إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / الأحزاب السياسية في إسرائيل ودورها في الحياة السياسية





نشأة الحركات العمالية من 1906 إلى 1996
نشأة الحركات اليمينية من 1925 إلى 1996
نشأة وتطور الحركات والأحزاب الدينية
الكنيست الثامن عشر




ثانياً: الحركات والجماعات الدينية المعارضة للصهيونية

ثانياً: الحركات والجماعات الدينية المعارضة للصهيونية

تتمثل أبرز هذه الحركات والجماعات في ثلاث هي:

1. حركة حباد                        2. الطائفة الحريدية                         3. حركة ناطوري كارتا

          ولهذه الحركات، والجماعات، مراكز ومقار في عدد من مدن العالم المختلفة، وخاصة في الولايات المتحدة. وتخوض هذه الحركات صراعات عنيفة مع تيارات وحركات يهودية أخرى، ومنها ما يمارس أنشطة سياسية بارزة في بعض البلدان. ولبعض هذه الحركات نشاط سياسي في إسرائيل، وبعضها الأخر يقاطع الدولة ومؤسساتها بشكل مطلق.

1. حركة «حباد» الحسيدية

أ. النشأة التاريخية

          تأسست حركة حباد[1] الحسيدية على يد الحاخام «شنيور زلمان ملادي»[2] (1745 1813)، لتشكل تياراً مستقلاً في الحسيدية، لا يتجاهل دور العقل وتعاليم التوراة، ويرفض فكرة «التسامى عن طريق الغوص في الرذيلة». نشأت الحركة في بيلوروسيا، ثم انتقلت إلى لاتفيا، ثم بولندا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية، عام 1940. ويوجد أكبر تجمع للحركة اليوم في الولايات المتحدة، ثم في إسرائيل.

          ونظراً لأن الحركة تهتم بدراسة التوراة والتأمل العقلي؛ فقد كانت من أوائل الحركات الحسيدية، التي بادرت إلى إنشاء مدارس دينية، كما دافعت عن مصالح اليهود في كل مكان، وقدمت العون للناجين منهم من النازية. وتهتم الحركة كذلك بتقديم الخدمات الدينية والاجتماعية والثقافية، لأتباعها في كل مكان. وللحركة منظمات نسائية، وأخرى خاصة بتربية الأطفال، ويُقدر عدد مراكزها، في قارات العالم الست، بحوالي ألف وخمسمائة مركز (منها مراكز في المغرب، وسورية، وتونس، وأغلب دول أمريكا الجنوبية، وأوروبا وجنوب أفريقيا، وهونج كونج). وتمتلك محطة إذاعة خاصة في نيويورك، وأخرى في فرنسا، تبث برامج دينية ودروساً في التوراة يومياً. وتقدر مصادر الحركة عدد مؤيديها في العالم بأكثر من مليون يهودي، أما أتباعها الملتزمون بتعاليمها فيقدرون بحوالي مائة وخمسين ألف شخص، يتمركزون في الولايات المتحدة وإسرائيل.

          تخوض الحركة صراعاً عنيفاً مع التيارات اليهودية الأخرى، في الولايات المتحدة، كما تخوض صراعاً مع جماعات أرثوذكسية، وأهمها طائفة ساطمر الحسيدية. في مطلع القرن العشرين شن الأدمور الخامس للحركة حملة شعواء على الحركة الصهيونية، ووصفها بأنها مبادرة سلبية لاستعجال النهاية، بما يتناقض مع التقاليد اليهودية، ورفض نظرية المراحل التي أخذت بها الصهيونية فيما يتعلق بخلاص اليهود، وقد ارتكزت معارضة الحركة الصهيونية على أساس أن على اليهود أن يظلوا في المنفي حتى يظهر المسيح المخلص، فهو وحده المكلف من قبل الرب بإنقاذ «الشعب اليهودي» و «العودة» به إلى أرضه لتأسيس «مملكة إسرائيل».

