إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأحزاب السياسية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية





نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996
نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996
نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية
الكنيست الثامن عشر




الفصل الخامس

المبحث الحادي عشر

النشاط الحزبي وانعكاسه على النشاط السياسي (2006 – 2010)

أولاً: الائتلاف الحكومي الحادي والثلاثون خلال الكنيست السابع عشر (2006-2010)

جرت الانتخابات السابعة عشرة للكنيست، في 28 مارس 2006. واكتسبت هذه الانتخابات أهمية استثنائية؛ فقد أتت على خلفية مشهد إسرائيلي داخلي شديد التعقيد، حيث ترك شارون حزب "الليكود"، بعد تزايد المعارضة له داخل الحزب، بسبب خطته للانفصال الأحادي الجانب عن الفلسطينيين. كما أتت أيضاً في ظل ظرف استثنائي على الجانب الفلسطيني، حيث نجحت حماس في الفوز بالأغلبية في الانتخابات الفلسطينية، بما أعاد تشكيل الخريطة السياسية الفلسطينية بصورة غير متوقعة. ومع أن هذه الانتخابات تعد هي الأقل مشاركة في نسبة تصويت الإسرائيليين، إلا أنها أسهمت في رسم خريطة حزبية جديدة في إسرائيل.

1. البرامج الانتخابية للأحزاب

خاضت 30 قائمة المعركة الانتخابية السابعة عشرة للكنيست. وقد تتشكل بعض القوائم من عدة أحزاب، وأخرى من حزب واحد، وبعضها قوائم قديمة وأخرى جديدة. ومع أن البرامج الانتخابية لهذه القوائم ليست ملزمة بشكل قاطع، فقد حدث أن تخلت بعض هذه الأحزاب عن برامجها واتبعت سياسة مغايره لها، كما فعل شارون بانسحابه من قطاع غزة وقبوله خطة "خريطة الطريق". وبصفة عامة، اتفقت الأحزاب الرئيسية في برامجها على رفض التفاوض مع السلطة الفلسطينية بقيادة حماس، ورفض عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى إسرائيل، وبقاء القدس الموحدة عاصمة لإسرائيل، وكذلك عدم الانسحاب من جميع الأراضي العربية المحتلة منذ يونيه 1967، والاستمرار في بناء الجدار العنصري، مع الاحتفاظ بجميع الكتل الاستيطانية الكبرى.

2. نتائج الانتخابات

أ. صعود "كاديما"

شكلت انتخابات الكنيست السابعة عشرة نقطة تحول في هيكل الخريطة السياسية الإسرائيلية، التي ظلت منذ نشأة الدولة رهن الحزبين التقليديين، "العمل" و"الليكود"، اللذين كانا في انتخابات العام 1992 يسيطران على ما بين 75 إلى 85 مقعداً، وأكثر من أصل 120 مقعداً. وقبل التعرض لنتائج هذه الانتخابات، تجدر الإشارة إلى عدد من الحقائق المتعلقة بها:

(1) هذه الانتخابات هي أول انتخابات منذ تأسيس إسرائيل لا يكون فيها أي من "العمل" أو "الليكود"، هو المرشح الأوفر حظاً للفوز بالانتخابات. فقد كان فوز "كاديما" بالانتخابات أمراً محسوماً اجتمعت عليه استطلاعات الرأي العام كافة، التي أجريت منذ الدعوة إلى الانتخابات المبكرة، وحتى قبيل إجرائها مباشرة.

(2) قد شهدت هذه الانتخابات رفع نسبة الحسم إلى 2%، والتي كانت 1% فقط حتى انتخابات الكنيست الثالثة عشرة، ثم ارتفعت إلى 1.5% في الدورتين الماضيتين.

(3) تعد هذه الانتخابات تاسع انتخابات مبكرة تشهدها إسرائيل؛ فمن المعروف أن الانتخابات للكنيست تجرى مرة واحد كل أربع سنوات؛ لكن يمكن للكنيست أن يتخذ قراراً بإجرائها قبل موعدها. وفي ظروف معينة يمكن لدورة الكنيست أن تستمر أكثر من أربع سنوات. وقد تم إجراء الانتخابات في مواعيد مبكرة في كل من انتخابات الكنيست الثانية، والخامسة، والعاشرة، والحادية عشرة، والثالثة عشرة، والرابعة عشرة، والخامسة عشر، والسادسة عشرة. وتجدر الإشارة إلى أنه كان من المفترض، طبقاً للقانون، أن يتم إجراء الانتخابات في شهر يناير 2006، إلا أن الخلافات بين الأحزاب الكبيرة قادت إلى تأجيل موعد الانتخابات إلى يوم الثلاثاء 28 مارس 2006. وعلى الرغم من أنه كان من المتوقع أن يحدث التغيير في الخريطة الحزبية الإسرائيلية، بسبب غياب شارون، وانتخاب حماس على الجانب الفلسطيني، تزايداً في نسبة المشاركة في الانتخابات العامة الإسرائيلية، فإن ما حدث بالفعل جاء مخالفاً لكل التوقعات، وبما يطرح الكثير من التساؤلات حول اهتمام الشارع الإسرائيلي بالسياسة؛ لا سيما أنه بات مؤكداً تقلص منحنى المشاركة السياسية للإسرائيليين في السنوات الأخيرة، حيث تلاحظ، من استعراض نسب التصويت في الانتخابات الإسرائيلية أن هذه النسبة في تراجع مستمر من انتخابات إلى أخرى. فقد سجلت التراجع الأكبر في انتخابات 2003، التي وصلت إلى 69%، ثم في الانتخابات التالية حيث وصلت إلى 63% تقريباً.

(4) إن هذه الانتخابات كانت، بشكل أو بأخر، بمثابة تصويت على الخطة التي طرحها شارون، وتبناها رئيس الوزراء "أيهود أولمرت"، للانفصال أحادي الجانب، والتي تقضي بتفكيك المستوطنات المعزولة في الضفة الغربية، والتي كانت تحوز تفضيل أغلبية الرأي العام الإسرائيلي، طبقاً لاستطلاعات الرأي العام. وهكذا فرضت نتائج الانتخابات الإسرائيلية للعام 2006 تغييرات في الخريطة السياسية والحزبية، لم تشهد إسرائيل مثيلاً لها، وذلك للأسباب التالية :

(أ) حالة الارتباك الشديدة التي تسود المجتمع الإسرائيلي. وهي الحالة التي عكست نفسها في التقارب الكبير بين عدد المقاعد، التي حصل عليها كل حزب؛ فالفروق بين كافة الأحزاب تراوحت ما بين مقعدين وعشرة مقاعد، حيث توزعت المقاعد بين 12 قائمة استطاعت تجاوز نسبة الحسم.

