إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مجلس الشورى، في المملكة العربية السعودية









الملحق الرقم (27)

ملحق

كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود

في افتتاح أعمال السنة الرابعة من الدورة الثانية لمجلس الشورى

يوم الاثنين، الثالث من شهر ربيع الأول 1421هـ، الموافق 5 يونيو 2000م

في الديوان الملكي بقصر السلام ـ جدة

افتتح خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، بعد ظهر يوم الاثنين، الثالث من شهر ربيع الأول 1421هـ الموافق 5 يونيو 2000م، في الديوان الملكي بقصر السلام، بجدة، أعمال السنة الرابعة من الدورة الثانية لمجلس الشورى،بتوجيه الكلمة التالية:

الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، رسول الله.

أيها الإخوة الكرام.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

باسم الله، وعلى بركة الله، نفتتح أعمال مجلس الشورى، في بداية سنته الرابعة من دورته الثانية، ونسأل الله تعالى أن يبارك في جهودنا، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، وأن ينفع بها الأمة، إنه سميع مجيب.

إنني أشعر بالغبطة والسرور، في كل مرة ألتقي بكم، وإنها لعادة حسنة، سار عليها مؤسس هذه الدولة، الملك عبدالعزيز، رحمه الله، لاستذكار فضل الله سبحانه وتعالى أن هدانا لاختيار طريق الشورى، دون تقليد أو محاكاة.

إن ممارسة بلادنا للشورى الإسلامية المنظمة، قد أكملت خمسا وسبعين سنة، منذ أن أصدر الملك عبدالعزيز، رحمه الله، أول نظام لمجلس الشورى، عام 1346هـ، مدركا منذ الوهلة الأولى بفكره ونظره الثاقب، أن القرار الصائب هو ما يبنى على المشورة من ذوي العلم والخبرة.

ولقد كان لمجلس الشورى، منذ إنشائه، دور كبير في التنمية من جميع الأوجه، حيث سن ذلك المجلس كثيرًا من الأنظمة في المجالات المختلفة، التي أسهمت في تسيير أمور البلاد، بما يتناسب مع الوضع الداخلي، ولا ينافي الشريعة الإسلامية.

وعندما تطورت البلاد وقطعت أشواطًا كبيرة في التنمية، وخاصة التنمية البشرية، شكلنا لجنة من ذوي الخبرة والعلم، قامت باقتراح أنظمة جديدة تناسب مستجدات العصر، وفي الوقت ذاته لا تعارض الثوابت في شريعتنا، ومن بين هذه الأنظمة نظام مجلس الشورى، الذي أصدرناه في عام 1412هـ، مصاحبا للنظام الأساسي للحكم، الذي صدر في العام ذاته، مما يعد نقلة نوعية مهمة في ممارسة مبدأ الشورى الإسلامي، جريا على خطى الملك عبدالعزيز، رحمه الله، الذي حافظ على الشورى، وتولاها بالرعاية والتطوير، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه من النمو والأصالة، وجعلتنا نفخر ونعتز بثمارها، ونتمسك باستمرارها ومن هنا جاء أمرنا بتطوير مجلس الشورى، وتوسيع المشاركة فيه، وتنظيم اختصاصاته وأهدافه.

أيها الإخوة.

إننا عندما نلتقي في هذه المناسبة، فإننا نغتنمها، لنوضح لكم الكثير من الأمور المتعلقة بشؤون بلادكم، ومواطنيها العزيزين على قلوبنا جميعا، وتلاحظون أن المحور الأساس لحديثنا إليكم، هو ما يتعلق بمواطنينا، لأن الهدف من كل ما نقوم به من جهود، هو تحقيق مزيد من الرفاه لهم، ومزيد من النمو والتطور والرقي لبلادنا، التي علينا جميعا أن نبذل كل ما في وسعنا، لتبقى في المكان اللائق بها دائما، سواء في محيطها العربي والإسلامي، أو على مستوى العالم أجمع، مستفيدين في ذلك من موقعها الشامخ فوق خريطة حضارة الإسلام، ومن مكانها السامق من تاريخه المجيد، ومعولين كذلك على ما آتاها الله من ثروات طبيعية غنية، تساعدها بحول الله وقوته على تحقيق طموحاتها وتطلعاتها، كي تظل دائما تقوم بالدور المناط بها لما فيه الخير، ولما يحقق المزيد من فرص السلام والطمأنينة للجميع.

