إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / مجلس الشورى، في المملكة العربية السعودية









الملحق الرقم (31)

ملحق

كلمة خادم الحرمين الشريفين

بمناسبة افتتاح مجلس الشورى، أعمال

دورته الثالثة، وأداء رئيسه وأعضائه القسم

جدة 12 ربيع الأول 1422 هـ، الموافق 4 يونيه 2001م

أدى أمام خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود، معالي رئيس مجلس الشورى، الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، ومعالي نائب رئيس‌ المجلس، الأستاذ بكري بن صالح شطا، ومعالي الأمين العام للمجلس، الدكتور حمود بن عبدالعزيز البدر، وأعضاء المجلس، القسم قائلين:

"بسم الله الرحمن الرحيم. أقسم بالله العظيم، أن أكون مخلصاً لديني ثم لمليكي وبلادي، وألاّ أبوح بسر من أسرار الدولة، وأن أحافظ على مصالحها وأنظمتها، وأن أؤدي أعمالي بالصدق والأمانة والإخلاص والعدل".

جاء ذلك خلال استقبال الملك المفدى، لرئيس وأعضاء مجلس الشورى في الديوان الملكي، بقصر السلام بمحافظة جدة.

وقد أعلن خادم الحرمين الشريفين ـ حفظه الله ـ عن افتتاح المجلس في دورته الثالثة، التي بدأت بالقرآن الكريم، وحضرها صاحب السّمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني، وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع والطيران والمفتش العام.

ثم وجه أيده الله كلمة ضافية:

"الحمد لله الذي أسبغ علينا وابل النّعم، والصّلاة والسّلام على نبيه المصطفى كريم الشيم، سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين.

أيها الإخوة، السّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

باسم الله، نعلن بداية الدورة الثالثة لمجلس الشورى، في تكوينه الجديد. وعلى بركته تعالى، نفتتح أعمالها في هذا اليوم المبارك، ونسأل الله ‌ـ العلي القدير ـ أن يبارك الجهود، وأن يجعل النيات والأعمال خالصة لوجهه الكريم، وينفع بها الأمة، إنه سميع مجيب.

أيها الإخوة

إن من دواعي السّرور، أن نرى مجلس الشورى يواصل مسيرته بنجاح، يستلهم من الماضي أصالته، ويستشرف المستقبل في خططه ودراساته. فهو يجمع بين الماضي والمستقبل، دون تعارض أو تنافر، وتحت مظلة من المحبة وأواصر الإخاء والإيمان.

ولا أخفيكم، أيها الإخوة، شعوراً بالارتياح، كلّما رأيت العالم يتفهم حرص هذه البلاد على اتباع منهج الشورى، غير مقلدة ولا مبتدعة؛ مؤكدة أن الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، وأن منهاج الشورى احتل مكانة متزايدة ومرموقة، بين الدراسات المعاصرة. وقد ساهمت تجربة مجلسكم في إرساء قواعد الممارسة الشورية، وتقديم هذه الممارسة الإسلامية الفريدة، إلى العالم.

أيها الإخوة

إننا نود أن نعبر عن سرورنا، لحرص مجلس الشورى على ممارسة مهامه بروح المسؤولية، جاعلاً الشريعة الإسلامية هي النور، الذي يهتدي به، عند مباشرة أعماله؛ وملتزماً ما تقضى به مصلحة الأمة، عند النظر في الموضوعات المعروضة عليه. وهذا ما يجعل الثقة تزداد به، والخاطر يطمئن إلى موضوعيته، والنفس تسعد بإنجازاته. فازدان سجله الحافل، فيما مضى من عمره، بالعديد من الإنجازات، مما ساهم في مساعدة البلاد على المضي في طريقها الصحيح، نحو مستقبل أفضل ضمن مسيرة تنميتها الشاملة، ولله الحمد والمنة.