          ومن ثم رفض الأدمور الخامس «شالوم دوف بار»، الحركة الصهيونية وأكد أنه «حتى لو أتبع الصهاينة أوامر الإله بشكل دقيق فإنه لا يجوز لليهودي أن ينضم إليهم لكي يبحث عن الخلاص بجهود ذاتية»، ولهذا أفتى «دوف بار»، بعدم جواز استخدام السبل المادية والسياسية للهجرة إلى فلسطين لتعجيل الخلاص، لأن ذلك يخالف وصايا التوراة. ومع قدوم الأدمور السابع «مناحيم مندل شنيورسون»، راحت الحركة تقترب من الصهيونية، حيث أعلن «شنيورسون»، أن إنشاء الدولة «فضل من الإله، والتفاتة منه نحو اليهود، من أجل خلاصهم»، غير أن الصهاينة - في رأيه - أضاعوا الفرصة، وبنوا الدولة على «أسس لا يجمعها جامع مع توراة شعب إسرائيل». وكان «شنيورسون» قد أعلن، عند تعيينه، أن «الفترة التي نعيشها هي الفترة التي يجب أن يأتي فيها المسيح». وعندما اندلعت حرب 1967، اعتبر أن النصر الإسرائيلي يشير إلى بداية الخلاص واقتراب ظهور المسيح. وإبان حرب 1973، طالب باحتلال دمشق كشرط لتحقيق الخلاص، وخلال حرب لبنان نادى باحتلال بيروت كبداية للخلاص.

          كان «شنيورسون»، يُمهد الطريق لإعلان نفسه «المسيح المنتظر»، كما مهد اتباعه لذلك، فهو عندهم «عبقري العباقرة» و «قدس الأقداس» و «كل أرواح اليهود مربوطة به»، وكانوا لا ينطقون اسمه إلا بعد عبارة «رابينا رابي الجيل ، والملك المخلص»، وأثناء الحملة الانتخابية عام 1988، رفع أنصاره صورة كبيرة له كُتب تحتها «مشيح عخشاف»، أي «المسيح الآن». وفي أواسط شهر أبريل 1992،غمرت الملصقات والإعلانات طرق إسرائيل، معلنة أن «شنيورسون»، أوشك على إعلان نفسه «المسيح المخلص بمجرد تلقيه الأوامر الإلهية بذلك»، وكان «شنيورسون»، قد أعلن في مؤتمر عالمي عقده عام 1991، أن «اليهود يريدون إنهاء حالة الشتات التي يعيشون فيها، وأن كل المؤشرات على ظهور المخلص قد ظهرت، وأن الوقت قد حان للخلاص النهائي الأخير بظهور المسيح».

          حققت الحركة نفوذاً واسعاً في الولايات المتحدة، وإسرائيل، وفي كل مكان يوجد فيه يهود، إبان رئاسة «مناحيم مندل شنيورسون»، لها في الفترة من عام 1950، حتى العام 1994. ففي خارج «إسرائيل» يسعى مختلف المرشحين للانتخابات في الولايات المتحدة وفرنسا، على سبيل المثال، للحصول على أصواتهم. وكان لـ «شنيورسون»، نفوذا هائلا في الولايات المتحدة، وحظي بتقدير الرؤساء وأعضاء الكونجرس وكبارالساسة.

          وكان "شنيورسون"، يرى أن «القدرة الإلهية» تتحكم في كل صغيرة وكبيرة في العالم، وأن التوراة كلها مقدسة، وأنها سبقت خلق العالم، ومن ثم كانت دعوته لتأليف قلوب اليهود ودعم التراث اليهودي، من أجل تحقيق وحدة «الشعب اليهودي». وكان يعتقد أن حب «أرض إسرائيل» فريضة لا يمكن على الإطلاق فهم وتطبيق التوراة وإقامة الفرائض دونها. وعلى الرغم من ذلك لم تطأ قدماه «أرض إسرائيل»، وظل يرفض الهجرة إليها - على الرغم من معلوماته الواسعة عنها - حتى وفاته.

