إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات سياسية / سورية من الاستقلال إلى حافظ الأسد




هاشم الأتاسي
أديب الشيشيكلي
أكرم الحوراني
جميل مردم
خالد العظم
حافظ الأسد
حسني الزعيم
سامي الحناوي
صبري العسلي
شكري القوتلي
سعد الله الجابري
فارس الخوري





سورية من عصر الإستقلال والإنقلابات

المبحث التاسع: استقرار نظام الحكم السوري

منذ 13 نوفمبر1970، وبوصول حافظ الأسد إلى قمة النظام السياسي في الدولة، شهدت سورية مرحلة من الاستقرار، ساعدت على تبلور النظام السياسي الداخلي، ووصوله إلى مرحلة النضج.

شرع الأسد يبني الدولة وفق مقومات ومناهج جديدة، تكفل لها الاستقرار. فقد حرص على بناء الإدارة السورية، بتقاليد شبه مؤسسية، ومنظمة. وآثر أن يكون هو الحاكم الفعلي المعروف لدى الجماهير، بدلاً من نمط الحكم، الذي كان سائداً، المتسم بوجود قادة: سياسيين وحزبيين، تتوارى خلفهم القِوى النافذة في الجيش والاستخبارات والأمن وحزب البعث.

كما عمل على القضاء على إنهاء الصراعات بين الطبقات، من خلال توسيع قاعدة تأييده بين الفئات الاجتماعية المختلفة. وقد أدخل في سبيل ذلك نوعاً من التحرر السياسي والانفتاح الاقتصادي، مكّنه من ترسيخ أركان حكمه على قاعدة ثابتة ومستقرة.

ولم يتوسع الرئيس الأسد، بعد الحركة التصحيحية، في اعتقال معارضيه أو القيادات القديمة؛ بل اكتفى باعتقال صلاح جديد، ويوسف زعين وبعض المقربين منهما؛ أفرج عن باقي المعتقلين. واضطر إلى الاستعانة بأعضاء القدامى؛ لافتقاده القيادات الحزبية.

أولاً: الإصلاحات الدستورية

في سبيل تثبيت الأسد لسلطته، وتحكّمه في إدارة الدولة، اتَّبع تقاليد الزعامة العربية؛ ومن أهمها تجميع الأتباع المخلصين حوله. وقد اعتمد في ذلك على أتباعه من حزب البعث، والعلويين منهم خاصة. وأعاد تقوية الحزب وتنظيمه، فألّف قيادة قطرية مؤقتة، تولت ترشيح مائة وثلاثة وسبعين عضواً لمجلس الشعب، يمثلون توجهات سياسية متنوعة؛ وإن حظي حزب البعث بالأغلبية الكبيرة. وكانت أولى مهامّ مجلس الشعب:

1. تعيين حافظ الأسد رئيساً للبلاد؛ وذلك في جلسة 22 فبراير1971. وحدد المجلس الاستفتاء في هذا الترشيح في 14 مارس من العام نفسه؛ وانتُخب الرئيس بأغلبية ساحقة.

2. إعداد دستور دائم للبلاد، صدر في13 مارس 1973. ونص على:

أ. يكون رئيس الجمهورية مسلماً، يختاره مجلس الشعب، ويُستفتَى فيه الشعب.

ب. يكون الترشيح من بين النواب الثلاثة للرئيس، بتوصية من لجان حزب البعث.

ج. يكون انتخاب رئيس الجمهورية لمدد متتالية، ومتواصلة.

د. تحدد مدة الرئاسة بسبع سنوات.

وبناء على الدستور، فقد عين الرئيس الأسد ثلاثة نواب، هم: عبدالحليم خدام؛ ورفعت الأسد، شقيق الرئيس، واستمر حتى إبعاده، عام 1985؛ ثم زهير مشارقة.

وفي أبريل 1971، جرت انتخابات في حزب البعث. وعقد المؤتمر القطري الخامس في مايو من العام نفسه، والمؤتمر القومي الحادي عشر في أغسطس. ونجم عن ذلك تأليف قيادتَي الحزب: القطرية والقومية.

وتجدر الإشارة إلى أن الإطار: الدستوري والقانوني، الذي حكم البلاد في فترة رئاسة الأسد، كان مقيداً بقانون الطوارئ، الصادر عام 1963 (انقلاب البعث على حكم الانفصال)، والذي يفرض قيوداً شديدة، تلغي، عملياً، ما يقرره الدستور من حقوق وضمانات وحريات؛ إذ يعطي السلطات صلاحيات واسعة لاعتقال الأشخاص، من دون إذن النيابة، لمدد غير محددة؛ ويمنح الحاكم العسكري ونائبه فرض قيود على التجمع والتنقل، ومراقبة المواد الإعلامية بأنواعها كافة. كما استمر الحظر على التعددية الحزبية، خارج إطار الجبهة الوطنية التقدمية. وظل حزب البعث مسيطراً على مؤسسات المجتمع المدني، ورقيباً على الحريات العامة.