أيها الإخوة

يسعدني أن ألتقي بكم في هذا اليوم، كما جرت العادة بذلك في كل عام. وإن من المعلوم أن مناسبة افتتاح الدورة الثالثة لمجلس الشورى، تعني مرور ثماني سنوات على هذه الممارسة، في شكلها الحالي. وهى سنوات أكدت ـ بفضل الله ـ‌ صلاحية هذا المنهج وفاعليته، وهو المنهج الذي دعانا إلى الأخذ به ديننا الحنيف، بهدف تنمية حياة المجتمع، والعمل على تطويره. وهذا ـ يضمن بحول الله ـ ما يصبو إليه الجميع، من العدل والرفاه. فليس عبثاً أن اختار مؤسس هذا الكيان الشامخ ـ جلالة الملك عبدالعزيز، رحمه الله ـ الشّورى الإسلامية أسلوباً للإسهام في إدارة شؤون البلاد والعباد، في وقت كانت فيه المذاهب الفكرية، والأنظمة الوضعية، تقترح للبشرية صيغاً مختلفة، لتنظيم العلاقات بين طبقات المجتمع وفئاته.

لم يكن خياره ـ رحمه الله ـ سوى شريعة الإسلام. وكان ذلك تأكيداً لإيمانه،‌ واعتزازاً بخدمته للمقدسات الشّريفة، واعتداداً بولايته على الأرض، التي نزل الوحي فيها على نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم. وانطلقت منها الرسالة المحمدية، وقدمت للبشرية حضارة الإسلام، التي احترمت الإنسان المكلّف بعمارة الأرض، والحفاظ عليها. ومن هذا المبدأ، انطلق جلالة الملك عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ في منهجه في الحكم. فكان هدفه، منذ أن بدأ مشروعه التاريخي في وحدة البلاد، ومنذ أن شرع تحقيق طموحه الحضاري في البناء، أن يضمن لشعبه الأمن والاستقرار، اللذين بدونهما لا تتحقق التنمية، وبغيرهما لا مستقبل مشرقاً للأجيال.

ومن هنا كانت مواقفه النيرة، من أجل دعم الجهود المبذولة، لتحقيق السّلام العالمي، في كل مكان. ولقد ظلت بلادنا ـ ولله الحمد ـ وفية لمنهج الملك‌ عبدالعزيز، في حكمه في الداخل، وفي علاقاته بالخارج. وهو منهج مستمد من تعاليم الدين الحنيف، والعقيدة، التي جاهد وناضل من أجل تثبيتها. وقد وفّق الله أبناءه، من بعده فكانوا أمناء على رسالته، أوفياء لعهده، مقيمين شرع الله، في كل أقوالهم وأفعالهم.

أيها الإخوة

لقد وضع والد الجميع، جلالة الملك عبدالعزيز، رحمه الله، في عام 1346 هـ، الأساس الأول لمجلسكم هذا؛ ثم لمسنا أن الحاجة تدعو إلى إعادة النظر، في نظامه ولوائحه وإجراءاته، بما يتوافق مع حاجات بلادنا الراهنة، وبما ينسجم مع متطلبات العصر وضروراته. فأصدرنا نظامه الجديد في عام 1412 هـ، ليواصل المجلس ممارسة مهماته، ويضطلع بمسؤولياته، بفاعلية وحيوية. ولقد جاءت هذه الممارسة ـ ولله الحمد ـ محققة للطموحات. وأكدت نجاعة الخيار الإسلامي، مما ساعد على إنجاز ما تحتاج إليه البلاد، من أنظمة وقدمت مقترحات من شأنها أن تساعد في بلوغ الأهداف. فكانت نتائج أعمال المجلس، تصب في ما هو خير للوطن والمواطنين. وإنه يحق لنا أن نفخر بكل ما تحقق، وهذا هو ما يزيدنا تمسكا بممارستنا الشورية، ويدفعنا إلى تقديم المزيد من الدعم لمسيرتها. ومن السهل ملاحظة اهتمامنا بنشاطات، المجلس وما نقدمه لقراراته من دعم، وما تحظى به مقترحاته من مؤازرة، سواء من قبلنا شخصياً، أو من قبل جميع أجهزة الدولة. فنحن جميعاً فريق واحد، هدفه‌ رفعة هذه البلاد وعزتها، بعيداً عن مزالق المصالح الذاتية، التي ظل شعب هذه‌ البلاد ـ بفضل من الله ـ بعيداً عنها.

