إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأحزاب السياسية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية





نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996
نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996
نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية
الكنيست الثامن عشر




الفصل الخامس

المبحث التاسع

النشاط الحزبي وانعكاسه على النظام السياسي (1977 – 2001 )

أولا : المرحلة الأولي (1977 – 1995)

1. الائتلاف الحكومي الثامن عشر، خلال الكنيست التاسع (1977 – 1981)

جرت انتخابات الكنيست التاسع في 17 مايو 1977. وبلغت نسبة المشاركة فيها 79.2%. وخاضها 26 تحالفاً انتخابياً، تجاوز 13 تحالفاً منها الحدّ الأدنى من الأصوات. وهي الانتخابات الأولى، التي يحقق فيها حزب يميني، "الليكود"، المركز الأول، والذي ازدادت مقاعده في الكنيست 4 مقاعد. بيد أن ذلك ليس دليلاً على تزايد قوته، بقدر ما هو دليل على ضعف "المعراخ"، الذي خسر 19 مقعداً (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست التاسع، 17 مايو 1977؛ والائتلاف الحكومي الثامن عشر، 20 يونيه 1977).

ويُعزى انخفاض قوة "المعراخ" إلى فقدانه قيادته التاريخية، المتمثلة في موشي شاريت وديفيد بن جوريون وليفي أشكول؛ وتولِّى أمره جماعة جديدة، مثل: إسحاق رابين وشيمون بيريز وإيجال آلون، والتي يعوزها التكاتف والترابط، وينقصها الوزن التاريخي؛ إضافة إلى تورط العديد من قادة الحزب في قضايا فساد؛ فضلاً عن اتهام لجنة "أجرانات" حزب "المعراخ" بالتقصير السياسي والعسكري والأمني، في حرب أكتوبر 1973؛ ناهيك عن فشله في القضاء على الفجوات: الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، بين اليهود الشرقيين والغربيين، وبين الفقراء والأغنياء؛ ما أثار عليه نقمة اليهود الشرقيين والفقراء، ودفعهم إلى التصويت في مصلحة حزب "الليكود".

ظهر حزب "الليكود" أكثر تماسكاً، بقيادة قوية، تمثلت في زعيمَي حزب "حيروت"، مناحم بيجن، وحزب "الأحرار"؛ فبدا كأنه مدافع عن الفقراء، ومنقذ لليهود الشرقيين، والمتمسك بالأراضي الإسرائيلية التاريخية. وأعلن بيجن ضرورة ترابط الدولة والدين، ورأى أن الدين هو أساس الشخصية القومية؛ كما أعلن أن يهودا والسامرة (الضفة الغربية المحتلة) ستظل تحت السيادة الإسرائيلية.

وعززت الأحزاب الدينية قوّتها البرلمانية، وخاصة حزب "المفدال"، الذي سعى إلى تجديد قيادته ومرشحيه للكنيست، من خلال استبعاد الزعامات القديمة، وترشيح القيادات التاريخية وجيل الشباب. أمّا الأحزاب الحريدية، فقد شهدت انشقاقاً للجبهة التوراتية الموحدة، وانقسمت إلى حزب "أغودات إسرائيل" وحزب "بوعالي أغودات إسرائيل".

كُلف بيجن تأليف الحكومة، فعمد إلى الاتفاق مع الأحزاب الدينية، واستبعد "المعراخ"؛ فتكونت من "الليكود" و"المفدال" وحزب "أغودات إسرائيل" وتحالف موشى ديان. ونالت، في 20 يونيه 1977، ثقة الكنيست.

أغرى بيجن الأحزاب الدينية بوعودٍ كثيرة، حتى يستوثق من انضمامها إلى الائتلاف؛ فازداد نفوذها خلال هذه المرحلة، وتزايدت مكاسبها ودعمها المالي للمؤسسات والهيئات الدينية؛ فضلاً عن محاباة تلك الأحزاب، بإصدار قانون، يقيِّد عمليات تشريح الجثث، ويمعن في إعفاء فتيات الأرثوذكس من التجنيد.

عيّن بيجن أربعة وزراء من كتلة "داش" في الحكومة الجديدة؛ بعد أن وَفَّق بين مطالبتها بتعديل نظام الانتخابات، لتصبح في دوائر فردية، وبين رفض حزب "المفدال" لذلك التعديل. فقد أعطى الأحزاب الدينية الحق في الاعتراض على أيّ تشريع، يعدل النظام الانتخابي، من دون أن يؤدي ذلك إلى إسقاط الحكومة. كما أعفى أعضاء كتلة "داش" من المسؤولية الجماعية للحكومة، عند التصويت على أيّ تشريع خاص بالنظام الانتخابي أو بالشؤون الدينية، وكذلك مستقبل الضفة الغربية.

عصف بهذه الحكومة كثير من الأزمات، ولا سيما تلك الناجمة عن موقف حزب "المفدال" حيال التسوية السلمية مع العرب، وخاصة بعد زيارة الرئيس المصري، محمد أنور السادات، إلى القدس؛ إذ أصر الحزب على التمسك بأرض الميعاد بكاملها، وزيادة الاستيطان في هضبة الجولان والضفة الغربية وقطاع غزة. ومع تزايد حدة التظاهرات، احتجاجاً على فشل السياسة الاقتصادية، و استمرار مفاوضات الحكم الذاتي، اشتدت حدة الأزمات، وتناقص التأييد البرلماني للحكومة؛ ولم تّحُل التعديلات الحكومية، دون اضطرار بيجن إلى تقديم مشروع حل الكنيست، وتقديم موعد الانتخابات.

2. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست العاشر (1981 – 1984)

جرت انتخابات الكنيست العاشر، في 30 يونيه 1981 قبْل خمسة أشهر من موعدها. وبلغت نسبة المشاركة فيها 78.5%. وأسهمت الانشقاقات الحزبية في تكاثر الكتل الانتخابية، التي بلغت 39 كتلة، إلا أنه لم يحقق منها سوى 10 كتل الحدّ الأدنى من الأصوات، أيْ 25.64%. وكادت تتساوى فيها المقاعد، التي فاز بها حزبا "المعراخ" و"الليكود"؛ ما تأذَّن بمرحلة الثنائية الحزبية.

أمّا الأحزاب الدينية، فقد ضعفت قوّتها، وانخفض عدد مقاعدها في الكنيست؛ ولا سيما منها حزب "المفدال"، الذي أثار فيه السلام مع العرب الصراعات الداخلية؛ فضلاً عن انشقاق اليهود الشرقيين. بيد أن قدرته على مساومة حزب "الليكود" لم تتأثر كثيراً؛ بل عززها تقارُب قوَّتَي، هذا الأخير و"المعراخ" (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست العاشر، 30 يونيه 1981؛ والائتلاف الحكومي التاسع عشر 5 أغسطس 1981).

أ. الائتلاف الحكومي التاسع عشر (5 أغسطس 1981)

ضمت حكومة "مناحم بيجن"، إلى جانب "الليكود" جميع الأحزاب الدينية، التي قَبِل شروطها، فالتزم بتمرير تعديل قانون العودة في الكنيست، واحترام شعائر يوم السبت في مؤسسات الدولة كافة، والسعي إلى إعفاء مزيد من الفتيات المتدينات من الخدمة العسكرية، وإسناد وزارتي الأديان والداخلية إلى حزب "المفدال"، ووزارة الشؤون الاجتماعية إلى حزب "تامي". وحصلت هذه الحكومة، في 5 أغسطس 1981، على ثقة الكنيست. ولكن تزايد حدة الأزمات، التي واجهتها، حملت بيجن على الاستقالة.

ب. الائتلاف الحكومي العشرون (10 أكتوبر 1983)

تولى "إسحاق شامير" زعامة "الليكود". وكُلف بتأليف الحكومة الجديدة، فألّفها من "الليكود" و"المفدال" و"تحيا" و"أغودات إسرائيل"، بعد أن رفض "المعراخ" الاشتراك في حكومة وحدة وطنية. تكفَّل شامير لحزب "أغودات إسرائيل" بتقييد إنتاج لحم الخنزير، وإغلاق حمام سباحة مختلط، في مدينة القدس، بالقرب من حي الأرثوذكس.

نَغَّص على شامير حكومته شركاء "الليكود" فيها؛ إذ سببوا أزمات، كان أشدها خطراً تلك التي أثارها حزب "تامي" برفضه الاستقطاعات المالية، التي طاولت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وتهديده بالتصويت ضد الحكومة في اقتراع، على حجب الثقة، إذا لم تستجب الحكومة له مطالبته بوضع حدّ أدنى للأجور، وزيادة ضريبة الدخل، وإعفاء ذوي الدخول المنخفضة منها. ومع تزايد حدة الأزمات الاقتصادية، وتفاقم الخلافات الحكومية، واستقالة العديد من الوزراء، فقدت الحكومة قدْرتها على الاستمرار؛ فحلّ الكنيست نفسه، وقُدِّم موعد الانتخابات.

3. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الحادي عشر (1984 – 1988)

جرت الانتخابات قبْل خمسة عشر شهراً من موعدها. وكانت نسبة المشاركة فيها 78.7%. وانخفض عدد الكتل التي خاضتها إلى 26 كتلة، منها 6 كتل تشارك فيها، للمرة الأولى. ولم يحقق الحدّ الأدنى من الأصوات سوى 15 كتلة، أيْ 57.69%. وقد خاضها حزب "المعراخ" وهو أكثر تماسكاً. أما "الليكود"، فكان يعاني انشقاق المعتدلين، بزعامة موشى ديان؛ وسيطرة المتطرفين عليه، بزعامة أرييل شارون؛ فضلاً عن تداعيات غزو لبنان وأثرها الشديد في حملته الانتخابية. وفقدت الأحزاب الدينية كثيراً من مؤيديها، فخسر "المفدال" مقعدَين في الكنيست، وفَقَدَ حزب "تامي" أكثر من ثلث قوّته (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الحادي عشر، 23 يوليه 1984؛ والائتلاف الحكومي الحادي والعشرون، 13 سبتمبر 1984).

أ. الائتلاف الحكومي الحادي والعشرون (13 سبتمبر 1984)

أكدت انتخابات الكنيست الحادي عشر استمرار الثنائية الحزبية؛ إذ تزعمه حزبان كبيران متساويا القوة فيه. وعجز كلٌّ منهما عن تأليف الحكومة؛ إذ رفض "المعراخ" تأليف حكومة يسارية، يشترك فيها الشيوعيون والعرب؛ ولم يتمكن "الليكود" من تكوين ائتلاف حكومي مع القوى: اليمينية والدينية. ولذلك، اضطرا إلى الاشتراك معاً في حكومة وحدة وطنية، تنصّفا فترة رئاستها، فتولاها شيمون بيريز في العامين الأولَين، وشامير في الفترة التالية.

أسهمت عوامل شتّى في نجاح حكومة وحدة وطنية وتنصّف فترة رئاستها، من أبرزها تردِّي الأوضاع الاقتصادية، وتفاقم انقسام المجتمع بين المتدينين والعلمانيين. وسرعان ما أدركت الأحزاب الدينية أنها لن تتمكن من ممارسة دورها في الحفاظ على القِيم والتقاليد الدينية، ولن تحصل على المخصصات والدعم المالي من الحكومة، ما لم تنضم إلى حكومة الاتحاد الوطني.