ثانياً: إنشاء الجبهة الوطنية التقدمية

من أجل توسيع نفوذ حزب البعث، والتوسع في القاعدة الشعبية للحكم، رأي الرئيس الأسد أن يضم كثيراً من الأحزاب القديمة؛ للاستفادة من قياداتها وقواعدها الشعبية، والإيحاء بديموقراطية النظام، في مواجهة إلغاء الأحزاب.

وقد انضمت إلى هذه الجبهة الأحزاب ذات السمة الشيوعية والاشتراكية والوحدوية؛ وذلك من أجل السيطرة على نشاطاتهم، من جانب؛ وتأكيد التعاون مع الاتحاد السوفيتي، من جانب آخر. وقد ثبت، فيما بعد، أن تلك الأحزاب انضمت تماماً تحت لواء البعث؛ ففقدت أيّ سمة مادية أو معنوية.

ثالثاً: النفوذ العلَوي

ازداد نفوذ الطائفة العلوية، في عهد الرئيس الأسد؛ على الرغم من عدم إتباعه قواعد الطائفية في اختيار أعوانه؛ وذك انطلاقاً من تمسكه بفكرة القومية العربية، المعادية للطائفية والعشائرية، والتي يتبناها حزب البعث.

وقد تميزت النخبة المحيطة بالرئيس بالاستمرارية الطويلة في مناصبهم، وخصوصاً قيادات الأمن، والاستخبارات، والجيش، وحزب البعث؛ حتى إن بعضهم استمر، من عام 1970 إلى وفاة الرئيس؛ وبعضهم استمر إلى عام 1994، ثم أعيد استدعاؤه.

وذلك يأتي انطلاقاً من رغبة الرئيس في استمرارية معاونيه المقربين، الذين يثق بهم ثقة عمياء. كما يعني أن أنصاره، ظلوا على إخلاصهم وولائـهم له؛ ما جعله لا يشعر بالحاجـة إلى إجـراء تعديلات داخـل السلطة، وخصوصاً بعد مرضه.

وقد أدى ذلك إلى أن معظم قادة الجيش، بلغوا عمراً، يناهز الستين عاماً. وهؤلاء العسكريون، كوّنوا النخبة العسكرية لحزب البعث؛ إذ شغلوا أعلى المناصب العسكرية، إلى جانب سيطرتهم على وحدات الجيش، ومؤسسات السلطة.

ومن الجدير بالذكر، أن من ضمن أشهر الأعضاء العسكريين " الثمانية عشر" في اللجنة المركزية لحزب البعث، كان هناك إثنا عشر ضابطاً عَلَوياً، أقدمهم الرئيس الأسد نفسه. أولئك الأعضاء، عدا الرئيس، هم:

1. العماد مصطفى طلاس (وزير الدفاع، ونائب القائد العام. سُني، موالٍ بشدة للرئيس الأسد).

2. العماد حكمت الشهابي (رئيس الأركان للقوات المسلحة السورية. سُني، موالٍ بشدة للرئيس الأسد).

3. اللواء إبراهيم صافي (قائد الفِرقة المدرعة الثالثة. عَلَوي. وعين قائداً للقوات السورية في لبنان، منذ عام 1994).

4. اللواء شفيق فياض (قائد الفرقة الأولى المدرعة – علوي ).

5. اللواء علي ملاحفجي (قائد القوات الجوية والدفاع الجوي. علوي. تقاعد عام 1994. وعُين بدلاً منه اللواء الخولي).

6. اللواء صبحي حداد (قائد القوات الجوية. مسيحي. تقاعد فيما بعد. وحل محله اللواء محمد الخولي. علوي).

7. اللواء محمد الخولي (عَلَوي. كان يشغل نائب قائد القوات الجوية ورئيس استخباراتها. وشغل منصب قائد القوات الجوية والدفاع).

8. اللواء عدنان سليمان حسن ( قائد الفرقة المدرعة التاسعة. علوي عُين مديراً للأمن السياسي، فيما بعد).

9. العماد علي أصلان (نائب رئيس الأركان. علوي).

10. اللواء علي الصالح ( قائد قوات الدفاع الجوي. علوي).

11. العماد علي دوبا (نائب رئيس هيئة الأركان، ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية. علوي).