ومن الجدير بالذكر، في سياق دعم مسيرة المجلس، ما قررناه من زيادة في عدد الأعضاء، سواء ما حدث من ذلك في هذه الدورة، إذ بلغ العدد مائة وعشرين‌ عضواً، أو ما تم في الدورة السّابقة، عندما ارتفع العدد من ستين عضواً، إلى تسعين. وهذا تأكيد على نجاح هذه الممارسة، ورغبة في توسيع قاعدة المشاركة.

وقد أعاننا الله ـ عز وجل ـ بفضله ومنته، على أن نختار في دورات المجلس الثلاث، نخبة من رجال هذه البلاد، من المشهود لهم بالديانة والعلم والخبرة والاستقامة والإخلاص. وأذكر هنا ما قلته لإخوانكم في بداية الدورة الأولى، قبل ثماني سنوات، من أنني: "اخترت ولكنني ـ في الوقت ذاته ـ احترت، لأنني كنت أجد نفسي ـ دائماً ـ أمام قوائم طويلة من المرشحين، الجديرين بالعمل في المجلس، من بين أبناء هذا الوطن العزيز." وهذا الكلام، الذي أقوله في هذا اليوم، والذي قلته في ذلك اليوم، هو إعلان مني عما تضمه بلادنا ـ فعلاً ـ من رجال مؤهلين بالعلم، متسلحين بالإيمان، يؤكدون دائماً بإسهاماتهم في حقول التنمية المختلفة، استعدادهم المستمر، لمزيد من البذل والعطاء.

ولا يسعني في هذه المناسبة، إلاَّ أن أشكر كل من ساهم من إخوانكم الأعضاء السابقين، في أعمال المجلس في دورتيه السابقتين. فقد كانوا على ما توخيناه فيهم من الدأب والمثابرة والإخلاص. وقد أدوا الأمانة، وأوفوا بما عليهم من الواجب.

أيها الإخوة

إنني أهنئكم ببلادكم، التي تنطلق جميع تطلعاتها من مبادئ الدين الحنيف. وأهنئ بلادكم بكم، وأنتم تسهمون بعقولكم وبفكركم مع بقية مواطنيكم،‌ في دفع مسيرة التنمية إلى الأمام.

ولعلكم تدركون مدى اهتمامي بالشأن المحلي في بلادنا، مما يمس حياة كل من يعيش في هذا الوطن، ويحقق مستقبلاً مشرقاً ـ إن شاء الله ـ للأجيال القادمة. فلا أدع فرصة واحدة، ألتقي فيها بالمسؤولين في الحكومة، دون أن أنبه بشدة إلى ضرورة قيام مختلف الجهات ذات العلاقة، بما هو متوجب عليها من خدمة المواطنين، ومن تسهيل أمورهم، ومن العمل على راحتهم، وتحقيق مطالبهم. فإن مما أوصانا به ديننا الحنيف، العدل بين الناس. وأن من أوجب الواجبات على الدولة، تحقيق الرفاه لمواطنيها، وتمهيد الطريق أمامهم لبلوغ‌ الأهداف الكريمة، التي يصبون إليها.

وفي هذا الصدد، فإن مما يقلقنا من شؤون مواطنينا، مسألة في غاية الأهمية. وهي توفير مزيد من فرص العمل للخريجين من شبابنا، الذين يغادرون كراسي التحصيل العلمي، متجهين إلى ميادين العمل. ذلك أنه بالقدر، الذي وفرنا فيه فرص التعليم لهم، فإننا سنعمل ـ بعون الله تعالى ـ على توفير فرص العمل لهم أيضاً. وإنني في الوقت، الذي أشيد فيه بما تحقق حتى الآن في هذا المجال، من طرف القطاع الخاص، إلاَّ إنني أطالب هذا القطاع بالمزيد. فهذا واجب وطني ينبغي الوفاء به، لما في ذلك من خير على بلادنا، وعلى مواطنينا. وقد أكدت في مناسبات مختلفة، على ضرورة المراجعة المستمرة لقرارات سعودة الوظائف، بقطاعيها العام والخاص. ووضع إستراتيجية للاستقدام، تراعي تطورات سوق العمل المحلية، وتراعي ـ أيضاً ـ مسألة تزايد أعداد السعوديين، المتجهين إلى هذه السّوق. ونأمل ـ إن شاء الله ـ أن تحقق كل هذه الجهود، الغايات المرجوة منها.