ومن هذا المنطلق، فقد ظلت رسالة بلادكم واضحة في هذا العالم، فنحن أمناء على عقيدتنا الإسلامية، التي تنزلت إلينا من رب العباد، فوق هذا التراب الطيب الطاهر، بل إن إخلاصنا لهذه العقيدة ظل بالنسبة إلينا أمرا مصيريا، لا نقبل حوله المساومات، ولا نرضى بأن نقدم فيما يتعلق به أي تنازلات، إنه منهجنا الراسخ في تفكيرنا وتربيتنا وتنظيم شؤوننا، وإنه نبراسنا الذي نهتدي به في تحديد مستويات علاقاتنا، فنقبل على كل ما يمكن أن يؤدي إلى تطوير حاضرنا، وكل ما يهيء فرصا أكثر، للرقي بمستقبلنا مما في هذا العالم من طروحات ومشروعات، ولكن على شرط أن لا يتناقض أو يتعارض أي شيء من ذلك، مع ثوابت عقيدتنا، أو مع القيم من مبادئنا وتقاليدنا. ولعل التجربة الخيرة التي تمارسونها في هذا المجلس، مجلس الشورى خير دليل على ثراء إسلامنا بما يقدمه من مشروعات، من شأنها أن تحقق الغاية، ولا سيما من حيث الانسجام مع ما تتطلع إليه الشعوب في الماضي والحاضر، فيما يخص المشاركة في صناعة القرار، أو إسداء المشورة لولي الأمر، فكل أمر يتعلق بأمور حياتنا نجد له الإجابة الشافية في ديننا، والعالم كله يعرف عنا هذه الحقيقة، ولا يمكن، بناء عليه، أن نعير بالا لتلك الأصوات الشاذة، التي تتجاهل هذا، لأغراض ندركها. وأعود لأطمئنكم حول الصدى الطيب، الذي تجده لدى المنصفين في هذا العالم تجربتنا الحضارية، سواء في مضامينها الفكرية، أو في منجزاتها المادية والتنموية.

فالعالم كله يشهد اليوم بسرعة وقوة النمو الاقتصادي والاجتماعي، الذي أحرزته بلادنا، وهو يشهد، كذلك، بالمستوى الجيد للثبات النفسي والطمأنينة الإيمانية، التي ينعم بها شعبنا، لأنه شعب مؤمن بالله. فإذا ما تحقق التوازن المطلوب في هذين الأمرين، فإن من نتائجه الملموسة الاستقرار، الذي تتطلع إليه الشعوب في أي مكان، هذا الاستقرار، الذي يمثل شرطا أساسيا من شروط التفوق، أو من شروط الإنجازات الواثقة القوية المثمرة، ونحن نسمع ونشاهد أن هناك شعوبا كثيرة، قد حرمت، مع الأسف، من هذه النعمة، لما يتنازعها من الأفكار والأهواء، التي لا تجد لها أي جذور في وعي الناس، أو في وجدانهم، أو في تكويناتهم التاريخية والثقافية.

أيها الإخوة.

لقد بدأت حديثي إليكم اليوم على هذا النحو، ليس لأنكم، وأنتم الأبناء المخلصون، لا تدركون منهاج هذه البلاد في التفكير أو السلوك، فأنتم خير من يعرف ذلك ويدركه، ولكنني أردت أن ألفت النظر إلى ما يدور حولنا من استدراجات وغوايات، تحسب أنها، بما تقوله أو تردده من افتراءات واختلاقات، تستطيع أن تمارس علينا نوعا من الضغوط، التي يمكنها في النهاية أن تحرفنا عن الطريق، الذي اختاره لنا رب العزة والجلال، وهي تلوح، مثلا، بموضوع حقوق الإنسان، دون أن يكون لها اطلاع على حقيقة ما يجري في بلادنا، ودون أن يكون لها معرفة موضوعية، بما تطرحه شريعتنا في هذا الخصوص، من مبادئ سامية، نحن نعتقد أنه لا يضاهيها ولا يجاريها في هذا المضمار، أو غيره، أي مبادئ أخرى.