ب. الائتلاف الحكومي الثاني والعشرون (20 أكتوبر 1986)

واجه بيريز، خلال رئاسته حكومة الوحدة الوطنية، كثيراًَ من الأزمات، وخاصة العلاقة بمصر، ومشكلة طابا، والاستيطان في داخل المدن العربية. وخلال رئاسة شامير الحكومة، في أكتوبر 1986، طرأت عليها تعديلات محدودة، لم تشفع لها عند الأحزاب الدينية، التي استمرت في إثارة مسألة "من هو اليهودي؟"؛ على الرغم من غَدَق تدفق الاعتمادات المالية الحكومية لمؤسساتها ومدارسها، التي تمثّل  هدفاً رئيسياً من أهدافها.

4. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثاني عشر (1988-1992)

دفع الإسرائيليين استعار الانتفاضة الفلسطينية، في الأراضي المحتلة، إلى مزيد من التطرف، خلال انتخابات الكنيست الثاني عشر، في الأول من نوفمبر 1988. وهو ما انتهزه "الليكود"، إذ جعل قمع الانتفاضة، عسكرياً، أُسَّ برنامجه الانتخابي؛ ورفض فكرة المؤتمر الدولي ومفاوضة الدول العربية على غرار مفاوضات كامب ديفيد؛ بل رفض مفاوضة منظمة التحرير الفلسطينية؛ لا، بل أمعن في بناء المزيد من المستوطنات اليهودية. وحرص على أن يكون من بين مرشحيه وجوه شابة متطرفة، ومنهم "بنيامين نتنياهو، الذي كان يشغل منصب مندوب إسرائيل لدى الأمم المتحدة. أمّا برنامج حزب "العمل"، فقد ارتكز على لاءات ثلاث: لا للدولة الفلسطينية، لا للتفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، لا للعودة إلى حدود عام 1967 ووجود جيش أجنبي غرب نهر الأردن. وأسقط من مرشحيه مَنْ وصفوا بالحمائم، ومنهم "أبا إيبان"؛ واستمال العديد من الجنرالات، وأبقى على التحالف بينه وبين حزب "ياحاد".

شهدت المرحلة السابقة على هذه الانتخابات العديد من الانشقاقات الحزبية، حيث ظهر حزبان يمينيان، هما: "تسوميت" و"موليدت"، وحزب ديني حريدي منشق عن "أغودات إسرائيل"، هو حزب "ديغل هتوراه"؛ وكذلك حزب عربي جديد، هو الحزب الديموقراطي العربي؛ وانشقت كتلة تضم قبائل إسرائيل؛ كما انشقت كتلة "ميماد" عن "المفدال"؛ بينما انضم "تامي" إلى "الليكود"، وعادت كتلة "متساد" إلى "المفدال".

أُجريت الانتخابات في الأول من نوفمبر 1988. وكانت نسبة المشاركة فيها 79.7%. وأكدت نتائجها تعاظم دور الأحزاب الدينية، مرة أخرى؛ إذ حصلت على ما يقرب من 16% من الأصوات، وأصبح لها 18 مقعداً في الكنيست؛ فأضحت مؤثرة في ميزان القوى لحزبَي "العمل" و"الليكود"، اللذَين ابتزتهما بعدم التزامها بمواقف واضحة وثابتة، مستهدفة الحصول على أكبر قدر من المكاسب، بالتحالف مع أيٍّ منهما (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثاني عشر، الأول من نوفمبر 1988؛ والائتلاف الحكومي الثالث والعشرون، 22 ديسمبر 1988).

أ. الائتلاف الحكومي الثالث والعشرون (22 ديسمبر 1988)

كُلف شامير بتأليف الحكومة، فحقق ائتلافاً من أحزاب "المابام" و"راتس" و"شينوي" و"ديغل هتوراه"؛ حاز 51 مقعداً داخل الكنيست؛ إضافة إلى دعم "حداش" والكتلة التقدمية والحزب الديموقراطي العربي. أمّا "الليكود"، فتمكن من تحقيق ائتلاف مكون من أحزاب "موليدت" و"تسوميت" و"تحيا" و"المفدال"؛ وبذلك ضمن 52 مقعداً في الكنيست. وبعد مساومات عديدة، أمكن حزب العمل ضم حزبَي "أغودات إسرائيل" اللذَين يحتلان خمسة مقاعد؛ وذلك لقاء التخلي عن فكرة المؤتمر الدولي للسلام. ومع هذه التطورات، بدأ تنافس حزب "العمل" وحزب "الليكود" في ضم حزب "شاس"، الذي لم تُعْرِه عروض أولهما، و فضل الانضمام إلى الثاني؛ وبذلك لم تؤثر كلّ التنازلات، التي قدمت إلى الأحزاب الدينية.

لم يتمكن شامير، خلال المهلة القانونية، من تشكيل الحكومة. وتزايد ابتزاز الأحزاب الدينية، التي طالبت بمشاركة أوسع في عملية صنع القرار السياسي؛ وإصدار عدة قوانين دينية، ومنها تحديد "من هو اليهودي؟"؛ وإلغاء تجنيد الفتيات؛ وإغلاق الملاهي والنوادي الليلية؛ وتعزيز التعليم التوراتي؛ وزيادة المخصصات والدعم المالي للمؤسسات الدينية.