إننا ندرك أن المساهمة في بناء الوطن، والمحافظة على مكتسباته، ورعايتها وصيانتها، هي واجب المواطن ومسؤوليته، قبل أي أحد. ونعلم أن سوق العمل، تحتاج إلى التأهيل العلمي، والتدريب العملي التطبيقي. فهذان عنصران مكملان لبعضهما. ولذلك، فقد حظي قطاعا التعليم والتدريب، بنصيب وافر من ميزانية هذا العام، على سبيل المثال. وقد فعلنا ذلك من أجل أن تستطيع الجامعات والكليات ومعاهد التدريب الفني والمهني، أن تستوعب أعداداً أكبر من الشباب. هذا فضلاً عن ما هو مطلوب أصلاً من القطاع الخاص، في مجال تدريب الشباب، وفق احتياجاته الواقعية.

وإن مما يثلج صدري، أثناء الحديث عن التعليم في بلادنا، أن أتذكر بكل‌ فخر، ما وصل إليه هذا القطاع من تطور. وليس أدل على ذلك، من أن مدارس التّعليم، العام للبنين والبنات، تعد بعشرات الآلاف، بالإضافة إلى أعداد من الكليات، وثماني جامعات، يتلقى العلم فيها ما يزيد على خمسة ملايين طالب وطالبة، ويقوم على تدريسهم آلاف من الكفاءات التّعليمية.

وتستدعي هذه المناسبة أن أُذكِّر هنا بالخطة التنموية السّابعة، التي أقرها مجلس الشورى، وأصدرها مجلس الوزراء قبل عدة شهور. فقد كان مما ركزت عليه تلك الخطة، توفير الخدمات التعليمية، وتدريب الكوادر السّعودية، التي تعد أساساً من روافد تعزيز القدرات الإنتاجية للكفاءات الوطنية، التي ستتمكن ـ إن شاء الله ـ من التعامل مع التطورات التقنية، في المجالات المختلفة، ولا سيما أن الخطة نفسها أكدت على تنويع مصادر الدخل الوطني، وتوسيع القاعدة الإنتاجية، في مجالات الاقتصاد المختلفة.

أيها الإخوة

لقد أخذت الدولة بأسلوب التخصيص في بعض القطاعات. ومن أهم أهداف هذا الأسلوب، زيادة حيوية القطاع الخاص، من جهة، ودفعه إلى مبادرات مستمرة، من شأنها تلبية احتياجات المجتمع، من الجهة الأخرى. فالتخصيص يعمل على توسيع مشاركة المواطنين في الأصول المنتجة، وتشجيع رأس المال الوطني والأجنبي للاستثمار محلياً، ورفع كفاءة الاقتصاد الوطني، وزيادة قدراته التنافسية. ومن نتائج ذلك كله، زيادة فرص العمل للشّباب السّعودي.