12. اللواء علي حيدر (قائد القوات الخاصة. علوي. وقد أعفي من منصبه، عام 1994، لتقدمه في السن؛ وعُين بدلاً منه اللواء علي حبيب. علوي).

13. اللواء فؤاد عيسى (مدير الاستخبارات المدنية. علوي. حل محله اللواء محمد ناصيف).

14. اللواء مصطفى طبارة (قائد القوات البحرية. سُني).

15. اللواء حسن التركماني (نائب رئيس هيئة الأركان. سُني).

16. اللواء محمد إبراهيم العلي (قائد الجيش الشعبي. علوي).

17. رفعت الأســد (شقيق الرئيس. علوي). لم يتقلد منصباً عسكرياً، باستثناء كونه نائب الرئيس لشؤون الأمن الوطني. بيد أنه كوَّن قوات ذات طبيعة خاصة، سميت: "سرايا الدفاع". عهد إليها بتأمين النظام. وتضم نحو عشرين ألفاً. وقياداتها جميعاً من العلويين. وكانت جيشاً آخر موازياً للجيش السوري، وقوات الشرطة النظامية. وبلغت حدّاً كبيراً من النفوذ، حتى إقصاء رفعت الأسد، عام 1985، حينما حُلت.

رابعاً: سيطرة الجناح العسكري للحزب على السلطة

من بين الضباط السابق ذكرهم، كان هناك بعض منهم، يُعدون أقوى المتصلين بالرئيس وأقربهم إليه. وكانوا يمثلون النخبة المسيطرة، ومركز الثقل: السياسي والعسكري، في مواجهة قوى سورية الفاعلة كافة.

وأبقى الرئيس الأسد على تقليد، ظل سارياً في سورية، وهو أن يحتفظ كلّ من وزير الدفاع ورئيس الأركان بسلطات شكلية، من دون نفوذ فعلي؛ حتى لا يلعبا دوراً مؤثراً في الجيش أو في حفظ النظام، ولا يتدخلا في أعمال الرئيس؛ ولكن يحتفظ الاثنان بعضويتهما في القيادة القطرية لحزب البعث.

ومن الملاحظ، أن القادة العسكريين، سيطروا على بنية حزب البعث كلّها؛ فاقتصر دور البعثيين المدنيين على تأييدهم. وتعرض المدنيون في الحزب لاضطهاد، أدى إلى خروج ما لا يقلّ عن 30% من المجموع؛ وأحدث ذلك ردود فعل ملموسة، وأسهم في إضعاف الجناح المدني في الحزب.

وعلى الرغم من أن مجلس الوزراء، كان يمثل، مع الرئيس السلطة التنفيذية؛ إلا أن نفوذ الوزراء، كان محدوداً جداً، وانحصرت صلاحياتهم في التنفيذ اليومي لسياسات الرئيس وتوجيهاته الرئيسية. وغالباً ما عجز هؤلاء الوزراء عن الاتصال به؛ بعكس ما كان متاحاً للمقربين من العسكريين.

ومعظم الوزراء، كانوا يعينون من صفوف حزب البعث؛ إضافة إلى تعيين وزير لكلّ حزب من أحزاب الجبهة الوطنية التقدمية، التي كوّنها الرئيس الأسد، عام1972،  لتنضوي تحت لواء حزب البعث.

وفي مقابل إظهار الإخلاص والولاء للرئيس، من قبل القادة العسكريين، فقد تسامح النظام مع هؤلاء في سعيهم إلى تكوين ثروات: مالية وعينية، كبيرة؛ والحصول على امتيازات عديدة. ومن الملاحظ أن دخول الجيش السوري إلى لبنان، منذ عام 1976، قد أتاح فرصاً عديدة لثراء بعض قادته.

خامساً: قرار الوحدة الثلاثية

طبقاً لمبادئ حزب البعث، التي تتجه نحو الوحدة العربية، فإن أول شاغل للرئيس الأسد، منذ توليه السلطة، كان إيجاد نوع من الوحدة العربية، لاسيما مع الجمهورية العربية المتحدة.

وكان هناك مشروع للوحدة، صاغه الرئيس جمال عبدالناصر، قبل وفاته، أثاره العقيد معمر القذافي، في نوفمبر 1970، وقبله، فوراً، الرئيس الأسد، للأسباب التالية:

1. اليأس والإحباط اللذان اعتريا الجماهير العربية، باختفاء جمال عبدالناصر، يمكن تبديدهما بخطوة إيجابية، تعيد الأمل، مرة أخرى، لتلك الجماهير.