بعد منح شامير مهلة قانونية ثانية، انتهت مشاوراته إلى تأليف حكومة وحدة وطنية، من تآلف "الليكود" و"العمل"، وخاصة بعد أن مارست الأحزاب الدينية كلّ أشكال المساومة والابتزاز، وعدم ثبات موقفها؛ فضلاً عن تزايد حدة الضغوط الخارجية، وخاصة من جانب يهود الولايات المتحدة الأمريكي، التي رغبت في حكومة وحدة وطنية، تحقق الاستقرار السياسي الداخلي، وتواجه  الانتفاضة الفلسطينية. أثارت سياسة الأحزاب الدينية المجتمع الإسرائيلي؛ ما أدى إلى خروج العديد من التظاهرات المطالبة بإصلاح النظام الانتخابي؛ للحدّ من نفوذ تلك الأحزاب وتدخُّلها في الشؤون السياسية، واتباعها أساليب الضغوط والابتزاز.

بدأت حكومة الوحدة الوطنية تنهار، وخاصة بعد استقالة وزراء العمل، بسبب الخلاف في خطة بيكر للسلام. وانتهى الأمر إلى حجب الثقة عن حكومة شامير؛ فتحولت إلى حكومة انتقالية مؤقتة، يؤيدها 55 عضواً في الكنيست، هم أعضاء أحزاب "الليكود" و"المفدال" و"تحيا" و"موليدت" و"ديغل هتوراه" و"تسوميت"، والحزب الليبرالي؛ إضافة إلى عضو منشق على "شاس".

ب. الائتلاف الحكومي الرابع والعشرون (11 يونيه 1990)

كُلف بيريز بتشكيل ائتلاف حكومي جديد. ومن ثَم، بدأت الأحزاب الدينية ممارسة دورها في المساومة والابتزاز، فشهدت الفترة من 15 مارس 1990 وحتى  إعلان بيريز فشله في تكوين الائتلاف الحكومي، في 4 أبريل 1990، كلّ أشكال الابتزاز وأساليب المساومة. وعلى الرغم من موافقة بيريز على معظم ما طالبت به الأحزاب الدينية، إلا أنه لم يتمكن من تأليف الحكومة.

بدأ شامير بتأليف الحكومة، فور تكليفه بذلك. ودخل في مشاورات مكثفة مع الأحزاب: اليمينية والدينية؛ وقدم خلالها الدعم المالي، الذي طالبت به الأحزاب الدينية؛ وبذلك تمكن من تكوين ائتلاف محدود، يضم سبعة أحزاب وكتل يمينية ودينية، بعد مشاورات استمرت نحو 40 يوماً. وضم الائتلاف الحكومي كلاً من حزب "الليكود" و"شاس" و"المفدال" و"ديغل هتوراه" و"تحيا" و"موليدت" و"تسوميت"؛ وحصل على تأييد 62 صوتاً في الكنيست، أيْ 50.8%.

5. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الثالث عشر (1992-1995)

جرت انتخابات الكنيست الثالث عشر، في 23 يونيه 1992، بعد أن عملت الولايات المتحدة الأمريكية على حضور حكومة شامير مؤتمر مدريد للسلام. وعلى الرغم من أن "الليكود" قد حافظ على بقائه في الحكم، خلال الفترة من 1977 إلى 1992، من خلال استمرار تأييد الأحزاب الدينية والطوائف الشرقية؛ إضافة إلى موقفه المعلن من عدم التخلي عن الأراضي المحتلة عام 1967؛ إلا أن شعبيته بدأت تتأثر، بسبب انتخاب إسحاق رابين رئيساً لحزب "العمل"، والذي كان يحظى بقبول من بعض ناخبي "الليكود"؛ وكذلك تورط الأخير في فضائح فساد، وخاصة في وزارة الإسكان.

كان وصول رابين إلى رئاسة حزب "العمل" من عوامل تزايد التأييد لهذا الحزب؛ إذ أجرى تغييرات جوهرية في كتلة مرشحي الحزب، تضمنت مرشحين جدداً؛ وأعدَّ برنامجه الانتخابي إعداداً واضحاً، فحذف منه كلّ العبارات المثيرة للجدل، التي كان ظاهرها المرونة، وباطنها التشدد والتطرف. بينما دخلت الأحزاب الدينية هذه الانتخابات، بعد أن توحدت الأحزاب الحريدية، تحت كتلة "يهودت هتورا"، ومن ثَم، خاضتها ثلاثة أحزاب دينية، هي: "المفدال" و"شاس" و"يهودت هتورا".

كانت نسبة المشاركة في الانتخابات 76.7%. وخاضها 25 كتلة، حقق منها 10 كتل الحد الأدنى من الأصوات. ومثلت نتائجها نقطة تحوُّل في السياسة الداخلية لإسرائيل؛ إذ عاد حزب "العمل" إلى مركز الصدارة الحزبية، بعد أن سيطر عليها حزب "الليكود" مدة 15 عاماً متتالية؛ بل فاق نده باثني عشر 12 مقعداً. ويرجع ذلك إلى خسارة حزب "الليكود" 8 مقاعد؛ واتجاه معظم الأصوات، التي فقدها، إلى حزب "شاس"؛ وتراجع موقف الأحزاب الدينية (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الثالث عشر، 23 يونيه 1992؛ والائتلاف الحكومي الخامس والعشرون، 13 يوليه 1992).

أ. الائتلاف الحكومي الخامس والعشرون (13 يوليه 1992)

تمكن رابين من تكوين حكومة ائتلافية، من أحزاب "العمل" و"ميرتس" و"شاس"، وبدعم من "حداش" والحزب الديموقراطي العربي. وعلى الرغم منه لم يعتمد على الأحزاب الدينية كلّها في الائتلاف، إلا أن قدرتها على المساومة لم تتأثر، وخاصة أنه كان في حاجة إلى دعم هذه الأحزاب، لإرضاء المتدينين داخل إسرائيل، والحدّ من نفوذ الأحزاب اليسارية المؤتلفة معه.

