "الصهيونيين العموميين"، بدلاً من الأحزاب اليسارية، وبين أقلية، يتزعمها بن جوريون، تؤيد محالفة مع الأحزاب اليسارية.

ولم يفلِح رئيس الحكومة في محاولات الجمع بين الطرفَين المختلَف فيهما. واشتد الصراع بين شيوخ الحزب وجماعتهم، و"بن جوريون" وأعوانه، الذين يشرفون على قوات جيش الدفاع، والاستخبارات، والأمن، وجزء كبير من الجهاز الحكومي، والصحافة والإذاعة، ويسيطرون عليها جميعاً. وأمسى الصراع سياسياً حادّاً؛ حتى إن "بن جوريون" لم يتردد، عام 1960، في ضم حزب اليهود الأرثوذكس إلى الائتلاف الحكومي، سعياً إلى ضمانات إضافية من الدول الغربية؛ بل جَهِد، منذ منتصف عام 1960، في فرض تسلّطه، والحدّ من قدرة جماعة الشيوخ، إذ عزل واحداً من أنشط رجالها، لافون[2]، من منصب السكرتارية العامة للهستدروت، بقرار من "الماباي"؛ فاندلعت الاحتجاجات، التي انتهت، في 27 مارس 1961، إلى قرار من الكنيست، للمرة الأولى، حل نفسه.

3. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الخامس (1961-1965)

حاول بن جوريون ومعاونوه إرجاء الانتخابات البرلمانية، ريثما يعيد حزب "الماباي" تماسكه، بعد أن ضعضعته قضية لافون؛ فاعتمدوا وسائل الضغط: السياسي والاقتصادي، إغراءً للناخبين. وجرت انتخابات الكنيست الخامس، في 15 أغسطس 1961، قبل عامَين من موعدها. وكانت نسبة المشاركة فيها 81.6%، وخاضها 14 تحالفاً انتخابياً، حقق 11 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات. ونجم عنها خسارة حزب "الماباي" خمسة مقاعد برلمانية؛ واحتفاظ أحزاب: "المابام" و"حيروت" و"المفدال" وحزبَي "أغودات"، بقوّتها؛ وتعزيز الصهيونيين، عموميين وتقدميين، قوّتهم، بعد اندماجهم، وتكوينهم الحزب الليبرالي، وازدياد عدد مقاعدهم ثلاثة مقاعد (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الخامس، 15 أغسطس 1961؛ والائتلاف الحكومي العاشر، 2 نوفمبر 1961).

أ. الائتلاف الحكومي العاشر (2 نوفمبر 1961)

بعد أن رفض ليفي أشكول تأليف الحكومة، ألّفها "بن جوريون"، في 2 نوفمبر 1961، وحصل على ثقة الكنيست، نتيجة تحالف أحزاب: "الماباي" و"المفدال" و"أحدوت هاعفودات" و"بوعالي "أغودات إسرائيل"، والكتل العربية المرتبطة بحزب "الماباي". وتميز الائتلاف الحكومي بقبول حزب "أحدوت هاعفودات" منصبَين وزاريَّين، فأصبح تابعاً لحزب "الماباي"، متخلياً عن وعوده للطبقة العاملة الإسرائيلية.

مع تزايد حدة الصراعات داخل حزب "الماباي"، ازداد نفوذ اليمين المعارض للائتلاف الحكومي؛ إذ تكونت كتلة يمينية موحدة، ضمت حزب "حيروت" وأغلبية الحزب الليبرالي، تحت اسم كتلة "جحال". وحرص زعماء حزب "الماباي"، في مؤتمره، الذي عُقد في أكتوبر 1963، على تجميع الصفوف ومواجهة الاضطرابات العمالية؛ بل نشطوا لإشراك حزب "المابام" في الحكومة الائتلافية، ليكون ستاراً يسارياً لتغطية سياستهم الرجعية.

ب. الائتلاف الحكومي الحادي عشر (26 يونيه 1963)

استقالت حكومة "بن جوريون" في 16 يونيه 1963، بعد تفاقم موجة الغضب الداخلي، على تعاونها مع الحكومة الألمانية. وكُلف ليفي أشكول بتأليف الحكومة الحادية عشرة، وكانت على شاكلة سابقتها؛ إذ اعتمدت على الائتلاف بين "الماباي" و"المفدال" و"أحدوت هاعفودات" و"بوعالي "أغودات إسرائيل" والكتل العربية التابعة لحزب "الماباي". وحازت الحكومة، في 26 يونيه 1963، ثقة الكنيست.