2. دور جمال عبدالناصر، لا يقوي عليه رجل واحد؛ فلا بدّ أن تتعاون الشعوب بكاملها على سد الثغرة وملء الفراغ.

3. إنشاء دولة الوحدة، فيه تكريم لجمال عبدالناصر، بتحقيق مشروع، كان شارك هو بنفسه في وضع إطاره المبدئي.

وفي 17 أبريل1971، وفي طرابلس الغرب، عاصمة ليبيا، وُقع اتفاق اتحاد الجمهوريات العربية، الذي جمع بين مصر وسورية وليبيا.

سادساً: حرب أكتوبر 1973

منذ ديسمبر1972، بدأت الاتصالات بين القاهرة ودمشق، في خصوص التنسيق من أجل تحرير الأرض، التي احتلتها إسرائيل عام 1967. وكانت مصر قد اتخذت قرارها في هذا الشأن؛ وذلك لعدة أسباب:

1. اندلاع الحرب على جبهتَين في وقت واحد، من شأنه أن يضعف إسرائيل، ويشتت جهودها.

2. سورية لا تقبل أن تعمد مصر إلى الحرب بمفردها؛ لأن ما ينطبق عليها من احتلال جزء من أرضها، ينطبق على سورية كذلك؛ ولن يقبل الشعب السوري عدم اشتراك القوات المسلحة السورية، إلى جانب شقيقتها المصرية.

3. كلتا الدولتَين، كانت تستعد لتحرير أرضها. وكلتاهما قد وصلت إلى درجة استعداد، يسمح لها أن تشن حرباً للتحرير.

كانت الاتصالات بين القاهرة ودمشق، على المستوى العسكري، قد أخذت بُعداً وقوة حركة، بعد زيارة وفد عسكري مصري إلى دمشق، في ديسمبر 1972. وتوالت اجتماعات التنسيق لعمل عسكري مشترك، على الجبهة الشرقية من مصر، والجبهة الجنوبية من سورية. وتواصلت الاجتماعات، وكان أهمها في مارس 1973، حين نسقت الخطط، واختير موعدان لبدء العمليات: الأول، في مايو 1973؛ والثاني، في الأسبوع الأول من أكتوبر 1973. وقد استقر الرأي على أكتوبر1973.

وفي الإسكندرية، اجتمعت، يومَي 22 و23 أغسطس1973، مجالس التخطيط العسكرية العليا لكلا البلدَين لبت التنسيق المشترك، وكان أهم ما أسفرت عنه هو الاتفاق على توقيت الحرب في 6أكتوبر، وعلى الجبهتَين معاً، وبجهد مشترك ومنسق.

وزار الرئيس السادات دمشق، في الفترة من 25 إلى 27 أغسطس 1973، ضمن جولة، شملت المملكة العربية السعودية وقطر (للتنسيق مع الرياض وللخداع كذلك). وأكد الرئيسان: المصري والسوري، بدء الحرب في 6 أكتوبر، في آن واحد.

وتلا الزيارة اجتماع آخر بين الرئيسَين، في 11 سبتمبر، حينما زار الرئيس الأسد القاهرة (فيما سمي باجتماع القمة الثلاثي، بينه وبين الملك حسين والرئيس السادات). وكان الاجتماع الثلاثي غطاء لاجتماع ثنائي، بين الرئيسَين: السادات والأسد؛ للتنسيق النهائي. وكان الرئيسان قد اتفقا، على عدم تبليغ الملك حسين نيتهما في الهجوم؛ منعاً لإحراجه، وتعريض الأردن لإجراءات إسرائيلية مضادة.

وفي 13 سبتمبر، دبرت إسرائيل معارك جوية مع الطيران السوري، أدت إلى إسقاط ثلاث عشرة طائرة سورية، مقابل طائرة إسرائيلية واحدة. وقد آثرت القيادة السورية ضبط النفس؛ كي لا تكشف أوراقها واستعداداتها للهجوم وتحرير الأرض.

وفي 20 سبتمبر، أرسل الفريق الأول أحمد إسماعيل إلى نظيره السوري، العماد مصطفى طلاس، رسالة شفرية، وردت فيها كلمة " بدر"، وهي الاسم الرمزي للعملية، وكان ذلك إيذاناً بالعد العكسي نحو يوم الحرب.