كانت الأحزاب الدينية، قبل الانتخابات، مؤيدة لحزب "الليكود"؛ إلا أنها بعد إعلان النتائج، وفوز حزب "العمل"، لم تستبعد أن تحالفه؛ للحفاظ على مصالحها ومكاسبها، وخاصة الحريدية منها، والتي تعتمد مدارسها على المخصصات المالية الحكومية. ولذلك، استمرت عمليات المساومة والابتزاز الحزبي، فحصل حزب "شاس" على مكاسب، فاقت ما حصل عليه من "الليكود". وعلى الرغم من تزايد حدة الخلافات بين الائتلاف الحكومي، وسعي الأحزاب الدينية للحصول على المكاسب، تمكن رابين من المحافظة على ائتلاف الحكومة، حتى اغتياله، في 4 نوفمبر 1995.

ب. الائتلاف الحكومي السادس والعشرون (22 نوفمبر 1995)

كُلف "شيمون بيريز" بتأليف حكومة انتقالية، اشترك فيها حزب "العمل" و"ميرتس" وحركة "يعود" اليمينة، المنشقة عن "تسوميت". ونالت ثقة الكنيست في 22 نوفمبر 1995.

6. تقييم المشاركة الحزبية في الائتلافات الحكومية، خلال المرحلة الثالثة (1977 – 1995)

تُعَدّ هذه المرحلة بداية لصعود اليمين إلى الحكم، وخاصة مع الكنيست السابع. فقد سعى "الليكود" إلى محالفة الأحزاب الدينية، التي أنست إلى قدرته على تحقيق مطالبها الدينية. واستمرت هذه التحالفات، وخاصة بين "الليكود" و"المفدال"، حتى انتخابات عام 1992 وما بعدها.

وضح أسلوب المساومات والابتزاز، الذي اتبعته الأحزاب الدينية مع كلٍّ من "الليكود" و"العمل"؛ فبدأت تتزايد الاحتجاجات داخل المجتمع الإسرائيلي، مطالبة بتغيير نظام الانتخابات؛ للحدّ من ابتزازها السياسي.

حرصت الأحزاب الدينية على الانضمام إلى حكومات الوحدة الوطنية؛ إذ رأت فيها تراجعاً لقدراتها على المساومة، وتلاشياً لدورها. إلا أنه كان هناك إصرار من الحزبَين الكبيرَين على ضرورة تمثيل الأحزاب الدينية؛ لإرضاء المتدينين، وإضفاء الشرعية على قِيم الدولة ومؤسساتها، ومواجهة الأحزاب العلمانية الصغيرة.

ثانياً: المرحلة الرابعة (1996 – 2001)

1. الائتلاف الحكومي السابع والعشرون، خلال الكنيست الرابع عشر (18 يونيه 1996)

تمثل انتخابات الكنيست الرابع عشر، التي جرت في 29 مايو 1996، تحولاً جديداً في النظام السياسي لإسرائيل؛ فقد انتخب خلالها رئيس الوزراء انتخاباً مباشراً؛ ولذلك، كثفت الأحزاب السياسية حملاتها الانتخابية. كما أدى اغتيال رابين إلى توحيد صفوف الحزب حول بيريز؛ إضافة إلى عودة باراك إليه مرة أخرى. وحدد بيريز برنامجه الانتخابي، من خلال إبراز إنجازاته في عملية السلام، وعلاقاته بدول المغرب ودول الخليج العربي. كما أكد أن الأحزاب الدينية، ستكون شريكة في الائتلاف الحكومي؛ وأنه مصمم على بناء مستوطنات جديدة. ومن خلال هذه التصريحات، إضافة إلى عملية عناقيد الغضب، في جنوبي لبنان، تراجع تأييد عرب إسرائيل له، على الرغم من زيارته المدن والقرى العربية، واعداً سكانها بتنفيذ مطالبهم. كما أن بيريز حصل على دعم الولايات المتحدة الأمريكية وتأييدها؛ ما انعكس على تماسك الحزب الداخلي. وركزت حملة  "العمل" الانتخابية في السلام والأمن والمساواة والرفاهية.

أمّا حزب "الليكود"، فقد التف أعضاؤه حول زعيمه، نتانياهو، الذي ركز دعايته في الهواجس الأمنية، وبدأ يوجه الاتهامات لحزب "العمل" وبيريز، بالتفريط في أرض إسرائيل وأمنها. وحرص على احتواء الناخبين المتدينين، من خلال وعوده لهم، والتي عززت تشددهم إزاء المشكلة الفلسطينية، فرأوا أن حزب "العمل" قدم التنازلات الكثيرة للعرب؛ ولذلك أيدوا نتانياهو. ولم يخرج عن هذا التوجه سوى حزب "أغودات إسرائيل"، الذي أعلن تأييده حزب "العمل" بصفة عامة، وبيريز بصفة خاصة.

كانت نسبة المشاركة في الانتخابات 76.7%. وشارك فيها 25 كتلة، وحقق 11 منها الحدّ الأدنى من الأصوات؛ ولم يتجاوز الفارق بين نتانياهو وبيريز 0.9%. إلا أن نتائج الانتخابات، أسفرت عن تراجع كلا الحزبَين الكبيرَين: "العمل" و"الليكود"؛ وتعاظم قوة الأحزاب الدينية، وتفاقم العامل العرقي، وبروز اليمين القومي المتشدد. كما تمكن حزب المهاجرين السوفيت، "إسرائيل بعاليا"، من الحصول على 7 مقاعد، في أول انتخابات يخوضها. كذلك، تصاعدت قوة الأحزاب والكتل العربية والشيوعية بعدد 4 مقاعد (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الرابع عشر، 29 مايو 1996؛ والائتلاف الحكومي السابع والعشرون، 18 يونيه 1996).