(ب) إعادة فرز أو رسم الخريطة الحزبية الإسرائيلية. فظهر حزب "كاديما"، واختفي تماماً حزب "شينوي"، وأصبح "الليكود" على بداية طريق الانهيار، وتغير حزب "العمل" ليركز بالأساس على القضايا الاجتماعية.

(ج) تزايد دور اليهود الشرقيين، وهو ما يشير إليه بروز قيادات شرقية مؤثرة في الأحزاب الرئيسية، كـ"عمير بيرتس" زعيم "العمل الشرقي"، و"شاؤول موفاز" الإيراني الأصل ووزير الدفاع، و"سلفان شالوم، وزير الخارجية.

(د) تناقص قوة أو شعبية الحزبين الكبيرين في الساحة الإسرائيلية، وهما "العمل" و"الليكود"، حيث تقلص "الليكود" إلى 12 مقعداً على نحو ما كانت عليه قوته في بداية الخمسينيات. أما حزب العمل، فقد وصل به الأمر إلى أن يرى زعيمه "عمير بيرتس" أن نجاحه في المحافظة على عدد مقاعد الحزب نفسها في الكنيست السابقة، يُعد انتصاراً يسجل له. (انظر جدول النتائج النهائية للانتخابات الإسرائيلية للكنيست السابع عشر، مارس 2006).

ب. "شينوي" و"جيل".. المفاجأة الكبرى

شهدت الساحة الحزبية الإسرائيلية تكوين حزب جديد لخوض الانتخابات الإسرائيلية، يحمل اسم "جيل" ويتحدث باسم المتقاعدين. ويتمحور برنامجه الانتخابي حول موضوع اجتماعي واحد وهو: العناية بقضايا المسنين وتوفير حياه كريمة لهم، من خلال محاربة البيروقراطية في تقديم الرعاية لهؤلاء المسنين. وتزعّم هذه الحركة "رافي ايتان" 80 عاما، الذي كان يعمل في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (الشين بيت).

وبالنظر إلى نتائج الانتخابات، يلاحظ أن حزب "جيل" حقق المفاجأة الأكبر والأهم في تلك الانتخابات. فقد تمكن الحزب من الحصول على سبعة مقاعد، بما يمثل أكثر من نصف المقاعد التي حصل عليها "الليكود" ذو التاريخ الطويل، وبما يفوق عدد مقاعد أحزاب أخرى، مثل "يهودت هتوراه" (6 مقاعد)، و"ميرتس" (5 مقاعد).

أما المفاجأة الأخرى، فهي الخسارة الفادحة التي مني "شينوي"، الذي كان ممثلاً للوسط بين الأحزاب الإسرائيلية، والذي يركز برنامجه السياسي على قبول "خريطة الطريق"، من دون تحفظ؛ لكن أجندته الأساسية تتعلق بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية مثل: فصل الدين عن الدولة، ومحاربة الأحزاب الدينية، ومحاربة الإكراه الديني، وسن قانون يتيح الزواج المدني. وكان "شينوي" قد استطاع الحصول في الانتخابات السابقة على 15 مقعداً، احتل بها المركز الثالث في قائمة الأحزاب الإسرائيلية؛ بينما لم يستطع تجاوز نسبة الحسم والحصول على أي مقعد في هذه الانتخابات.

ثانياً: تشكيل الحكومة الحادية والثلاثون (4 مايو 2006)

جاء تكليف الرئيس الإسرائيلي "موشيه كاتساف"، في السادس من ابريل 2006، لـ "أيهود أولمرت" رئيس حزب "كاديما"، بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة رقم 31 في تاريخ الدولة، متوافقاً مع نتائج الانتخابات، بناء على مطالبة 78 نائباً، من أصل 120 عضواً في الكنيست، بإسناد مهمة تشكيل الحكومة إلى "أولمرت".

يُذكر أن نتائج الانتخابات أعطت "كاديما" الموقع الأول بتسع وعشرين مقعداً، يليه حزب العمل بتسعة عشرة مقعداً، ثم كلاً من "الليكود" و"شاس" في المركزين الثالث والرابع باثني عشر مقعداً لكل منهما، ثم حزب "إسرائيل بيتنا" بأحد عشر مقعداً، وهو ما يعني أن هذه الأحزاب الخمسة قد حصدت 83 مقعداً من إجمالي 120 مقعداً تشكل الكنيست. أما باقي المقاعد، فتوزعت على سبعة أحزاب أخرى. في حين لم تحصل 18 قائمة شاركت في الانتخابات، على أي مقعد (انظر جدول تشكيل الحكومة الإسرائيلية قبل التعديل الوزاري، مايو 2006).

وكان أولمرت قد عبّر في أعقاب الإعلان عن نتائج الانتخابات، عن رغبته في ضم حزب "إسرائيل بيتنا" بزعامة "أفيجدور لبيرمان" إلى الائتلاف الحكومي، بدلاً من حزب "شاس". فقد نقلت صحيفة هاأرتس في نهاية مارس 2006 عن أولمرت قوله "إنه على الرغم من معارضه ليبرمان للانسحاب من الأراضي المحتلة، إلا أنه ليبرمان يبدو شريكاً ملائماً وموثوقاً فيه، وأسهل في التعامل من حزب شاس". ومع ذلك فإن أولمرت عاد وضم "شاس" إلى الائتلاف الحكومي، حتى قبل أن ينهي مفاوضاته، أو يغلق الباب مع "إسرائيل بيتنا".

بدأ أولمرت مفاوضات تشكيل الحكومة، حتى قبيل تكليفه رسمياً من الرئيس الإسرائيلي بذلك، لا سيما مع الشريك الأساسي في الحكومة، وهو حزب "العمل". فقد كشفت الإذاعة الإسرائيلية في الثالث من ابريل عن لقاء عُقد سراً بين "أولمرت" و"عمير بيرتس"، بحثا خلاله المسائل المتعلقة بانضمام حزب العمل إلى حكومة أولمرت.