وفي 3 أكتوبر، وصل أحمد إسماعيل، وزير الحربية المصري، إلى دمشق؛ للتنسيق النهائي في شأن ساعة بدء الهجوم المشترك. وكانت الجبهة المصرية، تتطلب أن يتحدد التوقيت، قبيل آخر ضوء؛ لحرمان العدوّ توجيه ضربات مضادّة، باستخدام ضوء النهار؛ وإعطاء فرصة للقوات الرئيسية، لعبور قناة السويس، تحت ستر الظلام. بينما كانت الجبهة السورية، تتطلب أن يكون الهجوم، مع أول ضوء؛ لاستغلال النهار في الاقتحام، وإبعاد القوات عن تأثير الشمس (في أعينهم، قبل الغروب). وقد اتفق، بعد تدخّل الرئيس الأسد، أن يكون الهجوم في منتصف النهار (الساعة الثانية بعد الظهر)، وفي وقت واحد.

وكان هناك اتفاق بين الرئيسَين على أن يُبلغ الرئيس الأسد، بعد تحديد التوقيت، في الثالث من أكتوبر، السفير السوفيتي في دمشق الموعد المحدد، ليبلغه حكومته؛ كي تتخذ إجراءات الاستعداد لدعم مصر وسورية، سياسياً وعسكرياً.

ولكن، كاد هذا التبليغ أن يعصف بالاستعدادات: المصرية والسورية؛ إذ اتخذ السوفيت قرار إخلاء مواطنيهم في كلّ من مصر وسورية؛ وأرسلوا طائرات ضخمة لنقلهم؛ فكان ذلك دليلاً على استعداد الدولتَين للحرب. ومنذ تلك اللحظة، أيقنت إسرائيل، فعلاً، أن القتال وشيك على الجبهات حولها.

وفي الساعة الثانية بعد ظهر 6 أكتوبر، بدأت الحرب على الجبهتَين، في وقت واحد. وتمكنت القوات السورية، في اليوم الأول، من الاستيلاء على جبل الشيخ (جبل الحرمون). وفي اليوم الثاني، وصلت إلى نحو 7 كم من بحيرة طبرية. أمّا في اليوم الثالث، فقد تراجع الهجوم السوري، ومُنِيَت القوات السورية، في الثامن من أكتوبر، بخسائرن تراوح بين 400  و600 دبابة؛ ما أدى إلى تراجعها، واستمرار الضغط الإسرائيلي في اتجاه "سعسع".

وقد رافق العمليات العسكرية على الجبهة السورية إلحاح في إيقاف النيران؛ كان طرفه الرئيسي، باستمرار، هو الاتحاد السوفيتي، الذي يتصل بمصر، من أجل الموافقة على هذا الإيقاف.

سابعاً: أثر حرب أكتوبر في النظام السوري

1. على المستوى الداخلي

كان أبرز الانعكاسات هو تشديد قبضة النظام على الداخل، وارتفاع أسهم الطائفة العلوية وازدياد نفوذها السياسي؛ ما أدى إلى إثارة الطائفة السُّنية واحتجاجها وسخطها، وهي التي تمثل الأغلبية العظمى من الشعب السوري (68%). وعلى الرغم من أن النظام الحاكم، حاول مراراً، إضفاء طابع ديني تقليدي على حزب البعث المدني؛ إلا أن بعض جماعات السُّنة التقليدية، إلى جانب جماعة الإخوان المسلمين، عَدَّته، باستمرار، نظاماً علمانياً، يناقض الدين الإسلامي.

2. على المستوى الخارجي

أ. ازداد التوجه السوري نحو التحالف مع الاتحاد السوفيتي.

ب. حرص الاتحاد السوفيتي على زرع الفتن، بين مصر وسورية، عندما توجهت القاهرة إلى توازن موقفها من القطبَين الأعظمَين. وحينما وقعت فض الاشتباك الثاني للقوات، في الأول من سبتمبر1975، حمل عليها النظام السوري، رافضاً أيّ توجه نحو السلام أو استثمار نتائج حرب أكتوبر.

ج. نوى النظام السوري القبض على الرئيس السادات، الذي زار دمشق، للتشاور مع الرئيس الأسد، قبيل توجهه إلى القدس؛ إلا أن السوريين، تخلوا عن نيتهم خشية اصطدام مصري- سوري.

3. الوضع الأمني بين سورية وإسرائيل

عدم استغلال سورية لفرص السلام، وضعها في موقف إستراتيجي سيئ، خصوصاً بعد توصل إسرائيل إلى اتفاقيات سلام مع الأردن والفلسطينيين. وهذا ما أدى إلى قبول الرئيس الأسد الدخول في مباحثات سلام مع إسرائيل، بدأت باشتراك سورية في مؤتمر مدريد، ثم مباحثات السلام عام 1995، وعام 1999؛ وكلاهما لم يسفر عن شيء.