ويكفي أن تلك المبادئ تستمد أسسها من الوحي الإلهي الكريم، ومن سنة المصطفى نبينا محمد، صلى الله عليه وسلم، الذي لا ينطق عن الهوى، بل إننا لنجزم أن ما جاءت به الرسالة العظيمة يجعلنا، نحن من جهتنا، نقف أحيانا موقف اللوم والتعجب، لما يجري للإنسان ولحقوقه في مجتمعات أخرى، تنتمي لحضارات غير حضارتنا، سواء فيما يتعلق بأوضاع المرأة، وما تتعرض له من ابتذالات فرضتها فلسفة الاستهلاك وواقعه، أو فيما يتعرض له الأطفال في أسواق العمل وسطوة المادة المتحكمة في كل شيء.

إن تلك المجتمعات تزعم أنها الأجدر بالدفاع عن حقوق الإنسان فوق هذا الكوكب، ولكن ذلك لا يعني أن كل ما يدور فيها يرضي بالضرورة كل سكان المعمورة، وهذه هي سنة الحياة في تعدد المفاهيم وتنوعها.

وفي هذا السياق تعلمون، ويعلم كل مسلم، أن حقوق الإنسان قد حماها الإسلام منذ أربعة عشر قرنا، بموجب نصوص إلاهية آمرة ملزمة لكل مسلم، ومن ينتهكها يعرض نفسه للعقوبة الدنيوية والأخروية.

وعندما أصدرنا النظام الأساسي للحكم، نصت مادته السادسة والعشرون على أن الدولة تحمي حقوق الإنسان طبقا لأحكام الشريعة الإسلامية، ومع ثقتنا وقناعتنا بسلامة مسار بلادنا، وصحة منهجها، نؤكد للعالم أجمع، والمنصفين بخاصة، أن ليس لدينا ما نخجل منه، أو نخفيه، وأن أبوابنا مفتوحة، وقلوبنا نظيفة، ومناهجنا راسخة، وأن قضاءنا، أولا وأخيرا، منصف، لا يتغير، وأن الحكم الرباني الأعدل والأسمى فوق كل القوانين.

إننا نقدر كل الجهود، التي تبذل لتحقيق الطمأنينة والرفاه لشعوب الأرض، ونقدر الاجتهادات المتوالية والمتسارعة في هذا الشأن، ولكننا نحذر، أشد التحذير، من مغبة المحاولات لإكراه المجتمعات على التخلي عن معتقداتها وثقافاتها الخاصة، ولاسيما إذا كان من بين تلك المعتقدات المعتقد الإسلامي، الذي يطرح هو من جانبه تصوره الخاص لشروط الطمأنينة والرفاهية للشعوب. نحن مع تفاهم الثقافات، ولكننا، في الوقت ذاته، ضد التسلط أو هيمنة ثقافة معينة على غيرها.

أيها الإخوة.

إن بلادكم ليست في غفلة عما يدور في هذا العالم من تحديات وتطورات، فهي تعتبر نفسها جزءا من هذا المجتمع الدولي، ونحن، وإن اختلفنا مع غيرنا حول بعض الطروحات والتصورات، إلا أننا نؤيد كل الخطوات المؤدية إلى تطور المجتمعات ورفاهيتها، ولهذا فنحن نرقب باهتمام كبير كل ما يجري في هذا العالم من مشروعات أو إجراءات، فرضتها الظروف الجديدة لعلاقات البشر، فوق هذا الكوكب، ولا سيما بعد أن ترابط واتصل ببعضه، بفعل التطورات المتقدمة في وسائل الاتصال، مما فرض أنماطا جديدة في التعاون والتبادل، وفي الذهن مثلا التطورات السريعة، التي تشهدها الساحة الاقتصادية الدولية على وجه الخصوص، والتي من أبرز معالمها تحرير تدفقات التجارة والاستثمارات، والانتقال السهل السريع لرؤوس الأموال وذلك كله يحدث بفعل التوجه الحثيث لإزالة الحواجز بين الأسواق، وتيسير حركة عناصر الإنتاج عبر الحدود.