بعد أن حقق نتانياهو فوزه المحدود في الانتخابات، شرع يبعد قادة حزبه عن مشاورات تشكيل الحكومة؛ كما أضعف نفوذ الأحزاب الصغيرة، وحَدّ من ابتزازها، فشهدت المشاورات صراعات وخلافات بين زعماء "الليكود" وقادته. وسعت الأحزاب الدينية إلى تحقيق مصالحها، التي لم تتغير أبداً، خلال الانتخابات السابقة؛ وعارضت، على صعيد السياسة الخارجية، نشوء دولة فلسطينية، وأيْ سيادة خارجية على غرب نهر الأردن، فضلاً عن معارضتها بشدة عودة اللاجئين، والتراجع عن الجولان، إضافة إلى مطالبتها بإلغاء قرار تجميد المستوطنات؛ وهي السياسة نفسها، التي كان يعلنها حزب "الليكود".

تمكن نتانياهو من تكوين حكومته، بعد مشاورته الأحزاب الدينية، وحزبَي "إسرائيل بعاليا" و"الطريق الثالث"، اللذَين استجاب لهما بعض مطالبهما، وتجاهل بعضها الآخر. وقدم نتانياهو حكومته إلى الكنيست، في 18 يونيه 1996، وحاز ثقته. وسرعان ما انتابت الحكومة الخلافات في الأزمات: الداخلية والخارجية، وتعددت التهديدات بالتخلي عنها، وخاصة أنها ضمت وزراء ومسؤولين متهمين بالفساد والرشوة؛ إضافة إلى انفراد رئيسها باتخاذ القرارات.

اشتدت الخلافات حدة، بين رئيس الحكومة ووزير خارجيته، ديفد ليفي، واستقال ثلاثة وزراء من الحكومة قبل مرور عام عليها؛ إلا أن أشد الأزمات خطراً تمثلت في استجواب الشرطة، في 18 فبراير 1997، لنتانياهو، المتهم بالاحتيال وإساءة الثقة. تعالت بعدها الأصوات المطالبة باستقالته، كما طالبت المعارضة بمحاكمته، غير أن النيابة العامة رفضت اتهامه؛ لافتقاد الأدلة. عند اشتداد الخلافات بين رئيس الوزراء وأعضاء الائتلاف، بدأت تزداد المطالبة إما بإجراء انتخابات مبكرة أو تأليف حكومة وحدة وطنية؛ ولكن نتانياهو اكتفى بتعديل وزاري، قدمه، في 9 يوليه 1997، إلى الكنيست.

وما لبث نتانياهو، أن واجه مشكلة تعيين القضاة المتدينين "الحريديم"، والتي دفعت حزب "المفدال" إلى التهديد بالاستقالة. وما إن انتهت هذه الأزمة، حتى تصاعدت أزمة الاستيطان في منطقة رأس العمود، في القدس الشرقية، والتي اعترض عليها رئيس الحكومة. وفي 10 أغسطس 1997، تصاعدت حدة الخلاف بين الأحزاب الدينية ونتانياهو. واستمرت هذه التوترات حتى 4 يناير 1999، وصوت الكنيست الإسرائيلي، بأغلبية 85 صوتاً، مقابل 27 صوتاً، وامتناع صوت واحد، على إسقاط الحكومة؛ وحل نفسه، وأُجريت انتخابات جديدة، في مايو 1999، بدلاً من أكتوبر 2000.

2. الائتلافات الحكومية خلال الكنيست الخامس عشر (17 مايو 1999)

جاءت انتخابات الكنيست الخامس عشر، لتكشف عن أبعاد جديدة لتطور النظام السياسي. فقد أكدت فشل تجربة المزج بين سمات النظامَين: البرلماني والرئاسي، والتي تقرر التراجع عنها، بدءاً من انتخابات الكنيست السادس عشر. كما كشفت عن العديد من جوانب التفاعل في المجتمع الإسرائيلي، الذي أصبح يخضع لحالة من التفتت والانقسام: العرقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي. كذلك أكدت تلك الانتخابات تراجع الأحزاب الكبيرة، وانتهاء مرحلة الثنائية الحزبية؛ إذ لم تقتصر الساحة الحزبية على "الليكود" و"العمل"، وإنما برزت أحزاب قديمة، فرضت نفسها على الساحة السياسية الإسرائيلية.

مثلت عملية التسوية السلمية المحور الأساسي لحالة الانقسام في المجتمع الإسرائيلي؛ فهناك اتجاه يؤيد فكرة أرض إسرائيل، وآخر يؤيد فكرة الحل الوسط الإقليمي، أو الأرض مقابل السلام؛ واتجاه بين هذَين الفريقَين، يُطلق عليه "الأصوات العائمة"، التي تقدر بنحو 12%. بيد أن عملية التسوية، لم تمثل قمة اهتمامات الأحزاب؛ بل طغت عليها القضايا الداخلية: الاقتصادية والاجتماعية؛ وإذا كانت الحكومة السابقة، قد سقطت بسبب عملية التسوية، فإن المعركة الانتخابية، دارت حول قضايا: اقتصادية واجتماعية.

أكدت هذه الانتخابات ظاهرة انشقاق أحزاب صغيرة أو أعضاء مؤثرين، من أحزاب كبيرة. كذلك ظهرت أحزاب جديدة، مع انتعاش ظاهرة الائتلافات بين العديد من الحركات والأحزاب؛ إلا أن التغيرات المؤثرة، كانت من نصيب اليمين الإسرائيلي، إذ تفكك الائتلاف، الذي خاض الانتخابات السابقة، والذي كان يضم "الليكود" و"جيشر" و"تسوميت". أمّا حزب "العمل"، الذي كان يعاني أزمة قيادة، باغتيال رابين، فقد بدا متماسكاً، بزعامة إيهود باراك؛ بل تمكن من استمالة حزب "جيشر"، بزعامة ديفد ليفي، الذي كان مؤتلفاً مع "الليكود"، في الانتخابات السابقة.