أمّا المياه، فإن إسرائيل استولت، في أعقاب حرب يونيه 1967، وغزو لبنان عام 1982، على نحو مليونَي متر مكعب من المياه، سنوياً.

4. مصير هضبة الجولان

أ. عدد السوريين، الذي ناهز، في عام 1967، نحو 130 ألف نسمة (منهم 15 ألف لاجئ فلسطيني)؛ يعيشون في 109 بلدات (قرى) ـ تقلص إلى نحو 18.2 ألفاً (معظمهم من الدروز)، يعيشون في أربع بلدات فقط، بعد أن أزيلت 105بلدات أو تحولت إلى مستعمرات يهودية.

ب. إنشاء إسرائيل 33 مستعمرة، جزء كبير منها أنشئ على أنقاض معسكرات للجيش السوري، أو في قرى سورية، يعيش فيها نحو 20 ألف مستوطن يهودي.

ثامناً: الأزمات الداخلية

تعددت الأزمات الداخلية في سورية، وتنوعت ما بين صراع على السلطة، وفتن طائفية ومؤامرات خارجية. وقد واجه النظام كثيراً من تلك المؤامرات بمنتهى العنف؛ كيلا يستشري أمرها؛ إذ إن الرئيس الأسد، كان لديه خبرات طويلة بمعالجة أمور، أدت إلى انقلابات على السلطة، في الماضي؛ ولذلك كان حريصاً على إحكام السيطرة، من خلال معاونيه المقربين. وعلى الرغم من أن الأزمات، التي تعرض لها النظام، كانت عنيفة؛ إلا أنها كانت قصيرة الأمد، مقارنة بالاستقرار السياسي الطويل، الذي عاشه حكم الرئيس الأسد. وأهم تلك الأزمات:

1. الأزمة بين الرئيس وشقيقه

امتدت هذه الأزمة من عام 1983 إلى عام 1985. وفي البداية، كلف الرئيس الأسد، عام 1975، شقيقه، رفعت الأسد، تكوين "سرايا الدفاع"، لتكون درعاً واقياً للنظام، في مواجهة أيّ تآمر مفاجئ للقوات المسلحة أو الشرطة المدنية؛ واستطراداً فقد عَدّ رفعت الأسد نفسه درعاً واقياً لأخيه. ولكي يحصل رفعت الأسد على قاعدة شعبية عريضة، فقد أنشأ رابطة خريجي الجامعات. وأخذ يدربهم عسكرياً، وخصوصاً في مجال التدريب على القفز بالمظلات.وأمعن في تطوير هذه السرايا، حتى جعلها أفضل " تسليحاً وتنظيماً واختياراً للكوادر" من أيّ تشكيلات في الجيش.، ومنح رجالها ميزات عديـدة؛ مستغلًا مساعدات عربية خليجية، قدمت له، إلى جانب ميزانية حكومية خاصة. وكان لتلك السرايا دور في مواجهة العنف، الذي أشعله الإخوان المسلمون، في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات.

وقد اندلعت الأزمة، عندما تعرض الرئيس الأسد لمرض، عام 1983، أقعده، وجعله غير قادر على اتخاذ القرار؛ فاختار عدداً من أبرز معاونيه، لتسيير أمور البلاد. وكان منهم شقيقه، رفعت الأسد، الذي فهِم، خطأ، أن تجمع كبار القادة والضباط وقيادات البعث خلفه، تعني الالتزام بقيادته؛ وهو ما تحفظ منه الضباط والحزبيون، الذين عادوا للالتفاف حول الرئيس، لدى تماثله من مرضه. وأخذ الرئيس بعد شفائه، يتخلص، تدريجياً، من أعوان شقيقه؛ مما أدى إلى غضبه، ويحشده سرايا الدفاع الموالية له، في مواجهة القوات الخاصة، التي يقودها اللواء على حيدر، المقرب من الرئيس الأسد. وانتهت الأزمة، التي كان يمكن أن تفضي إلى حرب أهلية مدمرة، بتجريد رفعت الأسد من صلاحيته كافة، أوائل عام 1985، ونفيه إلى موسكو، ومنها اتجه إلى جنيف، ثم استقر بعد ذلك في باريس.