ج. الائتلاف الحكومي الثاني عشر (22 ديسمبر 1964)

انتهج أشكول أسلوباً أكثر مرونة، لتحقيق سياسة الحزب؛ إلا أن الأوضاع لم تستقر، بل ازدادت حدة التظاهرات في القدس، مطالبة بتحرير البلاد من الاضطهاد الديني، وتحسين ظروف العمل. واضطر إلى الاستقالة، إثر احتدام الصراع بين مؤيديه ومؤيدي بن جوريون، واشتداد ضغط الأحزاب المعارضة، وخاصة الحزب الليبرالي. بيد أن اللجنة المركزية لحزب "الماباي"، اختارته، مرة أخرى، ليؤلف الحكومة، فألّفها من الائتلاف نفسه، الذي كوَّن حكومته السابقة. وحاز، في 22 ديسمبر 1964، ثقة الكنيست.

خلال هذه المرحلة، تعزز نفوذ الأحزاب الدينية في الائتلاف؛ إذ إن ضغوط اليمين على "الماباي"، أجبرته على التشبث بمحالفة حزب "المفدال"، لأنه لو تخلى عنها، لانهارت الحكومة. واستمر هذا الائتلاف، على كثرة المشاكل، التي واجهته، والناجمة عن العلاقات بالغرب، والتوتر المستمر مع العرب ودول الجوار، وقوانين الطوارئ، والقوانين الاقتصادية التي تخدم رؤوس الأموال الأجنبية في إسرائيل.

4. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست السادس (1965-1969)

جرت انتخابات الكنيست السادس في الأول من نوفمبر 1965. وكانت نسبة المشاركة فيها 83%. وخاضها 16 تحالفاً حزبياً، تجاوز 13 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات. وفقد تحالف "الماباي" و"أحدوت هاعفودات" خمسة مقاعد. وجاءت كتلة "جحال" في المرتبة الثانية، وخسر حزب "المفدال" مقعداً واحداً. وبدأت تزداد قوة حزب "رافي"، إثر نجاحه في استمالة أصوات المهاجرين اليهود الجدد، وكذلك العمال وبعض الضباط القادة (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست السادس، 1 نوفمبر 1965؛ والائتلاف الحكومي الثالث عشر، 12 يناير 1966).

أ. الائتلاف الحكومي الثالث عشر (12 يناير 1966)

عاقت أشكول عن تكوين الائتلاف الحكومي، مطالبة الحزب الليبرالي بحُرية أكثر لرؤوس الأموال الأجنبية؛ ومساومة حزب "المفدال" وابتزازه بمطالبته بخضوع اليهود المتدينين لمحاكم الحاخامات فقط. وتمكن أشكول، في 12 يناير 1966، من تأليف الحكومة، من حزب "الماباي" وحزب "المفدال" وحزب "المابام" والحزب الليبرالي المستقل و"بوعالي "أغودات إسرائيل"، والكتل العربية التابعة لحزب "الماباي". وحصل حزب "المفدال" على العديد من المكاسب؛ إذ زادت الحكومة الاعتمادات المالية المخصصة لهيئاته ومدارسه؛ وفي المقابل، أخرت فتح جميع المؤسسات التجارية والصناعية، أيام السبت.

وحولت إسرائيل هذه الحكومة إلى حكومة وحدة وطنية، قبل إعلانها الحرب على الدول العربية، في 5 يونيه 1967؛ إذ ضمت إليها كلاًّ من كتلة "جحال" وتحالف "رافي"، لتبلغ مقاعد الائتلاف الحكومي 111 مقعداً؛ محققة بذلك نسبة تصويت وصلت طاولت 91.3%. واستمر انضمام الكتل العربية التابعة لحزب "الماباي" إلى حكومة الحرب، تلك، ونالت، في 5 يونيه 1967، ثقة الكنيست.

ب. الائتلاف الحكومي الرابع عشر (17 مارس 1969)

بعد وفاة "ليفي أشكول"، في 26 فبراير 1969، كُلفت جولدا مائير بتأليف الحكومة، فألفتها وفق أُسُس الحكومة السابقة وقواعدها. وتكفلت بتنفيذ ما كانت قد وعدت به الائتلافات الحكومية، التي كُوِّنت خلال الكنيست السادس. ونالت هذه الحكومة، في 17 مارس 1969، ثقة الكنيست.

5. الائتلاف الحكومي الخامس عشر، خلال الكنيست السابع (1969-1973)

جرت انتخابات الكنيست السابع، في 28 أكتوبر 1969. وبلغت نسبة المشاركة فيها 81.7%. وخاضها 19 تحالفاً انتخابياً، حقق 13 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات، أي 68.4%. اندمجت تحالفات "الماباي" و"أحدوت هاعفودات" و"المابام"، في ما عُرف باسم "المعراخ"، أيْ التجمع. كذلك ظهر تحالف "رافي" أو التحالف الرسمي، الذي تكوَّن، بعد انشقاق بن جوريون عن "الماباي".