سمح الاتفاق مع حزب "العمل" لأولمرت أن يشكل الحكومة، التي ضمت ـ إلى جانب "كاديما" و"العمل" ـ كلاً من "شاس" وحزب "المتقاعدين"، بعد أن تمكن من التوصل إلى اتفاق مع الحزبين. وبذلك أصبحت الحكومة تتمتع بتأييد 67 نائباً من مجموع 120. وترك أولمرت الباب مفتوحاً أمام انضمام حزبين آخرين، هما حزب اليهود الاشكناز (الغربيين) المتدينين "يهودت هتوراه" (6 مقاعد)، وحزب "ميرتس" اليساري (5 مقاعد). ومن ثم نالت الحكومة ثقة الكنيست الذي صادق عليها في جلسة خاصة في الرابع من مايو.

ضمت الحكومة الجديدة خمس وعشرون وزارة، أي بزيادة سبع وزارات عن العدد القانوني للوزارات في الحكومة الإسرائيلية، الذي يقدر بثماني عشرة وزارة. وقد احتفظ "كاديما" باثنتي عشرة وزارة، أهمها الخارجية والمالية. واحتفظ "العمل" بسبع وزارات، أهمها الدفاع. وشغلت "شاس" أربع وزارات؛ بينما احتفظ "المتقاعدون" بوزارتين. وتجدر الإشارة إلى أن أولمرت أبلغ الوزراء من حزبه أن ضم حزبي "يهدوت هتوراه" و"ميرتس" سوف يلزمه بإحداث بعض التغييرات، في توزيع الحقائب الوزارية.

ويطرح تشكيل الحكومة السابق عدداً من الملاحظات، على النحو التالي:

1. للمرة الأولى يحدث تشكيل وزاري في إسرائيل لا يحظى فيها الجنرالات بالمناصب الكبرى أو الوزارات الأساسية؛ فالمناصب الكبرى في الحكومة يتولاها أشخاص ذوي خلفيه عسكرية، ولكنهم ليسوا أبناء المؤسسة العسكرية؛ فرئيس الوزراء ووزيره الخارجية ووزير الدفاع هم مدنيون بالأساس.

2. لا تحظى الحكومة المشكلة بأغلبية مطمئنة، حيث يتمتع الائتلاف بـ 67 مقعداً فقط من مقاعد الكنيست.

3. يثير تشكيل الحكومة الإسرائيلية على هذا النحو المخاوف من إمكانية إصابتها بالشلل، وعدم قدرتها على الحركة في اتجاه معين؛ إذ يتنازع الحكومة تياران أساسيان متناقضان إلى حد بعيد، هما:

(أ) التيار الأول: الذي يقوده أولمرت يتبنى بالأساس الانفصال أحادي الجانب، وترسيم الحدود الفلسطينية بشكل منفرد.

(ب) التيار الثاني: الذي يقوده حزب العمل ويؤيده بعض الوزراء من حزب "كاديما" مثل "شيمون بيريز"، و"حاييم رامون"، يريد خوض مفاوضات مباشرة مع الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، بهدف التوصل إلى اتفاق سلام دائم، ويريد أن تكون كل الخطوات الإسرائيلية منسقة مع الفلسطينيين.

ثالثاً: حرب لبنان وتآكل قدرة الردع الإسرائيلي

تركت حرب الثلاثة والثلاثين يوماً بين إسرائيل وحزب الله أثاراً إستراتيجية بالغة الأهمية، ليس فقط على مستوى الصراع بين هذين الطرفين؛ ولكن، أيضاً، على مستوي الصراع العربي ـ الإسرائيلي بوجه عام، وهي آثار تصب بالسلب في غير صالح إسرائيل، سواء لأنها فشلت، على الرغم من قدراتها العسكرية المتفوقة والمتطورة، في تحقيق الأهداف التي حددتها لنفسها في الحرب، أو لأنها اضطرت للبحث عن مكسب سياسي يعوض القصور في الأداء العسكري.

والفكرة الرئيسية هنا أنه على الرغم من الدمار الهائل الذي ألحقته إسرائيل بلبنان، أثناء عملياتها العدوانية، فمن المؤكد أن حكومة إسرائيل فشلت في تحقيق معظم أهدافها الرئيسية في الحرب ضد حزب الله، سواء المتعلقة بالقضاء على قوة حزب الله العسكرية ونزع سلاحه، أو إطلاق سراح الأسيرين الإسرائيليين لدى حزب الله، أو المتعلقة بتغيير قواعد المعادلة السياسية في لبنان. يضاف إلى ذلك، أن العدوان خلق أوجهاً أخرى للفشل، تمثلت في عجز إسرائيل عن ِإيقاف الهجمات الصاروخية لحزب الله ضد إسرائيل، وفشل الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر في إلحاق الهزيمة بتنظيم صغير مؤلف من حوالي 1500 مقاتل، حسب تقديرات الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بنفسها.

1. نخبة سياسية مأزومة

منذ انتهاء الحرب بين إسرائيل وحزب الله، في أغسطس 2006، لم يتوقف الجدل في إسرائيل حول الأزمة المركبة، التي تمر بها الدولة. فقد كشفت هذه الحرب عن عيوب جوهرية في جوانب مختلفة للمجتمع الإسرائيلي، ومؤسسات الدولة ونخبتها السياسية والعسكرية. كما كشفت عن مشاكل اقتصادية عديدة برزت مع تراجع أداء الاقتصاد، بفعل خوض حرب لمدة ثلاثة وثلاثين يوماً.

وقد حظيت النخبة السياسية الإسرائيلية بقدر كبير من النقد على أثر نتائج الحرب، وعلى أثر ما تم الكشف عنه من فساد وعجز ورغبه محمومة في التشبث بمقاعد السلطة، دون النظر إلى الاعتبارات السياسية أو الإيديولوجية أو مصالح الدولة.

وفي هذا السياق طُرح موضوع تغيير النظام السياسي الإسرائيلي من البرلماني إلى الرئاسي. وعلى الرغم من تعدد الأصوات التي طالبت بذلك، إلا أن زعيم حزب "إسرائيل بيتنا" "أفيجدور ليبرمان" هو الذي طرح هذا المطلب بالتفصيل، ووضعه كشرط مسبق لدخول حكومة أولمرت.