          تتمتع الحركة في داخل إسرائيل، بنفوذ كبير، حيث تتبنى مواقف سياسية محددة، ويمارس أتباعها وأنصارها حقوقهم السياسية بحرية، فعلى صعيد الشؤون الداخلية تطالب الحركة بالآتي:

1.   تعديل قانون العودة بهدف ضمان نقاء «الجنس اليهودي المختار»، إذ يرى «شنيورسون»، أن اليهود من جنس أسمى وأعلى من بقية الأمم التي مكانها في الدرك الأسفل، «فأصل أرواح بني إسرائيل هو الروح القُدُس، أما أصل أرواح شعوب العالم فهو من طبقات النجاسة الثلاث»، وهي نظرة عنصرية محضة تفوق نظرة «هتلر» للأجناس.

2.   منع الإجهاض وتشريح جثث الموتى.

          وقد كان للحاخام «شنيورسون»، مكانة مرموقة عند ساسة الدولة وكبار المسؤولين فيها، وكثيراً ما كانت شخصيات مثل «بيجن»، و«بيريز»، و«شارون»، و «يوسف بورغ»، و «أهارون ياريف»، وغيرهم تطلب مشورته. وعلى الرغم من أنها حركة غير حزبية، ولم تشارك في أية انتخابات عامة أو محلية ، ولم تؤيد رسمياً أية قائمة انتخابية، إلا أن أتباعها كانوا يصوتون دوماً لصالح بوعالي أغودات إسرائيل، عدا عام 1965، حينما أمرهم «شنيورسون»، بالتصويت لصالح المفدال.

          وللحركة أراء متشددة تجاه العرب، فهي تؤيد فكرة«أرض إسرائيل الكاملة»، برغم عدم اعترافها علناً بدولة «إسرائيل»، ومن ثم ترفض فكرة الأرض مقابل السلام، وتطالب الحكومات الإسرائيلية بضم الأراضي المحتلة وعدم إرجاع الأراضي التي غنمتها إبان حرب الأيام الستة»، وذلك لأن السيطرة اليهودية على كامل «أرض إسرائيل» هي شرط مسبق لا غنى عنه لظهور المسيح المنتظر. وارتباطاً بهذه الأفكار دعا الحاخام «شنيورسون»، إلى ترحيل العرب عن أراضيهم، بل ونادى، في أكتوبر 1968، بقتل العرب صراحة، وقال «إن العرب يبتغون شيئاً واحداً لا غير، وهو القضاء علينا إن عاجلاً أو آجلاً وإن علينا أن نتبع القول المأثور «عجِّل بقتل من يسعى لقتلك»، كما احتج هذا الحاخام بشدة - مراراً - على بقاء العرب في القدس، وعلى ما أسماه المعاملة الحسنة التي تعامل بها إسرائيل، «مخربي» فتح. وكان «شنيورسون» من القادة الحريديين القلائل، الذين أعربوا عن دعمهم لحركة غوش أيمونيم، ومشاريعها الاستيطانية في الضفة الغربية والقطاع.

          توزعت قيادة الحركة في إسرائيل، بين عدد من الحاخامات منهم: «شموئيل هيفر»، و«ليب كفلن» و «مردخاي أشكنزي»، و«لايفشتس» زعيم منظمة «النشيطون: يد الأخوة» الحريدية، التي تحارب كل ما يشكل خطراً على الدين اليهودي، وظاهرة تسرب العناصر الحريدية إلى العلمانية، والتنصير.

          وهكذا، فعلى الرغم من أن حركة حباد حركة حريدية معارضة للصهيونية، ولا تعترف بالدولة، إلا أنها لم تقاطعها، بل إن طلاب مدارسهم يخدمون بالجيش، بعد انتهائهم من دراستهم، كما أن أنصار الحركة يقتربون دوماً من العلمانيين، بغية توبتهم، باعتبار أن هذا شرط لقدوم المسيح المخلص في نظرهم.

