إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مجلس الشورى، في المملكة العربية السعودية









الملحق الرقم (18)

ملحق

كلمة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز في مناسبة صدور

النظام الأساسي للحكم، ونظام مجلس الشورى، ونظام المناطق

 

بسم الله الرحمن الرحيم

          الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

          أيها الأخوة المواطنون.

          إن الله إذا أراد بقوم خيراً هداهم إلى التي هي أقوم..

          ونعم الله علينا كثيرة لا تحصى.. ولا شك أن أعظم هذه النعم على الإطلاق هي نعمة الإسلام، فهو الدين الذي أن تمسكنا به لن نضل أبداً. بل نهتدي ونسعد كما أخبر الله تعالى بذلك، وكما أخبر رسوله عليه الصلاة والسلام. وحقائق التاريخ والواقع خير شاهد على ذلك.

          فقد سعد المسلمون بشريعة الإسلام، حين حكّموها في حياتهم وشؤونهم جميعاً. وفي التاريخ الحديث قامت الدولة السعودية الأولى، منذ أكثر من قرنين ونصف، على الإسلام، حينما تعاهد على ذلك رجلان مصلحان، هما الإمام محمد بن سعود، والشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمهما الله.

          قامت هذه الدولة على منهاج واضح، في السياسة والحكم والدعوة والاجتماع. هذا المنهاج هو الإسلام.. عقيدة وشريعة. وبقيام هذه الدولة الصالحة، سعد الناس في هذه البلاد، حيث توفر لهم الأمن الوطيد، واجتماع الكلمة، فعاشوا أخوة متحابين متعاونين، بعد دول خوف وفرقة.

          ولئن كانت العقيدة والشريعة هي الأصول الكلية، التي نهضت عليها هذه الدولة، فإن تطبيق هذه الأصول تمثل في التزام المنهج الإسلامي الصحيح، في العقيدة والفقه والدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي القضاء، وفي العلاقة بين الحاكم والمحكوم.

          وبذلك كانت الدولة السعودية نموذجاً متميزاً، في السياسة والحكم في التاريخ السياسي الحديث. ولقد استمر الأخذ بهذا المنهاج في المراحل التالية جميعاً، حيث ثبت الحكام المتعاقبون على شريعة الإسلام. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. ويستند هذا الثبات المستمر على منهج الإسلام، إلى ثلاث حقائق هي:

          حقيقة .. أن أساس المنهج الإسلامي ثابت، لا يخضع للتغيير والتبديل، قال الله تعالى: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (الحجر: الآية9).

          وحقيقة .. وجوب الثبات على المنهج: ]ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ[ (الجاثية: الآية18).

          وحقيقة .. وفاء حكام هذه الدولة لإسلامهم، في شتى الظروف والأحوال.

          واستمر الوفاء للإسلام ـ عقيدة وشريعة ـ في عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، حيث بنى المملكة العربية السعودية، ووحّدها على ذات النهج، على الرغم من أنه واجه ظروفاً تاريخية صعبة، وعلى الرغم من الصعوبات التي واجهته في أثناء توحيد البلاد.

          فقد حرص الملك عبدالعزيز، على إنفاذ منهج الإسلام في الحكم والمجتمع، مهما كانت الصعوبات والتحديات. ويتلخص هذا المنهج في إقامة المملكة العربية السعودية، على الركائز التالية:

أولاً: عقيدة التوحيد، التي تجعل الناس يخلصون العبادة لله وحده لا شريك له، ويعيشون أعزة مكرمين.

ثانياً: شريعة الإسلام، التي تحفظ الحقوق والدماء وتنظم العلاقة  بين الحاكم والمحكوم، وتضبط التعامل بين أفراد المجتمع، وتصون الأمن العام.

ثالثاً: حمل الدعوة الإسلامية ونشرها، حيث إن الدعوة إلى الله من أعظم وظائف الدولة الإسلامية وأهمها.

رابعاً: إيجاد بيئة عامة صحية صالحة مجردة من المنكرات والانحرافات تعين الناس على الاستقامة والصلاح وهذه المهمة منوطة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

خامساً: تحقيق الوحدة الإيمانية، التي هي أساس الوحدة السياسية والاجتماعية والجغرافية.

سادساً: الأخذ بأسباب التقدم، وتحقيق النهضة الشاملة، التي تيسر حياة الناس ومعاشهم، وتراعي مصالحهم في ضوء هدى الإسلام ومقاييسه.

سابعاً: تحقيق الشورى، التي أمر الإسلام ومدح من يأخذ بها إذ جعلها من صفات المؤمنين.

ثامناً: أن يظل الحرمان الشّريفان مطهرين، للطائفين والعاكفين والركع السجود، كما أرادهما الله، بعيدين عن كل ما يحول دون أداء الحج والعمرة والعبادة، على الوجه الصحيح. وأن تؤدي المملكة هذه المهمة، قياماً بحق الله، وخدمة للأمة الإسلامية.

تاسعاً: الدفاع عن الدين والمقدسات، الوطن والمواطنين والدولة. هذه هي الأصول الكبرى، التي قامت عليها المملكة العربية السعودية.

وقد استدعى تطور الحياة الحديثة، أن ينبثق عن هذا المنهج أنظمة رئيسية، في عهد الملك عبدالعزيز.

          ونظراً لتطور الدولة وتكاثر واجباتها، فقد أصدر الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في عام 1373 هـ، أمره بتأسيس مجلس الوزراء، والذي يعمل الآن وفقاً لنظامه الصادر في عام 1373هـ، وما طرأ عليه من تعديلات.

          لقد استمر العمل بهذا المنهج حتى يومنا هذا، بحمد الله وتوفيقه. ولذلك، لم تعرف المملكة العربية السعودية ما يسمى بالفراغ الدستوري. فمفهوم الفراغ الدستوري من حيث النص هو: ألا تكون لدى الدولة.. مبادئ موجِهة، ولا قواعد ملزِمة، ولا أصول مرجعية، في مجال التشريع وتنظيم العلاقات.

          إن المملكة العربية السعودية، لم تشهد هذه الظاهرة في تاريخها كله، لأنها طوال مسيرتها تحكم بموجب مبادئ موجهة، وقواعد ملزمة، وأصول واضحة، يرجع إليها الحكام والقضاة والعلماء وسائر العاملين في الدولة. وكافة أجهزة الدولة تسير في الوقت الراهن، وفق أنظمة منبثقة من شريعة الإسلام، ومضبوطة بضوابطها.

ومن هنا فإن إصدارنا اليوم للأنظمة التالية:

          النظام الأساسي

          ونظام مجلس الشورى

          ونظام المناطق

          بصيغ جديدة لم يأت من فراغ.

          إن هذه الأنظمة الثلاثة، إنما هي توثيق لشيء قائم، وصياغة لأمر واقع، معمول به.

          وستكون هذه الأنظمة خاضعة للتقويم والتطوير، حسب ما تقتضيه ظروف المملكة ومصالحها.

          والأنظمة الثلاثة صيغت على هدي من الشريعة الإسلامية، معبرة عن تقاليدنا الأصلية، وأعرافنا القويمة، وعاداتنا الحسنة.

          أيها المواطنون:

          إن عماد النظام الأساسي ومصدره، هو الشريعة الإسلامية، حيث اهتدى هذا النظام بشريعة الإسلام، في تحديد طبيعة الدولة ومقاصدها ومسؤولياتها، وتحديد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والتي تقوم على الأُخوة والتناصح، والموالاة والتعاون.

          إن العلاقة بين المواطنين وولاة أمرهم في هذه البلاد، قامت على أسس راسخة وتقاليد عريقة، من الحب والتراحم والعدل، والاحترام المتبادل، والولاء النابع من قناعات حرة عميقة الجذور، في وجدان أبناء هذه البلاد، عبر الأجيال المتعاقبة. فلا فرق بين حاكم ومحكوم، فالكل سواسية أمام شرع الله، والكل سواسية في حب هذا الوطن، والحرص على سلامته ووحدته وعزته وتقدمه. وولي الأمر له حقوق وعليه واجبات .. والعلاقة بين الحاكم والمحكوم، محكومة، أولاً وأخيراً، بشرع الله، كما جاء به كتابه الكريم، وسنة نبيه، صلى الله عليه وسلم.

          والنظام الأساسي للحكم استلهم هذه المبادئ، وهدف إلى تعميقها، في العلاقة بين الحاكم والمحكوم، مع الالتزام بكل ما جاء به ديننا الحنيف، في هذا الصدد.

          أما نظام مجلس الشورى، فإنه يقوم على أساس الإسلام بموجب اسمه ومحتواه. استجابة لقول الله عز وجل: ]وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ[ (الشورى: الآية38).

وقوله جل شأنه: ]فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[ (آل عمران: الآية159).

          ولقد ذكرنا من قبل في مناسبات كثيرة، أن البلاد شهدت قيام مجلس الشورى، منذ وقت طويل. وخلال هذه المدة، استمرت الشورى في البلاد، بصيغ متعددة متنوعة. فقد دأب حُكام المملكة على استشارة العلماء وأهل الرأي، كلّما دعت الحاجة إلى ذلك.

          والنظام الجديد لمجلس الشورى، إنما هو تحديث وتطوير لما هو قائم، عن طريق تعزيز أطر المجلس، ووسائله وأساليبه، بمزيد من الكفاية والتنظيم والحيوية، من أجل تحقيق الأهداف المرجوة منه.

          إن الكفايات، التي سيضمها هذا المجلس، ستُختار بعناية بحيث تكون قادرة، على الإسهام في تطور المملكة العربية السعودية ونهضتها، واضعة في اعتبارها المصلحة العامة، للوطن والمواطنين.

          ولئن كان مجلس الشورى سينهض ـ بعون الله ـ بالشورى العامة على مستوى الدولة، فإنه لا ينبغي أن نغفل عن الشورى السائدة الآن في أجهزة الدولة، من خلال المجالس واللجان المتخصصة. بل ينبغي على هذه الأطر، أن تنشط حتى يتكامل عملها مع المجلس الشورى العام.

          ولقد شهدت البلاد في الحقبة الأخيرة، تطورات هائلة في مختلف المجالات. وقد اقتضى هذا التطور، تجديداً في النظام الإداري العام للبلاد. وتلبية لهذه الحاجة والمصلحة، جاء نظام المناطق، ليُتيح مزيداً من النشاط المنظّم، من خلال وثبة إدارية مناسبة. وليرفع مستوى الحكم الإداري، في مناطق المملكة.

أيها المواطنون:

          لقد تم وضع هذه الأنظمة، بعد دراسة دقيقة ومتأنية، من قبل نخبة من أهل العلم والرأي والخبرة. وأخذ بعين الاعتبار، وضع المملكة المتميز على الصعيد الإسلامي، وتقاليدها وعاداتها وظروفها الاجتماعية والثقافية والحضارية، ومن ثم  فقد جاءت هذه الأنظمة نابعة من واقعنا، مراعية لتقاليدنا وعاداتنا، وملتزمة بديننا الحنيف.

          إننا لواثقون من أن هذه الأنظمة، ستكون بحول الله عوناً للدولة، في تحقيق كل ما يهم المواطن السعودي، من خير وتقدم لوطنه وأمته، العربية والإسلامية.

          إن المواطن السعودي، هو الركيزة الأساسية لنهضة وطنه وتنميته، ولن ندّخر وسعاً فيما يحقق له السعادة والطمأنينة.