إن هذا الواقع الجديد جعلنا نحس، في هذه البلاد، بأن من الأهمية بمكان، الحثّ على تعاون المجتمع البشري، وبخاصة الدول الصناعية منه، بحيث تعمل بكل ما في وسعها للتسامح في مسألة نقل التقنية إلى الدول النامية، لتقليل الفوارق التنموية الهائلة بينها وبين الدول الفقيرة، فتلك الفوارق هي، التي ستكون السبب في الآثار السلبية الصعبة، التي ستقع على المجتمعات قليلة الحيلة، ولا يكفي تعاون الدول الصناعية أو المتقدمة، للتخفيف من حدة الأزمة المرتقبة، بل لابد من تكثيف الجهود في الدول النامية نفسها، لتهيئة الأرضيات المناسبة لقيام اقتصادات ذات فاعلية وحيوية، وسياسات مالية واستثمارية، مدروسة وقوية، تضمن تحقيق التقدم. ولتحقيق مثل هذه الأمور، لابد أن تعمل الدول النامية، أيضا، على استقطاب التقنيات الحديثة اللازمة، ثم تسعى إلى توطينها وتطويرها، بما يتلاءم مع ظروفها وإمكاناتها.

وفي هذا الاتجاه، لعلكم سمعتم وتابعتم ما وجهنا به مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، من ضرورة الإعداد لعقد مؤتمر دولي حول نقل التقنية، مع التركيز على المجالات الاقتصادية والتقنية والعلمية، وتعلمون أننا ماضون، بحول الله، نحو الانضمام إلى منظمة التجارة الدولية، مما يكفل لبلادنا، إن شاء الله، فرصا اقتصادية وتنموية واعدة.

وتعلمون، كذلك في هذا الصدد، بصدور نظام الاستثمار الأجنبي، فقد ناقشتموه أنتم في هذا المجلس، بعد إعداده من قبل المجلس الاقتصادي الأعلى برئاسة أخي ولي العهد، صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وهو النظام، الذي لقي ما يستحقه من ترحيب وإشادة في كل الأوساط الاقتصادية والاستثمارية في العالم، فكان ذلك مشجعا للعديد من الشركات والمؤسسات الاستثمارية للشروع في الحوار معنا، حول مستقبلها الاستثماري في بلادنا الغنية، ولله الحمد، بثرواتها وموقعها الإستراتيجي.

إن من شأن هذا الواقع الجديد للاستثمار الأجنبي في بلادنا، أن يسهم في النقلة النوعية، التي سيشهدها بإذن الله اقتصادنا المحلي، وهذا الواقع الاستثماري الجديد يكفل لرأس المال الأجنبي، بالمقابل، تحقيق مستوى عالٍ من الربح، وضمانات قانونية تحقق له الأمان المطلوب من المخاطر غير التجارية، كما يحقق له ميزات إدارية، تكفل سرعة البت في كثير من الإجراءات، ويجري الآن الإعداد لمؤتمر اقتصادي يناقش بيئة الاستثمار وفرصه في بلادنا، وسيجمع المؤتمر مجموعة عالية المستوى من رجالات السياسة والأعمال، وصناع القرارات والأنظمة، والصناعيين والقانونيين والمصرفيين، من القطاعات الحكومية والخاصة، في المملكة ولدى شركائها.

إن هذا الإنجاز الجيد للمجلس الاقتصادي الأعلى، هو جزء من منظومة من الإجراءات، التي تعمل الدولة على تحقيقها من أجل تنويع الاقتصاد السعودي ودعمه، ويدخل في هذا الباب، كما تعلمون، الخطوات الموفقة، التي أنجزها المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، ولا سيما فيما يتعلق بدعوة الشركات البترولية العالمية للاستثمار في المملكة.

فقد تلقت المملكة، إثر الدعوة، التي وجهتها للاستثمار في مجال البترول، عروضا متعددة للاستثمار، من نحو ثماني عشرة شركة عالمية مؤهلة، من بينها أكبر عشر شركات بترول في العالم، ويقدر أن يستثمر في الاقتصاد السعودي، خلال السنوات العشر القادمة، بلايين الدولارات، مما يغير، بشكل جوهري وإيجابي، من وجهة الاقتصاد السعودي، من حيث معدلات التنمية.

وهذا سيكون له، من ناحية عمومية، تأثيره الواضح على رفع المستوى المعيشي للمواطن السعودي. أما من الناحية الخاصة، فإن هذا سيؤدي إلى إيجاد فرص وظيفية كثيرة للشباب، وهي وظائف فنية متخصصة، ووظائف أخرى عادية لا تتطلب خبرة محددة.