جرت انتخابات الكنيست الخامس عشر في ظل بيئة إقليمية، يسودها التوتر، الناجم عن تراجع فكرة شرق أوسط جديد؛ كما تقلصت مظاهر التطبيع، وتوترت غير مرة علاقات مصر والأردن بإسرائيل.

أحبط نتانياهو الجهود الأمريكية، الرامية إلى إقناعه بتنفيذ استحقاقات المرحلة الثانية من اتفاق أوسلو، بل أمعن في مراوغاته وتهربه من تنفيذ اتفاق "واي ريفر"؛ ولذلك، سعت الإدارة الأمريكية إلى إبعاده عن السلطة. كما شهدت العلاقات الإسرائيلية بدول الاتحاد الأوروبي العديد من الأزمات.

نفذت هذه الانتخابات، وللمرة الثانية، وفق قانون الانتخاب المباشر لرئيس الوزراء؛ فاستحوذ الصراع على هذا المنصب كلّ الاهتمام في المعركة الانتخابية، وتراجع الاهتمام بالانتخابات البرلمانية. وترشح لمنصب رئيس الوزراء ستة أشخاص. وكانت نسبة المشاركة في انتخاب رئيس الوزراء 70.2%؛ أمّا انتخابات الكنيست، فكانت بنسبة 76.7%. وحاز إيهود باراك، مرشح كتلة "إسرائيل واحدة"، 56.08% من الأصوات؛ بينما حصل نتانياهو، مرشح تكتل "الليكود"، على 43.92%؛ ويعد ذلك فارقاً كبيراً، بالنسبة الانتخابات السابقة.

في انتخابات الكنيست، كان حزب "العمل" هو الخاسر الأكبر؛ إذ انخفض عدد مقاعد الائتلاف، الذي يجمعه مع "جيشر" و"ميحا"، إلى 26 مقعداً، كان نصيب حزب "العمل" منها 23 مقعداً، أيْ أنه فقد 11 مقعداً؛ بينما لم يفقد حزب "الليكود" سوى 13 مقعداً. وارتفعت حصة الأحزاب الدينية الثلاثة الكبرى، إذ حصلت على أربعة مقاعد إضافية. إلا أن حزب "شاس"، الذي يمثل اليهود المغاربة المتدينين، قد حقق تحولاً كبيراً، بمفرده، فقد ازداد عدد مقاعده سبعة مقاعد (انظر جدول نتائج انتخابات الكنيست الخامس عشر، 17 مايو 1999؛ والائتلاف الحكومي الثامن والعشرون، 6 يونيه 1999).

أ. الائتلاف الحكومي الثامن والعشرون (17 مايو 1999)

كُلف باراك بتأليف الحكومة، في 17 مايو، فعمد إلى مفاوضات مكثفة، وطويلة، مع الأحزاب الإسرائيلية كافة، على الرغم من أن نتائج الانتخابات، قد خولته تأليفها من معسكرَي اليسار والوسط، وفضل استغراق فترة الخمسة والأربعين يوماً، لتأليف حكومة إجماع وطني. ولذلك، شرع في مفاوضات طويلة، واجهته خلالها شروط بعض الأحزاب، التي تراوحت بين تعديلات الخطوط العامة، التي وضعها لحكومته، تجاه عملية التسوية، وأخرى تجاه القضايا الداخلية. وعلى الرغم من ذلك، فقد استمر في مفاوضة جميع الأحزاب، عدا تلك العربية.

كشفت المفاوضات، بين باراك وممثلي كتلة "إسرائيل واحدة"، من جهة، و الأحزاب المختلفة، من جهة ثانية، أن الرئيس المكلَّف قد جعل من الخطوط العامة لحكومته تجاه عملية التسوية السلمية، ثوابت، لا يمكن المساس بها ولا التفاوض فيها؛ إلا أنه أدخل بعض التعديلات عليها، مقابل إبداء مرونة واضحة تجاه ضغوط حكومته في صدد القضايا الداخلية. كما وضح أن تعمد الإطالة في أمد مفاوضته الأحزاب والكتل، ما هو إلا ضغط عليها، وإيحاء بإمكانية الاتفاق مع سواها.

حرص باراك على إزالة مصدر شكاوى اليهود الروس، الناجمة عن السياسات التمييزية، التي كانت تتبعها وزارة الداخلية، التي تولاها حزب "شاس"، في ظل الحكومة السابقة. ولذلك، لم يعهد بمنصب وزير الداخلية إلى أيّ حزب ديني، وإنما أسنده إلى حزب "إسرائيل بعاليا"، فأرضى حزبَي "ميرتس" و"شينوي". وسعى إلى استرضاء الأحزاب الدينية ببعض التعديلات للخطوط العامة لحكومته، تجاه الأوضاع الداخلية؛ تمثلت في موازنات المعاهد الدينية، وفرض الخدمة العسكرية على طلابها.

أقر باراك تعديلات خطوط حكومته العامة، تجاوباً مع مطالب حزب "المفدال" وحزب "يهودت هتورا"؛ تمهيداً لإبرام اتفاق مع "شاس"، فتخلى عن تمسكه بفرض الخدمة العسكرية على طلاب المعاهد الدينية، واختص الراغبين فيها منهم بلجنة خاصة، أيْ أن عملية تجنيدهم ستكون اختيارية.