وليس من المستغرب أن نسهب في الحديث، عن واقع شبابنا ومستقبلهم. فنحن‌ نولي دائماً اهتماماً خاصاً، للتطورات والبرامج والمشروعات، التي تتصل مباشرة بحياة المواطنين، وتساعد على رفاهيتهم وتسهم في تحسين مستواهم الاقتصادي والاجتماعي. وهذا ما أكدت عليه جميع الخطط التنموية، التي عرفتها بلادكم. ونذكر هنا، على سبيل المثال، بعض ما تضمنته الخطة التنموية الأخيرة. فمما بشرت به تلك الخطة، افتتاح وتشغيل 29 مستشفى، بطاقة إجمالية مقدارها 4630 سريراً؛ والبدء في إنشاء 71 مستشفى جديداً، طاقتها الإجمالية 8300 سرير؛ وافتتاح وتشغيل 250 مركز رعاية صحية أولية؛ وإنشاء 17 كلية صحية، منها 9 للبنين، و8 للبنات؛ وافتتاح وتشغيل 60 مركز إسعاف، وإنشاء 1111 مدرسة ابتدائية، و819 مدرسة متوسطة، و905 مدارس ثانوية، وافتتاح 10 كليات تقنية، و17 معهداً فنياً ثانوياً، متعددة التخصصات؛ وزيادة الطاقة الاستيعابية للتعليم الفني، لتصل إلى 55 ألف طالب في نهاية الخطة، وتخريج 50 ألف طالب خلال سنوات الخطة، واستيعاب حوالي 17 ألف متدرب، بمراكز التّدريب المهني في نهاية الخطة، وتخريج حوالي 46 ألف متدرب، خلال سنوات الخطة. هذا فضلاً عما بشرت به الخطة في حقول الطرق والاتصالات والشؤون البلدية والقروية، وأجهزة الخدمات الأخرى.

أيها الإخوة

إن رفع الكفاءة الإنتاجية وحسن الأداء، مع ترشيد الإنفاق، ودفع الفعاليات الاقتصادية إلى مزيد من الحيوية، وكذلك الاستغلال الأمثل لموارد الدولة، كل هذه الأمور من شأنها أن توصلنا ـ مع توفيق الله ـ إلى أهدافنا المثلى، التي نرمى إليها في خططنا التنموية. ولعلكم تدركون أن غايتها ومنتهاها جميعاً، هو ـ كما ذكرنا دائماً ـ خدمة المواطن ورفعة الوطن.

أيها الإخوة

إن اقتصادنا الوطني، على الرغم من الظروف التي مرت به في السنوات الماضية، آخذ في استرداد عافيته. ولا بد أن تتضافر من أجل ذلك جهود الدولة، وجهود القطاع الخاص. وينبغي أن أذكّر هنا، بأننا مغتبطون بالمشروعات الاقتصادية العملاقة، التي أقامها القطاع الخاص في البلاد. ويسرني أن أشيد برجال الأعمال السّعوديين، الذين يستثمرون رؤوس أموالهم داخل المملكة، لأن زيادة الاستثمار وإنشاء المشروعات الاقتصادية في الداخل، من شأنها أن تسهم بشكل فعّال في توظيف رؤوس الأموال، مما يمثل دعماً قوياً للاقتصاد الوطني.

وما تم مؤخراً من صدور نظام الاستثمار الأجنبي، وإنشاء الهيئة العامة للاستثمار، والهيئة العليا للسياحة، والتنظيم الذي صدر بشأنها، إنما تهدف كلها لدفع عجلة التنمية، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني.

وكما تعلمون، فقد تأسست الشّركة السعودية للكهرباء، شركة مساهمة، برأسمال يزيد على 33 مليار ريال، مما يعطى دفعة قوية للقطاع الخاص، للإسهام في مسيرة التنمية، من خلال مؤسسات قادرة على التخطيط والإنجاز.

ولا بد أنكم سمعتم وقرأتم، ما صدر عن المجلس الأعلى لشؤون البترول والمعادن، من إقرار الاتفاقات التحضيرية، التي تم توقيعها مع عدد من شركات البترول العالمية، التي ستتولى تنفيذ مشاريع تطوير قطاع الغاز في المملكة. ولا شك أن البلاد تنتظر من هذه المشاريع الخير الكثير ـ إن شاء الله ـ سواء من حيث عائداتها الاقتصادية المباشرة، أو من حيث إسهامها في استيعاب بعض العمالة السّعودية المؤهلة.