وهذا يعني أن الوظائف، التي سيخلقها هذا المناخ الاستثماري، لن تكون مقصورة على شريحة معينة من المجتمع، بل ستستفيد منها كافة الفئات والشرائح على مختلف مستوياتها.

كما أنه من المعلوم أن المستثمر الأجنبي، سيعتمد على المنتجات والخدمات والصناعات المحلية، وسيكون للسعوديين دورهم في هذه المشاريع، مثل تنفيذ الأعمال الجانبية، وأعمال الخدمات والصيانة والنقل، وهذه بحد ذاتها استثمارات كبيرة ومشجعة.

وقد أكد المفاوض السعودي الدور الأساسي، الذي لابد أن يلعبه المستثمر السعودي في هذا المجال، وقد أبلغت الشركات الأجنبية بأن هذا الأمر سيكون أحد المعايير، التي ستقوم على أساسها عروض الشركات، كما تم التأكيد على تلك الشركات بضرورة الاهتمام بالبيئة.

أيها الإخوة.

إن استجابة تلك الشركات العالمية، واستعدادها للالتزام باستثمارات تتطلب إنفاقا ماليا هائلا في بلادنا، يدل، ولله الحمد، على الثقة في الاستقرار، الذي ننعم به، ويدل أيضا، على صحة مناخنا الاستثماري الجيد، وعلى شفافيته وجاذبيته.

إننا مطمئنون، إن شاء الله، إلى استقرار البترول على هذا النحو، الذي أضحى اليوم مرضيا ومنصفا للمنتجين والمستهلكين، ونحن أيضا، واثقون من تعاون شركائنا في الأوبيك، وحرصهم على ما يحقق المصلحة للجميع، وذلك من خلال الالتزام بقرارات المنظمة، وما تتفق حياله الدول الأعضاء، ولكن هذا لا يعني أن نتهاون في سعينا لتنويع قاعدة الاقتصاد السعودي، تحسُّبًا لما يمكن أن يطرأ من متغيرات عاجلة أو آجلة، وتناغما مع متطلبات التنمية المتصاعدة، واستجابة لتطلعات مواطنينا نحو مزيد من الرخاء والرفاه.

وهنا، لابد من التأكيد على دور رجال الأعمال السعوديين الحيوي، في إثراء وتفعيل الحركة الاقتصادية، وعلى مشاركتهم الفعالة في دفع عجلة التنمية، فهناك تعاون وتكامل بين القطاعين الحكومي والخاص، ولا سيما في قطاعات مشروعات البنية الأساسية والعامة، ومن ذلك التعاون في مشروعات توليد الكهرباء، وقطاع الاتصالات، وبعض المرافق التعليمية والصحية والترفيهية والموانئ.

ولقد أثمر، ولله الحمد، هذا التعاون، وأثبت القطاع الخاص، عندنا، أنه على مستوى المسؤولية، التي أنيطت به، وعلى مستوى التطلعات، التي عقدت عليه، ونحن نتابع، بكثير من الاهتمام، تطور هذا القطاع، ونذكر هنا أننا لاحظنا أن من المؤشرات الإيجابية استمرار نموه الإيجابي، حيث شهد نموا في ناتجه الإجمالي، بلغت نسبته 8,4 في المائة بالأسعار الجارية، و2 في المائة بالأسعار الثابتة عام 1419/1420هـ، مقارنة بما كان عليه في العام، الذي سبقه، كما بلغت مساهمة القطاع الخاص، في الناتج المحلي الإجمالي للعام المذكور، 38 في المائة بالأسعار الجارية، و48 في المائة بالأسعار الثابتة. ونحن متفائلون باستمرار هذه المؤشرات الإيجابية، ويدعم ذلك ما تقرر من تنظيمات وإصلاحات، تهدف إلى تعزيز قدرة اقتصادنا الوطني على مواجهة التحديات المنافسة.

أيها الإخوة.