2. حركة الطائفة الحريدية

أ. النشأة التاريخية

          ظهرت الطائفة الحريدية، عام 1921، في القدس احتجاجاً على إنشاء الحاخامية الرئيسية. وأطلق عليها وقتذاك اسم «لجنة المدينة للطوائف الإشكنازية»، وكانت تمثل أغلب الحريديم في القدس، بالتعاون مع حركة أغودات إسرائيل. وظل التعاون بين الطائفة الحريدية وحركة أغودات حتى العام 1945، حينما صار «المعتدلون» من الحريديم ينضمون تحت راية أغودات، بينما أضحت حركة الطائفة الحريدية، تمثل «متطرفي»الحريديم. وتتكون الحركة من عدة جماعات حسيدية، منها: طائفة «ذرية أهارون»، وطائفة «ساطمر»، والمدرسة الدينية التابعة لتلاميذ «دوشنسكي»، وقسم من جماعة «المقدسين: هيروشلميم»[3]. وتقدر الحركة عدد اتباعها بثلاثين ألف نسمة، بينما تقدرهم مصادر حزب أغودات بثمانية آلاف نسمة، يعيش معظمهم في الضواحي والأحياء الحريدية، وخاصة حي «المائة بوابة: مئشعاريم» بالقدس.

ب. التنظيم الداخلي

          تدار الحركة عن طريق عدد من الهياكل التنظيمية، أهمها مجلس الواحد والسبعين، ومجلس الثلاثة والعشرين، والمجلس التنفيذي، ومحكمة الطائفة. وهي تساوي مجالس حكماء التوراة في الحركات والأحزاب الدينية الأخرى.

وعلى عضو الحركة أن يلتزم بالأسس الثمانية عشرة التي تعتبر دستور الطائفة. وأهم هذه الأسس التي تحدد واجبات كل عضو:

1.  الانصياع لأوامر حاخاماته ومحكمة الطائفة.

2.  معارضة الصهيونية ومقاطعة أنشطة الدولة وعدم المشاركة في انتخابات الكنيست أو الانتخابات البلدية.

3.  الإيمان القاطع بأن إقامة الدولة الصهيونية - قبل قدوم المسيح - إنما هو عقاب من الله، وأن الكنيست تدنيس لأوامر الله، وإهانة للتوراة، لأن قوانينه تتناقض مع شريعة«موسى».

4.  مقاطعة حزب أغودات إسرائيل، لتصالحه مع الصهيونية.

5.  مقاطعة مدارس تعليم اللغات الأجنبية، وإرسال الأبناء إلى المدارس المُجازة من الطائفة، والتي غالباً ما تستخدم اللغة الييديشية.

6.  عدم تناول أي طعام أو شراب غير مصرح به من الطائفة.

7.  المحافظة على اللباس الشرعي المحتشم.

          وتقدم الطائفة مجموعة من الخدمات الطائفية لأتباعها، عن طريق عدد من المؤسسات، مثل المحاكم الدينية والمطاعم والمسالخ وأماكن التثقيف والتسلية، وصندوق لتمويل المؤسسات التربوية، بدلاً من أموال الحكومة، ولمساعدة العائلات الفقيرة، ولجان للحفاظ على تعاليم التوراة، وغيرها.

          ونظراً لأن الحركة لا تعترف بالصهيونية، وتقاطع الدولة فإنها لا تشترك في انتخابات الكنيست، ولا في الانتخابات المحلية، ولا تتلقى الأموال من الحكومة ، بيد أن ثمة جماعات حسيدية - من داخل هذه الحركة - تتلقى الأموال من التأمين الوطني، وهى تبرر ذلك بأن الأموال المخصصة للمؤسسات التربوية، هي«أموال أيديولوجية»، تحمل رائحة الدولة، بينما أموال التأمين الوطني محايدة، ولا رائحة لها.