أدى انضمام حزب "إسرائيل بيتنا" بقيادة "أفيجدور ليبرمان" إلى الحكومة الإسرائيلية، في 24 أكتوبر 2006، إلى طرح تساؤلات عديدة في إسرائيل حول طبيعة النظام السياسي، الذي دفع برئيس الوزراء إلى التشبث بالمنصب على حساب المصالح العامة وأيديولوجية حزبه، وأن يضم إلى الائتلاف كل ما يمكنه أن يطيل أمد الحكومة، وفترة البقاء على الكرسي، بأكثر مما يحقق التوافق الفكري ويساعد على تنفيذ حزمة السياسات الداخلية والخارجية، التي جاءت في البرامج الانتخابية للأحزاب الرئيسية، التي شكلت معا الحكومة (انظر جدول تشكيل الحكومة الإسرائيلية، يوليه 2007). فالحكومة الإسرائيلية (حكومة أولمرت) قبل ضم ليبرمان، كانت تحظى بـ 67 نائباً في الكنيست، ومن ثم تتمتع بما يزيد على الأغلبية المطلوبة (61 مقعداً من 120)، وبها قدر كبير من التناسق بين مكوناتها الحزبية فيما يخص الموقف من كل أو بعض خطط التسوية المطروحة؛ فكافة الأحزاب المؤتلفة ("كاديما" 29 مقعداً، و"العملً 19 مقعداً، و"شاسً 12 مقعداً، و"المتقاعدون" 7 مقاعد) يمكن أن تلتقي حول برنامج حد أدنى يجعلها تتعاطى إيجابياً مع خطط ومشروعات التسوية السياسية المطروحة، والتي يمكن أن تطرح لاحقا. وفي الوقت نفسه، فإن حزب "إسرائيل بيتنا" هو حزب يميني متطرف، يعد من أحزاب أقصى يمين الخارطة السياسية الإسرائيلية، ويحمل أفكارا عنصرية ومشروعات توسعية. باختصار، أنها أزمة نخب وقيادات تفتقد للرؤية، وتقدم الشخصي على الموضوعي، والخاص على العام؛ فكانت المحصلة حالة من التخبط والتردد، حيث يجري القفز فوق الأسباب الحقيقية واختزالها في طبيعة النظام السياسي، من أجل الحفاظ على مصالح النخبة، دون أن تعمل على تطوير النظام السياسي على النحو الذي يتوافق مع طبيعة المجتمع ومؤسسات الدولة؛ فالنظام الرئاسي لن يحل مشاكل إسرائيل، بقدر ما يطيل أمد بقاء النخبة السياسية في مقاعدها. ولذلك كان منطقياً أن ينسحب ليبرمان وحزبه من الحكومة الائتلافية، في 17 يناير 2008، على خلفية رفض ليبرمان بدء المفاوضات مع الفلسطينيين، حول قضايا الوضع الدائم.

2. "انابوليس" التهرب من قضايا الوضع النهائي

منذ إعلان الرئيس الأمريكي "جورج بوش" عن نيته عقد مؤتمر في خريف 2007، للتباحث حول سبل تسوية القضية الفلسطينية، وتطبيق رؤيته للحل ممثلة في قيام دولة فلسطينية مستقلة إلى جوار إسرائيل، لم يتوقف الجدل في إسرائيل حول الفكرة. وطال الجدل مختلف جوانب الدعوة، حيث ركز في البداية على أن الرئيس الأمريكي لا يرمي من وراء هذه القمة سوى إلى دعم موقف إدارته المأزومة في المنطقة، سواء في العراق، أو متطلبات التصعيد، وربما المواجهة مع إيران. وبعد ذلك تعددت جوانب التساؤل حول المؤتمر. فقد كان هناك تقدير رأى أن الإدارة الأمريكية كانت ترغب في استثمار، وأيضا تكريس، الانقسام الفلسطيني، بعد سيطرة حركة حماس على القطاع، في منتصف يونيه 2006، بحيث يكون مجرد قبول الرئيس عباس بالذهاب إلى المؤتمر تكريساً للانقسام ما بين الضفة وغزة، وبين فتح وعدد من فصائل منظمة التحرير وفصائل أخرى مناوئة على رأسها حركتا حماس والجهاد.

ومن جانبها عملت الحكومة الإسرائيلية على خفض السقف المتوقع من المؤتمر. فتجنبت الحديث عن المؤتمر وعمدت إلى التأكيد على أنه فقط لقاء أو اجتماع؛ ومن ثم، فقد رفضت بشكل واضح التوصل إلى وثيقة مبادئ للمؤتمر، كما رفضت على نحو قاطع تحديد جدول زمني للمفاوضات التي ستنطلق من اللقاء.

وفي المقابل، تمسكت الأطراف العربية المختلفة بضرورة التوصل إلى وثيقة مبادئ تسير على هديها المفاوضات. وطالبت بوضع جدول زمني من البداية. وهنا تدخلت الإدارة الأمريكية للتوفيق بين الموقفين، عبر الزيارات المتكررة لوزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس" للمنطقة. وأكد رئيس الوزراء الإسرائيلي "أيهود أولمرت"، في زيارته لشرم الشيخ في20 نوفمبر 2007، على أهمية الإطار العام للمبادئ التي ستجرى على أساسها المفاوضات؛ مشيراً إلى تقديره لبنود المبادرة العربية، دون أن يوافق عليها، ومؤكداً على تفاؤله بالتوصل إلى تسوية سياسية خلال عام 2008، أي قبل أن يغادر الرئيس الأمريكي البيت الأبيض.

وفي الوقت الذي كانت الإدارة الأمريكية تركز فيه على تخصيص اللقاء للمسار الفلسطيني وحده، فإن الحكومة الإسرائيلية أشارت غير مرة إلى أنها تفضل السير في مفاوضات على المسار السوري، وأن هناك إمكانية بالفعل لتحقيق انجاز ملموس على هذا المسار. وقد روجت الحكومة الإسرائيلية لهذه الفكرة طوال الشهور الأولى من عام 2007.