كُلفت "جولدا مائير" بتأليف الحكومة الخامسة عشرة. واشترط "المفدال" لاشتراكه فيها، أن تُمنع برامج التليفزيون، أيام السبت؛ وأن يعيَّن أحد أعضائه نائباً لوزير التعليم. وقُبِل شرطاه، فوُلد، في  15 ديسمبر 1969، ائتلاف حكومي من "المعراخ" و"جحال" و"المفدال" والحزب الليبرالي المستقل. ولم يشترك فيه حزب "بوعالي "أغودات إسرائيل"، الذي فضّل الانضمام إلى المعارضة (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست السابع، 28 أكتوبر 1969؛ والائتلاف الحكومي الخامس عشر ، 15 ديسمبر 1969).

وفي أغسطس 1970، استقالت كتلة "جحال" بسبب قبول الحكومة مبادرة روجرز الأمريكية؛ فاستبدِل بوزرائها آخرون من "المعراخ". وهدد حزب "المفدال" بالاستقالة، إذا لم تُلبَّ طلباته، ولا سيما مسألة "من هو اليهودي؟"، التي أُثيرت غير مرة، وكادت تطيح الحكومة، لا بل إن أحد أعضائه، صوّت في مصلحة اقتراح، يقصُر عملية التحول إلى اليهودية على الحاخامات الأرثوذكس فقط؛ ما حمل رئيسة الحكومة، على طرده. وفي الوقت نفسه، هددت بالاستقالة، إذا طرح نواب حزب الأحرار على الكنيست مشروع قانون، يسمح بالزواج المدني. وبصفة عامة، حقق حزب "المفدال" مكاسب سياسية كبيرة، خلال فترة حكم مائير؛ بل كان زعيمه من المقربين إليها؛ لا، بل من صانعي القرار السياسي، المعروفين باسم "مطبخ مائير".

6. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثامن (1973 – 1977)

جرت انتخابات الكنيست الثامن، في 31 ديسمبر 1973. وبلغت نسبة المشاركة فيها 78.6%. وخاضها 21 تحالفاً انتخابياً، حققت 10 تحالفات منها الحدّ الأدنى من الأصوات. وتأثرت نتائجها بحرب أكتوبر 1973 مباشرة، ففقد حزب "المعراخ"، خمسة مقاعد في الكنيست؛ وازداد تكتل اليمين، "الليكود"، سبعة مقاعد. أمّا الأحزاب الدينية، فقد خسرت ثلاثة مقاعد؛ وفَقَدَ "المفدال" مقعدَين. ويُعزى ضعف الأحزاب الدينية إلى أن مؤيديها، وخاصة في مستوطنات الضفة الغربية، وكذلك في الجيش، منحوا أصواتهم تكتل اليمين الجديد، "الليكود" (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثامن، 31 ديسمبر 1973؛ والائتلاف الحكومي السادس عشر، 10 مارس 1974).

لئن مُنيت الأحزاب الدينية بخسارة عددية، فإن قدْرتها على المساومة والابتزاز قد تعاظمت؛ وذلك لتراجع قوة "المعراخ" البرلمانية، وازدياد قوة "الليكود" في الكنيست. ومن ثَم، فقد اشترط "المفدال" تعديل قانون العودة، وإجراء انتخابات عامة في حالة الوصول إلى اتفاق مع الدول العربية، وضم "الليكود" إلى الحكومة. ولكن هذه الشروط، لم يوافق عليها، لا حلفاء "المعراخ" في الخارج، ولا جولدا مائير، التي هددت بقصْر الائتلاف على "الأحرار المستقلين" و"راتس"؛ واستبعاد "المفدال"؛ ما اضطر هذا الأخير إلى التراجع عن شروطه، عدا ثانيها، المتمثل في ضرورة إجراء انتخابات، في حالة الوصول إلى اتفاق مع الدول العربية، يقضي بالتخلي أراضٍ في الضفة الغربية.

أ. الائتلاف الحكومي السادس عشر (10 مارس 1974)

ألّفت "جولدا مائير" الحكومة الائتلافية من تحالف "المفدال" و"الأحرار" و"المعراخ"، والكتل العربية التابعة للأخير. ويؤكد ذلك أن الأحزاب الدينية، هي أحرص على التدفقات المالية والمساعدات لمؤسساتها ومدارسها، منها على ثوابتها الأيديولوجية. وحازت الحكومة، في 10 مارس 1974، ثقة الكنيست.