          وإن العالم، الذي يتابع تطور هذه البلاد وتقدمها، لينظر بتقدير بالغ لما تيسير عليه من سياسة داخلية، تحرص على أمن المواطن واستقراره، وسياسة خارجية متزنة، تحرص على إقامة العلاقات مع الدول، والإسهام  فيما يثبّت دعائم السلام في هذا العالم.

          إن المملكة العربية السعودية، هي موئل مقدسات المسلمين، ومكان حجهم وعمرتهم وزيارتهم، ولها مكانة خاصة في نفوس كل المسلمين. وقد أكرم الله هذه الدولة بخدمة الحرمين الشريفين، وتيسير سبل الحج والعمرة، وزيارة مسجد رسول الله، صلى الله عليه وسلم.

          لقد بذلنا كل ما نستطيع في سبيل توسعة الحرمين الشريفين، وتطوير المشاعر المقدسة. وقدمت الدولة ما في وسعها من خدمات، لقاصدي الأماكن المقدسة.

          وإذ نحمد الله على ذلك، نسأله المزيد من فضله، ومتابعة خدمة هذه الأماكن، وخدمة المسلمين والتعاون معهم، في كل مكان.

          لقد التزمت المملكة العربية السعودية، في مختلف مراحلها، منهج الإسلام، حكماً وقضاء ودعوة وتعليماً. أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، وأداء لشعائر الله.  

          التزم الولاة بذلك، والتزمه المسؤولون في الدولة، والتزمه الشعب في تعامله وحياته.

          فالإسلام هو منهج الحياة، ولا تفريط فيما جاء في كتاب الله وثبت عن رسوله، أو أجمع عليه المسلمون. إن دستورنا في المملكة العربية السعودية، هو كتاب الله الكريم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى.

          ما اختلفنا فيه من شيء، رددناه إليهما، وهما الحاكمان على كل ما تصدره الدولة من أنظمة.

          وقد كان الحكام والعلماء في المملكة العربية السعودية، ولا يزالون، متآزرين متعاونين، وكل الشعب، ولا يزال، ملتفاً حول قيادته، متعاوناً معها مطيعاً لها، بموجب البيعة الشرعية، التي تتم بين الحاكم والمحكوم.

          والحاكم يقوم بالتزاماته تجاه تطبيق الشريعة، وإقامة العدل بين الناس، وإعطاء كل ذي حق حقه. وبذلك سعد المجتمع بالأمن والاستقرار، ورغد العيش.

          إن المملكة في حاضرها، كما هي في ماضيها، ملتزمة بشرع الله، تطبقه بكل حرص وحزم في جميع شؤونها الداخلية والخارجية. وسوف تظل ـ بحول الله وقوته ـ ملتزمة بذلك حريصة عليه أشد الحرص.

          إننا ثابتون ـ بحول الله وقوته ـ على الإسلام، نتواصى بذلك جيلاً بعد جيل، وحاكماً بعد حاكم، لا يُضرّنا من خالفنا حتى يأتي وعد الله. وإننا لا نغلق باباً دون المنجزات الحضارية النافعة، لكي نستفيد منها بما لا يؤثر على ثوابتنا وهويتنا.

          إن المملكة العربية السعودية، دولة عربية إسلامية، يهمها ما يهم العرب والمسلمين، وتحرص على تضامنهم، وجمع كلمتهم، وتسهم بكل طاقاتها فيما يعود عليهم بالخير. وقد أثبتت الأحداث والوقائع صدق مواقفها، ووفائها بالتزاماتها تجاه أمتها العربية والإسلامية، والتزاماتها الدولية الأخرى.

أيها المواطنون:

          سنمضي بعون الله على منهجنا الإسلامي، متعاونين مع كل من يريد الخير للإسلام والمسلمين، حريصين على التمكين لدين الإسلام ودعوته، وتقدم هذه البلاد وسعادة شعبها، سائلين الله تعالى لشعبنا وأمتنا العربية والإسلامية كل خير وصلاح، وتقدم ورخاء وسعادة.

          والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.