أثار أسلوب باراك في التعامل مع رموز حزب "العمل" وقراراته في شأن توزيع الحقائب الوزارية، استياءً شديداً في صفوف الحزب؛ إذ أقصي معتدلين عن الوزارات الرئيسية، ولم يسند مناصب وزارية إلى رموزه الأساسية. وقدم باراك حكومته، في 6 يوليه 1999، إلى الكنيست، وحصل على ثقته؛ إلا أنه طلب منه، في 5 أغسطس، زيادة وزرائها إلى 23 وزيراً؛ ومن ثَم، تمكن باراك من توزيع حقائب وزارية، سبق أن وعد بها، أثناء مفاوضته الأحزاب المشاركة في الائتلاف.

كشفت هذه الانتخابات، وبوضوح، عن حقيقة الانقسام داخل المجتمع الإسرائيلي حول الموقف من عملية التسوية السلمية مع العرب؛ بل حول الفكرة نفسها. وكشفت، كذلك، عن إجماع على مكونات السلام، من وجهة النظر الإسرائيلية، التي تتمثل في ثوابت الموقف الصهيوني. كما أنها كشفت عن أزمة، تواجه الأحزاب الرئيسية، لا سيما حزبَي "العمل" و"الليكود"، اللذَين تراجعا كثيراً، وتمثلت في تأكُّل كثير من ملامح الأحزاب وبرامجها الانتخابية.

ب. الائتلاف الحكومي التاسع والعشرون (7 مارس 2001)

نجح باراك في تأليف حكومة، تضم ممثلين عن القوى كافة: السياسية والاجتماعية، ومن علمانيين، ورجال دين، و"إشكيناز"، و"سفارديم"، ومهاجرين روس؛ إضافة إلى معسكر السلام؛ ما وفر التفاف الشعب الإسرائيلي حولها. ولكنها فقدت أغلبيتها، بعد عشرين شهراً، فاضطر باراك إلى الاستقالة.

أُجريت الانتخابات الإسرائيلية، بأسلوب، يُعَدّ الأول في نوعه، في تاريخ إسرائيل؛ وقد يكون الأخير؛ إذ استهدفت اختيار رئيس للحكومة، من دون أن ترافقها انتخابات برلمانية. فقد كان أمام باراك إما الاقتراع على حل الكنيست وإجراء انتخابات مبكرة أو الاستقالة، ليُنتخب رئيس الوزراء فقط، في ظل قانون الانتخابات. اختار باراك الحل الثاني، حتى يواجه احتمالات ترشيح "الليكود" نتانياهو لهذه الانتخابات، والذي كانت استطلاعات الرأي، قبل الانتخابات، تؤكد تفوقه بفارق كبير، على باراك.

خسر باراك بفارق 25% من الأصوات، في مصلحة شارون، الذي كان يُعَدّ غير ذي شعبية. وفقد نحو 46% من عدد الأصوات، التي كان قد حصل عليها، عام 1999، والبالغة مليوناً و790 ألف صوْت، فحصل، عام 2001، على 967760 صوتاً. وقد دفعه ذلك إلى الاستقالة من رئاسة حزب "العمل"، واعتزال الحياة السياسية، وخاصة بعد أن أصبح واضحاً، أن معظم الناخبين قد أيدوا شارون، ليس رغبة فيه، ولكن بهدف إسقاط باراك.

لم يكن فوز شارون في الانتخابات مفاجأة، بل كان تأكيداً لواقع الحياة السياسية في إسرائيل، حيث بدأ ينهار الائتلاف، الذي شكله باراك؛ الأمر الذي انعكس على قدرته التنافسية، وفقد الكثير من قاعدة ناخبيه، ومنهم عرب إسرائيل، الذين استجابوا لدعوة المقاطعة؛ وقدِّرت نسبة من أدلوا بأصواتهم بنحو 13%.

كان لاندلاع انتفاضة الأقصى دور كبير في تغيير توازن القوى، في الشارع السياسي الإسرائيلي، حيث بدأت تتضح معالم المد اليميني، بينما فشل اليسار الصهيوني في مواجهة هيمنة التوجهات اليمينية على المجتمع الإسرائيلي؛ على الرغم من وجوده في السلطة. إلا أن اليمين، على خسارته الجزئية، كان قادراً على حشد قواه الحزبية، وتنظيم قواعده الانتخابية، في مقابل التعنت، الذي لحق بالقاعدة: الاجتماعية والسياسية، لحزب "العمل". فالسياسات، التي انتهجها باراك، أدت إلى تفتيت قواعد تأييده، وانهيار تحالفه السياسي. فقد أدى الاختلاف في حدود التسوية المقترحة مع الفلسطينيين، إلى خسارته تأييد حزبَي إسرائيل "بعاليا" و"جيشر"؛ ما أثر، سلباً، في قدرة ائتلاف "إسرائيل واحدة"؛ وبذلك، تفتت قاعدة باراك الانتخابية.

في 7 مارس 2001، أعلن شارون حكومته، التي ضمت 26 وزيراً و13 نائب وزير؛ وشملت 6 أحزاب، خصصت 9 حقائب وزارية لحزب "الليكود"، و8 حقائب لحزب "العمل"، و5 حقائب لحزب "شاس"، وحقيبة واحدة لكلٍّ من حزبَي "إسرائيل بعاليا" و"شعب واحد"، وحقيبتان لحزب "الاتحاد القومي". وحصل هذا الائتلاف على دعم 76 صوتاً في الكنيست. وسيظل هذا الوضع قائما، ما دام قادراً على فرض سيطرته، وتحقيق التوازن بين مجلس الوزراء المصغر وقادة الجيش؛ وهما الجهتان اللتان يعتمد عليهما في تنفيذ سياسته في مواجهة الانتفاضة الفلسطينية. (انظر جدول الائتلاف الحكومي التاسع والعشرون، 7 مارس 2001).