ولكنها سرعان ما استقالت، في 11 أبريل 1974، بعد نشر تقرير لجنة "أجرانات"، في شأن هزيمة الجيش الإسرائيلي في حرب أكتوبر، الذي اتهم الحكومة بالتقصير.

ب. الائتلاف الحكومي السابع عشر (3 يونيه 1974)

كُلف "إسحاق رابين" بتأليف الحكومة الجديدة. وأجبره "المفدال" بشروطه السابقة نفسها، على تكوين ائتلاف محدود من "المعراخ" و"راتس" و"الأحرار المستقلين" والكتل العربية التابعة لحزب "المعراخ". وحصلت الحكومة، في 3 يونيه 1974، على ثقة الكنيست.

انهار ائتلاف الحكومة في ديسمبر 1976، إثر اقتراح الجبهة التوراتية الموحدة، المكونة من حزبَي "أغودات إسرائيل"، حجب الثقة عن الحكومة، لانتهاكها حرمة يوم السبت، بإصرارها فيه على استقبال ثلاث طائرات أمريكية الصنع، في أحد المطارات، وعودة مستقبليها في سياراتهم إلى منازلهم. وصوّت جميع أعضاء "المفدال" في الكنيست في مصلحة هذا الاقتراح، فبادر رابين، بموجب حقه في طردْ الوزراء، الذين لا يلتزمون بالمسؤولية الجماعية للحكومة، إلى طرْد وزراء "المفدال" فيها؛ واستقال في 22 ديسمبر 1976، ودعا إلى انتخابات مبكرة.

كانت الحكومة الائتلافية السابعة عشرة خاتمة للمشاركة التاريخية، بين حزبَي "الماباي" و"المفدال"، وفاتحة مرحلة جديدة ودور جديد للأحزاب: الدينية والعلمانية، في الحياة السياسية الإسرائيلية.

7. تقييم المشاركة الحزبية في الائتلافات، خلال المرحلة الثانية (1955 – 1976)

حال اختلاف توجهات الأحزاب وتعارُضها، دون حصول أيٍّ من الأحزاب السياسية على الأغلبية المطلقة، التي تمكنه من تأليف حكومة بمفرده. كما لم تؤلَّف حكومة من دون مشاركة الحزبين الأكبَرَين: "الماباي" و"المعراخ". كذلك لم يسلم حزب "الماباي" من الخلافات الداخلية، التي انتهت إلى سقوط بعض الحكومات الائتلافية؛ بل إلى انشقاق الحزب نفسه، وظهور بعض الكتل المستقلة.

كان حزب "المفدال" شريكاً رئيسياً  لحزب "الماباي" في الائتلافات الحكومية، وحليفه الأمين، في الأزمات؛ ولا سيما منذ الحكومة الائتلافية الرابعة. أمّا مشاركة حزب "بوعالي أغودات إسرائيل"، فكانت محدودة.

طالما رهنت الأحزاب الدينية اشتراكها في الائتلافات الحكومية؛ بتعديل قانون "من هو اليهودي؟"، ومراعاة القيم والتقاليد اليهودية، وضمان تدفق الدعم المالي. ولئن كانت مستعدة للتخلي عن ثوابتها الأيديولوجية، مقابل بقائها في الائتلافات الحكومية، وحصولها على الدعم المالي؛ فإنها تشبثت، ولا سيما حزب "المفدال"، بتعديل قانون "من هو اليهودي؟"، ولم تتخل عنه أبداً.

لم يتخذ قادة "الماباي" ثم "المعراخ" مواقف محددة، وواضحة، في برامجهم الائتلافية؛ استرضاء للأحزاب: اليسارية واليمينية والدينية. ومن ثَم، فقد ضمتها جميعاً كلّ الحكومات الائتلافية، في إطار سياسة: "فرق تسد"، التي انتهجها قادة "الماباي" ليحُوْلوا دون أيّ تآلف بين الأحزاب: الدينية واليمينية. كما أن عدم وضوح برامج الائتلاف، كان يحُدّ مما يُقدم للشركاء في الحكومة.

 



[1] ذُكر في الموقع الرسمي للكنيست الإسرائيلي www.knesset.gov.il ، أن الحكومة الرابعة قد شُكلت في 24 ديسمبر 1952.

[2] كان لافون وزيراً للدفاع في إسرائيل عام 1954، وخلال هذه الفترة اتهم بفشل عملية تخريبية في القاهرة، وأثيرت هذه القضية مرة أخرى عام 1961، حيث أدت إلى استقالة الحكومة وحل الكنيست نفسه لأول مرة