لقد روعي في إعداد الميزانية، لهذا العام، توفير الوسائل الضرورية لنمو الاقتصاد، وتعزيز مكانته مع الاستمرار في الخطوات الهادفة إلى تحقيق التوازن المالي، وترشيد الإنفاق، وقد واصلت سياسة الدولة المحافظة على استقرار الأسعار المحلية وسعر صرف الريال، اللذين يعتبران حجر الأساس للنمو الاقتصادي المتوازن، كما واصلت البنوك المحلية تدعيم قدراتها المالية، مما جعلها من البنوك ذات السمعة المالية المحترمة، التي تعزز الثقة في متانة الاقتصاد المحلي السعودي.

وأنه لاكتمال حلقات مشروعنا التنموي الكبير من كل جوانبه، يتوجب، على مراكز البحوث والجامعات السعودية، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، والمعاهد والمراكز العلمية المتخصصة، أن تبذل أقصى جهودها لتأهيل وإعداد الكوادر السعودية، كي تكون قادرة على التعامل مع التقنيات الحديثة المتطورة، مما يساعد على توطين التقنية، ومما يسهم في زيادة الإنتاج ورفع مستوى الأداء بشكل عام.

أيها الإخوة.

لقد تم، في العام الماضي، صدور نظام الضمان الصحي التعاوني، وأنتم تعلمون ما لذلك النظام من تأثير إيجابي كبير على الأداء الصحي وعلى اقتصادياته، كما تم، في العام نفسه، إجراء الدراسات اللازمة لقيام شركة مساهمة سعودية للخدمات في مدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين، الغرض منها القيام بأعمال التشغيل والصيانة والإدارة، وأعمال التوسعة، وأعمال الإنشاءات لمرافق التجهيزات الأساسية، وستتم الموافقة عليها قريبا، إن شاء الله، كما جرى في العام نفسه، كذلك، تأسيس الشركة السعودية للكهرباء.

أما في هذا العام، فقد صدر نظام الهيئة العليا للسياحة، وتمت الموافقة على عدد من الضوابط، التي يمكن بموجبها إصدار تأشيرات زيارة للمملكة، لغرض السياحة، وستوضع، لهذا الغرض، خطة متكاملة تتضمن البرامج السياحية، وقد عينا، مؤخرا، الأمين العام للهيئة العليا للسياحة، وكل ذلك لما تأكد للدولة من وجود المزيد من الفرص الاستثمارية المهمة، التي يمكن أن تتحقق، عن طريق هذا النوع من الصناعة، الذي يجد الاهتمام من كل دول العالم.

إن هذه الإنجازات، التي ذكرتها لكم آنفا، يجمعها في واقع الأمر فكرة واحدة، وهي أنها حلقات أخرى إضافية في منظومتنا الاقتصادية والتنموية بشكل عام، وهي، في بعض غاياتها، تنسجم مع التوجه الجديد المثمر لمنح القطاع الخاص مزيدا من الفرص، للمساهمة في تنمية بلاده وإدارة بعض المشاريع التنموية فيها، بما يحقق مزيدا من الفاعلية وتحسين مستوى الأداء.

أيها الإخوة.

هكذا تلاحظون أن الدولة قد حققت الكثير من الإنجازات المفيدة، ولله الحمد، وذلك خلال فترة زمنية قصيرة، وهي الفترة، التي تقع بين لقائي بكم في العام الماضي ولقائي بكم اليوم، وهذا ما يؤكد الخطى الحثيثة، التي انتهجناها، لتقديم مزيد من الخدمات المتوجبة علينا، لبلادنا ومواطنينا ولضيوفنا، الذين يقيمون معنا على أرضنا، ومن الأشقاء والأصدقاء، الذين يسهمون معنا بجهودهم في دفع عجلة التنمية وتسريعها، وهي فرصة مواتية الآن لنرفع أكف الضراعة إلى الله، حمداً له على ما وفقنا إليه من خدمة لشعبنا ولضيوف بلادنا، سواء منهم المقيمون معنا أو من يأتون كل عام لبيت الله الحرام حجاجا ومعتمرين.

وبهذه المناسبة أقول لكم إن جميع التقارير، التي وصلتنا من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالقيام على راحة الحجاج، كانت بفضل الله وتوفيقه تؤكد نجاح حج العام المنصرم، وتعكس مدى الراحة والطمأنينة، التي لقيها الحجاج أثناء أداء مناسكهم، وأثناء إقامتهم بيننا والاستعدادات الكبيرة، التي حشدت من مختلف الجهات الحكومية لهذا الغرض.