2. أزمة الإخوان المسلمين

في أعقاب حركة التصحيح، في نوفمبر1970، بدأت المعارضة الإسلامية بتجميع صفوفها؛ لمواجهة السيطرة العلوية الكاملة على أمور البلاد، وخشية "الطائفة السُّنية" من تلاشي دورها: العقائدي والسياسي. وقد ظهرت أولى بوادر معارضتها عام 1973، حينما حاولت دفع النظام إلى تغيير دستور البلاد، وجعله ينص على أن "الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع". إلا أنه اكتفى بتضمين الدستور نصاً، يشير إلى أن دين رئيس الجمهورية هو الإسلام. وفي الفترة نفسها، اندلعت حرب أكتوبر1973، وأعقبها انفراج في الاقتصاد، نتيجة المساعدات العربية؛ وتوجه النظام إلى الانفتاح على الخارج؛ ما أدى إلى تهدئة التيار الإسلامي.

ولم تلبث تلك التهدئة إلا سنوات معدودات؛ إذ إن التدخل السوري في لبنان، عام 1976، لنصرة القوات المسيحية، أثار المعارضة الإسلامية في الداخل، وساعد على بروز التيارات المتشددة، التي تزعمها عدنان سعد الدين، وهو زعيم سُني من بلدة حماة.

وأنشئت" الطليعة المقاتلة"، تعبيراً عن الخط المسلح، الذي ستنتهجه جماعة الإخوان المسلمين، مستقبلاً. وتولى قيادتها عدنان عقلة. وقد كان لها إجراءاتها في مواجهة كثير من الأحداث: الخارجية والداخلية؛ فضلاً عن مواجهة رفعت الأسد وقوات سرايا الدفاع، والتقارب السوفيتي ـ السوري كذلك.

ومن خلال عملياتها في مواجهة السلطات، عمدت جماعة الإخوان إلى اغتيال بعض رموز النظام، وآخرين من الأساتذة، ورؤساء الجامعات، وقيادات النقابات المهنية وناشطيها؛ من البعثيين والعلويين. ثم خاضت الجماعة حرباً من نوع آخر ضد النظام، وتتلخص في محاولة إغراق البلاد في سلسلة مترابطة من الانتفاضات، وخصوصاً في المدن؛ وإجبار التجار على إغلاق محالهم؛ في تحدٍّ علني للنظام، ومن أجل هز شرعيته السياسية، وتقليص قدراته الاقتصادية.

وكانت أهم عمليات التصادم، بين النظام وجماعة الإخوان المسلمين، في 16 يونيه 1979، حينما هجمت جماعات مسلحة من الإخوان المسلمين من "الطليعة المقاتلة"، على مدرسة المدفعية في حلب، بتواطؤ أحد أعضاء هيئة التدريس فيها، الذي خطط، واختار الأوقات، التي تؤدي إلى نجاح هذا الهجوم؛ ما أدى إلى ارتفاع الخسائر ، التي ناهزت ثمانين طالباً.

ووصل الحال في بعض المدن، مثل: حلب وحماة، إلى حدّ العصيان المدني؛ بل شهدت العاصمة، دمشق نفسها، كثيراً من الاضطرابات المماثلة. وقد استخدم النظام السوري القوة في قمع موجة الاضطرابات، وحاصر مدينتَي حلب وحماة.

وفي إطار هذه الموجة من العنف، جرت محاولة لاغتيال رئيس الجمهورية؛ ما حمل النظام على عمليات إعدام واسعة للمنضمين إلى المعارضة الإسلامية.

3. القضاء على تنظيم الإخوان المسلمين

استمرت الصراعات العنيفة والاغتيالات والتفجيرات، التي اضطلع بها التنظيم السري المسلح لجماعة الإخوان المسلمين، حتى فبراير 1982، حينما لجأ النظام إلى القوات المسلحة، لردع هذه الجماعات والقضاء عليها بأيّ ثمن؛ من أجل استقرار النظام، وخصوصاً أن نشاط الإخوان المسلمين ازداد بصورة عنيفة، إثر توقيع دمشق وموسكو اتفاقية التعاون بينهما، والتي عَدِّها الإخوان المسلمون توجهاً نحو الشيوعية.

وكانت مدينة حماة هي الهدف الرئيسي للقوات المسلحة، فحوصرت أولاً، ووجهت إليها نيران المدفعية؛ مستهدفة المناطق المحتمل وجود الإخوان المسلمين فيها. كذلك ضرب الطيران كثيراً من الأهداف في داخلها. ثم اقتحمتها المشاة والدبابات. ودارت المعارك من شارع إلى شارع، وكأنها حرب حقيقية. ثم أجريت عمليات تمشيط واقتحام للمنازل؛ بحثاً عن الإخوان المسلمين. وخلال هذه العمليات، تعرضت عشرات المساجد والكنائس والأماكن الأثرية العريقة، للتدمير وأعمال النهب والسلب.