وفي أعقاب انتهاء أعمال "أنابوليس"، بدأ رئيس الوزراء الإسرائيلي في إطلاق تصريحات تتضمن لاءات قديمة مثل: "لا لإعادة تقسيم القدس"، و"لا لعودة اللاجئين"، و"لا للعودة إلى حدود ما قبل الخامس من يونيه 1967"، مشدداً على استحالة التوصل إلى تسوية سياسية في غضون العام 2008. وقد انعكس ذلك في زيادة شعبية أولمرت، التي كانت قد وصلت إلى أدنى معدل لها لدي أي رئيس للوزراء؛ فمنذ انتهاء الحرب مع مقاتلي حزب الله، تدنت شعبية أولمرت إلى ما دون الـ 5%. وقد قفزت شعبيته بعد الغارة على سورية، في أواخر أكتوبر 2007، إلى 35%، ثم إلى 41% بعد إعلان إصابته بمرض السرطان. وكانت تلك زيادة عاطفية طارئة سرعان ما تراجعت. أما بعد العودة من "أنابوليس"، فقد زادت شعبية أولمرت لتصل إلى 14%.

3. ظاهرة عدم الاستقرار السياسي

بدأ عام 2008 بانسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" برئاسة "أفيجدور ليبرمان"، من الائتلاف الحكومي. وهو الانسحاب الذي دخل حيز التنفيذ في 18 يناير، ليقلص مقاعد الائتلاف من 78 إلى 67 مقعداً؛ فالانسحاب، في حد ذاته، لم يمثل مشكلة للائتلاف، مثلما لم تكن هناك حاجة لدخوله إلى الائتلاف؛ فقرار ضم الحزب اليميني المتطرف إلى الحكومة كان بهدف الحد من تداعيات تقرير "لجنة فينوجراد" على حكومة أولمرت. ومع استمرار رئيس الوزراء في أداء مهامه، ورفضه التنحي والحفاظ على اتصالات شكلية مع الفلسطينيين، على خلفية تفاهمات "أنابوليس"، وكذلك إظهار استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي تقدم اليمين بقيادة تكتل "الليكود"، على حساب معسكري الوسط واليسار، بدا حزب "شاس" ـ الممثل للمتدينين من يهود الشرق ـ في التهديد بالخروج من الحكومة، الأمر الذي كان يعني عملياً سقوطها؛ فخروج "شاس" من الائتلاف الحكومي كان يعني النزول بمقاعد الائتلاف من 67 مقعداً إلى 55 مقعداً، حيث هدد "أيلي أيشاي"، زعيم حزب "شاس"، بالانسحاب من الائتلاف الحكومي في حال التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، قائلاً: "لن نكون جزءاً من حكومة ستقلص أرض دولة الشعب اليهودي وتملؤها باللاجئين".

وعندما تحركت أحزاب اليمين لطرح مشروع قانون بحل الكنيست، بادر رئيس الوزراء "أيهود أولمرت" بالاتفاق مع زعيم حزب "العمل"، وزير الدفاع باراك، في 25 يونيه، بعدم تأييد الأخير لاقتراح المعارضة اليمينية لحل البرلمان، مقابل إجراء تصويت داخل حزب "كاديما" لاختيار رئيس جديد للحزب، بحلول 25 سبتمبر. ومع تواصل التحقيقات مع أولمرت، وإقراره بالتورط في قضايا فساد، تزايدت الضغوط داخل "كاديما"، من أجل دفع أولمرت إلى إجراء انتخابات على رئاسة الحزب. وهنا تزايدت حدة الصراع داخل صفوف حزب "كاديما" على خلافة أولمرت. وبادر "أفي ديختر"، وزير الأمن الداخلي وأحد المتنافسين على زعامة الحزب، بدعوة أولمرت إلى التنحي عن منصبه حال انتخاب قيادة جديدة للحزب.

ومع استمرار التحقيقات مع أولمرت، طالب زعيم حزب "العمل"، وزير الدفاع الإسرائيلي "أيهود باراك"، في مؤتمر صحفي عقده في مقر الكنيست في 28 مايو، رئيس الحكومة بالاستقالة.

أسفرت الانتخابات عن فوز "تسيبي ليفني" برئاسة "كاديما" بحصولها على 43.1% من الأصوات؛ بينما حصل الوزير موفاز على 42%، من الأصوات. وفي أعقاب إعلان نتائج الانتخابات أعلن وزير المواصلات "شاؤول موفاز" اعتزاله الحياة السياسية.

4. فشل ليفني والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة

بعد أن جري تكليفها من الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" بتشكيل الحكومة، توصلت رئيس حزب "كاديما" "تسيبي ليفني" إلى مسودة اتفاق ائتلافي مع حزب "العمل"، لتشكيل الحكومة الجديدة. وقد استجابت ليفني لعدد من طلبات باراك، وبموجب الاتفاق التزمت ليفني بتعيين باراك نائباً أول لرئيس الوزراء، في حالة تشكيل حكومتها، وجعله شريكاً كاملاً في المفاوضات مع سورية. وقد فشلت ليفني في استكمال الائتلاف في الأسابيع الأربعة المحددة لتشكيل الوزارة، وحصلت على فترة إضافية مدتها أسبوعان، اعتباراً من 20 أكتوبر 2008. وقد رفض حزب "شاس" الانضمام إلى الحكومة بسبب عدم تلبية مطلبين من مطالبه الرئيسية. وأوضح الحزب (الذي كان يشغل 12 مقعداً في الكنيست) في بيانه أنه أصر خلال المفاوضات مع ليفني على نقطتين مركزيتين، هما: دعم الشرائح الفقيرة، وضمان عدم طرح قضية القدس للتفاوض مع الفلسطينيين.

انتهي الأمر بقرار ليفني التوجه إلى انتخابات مبكرة، بعد فشلها في التوصل إلى اتفاق مع الأحزاب، أملاً في تشكيل حكومة ائتلافية يتجاوز عدد مؤيديها في الكنيست الستين عضواً. وأكدت ليفني أنها اتخذت قرارها بسبب رفضها الرضوخ لابتزاز الأحزاب، التي فاوضتها.