أيها الإخوة

هناك عدد من الأنظمة والإستراتيجيات، التي درسها مجلس الشورى، وأصدرها مجلس الوزراء خلال السنة المنصرمة. وهي تُعد تأكيداً على سعي دولتكم، إلى تحقيق المزيد مما هو منتظر منها، تجاه مواطنيها، والمقيمين على أرضها. ومن ذلك الإستراتيجية العمرانية الوطنية، ونظام تملك العقار لغير السعوديين، ونظام التأمينات الاجتماعية، ونظام المطبوعات والنشر، ونظام رعاية المعوقين، وقيام لجنة رعاية السجناء، وإنشاء مجلس الضمان الصحي، وغير ذلك.

أيها الإخوة

أما فيما يتعلق بالشأن البترولي، وتفاعلات سوق النفط، فلقد سبق أن أيدنا في حينه "إعلان كراكاس" الصادر عن القمة الثانية، لرؤساء الدول والحكومات الأعضاء في منظمة "أوبك". فنحن نؤمن بضرورة التعاون والتضامن، بين‌ الدول الأعضاء، بما يضمن مصالحها، ويكفل حسن استغلالها لثرواتها الوطنية. والبترول ـ كما يعلم الجميع ـ مادة إستراتيجية، تشكل مصدراً رئيساً للطاقة. وهي أسهمت بشكل كبير في التنمية الاقتصادية للعالم، في مختلف المجالات. ولهذا، لا ينبغي أن يغيب عن بالنا ضرورة تدعيم العلاقات، التي تربط بين المنظمة والدول الأخرى المنتجة للبترول، من جهة، والدول المستهلكة، من جهة أخرى. وذلك في إطار من التعاون والتفاهم، ومراعاة المصالح المشتركة. فاستقرار سوق النفط وتوازنها، مسؤولية مشتركة بين الجميع. ولا يجب تحميل منظمة أوبك‌ مسؤولية الأضرار بالاقتصاد العالمي، بسبب ارتفاع أسعار البترول. فقد طالب "إعلان كراكاس" الدول المستهلكة، بتبني مواقف عادلة تجاه البترول، في أسواق الطاقة العالمية. كما طالبها بإعادة النظر في سياساتها، لتخفيف العبء الضريبي، من أجل فائدة المستهلك.

وانطلاقاً من إيمان المملكة بضرورة مد الجسور، بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، فقد اقترحت ـ أثناء استضافتها لمنتدى الطاقة الدولي قبل عدة شهور ـ إنشاء أمانة عامة ودائمة لمنتدى الطاقة. وقد أبدينا استعدادنا لاستضافة الأمانة في بلادنا، الأمر الذي من شأنه أن يسهم في فتح مزيد من قنوات الحوار والاتصال، بين مختلف الأطراف. إننا مهتمون باغتنام كل الفرص السانحة للتعاون، بين الدول المنتجة والدول المستهلكة، بما يكفل استقرار سوق النفط، وبما يعود بالفائدة على الاقتصاد العالمي، ويدفعه إلى النّمو المستمر.

وفيما يتعلق بدورنا على الصعيدين العربي والإسلامي، فأنتم تعلمون حرص المملكة العربية السّعودية على توحيد الصف العربي، وعلى تعزيز التضامن‌ الإسلامي، واستثمار جميع إمكاناتها في مختلف المستويات، بما يعود على أمتنا العربية والإسلامية بالخير والاطمئنان والاستقرار، وبما يوفر الرخاء، ويعزّز فرص السّلام، في سائر أنحاء العالم.

ومن هنا يجيء دعمنا اللا محدود لمنظمة المؤتمر الإسلامي. فنحن نشيد بالدور، الذي تؤديه هذه المنظمة، في خدمة التعاون بين الدول الإسلامية، وفي تعزيز العمل الإسلامي المشترك.

ومن هنا، أيضاً، تأتي مؤازرتنا ووقوفنا إلى جانب جامعة الدول العربية، لمساعدتها على تحقيق أهدافها.