وانتهت الأزمة بثمن: سياسي وأمني، باهظ؛ إذ احتج المجتمع الدولي، وامتعض كثير من الدول من إهدار حقوق الإنسان في سورية، على نحو ما نفذت به عملية حماة. وكان البعث العراقي، هو أول من استغل هذه الفرصة، وشن حملة على البعث السوري، للتنديد به.

أما الدفاع الرسمي السوري عن تصرفاته، فقد انحصر في وجود شبهات قوية في تدخّل قوى خارجية وأطراف عربية، لدعم الاضطرابات؛ بقصد إحراج النظام السوري، الذي عارض انفراد الولايات المتحدة الأمريكية بقيادة عملية التسوية السلمية مع إسرائيل. واتهم النظام السوري واشنطن وإسرائيل وأطرافاً عربية أخرى، بالمساهمة في إشعال تلك الاضطرابات.

4. الاستقرار بعد الأزمات

في أعقاب القضاء على تمرد الإخوان المسلمين، وتخلص الرئيس الأسد من أطماع شقيقه، فإن الحياة السياسية في سورية، شهدت انفراجاً نسبياً ، وإحكام سيطرة الرئيس الأسد سيطرته على الحكم، من خلال أعوانه المقربين.

وقد ساعد على استقرار النظام، أن التهديدات والمتغيرات الخارجية، تفاقمت؛ فكان الاجتياح الإسرائيلي للبنان، عامَي 1978 و1982. كذلك انهار الاتحاد السوفيتي. واشتركت سورية في التحالف الدولي، من أجل تحرير الكويت، ثم اشتركت في مؤتمر مدريد للسلام، وارتضت مفاوضة إسرائيل.

وقد أدت كل هذه المتغيرات إلى احتياج النظام إلى استتباب الأمن الداخلي، وإجراء مصالحات وطنية، وإحداث انفراجة على المستوى الديموقراطي، وتخفيض قبضه الدولة الأمنية، والتوجه نحو الانفتاح الاقتصادي، وتشجيع الاقتصاد الخاص، وجذب الاستثمارات إلى داخل سورية.

وقد لجأ الرئيس الأسد إلى إجراء هذه الإصلاحات، من دون أن يقرنها بأيّ تعديلات ملموسة في القوانين المقيدة للحريات. فقد أصدر، في عام 1996، مثلاً، قراراً، يعفو عن 21934 معتقلاً، منهم 1300 معتقل، ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين ومنظمة العمل الشيوعي، المحظورتَين في سورية.

5. تجدد أعمال العنف في سورية

كان من أهم الأحداث، التي أدت إلى عودة العنف إلى سورية، مصرع باسل الأسد، نجل الرئيس السوري، في 20 يناير 1994، والذي كان يُعِدّه ليخلفه في الرئاسة. وقد أعلن، وقتئذٍ، أن الحادث إنما هو حادث سير؛ ولم تذكر أيّ تفاصيل، تبدد علامات الاستفهام، التي أحاطت به.

وفي عام 1997، ومع تصاعد الخلافات السورية- التركية، انفجرت عبوتان ناسفتان في حافلتَي ركاب سوريتَين : إحداهما شمال بيروت؛ والثانية في وسط دمشق. وقد حولت السلطات السورية هذَين الحادثَين إلى صراع سياسي؛ إذ اتهمت كلاً من إسرائيل وتركيا بتدبيرهما، من دون أيّ إشارة إلى احتمالات تصاعد أعمال عنف داخلية.

6. محاولات المصالحة مع الإخوان المسلمين:

في سبيل الحفاظ على استقرار الحكم، وخوفاً من عودة الإخوان المسلمين إلى تدبير أحداث داخلية، فقد بدأت، خلال عام 1997، محاولات وساطة بين الحكومة السورية وقادة جماعة الإخوان المحظورة، الذين يُقيم بعضها بالخارج؛ وذلك من أجل تقريب وجهات النظر، ورأب الصدع.

وفعلاً نجحت الوساطة، التي قادها أمين بكى، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، في إطلاق عدد من قياديي الإخوان. واختاره الإخوان المسلمون مراقباً عاماً جديداً، في خطوة لإبداء النيات الحسنة، وطي صفحة الماضي.

وقد بذلت جبهة العمل الإسلامي الأردنية جهوداً ملموسة، في سبيل تحقيق المصالحة بين الحكومة والإخوان في سورية. ويلاحظ أن رغبة الإخوان في إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم مع الحكومة السورية، تأتي من منطلق تراجع دعمهم المادي الخارجي؛ فضلاً عن رغبة الحكومة السورية في إجراء نوع من الانفتاح السياسي؛ متأثرة بالتحول الديموقراطي العالمي.