أيها الإخوة.

وإن مما يشغل بال الحكومة على الدوام، الاستمرار في تحسين شبكة الطرق والنقل والاتصال، فهي الوسائل الفاعلة في ضمان ترابط المناطق النائية، وفئات المجتمع وتنمية القرى والهجر كافة، لكي تحظى بقسطها في التنمية والتوطين والاستقرار والانتعاش، ولتنعم أنحاء البلاد كافة، من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي، ومن الشمال إلى الجنوب، بالفرص التنموية المتساوية.

كما نشدد على أهمية الماء وترشيد استخدامه، وكما تعلمون، فإن بعض البلدان المعروفة بالأنهار والأمطار الغزيرة، قد أصبحت تعاني من نقص المياه، فصار لزاما علينا أن نراجع أوجه الاستهلاك الزراعي والصناعي والمنزلي، وأن نعي حقيقة قيمة المياه، وأن موارده مكلفة وصعبة وناضبة، وينبغي على كل أجهزة الدعوة والإعلام والتربية، أن تُنبِّه على واقعه وعواقبه، وأن تهتم بمواصلة الدعوة إلى الاقتصاد في استهلاكه وترشيده بمختلف الطرق.

أيها الإخوة.

إن واجبنا، تجاه العالم الإسلامي، لا يقف عند حدود تقديم الخدمات والتسهيلات للمسلمين الوافدين إلى بلادنا، بل إنه يتعدى ذلك إلى الاهتمام الشديد بكل قضايا المسلمين وانشغالاتهم، وبكل التحديات، التي تواجههم، فمواقف المملكة معروفة ومشهودة من قضايا المسلمين في كل مكان، وقد عبرنا دائما عن تلك المواقف بما تستحقه من القوة والصرامة. لقد استنكرنا دائما ما يلاقيه شعب كوسوفا من اضطهادات مستمرة، ولقد شجبنا الاعتداءات السافرة، التي كان يواجهها المسلمون في الشيشان، وما يتعرضون له من مآسٍ شنيعة، وقد قدمت الدولة، كما قدم مواطنونا في هذا البلد الطيب، كل ما يستطيعون من مساعدات إنسانية، من شأنها أن تخفف من معاناة إخوانهم في تلك الأقطار.

ولم تكن هموم عالمنا العربي بأقل أهمية عندنا، بل إنها تأخذ منا الاهتمام الأكبر، الذي تستحقه، وأؤكد للجميع أن الزيارات، التي قام بها عدد من الزعماء العرب إلى بلادنا، والزيارات التي قام بها صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس الحرس الوطني، أو صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران المفتش العام إلى البلدان العربية أو إلى بعض القوى الدولية المؤثرة، كان موضوعها الأساس هو هموم عالمنا العربي، وما يتعرض له من تحديات وإساءات وانتهاكات، ولا سيما من قبل إسرائيل، التي ما فتئت تعمل كل ما في وسعها، على تعطيل عملية السلام، وعرقلتها، لتظل هذه المنطقة مقيمة فوق فوهة بركان متوقّد من العداوات والخصومات والتوترات المهددة بكل أنواع الخطر.

ولقد كانت رسالتنا، في هذا الأمر، شديدة الوضوح، وهي أن إسرائيل، بمماطلاتها وتسويفاتها وافتعالاتها، هي المسؤولة الوحيدة عن كل ما يحاك لمنطقتنا من مخاطر، فعلى إسرائيل، ومن بعدها الدول، التي تمتلك فرص الضغط عليها، أن تعيد العربة إلى جادة الصواب، فتعمل بالفعل على الانصياع للمساعي المبذولة، من أجل تحقيق السلام الشامل والعادل والدائم، المبني على الشرعية الدولية، المتمثلة في قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، وعلى مرجعية مؤتمر مدريد وما تلاه من لقاءات ومفاوضات واتفاقات.

إننا نؤكد هنا وقوف المملكة العربية السعودية إلى جانب الجمهورية العربية السورية، لاستعادة كامل حقوقها، وفي طليعتها الانسحاب من الجولان العربية السورية المحتلة، وفي الوقت نفسه، نهنئ الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني الشقيق، بانتهاء الاحتلال الإسرائيلي من جنوب لبنان، وهذا الإنجاز ما كان ليتحقق، لولا جهود المقاومة اللبنانية الباسلة.