أيها الإخوة

إننا في العالم العربي نبدي دائماً رغبة واضحة، في أن تعيش منطقتنا وشعوبها سلاماً حقيقياً. فهذا الهدف هو ما نسعى جميعاً إلى تحقيقه، بوصفه خياراً إستراتيجياً. ولكن العالم كله يشهد ما يمارسه الصهاينة في فلسطين، ضد العرب، وضد مقدساتهم وأراضيهم. فهم لا يتورعون عن استخدام كل أنواع البطش والتقتيل والتدمير، ولا سيما في الأيام الأخيرة، إذ تمثل العدوان في حرب حقيقية، استخدم فيها الصهاينة كل أنواع الأسلحة الفتّاكة، بما في ذلك الطّائرات وراجمات الصواريخ. في الوقت الذي تقف فيه القوى الدولية عاجزة تماماً، عن ردعهم عن غيهم وغطرستهم.

إن هذا المستوى، الذي استدرج الصهاينة المنطقة إليه، هو مستوى لا يبشر بالخير، بأي حال، لا بالنسبة للمستقبل القريب، ولا بالنسبة للمستقبل البعيد. وإننا ندعو الضمير الإنساني العالمي، لوضع حد لهذه الممارسات، ضد الشّعب الفلسطيني الأعزل. كما نطالب الولايات المتحدة الأمريكية، على وجه الخصوص، الاضطلاع بدور حاسم، ينهى هذا الوضع، الذي يتجاهل فيه العدو جميع الاتفاقات والمواثيق والمبادئ، التي قامت عليها حقوق الإنسان.

فهل ستستجيب الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، لمساعدة إخواننا الفلسطينيين، بإرسال قوة دولية تعمل على وقف سقوط المزيد، من الشهداء والمصابين؟

إن الجميع يعرفون موقفنا من القضية الفلسطينية، ومن السلام في منطقة الشرق الأوسط. ونحن نقول ـ دائماً ـ بأن هذه المنطقة لن تنعم بالأمن والاستقرار، ما لم يستعد الفلسطينيون كامل حقوقهم، وما لم يتمكنوا من إقامة دولتهم المستقلة، وعاصمتها القدس، وما لم تعد الجولان السورية، وما لم تعد جميع الأراضي العربية المحتلة.

إننا ـ كما كنا دائماً ـ سنستمر ـ إن شاء الله ـ في تقديم كافة أنواع الدعم، الذي يحتاجه إخواننا الفلسطينيون. ولعلي بهذه المناسبة أذكر هنا، أنه كان لهذه البلاد شرف المبادرة، بما أعلنه نيابة عنا أخي صاحب السّمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الحرس الوطني، في القمة العربية، التي عقدت في القاهرة، باقتراح "صندوق انتفاضة القدس"، برأسمال قدره مائتا مليون دولار. وكذلك اقتراح إنشاء "صندوق‌ الأقصى"، ويخصص له ثمانمائة مليون دولار. وتسهم المملكة بربع المخصص لهذين الصندوقين. وقد تبنّت القمة هذين المقترحين السّعوديين، وما ذلك إلاَّ جزء مما تقدمه بلادنا من دعم مادي، لإخواننا الفلسطينيين. وهو سيسهم ـ إن شاء الله ـ في تمكينهم من الاستقلالية الاقتصادية.

إن ما تقدمه بلادنا لفلسطين العزيزة، ولإخواننا الفلسطينيين، هو واجب يمليه علينا ديننا الحنيف. وهو جزء مما تقوم به المملكة، من دعم للمسلمين، في كل مكان. وينبع ذلك من إيمانها الراسخ، بما يمليه عليها موقعها الرفيع، الذي تحتله في ضمير جميع المسلمين. فهي مسؤولة تجاه الله ـ عز وجل ـ وتجاه هذه الأمة، عن كل ما يصون الإسلام، وعن كل ما يحفظ للمسلمين حقوقهم ومكتسباتهم.

إن من أهدافنا، التي نسأل الله أن يوفقنا دائماً إلى تحقيقها، تعزيز تضامن المسلمين، وتكريس فرص التعاون بين دولهم، للوصول للمزيد من الإنجازات، التي تدعم مكانتهم، وتوحد كلمتهم، وتلم شملهم، بما يحقق لهم العزّة والمنعة. والمملكة لن تدّخر وسعاً في سبيل استمرار دورها الخيّر، في محيطها العربي، وفي أمتها الإسلامية.

أيها الإخوة

إن سياسة الإخاء والتعاون، التي تنتهجها بلادنا مع الأشقاء العرب والمسلمين، هي السياسة ذاتها التي حكمت علاقاتها مع جيرانها الأقربين. فنحن نتبادل معهم احترام الإرادات، ونحن نلتقي بهم عند كل فرصة، من فرص التعاون الممكنة، لما يعود بالخير الكثير، على أوطاننا وشعوبنا. وإننا ندرك‌ مثلهم أن هذا مما يدعم استقرار بلداننا، ويحقق الطمأنينة والرخاء لمواطنينا. ولقد كان لمجلس التعاون لدول الخليج العربية دوره الفعال، في العمل على تحقيق هذه الأهداف. فالإنجازات، التي تحققت من خلال هذا المجلس، من حقنا جميعاً أن نغتبط بها. ولولا قناعة قادة المنطقة بجدوى لقاءاتهم، تحت مظلة هذا المجلس، لما أضافوا إلى قمتهم السّنوية العادية، ما سُمي اليوم‌ "باللقاء التشاوري"، الذي يتم كل ستة أشهر، أو كلما دعت الحاجة إلى ذلك. إن من واجب المملكة أن تدعم أهداف هذا المجلس، وأن تساعد على تهيئة كل ما يحتاج إليه من فرص النجاح، في مهماته وواجباته.

أيها الإخوة

في إطار تهيئة المزيد من فرص التفاهم والتعاون، مع جيراننا المحيطين‌ بنا، عبّرنا ونعبر بوضوح، عن غبطتنا الشديدة، بما تحقق في العام المنصرم، من إنجازات تاريخية تمثلت في توقيع معاهدة الحدود الدولية، مع شقيقتنا الجمهورية اليمنية. وأيضاً، الموافقة على الاتفاقية بشأن المنطقة المغمورة المحاذية للمنطقة المقسومة، بين المملكة ودولة الكويت. وكذلك، التوقيع مع دولة قطر على الخرائط النهائية، لما تم إنجازه من رسم كامل للحدود البرية، وما تم تعيينه من خط الحدود البحرية.

كما أن توقيع اتفاقية التعاون الأمني مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ساعد ـ بحول الله ـ على تمتين وتقوية العلاقات الأخوية، بين البلدين.

لقد شهد العام الماضي هذه الإنجازات المهمة، على مستوى تدعيم علاقاتنا مع جيراننا. وهذا إنما حدث استجابة لتحقيق رغبات جميع الأطراف، لخلق مناخ أكثر إيجابية، من شأنه أن يُسهم في تطوير علاقات الإخاء، وأن يزيد في فرص التعاون الخير ـ إن شاء الله ـ في كل المجالات.

أيها الإخوة

أنتهز فرصة هذا اللقاء لتوجيه الشكر، لأمراء المناطق؛ ولأشيد بما تقدمه مجالس المناطق من تعزيز لمسيرة التنمية في البلاد، ومن دفع لعجلة التطور، في المناطق المختلفة.

وفي الختام، أدعو الله لكم بالتوفيق في دورتكم الجديدة، وأوصيكم بتقوى الله، فيما تقولون وما تفعلون. كما أوصيكم بأن تضعوا مصلحة بلادكم نصب أعينكم، فهذا هو الأمر، الذي ينبغي أن يكون فوق كل اعتبار؛ لأن المسؤولية كبيرة، والأمانة غالية وثقيلة.

ولا يفوتني في النهاية أن أشكر معالي رئيس المجلس، ونائبه، والأمين العام، وكل أجهزة المجلس، على ما بذلوه من جهود، من أجل إنجاح مهمات هذه المؤسسة، التي نعتز بإنجازاتها، ونتمنى لها دائماً السداد.

وفق الله الجميع لما يحب ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.