          مارس أدمور طائفة «ساطمر»، السابق، «يواليش طايطلبويم»، نفوذاً واسعاً داخل الحركة، فقد كان المرشد الروحي للطائفة الحريدية، ورفض فكرة أن كل مكاسب حرب 1967، إنما هي مساعدة الرب لشعب إسرائيل، لأن هذه الفكرة ستؤدي حتماً إلى إثبات أن الصهاينة صادقون وأن أسلوبهم صادق، وأن دولتهم ليست دولة كفار؛ لأن جنودها حرروا «حائط المبكى» وقبر «راحيل»، بينما يرى هو أن شعب هذه الدولة من المارقين عن الدين، ولا يستحق معجزة إلهية لمساعدته. ولدى طائفة «ساطمر»، كما ترفض الحركة مفاهيم مثل «دولة التوراة» أو «دولة الشريعة».

          ينحصر نشاط الحركة السياسي في تنظيم الاحتجاجات على تدنيس حرمة السبت وانتشار الإباحية. وواقع الحال يؤكد أن الدولة - بمؤسساتها وإمكانيتها - قد استطاعت أن تُحد من نفوذ الحركة ونشاطها، وأغرت بأموالها جماعات عدة على الخروج من الحركة.

3. حركة «حراس المدينة : ناطوري كارتا»

أ. النشأة التاريخية

          ظهرت حركة ناطوري كارتا، كحركة منشقة عن حركة أغودات إسرائيل، في العام 1935، بعد أن قام ممثلون عن أغودات بإجراء مفاوضات مع المجلس الملّي اليهودي - الذي كان يخضع لنفوذ الحركة الصهيونية - بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن إقامة حاخامية رئيسية موحدة في فلسطين من جهة، والوصول إلى صيغة عمل مشتركة مع حركة همزراحي، من جهة أخرى، حيث شكلت العناصر الحريدية، التي تصر على رفض أي تعاون مع الحركة الصهيونية حركة خاصة بها، تحت اسم «رابطة الحراسة المقدسة: أغودات مشمرت هكودش»، ثم تغير الاسم إلى «رابطة الحياة: أغودات هحايم»، ثم إلى الاسم الحالي «حراس المدنية : ناطورى كارتا»[4].

          تضم الحركة معظم يهود العالم، الذين يرفضون الصهيونية ويعارضون الدولة، ويُقدر عددهم حسب مصادر الحركة ذاتها - بأكثر من نصف مليون نسمة في الخارج، وعشرات الآلاف في إسرائيل، بينما تؤكد مصادر أخرى أن عددهم لا يتجاوز بضعة آلاف في إسرائيل[5]. وقد ظلت الحركة - حتى عام 1965 - إحدى الجماعات التي تشكل الطائفة الحريدية في القدس، ثم انفصلت عنها، بعد زواج زعيم حركة ناطوري كارتا من فرنسية متهودة مطلقة. ويعد الحاخام «يواليش طايطلبويم» - أدمور طائفة ساطمر الحسيدية - هو الزعيم الروحى لكل الطوائف الحريدية بما فيها حركة ناطورى كارتا، أما أبرز قياديي حركة ناطوري كارتا، فهما الحاخامان «عميرام بلوي»، و «أهارون كتسلبويجن»، اللذان يكمل أحدهما الآخر، فالأول يقود المظاهرات ومسيرات الإحتجاج. أما الثاني فيمثل قوة العقل والتفكير

          والحركة مفتوحة أمام كل يهودي يرغب في الانضمام إليها شريطة الالتزام بعقيدتها ومبادئها.

ب. عقيدة الحركة

تتمحور عقيدة الحركة في:

  1. عدم الاعتراف بالصهيونية، ومقاطعة الدولة بشكل نهائي، فالحركة تعتبر نفسها امتداداً للتراث والتقاليد اليهودية، وأنها هي التي تلتزم بالتعاليم الدينية اليهودية دون بقية التيارات والفرق والجماعات اليهودية الأخرى.
  2. عاش اليهود، منذ أكثر من ألفي عام، تحت حكم غير اليهود كعقاب من الله لهم على خطاياهم وذنوبهم.
  3. لا تمثل الصهيونية استمراراً للتراث اليهودي أو تنفيذاً للتعاليم الدينية ، وإنما هي رفض لها وخروج عليها، بل هى واحدة من أخطر المؤامرات الشيطانية على اليهودية. والصهيونية مروق من الدين، لأنها أقامت دولة لليهود، وتعمل على تجميع المنفيين، وهذان أمران من شأن المسيح المخلص الذي سيرسله الرب إلى اليهود، لذا فالدولة- في نظر اتباع الحركة - ثمرة المروق من الدين وانتهاك التوراة، لأنها قامت على أيدي نفر من الكافرين الذين تمردوا على مشيئة الإله، وهي خيانة للشعب اليهودي الذي تأسس كجماعة دينية في سيناء (لا في أرض الميعاد). ويذهب أنصار الناطوري كارتا، إلى أبعد من ذلك حينما ينظرون إلى كل من الصهيونية، والنازية، على أنهما ينبعان من مصدر واحد فهو فكرة «القومية»، التي ظهرت في أوروبا، بل ثمة من أكد منهم على أنه هناك تفاهم وتعاون بين الحركة الصهيونية والنظام النازي. وهكذا ترى الحركة أن الصهيونية حركة معادية لليهود، لأنها تخلق مشكلة ازدواج الولاء أمام اليهود أينما وجدوا، وتؤجج الاتهامات المعادية لهم، وتزدهر بازدهار معاداة اليهود. وانتصارات الصهيونية- في عقيدة الحركة - من عمل الشيطان لأنها انتهكت العهود الثلاثة، التي قطعها اليهود للرب قبل خروجهم من المنفى، وهي - كما جاءت في التوراة - ألا يسببوا الألم للأغيار الذين يُقيمون بينهم وألا يحاولوا احتلال «أرض إسرائيل» بالقوة، وألا يستعجلوا الأمور. ولهذا يرى أنصار الحركة أن العمل داخل إطار الحكومة مستحيل لأمرين: الأول، لأن قيام دولة قبل مجيء المسيح خرق للتوراة ، والثاني، لأن قيم وتعاليم التوراة لا تشكل الأساس الاقتصادي والاجتماعي للدولة.
  4. الشعب اليهودي ليس شعباً بالمعنى الذي قدمته الصهيونية، وإنما هو جماعة دينية ظهرت منذ ثلاثة آلاف سنة، واستمدت وجودها من ميثاق مع خالقها، يلتزم بموجبه كل اليهود بالتوراة وتعاليمها.
  5. وضْع الخالق اليهود في منزلة «شعب الله المختار» ليس الهدف منه تمكين هذا الشعب من السيطرة على العالم، وإنما لخدمة الجنس البشري كله، وقد تم اختيار اليهود لهذا الأمر لأنهم أكثر الناس سلاماً وتواضعاً. وهذا الاختيار يفرض على اليهود عدة واجبات، فالشريعة اليهودية ترى أن ثمة سبعة قوانين أساسية ملزمة لكل البشر كي يصبحوا بشراً (حسب شريعة نوح)، وهناك عشرة قوانين (الوصايا العشر) ملزمة لاتباع الديانات التوحيدية، أما اليهود، فعليهم وحدهم الالتزام بالأوامر والنواهي التي جاءت في التوراة (المتسفوات).

          يلخص الحاخام «موشى هيرش» - سكرتير الطائفة للشؤون الخارجية - موقف الحركة من الصهيونية ومن الدولة في مقال نشره في صحيفة «الواشنطن بوست» في مطلع أكتوبر 1978، بقوله: «إن الصهيونية تتعارض تعارضاً كاملاً مع اليهودية، فالصهيونية تريد أن تُعرّف الشعب اليهودي باعتباره وحدة قومية، وهذه هرطقة، فقد تلقى اليهود الرسالة من الرب، لا لكي يفرضوا عودتهم إلى الأرض المقدسة ضد إرادة سكانها، فإن فعلوا ذلك فإنهم يتحملون نتائج فعلتهم، والتلمود يقول: (إن هذا الانتهاك سوف يجعل من لحمكم فريسة للسباع في الغابة). وإن المذبحة الكبرى ستكون نتيجة من نتائج الصهيونية».

          كما أوضح «هيرش»، أن التوراة أمرت اليهود بالعيش في سلام مع جيرانهم من غير اليهود في فترات الشتات، وأنه يمكن العيش في ظل دولة فلسطينية، وفي هذه الحالة يمكن تشجيع هجرة اليهود إليها!!. ويعّرف «هيرش»، الحريديم بأنهم «يهود فلسطينيون». ويقول أحد حاخامات الحركة «إبراهام جرينباوم»، «إن إسرائيل ستظل دولة الشتات الروحية حتى الوقت الذي تحكم فيه التوراة حياة كل فرد في المجتمع»، ولا يعني ذلك أن هذا الحاخام من أنصار إصدار تشريعات توراتية تحكم الأفراد، فالقانون لا يُغير اعتقادات الأفراد وقناعتهم كما يقول.

          وتُؤكد الحركة على أن علاقة اليهودي المتدين بـ «أرض الميعاد» تتمثل في اتجاهه بعواطفه وقلبه إلى هذه الأرض، وخاصة مدينة القدس، ففي كل صلاة تُذكر القدس. وعلى اليهودي أن يستمر في هذا حتى يستجيب له الإله ويأمر بعودة اليهود مع المسيح المنتظر. وتنتقد الحركة اليهود المتدينين والحاخامات، الذين يتعاونون مع الدولة ويؤيدونها مقابل المساعدات المالية الحكومية، وترى أن ذلك تدنيس لاسم الرب وخروج عن تعاليمه.

          واستناداً إلى ما سبق يعمد اتباع الناطوري كارتا، إلى مقاطعة الدولة وعزل أنفسهم عنها كلية من جهة، والاحتجاج على نشاطاتها وفضح ممارساتها من جهة أخرى. وامتنعوا عن الدفاع عنها إبان حرب 1948. وطلب «عميرام بلوي» - في رسالة بعث بها إلى الأمين العام للأمم المتحدة،  في يوليه 1949- وضع القدس تحت وصاية دولية، وإصدار «جوازات الأمم المتحدة» للمتدينين اليهود الذي يرغبون في ذلك، وأعلن قبول أتباع الحركة مغادرة القدس إلى أي مكان أخر يستطيع هؤلاء العيش فيه بموجب أحكام التوراة. واعترفت الحركة بكفاح الشعب العربي الفلسطيني وحقه في كامل تراب فلسطين، وبمنظمة التحرير الفلسطينية كممثل وحيد وشرعي للشعب الفلسطيني، وأبدت استعدادها للعيش في ظل دولة علمانية تجمع اليهود والعرب.

          وقد نددت الحركة باحتلال الضفة الغربية، وقطاع غزة، وأمرت اتباعها بعدم الذهاب إلى هذه المناطق، أو زيارة «حائط المبكى»، لأن القدس فُتحت عنوة، كما أدانت غزو لبنان، ونددت باعتراف منظمة التحرير بدولة «إسرائيل». ويرفض أتباع الحركة أي شكل من أشكال الحياة العلمانية، ويمتنعون عن استخدام المنافع والتسهيلات الاجتماعية والمادية، التي توفرها الدولة، وعن دفع الضرائب والجمارك، كما يقاطعون الانتخابات ولا يخدمون في الجيش، ويتكلمون اللغة الييديشية في التعاملات اليومية، أما العبرية فهي عندهم للصلاة فقط. تقاطع الحركة كذلك قراءة الصحف الإسرائيلية، والاستماع إلى الإذاعة العبرية ومشاهدة الإذاعة المرئية، وتعد «يوم الاستقلال» يوم حداد وحزن، يصوم فيه أتباعها. كما أن للحركة ساعة مركزية خاصة بأتباعها تلتزم بالتوقيت اليهودي الذي تؤمن به الطائفة، ويلتزم به أتباعها قدر المستطاع. ولا يستعين اتباع الحركة بالشرطة لأنها شرطة صهيونية.

          ويُنظمون مظاهرات ومسيرات احتجاجية ضد انتهاكات العلمانيين - ومؤسسات الدولة وموظفيها بشكل عام - لتعاليم التوراة (كتدنيس السبت ونشر الإباحية والاختلاط وغيرها)، والتي تسبب حوادث عنف في بعض الأحيان. وتتولى الحركة تدريس عقيدتها وأفكارها لاتباعها وأبنائها، في مدارس دينية تابعة لها في حي مئشعاريم، كما تنشر أفكارها عبر عدد من الصحف أهمها: «الحائط» و «حائطنا». إضافة إلى نشاطها دعائياً وسط الشعب الأمريكي بهدف إيضاح أن اليهود والصهيونية أمران منفصلان. وتحصل الحركة على مساعدات مالية من يهود بالخارج، وخاصة من طائفة ساطمر الحسيدية، وتطالب الحركة كل يهود العالم بالعودة إلى الدين والإيمان بالافتداء الإلهي.

          وقد كان لـ «ديفيد بن جوريون» رأي في هذه الحركة ، حينما أجاب عن سؤال عن سبب عدم معاقبته لأتباعها، بقوله: «إن هناك صعوبة متزايدة باستمرار تحول دون اتخاذ إجراءات مع أناس تنبع أفعالهم من إيمان ديني عميق، وليسوا من مخالفي القوانين بالمعنى المألوف، ومن جهة أخرى، فإن هؤلاء يمثلون عالماً انحدر معظمنا منه، وهو عالم أجدادنا وآبائنا الذي عرفناه من سن الطفولة فكيف تريدون أن يزج المرء بجده الأكبر في السجن، حتى ولو رمى غيره بالحجارة».

 



[1]  كلمة حباد عبرية تمثل اختصاراً للكلمات الثلاث: الحكمة والفهم والمعرفة.

[2]  تزعم الحاخام «زلمان ملادي» الحركة حتى وفاته، ثم حل ابنه الحاخام دوف بار (1773-1827) محل أبيه ، ونظراً لأن هذا الحاخام كان من مدينة لوبافتيش الروسية فقد صار هذا الاسم يطلق على أدامرة هذه الحركة حتى اليوم. وقد جاء بعد «دوف بار» صهره الحاخام «مناحيم مندل شنيورسون» (1789 - 1866) ثم نجله، الحاخام «شموئيل مندل» (1834 - 1882) ثم الحاخام «شالوم دوف بار» (1866 - 1920) ، فابنه الحاخام «سوسيف اسحاق» (1880 - 1950) ، ثم الحاخام «مناحيم مندل شنيورسون» (1902 – 1994).

[3]  يذكر أن ثمة جماعات تدخل الطائفة ، وأخرى تخرج منها بين الحين والآخر. ومن أهم الانشقاقات، التي شهدتها الحركة انشقاق جماعة ناطورى كارتا، فرع الحاخام «عميرام يلوي» بسبب رفض محكمة الحركة عقد زواج «بلوي» على مطلقة فرنسية يهودية عام 1965، وكذلك انشقاق طائفة «بعلاز» الحسيدية عام 1980، بعد أن أصدر الحاخام الأكبر «اسحاق فايس» أمراً يمنع تعليم الأولاد في مؤسسات تتلقى الأموال من الدولة، وقد رفضت «بعلاز» الانصياع للأمر.

[4]  كان الحاخام «الياهو بروش« هو الذي اختار هذا الاسم و«ناطوري كارتا» عبارة آرامية وردت في التوراة.

[5]  يقطن اتباع الحركة في فلسطين المحتلة في حي «المائة بوابة : مئشعاريم» بالقدس، وثمة تجمعات أخرى لأتباع الحركة في حي بروكلين بنيويورك، وفي لندن ومونتريال، وغيرها.