رابعاً: العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة

شنت الطائرات الحربية الإسرائيلية صباح السبت 27 ديسمبر 2008، غارات جوية مكثفة على أكثر من موقع في قطاع غزة. وبدأت باستهداف حفل أقامته حركة حماس لتخريج مجموعة من الضباط، ثم توالت الغارات والاعتداءات على مختلف أنحاء القطاع. والسؤال هنا: لماذا شنت إسرائيل عدوانها؟ وما الأهداف الإسرائيلية من وراء هذا العدوان؟ وهل تحققت هذه الأهداف مع توقف العدوان؟. وبصفة عامة، يمكن القول إن الاتجاه العام الذي ساد لدى إسرائيل هو أن هناك حدوداً للانجاز من طريق القوة العسكرية؛ فإسرائيل ليس بإمكانها القضاء على حركة حماس أو تدميرها؛ ومن ثم فإن الهدف أدنى من القضاء على الحركة، ويتمثل بالأساس في:

1. تقليص القدرات العسكرية لحركة حماس، وغيرها من الفصائل الفلسطينية.

2. ضمان وقف إطلاق الصواريخ والقذائف، على مدن الجنوب الإسرائيلية.

3. إبرام هدنة طويلة، أو تفاهمات تهدئه لمدة طويلة.

4. إبرام اتفاق لتحرير الجندي الإسرائيلي المحتجز لدي فصائل فلسطينية في قطاع غزة، مقابل الإفراج عن عدد من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.

5. استصدار قرار من مجلس الأمن الدولي يضع قيوداً شديدة على حرية حركة الفصائل الفلسطينية في القطاع، على غرار القرار الرقم 1701، الخاص بالجنوب اللبناني.

وعلى الرغم من تحديد أهداف العدوان في أهداف محددة واضحة وقابلة للقياس، إلا أن هناك من يرى أن هذه الأهداف لم تتحقق؛ أي أن العدوان فشل في انجاز المهمة. فعلى الرغم من تدمير نسبة كبيرة من قدرات حركة حماس، وعدم تعرض القوات الإسرائيلية لخسائر بشرية، على غرار ما تعرضت له في الحرب ضد مقاتلي حزب الله في صيف 2006، إلا أن الفصائل الفلسطينية في القطاع، وفي مقدمتها حركة حماس، لم تُسلم بل إنها عادت بعد وقف العدوان مباشرة إلى قصف مدن جنوب إسرائيل بالصواريخ. كما أنها لم تبرم هدنة طويلة، ولم توقع اتفاقاً لتبادل الأسري، وهو ما أكده زعيم تكتل "الليكود" "بنيامين نتنياهو"، الذي قال "إن المهمة في غزة لم تستكمل بعد، وسوف تستكملها حكومته الجديدة".

نخلص من كل ذلك إلى تأكيد أن إسرائيل لم تحقق أيا من الأهداف، التي وضعتها للحرب على قطاع غزة؛ فلا إسرائيل قضت على قدرات حركة حماس، ولا هي أجبرتها على الاستسلام. كما أنها فشلت في وقف إطلاق الصواريخ من القطاع، ولم تتوصل إلى تهدئة أو هدنة، ولم تستعد الجندي "جلعاد شاليط"، ولم تنجح من استصدار قرار دولي يفرض واقعاً جديداً في المنطقة، على غرار القرار الرقم 1701 بشأن الجنوب اللبناني، ولا الجيش الإسرائيلي تمكن من استعادة هيبته وقوة الردع المفقود منذ الحرب على لبنان في صيف 2006؛ بل إن الهيبة تراجعت أكثر، وبات الكثير من قادة المؤسسة العسكرية عُرضة للملاحقة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم بحق الإنسانية. كما سقطت الحكومة التي شنت الحرب، ولم تحصل الأحزاب المكونة لها على الأغلبية اللازمة للاستمرار في الحكم؛ بل إن الحرب فتحت طريق المصالحة الوطنية الفلسطينية على النحو الذي تبدى في حوارات القاهرة، التي جرت في 25 و26 فبراير 2009.

خامساً: الطريق إلى الانتخابات

كان مقرراً أن تُجرى انتخابات الكنيست الإسرائيلي الثامنة عشرة، نهاية عام 2010؛ ولكن تقدم موعدها بسب قضايا الفساد التي تورط فيها رئيس الوزراء المستقيل أولمرت، وعجز خليفته في حزب "كاديما"، وزيرة الخارجية "تسيبي ليفني"، عن تشكيل حكومة جديدة. عجز ليفني جاء مع أن حزبها كان لدية 29 مقعداً، وحزب "العمل" 19 مقعداً فقط. وقد فشلت في تشكيل الحكومة على مدى الأسابيع الستة، التي يمنحها إياها القانون لتشكيل الحكومة. ويعود ذلك إلى رفضها الرضوخ لمطالب حزب "شاس"، وهي في جوهرها مطالب ومزايا مالية ومادية لطلبة المدارس الدينية المعبر عنهم باسم "الأولاد"، إضافة إلى تقييد موقف الحكومة من التفاوض على مدنية القدس المحتلة؛ ومن ثم قررت ليفني إجراء انتخابات برلمانية مبكرة. وفي 26 أكتوبر 2008، أوقفت ليفني مفاوضاتها مع "شاس"، وأبلغت الرئيس الإسرائيلي "شيمون بيريز" بقرارها، وتم الاتفاق على إجراء انتخابات برلمانية مبكرة، في العاشر من فبراير 2009.

1. نتائج انتخابات الكنيست الثامن عشر (10 فبراير 2009)

أسفرت الانتخابات عن استمرار حزب "كاديما" في المقدمة (28 مقعداً)، يليه تكتل "الليكود" اليميني في المرتبة الثانية (27 مقعداً)؛ ولكن النتيجة الإجمالية هي فوز معسكر اليمين الإسرائيلي بأغلبية المقاعد، التي تعني أن هذا المعسكر يستطيع تشكيل الحكومة منفرداً، خلافاً لمعسكري اليسار والوسط، اللذين ليس بمقدورهما تشكيل الحكومة دون الاستعانة بقوائم تنتمي لمعسكر اليمين.

وقد جاءت نتائج الانتخابات متوافقة إلى حد بعيد مع نتائج استطلاعات الرأي. فقد سيطر معسكر اليمين على أغلبية مقاعد البرلمان، وتراجع اليسار تراجعاً غير مسبوق؛ فحزب "العمل" فقد ستة مقاعد (من 19 إلى 13) واحتل المرتبة الرابعة لأول في تاريخه، وحزب "ميرتس" فقد مقعدين (من 5 إلى 3). أما معسكر اليمين، فقط قفز "الليكود" بـ 15 مقعداً (من 12 إلى 27)، وزادت مقاعد "إسرائيل بيتنا"، الأكثر عنصرية وتطرفاً، (من 12 إلى 15). (انظر شكل الكنيست الثامن عشر).

2. تشكيل الحكومة الجديدة الثانية والثلاثون (31 مارس 2009)

روج كل من "نتنياهو" و"تسيبي ليفني" لأحقيتهما في تشكيل الحكومة؛ فالأول أكد أنه الأقدر على تشكيل الحكومة، والثانية أكدت قدرتها على ذلك، شريطة أن يمنحها الرئيس الفرصة. وجاء ذلك على خلفية أنه لا يوجد ما يلزم رئيس الدولة بتكليف زعيم الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات. صحيح أنه، عادة، ما يجري ذلك، إلا أن الرئيس في حال تقارب النتائج، يعقد سلسلة من المشاورات مع رؤساء القوائم الفائزة في الانتخابات للاستماع إلى توصياتهم. وأسفرت هذه اللقاءات عن توصية الأحزاب اليمينية، من دينية وعلمانية بشخص نتنياهو، حيث أوصي به قادة "إسرائيل بيتنا" و"شاس" و"الاتحاد الوطني" و"البيت اليهودي"، بينما لم يوص أحد بشخص "تسيبي ليفني"؛ ومن ثم توقفت حصتها عند المقاعد الـ 28 التي فازت بها "كاديما"، ومن ثم صدر تكليف الرئيس الإسرائيلي لزعيم تكتل "الليكود" "بنيامين نتنياهو" بتشكيل الحكومة في المهلة المحددة بـ 42 يوماً (أربعة أسابيع ثم أسبوعين).

وعلى الفور شرع نتنياهو في بذل جهود تشكيل الحكومة، وحرص على أن تكون حكومة موسعة تضم حزبي "كاديما" و"العمل". وبدأ بالتفاوض مع حزب "كاديما" عارضاً عليه المشاركة في حكومة وحدة وطنية بقيادة "الليكود"، إلا أن "تسيبي ليفني" رفضت المشاركة في الحكومة، من منطلق الشريك الأصغر. وطالبت بتقاسم رئاسة الحكومة مع نتنياهو عامين لكل منهما، على غرار ما حصل بين "الليكود" و"العمل" عقب انتخابات 1984، وهو ما رفضه نتنياهو مؤكدا أنه سوف يرأس الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولن يحدث تناوب على منصب رئيس الوزراء.

ومع رفض نتنياهو لمطلب "تسيبي ليفني" بالتناوب على رئاسة حكومة وحدة وطنية، عاد للتركيز على تشكيل حكومة يمينية ضيقة مع حزب "إسرائيل بيتنا"، وأحزاب يمين ديني أخرى؛ ولأن ليبرمان يدرك تماماً أن مفتاح تشكيل الحكومة الجديدة في يده، فقد غالى في مطالبه وشروطه؛ فطلب شخصياً الحصول على منصب وزير الخارجية وحقيبتي الأمن الداخلي والبنية التحتية، مع الإبقاء على وزير العدل في الحكومة السابقة "دانئيل فريدمان" في منصبه. وقد وافق نتنياهو على طلب ليبرمان. أما مع حزب "شاس"، فقد وعده نتنياهو بحقيبتي الداخلية والإسكان، وحقيبتين أخريين من بينهما الصحة.

وقد أثارت مفاوضات نتنياهو مع حزبي "إسرائيل بيتنا" و"شاس" استياء قادة في "الليكود"، رأوا أن نتنياهو يسعى إلى تشكيل حكومة بأي ثمن، حتى ولو كان على حساب تماسك "الليكود" واستقراره. فقرار نتنياهو منح حقيبة الخارجية إلى ليبرمان أثار استياء "سليفان شالوم"، الذي سبق أن شغل هذا المنصب وكان يتطلع إليه من جديد، مع الحصول على منصب القائم بأعمال رئيس الحكومة. كما أن تقديم الحقائب الوزارية لهذين الحزبين أثار استياء شديدا لدي عدد من قادة "الليكود"، الذين هددوا بالبقاء خارج الحكومة، ومن ثم إمكانية الانشقاق على "الليكود".

في 31 مارس 2009، عرض "بنيامين نتنياهو" حكومته الجديدة على الكنيست. وكانت هذه الحكومة تتكون من ثلاثين وزيراً، وهي أوسع حكومة في تاريخ الدولة. من الناحية النظرية يضم الائتلاف 74 عضواً؛ ولكنه من الناحية الفعلية يضم نحو 69 عضواً (أعلن خمسة أعضاء كنيست من حزب "العمل"، كانوا قد عارضوا انضمام الحزب إلى الحكومة، أنهم لا يؤيدون الحكومة، وأنهم لا يرون أنفسهم خاضعين للانضباط الائتلافي). والمدلول السياسي لتشكيلة الائتلاف هو أنه باستثناء حزب "إسرائيل بيتنا"، لا يستطيع أي حزب منفرداً أن يسقط الحكومة. علاوة على هذا، طرح نتنياهو و"الليكود" بعض التعديلات الدستورية، التي من شأنها أن تجعل إسقاط الحكومة أو حل الكنيست أمراً بالغ الصعوبة. لكل ذلك يمكن القول إن انتخابات الكنيست الإسرائيلية الثامنة عشرة كشفت عن أزمة المجتمع الإسرائيلي، الذي بات منقسماً بشدة حول قضايا عدة، ولم يحسم اختياره؛ إضافة إلى أزمة مركبة لدى قوى اليسار والوسط، التي تراجعت كثيراً أمام الأحزاب اليمينية المتطرفة، وأيضاً نخبة سياسية مأزومة غير قادرة على إتباع سياسات محددة المعالم، حيث غلبت الاعتبارات الشخصية على البرامج والمشروعات، وهو ما انعكس في محاولات تشكيل الحكومة بعد الانتخابات، وصراعات الأشخاص والحقائب الوزارية بين "الليكود" والأحزاب اليمينية، وداخل "الليكود" ذاته. (انظر جدول تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، مارس 2009).

سادساً: نتنياهو واحتمالات تعديل الائتلاف

يتعرض الائتلاف الحاكم في إسرائيل، الذي يقوده رئيس حزب "الليكود" "بنيامين نتنياهو"، لتحديات صعبة تهدد بقاءه؛ ومن ثم شهدت القنوات الخلفية مفاوضات سرية بين نتنياهو وزعيمة حزب "كاديما" المعارض "تسيبي ليفني"، لأجل ضم الأخيرة إلى الائتلاف في حالة انسحاب الأحزاب الداعمة للجماعات الاستيطانية المتطرفة منه. وعلى الرغم من أن بعض المراقبين الإسرائيليين يشككون في إمكانية دخول "كاديما" الائتلاف، فإن العديد من الأسباب ربما تدفع في اتجاه هذا الاحتمال بشكل متسارع.

1. أزمة الائتلاف الحاكم

جاءت نتائج انتخابات عام 2009 في إسرائيل مدعمة لخط التفكك، الذي يعتمل في أوساط الحياة الحزبية والسياسية في إسرائيل منذ سنوات، محيلاً إياها في فسيفساء يصعب تجميع أجزائها، حيث كانت حصيلة أكبر حزبين من الأصوات ("كاديما" 28 مقعداً، و"الليكود" 27 مقعداً) لا تفي مجتمعة بإقامة ائتلاف ينبغي أن يكون مدعوماً بـ61 مقعداً، على الأقل، داخل الكنيست، من 120 مقعداً؛ ناهيك عن الخلافات الكبيرة بين كافة الأحزاب على الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والتي تهدد بقاء الائتلافات الحاكمة كما حدث مرات عديدة.

ومع أن نتنياهو تمكن من تشكيل ائتلاف قوي نسبياً (من حيث قاعدة القوة العددية في الكنيست)، مدعوماً بـ74 مقعداً موزعة بين أحزاب "إسرائيل بيتنا" (15 مقعداً)، و"العمل" (13 مقعداً)، و"شاس" (11 مقعداً)، و"يهودت هتوراه" (5 مقاعد)، إلا أن مواقف هذه الأحزاب كانت متباينة في عديد من القضايا، خاصة مسألة الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتصور النهائي لحل الصراع مع الفلسطينيين. واحتوت الاتفاقات الموقعة مع هذه الأحزاب على صياغات غامضة لعبارات كان من شأنها أن تفجر ـ إن أجلاً أو عاجلاً ـ الخلافات بين الشركاء في الائتلاف.

تتفق أحزاب الائتلاف جميعها على ضرورة الإبقاء على القدس موحدة وعاصمة لإسرائيل، وإن اختلف حزب "العمل" وحده مع الأحزاب الخمسة الأخرى الشريكة في الائتلاف، في إمكانية قبول إدارة ذاتية للأحياء العربية في القدس، وكذلك المقدسات الإسلامية والمسيحية، بما لا يخل بالسيادة الإسرائيلية على المدينة.

وبسبب ارتفاع الشعور بالخوف من الهاجس الديموغرافي، والرغبة الجارفة في أوساط الجمهور الإسرائيلي للانفصال عن الفلسطينيين، لا يبدو أن هناك خلافاً بين شركاء الائتلاف على حل الدولتين. وقد بيّن قرار نتنياهو عشيه إطلاق المفاوضات غير المباشرة مع الفلسطينيين، بقبول مبدأ حل الدولتين دون أن يؤدي ذلك إلى ردود فعل عنيفة داخل الائتلاف الحاكم. إن مبدأ حل الدولتين لا يشكل خطراً ملموساً على تماسك الائتلاف الحاكم، وتبقي المشكلة الكبرى في التأثير الواسع للمستوطنين وأحزابهم ومؤسساتهم على حرية الحكومة، في قبول عملية تجميد الاستيطان في الضفة الغربية؛ فإذا كان نتنياهو قد استطاع أن يمرر قرار تجميد الاستيطان، في نوفمبر الماضي ولمدة عشرة أشهر تنتهي في 26 سبتمبر القادم، فإن حزب "الليكود" نفسه الذي يتزعمه نتنياهو اتخذ قراراً بأغلبية كبيرة في لجنته المركزية، في شهر يونيه الماضي، بعدم تجديد فترة تجميد الاستيطان على الرغم من الضغوط الأمريكية والفلسطينية. كما نشطت منظمة "ييشع"، وهي كبرى المنظمات الراعية للاستيطان في إسرائيل، لإطلاق حملة ترهيب ضد نتنياهو لقطع الطريق عليه ومنعه من الاستجابة للضغوط الأمريكية والعربية والدولية، لتمديد قرار تجميد الاستيطان.

في ظل هذه الأوضاع فإن نتنياهو يجد نفسه أمام خيارين صعبين

الأول: هو المحافظة على تماسك الائتلاف باستئناف البناء في الأراضي الفلسطينية، والامتناع عن تمديد قرار حظر الاستيطان، مع تحمل الدخول في مواجهة كبرى مع الإدارة الأمريكية، وكذلك مع أحد الشركاء الكبار في الائتلاف وهو حزب "العمل"، الذي هدد زعيمه باراك بالانسحاب من الائتلاف، إذا ما انهارت عملية التسوية.

الثاني: هو القبول بتمديد قرار تجميد الاستيطان في الضفة والقدس الشرقية، وهو ما سيعجل بانسحاب حزب "إسرائيل بيتنا" ومعه حزب "البيت اليهودي" على الأقل، ما يعني انهيار الائتلاف وحتمية تشكيل حكومة جديدة بالتفاوض مع أحزاب أخرى لضمها لائتلاف جديد، أو الذهاب إلى انتخابات مبكرة، في حالة الفشل في إقناع أحزاب أخرى بالانضمام إلى الائتلاف المزمع تكوينه.

وبالنظر إلى كلا الاحتمالين، فإن فرص لجوء نتنياهو إلى الاحتمال الثاني مع بعض التعديلات، أي إعادة تشكيل الائتلاف، أكبر قليلاً من فرص لجوئه إلى السير في الاحتمال الأول.