أيها الإخوة.

إن علاقاتنا مع جيراننا في الخليج، وشركائنا في مجلس التعاون، تزداد، ولله الحمد، قوة ومتانة، وهذا بفضل من الله، سبحانه وتعالى، ثم بفضل إدراك من القادة الخليجيين والمؤسسات الخليجية المختلفة، لأهمية التفاهم والتعاون والتشاور والتنسيق بين دول هذا الجزء من العالم، لما له من حساسية إستراتيجية واقتصادية، ولما يجمع بين شعوبه من أهداف قومية ومصالح وطنية مشتركة ظاهرة. ولقد كانت تجربة مجلس التعاون، وما تم إنجازه تحت مظلته، من اتفاقيات ومشروعات، خير دليل على ما يسود أجواءنا، ولله الحمد، من رغبة حقيقية في التفاهم والتعاون من جهة، أما من الجهة الأخرى، فإن الذي تحقق حتى الآن، من خلال هذا المجلس، يؤكد نجاح التجربة من حيث هي مشروع يهدف إلى خلق مزيد من التآلف والتآخي بين دول المنطقة، مما يضاعف من فرص التقدم والتوحد بين أبناء شعوبنا، لمواجهة التحديات من ناحية، ولمواكبة التطورات المتسارعة في هذا العالم من ناحية أخرى.

ولا يسعني هنا إلا أن أنوه بالخطوة المهمة، التي تمت في العام الماضي، بشأن التوقيع على الخرائط لترسيم الحدود البرية بيننا وبين أشقائنا في دولة قطر، وتعيين خط الحدود في دوحة سلوى، وأشيد هنا بتضافر جهود البلدين، وعملهما الجاد المنظم لتحقيق ما تم تحقيقه.

إن المملكة العربية السعودية تنطلق، في سياساتها الخارجية وفي علاقاتها مع أشقائها وأصدقائها، من ثوابتها السياسية المعروفة، فهي تحرص دوما على تفعيل تلك العلاقات، وعلى تنشيطها فيما يعزز الأمن والسلم لهذا العالم، وفيما يحقق المصلحة المؤكدة لمجتمعاته، لما يخدم العدل والسلام في ربوع المعمورة، وبخاصة في فلسطين ولبنان وسوريا، ولكل ما يحقق الأمن والاستقرار في العالم، من خلال جهود الأمم المتحدة ومنظماتها.

كما تؤيد المملكة وتساند جهود الجامعة العربية، في توحيد الصف العربي، ومسيرة منظمة المؤتمر الإسلامي، في جمع شمل الأمة الإسلامية.

أيها الإخوة.

أغتنم فرصة هذا اللقاء السنوي المتجدد، لأشكر أمراء المناطق هلى جهودهم، في إثراء تجربة مجالس المناطق، وتعزيز مسيرة التنمية في كل منطقة، ودفع عجلة النهضة بمرافقها، لكي تسير بمحاذاة جهودهم في المحافظة على الأمن والنظام السائدين في كل ربوع البلاد، والحمد لله.

أيها الإخوة.

هذا هو مجمل ما أحببت أن أتحدث فيه إليكم، وكما تلاحظون، فإن بلادكم وفيّة لمبادئها وسياستها الثابتة، فيما يتعلق بالشأن الخارجي، وهي ماضية، ولله الحمد، بخطى واثقة وحثيثة في إنجازاتها وطموحاتها، فيما يتعلق بالشأن الداخلي.

وفي الختام، أدعو الله أن يحفظ علينا ديننا وأمننا واستقرارانا، وأن يأخذ بأيدينا لما يحب ويرضى، وأتمنى لكم مزيدا من التوفيق، فيما أوكل إليكم من مسؤوليات، وفيما يحتمه عليكم واجبكم من العمل الصادق المخلص، ولا يفوتني في هذه المناسبة أن أشكركم جميعا، وفي مقدمتكم معالي رئيس المجلس ونائبه والأمين العام، لقاء كل ما تبذولونه في خدمة دينكم ودولتكم وبلادكم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته